مصــــادر الطاقــــة المتجــــددة
نفــــط لبنــــان الحقيقــــي
90 % من بيوت قبرص تستخدم الطاقة الشمسية
لتسخين المياه مقابل 3 % من بيوت لبنان!
ارتفاع أسعار المحروقات عامل مهم لنمو الطاقة المتجددة
لكن غياب الخطة الوطنية والحوافز المالية عائق أساسي
كتب المحرر الاقتصادي:
إحدى أبرز المفارقات التي يعيشها قطاع الطاقة في لبنان هو الغياب التام لأي سياسة بعيدة الأمد لإدخال الطاقة المتجدّدة وتطوير استخدامها على الصعيدين العام والخاص. يستمر هذا الفراغ الملفت على الرغم من وجود عوامل يفترض أن تدفع إلى ملئه بأسرع وقت. ومن هذه العوامل:
إن لبنان يفتقد لمصادر الطاقة الطبيعية المعروفة مثل النفط والغاز أو الفحم الحجري بينما يتمتع بقدر من الطاقة المنتجة من مساقط المياه. ويعتقد بأن أكثر من 95 % من الطاقة المستهلكة في لبنان سواء في إنتاج الكهرباء أم على شكل محروقات يستوردها لبنان من الأسواق الدولية.
إن قطاع إنتاج الكهرباء في لبنان يعاني من مشكلات عدة، من أهمها ضعف الجدوى الاقتصادية وتراكم العجز السنوي بسبب سوء الإدارة والإهدار وسوء الجباية والتعديات الواسعة على الشبكات. وهذا يعني أن للدولة مصلحة أكيدة في حفز القطاع الخاص سواء كأفراد أم كمستثمرين للإستثمار في الطاقة المتجدّدة، لأنه كلما اتسع نطاق استخدام الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية كلما خفف ذلك عن الدولة والخزينة.
إن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجدّدة بات السياسة الثابتة لجميع دول العالم بما في ذلك الدول التي تمتلك مصادر للطاقة التقليدية كما هي الحال في بلدان الخليج.
إن تكنولوجيا إنتاج الطاقة من المصادر المتجدّدة حققت قفزات هائلة في السنوات الأخيرة، الأمر الذي أدى إلى خفض تكلفة الإنتاج بالكيلوات إلى معدلات اقتصادية بالنسبة لطاقة الرياح وإلى معدلات مقبولة بالنسبة للمستهلكين الذين يهمهم تحقيق اكتفاء ذاتي أو “استقلالية” كهربائية.
إن تبني سياسات لزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بات جزءاً أساسياً من الالتزامات الدولية للدول الموقعة لمعاهدة كيوتو، ولغيرها من المعاهدات المتعلقة بخفض انبعاثات الغازات المسببة للتبدّل المناخي، ولاسيما ثاني أوكسيد الكربون الناجم بصورة خاصة عن إحراق مصادر الطاقة الإحفورية Fossil Fuels مثل النفط ومشتقاته والغاز والفحم الحجري. وبالنظر لالتزام لبنان تلك المعاهدات فإن الجدية في تنفيذ بنودها يقتضي أن تبادر الحكومة اللبنانية لتبني سياسات طويلة الأمد لخفض الاعتماد على مصادر الطاقة الملوثة ووضع أهداف كمية محددة في ما خص تطوير مصادر الطاقة المتجدّدة.
المثال القبرصي
إن التأخر الكبير للبناني عن ركب الطاقة المتجددة يظهر عند مقارنة وضعه بما يجري في دولة صغيرة مجاورة هي قبرص التي تعتبر قصة نجاح حرية بالدرس بسبب التقدم الذي حققته في ميدان استخدام الطاقة المتجددة. إذ بلغت مساهمة الطاقة الشمسية في إنتاج الطاقة في قبرص نحو 4 % من المجموع، علماً أن القسم الأكبر من هذه الطاقة يستخدم في تسخين المياه. وتبلغ مساحة اللاقطات الشمسية المركبة في قبرص اليونانية اليوم نحو 690,000 م2 (في مقابل 30,000 م2 فقط في لبنان) كما أن نحو 90 % من البيوت و80 % من الشقق و50 % من الفنادق يستخدمون الطاقة الشمسية لتسخين المياه، وهو أمر جعل قبرص تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث معدل استخدام الطاقة الشمسية بالفرد.
في المقابل، فإن 1 % فقط من المنازل في لبنان كانت تستعمل الطاقة الشمسية لتسخين المياه في العام 2002 وقد ارتفعت هذه النسبة إلى 3 % تقريباً في الوقت الحالي.
وعلى عكس التلكؤ الحاصل في لبنان، فقد بدأت قبرص جمع الإحصاءات عن معدلات سطوع الشمس خلال أيام السنة منذ العام 1959، أي منذ أكثر من 50 عاماً، وأنجزت حكومة الجزيرة أول خطة لتطوير مصادر الطاقة المتجددة في العام 1985 وتمت مراجعة تلك الخطة في العام 1989، وتمّ في العام 2000 إنشاء مركز تطبيقات دراسات الطاقة ومؤسسة قبرص للطاقة. كما أعلنت مصلحة الكهرباء موافقتها على شراء الطاقة الكهربائية المتولدة من المصادر المتجددة ونُشر أول قانون يستهدف التشجيع على الاستثمار في الطاقة المتجددة في العام 2003، وتمّ في إطار ذلك القانون تأسيس الهيئة الناظمة لقطاع الطاقة في قبرص في العام 2004.
ملامح التأخر اللبناني
في مقابل ذلك، فإن الوضع في لبنان يتمثل بالتالي:
غياب أي إرادة سياسية واضحة على مستوى الدولة لتطوير مصادر الطاقة المتجددة، وأبرز مظاهر ذلك الغياب هو عدم وجود خطة وطنية لتطوير مصادر الطاقة المتجددة، ولا أهداف كمية ملتزم بها ولا موارد ولا أبحاث وطنية مخصصة لهذا الغرض حتى الآن.
عدم وجود تشريع أو آليات تسمح ببيع الدولة فائض الطاقة المنتجة من المصادر المتجددة، علماً أن تنظيم إمكان بيع الدولة فائض الطاقة التي قد ينتجها الأفراد أو المستثمرون يعتبر شرطاً لا بدّ منه لإطلاق مبادرات القطاع الخاص في مجال الطاقة المتجددة.
الدعم المرتفع لسعر الطاقة الكهربائية وتراجع تكلفته النسبية بالنسبة للمواطن هما من أهم العوائق أمام تحول المستهلكين نحو مصادر الطاقة المتجددة.
الملفت أن هناك سياسة ضمنية تسمح بشراء وتشغيل المولدات الكبيرة وبيع الطاقة الكهربائية منها إلى المنازل لكن لا تسمح بإقامة مشاريع كبيرة مماثلة بالاستناد إلى طاقة الرياح مثلاً أو الطاقة الشمسية. وهذا الأمر يعكس ربما ثقل المصالح المالية للوبي شركات النفط ومستوردي ومشغلي الموتورات.
حتى في مجال طاقة الرياح، فإن هناك عقبات إدارية مثل السياسة الجمركية التي تمنع الأفراد من استيراد توربينات هوائية تزيد طاقتها على 3 أو 5 كيلوات على سبيل المثال.
نفط لبنان
بعد إهمال الموضوع لسنوات طويلة، فإنه من المؤكد أن عوامل عدة تدفع الآن باتجاه تطوير مصادر الطاقة المتجددة التي تتوافر بصورة كبيرة في لبنان وخصوصاً الرياح والطاقة الشمسية. أما العامل الأهم فهو الارتفاع الكبير والمستمر في أسعار النفط ومشتقاته وهو ما يؤدي إلى زيادة العجز الحكومي في إنتاج الكهرباء وإلى ارتفاع تكلفة الموتورات وارتفاع تكلفة الفاتورة الكهربائية عموماً. ويمكن القول إن هناك تلازماً طردياً بين ارتفاع سعر النفط وسعر المازوت وبين تحول مشاريع الطاقة المتجددة إلى خيار اقتصادي بالنسبة للمواطنين. .
تشير الرسوم البيانية المرفقة في هذا المقال إلى أن لبنان يتمتع فعلاً بفرص كبيرة لإنتاج الطاقة من المصادر المتجددة. وقد أصدرت الدولة اللبنانية مؤخراً خارطة الرياح في لبنان، وهي خارطة تبين حركة الرياح ومعدلات سرعتها في مختلف الأماكن والمرتفعات والجبال. وقد تم إعداد تلك الخارطة بناءً على قاعدة بيانات تمّ جمعها عن حركية الرياح في لبنان. وتبين تلك الخارطة أن لبنان يحتوي على مئات المواقع الجبلية التي تتمتع بممرات هوائية قوية على مدار العام، وهذه النقاط تصلح لتثبيت التوربينات الهوائية لإنتاج الكهرباء يما يكفي حاجة مناطق لبنانية بكاملها. كما أن معدلات السطوع اليومي للشمس على مدار العام تعتبر نموذجية أيضاً وتجعل من تبني توليد الطاقة من اللاقطات الفوتوفولطية أمراً ممكناً من الناحية الاقتصادية.
شروط انطلاقة الطاقة المتجددة في لبنان
بناءً على ما سبق، فإن الدولة اللبنانية في حاجة ماسة لإعادة النظر سريعاً في موقف عدم الاكتراث الحالي من ملف الطاقة المتجددة، وذلك بالانتباه إلى المسائل التالية:
تنظيـــــم إمكــــان بيــــع الدولــــة الطاقــــة المنتجــــة من مصــــادر الطاقــــة المتــــجددة.
توفــــير قاعــــدة بيانــــات وأبحــــاث متكاملة عن مصادر الطاقة المتجــــددة فــــي لبنــــان بمــــا يسمح من تقدير جــــدوى كــــل مــــن تلك المصــــادر.
إلغاء الرســــوم الجمركيــــة علــــى كافــــة تكنولوجيــــات ومعــــدات الطاقــــة المتجــــددة.
منح حوافز مثــــل زيادة المساحة التي يمكن البناء عليها مقابل إدخال مصــــادر الطاقة المتجددة من قبل المطــــورين.
تعميم التوعية بتكنولوجيات الطاقــــة المتجــــددة في مختلف وسائل الإعــــلام.
توفيــــر برامــــج تسليــــف ميســــر لإدخــــال تقنــــيات الطاقــــة المتجددة في الاستخــــدام الفردي المنــــزلي أو المشاريــــع الخاصة لإنتاج الطاقــــة.
رفع ضــــريبة القيــــمة المضافــــة عــــن وحــــدات تسخيــــن الميــــاه بالطاقة الشمسية.
فــــرض إدخــــال أنظمــــة تسخيرن الميــــاه بالطاقــــة الشمسية على كافة البيوت والأبنيــــة الجديــــدة، واشتراط ذلك كجزء من الترخيص، كذلك فــــرض هذا النظام في حالات الترميم والتوسيع لمنازل قائمــــة.