السبت, شباط 22, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, شباط 22, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

المُوَحِّدون الدّروز في مُخْتَبر الأنثروبولوجيا الألمانية

في العام 1892، بدأ ماكس فون أوبنهايم الذي حمل ألقاباً عدة منها – المستشرق والمؤرخ والآركيولوجي والأنثروبولوجي – رحلته نحو الشرق، حيث مكث لفترة وجيزة في القاهرة، ثم غادرها إلى الصحراء السورية التي وصلها في العام 1894. وهناك استطاع نسج علاقات جيدة مع القبائل البدوية(1). وفي العام 1895 دوَّن أوبنهايم تفاصيل رحلاته في الصحراء في مذكرات مصوّرة تحت عنوان «من البحر المتوسط إلى الخليج الفارسي»، بالألمانية «Vom Mittelmeerzum Persischen Golf». هذا الكتاب هو دراسة أنثروبولوجية ميدانية بحثية عن الأقليّات الدينية والمذهبية في العراق والشام، وكذلك عن القبائل والعشائر في هذه المنطقة. نُشِر باللّغة الألمانية بين عامي 1899 /1900 بجزءين وحقّق شُهرة واسعة، وبسبب أهميته الفائقة، قامت الحكومة البريطانية بترجمته إلى اللغة الإنجليزية وتوزيعه على ضباط الاستخبارات البريطانية(2). في أحد فصول هذا الكتاب، دراسة بحثية عن إحدى طوائف الجنوب السوري، طائفة المسلمين الموحّدين الدّروز.

أصل الدّروز وجغرافيّتهم البشريّة
ماكس فون أوبنهايم

استهلّ ماكس فون أوبنهايم دراسته عن طائفة الموحدين الدروز أو «سادة الأسرار» بشيء من غموض يلفُّ نشأتهم، فالصليبيون لم يذكروهم في كتاباتهم على الإطلاق(3)، مع العلم بأن أتباع هذا المذهب تحت زعامة آل تنوخ خاضوا سلسلة معارك ضخمة ضد الدويلات الصليبيّة ولا سيّما في بيروت، ومع ذلك بقيت المصادر تشير إليهم بـ»حلفاء» الدول السنّية المتعاقبة من الباطنيّة(4).
ذكر أوبنهايم بأنّ أصل الموحدين الدروز يعود إلى الجماعات الإسلامية العربية التي هاجرت في القرن الهجري الثاني إلى جانب جماعات تركية وكردية إلى لبنان، الذي كان آنذاك مسيحيًّا أراميًّا، وهؤلاء جميعًا امتصّهم العنصر العربي، أي صَهر جميع الجماعات المهاجرة في بوتقة عربية ثقافية واحدة. ومع أنه أكّد اختلاف التكوين الجسدي بسبب تأثير الجغرافيا على الدروز بسبب سكنهم في المناطق الجبلية الوعرة، إلّا أنّه دحض فكرة اختلاف «شكل» الدروز عن المسلمين والمسيحيين، التي نطق بها أصحاب هذا الرأي فقد أعطى وصفًا مختلفًا يبدو دقيقًا بعض الشيء لسكان المناطق الجبلية من الدروز عن باقي سكان المناطق المجاورة، فقد قال أوبنهايم:
«بسبب نظرتهم الحربيّة المعاندة [..] وبنيتهم الجسدية القوية، يبدون مختلفين عن سكان البادية السورية، أو عرب السهول، ومع ذلك [..] إن تقاليد الدروز حسبما تأكّدت بنفسي تناقض هذا الرأي، إذا ما علمنا أنّ هؤلاء المهاجرين انعزلوا في الجبال مئات ومئات السنين، حيثُ شكّلوا كُلًّا مغلقًا، فإنّنا نفهم سبب اختلاف شكلهم وتميزهم عن غيرهم»(5).
فقد كان طيب المكان ونقاوة الهواء الجبلي وخصب الأرض عوامل مهمّة في تكوين طبيعتهم البيولوجية، فتجد أجسامهم على جانب عظيم من الصحّة والقوة(6).
من هنا يستطيع القارئ أن يلاحظ بحسب أوبنهايم بأنّ الدروز هم عربٌ اقحاحٌ، ولا صحّة للمرويّات التاريخية الأُخرى عن أصلهم ونشأتهم.

تقاليد اجتماعيّة صارمة واقتصاد زراعي

وقد أوغل أوبنهايم في الإضاءة على العادات الاجتماعية والممارسات اليومية التي تحكم الدروز فيما بينهم وبين باقي المجتمعات التي تختلف عنهم، فهم مُلزمون بتعلّم القراءة والكتابة، وعندهم قابلية غير قليلة للتعليم(7)، والإخلاص لإخوانهم فريضة والتقيد بها أمرٌ صارم، والابتعاد عن ارتكاب أعمال مشينة مثل السّرقة، والدعوة إلى قلة الكلام، والبساطة في المظهر، والاقتصاد في الإنفاق، وهذه تُعتبر جميعُها من الفضائل، ويؤكد أوبنهايم على أنّ جميع من يعرفهم، حتى أعداءهم لا يُسقط عنهم صفة الشجاعة في ساحات الوغى والمروءة، فهم لا يعتدون أبدًا على نساء خصومهم(8) فالدروز شديدو التمسك بالناموس الأدبي، لا يسطون على أعراض غيرهم وعندهم احترام للحريم(9). ومن مظاهر المعاملات الاقتصادية الاهتمام بالزراعة، وحرث الأرض والحصول على قُوْتِهم اليومي منها، في ظروف صعبة جدًا. فالزراعة مورد رزقهم الأساسي، وعائدات الزرع تُعتبَر عائدات «نظيفة»، فهم يأكلون ما في الأرض «طيّبًا» و«حلالاً».
وممّا يُوصف به الدروز مَزيّة الكرم والاحتفاء بالضيف، وحيث كان الدروز أصلهم من العرب كانت هذه العادة فيهم، كعادة حب الثأر واقتفاء الأوتار(10).

السلوك الاجتماعي عشائري، والنظام السياسي إقطاعي

على مرِّ التاريخ لازمت طائفة الموحدين الدروز صفاتٌ عدَّة، منها التمسُّك بالحياة الزراعية، والشدة في القتال، الشجاعة والبسالة، ولكن الشك ساورهم دائمًا، فهم قلقون على أمنهم الذاتي، ولهذا السبب اختاروا العيش في جيوب جبلية وعرة يصعب الوصول إليها، يمكن الدفاع عنها بسهولة، تستنزف قوة المهاجمين، ولهذا عمومًا، اختاروا دائمًا دعم القيادات المحلّية حتى الموت أيًّا كان ذلك، كذلك هم مأمورون دينًا بالجهاد وإطاعة الحكام؛ عملاً بقوله تعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، ولأجل ذلك كان لهم في المجاهدات قدم الصدق، وبالإجمال فإنّ منهاجهم يحظر عليهم الخروج على الحكام والعداوة مع بقية الطوائف(11) ،استنادًا إلى هذا التحليل من المؤرخين الذين قاموا بدراسة الواقع السياسي وطبيعة النظام العشائري السائد لدى الدروز، يمكن الاستنتاج بأنَّ الدروز طوّروا نظامًا إقطاعيًّا معقّدًا خاصًّا بهم.
يُعرف عن النظام الإقطاعي الأوروبي أنّه كان يتألّف من العناصر التالية (1) السيد الإقطاعي أو مالك الأراضي (2)القلعة أو القصر (3) الفلاحون والأرض، عندها تبدأ لعبة صراع العروش وتثبيت النفوذ بين الأُسر الإقطاعية، فَرُقعة الأراضي تحدّد اتساع نفوذ السيد الإقطاعي، وغناه ونفوذه يحدّدان مدى قوّته وتميُّزه عن باقي الأسر الإقطاعية الأخرى، أضف إليها الضرائب والهدايا التي كانت تُرسل إلى أصحاب الشأن ووكلاء السلطنة العثمانية – إذا جاز التعبير- لشراء الرّضى والصداقة، وترتبط هذه الظاهرة ارتباطًا وثيقًا بالسياسة والسلطة، لأنها تُعتبر مجال نزاع بين زعماء الأسر، فعلى الزعيم أن يُظهر كرمه وسخاءه عبر إغداق الهدايا وأشياء ثمينة أخرى، هذه التركيبة فرضت نفسها أيضًا في النظام الإقطاعي اللبناني والدرزي بحيث فسّرها أوبنهايم تفسيرًا انثروبولوجيًّا دقيقًا:
«حتى أواخر هذا القرن التاسع عشر كان النظام الإقطاعي ما زال سائدًا عند الدروز كما كان في أوروبا العصور الوسطى، بحيث كانت السلطة في لبنان بيد حاكم ينتمي إلى أسرة عريقة، ويعَيَّن مقابل التزامه بدفع الضريبة، وهذا الحاكم يشبه الدّوق الكبير في أوروبا، يوجد تحت سلطته أمراء أصغر وزعماء عائلات محترمة يمارسون السلطة دون اتّخاذ لقب أمير»(12).
ويتابع «كان يتبع الأمراء، المشايخ، وهؤلاء يتبعهم عائلات فقيرة، تمتهن الزراعة، يجبون الأمراء الضرائب من أتباعهم المشايخ الذين بدورهم يجبون المحاصيل من العائلات الفلاحية، وكان الأمراء – يوزّعون- الألقاب على المشايخ تباعًا»(13).
كما لاحظ أوبنهايم التّرف في حياة العائلات الإقطاعية الدرزية والأمراء وأتباعهم، حيث روى بأن قصورهم تشبه قصور العائلات الإقطاعية الألمانية على تلال ضفاف نهر الراين وبجانبها القرى الصغيرة المتناثرة والأراضي التي تتمّ فيها عمليّة الإنتاج، فالدروز أهل حراثة وزرع(14)، وهذا يشبه إلى حدٍ كبير قصر آل أبي اللّمع في راس المتن، والسراي الأرسلانية لآل أرسلان في الشويفات الغرب، وقصر المختارة في الشوف مقر آل جنبلاط في جبل لبنان، ومقرات آل الأطرش في القريّا وعِرَى الأكثر نفوذًا في جبل العرب.
كما أنّ زيارات المشايخ لأمرائهم كانت معهودة بين الأسر كما يقول أوبنهايم إلّا أنها دليلٌ صارخٌ أيضًا ويؤكد سلطة المقاطعجية على باقي عامة الناس، فتبادُل الهدايا لا سيّما الخيول والسلاح والمجوهرات وحسن الضيافة، والكرم والسّخاء، هي إشارة قوية إلى العادات الاجتماعية المتينة، ولكن في التفسير السياسي لها دلالة على حسن سير الأمور بانتظام بين الأمير والشيخ. فأي خلل أو تسويف في دفع الضرائب وتقديم الهدايا قد يعرِّض الشيخ أو الوكيل إلى استبداله بوكيلٍ آخر.

الأزياء الدّرزيّة

تعبّر الأزياء عن الهوية الثقافية، هذا ما أوضحه أوبنهايم عندما وصف أزياء رجال الدين الدروز وعامة الناس من ذكور وإناث، زِيّ رجال الدين – يتألّف من قميص وسروال واسع ما نعنيه بالعامية – الشروال-، وفوق القميص عباءة قصيرة ذات كم قصير مخطّطة بالأبيض والأحمر أو الأبيض والأسود، وفي الوسط زنّار أبيض من الصّوف أو من الجلد، أمّا غطاء الرأس فيتألّف من العمامة البيضاء خالية من التجاعيد(15) ، أمّا الشباب العاديون فيعتمرون الكوفية ويضعون فوق الكوفيّة «العِقال» المصنوع من شعر الجمل.
زِيّ النساء – يُمكن للمرأة أن تختار ارتداء المنديل، وهو حجاب أبيض فضفاض، تغطّي به وجهها باستثناء عيونها خاصةً في وجود أشخاص آخرين. وتضع النساء المناديل على رؤوسهن لتغطيتها ويتمّ لفُّها حول أفواههن ويلبسن القمصان السوداء، والتنانير الطويلة التي تغطي أرجلهن إلى الكاحل(16).
الدّروز يشعرون بالضّجر حين لا يخوضون حربًا:
يدخل المستشرق الألماني في سرديّة التاريخ السياسي للموحدين الدروز، بدءًا من الحروب الصليبية، ثم إنّ وجودهم في المنطقة التي سُمّيت «الشوف» له أبعاد حربيّة:
«ثمَّ هاجر الأمير معن عام 1119 مع قومه من حلب إلى الجهة الغربيّة من لبنان، واستقرّ بطلب من طغتكين حاكم دمشق السلجوقي، الذي طلب منه مساعدة الدروز الذين ناصروا قضية الإسلام ضد الصليبيين، وسميت المنطقة التي استقر فيها بـ «شوف» أي الترقّب والمراقبة، وهي سِمَة الحراسة والمراقبة والدفاع، وبالفعل فإنّ المرء يستطيع مسح المنطقة برؤية كامل الأفق والشريط الساحلي(17)» يروي أوبنهايم.
ثم يشرح بإسهاب كيف بعد هزيمة الصليبيين، وضعف سلطة آل تنوخ، لمع نجم «آل معن» وكيف استطاعوا بفضل حِنكتهم العسكرية والحربية من تزعُّم الدروز والحصول على مكانة مرموقة بينهم، ثم ينتقل بالحديث إلى فخر الدين الأوّل ثمّ من بعده إبنه قرقماز والد فخر الدين الثاني، مبيّنًا كيف تنبّه الأوروبيون عبر التوسكانيين الإيطاليين إلى وجود طائفة وجماعة دينيّة تسمَّى الدروز في عهد الأمير فخر الدين الثاني ابن معن، ثم صعود وسقوط فخر الدين الثاني وكيف كافح خلفاؤه من بعده للحفاظ على الإمارة إلّا أنَّها انتقلت إلى آل شهاب في نهاية المطاف والحديث عن الانشقاق اليمني والقيسي زمن حكم الأمير حيدر الشهابي، وكيف أنهت معركة عين دارة عام 1711 وجود اليمنيين سياسيًا في الشوف وتهجيرهم إلى حوران حيث تزعمهم «آل حمدان»، وقد أوضح أوبنهايم، أنّ الانشقاق ما لبث أن عاد من جديد ولكن هذه المرّة بمسمّيات مختلفة، أَلا وهي الغرضيّة اليزبكية (أسماها اليزبكجية) والغرضية الجنبلاطية كانقسام سياسي بحت كما تطرَّق أيضًا إلى انقسامات أخرى مثل شقراوي- صمدي (آل أبو شقرا و عبد الصّمد) التي هي انقسامات عائلية بحتة، وكيف قويت شوكة آل جنبلاط عندما ورثوا أملاك الشيخ قبلان القاضي وقاموا ببناء قصر ما زال موجودًا حتى اليوم في قرية (بزران)، يقصد بعذران. يعتقد البعض أنَّ الغموض يكتنف مصدر الانقسام الجنبلاطي اليزبكي، إلَّا أنّ المصادر تلقي الضوء واضحا على هذا الأمر، فالشيخ علي جنبلاط كان على علاقة طيّبة مع عائلة أبي شقرا واعتُبِر شقراويًا، وبما أنه كان أبرز الأعضاء في الحزب «الشقراوي»، اكتسب الحزب اسمه تدريجيًا، وعليه فقد حلّت الجنبلاطية محل الشّقراوية(18)، كما نشأ الحزب اليزبكي من اتّحاد ثلاث عائلات صمَدية(19).
وخصّص فصلاً عن بشير الشهابي الثاني واتّهمه بخيانة بلاده وغدره بالدروز، وتزلّفه للباشا الجزار، وصراعه مع بشير جنبلاط والأسر المقاطعجية وحلفه مع والي مصر محمّد علي وابنه ابراهيم باشا، وينهي أوبنهايم عهد بشير شهاب بقوله بأنّه أي ـ بشير ـ يتحمل التناقض الذي حصل بين الدروز والموارنة، وكانت له عواقب وخيمة في المستقبل(20).
في تحليله للأحداث العسكرية وأداء الدروز الحربي، يصل الاستنتاج بالقارئ إلى أنه ومنذ وصول المصريين إلى جبال لبنان وحتى فتنة 1860 خاض الدروز العديد من المواجهات العسكرية والانتفاضات وقد اعتاد سكان المناطق الدرزية على دفن ضحايا المواجهات حتى أصبحت الحرب «صُنعة» اعتاد عليها الدروز، ويمتهنونها مثلها مثل أيّ صنعة أخرى، لدرجة وكأنهم «يشعرون بالضّجر عندما لا يخوضونها»، وكأنّ قدرهم وموقعهم الجغرافي يُحتم عليهم دومًا العيش في حالة حرب حتى وإن كانت مستترة وغير مُعلنة، ولهم عشق بذكر المرويّات الحربية والوقائع، وميل عظيم إلى الفتوة، وشدة اعتقادهم بالقضاء والقدر مع انقيادهم إلى رؤسائهم، وطاعتهم لكبرائهم، تمهّد لهم في الغالب، سبيل الفوز(21).

التحالف الإنكليزي الجنبلاطي
قصر المختارة الذي زاره أوبنهايم في رحلته

عندما زار ماكس فون أوبنهايم قصر المختارة مقر آل جنبلاط، أدّعى بأنّه رأى صور اللورد فريدريك هاملتون تمبلبلاكوود والمعروف اختصارًا باللورد دوفرين مُعَلَّقة في إحدى أروقة القصر، وهو الدبلوماسي الإنكليزي الذي نجح في الحفاظ على مصالح بريطانيا في جبل لبنان، وهذا إن دل على شيء، فإنّما يدل على عمق العلاقة بين آل جنبلاط والإنكليز، الذين وقفوا بجانب الدروز منذ سقوط الأمير بشير الثاني، والذين منعوا أيضًا إعدام عدد كبير من الدروز كعقابٍ لهم على حوادث الفتنة، وهذا العمل يرمي إلى الحفاظ على الدروز كقوّة سياسية بوجه الموارنة وفرنسا. لذلك اعتقد الجنبلاطيون أنَّهم المفضلون لدى الإنكليز.

ميزة المدرسة الألمانية الاستشراقية

كان الاستشراق المصدر الأوّل للبدايات التأمّلية الأنثروبولوجية في الشرق الأوسط(22)، فالمدارس الاستشراقية والأنثروبولوجية الغربية تنوعّت بحسب أهدافها ومع هذا يضعهما بعض النّقاد في نفس الخانة، أي علمان استعماريان نشأا في مرحلة الاستعمار ولخدمته(23)، وإذا كانت المدرسة الأنجلوسكسونية وثيقة الصلة بأهداف التبشير البروتستانتي، والفرنسية بالتبشير الكاثوليكي، وكلتاهما مارستا الاستعمار السياسي والثقافي بوحشيّة، فإنّ المدرسة الألمانية، التي اهتمّت بالثقافات والمخطوطات الإسلامية وترجمتها، لم يكن لها أهداف سياسية استعمارية(24)، وإنْ مارست بعض المحطّات العدائية وخصوصاُ في إفريقيا والمغرب العربي.

دور أوبنهايم الحقيقي

لذلك أظهر الألمان اهتماما جديَّاً بدراسة الثقافات الشرقية للعالم الإسلامي، ونشر الدراسات الأنثروبولوجية لفهم العقل «السوسيو – ديني « للعالم الإسلامي والجماعات المشرقيّة(25).
فأوبنهايم يُعْرَف عنه ولعه بالدراسات الشرقية، وعلى الرغم من أنّه لا ينتمي إلى المدرسة الألمانية الاستشراقية التقليدية، لأنّ عمله انحصر في البداية بالتنقيبات الأثريّة(26) ثم لاحقاً في إطار خدمة المشروع الاستخباراتي الألماني في الشرق الإسلامي، إلّا أنّ الفضل يعود إليه كما العديد من المستشرقين الألمان وغير الألمان في تقديم روايات علميّة عن الجماعات العرقية والمذهبية وأحوال الديار الشامية واستكشاف البِنى الثقافية وإخراجها للعلن بعيداً عن الأساطير والخرافات والأحكام المُسبقة من قبيل محاربة الإسلام ومعاداة المسلمين(27).


المراجع

  1. (Abenteuer Orient – Max von Oppenheim und seine Entdeckung des Tell Halaf (German
  2. كبيبو، محمود، الدروز، ماكس فون أوبنهايم، الوراق للنشر، 2006
  3. اعتبر الصليبيون بأن الدروز شأنهم شأن الجماعات الإسلامية الأخرى، فرقة من الإسلام مثلهم مثل الشيعة الإثني عشرية، والإسماعيلية، والحشاشين أتباع شيخ الجبل والمذهب النزاري.
  4. الصليبي، كمال، منطلق تاريخ لبنان، دار نوفل، 2012.
  5. كبيبو، محمود، الدروز، ماكس فون أوبنهايم، الورّاق للنشر، 2006.
  6. الأسود، إبراهيم، ذخائر لبنان، هنداوي، 2018
  7. الأسود، إبراهيم، ذخائر لبنان، هنداوي، 2018
  8. كبيبو، محمود، الدروز، ماكس فون أوبنهايم، الورّاق للنشر، 2006
  9. الأسود، إبراهيم، ذخائر لبنان، هنداوي، 2018
  10. المصدر نفسه
  11. المصدر نفسه
  12. كبيبو، محمود، الدروز، ماكس فون أوبنهايم، الورّاق للنشر، 2006
  13. كبيبو، محمود، الدروز، ماكس فون أوبنهايم، الورّاق للنشر، 2006
  14. الأسود، إبراهيم، ذخائر لبنان، هنداوي، 2018
  15. كبيبو، محمود، الدروز، ماكس فون أوبنهايم، الورّاق للنشر، 2006
  16.  https://web.archive.org/web/20190419172241/https://www.britannica.com/topic/Druze
  17. كبيبو، محمود، الدروز، ماكس فون أوبنهايم، الورّاق للنشر، 2006
  18. http://www.al-amama.com/index.php?option=com_content&task=view&id=494
  19. أدى قيام الحزب الجنبلاطي القوي الى إثارة الشهابيين والعمل على اقامة حزب منافس من العائلات الثلاث المناصرة للشهابيين، ابو اللمع، تلحوق وعبد الملك برئاسة عبد السلام يزبك العماد وهكذا نشأ الحزب اليزبكي الذي استبدل الحزب الصمدي.
  20. يقصد فتنة 1860
  21. الأسود، إبراهيم، ذخائر لبنان، هنداوي، 2018
  22. http://www.alhayat.com/article/1163469/
  23.  المصدر نفسه
  24. عبدلله، أمير، رائد، المستشرقون الألمان وجهودهم تجاه المخطوطات العربية والإسلامية، مجلة كلية العلوم الإسلامية، 2014
  25. https://www.alaraby.co.uk/blogs/2018/9/27/جهاد-إسلامي-بلكنة-ألمانية
  26. اكتشف مدينة تل حلف الأثرية في شمال سوريا عام 1899
  27. https://www.alaraby.co.uk/books/2017/3/6/محمد-المزوغي-تحقيق-ما-في-نقد-الاستشراق-من-مقولة .

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي