اخبار مثيرة للقلق تتناقلها وسائل الاعلام والتواصل اللبنانية، طوابير طويلة من اللبنانيين، والشباب منهم خاصة ، امام ابواب السفارات سعياً للهجرة من لبنان. ارقام صادمة عن الحجم المتزايد للهجرة من لبنان سجلت: سنة 2018 حوالي 42000 مهاجر، سنة 2019 حوالي 62000 مهاجر، ومن المتوقع ان يرتفع العدد في هذا العام 2020 الى اكثر من 100000 مهاجر جديد، والاتجاه حالياً يؤشر الى استمرار نزيف الهجرة.
هذا الاندفاع غير المسبوق للهجرة من لبنان له اسبابه ومبرراته. فاللبنانيون اليوم يعانون ويكابدون من انسداد آفاق العيش امامهم : افلاس مالي ، انهيار اقتصادي، اضطراب اجتماعي، توقف الاعمال وتزايد البطالة، والعجز عن تأمين لزوميات العيش والعلم والطبابة والاستشفاء، استشراء الفساد وعجز السلطة الحاكمة عن اتخاذ التدابير الضرورية لمواجهة الازمات المتعددة التي تفاقم صعوبات العيش في لبنان، وخاصة بعد انتشار وباء الكورونا، والدمار الذي لحق البشر والحجر في بيروت بعد كارثة انفجار المرفأ.
ان تبادل التهم حول اسباب الفشل في الاصلاح بين اركان السلطة، والكلام عن النفط والغاز وكل الطاقات يبقى كلاماً، والاشادات المتواصلة بالسياحة على انها الترياق لم يعدلها معنى لا في الداخل ولا في الخارج بعد انهيار البنى التحتية في الكهرباء والماء والاتصالات والمواصلات وما تستوجبه السياحة لكي تكون قطاعاً ناجحاً. كما ان الكلام عن حقوق الطوائف فيما المردود على الجيوب لا يبدل الواقع المرير الذي يدفع الكثيرين للهجرة وعدم تصديق الكلام المعسول. يتركون الوطن، رغم تعلقهم به، ويتساءلون بحسرة اين الحوافز التي تشجعهم على البقاء ؟
ان اوائل المغادرين هم المتمولون من رجال الاعمال المرحب باستثماراتهم في مختلف البلدان، يليهم اصحاب الكفاءات العلمية والمهنية والادارية العالية الذين تستفيد الدول الاخرى من خبراتهم، وطلاب العلم الراغبون في بناء مستقبلهم خارجاً بعد انعدام الفرص في لبنان.
هذه الحقائق تعني ان لبنان اليوم بسبب فشل حكامه، اصبح مهددا بفقدان اثريائه وكفاءاته الشبابية، الامر الذي يترتب عليه خلل قاتل في تركيبته السكانية والاجتماعية ومن قدراته وهذا بالطبع سيصعب على من يبقى فيه القدرة على الخروج من المعاناة والعودة بالبلد الى الانتاج والنمو والازدهار.
في خضم هذا الواقع السوداوي الصعب، تنبعث بارقة امل حملها الى اللبنانيين مؤخراً صديق لبنان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في محاولة صادقة منه ، وسعي لاقناع المسؤولين في الطبقة السياسية اللبنانية بالتخلي عن حساباتهم الضيقة وانانياتهم وارتباطاتهم الفئوية والمحورية ، والتفاهم على اتخاذ التدابير اللازمة للانقاذ وتشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحديات دون عراقيل تعيد للبنان عافيته وللبنانيين ثقتهم بدولتهم، فتقوم دولة المواطنة والعدالة والمساواة.
فهل سيتحقق الحلم، وتنجح المحاولة؟ الايام القليلة القادمة ستحمل الجواب الذي نأمله ايجابياً، وبالانتظار نقول: ما اصعب العيش لولا فسحة الامل!!!
وفي سياق مواكبتنا، في رابطة اصدقاء كمال جنبلاط ، لما يواجهه لبنان اليوم من معاناة، لابد لنا من التذكير بما نبّه منه المعلم كمال جنبلاط قبل اكثر من خمسين عاماً حتى لا تصل الامور الى ما وصلت اليه اليوم.
يا اخي المهاجر، لنا منك بعض العذر، فالازمة التي نجتازها تتعدى كل الازمات التي مرت على بلدنا، انها ازمة حكم وازمة نظام، وهي فوق كل هذا، ازمة اخلاق وكفاءة ورجال، وحتماً ستمرّ، ويتعافى لبنان. لكل هذا نأمل منك ان لا تنسى وطنك، وان تمدّ لنا يد العون والمساعدة في اخراج لبنان من ازماته.»
(من خطاب له في مهرجان المغتربين في زحلة بتاريخ 1/6/1946)
وفي مقال له في جريدة الانباء بتاريخ 30/11/1968 كتب:
«لم ار في حياتي حكماً سياسياً كالذي يمارسه لبنان الرسمي اليوم بالنسبة لأبنائه. لبنان هذا تحوّل الى دكان على شواطئ البحر المتوسط، تحول الى مقهى وملهى وملجأ، واصبح ابناؤه يعيشون في خوف دائم على مصائرهم، وفقدوا القدرة بالاعتزاز بالانتساب اليه. ومن المؤس جداً ان يعتمد الحكام سياسة ونهجاً في الحكم سيحمل الشباب اللبناني على التحول عن الولاء لقضية وطنهم لانها اصبحت تبدو لهم مجردة عن اية قيمة وطنية ولا تتمثل فيها اية قيمة انسانية معنوية. لبنان تحول مع هؤلاء الحكام الى حائط مبكى وجدار مذلّة ومهانة. هذا اللبنان لم يعد لبنان هؤلاء الشباب بل لبنان الطائفيين والخانعين الذين تتآكلهم في نفسيتهم المريضة والمنحرفة شتّى مركبات النقص.»