الخميس, آذار 28, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, آذار 28, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

نداء الروح في عالم صاخب

في ظلِّ الفراغ الروحي المتعاظم أو الآخذ بظاهر الدين من دون لبِّه وجوهره الحقيقي، لا بُدَّ لـ “مجلة الضُحى” من لعب دور أساسي في ثقافة التوحيد ومناقبه وآدابه. وكم من الناس أصبح الدِّين عندهم تعلّقاً بالأماني وجموداً في الفِكر وتقصيراً في السعي؛ وما الفراغُ الذي نعيشه اليوم إلاَّ نتيجة لابتعادنا عن ينابيع التوحيد وتقصيرنا في العمل بالآية الكريمة: “وقُل ربِّي زدني عِلماً”. ولا بُدَّ لذلك من العمل على تعريف الموحِّدين بكنوز الإيمان والاختبار الروحي الكوني والتحقّق. هذه الكنوز الذي وصلتنا من كلِّ صوبٍ، وتؤكِّد لنا كلَّ يوم أنَّ اختبار التوحيد شامل لجميع البشر، وأنَّ الله تعالى لم ينسَ من فضل هديه ونعمه الروحية حضارة أو شعباً، ولا بد لنا بالتالي من التطلع بقلوب مفتوحة إلى منابع التوحيد وقيمه ومسالكه خصوصاً في محيطنا والتراث الهائل لشركائنا في الإيمان والإسلام.

إنها الرسالة المستمرة منذ أن وجد البشر، إنها رسالة الموحدين السابقين في كل زمان، رسالة فيثاغوروس وسقراط  وأفلاطون ورسالة هرمس الهرامسة وشعيب التوراة ويسوع الحق وحوارييه والإسلام الحنيف وكتاب الله المعجز والرسول الكريم وسيرته والصحابة الكرام وشمائلهم والأركان وشمس سلمان الفارسي التي لا تغيب، إلى عصر النور والحياة، وهو الدور الفاطمي والقاهرة المعزية، ونجومها الزاهرة، ودار الحكمة، والمليون مجلد في ذاك الزمان، واكتمال بدر التوحيد ورسالته الخالدة.

هؤلاء هم الموحدون الدروز، المسلمون المؤمنون، وهذا هو تراثهم، فأين نحن اليوم من هذا التراث؟ وهل يمكن لمن هم من أشرف الخلق أن يسيروا في هذه الحياة على غير هدى غير مدركين لحقيقتهم وللرسالة التي كلفوا بها بل شرفوا بها وبحملها؟ وما الذي يعرفه موحدو هذه الفترة الصعبة من أسرار وحقيقة مسلك التوحيد الذي كان في أصل وجودنا وتقاليدنا كما كان دوماً ميزان أعمالنا والقوة الدافعة عند الملمات في صراعنا. وكم ناضل السابقون منا وكم من الأثمان الغالية دفعوا حفظاً لهذه الكنوز ولهذا المسلك الشريف والسامي في الحياة؟

إنه التوحيد، الذي استعصى سره على أعظم العقول وفق قول أحد الحكماء

“إذا تناهت عقول العقلاء في التوحيد، تناهت إلى الحيرة.”

أو كقول أحد حكماء المسلك، بأن التوحيد إسقاط الياءات، أي لا تقول لي، وبي ومني، وإلي بل جاهد لمحو الثنائية حتى لا يبقى إلا الواحد. والغائص في بحار التوحيد لا يزداد على مر الأوقات إلا عطشاً. وهل أجمل من وصف البسطامي حالة القلق والعطش والفناء عن الذات، والاحتراق في لهب المحبة والوجد حيث يقول :

عجبت لمن يقول ذكرت إلفي      وهل أنسى فأذكر ما نسيت
أموت إذا ذكرتــك ثم أحيـــــا      فكم أحيا عليك وكم أمـوت
شربت الحب كأسـاً بعد كأس      فما نفد الشراب وما رويت

” إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة “، والجنة في حقيقتها تتجاوز أنهار اللبن والعسل الرمزية إلى تجلي الحقيقة في نفوس المستعلين والمتطهرين، في رحاب الدعوة الإلهية الهادية المهدية. وقد قال فيهم جعفر بن محمد:

“إنما المؤمنون أخوة أبوهم النور أي العقل وأمهم الرحمة أي النفس “.

هذه لمحات في معنى التوحيد نرجو أن  نقدمها في هذا الباب إلى السالكين والشباب، وهذا الجيل الجديد الذي انجذب معظمه ويا للأسف إلى كل مادي محسوس، والسعيد من جعل الحكمة لقلبه مسكناً، وجعل طلبها عنده أزكى مغنماً، فيغمر ذاته الشريفة عندها شعور الغبطة الناجم عن معرفة النفس، ومن عرف نفسه فقد عرف ربه.

عليك بالنفس تستكمل فضائلها     فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

أو كقول جلال الدين الرومي :

وتزعـم انـك جـرم صغيــــــر      وفيك انطـوى العالـــم الأكبـــر

أو كصرخة الحلاج في معراج شهادته وأمام مرآة كينونته الإلهية :

 وأي الأرض تخلو منك حتى             تعالـوا يطلبونـك في السـمـاء
تراهـم ينظرون إليـك جهـراً       وهم لا يبصرونـك من عمـاءً

وختــاماً،

إنه  نداء من القلب لتعودوا إلى الينابيع، إلى مصادر الحكمة، إلى رسائل العقل وتقبل النفس وانبثاق الكلمة، إلى حيث اليقظة والصحائف البيض وتجدد الحياة، بنعمة العقيدة الشريفة لمستحقيها، فعلى من اصطفاه المولى بشيراً ونذيراً وهادياً ورسولاً، وعلى إخوانه الأطهار الأخيار ألف صلاة وسلام، وإلى كل العارفين والمريدين والعاملين تحية التوحيد.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading