الإثنين, أيار 5, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, أيار 5, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

التوحيد والفكر الديمقراطي

دخلنا اليوم في عالم الموضة السياسية، وولِجنا الفكر الديمقراطي، نحن شعوبَ السمع والطاعة. فالسياسات القمعية التي مورست ضدّنا كشعب على مرّ العصور، حشرتنا في حالة انسلاخية، انفصلنا فيها عن إرادتنا ومشيئتنا، بل عن ذواتنا، وتعلمنا أن نقول ونفعل ما يريده منّا أهل الحكم، لا ما نريده نحن. الأمر الذي أورثنا إرادة هلامية ومشيئة زئبقية، نكيّفهما حسب المطلوب، بعيدا عن قناعاتنا الفردية. ولقد حصرنا قدوتنا في شخص «بطرس» الرسول، لحظة إنكاره لمسيحه، وفي العالم الفلكي المشهور «غاليلو»، عندما تراجع عن الحقيقة خوفا من الإعدام، ورمى في سلّة المهملات قوله بكروية الأرض ودورانها، وفي الفرنسي «فولتير»، عندما استجاب لأموال الطغيان، وانشغل عن مبادئه.

نحن شعوب السمع والطاعة، الذين استسلمنا لمرض التعوُّد المزمن وتجمُّد الضمير، فاستسغنا ما لا يستسيغه حرٌّ عاقل، تماما كحال «نيرون»، الذي قال عندما اضطر في بداية حكمه لتوقيع حكم الإعدام بحقّ أحد المجرمين: «ليتني ما عرفت الكتابة»، لكنّه بعد أن أودع ضميره في ثلاّجة السلطة، أزهق روح أمِّه، وأحرق «روما».

ومع أنّنا التزمنا بكلّ هذه الملوِّثات، لم نأخذ بوصيَّة «إمرسن» في قوله: «تذكَّر غيرك.. فإنَّ العواطف معدية»، لأنَّ عدوى التعلُّم من الغير لم تصلنا حقيقة، بل وصلتنا على شكل موضة تقليد الغير، فدخلنا عصر الديمقراطية لا بدافع ذاتي، بل بفعل السيولة، متأرجحين على ظهر تيارات عالمية، جرفتنا دون إرادتنا.

يجب علينا الاعتراف بأنَّ ثمّ فارقا كبيرا، بين العقل العربيّ والعقل البريطانيّ مثلا، فالأوّل، قد أدمن الاضطهاد والظلم، وما زال محتفظا في ذهنه بشبح السيّاف «مسعود»، بينما الثاني قد بنى قبل حوالي تسعة قرون، ما يسمى العهد العظيم، الذي كان يقطعه الملك على نفسه عند تولّيه الملك، بقوله: «إذا لم نقم بتصحيح ما عساه يقع من مخالفة (أيَّة مخالفة على الإطلاق).. فمن حقِّ جميع الناس بالمملكة أن يحجزوا، ويضيِّقوا علينا بكلِّ الوسائل الممكنة. وذلك بمصادرة جميع قصورنا وأرضنا وسائر ممتلكاتنا، حتَّى يتمُّ تصحيح ما وقع من مخالفة»! نعم؛ ذلك ما كان يقسم به الملك البريطاني، قبل أن يحمل تاج المملكة فوق رأسه، وصولجان الحكم بين يديه.
وقبل الدخول في تفاصيل الديمقراطية، يجب التأكيد على أنّ الديمقراطية إلى جانب كونها فكرا نظريّا، فهي سلوك عمليٌّ، وتربية مدرسية. ويبدو من غير المعقول أن يتعلَّم الإنسان الديمقراطية من الكتب النظرية وحدها، بل هو بحاجة إلى تربية ذات طابع ديمقراطي خاصّ، تؤهِّله لممارسة احترام الغير والتعاون معه. فالشخص اللّبنانيّ مثلا يسبقنا كسوريين في الحقل الديمقراطي، لأنَّه سبقنا حوالي نصف قرن من الزمان في ممارسة الديمقراطية عمليا، وهذا ما لمسته شخصيا أثناء جولاتي في المهجر، حيث يقف الموحِّدون السوريون متخوِّفين من التعاون، وبعيدين عن المشاركة في التجمُّعات والجمعيَّات، التي هي حكر تقريبا على إخواننا اللّبنانيين.

صحيح أنَّ الناس ينقسمون تحت مظلَّة الحكم غير الديمقراطي في شيطانين اثنين؛ شيطانٍ أخرس، خائفٍ من قول كلمة الحقّ، وشيطانٍ ناطقٍ يزخرف الباطل ويدافع عن غرور الطاغية، ومن غير الممكن أن يحمل هذان الشيطانان لواء التعاون والديمقراطية، إلّا بعد تأهيل طويل، يخضعهما إلى برنامج تربويّ جديد.

تعود الديمقراطية في أصل تسميتها إلى اليونانية، وهي مؤلفة من مقطعين اثنين؛ الأول، «ديموس»، ومعناه «الشعب»، والثاني، «كراتوس»، ومعناه السيادة؛ أي بما يعني «سيادة الشعب». والديمقراطية منذ نشأتها مثلَّثة الرؤوس؛ سياسية، واجتماعية، واقتصادية، ولسوف نقتصر البحث هنا على ذكر الاجتماعية منها، لأنّ السياسية والاقتصادية يتم بحثهما من خلال بنية كيان سياسي معيّن، والتوحيد لم يكن كذلك في يوم من الأيام، إنّما هو ينظّم المجتمع بإرساء القواعد الأخلاقية اللازمة. ومع أنّنا سوف نرى طبيعة اقتصادية لبعض هذه القواعد، مثل إلغاء نظام الرقّ، لكنَّ التوحيد عالجها من حيث طبيعتها اللاأخلاقية الظالمة، والتي تقف سدّا منيعا في طريق تطبيق المبدأ التوحيديّ الأساس؛ «مبدأ التخيير».

والديمقراطية تستند في طبيعتها إلى حكم العقل والمنطق، باعتبارها أفضل أسلوب من أساليب أنظمة الحكم، أخذت بالحسبان التجربة الإنسانية التاريخية، وهدفت في غايتها إلى تحقيق العدالة بشكل عام. وليس العقل والعدل، اللّذان استندت الديمقراطية إليهما، سوى ركنين اثنين رئيسين، يقوم عليهما الفكر التوحيدي عامّة. فالتوحيد باختصار هو مذهب العقل والعدل، وهو يعتمد اعتمادا كليّا على هذين الركنين. يمكن تأكيد إيمان التوحيد بالعقلانية والعدالة من خلال حديث العقل، الذي  جاء على لسان الرسول (ص) بقوله: «عندما خلق الله العقل، قال له: أقبل فأقبل. ثمّ قال له: أدبر فأدبر. ثمّ دعاه وقال له: إذهب، فأنت لعبادي سلطان، وعليهم شهيد. إيّاك أسأل، وإيّاك أعطي، وبك أحاسب».

وإنّني إذ أتحدّث هنا عن الجانب التوحيديّ الديمقراطي، فإنّي أتحدّث من واقع ما ورد عن الديمقراطية المطلوبة داخل المجتمع التوحيدي، باعتباره مجتمع القيم العقلانية والحقائق البرهانية، الذي يُتوقّع أن يسود في نهاية المطاف، بسيادة العقل جميع سكّان المعمورة.

كما أنّني عندما أتحدّث عن العقل في الفكر التوحيدي، أقصد العقل الكليَّ الروحانيَّ، غير المكوَّن من مادّة، لأنّ ما هو من مادّة فإلى فساد. ذلك العقل بمعناه التجريدي، الذي يمتدُّ في النفوس البشريّة، على شكل عقل روحانيّ جزئيّ. وعليه فالتوحيد من خلال كتبه وتراثه، يقوم على قاعدتي العقل والعدل.

نظر التوحيد إلى العدل والعقل كمفهومين مترادفين، باعتبار العدل، نتيجة طبيعية للعقل. وكلٌّ منهما مؤيِّد للآخر، فمرَّة الأوَّل يقطع، والثاني يوجب، ومرّة أخرى العدل والعقل كلاهما يوجبان، ومرّة ثالثة يتّحد كلٌّ من العقل والعدل في فروض التوحيد، وهي آداب الدين، التي تتقدّم مكانتها على الدين، في أساس الفكر التوحيدي.

وإقامة العدل هي بحدّ ذاتها غاية من غايات كشف التوحيد، وهدفا من نشره بين الناس. ومن ذلك وصف الموحّدين بأنّهم أهل العدل، لأنّ العدل صفة أهل العقل بالضرورة، وبأنّهم أهل الألفة والاتّفاق.

كذلك ومن هذا المنطلق أيضا ارتبط قيام الحقّ والعدل، وهما تعبيران مترادفان، بقيام العقل؛ إذ كلّ ما هو خارج عن نظام العقل، فهو خارج بالضرورة عن العدل.
وأخيرا فإنّ العقل هو المؤهَّل الوحيد لإقامة العدل، وحمل سيفه المعنوي.

وجدير بالذّكر أنّ الفكر التوحيدي، كرّس في تعاليمه عددا من القواعد الديمقراطية الأساسية، أوجزها على الشكل التالي:

أ- إحلال السلام الاجتماعي، وعدم حضّ الموحّدين عمليّا على القتال، فإنّه على الرغم من المحن التي مرّ بها الموحِّدون، كما لم تمرّ طائفة في مثلها على مدى التاريخ، فإنّما المطلوب من الموحّدين الصبر على المحن، باعتبارها امتحانا لأنفسهم، ومحكّا للتفاضل بينهم. ومن خلال هذه القاعدة أرسى التوحيد قاعدة مهمّة، هي قاعدة التسامح مع الغير، وذلك انطلاقا من سببين اثنين: الأوّل، احترام رأي الآخرين، الذين لم يقبلوا الدخول في التوحيد، والثاني، انكفاء الدعوة التوحيدية إلى السّتر، فأصبحت دعوة مغلقة غير تبشيرية، لا تزاحم الدعوات الأخرى في تعبئة التابعين والمريدين.

ب- اعتماد التوحيد على مبدأ التخيير، باعتباره قاعدة من قواعد عدالة الحساب، أي أنّ الحجّة لا تقوم بالعدل على البرية جمعاء، إلّا بعد تطبيق مبدأ التخيير.
ولقد انبثق عن التزام التوحيد بمبدأ التخيير، مناداته بحرية الأديان، وربّما كان أوّل المنادين بهذه الحرّية، وأوّل من قاوم إجبار الناس على ولوج دين الأكثرية الأقوى، فآمن بأنّ الفكر الديني يجب أن يُعرض على الناس أوّلا، ولهم بعد ذلك اعتناقه أو رفضه مختارين، اعتمادا على القاعدة التوحيدية التالية: ليس في الدين إكراه ولا إجبار، إنّما هو عرض على الأمم واختيار.

ت- ساوى التوحيد بين جميع أتباعه، وجعل أفضلهم من ساوى نفسه بالآخرين.

ث- ساوى التوحيد بين المرأة والرجل، باعتبار النفس البشرية جوهرا، لا يجوز فيه التذكير والتأنيث، وكذلك ساوى التوحيد بين الرجل والمرأة في الحقوق الزوجية.

ج- لم يعترف التوحيد بنظام الرقّ والعبوديّة، وأمر بإلغائه، لأنّه مجاف لمبدأ التخيير والعدل.

ح- أنكر التوحيد نظام الخلافة الفاطمية الذرّي الوراثي، ومن بعده كلّ نظام وراثي، وهذا ما كرّسه الشعار التوحيدي المطروح في أوائل خطوات الدعوة نحو الكشف، وهو: يحكمنا أعلمنا. فالحكم قد نحا نحوا جديدا بالمفهوم التوحيدي، حيث أصبحت الأولوية في الحكم للشخص الأقرب من العلم والمعرفة، بعد أن كان للشخص الأقرب نسبا للإمام.

قراءة نقدية في تاريخ الجمهورية الأولى

يبدو هذا المقال وكأنه خارج السياق الزمني الذي يفترض ان يتم التركيز فيه على ما جرى ويجري في مسار الجمهورية الثانية، ولكن العودة، برأيي، الى قراءة نقدية لمسار الجمهورية الاولى، يساعد في فهم التحديات والتداعيات التي ادخلت الجمهورية الحالية في مأزق يعبر عن عدم القدرة على انتاج حلول لمختلف المشاكل التي تواجه اللبنانيين.

يصنف النظام السياسي في لبنان من بين الانظمة التوافقية او انظمة المشاركة، التي تعطي الطوائف او المجموعات الثقافية او الاثنية حقوقاً في التمثيل السياسي يضمنها الدستور والاعراف. وتترافق هذه الحقوق مع نصوص تحدد بدقة آليات اتخاذ القرار في المؤسسات الدستورية، بشكل يمنع طغيان فئة على اخرى كما يمنع تعطل المؤسسات.

