الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الصفحة الأخيرة

الصفحة الأخيرة

ماذا فعلتم بطعامنا؟

إحدى أكبر مصائب العصر الذي نعيشه هو أن أهل هذا الزمن باتوا لا يجدون قُوتَهم وإن كانوا “يأكلون” أكثر من حاجتهم، وبات ما يحصلون عليه “مأكولات” شتى لكن لا ينطبق على معظمها تسمية “الطعام” الحقيقي.
والطعام بكل بساطة هو الحياة، وهو العنصر المقرر للصحة الجسدية والعقلية والنفسية، هو العنصر المقرر لنوعية الحياة بصورة عامة. والقاعدة الذهبية للطب الطبيعي هي: “كما تأكل تكون”. إن كان طعامك طبيعيا وسليما فهو سيتحول داخل جسدك إلى قوة ومناعة وطاقة حياة . وإن كان طعامك جاهزا ومعلبا ومعالجا (ورفوف المخازن مليئة بأنواع تلك الأطعمة) فإنه سيكون على الأرجح خاليا من المواد المغذّية وسيتسبب بمختلف أنواع المشكلات الصحية الظاهرة والخفية، ومعظم الأطعمة التي تباع في المخازن محشوة بالنكهات الكيميائية أو الملونات أو المواد الحافظة بينما طعام المنزل بات بدوره معتمدا على مكونات جاهزة أو لحوم المزارع وخضار الزراعة الهرمونية والكيميائية والفاكهة المشبعة بالمبيدات فأين المفرّ؟
كم من أهل هذا الزمان لا يزال في إمكانهم أن يتناولوا الطعام الطبيعي الذي كان يتناوله أجدادهم وأسلافهم؟ كم منهم يستطيع القول أنه يحصل على الطعام المناسب لصحته الجسدية والفكرية؟ الجواب سيكون صادما لأنه لم يعد هناك إلا القليل ممن يمكنهم القول أنهم ضمن هذه الفئة السعيدة من المحظوظين.
وإذا كنا نخسر غذاءنا الطبيعي الذي حفظ صحة أجدادنا ومكنهم من التصدي لأشق المهام الجسدية فما الذي يبقى لنا؟ وإذا كان حسابك في البنك هائلا أو قصرك شامخا أو كنت وجيها أو غير ذلك من أسباب السرور بنفسك فما ينفعك كل ذلك إذا كنت لا تجد ما تأكل مما كان يتوافر لأي فلّاح بسيط قبل خمسين أو ستين عاما؟
وقد أفسح ضعف القيمة الغذائية لطعام هذا الزمان في المجال أمام ظهور صناعة متكاملة هي صناعة “المُكمِّلات الغذائية” والفيتامينات وهي صناعة لم تكن موجودة عندما كان الناس يأكلون مما تجود به طبيعة أرضهم وأسلوب عيش أجدادهم، ثم ظهرت صناعة خبراء التغذية أو أطباء التغذية وبات عمل هؤلاء أن يقرروا للناس كيف يأكلون وأي مُكمِّل غذائي يجب أن يتناولوه، وفي غالب الأحيان يتعلق عمل هؤلاء بمعالجة مشكلة زيادة الوزن والبدانة الناجمة عن فوضى التغذية وفساد الأطعمة الحديثة. وبين صناعة المكملات ونصائح الإنترنت وخبراء التغذية الذين يريدون أن يديروا حياتنا بتنا فعلا في حيرة من أمرنا وفي قلق دائم، والكلّ يسأل ماذا علينا أن نأكل؟ هذا السؤال الغريب لم يكن موجودا أبدا في قاموس السلف لأن الجواب عليه كان في ما تربّى عليه كل فرد من حياة الطبيعية والقرية والبساطة. كان الطعام الصحي وغالبا الطازج (أو غير المطهي) هو القاعدة ولم يكن موجوداً في حياة الناس إلا الطعام الطيِّب النافع غير الملوّث بمعالجات الصناعة وتجّارة الغذاء، لكنه كان طعاما ينتج الفرد أغلبه من أرضه وبجهده أو يشتريه من عند جاره، أو من سوق قرية مجاورة أو من بائع متجوِّل محلي، فلا حيرة ولا نصائح ولا خبراء، إذ كان الناس أسياد غذائهم بكل ما في الكلمة من معنى، وكانوا لذلك في هناء وحرية حقيقية لأن الحرية هي انتفاء العوز إلى أي شيء من خارجك وهي أن تكون سيِّد نفسك وسيِّد حياتك في مجتمع هو بدوره حرّ وغير مرتهن في عيشه بالأجنبي أو بحادثات الزمان.
أصل المشكلة هي أننا تركنا الأرض وخبرة الأرض وحب الأرض فحلَّت علينا “لعنة الأرض” وأصبحنا “فقراء” ومحرومين رغم كل ما جنيناه بعيدا عن أمِّنا الطبيعة من مال أو ثروات، وقد بات هذا هو شقاؤنا الحقيقي وأصل كل ما نعانيه اليوم.
كيف نعود؟ وإلى أين نعود؟ وهل بقي مُتَّسعٌ للعودة؟ كيف يمكن أن نستردّ حياتنا وحريتنا؟ كيف نسترجع غذاءنا الذي لم يعد في أيدينا؟ إنها أسئلة وجودية ليس هنا مجال الخوض فيها، لكنها نقاط للتأمل لأولي الألباب.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي