﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (الكهف، 46)
بتاريخ الثّلاثاء في 22 كانون الثاني 2009، قرأت في جريدة النّهار مقالاً للسيّدة ماري قْصَيفي تقول فيه: «في كلّ قرية من قرى لبنان عائلة تتوق إلى صبّي بعد سلسلة ولادات تكون نتيجتها مجموعة بنات. وفي الشّمال اللّبناني كنيسة تُسمّى «مار الياس الرّاس» أمامها بئر عجائبيّة، مياهها تَهَبُ البنين للمحرومات والمحرومين. كان على كلّ عائلة محرومة ترغب في الحصول على وليّ للعهد الذي طال انتظاره أن تذهب إلى هذه البئر وتربط آخر بنت وُلدت في العائلة بحبلٍ على خاصرتها ثم تُدلَّى الفتاة في تلك البئر حتى تغمرَها المياه إلى عنقها، إذْ ذاك وفي عتمة المكان وبرودة المياه وما يُحيق بالفتاة من برودة ورجفان ورُعب بين الحياة والموت لا يَسَعُ الطّفلة إلّا الصُراخ والتضرّع إلى مار الياس تنفيذ ما لقّنها ذووها أن تقوله: «يا مار الياس ابعث لي عَ راسي راس» والرأس المطلوب هو الصّبيُّ للعائلة الرّاجية.
وبالفعل قامت إحدى العائلات بما تقتضيه تلك التقاليد وأنزل رجال العائلة الطفلة الهَالِعَة إلى البئر بعدما وعدوها بإعطائها كلّ ما ترغب به، وحين أخرجوها وهي ترتجف من شدّة البرد والخوف، سألها أحدُهم عمّا تريده؟ فكانت إجابتُها بأنّها تطلب جزمة كاوتشوك! ضحك الجميع وقبّلها بعضهم، غير أنّ أحدهم صرخ قائلاً: اطلبي سواراً من الذهب». هذه الحكاية روتها الكاتبة «قْصَيفي» في جريدة النّهار تعود إلى حقبة الخمسينيّات من القرن الماضي.
رويت هذه القصّة أمام رجال كانوا يعاونوننا في قطاف موسم الزّيتون. ضحك أحدهم وقد تجاوز السّبعين من العمر ويدعى أبو طاهر شامية من بلدة عَين جرفا وقال: «ألم تسمع من قبل حكاية تماثلها في بلدتكم؟» أجبته: « بـ لا، فقال: إذا تكرّمت، اسمح لي أن أروي لك ما حدث في بيت جدّي منذ نحو خمسين سنة تقريباً».
في النهاية إنّ هذه التقاليد المتشابهة، كلّها، في المسيحيّة والإسلام، هي من قبيل الإيمان بقدرة الخالق وأولياء الزّمان، وما الخضرُ عليه السلام عند الطوائف الإسلاميّة إلاّ القديس جاورجيوس أو مار الياس عند الطوائف المسيحية، وحتّى الدروز وهم إحدى الطوائف الإسلاميّة يطلقون عليه لقب «أبو إبراهيم» والقصد من هذا أنّه لَقَبُ الرّجولة والإقدام لكون صاحبه، مار جرجس، أنقذ البشريّة من التنين الرّوماني الوثني القاتل كما تروي بعض الأساطير التاريخية.