يتميز النظام التوافقي أيضًا بأنه «نظام النخبة» التي تتمتع بثقافة التسوية والقدرة على تسويقها إن عقدت لدى جمهور الطوائف او المجموعات، ويذهب البعض الى تشبيه دور النخبة في النظام التوافقي، بالدور الذي يلعبه «القفل» في قنطرة العقد، فإذا تداعى القفل، تتداعى معه القنطرة بأكملها والأمثلة على ذلك كثيرة في الجمهورية الاولى والثانية. وتركز النظرية التوافقية منذ عقود على عوامل الاستقرار في هذه الانظمة والتي تفترض توازنً ديمغرافياً مقبولاً وكذلك توازن اجتماعي- اقتصادي يمنع تركز الثروة في ايدي احدى المجموعات الطائفية او الثقافية او بيد قلة من المجموعة ذاتها، كما تفترض الوحدة في وجه التهديدات الخارجية.

غير أن بعض الدول مثل لوكسمبورغ اتفقت فيها النخب على آليات متقدمة لضمان الاستقرار ومنها اعتماد دبلوماسية القمة اي مأسسة الحوار بين النخب الاساسية وتسويق اي تسوية يتم الاتفاق عليها، وعدم إدخال القضاء والاجهزة الامنية في لعبة موازين القوى وترك الحكومة تحكم بمجرد تأليفها وحصولها على ثقة المجلس النيابي.

في المقابل فإن خصوصية هذا النوع من الأنظمة، لم تكن حائلاً أمام تكريس مبادئ دستورية تعتمدها الانظمة والديمقراطيات الاخرى وهذا ينطبق على لبنان، مثل الفصل بين السلطات الدستورية واستقلالية القضاء واعتبار الشعب مصدر السلطات، كما لم يمنع من تكريس مبادى وقيماً مثل حكم القانون وتحمل المسؤولية والمحاسبة والشفافية وقيام ادارة عامة تعتمد حيادية الخدمة العامة، كما تعتمد الكفاءة المعيار الاساسي في تولي الوظائف العامة. ولا تخرج الانظمة التوافقية عن فكرة العقد الاجتماعي وفقاً لمفهوم توماس هوبس وجان لوك، وإن يكن لهذا العقد خصوصيات معينة، حيث تحل الطوائف او المجموعات الثقافية كطرف في هذا العقد بديلًا من المواطن، ولا تسلم هذه الطوائف كما في التجربة اللبنانية بكافة الصلاحيات للدولة ومؤسساتها مقابل الحماية التي يفترض بالدولة تأمينها سنداً لفكرة العقد الاجتماعي.

وبالعودة الى التجربة اللبنانية منذ الاستقلال نرى أن النظام السياسي اللبناني مزج بين بعض مبادئ الديمقراطية التوافقية والنظام البرلماني، وتكرست فيه بعض الاعراف التي حافظت على التنوع في رئاسة مؤسساته الدستورية، كما تكرست فيه امتيازات لإحدى الطوائف في المواقع الدستورية والادارية والعسكرية، قيل انها اعطيت كضمانة للوجود المسيحي في لبنان الكبير بعد انضمام الاقضية الاربعة وغالبيتهم من المسلمين.
في المقابل، قام ميثاقه الوطني غير المكتوب على تناقضات تعكس الخلاف على هوية لبنان وموقعه وانتمائه الى محيطه العربي الطبيعي، كما ان العقد الاجتماعي الذي بني عليه الميثاق الوطني عام ١٩٤٣ كان عقدًا سياسيًا بامتياز، وذلك بعد أن قبل المسلمون السنة بالمشاركة في النظام، مقابل التخلي عن مطلب الوحدة، كما قبل المسيحيون بطريقة ملتبسة فكرة لبنان ذو وجه عربي. والعقد ايضاً، كان عقداً اجتماعيًا، بمعنى انه لاقى موافقة النخب المدينية والتجارية السنية والمسيحية، مع ارجحية للقوى الاقتصادية المسيحية لاسيما في قطاع المصارف وفي الصناعة والخدمات والوكالات الحصرية. هذا العقد بأطرافه المدينية التي تمتلك الجزء الاكبر من الثروة الوطنية لم يجد ارضية تفاهم مع فكرة لبنان الكبير التي قامت على ضم الاقضية الاربعة من الأطراف، والتي كان من المفترض ان يشملها العقد، كي تندمج مع اقتصاد المركز في بيروت والقسم الشمالي من جبل لبنان ليتشكل اقتصاد وطني، يساهم في الاندماج الاجتماعي لدولة لبنان الكبير، ويخفف من حدة الانقسامات الطائفية، ويتيح تطوير نموذج سياسي يجمع بين المنافسة السياسية والمواطنة وايجاد الاليات الدستورية لطمأنة الطوائف . لكن هذا الامر لم يحصل، ولم تمتلك النخبة السياسية المدينية الشجاعة والرؤية الحكيمة في تطوير هذا العقد، الذي بقي قاصرًا عن استيعاب الاطراف وتحولاتها الاجتماعية ومتطلبات نموها، من خلال السياسات التي ركزت على تطوير المركز واهملت الاطراف، ومن خلال نظام ضريبة غير عادل ساهم في تقويض فكرة التعاضد الاجتماعي، وساهم بانتاج فوارق اجتماعية هائلة حتى في قلب نقاط المركز الذي غلب عليه طابع تركيز الثروة بايدي قلة. لكن فؤاد شهاب الاتي الى رئاسة الجمهورية من المؤسسة العسكرية، وبعد ثورة ١٩٥٨ التي تختزن ما يكفي من الابعاد الاجتماعية والاقتصادية، حاول بالتعاون مع كمال جنبلاط وبيار الجميل التخفيف من حدة التحالف المديني والتجاري وعبئه الكبير على مناطق الاطراف وعلى الاستقرار، فانتهج السياسات التي اعطت الاطراف بعض الفرص في الكهرباء ومياه الشفة والطرق ونشر التعليم الثانوي -من خلال الدور الذي لعبه كمال جنبلاط في وزارة التربية – بعد ان اظهرت بعثة ايرفيد حجم التفاوت الاقتصادي والاجتماعي حيث سيطر ١٪ على نصف الثروة الوطنية الامر الذي وضع قيام طبقة وسطى قبل الصلاحات الشهابية امراً مستحيلا. كما حاول فؤاد شهاب أن يصالح الديمقراطية التوافقية في لبنان مع فكرة دولة القانون والمؤسسات لذلك انشىء التفتيش المركزي وديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية، وقد شكلت هذه الخطوة المحاولة الاولى الجدية في بناء حكم القانون.

نجحت المرحلة الشهابية في ارساء بعض قواعد الاستقرار للديمقراطية التوافقية من خلال اعطاء اهمية للسياسات الاجتماعية والتربوية وبناء الخطوات الاولى لاندماج الاطراف. كما نجحت لاول مرة، في ارساء سياسة خارجية تأخذ بعين الاعتبار تحديات صعود المد القومي مع جمال عبد الناصر والتعاطف الداخلي القائم ومتطلبات الحفاظ على السيادة اللبنانية والحفاظ على التوازنات المحلية المعقدة.

ولكن التحولات الاقليمية المتمثلة بانتكاسة حزيران في العام ١٩٦٧ والتي تلاها فوز الحلف الثلاثي في الانتخابات النيابية والذي وصفه غسان تويني انه «طليعة دولة النصارى»، هذا الحلف المتخاصم مع التجربة الشهابية غيّر في موازين القوى في الساحة المسيحية ومهّد لنهاية الشهابية.

ولا شك في أن قيام اتفاق القاهرة في العام ١٩٦٩ وتعاظم مشكلة الوجود الفلسطيني بعد ايلول الاسود في الاردن وتحول الجنوب الى ساحة مواجهة مع العدو الاسرائيلي وصعود دور الامام موسى الصدر وبداية مأسسة حركة المحرومين سيغير في موازين القوى في مناطق الاطراف لاسيما ذات الغالبية الشيعية .

إن التشوهات التي رافقت تلك المرحلة ادت الى انقسامات سياسية ووطنية حادة ولم تكن فيها الخلافات فقط على الامتيازات والسياسات وميزان القوى الذي حكم تسوية ١٩٤٣، بل على موقع لبنان ودوره في الصراع العربي الاسرائيلي وعلاقته في محيطه العربي ودور منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان ، واظهرت طبيعة الانقسامات في تلك المرحلة مدى التفكك وعدم القدرة على صياغة قيم مشتركة تحمي الديمقراطية التوافقية الناشئة في محيط تحكمه انظمة دكتاتورية وعسكرية، والانقسام الوطني والسياسي حمل معه الانقسامات ذات البعدين الاجتماعي والاقتصادي وذلك بين بيروت واطرافها من احزمة البؤس، وبين المدن بشكل عام والاطراف وبين المناطق والطوائف، وعبرت حركة كمال جنبلاط السياسية وقيادته للنضال المطلبي عن هذا الواقع المرير ، كما عبرت حركة المحرومين بزعامة الامام موسى الصدر عن مشروعها السياسي بعنوان التهميش والحرمان فيما مضمونه الحقيقي هو الاعلان عن التحول الكبير في الاجتماع -السياسي الشيعي كمقدمة للبحث عن دور اكبر للطائفة الشيعية في النظام السياسي ،في الوقت الذي فشلت فيه كل محاولات النخب الشيعية من العائلات التقليدية البقاعية على وجه الخصوص في ايجاد القواسم المشتركة مع القوى المتحكمة بموارد المركز لتأمين متطلبات نمو البقاع الشمالي ذي الاكثرية الشيعية واندماجه الفعلي بالدولة المركزية، وفي الوقت الذي خسر فيه الجنوب بعد اقفال الحدود مع فلسطين المحتلة اهم الاسواق التي كانت جزءا من تنمية اقتصاده ،فاندثرت اقطاب اقتصادية محلية مثل بنت جبيل التي كانت تستقطب استثمارات كبيرة وتؤمن فرص عمل هائلة ، وكذلك مرجعيون والخيام فضلاً عن خسارة مئات العمال من حاصبيا لفرص عملهم في حيفا ويافا ودون ان تؤمن الدولة اي بديل آخر ، وفي الوقت الذي تخلفت فيه الدولة بعد احتلال اسرائيل لمزارع شبعا في سنة ١٩٦٧ عن سداد اي تعويضات لاهالي مزارع شبعا عن مئات البيوت التي تدمرت وخسارة الاملاك الزراعية التي كانت تشكل موردًا مهماً لسكان المنطقة . في هذا الوقت ، تحول الجنوب بعد اتفاق القاهرة في العام ١٩٦٩ بغالبيته الشيعية ساحة مواجهة غابت فيه الدولة ايضاً عن اي خطط تدعم صمود الجنوبيين، على غرار ما كان يطالب به كمال جنبلاط على الاقل ،انشاء الملاجىء لحماية السكان المدنيين من الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة.

في المقابل تمكن كمال جنبلاط من توحيد اليسار والاتفاق على رؤية وطنية لاصلاح النظام سياسيًا وإداريًا واقتصاديًا من خلال البرنامج المرحلي للاحزاب والحركة الوطنية، ولكن للاسف العناد الذي واجهه كمال جنبلاط من الجهة المقابلة برفض الاصلاح والتخلي عن الامتيازات والرهان على الخارج، قوض كل الآمال بايجاد تسوية سياسية تمهد لتحديث النظام السياسي في لبنان.

شكل اغتيال كمال جنبلاط في العام ١٩٧٧ ضربة كبيرة للمشروع الوطني الذي كان يمثله، الامر الذي سيفتح الطريق امام الانهيارات الوطنية اللاحقة. ولا شك في أن رهان بعض الاطراف اللبنانية على الخارج، والتغيير في ميزان القوى الاقليمي بعد اتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر من الصراع العربي الاسرائيلي، شكل عاملًا حاسمًا في تعميق الانقسام الوطني وانهيار الثقة بين الطوائف، ووضع لبنان امام تحديات جديدة وباتت كل طائفة تبحث عن حماية اقليمية او دولية. وقد ادت هذه الرهانات الى اضعاف سيادة لبنان وتقويض الثقة بالدولة المفترض انها المؤسسة الوحيدة التي تقع عليها مسؤولية حماية الناس والطوائف، وتحول لبنان الى ساحة حرب دامت خمسة عشر عاماً، اختلطت فيها الابعاد الداخلية والاقليمية والدولية. وشكل الحزام الامني الذي اقامته اسرائيل في جنوب لبنان واعتداءاتها المتكررة واحتلالها العاصمة بيروت في حزيران من العام ١٩٨٢ واجزاء من جبل لبنان أصعب التحديات على وحدة البلاد وسلامة اراضيها.
تمكن التحالف الذي اقامه وليد جنبلاط ونبيه بري بدعم سوري من اسقاط اتفاق السابع عشر من ايار، وتمكن وليد جنبلاط من تأمين طريق المقاومة الى الجنوب وإعادة فتح طريق الشام الى بيروت. واتساءل، كم كانت التداعيات السياسية كبيرة على سوريا ولبنان لولا هذا الانجاز الجيو-ستراتيجي الكبير الذي حققه وليد جنبلاط ومعه شرائح وطنية متعددة. لكن للأسف بقي النظر الى هذا الانجاز من زوايا ضيقة ودون اعطائه البعد الاستراتيجي الذي يستحق، وجاءت التطورات الاقليمية خصوصاً مع استمرار احتلال اسرائيل لجنوب لبنان ، ومغادرة منظمة التحرير الفلسطينية، وفشل كل محاولات ايجاد تسوية سياسية لإعادة ترتيب اوراق النظام وتوازناته ، فسقط الاتفاق الثلاثي ودخل النظام السياسي في مرحلة دقيقة، حيث انشطر القرار بين حكومتين متناقضتين في الاهداف والممارسة الامر الذي عرض وحدة الدولة ومؤسساتها لأخطر الامتحانات والتداعيات. وقد تبين لاحقاً ان احد الاهداف الرئيسية لحكومة ميشال عون العسكرية كان التشبث والامساك بالسلطة، وتعطيل اي مبادرة عربية او دولية لعقد مؤتمر وطني لإصلاح النظام، ما لم تكن على جدول اعمال التسوية انتخابه لرئاسة الجمهورية، مما وضع البلاد امام تحديات اتساع دائرة العنف من خلال إعلان الحروب المتعددة والتي اعلنها في سياق تحقيق هذا الهدف.
انتهت الحرب اللبنانية التي دامت خمسة عشر عاماً في مرحلة تحول في المسار الدولي، حيث نشأ تفاهم اميركي سعودي وسوري ادى الى انعقاد مؤتمر الطائف، طبعًا بعد ان جرت بعض التحولات في ميزان القوى الداخلي، لاسيما بعد معركة سوق الغرب في ١٣ آب ١٩٨٩، التي أسهمت في إعادة بعض التوازن إلى ميزان القوى المحلي، مجرد تصحيح صغير في جبل أزمات كان يعلو يومياً.

خلاصة:

لعل من اهم استنتاجات مرحلة الجمهورية الاولى هي أن النخبة التي قادت هذه الجمهورية من الاستقلال وحتى مرحلة الدخول السوري، استطاعت ان تجد ارضية للتسوية في بعض المسائل التي تتعلق بآليات النظام وتشغيل مؤسساته الدستورية بطريقة مقبولة، لاسيما في مجلسي النواب والوزراء، وتمكنت هذه النخبة من تطوير اعراف حافظت على الحد الادنى من الشراكة الاسلامية المسيحية، ومن الاحترام والتسامح المتبادل الامر الذي مكن المجالس النيابية من ان تقوم بدورها التشريعي ومراقبة عمل الحكومة وبرزت كتل نيابية هامة في هذا المجال، كما تمكنت حكومات عديدة، من تأمين الخدمات الاساسية وتطوير المناخ الاستثماري الذي ساعد في الكثير من الاستثمار في الاقتصاد الوطني. وحافظت هذه النخبة على اعراف مثل حرية الصحافة وسيادة القانون وحرية التعبير وحماية الملكية وغيرها من الاعراف، وكان لهذه النخبة الكثير من المواقف ذات الابعاد الوطنية وكانت على مستوى من الالمام الواسع بتاريخ لبنان الحديث والتحولات التي حصلت على الصعد كافة لقيام دولة لبنان الكبير ومرتكزاتها السياسية والايديولوجية.

استطاعت هذه النخبة بناء ادارة حديثة مع قيام اجهزة رقابة ادت دورها بفعالية، وكان على رأسها اداريون مميزون، وتمكن مجلس الخدمة المدنية من اجتذاب كفاءات ادارية هامة من خلال الامتحانات التي اعتمدت الكفاية سبيلًا لتولي الخدمة العامة. كما استطاعت آليات النظام في ذلك الوقت من تأمين الخدمات الاساسية، لاسيما الكهرباء حيث كانت مؤسسة كهرباء لبنان من اهم المؤسسات الحكومية في دول الشرق الاوسط. واستطاعت مرافق مهمة مثل المرفأ والمطار من القيام بدورهما الاقتصادي الكبير، وشكلت شركة طيران الشرق الاوسط وما تزال علامة مميزة في تاريخ لبنان ، وتمكن مصرف لبنان من انتهاج سياسة نقدية حافظت على قيمة مميزة للعملة الوطنية تجاه العملات الصعبة مما عزز القيمة الشرائية للمواطنين.

وفي الاطار السياسي ، تمكنت هذه النخبة من ابعاد لبنان عن كأس الوحدة المصرية والسورية واستيعاب انعكاسات حصولها وانفصالها، وتولى المسؤوليات في وزارة الخارجية في حكومات متعددة ، شخصيات دبلوماسية عريقة، استطاعت قيادة سياسة لبنان الخارجية ببراعة، ومارست مهامها الديبلوماسية بحرفية عالية، مكنت لبنان من تعزيز انفتاحه الدولي وتقوية اواصره مع العالم العربي، لاسيما دول الخليج التي وفرت اسواقها آلاف فرص العمل للبنانيين وحققت استثماراتها في لبنان نموًا كبيراً للاقتصاد الوطني.

برز من بين النخبة في الجمهورية الاولى ايضاً رجال دولة مثل كمال جنبلاط وريمون اده وفؤاد شهاب وموريس الجميّل والياس سركيس وحسين الحسيني ورشيد كرامي وفيليب تقلا وغيرهم، ممن عرفوا كيف يخاطبون الناس ويجعلون الخيارات اكثر عقلانية. في هذه الجمهورية، قامت الجامعة اللبنانية التي كانت احدى ثمرات نضال كمال جنبلاط ومعه احزاب اليسار، والتي حققت لاحقاً توازناً وطنيًا كبيراً في عملية تطور الاجتماع السياسي اللبناني وساهمت في خلق طبقة وسطى . كما تمكن اكاديميون كبار في الجامعتين الاميركية واليسوعية من جعل لبنان جامعة للنخب العربية.

تمكن القطاع الخاص في لبنان في تلك الفترة ان يلعب الدور الاساسي في الاقتصاد اللبناني الذي بلغ مستوى هائل من النمو في مرحلة الخمسينات، وحافظ لبنان لعقود على ميزان تجاري مقبول من خلال قدرة القطاع الصناعي على الانتاج القابل للتصدير ومن خلال السياحة واستطاع رجال الاعمال تطوير ميزات تفاضلية في الصحة والمصارف والخدمات الاخرى حيث غدا لبنان ايضاً مستشفى العرب.

باختصار، تمكن لبنان في تلك المرحلة من بناء ثقة عربية ودولية جذبت اليه استثمارات متعددة ساعدت في تطوير وظيفته الاقتصادية خصوصاً بعد قرار المقاطعة العربية، الذي فتح الطريق لمرفئ بيروت كي يلعب دورًا هامًا في تجارة الترانزيت.

اما الدروس المريرة المستقاة من تلك التجربة فهي، أن النخبة التي ورثت تفاهمات الميثاق الوطني، لم تتمكن من ادراك اهمية السياسات الاجتماعية والاقتصادية في عملية الاندماج الاجتماعي وتكوين عناصر الاستقرار للنظام حيث بقيت مناطق الاطراف كالبقاع والجنوب وعكار الغارقة في الفقر معزولة عن الاقتصاد الوطني، كما لم يتمكن بعض من هذه النخبة، من ادراك تداعيات الاستقواء بالخارج للوقوف في وجه محاولات تطوير وإصلاح النظام، الامر الذي تسبب بانهيار الثقة واستجلب الى جانب اسباب اخرى مقدمات انهيار النظام السياسي المستقل إلى حد كبير.

ولا شك في أن اعقد التداعيات على الجمهورية الاولى كان في قيام ونشأة الكيان الصهوني وفي مواجهة سياساته العدوانية واطماعه في المياه اللبنانية، ومحاولاته المستمرة في ضرب التجربة اللبنانية التي تشكل نقيضًا لهذا الكيان. وفي المقابل، لم تتمكن الدولة من صياغة استراتيجية وطنية للتعامل مع هذه التحديات نظراً للانقسام الوطني حول هوية لبنان وموقعه من الصراع العربي الاسرائيلي وميثاقه الوطني الملتبس الذي قام على نفيين «لا للشرق ولا للغرب». وتعاملت النخبة اليمينية مع هذه التداعيات بخبث انطلق من احقاد عنصرية، رغم الدور الذي لعبه الرأسمال الفلسطيني القادم والعمالة الفلسطينية في انعاش الاقتصاد اللبناني، وبقيت هذه النخبة تنظر الى اللاجئين الفلسطينيين كمصدر خطر على التركيبة اللبنانية، الامر الذي ادى الى حرمانهم من ابسط الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وجعل من المخيمات احزمة بؤس وحرمان وقنابل موقوتة.

وعلى الضفة الأخرى، ساهم رهان اليسار على منظمة التحرير الفلسطينية في تكوين ميزان قوى داخلي لصالح تغيير النظام في خلق تداعيات على صعيد العلاقات بين مكونات النظام، وربما ساهم ايضاً بتصعيد جولات العنف المتكررة، وقد فتح الطريق لمنظمة التحرير بالاضافة الى عوامل اخرى الى ان تصبح دولة ضمن الدولة. كما ان تحول لبنان الى ساحة مواجهة برعاية سورية، كانت له تداعياته على دور لبنان في المنطقة وكلفته الانسانية والاقتصادية والسياسية، فضلًا عن التداعيات التي عانى منها اهل الجنوب في مرحلة الوجود الفلسطيني، ولاحقًا في مرحلة الاحتلال الاسرائيلي المباشر.

أختم لأقول آسفاً ان التاريخ قد اعاد نفسه في الجمهورية الثانية في المحطات البائسة من الجمهورية الاولى، من خلال إنعاش تحالف الاقليات ليضع لبنان مجددًا امام تحد وجودي، كما عادت محاولات الاستقواء بالخارج لتعديل ميزان القوى الداخلي، وعادت مقايضة السيادة الوطنية بالمناصب والكراسي والنفوذ الداخلي، في الوقت الذي يتشكل فيه مشهد جيوسياسي معقد في المنطقة قد يطيح في لحظة معينة بالكيان واسسه. وبدل ان تستقى الدروس من الذين يحتلون ارفع المناصب في الدولة، قاموا وسنداً للرهان على تحالف الاقليات وتحت شعار تحقيق التمثيل المتوازن بالضغط لاقرار قانون انتخاب يستجيب لهذا التحالف، الامر الذي ادى الى اخلال كبير في التوازنات الوطنية وضاعف من حدة الانقسامات المذهبية والطائفية، واقفل كل فرص التغيير على الشباب اللبناني .

اعتقد انه على الرغم من الخلل الكبير في ميزان القوى المحلي، وعلى الرغم من عدم نضوج الظروف لقيام اي تكتل يحمل مشروعاً للتغيير الحقيقي حتى الآن. ومع ذلك فتجديد الآمال وعدم الوقوع في اليأس يقضي بالقول، انه حان الوقت لمشروع سياسي متماسك اساسه استعادة الدولة لسيادتها على سياستها الدفاعية والخارجية، وارساء تفاهم وطني لعقد اجتماعي جديد، يقوم على الحياد الايجابي وبناء اقتصاد وطني منتج وتوزيع عادل للثروة، وقانون انتخاب يعيد الثقة الى جيل الشباب بامكانية التغيير.

الحضارةُ والأخلاق

تعرّض الإسلام، في صورته الظاهرة، في السنوات القليلة الماضية إلى سوء فَهم شديد هبّت رياحُه من مصدرين أساسيّين:
1- التشويه العنصري (الاستعلائي) الذي صدر بغير وسيلة وصورة من بضعة مراكز غربية إعلامية بحقّ الإسلام والمسلمين – بغضِّ النظر عن مدى تمثيل تلك المراكز المتجنّية المُتحاملة على الإسلام لروح الثقافة الغربية التي لا ينكر أهميتها غير المتعصب والجاهل – وكانت ذروة التشويه ذاك؛ الطريقة المقيتة المُنَفّرة التي أبرز بها بعض الإعلام الغربي رسوم الكاريكاتير المسيئة التي تناولت النبي محمّد (عليه الصلاة والسلام)، وردود الأفعال الغاضبة التي تلت ذلك.

2- الطريقة الانفعالية التي ردّ بها بعض المسلمين على التشويه العنصري أعلاه. فقد تحوّلت بعض ردود الأفعال تلك، وبخاصة ما اتّصل منها بإراقة بعض الشبّان اليائسين المهاجرين إلى أوروبا للدماء وقطع الرؤوس ومهاجمة الأبرياء في الكنائس، إلى مادة جديدة لهجوم ظالم لا على هؤلاء حصراً، وإنّما على المسلمين بعامّة، بل على الإسلام نفسه باعتباره «حضارة انفصالية» تعيق اندماج المهاجرين إلى أوروبا مع مجتمعاتهم الجديدة، وتعيق اندماج المسلمين عموماً بالمدنية، في وجهها المعاصر على الأقل.

بين هذين التشويهين، الأفعال المسيئة المُستنكَرة وردود الأفعال المُستنكَرة أيضاً، أين يقف العقل الإسلامي الرصين الهاديء الواثق من درجة سماح دينه العظيم. يمكن لمن يرغب العودة إلى بيانات مفتي الديار السعودية الذي افتى بوأد أيّة فتنة قد تنشأ عن ذلك، وعدم جوازها، وأنّ ما جرى لا يعود عن كونة عمل قِلَّة طائشة، وكان ذلك منتهى العقل. كذلك لا بدَّ من العودة إلى الأزهر الشريف، باعتباره مرجعية شديدة الحرص والمسؤولية، إلى مرجعيات إسلامية أُخرى في مدارسهم كافة. وضعت المرجعيات الإسلامية تلك، وسواها شرقاً وغرباً، وفي غير بيان وموقف، الأمور في نصابها الصحيح، وأعادت التذكير بالقاعدة المعاصرة للتفاهم الإسلامي المسيحي المتبادَل والتي ظهرت قبل عام تقريباً في ما سمّي بوثيقة أبو ظبي التاريخية التي وقّعها بابا رومة وشيخ الأزهر.

في هذه المقالة لا نتناول الحدث الخطير الذي جرى قبل وقت قصير، بل هي محاولة بالعودة إلى كيفية معالجة الأمير شكيب أرسلان قبل مئة سنة تقريباً للمسألة تلك، بل تأسيسه لكل نقاش مُتبادَل، وردُّه تحديداً لا على المتحاملين على الإسلام بعامّة فحسب (وقد كانوا دائما موجودين وسيبقَوْن كذلك ولأسباب أكثرها مشبوه وربما دخيل على المسيحية والإسلام معاً)، وإنما دعوته قبل مئة عام (وكان ذلك جديداً تماماً يومذاك ) لوقف المقارنات المتسرعة بين هذا الدين وذاك، بل لإخراج الدين من هذا النقاش على وجه الإطلاق. لقد كان الأمير شكيب في ذاك، وكما في أمور كثيرة أخرى، مُنْصفاً، موضوعيّاً، ومتنوّراً معاصراً أكثر بكثير من بعض مدّعي التنوير والمعاصرة اليوم.

عالج الأمير شكيب المسألة في أكثر من عمل له، وبخاصة في الكُتَيّب الذي غدا إنجيل الحركات الإسلامية لمئة عام، عَنيت به كتابه «لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدّم غيرُهم»، وهو في الأصل رسالته إلى أهل جاوة في إندونيسيا سنة 1925 جواباً على سؤال منهم في مسألة التقدّم والتأخير وموقع الدين منها، وقد أعيد طباعة الكتاب أكثر من سبعين مرّة (إقرأ عرضاً مفصلاً لجواب الأمير في كتابي «الأمير شكيب أرسلان، مقدَّمات الفكر السياسي»، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1989).

سأعرض في هذه المقالة رد الأمير المتقدم استناداً إلى عمل آخر له وهي مقالته بعنوان (مدنية الإسلام)، من كتاب «حاضر العالم الإسلامي» للوثروب ستودارد، ترجمة عجاج نويهض (مع مُقدَّمة من الأمير شكيب كان حجمها ضعفي الكتاب الأصلي (ص 117- 127) – وكانت طبعته الأولى سنة 1925، ثم توالت طبعاته لاحقاً، ومنها الطبعة الثالثة الصادرة سنة 1973 والتي استندت إليها المقالة هذه.

يبدأ الأمير مقالته، بل بحثه، بإثبات بطلان دعاوى من يزعم أنه لم يكن للإسلام من حضارة أو مدنيّة، فيقول:
«مدنية الإسلام قضية لا تقبل المماحكة إذ ليس من أمّة في أوروبة سواء الألمان أو الفرنسيين أو الإنكليز أو الطليان إلخ، إلّا وعندهم تآليف لا تحصى في «مدنية الإسلام»؛ فلو لم يكن للإسلام مدنية حقيقية سامية راقية مطبوعة بطابعه، مبنية على كتابه وسنّته، ما كان علماء أوروبة حتى الذين عُرفوا منهم بالتحامل على الإسلام يكثرون من ذكر المدنية الإسلامية ومن سرد تواريخها ومن المقابلة بينها وبين غيرها من المدنيات، ومن تبيين الخصائص التي انفردت بها.» (حاضر العالم الإسلامي، الجزء الثالث، 119).

ويسهب شكيب في عدّ مظاهر مدنية الإسلام وتجلّياتها، فإذا بغداد «قد بلغت في دور المنصور والرشيد والمأمون من احتفاء العمارة واستبحار الحضارة وتناهي الترف والثروة ما لم تبلغه مدينة قبلها ولا بعدها إلى هذا العصر، حتى كان أهلها يبلغون مليونين ونصف مليون من السكّان، وكانت البصرة في الدرجة الثانية عنها وكان أهلها نحو نصف مليون. وكانت دمشق والقاهرة وحلب وأصفهان وحواضر أخرى كثيرة من بلاد الإسلام أمثلة تامة، وأقيسة بعيدة في استبحار العمران، وتطاول البنيان، ورفاهة السكان وانتشار العلم والعرفان، وتآثل الفنون المتهدلة الأفنان.» (119)

ولم تكن القيروان وفاس وتلمسان ومراكش في المغرب بأقل من ذلك. أما قرطبة، والكلام لشكيب، فلم يكن يدانيها في أوروبة مُدانٍ، وكان عدد سكانها نحو مليون ونصف مليون نسمة، وكان فيها سبعمئة جامع عدا المسجد الأعظم الذي كان يسع حسب المهندسين الأسبنيول خمسين ألف مُصَلٍّ في الداخل و30 ألف مصلٍّ في الصحن «يسعهم هذا المسجد العجيب ثمانون ألفاً من المصلين» ويضيف:
«ولما ذهبنا إلى آثار قصر الزهراء، رأيناها آثار مدينة لا آثار قصر واحد، وعلمنا أنها تمتد على مسافة تسعمائة متر طولاً في ثمانمائة متر عرضاً… وقال لي المهندسون الموكلون بالحفر على آثارها: إنهم يرجون الإتيان على كشفها كلّها من الآن إلى خمسين سنة. وحسبك أنّ غرناطة التي كانت حاضرة مملكة صغيرة في آخر أمر المسلمين في الأندلس لم يكن في أوروبا في القرن الخامس عشر بلدة تضاهيها ولا تدانيها، وكان فيها عندما سقطت في أيدي الأسبانيول نصف مليون نسمة…. وحمراء غرناطة لا تزال يتيمة الدهر إلى اليوم.» (119-120).

يسخّف الأمير شكيب دعاوى المُكابرين «حُسّاد المدنية الإسلامية» الجاحدين فضل الإسلام في قيام المدنيات شرقاً وغرباً، وما تركته من آثار ماديّة وعقلية وروحية لا تزال تبهر المؤرخ المنصف والتي سمحت بسيادة عربية تامة شرقاً وغرباً «لثلاثة قرون أو أربعة». لكن السيادة تلك ما لبثت، برأيه، أن تراجعت «فذهبت ريحهم وولى السلطان الأكبر الذي كان لهم»، ولذلك أسبابه الموضوعيّة والنفسية، ولا علاقة لذلك بالدين، من قريب أو بعيد.

وبالمعيار نفسه، يرى شكيب أن ميزان التقدّم المادي يميل منذ حين وإلى الآن لصالح الحضارة الغربية، لا الحضارة بل الحضارات الإسلامية، ولكن السبب في ذلك ليس الدين، ولا هو الميزان في التقدّم والتأخر الماديين، يقول:
« نحن لا ننكر تأثير الدين في المدنية ولكننا لا نسلّم بأنه يصحّ أن يكون لها ميزاناً، وذلك لأنه كثيراً ما يضعف تأثير الدين في الأمم فتَتَفلَّت من قيوده وتفسد أخلاقها وتنهار أوضاعها، فيكون فساد الأخلاق هو علّة السقوط، ولا يكون الدين هو المسؤول: وكثيراً ما تطرأ عوامل خارجية غير مُنْتظرة فتتغلّب على ما أثلته الشرائع من حضارة وتزلزل أركانها وقد تهدمها من بوانيها، ولا يكون القصور في الشريعة. فتأخُّر المسلمين في القرون الأخيرة لم يكن من الشريعة بل من الجهل بالشريعة، أو من عدم إجراء أحكامها كما ينبغي. ولمّا كانت الشريعة جارية على حقها كان الإسلام عظيماً عزيزاً.» (118)

أما بعض سياسيي الغرب ومؤرِّخيه المتحاملين المُنكرين مدنيّة الإسلام فلا يستحقون من شكيب غير الشفقة وتنبيههم إلى ما هم عليه من الإنكار وعدم النّصفة؛ وليسوا جميعاً كذلك، بل بينهم الموضوعي والمنصف أيضاً، يقول:
« وكم حرر المؤرخون الأوروبيون تحت عنوان «مدنية الإسلام» كتباً قيّمة ومجاميع صور تأخذ بالأبصار. وإن أشد مؤرخي الإفرنجة تحاملاً على الإسلام لا يتعدى أن يحاول التصغير من شأن مدنيته….. فقصارى هذه الفئة أن ينكروا كون المسلمين قد ابتكروا علوماً وسبقوا إلى نظريات صارت خاصة بهم، وغايتهم أن يقولوا إنّ المسلمين لم يزيدوا على أن نقلوا وأذاعوا وكانوا واسطة بين المشرق والمغرب. وهذا القول مردود عند المحققين الذين يعرفون للمسلمين علوماً ابتكروها وحقائق كشفوها وآراء سبقوا إليها، فضلاً عمّا زادوا عليه وأكملوه، وما نشروا ونقلوه، ومن استرقَ شيئاً وقد استرقّه فقد استحقّه.» (120)

لكنَّ شكيباً، المؤرخ الموضوعي المنصف لا تأخذه نعرة عصبية، ولا تدوّخه لحظة غرور وفخار قومية، فإذا به يسرع الخطى إلى صياغة قاعدة تليق لا بالتاريخ فقط، بل بفلسفة التاريخ، وتاريخ الحضارات – وقد سبق فيها غارودي وغيره ممّن أنصفوا الحضارة العربية والإسلامية – فينتهي من نصّه الدقيق الهادئ إلى خلاصة تاريخية، فيقول:
«وبعد، فلم نعلم مدنية واحدة من مدنيات الأرض إلاّ وهي رشح مدنيات سابقة، وآثار آراء اشتركت بها سلائل البشرية، ومجموع نتائج عقول مختلفة الأصول، ومحصول ثمرات ألباب متباينة الأجناس.» (120)

نكتفي الآن، ولنا عَوْدٌ إلى الموضوع لاحقاً، بهذه الخلاصة التاريخية الساطعة التي لا ينكر صدقيتها وشمولها إلّا العنصري المتعصب المُكابر الذي يضع أوهامه، بل مرضه، بديلاً للحقائق الموضوعيّة التي تقدمها صفحات التاريخ لكل ذي بصر وبصيرة، ولكل عالم منهجه في طرائق العلم، ومستنده في تناول الوقائع، لا أوهام زمن الاستكبار والإقصاء والاستعلاء: زمن لا قاعدة علمية، ويجب أن نكون قد تجاوزناه – لكنّه يطلّ من جديد مع الأسف في طيّات خطاب شعبوي عنصري مقيت، لكنّه أقلّوي حتى الآن، والحمد لله.

ولنا في مقالة لاحقة إن شاء الله عرضٌ لتحليل الأمير شكيب العميق لموقع الدين، كل دين، في صعود الحضارات وأفولها.

أَهمُّ أحداث السّنة المُنصرمة، 2020

1- كان الحدث الأبرز سنة 2020 في العالم بأسره هو الانتشار السريع لفيروس كورونا (كوفيد المستجد 19)، وكان بدأ في كانون أول 2019 في مقاطعة ووهان الصينية، ومنها غزا بلدان الكوكب قاطبة، تاركاً حتى مطلع العام الجديد تسعين مليون إصابة، ومليوني ضحيّة، ولم يكن لبنان وبلدان عربية عدة بمنأى عن ذلك، بل إن أرقام الإصابات والوفيات سجّلت نهاية العام المنصرم أرقاماً قياسية في لبنان تجاوزت الـ 2000 يومياً.

2- في نيسان 2020 صنّفت منظمة الصحّة العالمية WHO فيروس كورونا باعتباره «جائحة عالمية خطيرة»، وجرى اعتباره كذلك، نظراً لما تسبب به من إصابات ووفيات وشلل في قطاعات الاقتصاد العالمي وتراجع خطير في معدلات النمو وإغلاقات وبطالة وإقفال الجامعات والمدارس لأشهر عدة.

3- وكان الحدث المقابل الإيجابي توصُّل شركات عدة بدءاً من كانون أول 2020 إلى إنتاج لقاح مضاد للكورونا من مصادر عدة يقول أصحابها إنّها ناجعة بنسبة تفوق 90%؛ وقد أجيزت من عدد كبير من البلدان وجرى البدء باستخدامها في الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وروسيا وبلدان عربية عدة.

4- في شهر أيار اشتعلت شوارع مدن أميركية عدّة بتظاهرات يومية عنيفة احتجاجاً على مقتل رجل من أصول إفريقية جورج فلويد (46 عاماً) على أيدي رجال الشرطة وبطريقة بشعة وذلك في مدينة مينابوليس في ولاية مينوسوتا الأمريكية وكان شعار الاحتجاجات «أرواح السود مهمّة أيضاً»، أقيل بعدها 4 ضباط شرطة متّهمين بعملية القتل.

5- في شهر تموز أعلنت إثيوبيا اكتمال المرحلة الأولى من عملية ملء «سد النهضة» على منابع النيل في إثيوبيا ما استتبع احتجاجات شديدة من مصر، لما للنيل من أهمية مطلقة لحياة المصريين وإنتاجهم الزراعي، وبدأت بعدها جولات مفاوضات لاحتواء الموقف وعدم الوصول إلى التصادم العسكري.

6- في شهر آب (الرابع من أب) حدث انفجار مئات أطنان نيترات الأمونيوم المخزنة منذ سبع سنوات على نحو مشبوه في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت. دمّر الانفجار الهائل (الذي عُدّ الثالث من نوعه بعد الحرب العالمية الثانية) منشآت المرفأ وأجزاء من العاصمة بيروت وتسبب بمقتل 200 شخص وجرح 6000 آخرين، وقد تلا ذلك زيارة الرئيس ماكرون للبنان لتقديم ما يلزم من مساعدات. ولا يزال التحقيق بعد 5 أشهر عاجزاً عن جلاء أسباب ما حدث.

7- في تشرين أول 2020 اندلعت في لبنان وسوريا مئات الحرائق أتت على آلاف الهكتارات من الغابات والأراضي الزراعية.

8- في تشرين الثاني 2020 فاز جوزف بايدن على دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية الرئاسية.

9- إستقالة حكومة الرئيس حسّان دياب بعد أيام من إنفجار 4 آب، ثم مراوحة لأسابيع، وبعدها مشاورات نيابية وتكليف سعد الحريري مهمة تشكيل الحكومة العتيدة. ولكن العام المنصرم أقفل على 14 لقاء بين الرئيسين الحريري وعون من دون إعلان الحكومة الجديدة.

10- استمرت في العام المنصرم وقائع انتفاضة 17 تشرين أول الشعبية، احتجاجاً على تردِّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولكن من دون أن يتاح لها أن تؤتي النتائج المرجوّة منها.

11- ويبقى الحدث الأكثر خطورة المستمر والمنتقل كما يبدو للعام الجديد هو الانهيار الكارثي في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، من 1515 ليرة إلى حدود 12000 ليرة (اليوم)، ما تسبب بانهيار مداخيل أكثرية اللبنانيين، وارتفاع جنوني في الاسعار دون رقيب أو حسيب، بالترافق مع حجب المصارف لودائع زبائنها بالعملات الأجنبية، من غير وجه حق، مدمرة سمعة القطاع المصرفي اللبناني وودائع الزبائن في آن معاً.

هذا غيض من فيض، نأمل أن يتبدّل كلّه في العام الجديد، بإذنه تعالى، لما فيه مصلحة اللبنانيين والعرب والبشرية بأسرها.

أصدق صورة عن لبنان الماضي الجميل..

نزل الأديب المصري الكبير طه حسين في الثلاثينيّات في أحد فنادق الجبل وأصرّ أن يحضر حفلة زجل لفرقة شحرور الوادي التي سمع كثيراً عنها. وحضر وتعرّف على الفرقة (معروف أنّ طه حسين العلماني العبقري كان ضريراً)..

العميد طه حسين

افتتح الحفل الشحرور فقال:
أهلا وسهلا بطه حْسَين
وربي عْطاني ها العَيْنتَين
العين الوحدة بتكفيني
خذلك عين وخلي عين.
فقال علي الحاج:
أهلا وسهلا بطه حْسَين
لازم لك عَينين تْنين ..
تكرم شحرور الوادي
منّي عَين ومنّك عين.
فقال إميل روحانا:
لا تقبل يا طه حسين
تاخذ من كل واحد عين
بقدمْ لكْ جَوْز عيوني
هدية لا قرضة ولا دَين.

ثم ختم طانيوس عبدو..
مش لا زم لو طه حْسَين
عين ولا أكثر من عين
الله اختصو بعين العقل
بيقشع فيها عالميلين.

أعجب كثيراً طه حسين بهذا الإبداع وشكرهم كثيراً وحمل معه إلى مصر صورة لبنان الماضي الجميل.

جــبران وإيمانُه بالقدَر

كان والد جبران خليل بن مخايل بن أسعد بن يوسف بن جبران أشقر البشرة أزرق العينين، قوي البُنية، يملك مزرعة مرجحين قرب الهرمل.

لما بلغ هذا الرجل السابعة والثلاثين من العمر تزوّج أرملة تبلغ السابعة والعشرين تدعى كاملة رحمه. تُوِّجَ هذا الزواج بولادة الأديب جبران خليل جبران ثم شقيقتاه مريانا وسلطانة. غير أن الأب خليل كان يفضل بطرس ابن زوجته من زوجها الأوّل على فلذة كبده جبران، ليس لشيء وإنّما لكون بطرس يطيع زوج أمه ويساعده في حرث الأرض وخدمتها على عكس أديبنا جبران إذ يفضّل جُلّ أوقاته في التصوير والرّسم والأحلام. أمّا أمه كاملة فكانت سمراء رشيقة ذكية جداً وجذّابة، وُلِدت في بْشرِّي وماتت في بوسطن.

جبران خليل جبران

تزوجت في صباها ابن عمها حنّا عبدالسلام رحمه فأنجبت منه ولدها بطرس وعند وفاته عادت إلى لبنان لتتزوج من يوسف سلامة جعجع، لكن هذا الزواج لم يعمّر طويلاً (أقل من شهر)، ويوماً وهي تشتري من دكان للعقاقير مرهماً لأصبعها المجروح التقت بزوجها الأخير خليل جبران وهو يدخّن سيجارته فأعجبتها أناقته وتبادلا النظرات كون الأخير قد عشقتها أذناه قبل عينيه لأنه سمع صوتها يوماً وهي تغني في أحد أعياد القرية.

هذا الإعجاب المتبادل انتهى وتكلّل بزواج خليل وكاملة، هذا الزواج وصفته كاملة «بصرعة غرام». هذان الشخصان ساهما بقسط وفير وكبير في تكوين أديبنا الكبير جبران أخلاقيّاً وأدبيّاً ونفسيّاً، حيث قال الأديب جبران لعشيقته مَيّ زيادة في إحدى رسائله: ورثت عن أمي تسعين بالمئة من أخلاقي وميولي، وإنني أذكر قولها لي مرة وقد كنت في العشرين من العمر:
– «لو دخلتُ الدّير لكان أفضل لي وللناس».
– «ولو دخَلتِ الدير لما جئت أنا»، أجابها جبران.
– «أنت مُقدّر يا بني في هذه الحياة»، أجابته والدته.
– «نعم ولكن قد اخترتك أمّاً قبل أن أجيء بزمن بعيد»، عقّب جبران.
– «لو لم تجئ لبقيتَ ملاكاً في السماء».
– عقّب جبران: «ولم أزل ملاكاً».
فتبسّمت والدته وقالت: «أين جوانحُكَ؟»
أجاب جبران بعد أن وضع يدها على كتفيه قائلاً: «هنا». قالت: «إنها مُتَكسّرة».
ومن هذه الكلمة غُزِلت ونُسِجَت حكاية الأجنحة المُتَكسرة لجبران خليل جبران.

“من لم يهزّه الرّبيع وأزهاره والعودُ وأوتارهُ فهو فاسدُ المزاجِ وليس له علاج.”

الإمام الغزالــــي

يقول الأديب ميخائيل نعيمة عن صديقه جبران في كتابه الذي يحمل اسمه: «كان جبران يلعب خلف البيت عندما رأى رجلاً غريباً يسوق بغلاً عليه (قربتان) وينادي (زيت حلو) أي زيت زيتون، فأطلّت من باب بيتها عجوز في يدها سبحة طويلة وسألت الرجل أن يذيقها زيته، ففعل. وبعد جدال عنيف اتّفقت وإيّاه على السّعر ثم دخلت البيت وعادت بزجاجة فارغة وقالت لبائع الزيت أن يكيل لها ثلاثة أواق. لكن عندما سألته عن دينه وأجابها إنه مسيحيّ ومذهبه أرثوذكسي أدارت في الحال ظهرها عنه وعادت بزجاجتها الفارغة إلى بيتها وأقفلت الباب وراءها بعنف وهي ترسم علامة الصليب وتتمتم بكلمات مبهمة. بعد قليل كان جبران بجانب أمه يسألها:
– «ما هو ديننا يا أمي..؟».
– «نحن موارنة يا بُنَي».
– «ومن هم الروم؟».
– «هم نصارى مثلنا».
– «ولماذا اسمهم روم واسمنا موارنة؟».
– «عليك أن تسأل الخوري يا بُني فهو ينبؤك أفضل مني».
– «وهل يخنقنا الرب إذا اشترينا زيتاً من رجل روم؟».
– «كلّا يا بني..».
يستخلص جبران في قوله عن الحقّ شعراً:
وَالحَقّ لِلعَزم وَالأَرواحُ إِن قويت
سادت وَإِن ضعفت حَلَّت بِها الغِيَرُ
وقوله في العلم:
وأفضلُ العلم حلــمٌ إن ظَفرتَ بهِ
وسرت ما بيـن أبنـاء الكرى سخروا
وفي السعادة:
وما السعادةُ في الدنيا سوى شبَحٍ
يُرجى فإن صار جسماً ملَّهُ البشرُ
وفي الموت:
والموت في الأرض لابن الأرض خاتمة
وللأثيريِّ فهو البـدء والظّـــفرُ

رَوَيت هذه الرواية وكنّا في جلسة عند معالي وزير الثقافة في حينه الأستاذ طارق متري، فضحك ملء فمه ثم استدرك وقال: «كيف لو كان درزياً أو شيعياً أو سُنياً».
آنذاك تصدى للقول أحد الحاضرين وقال: «حدثني جدِّي يوماً عن قصة مشابهة بها ومماثلة لقصة الأديب جبران إذ قال: «ونحن في طريقنا لزيارة أقارب لنا في احدى قرى كسروان، تشاء الصدف أن نصادف رجلان يتعاونان على تحميل دابة حملاً من القش كانت قد تعثّرت به وسقط عن ظهرها. وبعدما أعادا الحمل على ظهرها كما كان سابقاً سأله من كان يُساعده قائلاً: «الآن وقد فرغنا من مساعدتك لكن نسيت أن أسألك ما هو دينك؟» أجابه صاحب الدابة: «ديني مسيحي ومذهب ارثوذكسي».
تغيّرت ملامح وجه السائل ثم أدار ظهره نحو سائله وقال: «يا ريتني كنت أساعد درزيّاً أفضل بكثير».

معالي الوزير ألقى برأسه فوق وسادة كرسيه من الضحك ثم أدار بوجهه نحوي وقال:» أرجو أن لا تغضب يا أستاذ غالب».
قلت: «كيف سأغضب وقد فضلنا صاحبنا نحن الدروز على أبناء دينه من الأرثوذكس فشكراً وألف شكر».

غير أن صاحب الرواية نهض لتوّه بعدما تأكد من مذهبي دون أن يستأذن أحداً وكأنه ارتكب جُرماً أو أفصح عن سرّ كبير.
(حدثت عام 2006م)

الادارة المتكاملة لآفات الزيتون

الأفة: هي كلُّ كائنٍ حيٍّ، يُلحق ضرراً مباشراً أو غير مباشر بالإنسان، مثل: الفيروسات – البكتيريا – الفطريات – النباتات الطفيلية العشبية – الديدان الثعبانية – العناكب – الحشرات – بعض الفقاريات.
المُبيد: هو أية مادة كيميائية منفردة أو أي خليط من مجموعة مواد تكون الغاية منها الوقاية من أي آفة أو القضاء عليها أو تخفيض نسبة تواجدها، ناقلات الأمراض للإنسان، أو للحيوان، أو للنبات.

– إلا أنّ هذه المبيدات قضت على نسبة عالية جدًّا من الحشرات والفطريات والبكتيريا النافعة.
– وفي غياب الرقابة الدقيقة والتقيد بالأسس العلمية الصحية المنظمة لهذا الاستخدام، وعدم المعرفة بطرق وأساليب الاستخدام الأمثل للمبيدات وطرق الوقاية من أضرارها يؤدي إلى: تلوث البيئة – الأرض – الثمار – النبات بشكل عام – مياه الينابيع والخزانات الجوفية – الحشرات والحيوانات والطيور النافعة.

المبيدات واخطارها:

يقول الدكتور جابر الدهماني، أستاذ أمراض ووقاية النبات في كلية الأغذية والزراعة في جامعة الإمارات: «إن المبيدات الزراعية عبارة عن مادة أو خليط من مواد تستخدم في الزراعة لغرض معالجة الإصابة بالآفات الزراعية لكن جميعها تحتوي على مواد كيميائية سامة.»
وقد قَدَّرت منظمة الصحة العالمية وبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، أن هناك ثلاثة ملايين عامل زراعي في البلدان النامية يتعرضون سنوياً إلى حالات تسمم شديدة، منهم ثمانية عشر ألفا يلقَوْن حتفهم. كما أن التعرض للمبيدات الزراعية يؤدي إلى تطور الأمراض المرتبطة بالأورام الخبيثة، مثل – السرطانات، بالإضافة إلى تهيج الجهاز العصبي، واضطرابات أخرى تؤدي للوفاة، حتى عند المستهلكين الذين قد يتناولون المبيدات الزراعية التي نمت داخل الخضراوات والفواكه.

لمحة تاريخية:

في أوائل القرن الماضي، كانت الحكومات تشجع على استعمال المبيدات لأنها اعتبرتها مظهراً من مظاهر الزراعة الحديثة. سنة 1957، اقتُرح مفهوم الإدارة المتكاملة للآفات لأول مرة في لبنان.
المفهوم في ذلك الوقت كان «كافح فقط عندما تتجاوز الآفة عتبة الضرر الاقتصادي» لكن لم يكن مفهوم استعمال المبيدات الزراعية السامة متلازماً مع مفهوم عتبة الضرر الاقتصادي.
أمّا في السنوات القليلة الماضية ونتيجة للدورات والمدارس الزراعية، فقد تطورت قليلاً مفاهيم استخدامات الإدارة المتكاملة للآفات الزراعية.

تعريف الإدارة المتكاملة للآفات:

هي مقاربة مستدامة لإدارة الآفات الزراعية عبر دمج الوسائل البيولوجية، الزراعية، الفيزيائية والكيميائية بطريقة تخفض المخاطر الاقتصادية، الصحية والبيئية إلى الحد الأدنى.

تعريفها حسب منظمة الاغذية والزراعة العالمية

الإدارة المتكاملة تكون بالأخذ بعين الاعتبار وبشكل دقيق كل التقنيات المتاحة لمراقبة الآفة والتعديل اللاحق من خلال إدخال طرق مناسبة للحيلولة دون ازدياد معدل وانتشار الآفات الضارة ولابقاء المعالجة بالمبيدات في مستويات تبرر وتخفف الأخطار المُحدِقة بالإنسان وبالبيئة.
مراقبة الآفات: الخطوة الأساسية الأولى في الإدارة المتكاملة للآفات من خلال معرفة أوقات ظهور الآفة وتكاثرها ومراحل تطورها بالإضافة إلى معرفة أطوارها من بيضة حتى حشرة كاملة وما هو الطور الذي يسبب الضرر ومكان بياتها الشتوي.

مقارنة:

الادارة التقليدية في الإقتصاد:
مزيد من التكاليف، ومزيد من الترسبات الكيميائية السامة، ومزيد من تلوث البيئة بجميع عناصرها: الهواء، التربة، المياه… ومزيد من قتل وتخفيض أعداد الأعداء الطبيعية المفيدة التي تتطفل وتأكل الآفات الضارة.

الادارة المتكاملة للآفات في الإقتصاد:
تحسين إدارة المحصول، وتخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة الربح.
بيئة نظيفة نوعاً ما من خلال: تقليل استعمال المبيدات وتخفيض نسبة السموم، السماح للأعداء الحيوية بالتكاثر والاستيطان في البساتين.
العامل الاجتماعي من خلال: التحفيز على العمل التعاوني، بناء المجموعات، شبكة العمل، مهارات الاتصال، التعليم، العوامل الصحية، التوظيف، إلخ…).

يجب التحوّل من ممارسة تعتمد أكثر على المبيدات إلى ممارسة تعتمد أكثر على طرق الزراعة الطبيعية وصولاً إلى العضويّة ….
يجب على المؤسسات الرسمية إرشاد وتحفيز المزارعين على استعمال كل التقنيات المتاحة لإنتاج محصول زراعي ذي ترسّبات منخفضة للمبيدات الكيميائية السامة إلى أدنى مستوياتها وضمن المعدل العالمي عن طريق إدارة الآفات على هذا المحصول مع المحافظة على التوازن الموجود في عناصر البيئة المتمثلة بالحشرات – الأمراض المفيدة – الإنسان – التربة والمياه..

أهم مضار الآفات على المزروعات:
  • تسبب خسارة كبيرة للمزارع بشكل مباشر وغير مباشر.
    1. خسارة بسبب النقص في الإنتاج
    2. خسارة بسبب تدهور النوعية (اي يصبح الإنتاج عير قابل
      للتسويق).
    3. تشكل أحد أسباب ارتفاع كلفة الإنتاج من خلال المكافحة المتواصلة، التعريب والتوضيب والتسويق
  • المكافحة الخاطئة تسبب أضرراً جسيمة للإنسان وللبيئة بشكل عام بالإضافة الى ارتفاع كلفة الإنتاج.
الأضرار المباشرة وغير المباشرة لآفات الزيتون:

– الثمار المصابة غير قابلة للكبيس والتخليل من جراء إصابتها بذبابة الزيتون، مرض تعفّن الثمار وعثة الزيتون
– الثمار غير قابلة للتسويق
– إنخفاض في كمية الثمار والزيت بسبب ضعف الأشجار لإصابتها بآفات: عين الطاووس، حفّار الساق، ذبابة الزيتون ونيرون الزيتون
– ضياع جزء من الانتاج بسبب تساقط الثمار على الأرض أو تلف جزء من الثمار بسبب الإصابة بذبابة وعثة الزيتون، مرض تعفّن الثمار، نيرون الزيتون
– انخفاض في نوعية الزيت وارتفاع درجة الحموضة ورقم البيروكسيد (التزنخ) عندما تصاب الثمار بذبابة الزيتون ومرض تعفّن الثمار أثناء القطاف إذا ما قُطفت بوسائل تقليدية مثل العصا (المفراط) أو عند تجميع الثمار في الحقل أو المنزل لعدّة أيام وخاصة في أكياس بالإضافة إلى تأخّر عملية العصر في المعصرة…
– تدهور النوعية المذاقية للزيت «سوء الطعم والرائحة».

أما أهم الأمراض التي تصيب الزيتون هي:
مرض عين الطاووس

  • يسبب هذا المرض فطر Spilocea Oleaginae أو Cycloconium Oleaginae يصيب هذا المرض اصناف الزيتون الحساسة ويسبب أضراراً فادحة وخسائر كبيرة في بعض المناطق اللبنانية خاصة الرطبة منها.
  • يصيب بشكل أساسي أوراق الزيتون (الجهة العليا من الأوراق) وقد يصيب الثمار عند اشتداد الإصابة خاصة في انتشار المرض في أواخر الصيف وفصل الخريف.
  • يظهر المرض على شكل بقع دائرية على الأوراق تبدأ سوداء ثم تتحول تدريجيا مع تقدم المرض لتصبح صفراء اللون وتتساقط.
  • يعيش الفطر ويتكاثر على أوراق اشجار الزيتون لعدة أشهر وفقط عدة أيام على الأوراق المتساقطة ليدخل في مرحلة سبات.
  • الزراعة الكثيفة لأشجار الزيتون والتقليم الخاطئ لها يساعدان على انتشار المرض بوتيرة أسرع في حال توفر الماء والظروف الطبيعية الملائمة لذلك.
  • ينتقل مرض عين الطاووس بوسطة مياه الأمطار.

الإصابة
تحدث الإصابة بفطر عين الطاووس عندما تبقى الورقة مغطاة بالماء لعدة ساعات. أما درجات الحرارة المثلى لتكاثر هذا المرض هي بين 10 و25 درجة مئوية وعندما تصبح الحرارة أقل من 10 درجات وأكثر من 25 درجة تسبب توقف انتشار المرض.

الأضرار التي تحدث خلال إصابة الأشجار بمرض عين الطاووس هي:

  • تساقط الاوراق المصابة بكثافة.
  • عدم تكون براعم ونمو الازهار.
  • تساقط وتشوه الثمار.
  • ضعف عام للشجرة بحيث تتعرى من أوراقها.
  • ضعف الانتاج من ثمار وزيت.

المكافحة

يكافح الفطر الذي يسبب مرض عين الطاووس باستعمال المركبات النحاسية (الجنزارة)، حيث يتم رشّ الشجرة بشكل كامل في حالة الاصابة الخفيفة:
في فصل الربيع وبعد ظهور الطرد الحديثة (يحمي الأوراق الجديدة).
في آخر الصيف – أول الخريف لإدخال الأشجار مرحلة الراحة خلال فصل الشتاء نظيفة من المرض.

أما في حالة الإصابة الشديدة

  • ترش أشجار الزيتون في بداية فصل الربيع قبل استعادة نشاط الشجرة وتفتح براعمها (يؤدي الى سقوط الأوراق المريضة).
  • تكرّر الرشة في الربيع بعد ظهور الطرد ليتم حماية الأوراق الجديدة.
  • ويتم الرش في آخر الصيف – أول الخريف.

مرض ذبول الزيتون
مرض ذبول الزيتون.
  • فطر يدخل الى الشجرة من خلال جروح على الجذور وينتشر في الخشب، يؤدي الى انسداد الأوعية الناقلة للعصارة.
  • لون قشرة الأفرع ليلكي – بني.
  • الاصابة تظهر بشكلين من العوارض.

الاضرار

  •  ذبول ويباس الأوراق والافرع والأغصان جزئياً او كلياً، الاوراق يابسة وتبقى معلقة على الفروع لتتساقط في فصل الشتاء المقبل.
  • يباس الفروع والأغصان وفي النهاية موت الشجرة بالكامل.

الوقاية

  • عدم زراعة الخضروات بين أشجار الزيتون.
  • استخدام نصوب سليمة موثوقة ومعروفة المصدر.
  • تطهير وتعقيم معدات التقليم بعد كل استعمال.
  • الفلاحة السطحية لتهوئة التربة.
  • عدم إضافة السماد العضوي الأخضر وإضافته بعد التخمير.

مرض سل الزيتون

مرض بكتيري يسبّبه (Pseudomonas Svastanoi) يؤدي الى ظهور أورام سرطانية خشنة وغير متجانسة على الاغصان. فترة الإصابة من الخريف حتى الربيع.

الاضرار

  • ضعف عام في الشجرة والإنتاج.
  • تدهور في نوعية الزيت عند الإصابة الشديدة.

الوقاية

  • عدم استعمال العصا في القطاف تجنبا من جرح الفروع ونقل المرض الى فروع وأشجار أخرى.
  • تعقيم أدوات التقليم.
  • قطع الأفرع والاغصان تحت الاصابة بحوالي 20 سم وحرقها مباشرة .

الوقاية والمكافحة:

  • تستخدم مادة نحاسية (الجنزارة) بعد تقليم الأفرع والأغصان المصابة، وبعد كل عملية قد تؤدي الى جرح الشجرة.

أما أهم حشرات الزيتون فهي:

عثة الزيتون (Prays Oleae)

لعثة الزيتون ثلاثة أجيال هي: جيل الزهر، جيل الثمار، وجيل الورق.

عوارض الإصابة

  • جيل الزهر: تنسج عثة الزيتون خيوطاً على العناقيد الزهرية.
  • جيل الثمار: تتلف بذور الثمار وتؤدي الى سقوطها.
  • جيل الأوراق: عند الإصابة بعثة الزيتون الى التفاف الأوراق.

الاضرار

  • أضرار من حيث كمية الإنتاج: تؤدي الى تساقط الثمار الصغيرة خلال شهر حزيران، وتساقط الثمار الكبيرة في أيلول.
  • أضرار من حيث نوعية الإنتاج: أثناء عملية القطاف وتجميع الثمار المتساقطة والجافة فيؤدي ذلك الى تخفيض نوعية الزيتون وبالتالي تخفيض أسعاره.
  • كما تؤدي الثمار المتساقطة والجافة الى تدهور في نوعية الزيت.

الوقاية والمكافحة

  • التقليم الصحيح لتعريض الأشجار الى التهوئة والشمس.
  • مراقبة ظهور حشرة عثة الزيتون وخاصة جيل الأزهار والثمار.
  • استخدام مصائد فورمونية لتحديد أعداد فرشات العثة.
  • المكافحة البيولوجية: Bacillus Thuringiensis.

 في النهاية نلجأ الى استخدام خلطة عضوية تتكون من المقادير- لزوم 20 ليتر ماء (تنكة):

  1. راحتان من رماد الحطب توضع في وعاء من الماء ويضاف إليها القليل من برش صابون الزيت البلدي ثم تحرك لعدة مرات حتى تصبح مثل الصفوة.
  2. في اليوم الثاني موعد الرش: يضاف الى محلول الرماد والصابون عصير قبضة من الصعتر والخزامة والقصعين ونوع واحد من النعناع أو حوالي 70 غرام من مقطرات هذه الأنواع.
  3. فليفلة حارة: عصير فليفلة حارة 100 غرام أو نقيع الحار.
  4. خل: 70 غرام من خل التفاح البلدي..
  5. في حال وجود أمراض فطرية أو بكتيرية، يستحسن إضافة 60 غرام جنزارة و50 غرام كبريت مكروني على ان لا تزيد درجات الحرارة على 30 درجة.
  6. تخلط جميعها وتصفى جيدا وتعبأ في المرشة وترش مباشرة.

 

نيرون الزيتون  (Phloeotribus Scarabaeoides)

تحدث الإصابة بحشرة نيرون الزيتون في مرحلتين الأولى من منتصف شهر شباط حتى أواخر شهر ايار حسب الارتفاع عن سطح البحر، والثانية خلال شهري أيلول وتشرين الأول. يهاجم نيرون الزيتون الأشجار الضعيفة والمريضة التي تصبح قليلة الرطوبة وتميل الى الجفاف.

أعراض الإصابة

ثقوب على قاعدة الفروع المنتجة وتؤدي الى خروج نشارة الخشب، أما في حالة الإصابة الشديدة تنتقل الى الأغصان ثم الى كل أجزاء الشجرة فوق سطح الأرض وبالتالي يؤدي ذلك الى يبسها.

أضرار النيرون على نوعية الثمار

  • جفاف بعض الثمار
  • تدهور في النوعية المذاقية للزيت

الوقاية والمكافحة

  • في مرحلة التقليم (أواخر فصل الشتاء وأوائل الربيع) أوعند ظهور الإصابة.
  • التقليم الجيد للأشجار وترك الأغصان المقطوعة في الحقل لتجف قليلا وتصبح المرغوبة من حشرة النيرون.
  • نقلها خارجاً أو حرقها بعد فترة من الوقت او عند ظهور أثار الحشرات.

ذبابة الزيتون (Bactrocera Oleae)

 

  • لها عدّة أجيال في السنة تصل الى خمسة حسب الظروف المناخية.
  • تقضي فصل الشتاء بطَور العذراء في التربة.
  • تنشط في بداية الصيف بعد خروج أعداد كبيرة من الحشرات الكاملة.
  • تضع الإناث البيض داخل نسيج الثمرة بوساطة آلة وضع البيض.
  • تفقس البيوض وتتغذى على لب الثمرة.

دورة الحياة

  • تسقط اليرقات بعد اكتمال نموّها إلى التربة وتتحوّل إلى عذارى. يفقس البيض بعد (2 – 15) يوم وذلك حسب الظروف البيئية وتتوقف عن وضع البيض إذا قلت الحرارة عن 10 درجات مئوية.
  • اليرقات: يكتمل نموها بعد 10 أيام وحتى 4 أسابيع حسب الظروف المناخية فتطول شتاءً وتقل صيفاً. ثم تتحوّل الى خادرة (شرنقة) في التربة على عمق (2 – 5) سم ويكتمل نموها بعد (8 – 30) يوماً حسب الظروف البيئية. الحرارة المثلى لهذه الذبابة وتكاثرها هي بين (10 و25) درجة مئوية. تتواجد الحشرة طوال العام لأن برد الشتاء غير كاف للقضاء عليها.
  • تكون فترة الاصابة من حزيران حتى نهاية الموسم، تتكاثر اثناء الجو المعتدل وتتوقف عن وضع البيض في المناطق التي تزيد فيها الحرارة على 30 درجة. تبدأ بإصابة الثمار بعد ان تصبح بذرة الزيتون خشبية. كل انثى تضع حوالي 200 بيضة. تبدأ الإناث بوضع البيض بعد (4-5) أيام من خروجها من التربة.

أضرار ذبابة الزيتون

  • ثمار زيتون المائدة غير صالحة للتخليل أو الكبيس
  • التسبب بالإصابة بأمراض وحشرات أخرى
  • نقص في كمية الثمار المنتجة
  • نقص في كمية الزيت في الثمار
  • تدهور في النوعية المذاقية – الحسية للزيت
  • ارتفاع في درجة الحموضة ورقم البيروكسيد (التزنخ)

المكافحة البيولوجية

مصائد غذائية جاذبة يوضع فيها مواد جاذبة تتغذى عليها الذبابة. المواد هي التالية:

  • هيدروليزات البروتيين يخلط مع الماء بنسبة 5%.
  • كربونات الأمونيوم.
  • سردين يخلط أيضا مع الماء بنسبة كل علبة سردين الى نصف ليتر من الماء وتوزع على ثلاث الى أربع مصائد.

الاجراءات الوقائية
يمكن التقليل من أضرار هذه الحشرة باتباع ما يلي:

  • الاهتمام بالتقليم المناسب والصحيح لكل شجرة، يحد من إصابتها بالآفات.
  • إزالة الحشائش الضارة والتي تمثل ملجأ جيداً للآفات.
  • تجنب وضع أسمدة حيوانية خضراء ونفايات عضوية رطبة لأن رائحتها الكريهة تجذب الذباب.
  • حراثة الأرض يؤدي الى ظهور الشرانق والتهامها من قبل بعض الحشرات والطيور والحيوانات.

مستشفيات لبنانية تتضامن أمام الأزمة الخانقة:

أعلنت مستشفيات الجامعة الأميركية في بيروت، أوتيل ديو، الرسول الأعظم، رفيق الحريري، بيروت نوفل، البرج، لبيب صيدا، القديس جاورجيوس الجامعي، بهمن، عين وزين، ولاحقاً انضمت مستشفى المقاصد الجامعي مستشفى رزق- الجامعة اللبنانية الأميركية، التضامن الشامل خارج الحسابات المالية أو الفئوية لأي فريق أو قطاع كان، وقالت، في بيان باسم اللجان الطبّية فيها، أنّه أمام الأهوال التي وصل إليها الحال في لبنان، لا بدّ من العمل بشكل فوري لتحويل المستشفيات بكلّيتها لاستقبال مرضى كورونا، وإيقاف العمل الطبي إلا للحالات الطارئة وكورونا، لتفرّغ الطاقم الطبي لهذا الغرض.

وقالت، في البيان: «امام هول الاوضاع الطبية التي وصل اليها الحال في لبنان والمشاهد المؤلمة التي تظهر انعدام المسؤولية الانسانية والوطنية حيث مرضى كورونا والصليب الاحمر تتقاذفهم الاقدار في لبنان الذي تحتوي مستشفياته على 15 ألف سرير طبي نحن اللجان الطبية الموقعة ادناه ندعو كل الجهات المعنية الى العمل بشكل فوري على تحويل مستشفيات بكُلِيَتها لاستقبال مرضى الكورونا (تحديداً تلك التي لديها البنية الهندسية والكوادر اللازمة) بحسب خطة تحمي المستشفيات التي تقدم الرعاية لمرضى الحالات السرطانية والحالات الطارئة القلبية والجراحية، وتسهيل وتيسير الاعتمادات لشراء المعدات الطبية والادوية الضرورية والمستجدة ولتامين مستلزمات الوقاية الكاملة للجسم الطبي والتمريضي».

كما طالبت المستشفيات «ايقاف العمل الطبي الا للحالات الطارئة والكورونا لتفريغ جميع الطاقات لهذا الغرض – يستثنى فقط غير اللبنانيين الذين حضروا للاستشفاء ولمدة اسبوع فقط من تاريخه. يتم تعريف الحالة الطارئة من قبل الطبيب المعالج الاساسي»، وأيضاً، «الطلب من مجلس النواب الاجتماع بشكل فوري لملاقاة الحكومة واصدار قانون يشرع اللقاحات بشكل طارئ من دون اي عقبات او ملاحقات للشركات المصنعة للقاحات، وأيضاً، الزام مصرف لبنان فتح اعتمادات فورية للقاحات والاحتياجات الطبية، وتشريع غرامات مالية باهظة جداً كما في دول أخرى على الافراد المخالفين لقرارات الاقفال وتفعيل القانون الخاص بالعقوبات في حالة نشر الوباء مع التشدد بالتطبيق دون استثناءات، إلى تشريع لتوفير الاعتمادات والمساعدات المالية الضرورية للمواطنين للصمود في بيوتهم خلال الاقفال العام».

لبنان في مِئة عام أفكارٌ وتجارب

 

كتاب هدف إلى مراجعة التجربة اللبنانية خلال مئة سنة التي انقضت إلى الآن (1920 – 2020) التي تساوي بالمعنى السياسي عمر «لبنان الكبير»، أي الجمهورية اللبنانية الحالية، بكل إيجابياته وسلبياته، من خلال رجال اختصاص ناقشوا هذه التجربة، من أبواب التاريخ والسياسة، والاقتصاد، والعلاقات الإقليمية والدولية، وقدم هؤلاء أوراقاً بحثية، عكست تجربتهم الشخصية أو الفكرية أو العلمية، وغير ذلك من التجارب والاتجاهات المنوعة من الفكر والسياسة، وقد اختار كل باحث، كما ظهر، من الأوراق، موضوعه وأسلوبه، فاتسمت هذه المساهمات بالحيوية، والغنى والتعبير الحر.

سبعة عشر مفكّراً وباحثاً مرموقاً كانت مساهماتهم أقرب إلى الأبحاث العلمية، ولا سيما تلك التي ناقشت القانون، والاجتماع والسياسة، والفلسفة، وأخرى كانت أقرب إلى المعالجات النظرية التي بحثت في المواطنة والاجتماع اللبناني والتعايش… كان ثمة تباين في القراءات، وهو الأمر الذي أراده هذا الكتاب لإظهار التنوع في الرؤى والمقاربات بين اللبنانيين، إلّا أنّ كل المساهمين عبروا، بالنتيجة، عن إيمانهم بأن هذا البلد هو حقيقة واقعة، لم تنقص، كما يقول: الكاتب خالد زيادة، التجارب والصراعات منها شيئاً، بل لعل التجارب، سلبية أو إيجابية قد كرست لبنان حاجة لبنيه، وحاجة من محيطه إليه.

وإن يكن الكتاب قد أغفل بعض الجوانب، كالاقتصاد، أو دور لبنان الثقافي أو غيرهما اللذين يميزان لبنان وتجربته المئوية… إنّه كتاب غني كثيراً بما حوى من حقائق وما عكس من أضواء على لبنان الراهن، وسبل علاج الأزمات فيه.

إضاءاتٌ ملوّنة على فكر جورج شامي

كتاب وضعته بتمكن الإعلامية كلود أبو شقرا مجازة في الصحافة ووكالات الأنباء – كلية الإعلام والتوثيق – الجامعة اللبنانية، حاولت أن تلجَ فيه عالم جورج شامي الصحافي والروائي والمفكر الإنساني، الممتد عبر عقود من السنين، هي عمره، البالغ تسعون عاماً، وأن تدخل «رحاباً» تنبض حجارتها كما تقول: «بحياة محورها: قلم وألم»، يردّد الزمان في حناياها قصصاً وروايات ومواقف ومتاعب، تذخر بثقافة واسعة رائعة، وإبداع يتحدى ويتجدد بجمعه صنوف الحياة بحلوها ومرها، وصياغتها مشاهد ولوحات ملونة، لكل واحدة خصوصيتها الجاذبة والمؤثرة في هذا العالم الذي يصح أن نطلق عليه عالماً شمولياً، تمتزج فيه الأصالة بالحداثة، وتبرز شخصية أديب وإنسان عاش تجارب كثيرة بأبعادها المختلفة. صنع أدبه بقناعته هو، بإرادته هو، وبإيمانه المتأصّل بالحرية وبرفضه الارتهان…

إنها رحلة في حياة مفكّر كبير، شق مسار تعلّمه – من فقر مدقع – بإرادة صلبة وطموح متوثب متدرّج فبلغ أعلى المراتب العلمية، شهادة الدكتوراه في الإعلام، وكُرْسِي الأستاذية في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية… تقرأ سيرة حياته كما في هذا الكتاب، فتقع على نموذج من كفاح ونضال طويلين على المستويين الشخصي والوطني قلما تجده عند غيره من الكتاب، والصحافيين من استقلال في الرأي والثبات على المبدأ، كما نراه لاحقاً في حياته وتقلباتها العملية وما دار فيها من حوادث وأحداث وأشخاص وشخصيات عرفها وقاربها، وصحف تعامل معها وهي بالعشرات، لبنانية وعربية، ودور نشر، طبعت أعماله القصصية ومقالاته ودراساته الأدبية التي بلغت الآلاف، وفي مجمل مضمونها وتفاصيلها هي عبارة عن تأريخ غير مباشر لحقبة سبعين سنة أو يزيد ممّا مر بلبنان… الدكتور جورج شامي يرى من معين خبرته في المسألة اللبنانية، أن لبنان ليكون أفضل يجب أن تزول الطائفية منه، وحين تزول الطائفية يزول الميثاق، وحين يزول الميثاق تزول شعارات الاتحاد الوطني، عندها يقفل الكثير من دكاكين الشعوذة السياسية فيتمكن عند اللبنانيين الولاء للبنان ويصبح بالتالي ولاءً مباشراً غير مرهون بولاء الطائفة أو بولاء دول خارجية تستعمله أو تحركه. إنه كتاب مفيد ومثقِّف، يُقرأ ويُحتفظ به.

 

كتاب “تحدّي تجديد العروبة”

هو عنوان لمؤتمر نظّمه «النادي الثقافي العربي». بين 4 و5 تشرين الأول أكتوبر 2019 في فندق البرستول، بيروت. شارك فيه اثنان وعشرون مفكراً ومثقفاً لبنانياً وعربيا وقُسِّمَ إلى خمس جلسات: الجلسة الأولى حملت عنوان: «العروبة من الحاضر إلى المستقبل»، والثانية الثقافة والهوية. والثالثة: «التجديد اللغوي» والرابعة: «العرب والعالم» والخامسة والأخيرة: «العرب والاقتصاد». كانت المناقشات والتحليلات التي أسهم بها المنتدون في غير زاوية من أهداف المؤتمر، ذات مستوى فكري ونقدي عاليين إزاء الواقع والمستقبل العربيين رأت غير ورقة وجوب تشييد نظرة موضوعية ونقدية إلى التجارب التي خاضتها وعاشتها العروبة على امتداد عقود من الزمن، لقد دفعت البلدان العربية أثماناً باهظة، ومع ذلك لم تتحقق الوحدة ولا حصل العالم العربي على حريته، ولم يحصل سوى إخفاق التجارب المختلفة المنهجيات، وأثبتت أن مشكلات العالم العربي واحدة، والقضايا التي تشغله واحدة، والقوى التي تناهض تحرره وتقدمه واحدة. وفي الوقت الذي تزداد الضغوط الخارجية والإخفاقات الداخلية يصبح التحدي الأكبر أمام العرب. هو كيف يصوغون فكرة عربية تعددية وديموقراطية، مبنية على مبادئ حرية الفرد في عمله ومعتقده وحقه في الكرامة والعلم والعمل.

ومع هذا تبقى في الزمن الحاضر، إشكاليات العلاقة بين العروبة والإسلام، التي يقف الإسلام السياسي والعقائدي منها عقبة كأداء أمام تحقيق القومية العربية، فجاءت الدعوة إلى «تحدي تجديد العروبة» في موقعها وأوانها على أننا ننصح ألّا يكتفي القاري العزيز بهذه الخلاصة منا بل بمطالعة الكتاب ومختلف الأفكار التي طُرحت فيه للنهوض العام من الواقع البائس الراهن، للعروبة. هل تقوى العروبة على تجديد ذاتها؟ مسألة ربما تبدو من المستحيلات، ولكن لعلّ وعسى.

الغلاءُ الفاحش “مقصلة” تقضُّ مضاجع أهالي الجبل

ثقيلةٌ كانت سنة 2020 على اللبنانيّين وعلى الصُّعد كافة، بدءًا من انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، وتلاشي المنظومة المصرفية والاقتصادية، مرورًا بالتحركات الشعبية والاشتباكات في الشارع، وصولًا إلى جائحة كورونا، واشتداد حدّة الأزمة المعيشية وتدهور القطاع الصحي والاستشفائي. ولعلّ الغلاء الفاحش بأسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، وحتّى المواد الأساسية من طحينٍ وخبزٍ وحبوبٍ وغيرها، دقّ ناقوس الخطر وأثار قلق المواطنين من بلوغ مستوياتٍ حرجة تنذر بالجوع والعوز، بعد ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة.

فمنذ العام 2019، يستفيق الشعب اللبناني على سؤالٍ دون سواه، لا يتعدّى الكلمات الثلاث، «بِكَم الدولار اليوم؟». سؤالٌ يختصر واقع الحال في وطنٍ تحوّلت معه العملة الصعبة إلى «مقصلةٍ» تقضّ مضاجع الفقراء وتهدّد قوتهم اليومي، لا سيّما بعد رفع الدعم عن عددٍ لا يُستهان به من الأصناف، ولعلّ آخرها وليس أخيرها طحين المعجّنات، بما يحمله من احتمال أن تصبح «منقوشة الصباح»، حكرًا على الميسورين، حالها حال المأكولات والأطباق الفاخرة.

أصناف أساسيّة يتمّ الاستغناء عنها

وفي جولةٍ لمجلة «الضّحى»، على عددٍ من المدن والقرى في منطقة الجبل، يتّضح حجم الركود الاقتصادي والصعوبات المعيشية. ففي بلدة قبّيع، يقول صاحب ملحمة و «ميني ماركت الشيخ»، الشيخ طلال سنجد: «تأثرنا جميعًا، كتجّار وزبائن، بارتفاع سعر صرف الدولار وما خلّفه من ارتفاعٍ في أسعار المواد والأصناف الغذائية، فنحن نبيع اللّحوم والخضار والفواكه، ولم يعد بإمكان المواطن تأمين الطعام والشراب لعائلته، كما كان سابقًا. المعاناة كبيرة والشكاوى كثيرة، حيث يضطرّ البعض أحيانًا إلى ترك أصنافٍ أساسية والاستغناء عنها، رغم حاجته لها، ما أدّى بدوره إلى تكدّس بعض الأصناف، علمًا أنّنا لا نتوانى عن الوقوف بجانب كل محتاج من خلال التساهل في دفع قيمة مشترياته لاحقًا عندما تتيسّر أموره، وذلك حرصًا منّا على أهميّة التضامن الاجتماعي».

ويشير الشيخ سنجد إلى أنّ «المواطنين لجأوا هذه الفترة إلى استهلاك الأصناف الأساسية فحسب، مثل البطاطا والبندورة والبصل والملفوف والزهرة (القرنبيط)، رغم ارتفاع أسعارها أيضًا، في حين استغنوا عن الفواكه واللّحوم وغيرها الكثير».

التكافل مع أهلنا التزامٌ أخلاقي عنها

وفي بلدة القرَيّا المتنية، يردّد صاحب «سوبرماركت ضو»، أنور ضو، قوله: «مش معروف كيف بدنا نشتغل، شي بيطلع الدولار شي بينزل»، لافتًا إلى أنّهم ملزمون بخفض الأسعار عندما يتراجع سعر صرف الدولار، في حين يشترون البضائع على السعر المرتفع، ما يلحق بهم الخسائر، «غير أنّ ضميرنا والتزامنا الأخلاقي تجاه أهلنا ومجتمعنا، يحتّم علينا التكافل والتكاتف معهم، فمَن لا يشعر مع الناس لا يكون من الناس».

ضو، الأب الذي يكافح لتأمين لقمة عيش أولاده وعائلته، يؤكّد أنّ «حركة البيع خفيفة والقدرة الشرائية معدومة في كثير من الأحيان»، ويختم بدعاءٍ يرجو عبره أن يعينه الله ويعين جميع اللبنانيّين على اجتياز هذه المرحلة العصيبة.

نقاتل من أجل الصمود

من جهته، يروي صاحب مؤسّسة عبيد، بفرعيها في عاليه وقبرشمون، الشيخ عادل عبيد، كيف ثابروا على الالتزام بنسب أرباحٍ ضئيلة على كل الأصناف الغذائية والاستهلاكية. ويقول: «حرصنا بدايةً على تحمّل الفرق في سعر صرف الدولار، ولم نغيّر الأسعار، بل قمنا ببيع كل الأصناف الموجودة لدينا وفق السعر القديم. غير أنّه، ومع الارتفاع اليومي للدولار، لم يعد بقدرتنا تكبّد الأعباء، لا سيّما أنّنا نتعامل مع نحو 22,500 نوع، ونواجه تحديّات جَمّة مع الشركات، بينها مَن يريد ثمن البضائع بالدولار، وغيرها مَن يقبل الدفع على سعر صرف 1515 ليرة لبنانية بعد أن رفع أسعاره، وشركات حدّدت الدولار بسعر صرف 5000 ليرة».
ويشير إلى أنّ «الزبائن لا ترحم أيضًا، حيث تهافت العديد منهم على الشراء بكمياتٍ كبيرة، ما أدّى إلى نفاد أصنافٍ عديدة كنّا نبيعها على السعر القديم، واضطررنا إلى شرائها بسعرٍ مرتفع. واقعٌ حتّم علينا البيع بخسارة، حيث لا يمكننا اللحاق بالدولار ولا بالشركات. فلقد زادت حركة البيع، لكنّنا ندفع ما نجنيه للتجّار».
«نقاتل من أجل الصمود»، يتابع الشيخ عبيد، مبديًا خشيته من «صعوبة استمرار المؤسّسة على المدى البعيد، غير أنّنا اتّخذنا سياسة جديدة تقوم على زيادة حجم البضائع وتفادي انقطاع أي صنف، لكن إلزاميّة الدفع بشكل نقدي للشركات، أزمة تستنزفنا لدى شرائنا كميات كبيرة على وجه الخصوص، ذلك بعد أن توقفت الشركات عن تلقّي الشيكات المصرفية بالدولار، علمًا أنّ أموالنا بالعملة الصعبة محجوزة ومجمّدة في المصارف». وإذ يكشف أنّهم يتعاملون مع الوكيل بشكلٍ مباشر، وليس من تاجرٍ إلى تاجر، يقول: «نبيع كل الأصناف المدعومة، لا نخزّن أو نحتكر كما يفعل البعض».

المعاناة كبيرة

ينسحب الواقع الأليم على أصنافٍ أخرى بينها الحلويات والمكسرات والبزورات، حيث يتحدّث صاحب محمصة «المدينة» – فرع قبّيع، أيمن شميط، عن «معاناةٍ كبيرة، لا سيّما أنّ المحمصة تُعتبر من الكماليّات. كان يشتري الزبون كيلو بزورات مثلًا، أمّا اليوم فبات يشتري «وقيّة»، كان يشتري القلوبات (فستق حلبي وكاجو ولوز وغيرها)، ولم يعد اليوم قادرًا على ذلك. كنّا نبيع أسبوعيًّا نحو 50 كيلو «قلوبات»، أمّا اليوم فلا نبيع الكيلو طيلة الأسبوع».

الأب لولدين، يأسف كون «هذه التجارة قد تضرّرت بشكلٍ كبير، إذ بين يومٍ وآخر تتغيّر الأسعار، ما دفعنا إلى بيع أصنافٍ جديدة، مثل الحبوب والأرز والسكر والخبز وكل شيء. أمّا الصنف الوحيد الذي بقي صامدًا فهو البن، كون الزبائن لم تستغنِ عن فنجان القهوة، لكن كل ما تبقّى انتهى وتلاشى».

لا طاقة لأحدٍ على التحمّل

«لم تعد للمئة ألف ليرة على سبيل المثال أيّ قيمة»، يقول المواطن مشعل زين الدين، «فأنا أعمل في مجال المقاولات، غير أنّ أعمالنا متوقفة اليوم، وإنْ عَمِلنا فلا نحصل على أتعابنا إلّا بعد فترة طويلة، كون الجميع يعاني ضائقة اقتصادية».

ويضيف: «الغلاء فاحشٌ ولا طاقة لأحدٍ على التحمّل. حالنا حال الكثيرين، حيث بادرنا إلى تغيير عاداتنا الاستهلاكية وتدبير أمورنا بالتي هي أحسن. نركّز على شراء الأساسيّات رغم ارتفاع أسعارها أيضًا، مثل الأرز والسكر وغيرهما، واستغنينا عن الكماليّات التي كانت يومًا ما جزءًا أساسيًّا من نمط غذائنا اليومي. كما بتنا نعتمد على «المونة» المنزلية، علمًا أنّني دفعتُ كل ما كان بحوزتي لشراء المواد الأولية للمونة، علّها تسدّ حاجات عائلتي».

نعيش بالذلّ والتعتير

«ما من معيلٍ لنا بعد وفاة والدنا وشقيقتنا، ونحن نعيش بالاستدانة والذلّ والتعتير»، بحسرةٍ تختزل المواطنة عواطف أبي فرّاج، حالها وشقيقتها الثانية ووالدتها، وتقول: «والدتي (87 سنة) مريضة وقد خضعت لعملية جراحية منذ فترة، وأنا بدوري بحاجة لعملية جراحية، حيث أعيش على الأدوية، أمّا شقيقتي فتعاني كذلك من فقر الدم والكوليسترول».

وتضيف: «نعيش على المساعدات، فإذا التفت أحدهم إلينا، نشتري الأدوية والأصناف الغذائية والاستهلاكية الأكثر حاجة لنا، غير أنّ الكثير من الحاجات لا يمكننا الحصول عليها، ودائمًا نبحث عن الصنف الأرخص».

2021