السبت, شباط 22, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, شباط 22, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

ملا نصرالدين

حكايات مُلّا نَصْر الدِّين

مقالب ومواقف وعبر من الحياة
ونقد لاذع لضعف النفس الإنسانية

الحلقة الثانية

أدخلت مجلّة “الضّحى” في العدد السّابق باباً جديداً يسلّط الضّوء على شخصيّة الحكيم السّاخر مُلّا نصر الدّين ويبدأ على حلقات في عرض حكاياته الطّريفة تلك التي تحمل في الوقت نفسه عِبَراً ودروساً في تهذيب النّفس وحِكَم الحياة.
ويُعتبر نصرُ الدين خُجا (مُلّا نصر الدين) شخصيّة مِحْوَرية في الإرث الشّعبي لبلدان وسط آسيا، وقد غدت صورته في مُخيّلة العامّة والفولكلور الشّعبي صورة “الحكيم الساخر” كرجل واسع المعرفة سريع الفطنة حادّ الذكاء، إلاّ أنّه يُلْبِس حكمته والعِبَرَ التي يأتي بها طابع السّخرية والّلامعقول. وبسبب شُهرته كمعلّم في الثقافة الآسيويّة والعالميّة فقد حَظِيَت شخصيّته بالتّكريم العالميّ وذلك عندما أعلنت منظّمة الأمم المتّحدة للثقافة والعلوم (اليونسكو)عام 1996-1997 السنة العالمية لنصرِ الدين، وكرّست دول عديدة ذلك العام للتّعريف بشخصيّته وحكاياته وحِكَمِه وعُقِدَت النّدوات الثقافية والأمسيات والاحتفالات الشعبية وأُنتجت أفلام ووثائق بكلّ الّلغات عن هذه الشخصيّة المُثيرة للاهتمام. وقد انتقل العديد من حكايات مُلّا نصرِ الدّين إلى العربيّة من خلال شخصية “جحا” ونوادره. وبالطّبع فقد نما هذا التّراث الشّعبي مع إضافة النّاس العديد من القصص التي تنسب إلى نصر الدين أو جحا لهذا فإنّنا نراها تتفاوت من حيث طرافتها أو من حيث القيمة الثقافية أو التّراثية التي تحملها. ورغم أنّ مؤسسات ثقافية أخذت على عاتقها محاولة جمع هذا التّراث وتنقيته إلاّ أنّ هذه المهمّة تبقى صعبة لأنّ النّاس أنفسهم دمجوا شخصيّة نصرِ الدّين أو شخصيّة جحا في تراثهم وحياتهم مما يعني أنّنا سنجد دوماً مزيداً من الحكايا التي تُنْسَج على لسان هذه الشخصية التّاريخيّة ولا بأس في ذلك إذ إنّ إرثَ نصرِ الدين لم يكن لينمو ويَغْنى بهذا الكمّ من الحكايا السّاخرة ذات المغزى الأدبيّ أو الحياتيّ لولا الإسهام المتواصل للرّواية الشّعبيّة في هذا التّراث وفي كثيرٍ غيره من الموروثات الشعبية.
في هذه الحلقة الثّانية من حكايات المُلاّ نصر الدين تختارُ “الضّحى” باقةً من مواقفه ومقالبه السّاخرة الحاملة للعِبَر الأخلاقية والحياتيّة وتُترجمها للقارئ العربي عن الّلغة الإنكليزية١ كما صاغها الفيلسوفُ الصّوفي إدريس شاه، نقلاً عن اللّغتين الفارسيّة والتّركيّة.

أموت أنا أو الملك أو الحمار
أموت أنا أو الملك أو الحمار

هات مِغرفتَك لِنموتَ معك!
ذاتَ يوم، دُعِيَ الخجا نَصْرُ الدِّين واثنان آخران إلى عشاء عند أحد الأصحاب. كان مساء ذات ليلةِ صيفٍ حار.
وأحضرَ المُضيفُ إلى الطّاولة زُبْدِيّةً كبيرة ملأى بمربّى الكرز وشرابه المثلّج. والتقط مِلْعقةً كبيرة كمِغرَفةٍ وأعطى ضيوفه ملاعقَ صغيرة.
وقال: “فلنغرف بملاعقنا!”.
لكنّ أحداً لم يستطع أن يَغْرِف بمِلعقته بمثلِ ما كان يَغْرِف. فالضّيوف، بملاعقهم الصّغيرة، لم يَسَعَهم التمتُّع بهذه الحَلوى أو أن يُطفِئوا عطشَهم.
بيدَ أنّ المُضيفَ كان يحتسي الشرابَ الباردَ بملعقته الكبيرة، وبعد كلّ ملعقة يُعبّر عن تلذُّذه.
ويقول: “آه، هذا يقتلني!”. ويُضيف مُتأوّهاً: “آه، لعلّني مِتُّ وصعِدتُ إلى الجنّة. أَوّاه، كم هذا ممتعٌ، إنّني أموت!”.
لكنّ الخوجا نَصْرَ الدِّين لم يكن ليسمحَ باختفاء الحَلوى من أمامه قبل أن تتسنَّى له فرصة التمتُّع بها.
فخاطب المضيف قائلاً: “يا أفندي، لِمَ لا تناولنا المِغرفة كي يتسنَّى لنا أيضاً أن نموت قليلاً”.

لم أشتَرِ السّروال!!
في أحد الأيام، كان نَصْرُ الدِّين خوجا يبتاعُ حاجيّات له في السوق. وقفَ أمام متجر ثياب. واستغرقَ وقتاً وهو يُحدِّق في السّراويل الملوّنة، وشاشات العِمامات، والقمصان والجُبَب. وإذْ به أخيراً ينتقي سروالاً.
وبعدما قلّبه لهُنَيْهةً بين يديه، رجِعَ عن اختياره هذا لينتقيَ جُبَّةً بدلاً من السّروال. وأوشكَ على المغادرة بالجُبَّة عندما طالبه البائعُ بماله.
إذ قال له: “خوجا أفندي، إلى أينَ أنتَ ذاهبٌ؟ فأنت لمْ تدفعْ لي ثمنَ الجُبَّة!”.
أجابه الخوجا باستخفاف: “ماذا تقصد؟ لقد بدَّلتها بالسّروال”.
بيد أنّ البائع قال: “عجباً لكنّك لم تدفع ثمنَ السّروال أيضاً”.
أجابه الخوجا بصَلَف: “وَيحَكَ يا صاح، لِمَ عليَّ أنْ أدفع ثمنَ شيء لم أبْتَعْه؟”.

أجْرُكَ؟ لا شيء
كان الحطَّابُ يحمل كيساً مليئاً بالحطب المُقَطَّع على ظهره. الكيسُ كان ثقيلاً ومليئاً أكثر ممّا يستوعب. وحَرِصَ الرّجلُ الذي كان ينوءُ تحت عبءِ حِمْلِهِ الثقيل باذلا أقصى جهده ألَّا يُسقِط شيئاً من قطع الحطب وهو سائرٌ في طريقه.
لكنّ الرّجلَ المِسكين لم يَسَعْه تجنُّبَ التّعثُّرِ بحجرٍ على الطريق فسقطَ نصفُ حمولته من الحطب وتدحرج على الأرض. وصُودِف مرورُ رجلٍ رأى ما حَدَث، فسأل الحطّاب.
“إذا أعدتُ ما سقطَ من قطع الحطب إلى الكيس على ظهرك، فماذا ستُعطيني بالمقابل؟”.
“لا شيءَ”، أجاب الرجلُ الذي ينقل الحطب. فوافقه الرّجل قائلاً: “هذا مقبول”. فجَمَع كلَّ قطع الحطب المتناثرة على الطريق ودسّها مجدداً في كيس الحطّاب. وعندما أنجزَ عمله طلب أجــراً. فذُهِلَ الحطّاب.
وقال: “أخبرتك، سأُعطيك لا شيء”. فقال الرّجل: “نعم، وهذا ما أُريده: لا شيء . أعطِنِي لا شيء!”. وبعدَ شِجَار، قرّر الرجلان أن يحتكما إلى القاضي.
وكان نَصْرُ الدِّين خوجا يتولّى القضاء في حينه.
أصغى إلى كِلا الرّجلين بكلّ جِدّيّة. ومن ثمّ خاطبَ الرّجل الذي كان يُطالِب بأجْره “لا شيء”.
“يا عزيزي، هلَّا رفعتَ حافّة الزاوية اليمنى لتلك السجَّادة على الأرض واستبْيَنتَ ما تحتها؟”.
قام الرجل بما طُلِبَ منه ونظر تحت السجَّادة.
فسأله الخوجا: “ماذا رأيت؟”.
أجابه الرجل: “لا شيء”.
فأَمَرَهُ الخوجا قائلاً: “حسناً، خُذْهُ واذْهَب إلى منزلك، هذا هو أجْرُك”.

طُلابٌ سُذَّج وربابة
كان لنَصْرِ الدِّين خوجا طلابٌ من خارج البلدة. وكان أثناءَ النّهار يُعلِّمهم في المدرسة، وفي آناء الّليل يُؤويهم وزوجتَه في منزلهما.
ذات مساء، كان الخوجا وطلّابه الصّغار عائدين بعد يومٍ دراسيّ طويل في المدرسة.
وفي طريق عودتهم إلى المنزل، شاهدوا لِصَّين أمام متجرٍ. كان أحدهما يُعالِج قُفْلَ الباب بمِبْرَدٍ دَفْعَاً وسَحْباً فيما كان الآخر يُراقِب من حوله.
وسأل الطلابُ الخوجا عمّا يحدث، غير مُدرِكين لسذاجتهم أنّ هذَين الرّجلَين كانا ينويان سَرِقة المتجر.
ولم يَرُقْ للخوجا نَصْرِ الدِّين التورُّط مع هذَين الّلِصَّين الشَّقِيِّيَن، لكنّه في الوقت ذاتِه لم يشأ أنْ يخالَهُ طلاّبُه شاهِداً على جريمة من دون القيام ِ بشيء. لذا قرَّر الكَذِبَ حول ما يحدث.
وتَمَلَّصَ في كلامه قائلاً: “أحدُهم يعزِفُ على الرَّبَابَة، والآخر يُصغِي للموسيقى”.
فاعترضَ الفِتْية قائلين: “لكن يا خوجا أفندي، أيُّ نوعٍ من الموسيقى هي هذه؟ فليسَ ثَمَّةَ صوتٍ”.
أجابهم الخوجا مُطمْئِناً: “أوه، سيكون هناك صوتٌ. إنّــهــا ربَابَة فريدة. وموسيقاها ستُسمَع غداً صباحاً عندما يعودُ صاحب المتجر إلى متجره!”.

أموتُ أنا، أو الملك، أو الحمار!
ذاتَ يوم عَنَّ لتيمورلنك مضايقةُ الخوجا نَصْرِ الدِّين استهزاءً.
فسأله: “أيُّها الخوجا ، هل بإمكانك أنْ تُعلِّم حماري القراءة؟
أجابه: “نعم بإمكاني ذلك يا تيمورلنك العظيم”.
فقال تيمورلنك: “رُويدَكَ يا خوجــا! كيف لكَ أن تُعلِّمَ حماراً القراءة؟”.
أجاب الخوجا بثقة: “إذا ما مَنَحتـنــي مهلةَ ثلاثَ سنوات وثلاثةَ آلاف قطعة ذهبية، فَبِوِسْعي أن أُعلِّم حماري كيف يقرأ”.
استدرك تيمورلنك مُحِذِّراً: “لكنْ إذا لم يستطع الحمارُ القراءة في غضون مهلة السنوات الثلاث فسأُعاقِبُكَ بشدّة لمحاولتك الاستهزاء بتيمورلنك العظيم.
وافقَ الخوجا نَصْرُ الدِّين تيمورلنكَ على شُروطه، وأخذَ ثلاثة آلاف قطعة ذهبيّة وغادر خيمة تيمورلنك الفخمة.
وبادر أصحابُ الخوجا الّذين شهدوا الصّفقة إلى إبداء ارتيابهم.
وقالوا: “يا خوجا أفندي، ما أنتَ فاعلٌ؟ أنتَ تعلم أنّك عاجزٌ عن تعليم الحمار أيَّ شيء سوى النَّهِيق. ثلاث سنوات تمرّ وسيقطعُ تيمورلنك رأسَك!”.
لكنّ نَصْرَ الدِّين لم يكن لينتابَه هاجسٌ. قال برباطة جأشٍ: “يا صَحْبيَ الأعزّاء، قبل أنْ تمضي هذه السنوات الثلاث سيموت واحدٌ مِنّا، إمّا أنا أو تيمورلنك أويموت الحمارُ!”.

القدر تنجب ولا تموت؟
القدر تنجب ولا تموت؟

غداً يومُ القيامة
كان قد مضى وقتٌ طويلٌ قبل أن يَحظى سُكّان بلدة “أكسي شهر” بوليمةٍ حافلة. وخرجَ جيران ملّا نَصْرِ الدِّين بحِيلةٍ لجَعْلِهِ يدعوهم إلى وليمةٍ كبيرة.
قالوا: “خوجا أفندي، غداً سيكون يوم القيامة. لِمَ لا نذهب جميعاً في نزهة، ونشوي خَرُوفَك الصّغير ونستمتع بوليمةٍ كبيرة وأخيرة”.
فاحتجَّ الخوجا قائلاً: “خَرُوفِي الصّغير! إنَّهُ قُرَّة عينيّ! لا يمكنني أنْ أذبحَ خَرُوفي الصغير”. لكنّ الجيرانَ لم يستسلموا بسهولة.
وقالوا: “خوجا أفندي إنّه يوم القيامة. ونحن جميعاً سنموت بأيِّ حال. فما الضَّيْرُ فـي وليمة أخيرة؟”. وفي نهاية المطاف أقنعوا نَصْرَ الدِّين بمَنْح خَرُوفِه الصغير لهم.
اجتمعوا وتوجَّهوا إلى ضفّة النّهر للتنعُّم بنزهةٍ ممتعة. ذبحوا الخروف المسكين ثم جهّزوه ووضعوه فوق النار لِشَيِّه ومن ثمّ نزعوا ثيابَهم ونزلوا إلى النّهر استمتاعاً بالسّباحة. وفيما كان الجميع يتقاذفون بالماء لَعِباً ولهواً ومَرَحاً لفتح شَهيِّتِهم، التقطَ الخوجا نَصْرُ الدِّين جميعَ الملابس المُلقاة على الأرض وألقاها في النار. وعندما خرج الجميعُ من الماء، كان الخَرُوفُ الصّغير قد باتَ مُحَمَّراً مشوّياً، وجميعُ الثياب قد احترقت بنار شِوائه.
صُدِمَ أصحابُ الخوجا وسألوه عمّا حدث مُندَهِشين.
أخذَ يشرحُ لهم بكلِّ برودة وهدوء: “آه، الملابس؟ لقد استخدمتُها لتأجيج النار، وبما أنّ غداً هو يوم القيامة، فما حاجتُكم إليها؟”.

بقرتُنا أتلَفَتْ حديقتَكم!
كان الخوجا نَصْرُ الدِّين قاضيَ زمانِه. وذاتَ يوم جاءَه جارٌ لمواجهته.
“خوجا أفندي، يبدو أنّ بقرتَك قد وَلَجت حديقتي وسبَّبَت تلفاً كبيراً في الخضار. فماذا يقول كِتابُ قوانينِك الكبير حول ذلك؟”.
أجاب الخوجا نَصْرُ الدِّين شَرْعَاً: “الحيوانُ لا عقلَ له. ولا يمكن تحميل صاحبه مسؤوليّـة سلوكه الغريزي. فلا حُكْمَ لعقوبةٍ في ذلك”.
استدركَ الجارُ الأمرَ قائلاً: “لقد أخطأتُ التعبيرَ يا خوجا أفندي. قصدتُ القولَ أنّ بقرتنا هي التي دخلت إلى حديقتكم وأتلفت خضارَكم”.
هنا تناول الخوجا كتابَه الكبير وقال: “دَعْني أنظرْ ما يقول القانون في ذلك!”.

القِدْر تُنْجِبُ ولا تموت!
استعارَ الخوجا نَصْرُ الدِّين قِدْراً من جاره. وعندما تخلَّفَ عن إعادتِها لفترةٍ طويلة، جاءهُ الجارُ طارقاً الباب.
قال الجار: “خوجا أفندي، إن كنت قد انتهيتَ من استعمال القِدْر، هلَّا أعدَتَها إليَّ؟ فزوجتي تحتاجها اليوم”.
قال الخوجا: “آه، بالطّبع. فقط انتظرني دقيقة وسأتفقَّدها”. ولدى عودة الخوجا إلى الباب حاملاً القِدْر، لاحظ الجار أنّ هناك إناءً صغيراً داخلها.
فسأله: “ما هذا”.
قال الخوجا: “حسناً، أُهنِّئُكَ يا جاري لقد أَنْجَبت قِدْرُكَ إناءً صغيراً”.
شكَرَ الجارُ المذهول والمسرور في آن الخوجا، والتقطَ قِدْرَه والإناءَ الصّغير الجديد وقَفَلَ عائداً إلى منزله.
وبعد مرور أسابيع قليلة، جاءَه الخوجا ثانيةً، وسأله أن يستعيرَ قِدْرَهُ. فلم يتردَّد الجارُ أبداً وأعارَ الخوجا القِدْرَ بكلِّ سرور. ومع ذلك، تخلَّفَ الخوجا مجدداً عن إعادتها. فلم يكن أمام الجار من بُدٍّ سوى أن يُطالبه بها من جديد.
“خوجا أفندي، هل انتهيتَ من القِدْر؟”.
فتأوَّه ملا نصر الدين قائلاً: “أوّاه يا جاري. أخشى أنّ قِدْرَكَ قد ماتت”.
فتعجَّبَ الجارُ المُرتاب وسأله: “كيف ذلك يا خوجا أفندي، هذا مُحال، وهل القِدْرُ تموت؟!”.
وكان الخوجا نَصْرُ الدِّين مُتَهيِّئأً للإجابة:
“يا صديقي العزيز، كيفَ لك أنْ تُصدِّق أنَّ القِدْرَ تُنجِبُ، ولا يسعُكَ أنْ تُصدِّقَ أنّها تموت؟”.

في الحمام التركي
في الحمام التركي

الزّوجة السبَّاحة
اتّخذَ مُلّا نَصْرُ الدِّين له زوجةً ثانية كانت أصغر بكثير من الأولى. وذاتَ مساء، عادَ إلى المنزل ليجدهما تتشاجران حول أيّهما الأَحَبّ إلى قلب المُلّا.
بدايةً، أخبرهما نَصْرُ الدِّين أنّه يُحبِّهما بالمقدار ذاته، لكن أيَّاً منهما لم تكتفِ بهذه الإجابة. عندها سألت الزّوجةُ الأكبر سنّاً: “حسناً، لنفترض أنّنا نحن الثلاثة كُنّا في قارب، وأخذَ يغرق بنا. فأيـّاً منّا تُحاوِل إنقاذها؟”.
فكَّر المُلّا لِلَحظة ثمّ قال للزوجة الأكبر سنّاً: “عزيزتي، أنتِ تُجيدين السّباحة، أليسَ كذلك؟”.

سِرُّ طول العمر
ذاتَ يوم سُئِلَ المُلّا نَصْرُ الدِّين عن سِرّ طول العمر.
فأجابَ: “ابقِ قَدَمَيكَ دافئتَين، ورأسَك بارداً، واحترسْ لِمَا تأكله، ولا تُفكِّر كثيراً”.
محامي الدّفاع: دَجاجة!
في أحد الأيام، تقدَّمَ بعضُ أصحاب الشأن من تيمورلنك بشكوى على المُلّا نَصْرِ الدِّين. فما كان من هذا الأخير إلاّ أنْ أخذَ دجاجةً وفِرَاخَها هديّةً إلى أحد مستشاري تيمورلنك لكي يُدافِعَ عنه.
وفي اليوم التالي استُدعِيَ نَصْرُ الدِّين وخصومه إلى القصر للحُكْم بينهم.
وبعد الاستماع إلى الشكوى، أخذَ المستشارُ يُدافِع عن المُلّا نَصْرِ الدِّين، ومن ثمَّ سألَ تيمورلنك الخوجا قائلاً: “ما الذي تقوله لتُثبِتَ أنّكَ لستَ مذنباً”.
فأجاب نَصْرُ الدِّين: “ليس لديَّ المزيد لأقوله أيُّها الكبير. لقد تحدَّثَت الدّجاجةُ وفِرَاخُها عنّي”.

صِفةٌ ممّا لستُ أذكرها!
سُئِلَ المُلّا نَصْرُ الدِّين في يومٍ من الأيام: “ما هي أفضلُ صفات البشرية؟”.
فأجابَ: “حَسَناً، لقد أخبرني أحدُ الفلاسفة مرَّةً أنّ هناك صِفَتَين. كان قد نَسِيَ الأولى، لكنّه أطلعَنِي على الثانية. ولكي أكونَ صادقاً، فقد نسيتها أنا أيضاً!”.

رجاءً لا تَكْشُفِي النِقاب ..!
كان العُرفُ الاجتماعي السائد في أيام المُلّا نَصْرِ الدِّين ألَّا تكشِفَ العروسُ عن وجهها لزوج المستقبل قبل الزواج.
وفي يوم زفاف المُلّا، كشفت زوجتُهُ النّقابَ عن وجهها وسألته: “قُلْ لي يا مُلّا نَصْرَ الدِّين، أيّاً من أقربائك يمكنني مقابلته من دون أن أُغطِّي وجهي أمامه بالنقاب”.
فأجابَ المُلّا بحسرة: “اكشفِي عن وجهكِ لمَن شئتِ، لكن رجاءً احرصي على إبقاء النقاب في حضوري!”.

في الحَمَّامٌ التُركي
قصَدَ مُلّا نَصْرُ الدِّين يوماً حَمَّاماً تركيّاً. لكنّه بسبب ثيابه الرَّثَّة، لم يَسْترعِ اهتمامَ الخادمَيْن هناك. فوضعا له قطعة صابون صغيرة، وخِرْقَة قماش يتّخذها مئزراً، ومنشفة قديمة فقط.
وفيما كان يُغادر الحَمَّامَ نَقَدَ كُلّاً من الخادمَيْن قطعة ذهبية. وكم دُهِشَا لسخائِهِ لأنّه لم يتذمّر من سوء خدمتهما. وتساءَلا كم كان ليُغدِقَ عليهما لو أنّهما عاملاه على نحوٍ أفضل”.
في الأسبوع التّالي، عاد نَصْرُ الدِّين مُجدداً إلى الحمَّام. لكنّ الخادمَين هذه المرَّة عاملاه معاملةً الملوك وقدَّما له مناشِفَ فاخرة مزركشة، ومئزراً من حرير. وبعد تدليكِه وتضميخِه بالعِطر، غادرَ الحَمَّامَ ونَقَدَ كـلّاً من الخادمَين أصغرَ قطعة نقود نحاسيّة لديه وقال الخوجا لهما: “هذه للزيارة الأولى. أمّا القطعتان الذّهبيّتان فهما لليوم!”.

الإجابة عن السؤال بسؤال!
حَدَثَ يوماً أنْ سُئِلَ مُلّا نَصْرُ الدِّين: “لماذا تُجيب دائماً عن السؤال بسؤالٍ آخر؟
فأجاب: “هل أفعلُ ذلك؟”.

أَتُصدِّقُ الحمار؟!
طرَقَ جارٌ بابَ مُلّا نَصْرِ الدِّين ذاتَ يوم وقال له: “خوجا أفندي، أوَدُّ أنْ أستعيرَ منكَ حمارك”.
فأجابه المُلّا: “أنا آسف، لقد سبَقَ وأعرتُهُ لغيرك”.
وما أنْ قالَ ذلك، حتى سُمِعَ صوتُ نهيــق حمارٍ من إسطبل الخوجا.
فقال الجار: “لكن يا مُلّا أسمعُ صوتَ الحمارِ في الدّاخل”.
أجابه نصر الدين غاضباً: “عارٌ عليكَ، أَتُصدِّقُ حماراً وتُكذِّبُني!!”.

كما يقولُ المَلِكُ
دعا المَلِكُ في أحد الأيام المُلّا نَصْرَ الدِّين إلى قصره لتناول العشاء. وكان الطبّاخُ المَلَكي قد أعدَّ من بين أصنافٍ أخرى، طبقَ ملفوف. وبعد العشاء، سأله المَلِكُ: “كيف وجدتَ الملفوف؟”.
فأجابه المُلّا مُجاملةً: “كان لذيذاً جداً”.
فبادر المَلِكُ إلى القول: “أظنُّ أنّ طعمَــهُ فظيع”.
فأردفَ المُلا موافقاً: إنّكَ على حَقّ أيُّها الملك، كان الملفوفُ غيرَ شهيٍّ على الإطلاق”.
فذكَّره المَلِكُ: “لكنّــكَ قُلتَ للتو إنّه لذيذٌ!”.
استدركَ المُلّا: “نعم، لكنّني تابعٌ مُخلِصٌ لسُلْطانِكُم، لا لسُلطانِ الملفوف”.

اختبار عجيب
تسلَّقَ مُلّا نَصْرُ الدِّين ذاتَ يوم إلى أعلى مئذنةِ مسجدٍ وصاحَ بصوتٍ عظيم.
وعلى الفور نزِلَ سريعاً وأخذَ يركض.
فسأله أحدُ المارّة: “خوجا أفندي لماذا تركض هكذا، ماذا يحدث؟”، فأجابه: “إنّني أركضُ لأتبيّن إلى أين يصل صوتي”.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي