«سبحانَك الله»، (كلمة القداسة)، كم هي بليغة روحانيّاً وعميقة فكرياًّ، ومُفعمة بالطُهر والإيمان إنسانياً.
«سبحانك الله»، كم يستريح إليها الفكر والفؤاد والجنان.
«سبحانك الله»، كما ترتاح لذكرها القلوب وتطمئن إليها النفوس وتشعّ إيماناً بين النصوص عبر الزمان.
فكيف بالأحرى أنّنا نعيش في أرضها المُسمّاة باسمها وبين أفيائها وعلى هضابها وسهولها ووديانها ونشرب من ينابيعها وأنهارها. ولا شك منذ كوني فكانت مسكنُ النّسّاك الصالحين والعبّاد القانتين المؤمنين الصادقين الصابرين وغيرهم وغيرهم إلى أوان الأوان وعبر الأيام والسنين.
وهذه التسمية (أرضُ القداسة) عائدة لوجود العديد من المزارات والمعابد للأنبياء والأولياء، ولربما بعضها ما يحفظ رِفاتهم منذ عهد آدم الصفا عليه السلام، أي منذ نحو سبعة آلاف سنة ونيّف إلى ظهور الدعوة التوحيدية عام 1017م، 408 هـ وما تبعها من ظهور أولياء كان من جراء ذلك لشد عزيمة الإيمان والتمسّك بأهداب الدين بين الأهل والأخوان. وهذا ما ينطبق على سائر الملل والأديان.
وما هذا كلّه إلا لخير البشرية وخلاصها وصلاحها وتنقيتها من جور بني الإنسان لبعضهم البعض، إذ كلّما تباعدت تاريخ الرسالات السماوية كلما عاد الإنسان إلى همجيته البربرية من أخلاق سيئة وتسلط وهيمنة وفرض شريعة الغاب وسواء ذلك، وهذا ما نعيشه في عصرنا الحاضر وعسى أن نكون على أبواب التغيّير للعودة بالبشرية إلى أيام الطُهر والخلاص كما هو الحال مطلع كل دعوة سماوية أرسلها الخالق الدّيّان.
وقد نطق القرآن الكريم أنّ عدد الأنبياء والرسل الكرام خمسة وعشرين نبيّاً منهم من له مزارات في وادي التيم ومنهم من قدّسه بمروره أو إقامته بين أبنائه وهذا ترتيبهم:
-آدم – إدريس – نوح – هود – صالح – إبراهيم – لوط – اسماعيل – اسحاق – يعقوب – يوسف – شعيب – أيوب – ذو الكفل – موسى – هارون – داود – سليمان – الياس – أليسع – يونس – زكريا – يحيى – عيسى – محمّد
ومن بين هؤلاء أربعة أنبياء عرب هم: هود – صالح – شُعيب ومحمّد (١)
والأنبياء والرسل (٢) هم الذين اصطفاهم الله تعالى من بني خلقه يحملون دعواته لعباده ويبشرون من آمن بهم وعمل عملاً صالحاً يُجاز لهم الأجير والثواب في الدنيا والآخرة. وينذرون الذين كفروا بتعاليم خالقهم ودعوات أنبيائه بالعقاب وسوء المصير. وقد نطق القرآن الكريم أيضاً في هذا الصدد «وما نرسل المرسلين إلاّ مبشّرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» {سورة الأنعام – الآية 48}.
أمّا الفرق بين النبي والرسول (٣) : فالنبوّة قد تكون مقتصرة على صاحبها ويُسمّى حينئذ نبيّاً، وقد تكون مقترنة لتقويم سلوك جماعة من الناس، وهذا التكليف رسالة ويُدعى صاحبها رسولاً وعلى هذا فكل رسول نبيٌّ وليس كل نبيّ رسول.
الأنبياء جمع نبيّ والاسم مشتق من نبأ، وفي شرح القاموس والنبي بالهمزة هو المُرسَل من الله تعالى وقد أطلعه على توحيده وأعلمه عن الغيب وأخبره أنه نبيّ ورفعه عن البشر.(٤)
وهنالك أيضاً رسُل آخرون لم ترد أسماؤهم في القرآن ولكن أشار الله إليهم بقوله مخاطباً رسوله محمّد (ص) «ورسلاً قد قصصنا عليك من قبل ورسلاً لم نقصص عليك» {سورة النساء – الآية 164}.
والأنبياء ليسوا بدرجةٍ واحدةٍ من الفضل والمكانة بل قد فضّل الله تعالى بعضهم على بعض بقوله: «ولقد فضلنا بعض النبيّين على بعضهم». أما أولياء العزم من الرسل، كما نعتهم القرآن الكريم (بأولي العزم)، والذي أمر الله رسوله محمّداً بالاقتداء بهم وفي جهادهم بقوله: «فاصبر كما صبر أولو العزم من الرّسل» وإنما سُمّوا بأولي العزم لأنَّ عزائمهم كانت قوية وابتلاءهم كان شديداً وجهادهم كان شاقاً وهم: نوح – ابراهيم – موسى – عيسى – محمّد، والإسلام الحنيف جعل الإيمان بالأنبياء من أركان العقيدة الإسلامية كما نطق القرآن الكريم «قولوا آمنّا بالله وما أُنزل إلى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربّهم لا نُفرّق بين أحدٍ ونحن له مسلمون» {سورة البقرة – الآية 131}.
تكريم الوادي عند أبنائه
هذا في المناسبات الاجتماعية كالأفراح والأتراح والزيارات وسواء ذلك كانت هناك أناشيد وزغاريد شعبية تُردَّد تكريماً وتمجيداً لذُرى وادي التيم ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما زغردته نساء بلدة مشغرة للأمير فخر الدين عندما حضر إليها ليصلح بين الأميرين الأخوين الشهابيين علي وأحمد بعد أن استفحل الخلاف والتقاتل بينهما على الزعامة للوادي، وقد وفّق في مصالحتهما بعد تقسيم الوادي بينهما.
إذ أعطى الأمير علي حاصبيا ومنطقتها أي جنوب وادي التيم وأعطى الأمير أحمد راشيا ومنطقتها أي شمالي وادي التيم، فكانت تلك الزغرودة التي أنشدتها السيدة فيروز بين أعمدة بعلبك (في أوبريت فخرالدين) حتى أنّ النسوة في منطقتنا، منذ عهد قديم، كنّ يرددنها لأبنائهن أمام أسرتهّن قصد المنامة.
« يا قمر مشغره
يا بدر وادي التيم
يا جبهة العالـــي
ومزنّرة بالغيـــــم
انشالله انشالله القمر يبقى قمر
وما يصيب عزّك ضَيم
وكذلك حقاً أنه «مَلفا الغيم» إذ تتجمع الغيوم المليئة بقطرات الندى صيفاً وبالأمطار شتاء والآتية جميعها من البحر كتاجٍ في أعلى قمة جبل الشيخ لتتحوّل فيما بعد خيراً وبركة فوق هضابه وشعابه.
ومشكى الضيم، إذ كان وما زال حصناً منيعاً للمضطَهدين والبائسين ينضوون بين كهوفه ووديانه وحتى مغاور قممه اتّقاءً لشر الحكام المتسلّطين والظالمين، وهرباً من جيوشهم الغازية والتي تستبيح شتّى المحرّمات وخاصة الِعِرض، وما له من كرامة وهذا ما حدث مع أهلنا أيام الغازي ابراهيم باشا المصري والأحداث والمعارك التي نشبت بينهما في معارك وادي التيم كمعركة بكّا والبيرة وحاصبيا وسواهما، ممّا حمل أهلنا في راشيا ومنطقتها إلى الانتقال إلى بلدة شبعا الحصينة والنزول عند أهلها. وهذا ليس مستبعداً أن يصبح مقراً أو ممراً للعديد من الأنبياء والأولياء وهم في تنقّلاتهم بين بلاد الشام وإلى بلاد كنعان، مهد التاريخ ومسرحاً للمعارك والقتال عبر الزمان.
حدود وادي التّيم الجغرافية كما حدّدها الأقدمون
أثبت العديد من المؤرخين ومنهم المؤرخ الشهير كمال الصليبي رئيس دائرة التاريخ في الجامعة الأميركية عن وادي التيم في كتابه «لبنان بمنازل كثيرة»، أن قبيلة بني تيم، والتي هاجرت إليه من شبه الجزيرة العربية في القرن الخامس الميلادي، قد استوطنت السفوح الغربية لجبل الشيخ ومن هنا كانت تسميته عملاً بالمبدأ الشائع «لا تُعرَف الأرض إلاّ بقاطنيها».
وحيث إنّ بني تيم من أجداد الموحدين الحاليين، لذا يمكننا القول ونقرّه إنّ القرى التي يقطنها الموحدون الحاليون في هذا الوادي هم النواة الأولى لمن سكن الوادي وعُرف فيما بعد باسمهم وإن تغيّرت معالم بعض القرى ديموغرافياً بسبب الحروب والفتن أو إنها بقيت كما هي.
إذاً يبتدئ الوادي المذكور من أقصى قرية توحيدية شمالاً وهي قرية حَلوى والتي يمر في أرضها وادي القرن أو وادي الحرير وتسلكه حالياً طريق دمشق بيروت الدولية. والدليل الثّابت لذلك أن المكان الذي يتواجد به مقام النبي هابيل عليه السلام والذي يقع على تلّة تشرف شمالاً على الطريق المذكورة وهي مُلك أصحاب بلدة حلوى، وأن صاحبها المرحوم الشيخ نسيب الداود شخصياً قد تبرّع من أرضه بمساحة 72 دونماً للمقام الشريف وعند أسفل المنخفض بجانب الطريق يقع مقام شقيقه القاتل قايين.
ثم يتدرج الوادي المذكور من هنالك جنوباً وملاصقاً لجبل الشيخ في القسم الغربي منه وهو جزء لا يتجزأ من وادي التيم لينتهي جنوباً عند القرى والمزارع الملاصقة لهضبة الجولان المحتلة والتي تُعرف بقرى العرقوب حالياً.
بالإضافة إلى ما يشير إليه الكاتب سعيد نفاع في كتابه (العرب – الدروز) (٥) ابن بلدة المطلّة اللبنانية التيمية والتي باعها صاحبها جبّور رزق الله من صيدا إلى البارون روتشيلد اليهودي الفرنسي عام 1875، كانت تشمل أيضاً قرى شمالي فلسطين الدرزية حتى بلاد الجليل. ومن القرى التي بيعت كالجاعونه وملبس وسواهما ما يدل على أن الوادي كان يتصل بالجليل ديمغرافياً ومذهبياً .
أمّا غرباً فتحدّه قمم وهضاب السلسلة الوسطى بين الوادي ومجري نهر الليطاني، وكما يعرّفها قاطنوها، إذ يبتدئ من بلدة مجدل عنجر شمالاً ثم يتدرّج جنوباً إلى بلدة السلطان يعقوب ثم البيرة والرّفيد والمحيدثة وكفر مشكي وصولاً إلى مرجعيون ثم المطلة المحتلّة والقرى التي تحيط بها وجميع هذه القرى في هذه البقعة الجغرافية من الأرض، كان سكانُها من طائفة الموحدين أو مختلطة في بعضها، إلاّ أنه حدثت بعض التّغيّرات الديموغرافية بين مقيميها، كما ذكرنا سابقا، من خلال الحروب والفتن وليصحّ القول عند العامة أنّ حدود وادي التيم من وادي الحرير شمالاً حتى جورة الذهب جنوباً أي الحولة المحتلة حالياً.
وهذه أسماء القرى التيمية وهي على الوجه التالي من الشمال إلى الجنوب:
حَلوى – دير العشائر – ينطا – بكا – كفر قوق – عيتا الفخار – مجدل عنجر – المنارة – الصويرة – بيادر العدس – الفالوج – السلطان يعقوب – عزّة – مدوخة – كفر دنيس – خربة روحا – عين عرب – البيرة – الرفيد – المحيدثة – ظهر الأحمر – راشيا – الفاقعة (دارس) – بكّيفا – بيت لهيا – تنورة – يذما (دارس) – عين حرشا – عين عطا – كوكبا أبو عرب – كفر مشكي – مرج الزهور – القنعبة – حوش القنعبة – ميراميس – العقبة – مزرعة جعفر – السفينة – الكفير – ميمس – الخلوات – عين ثنته – عين قنيا – شويّا – حاصبيا -الفرديس – عين جرفا – أبو قمحة – كوكبا – برغز – إبل السقي – بلاط – دبين – مرجعيون – القليعة – برج الملوك – دير ميماس – كفر كفلا – المطلة – الخيام (الخيم سابقاً) – سردة – العمرة – عين عرب – الماري – المجيدية – وادي خنسا – حلتا – مزارع شانوح وبسطرا – والسلامية- كفر شوبا – كفر حمام – شبعا – الهبارية والبالغ عددها نحو 75 قرية. (٦)
المراجع:
1- سميح عاطف الزين، قصص الأنبياء في القرآن، ص 5.
2- عاطف الزين، قصص الأنبياء في الكريم، مرجع سابق، ص 5.
3- عاطف الزين، قصص الأنبياء في القرآن الكريم، م.س.، ص 5.
4- عفيف طباره، مع الأنبياء في القرآن الكريم، ص 11.
5- سعيد نفاع، العرب الدروز، منشورات الدار التقدمية، ص 42 – 42.
6- غالب سليقه، كتاب وادي التيم أرض القداسة ( قيد الطبع).