السبت, نيسان 26, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, نيسان 26, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

كوكبا

كوكبا

حديقة آثار وزراعة
ونجاح تعليمي باهر

أهل كوكبا لصيقون بالأرض لا يحبون الهجرة لكن حبذا لو جاءتها الإنترنت وتوفّرت المياه

بالعمل والتنظيم تحوّلت مدرسة مهدّدة بالإقفال
إلى حاضرة تعليمية لطلاب وأهالي المنطقة

كوكبا قرية صغيرة وادعة في منطقة راشيا تجلس قبالة جبل حرمون، وهناك غير قرية تحمل الإسم نفسه، لكنها تابعة لقضاء حاصبيا في محافظة الجنوب. يمتد تراب هذه القرية الوادعة تلالاً خضراء حتى الأفق، لكن رغم البساطة الظاهرة فإن القرية تنام فوق تاريخ سحيق من الحضارات السابقة التي تركت بصماتها واضحة في أكثر من مكان كما إنها -عندما تقاس الإنجازات بمدى الاهتمام بالإنسان- تبرز في الطليعة بسبب نجاحها التعليمي وتحولها إلى حاضرة تربوية لقرى المنطقة.

عود تسمية القرية كوكبا الى الآرامية – السريانية ومعناه الحرفي
« الكوكب » والذي يرتبط بكوكب الزهرة الذي كان له شأن في العبادة عند الفينيقيين. وتقع القرية في قضاء راشيا وتتبع إدارياً لمحافظة البقاع وهي تبعد عن العاصمة بيروت 92 كلم وعن مركز القضاء 5 كلم وترتفع عن سطح البحر 1100م وتتصل بقرى مجاورة هي ضهر الأحمر شرقاً ومجدل بلهيص غرباً والمحيدثة شمالاً وكفرمشكي جنوباً، ويمكن الوصول إليها من بيروت عبر طريق شتورا – ضهر الأحمر أو طريق شتورا – مشغرة – سحمر وهناك طريق يتجه من بيروت إلى صيدا ثم مرجعيون في الجنوب ثم حاصبيا فكوكبا.

أهميتها التاريخية
تعتبر قرية كوكبا من القرى الموغلة في القدم وهو ما تدل عليه الآثار الموجودة في محيط القرية ولاسيما القلعة القديمة المحفورة في الصخر ويوجد في داخلها العديد من النواويس الحجرية المنحوتة بإتقان كما توجد مدافن قديمة ايضاً، وهذه الآثار تعود حسب الخبراء الى الحقبة الرومانية، كما توجد بالقرب من القرية معصرة مع جرن كان يتم استخدامهما لعصر العنب وتحويله الى دبس، أضف الى ذلك الكهوف التي تحتوي بدورها على آثار يرجح أنها تعود الى زمن «عنا ايل” اي الى العصور الآرامية التي سبقت التاريخ الميلادي.
ونظراً إلى هذه الآثار الغنية فقد أصدر وزير الثقافة في العام 2012 قراراً بتحويل المنطقة التي تضم الآثار الى المجلس الأعلى للتنظيم المدني والذي يقضي بدراسة كافة الطلبات المقدمة من أجل الحصول على رخص بناء أو ترميم أو استصلاح أراض الى المجلس الأعلى للتنظيم المدني لإبداء الرأي في أي تأثير محتمل للنشاط العمراني على طبيعة المنطقة وسلامة الطابع الأثري. ومن المعالم البارزة في كوكبا مزار بني في فترة متأخرة لسيدنا الشيخ الفاضل رحمه الله مع العلم أن ضريحه ومدفنه يقعان في قرية عين عطا.

الوضع السكاني
يبلغ عدد سكان القرية المسجلين 950 نسمة تقريباً على الرغم من غياب الإحصاء الدقيق منذ زمن بعيد وخلافاً للعديد من قرى الجنوب اللبناني التي تعاني من الهجرة فإن نسبة المقيمين في كوكبا مرتفعة نسبياً مقارنة بالقرى والبلدات المجاورة، إذ إن 50% من أبناء القرية المسجلين يقيمون فيها والذين يغادرونها الى بيروت مثل الطلاب فإنما يفعلون ذلك بهدف متابعة تحصيلهم العلمي بينما انتقل قسم من السكان إلى خارج القرية لأسباب اقتصادية، لكن حركة الاغتراب في كوكبا محدودة وهي تتركز حالياً على دول الخليج.
عائلات البلدة: أبو غوش ، مغامس ، كرامة ، علامة ، زين الدين، الغزال ، كيوان .

الثروة المائية
تعتبر مصادر المياه في القرية ضئيلة مقارنة مع كمية المياه المطلوبة للقيام بأعباء الزراعة، حيث تستفيد القرية في مياه الشفة من بئر ارتوازي تمّ حفره في محاذاة القرية، وقد تمّ جرّ المياه الى خزان القرية وتوزيعها على المنازل من خلال شبكة داخلية عملت البلدية على تأهيلها في الأشهر الماضية بحيث تغطّي كافة المنازل وبحيث يتم تفادي هدر المياه الناتج عن تآكل الشبكة وتقادمها، كما يعمد أبناء القرية الى إنشاء خزانات من الإسمنت لتجميع مياه الأمطار خلال فصل الشتاء ليتم الإستفادة منها خلال موسم الشحائح في فصل الصيف .
وتوجد في جوار القرية بركة اصطناعية تستخدم لتجميع مياه الأمطار والمتساقطات خلال فصل الشتاء ليتم الإستفادة منها في تأمين المياه لري بعض المزروعات خلال فصل الصيف حيث يتم نقل المياه من البركة بواسطة الصهاريج ، لكن مياه هذه البركة غالباً ما تنضب قبل انتهاء فصل الصيف ولا يتم الإستفادة منها عن طريق المداورة أو بطريقة الحصص بين المزارعين .

الزراعة والثروة الحيوانية
تعتبر كوكبا قرية زراعية وهذا على الرغم من أن العاملين في القطاع الزراعي لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من مجموع سكان القرية المقيمين والذين هم في سن العمل ، لكن حتى الذين لا يمارسون النشاط الزراعي كنشاط مستقل فإنهم يعولون عليه لتأمين حاجات الأسرة من محاصيل مثل الحمص والقمح والعدس أو من الفواكه والخضار.
وبسبب شح الموارد المائية الطبيعية فإن الزراعة في كوكبا زراعة بعلية بالدرجة الأولى أما أهم المزروعات التي تعتمد على موسم الأمطار فهي زراعة الكرمة والزيتون، وقد نشطت زراعة الزيتون بصورة خاصة في العقود الأخيرة إضافة الى زراعة الأشجار المثمرة مثل اللوزيات والتفاح. والجدير بالذكر أن زراعة الكرمة يتم الإستفادة منها في تصنيع دبس العنب الذي يتمتع بجودة عالية نظراً إلى اهتمام المزارعين بهذه الزراعة منذ القدم .
كما يتم الإستفادة من السهول المجاورة للقرية في بعض الزراعات الموسمية ولاسيما زراعة الخضار والفاكهة، ويتم ريّ هذه المزروعات خلال فصل الصيف من بركة القرية لكن هذا المورد ينضب عادة قبل انتهاء الموسم وقد يتسبب بضياع ما تبقى بسبب عدم وجود المياه أو تكلفة شرائها.
كما يتم الإستفادة من سهول القرية في زراعات مطرية مثل القمح والحمص والعدس والشعير وهذه الزراعة بعلية ولا تستخدم فيها الأسمدة الكيماوية أو أي مواد مصنعة لزيادة الإنتاج فهي لذلك زراعات طبيعية .
تسويق متجوِّل!
يتم تسويق المنتوجات والمحاصيل الزراعية داخل القرية وفي الأسواق المجاورة وفي بعض قرى وبلدات راشيا عبر وضع محاصيلهم داخل مركباتهم والمناداة عليها في القرى المحيطة. ورغم أن ظاهرة «التاجر المتجول” لم تعد معروفة في القرى، إلا أن أهل كوكبا ما زالوا يرون فائدة في اتباعها ويعتبرونها وسيلة فعّالة لتسويق المحصول وكسب العيش.

السهل
السهل

تربية المواشي
على الرغم من ظاهرة «التمدين» التي أصابت العديد من قرى وبلدات راشيا واخذت تطمس بعض مظاهر الحياة القروية ولاسيما تربية الماشية، إلا ان هذه الحرفة ما زالت نشطة وأساسية في قرية كوكبا وهناك نسبة كبيرة من الناس ما زالت تعتمد على تربية الماشية ولاسيما الأبقار لكن الوضع تغير كثيراً عن الماضي كما يقول إبن البلدة السبعيني الشيخ سامي مغامس الذي يذكر أن ما يقارب ثلاثة ارباع القرية كان قبل عقود قليلة يهتم بتربية الماشية وأن المواشي والماعز كانت تسرح في مراعي القرية وفي الجبال المحيطة بها طوال فصلي الربيع والصيف ومطلع فصل الخريف عندما كان أصحاب الماشية ينقلون ماشيتهم هرباً من برودة الطقس والثلوج الى «بلاد بشارة» في الجنوب اللبناني .
وحسب الشيخ مغامس، فإن أعداد الماشية تراجعت اليوم مع إنخراط ابناء القرية في المؤسسات الحكومية والوظائف الرسمية ومعارضة الناس لوجود المواشي في جوارهم مما يعرّض المربي إلى المضايقة الدائمة فيقرر عندها التوقف عن هذا النشاط المهم لأسرته – وللقرية أيضاً لأنه يوفر منتجات الحليب الطبيعية والطازجة لأسرها.

محمية الخلف الطبيعية
قامت لجنة البيئة في متوسطة كوكبا الرسمية بالتعاون مع المجلس البلدي وتمثلت في انشاء محمية طبيعية بمساحة 9,000 متر وقد تمّ وضع سياج من الأسلاك لحماية المكان من تعدي الرعاة والصيادين وتمّ غرس 2000 شجرة مثمرة من لوز وجوز وصنوبر وغرس 1000 شجرة حرجية من سنديان وملول وأرز وشربين وكينا وتمّ زرع 500 شتلة صعتر (زعتر).
وتحتوي هذه المحمية على أنواع مختلفة من الأزهار والأعشاب البرية والغذائية والأعشاب ذات الاستخدام الطبي.

مغاور-من-العصر-الروماني
مغاور-من-العصر-الروماني

نجاح تربوي
يعتبر تطوير التعليم في كوكبا وتحولها إلى مركز للخدمات التعليمية في نطاقها الجغرافي نجاحاً لافتاً يغاير الاتجاه العام الذي شهد إقفال مدارس في المنطقة أو استمرار معاناة الكثير منها من جراء ضعف الموارد وعدم كفاءة التعليم.
مؤشرالنجاح التربوي الأهم الذي حققته كوكبا هو أنها وبعد أن كانت متوسطة البلدة مهدّدة بالإقفال وبعد أن كان عدد الطلاب تراجع إلى 36 طالباً فإنها حققت تحولاً بفضل جهود الهيئة التعليمية وتمكنت من وقف التراجع والبدء بإجراء تطوير حقيقي في أسلوب التعليم وإدارة المؤسسة ما جعل عدد الطلاب يقفز في سنوات إلى 400 طالب من القرية ومن القرى المجاورة كما ارتفع عدد أفراد الأسرة التعليمية إلى 50 مدرساً بين أساتذة متعاقدين وأساتذة مثبتين في ملاك وزارة التربية.
كيف تمكنت مدرسة كانت مهدّدة بالإقفال بسبب تراجع عدد التلامذة المسجلين فيها أن تحدث هذا التحول الباهر وتصبح محط أنظار التلامذة وأهاليهم في القرية وفي القرى المحيطة؟ السبب الأهم هو تمكن الهيئة التعليمية ومديرها من إجراء تحول كبير في أساليب التعليم وفي إدارة النشاطات والعلاقات مع الطلاب ومع الأهالي بحيث تمكنت من رفع مستوى الأداء الطالبي كثيراً وقد انعكس ذلك سنة بعد سنة بمعدلات النجاح الاستثنائية لتلامذة المدرسة في الامتحانات الرسمية الأمر الذي عزّز شهرة المدرسة وزاد ثقة الطلاب والأهالي بها وبإدارتها. وبالنظر إلى اهتمام الأهالي الكبير بمستقبل أولادهم وكذلك حرص الطلاب على تلقي التعليم الذي يمكّنهم من متابعة تحصيلهم وتأمين مستقبلهم فقد أصبح هناك إقبال على المدرسة يفوق قدرتها الاستيعابية كما يقول مدير متوسطة كوكبا الرسمية الأستاذ سميح أبو غوش الذي يضيف أن المدرسة وحتى هذا التاريخ لم تنته من استقبال الطلاب، رغم أن جميع الصفوف في كافة المراحل باتت مكتملة مما يضطرنا في بعض الحالات الى استحداث شعب إضافية إفساحاً في المجال امام جميع الطلاب الراغبين في متابعة تحصيلهم العلمي. ويردّ الأستاذ أبو غوش نجاح تجربة متوسطة كوكبا إلى الجهود التي بذلت في تطوير مهارات أفراد الهيئة التعليمية بشكل مستمر من خلال متابعة الدورات التي تعدّها وزارة التربية والتي تهدف الى رفع قدرة المدرس على مواكبة التقنيات الحديثة والفعالة في حقل التربية. ويضيف أبو غوش: عملنا بشكل خاص على تحفيز الطلاب من خلال إقامة توازن بين النشاط التربوي والنشاطات المواكبة له إضافة الى النشاط اللاصفي الذي يترك للطالب مساحة للإبداع والتعبير عن ذاته ولاسيما الأعمال المتعلقة بالبيئة من خلال لجنة البيئة داخل المدرسة .
وقد دفع نجاح تجربة متوسطة كوكبا ووفرة عدد الطلاب الذين باتوا ينهون المرحلة المتوسطة إلى إستحداث ثانوية رسمية في القرية بحيث يتمكن الخريجون من متابعة التعليم الثانوي مع تخفيف اعباء انتقالهم الى بلدة سحمر أو الى بلدة راشيا لمتابعة تحصيلهم العلمي، كما ساهم إنشاء الثانوية في خلق فرص عمل لحملة الإجازات الجامعية الأمر الذي ينعكس بنتائج مميزة للثانوية في الامتحانات الرسمية. تبقى مشكلة التعليم الجامعي وبعد أكثر الجامعات عن القرية بما في ذلك الجامعة اللبنانية في زحلة، وقد تمّ استحداث فرع لكلية الاقتصاد في راشيا لكن محدودية الاختصاصات لم تفك المعضلة بعد.

كوكبا والإنترنت
رغم وصول شبكة الهاتف الثابت (أوجيرو) إلى القرية منذ العام 2000 فإن كوكبا ما زالت من دون شبكة الإنترنت وهذا أمر مستغرب بالطبع لأن الإنترنت بات حاجة أساسية في التعليم وفي الكثير من النشاطات الاقتصادية والثقافة الشخصية، لذلك فإن الخدمة تقدم من خارج القرية من خلال اشخاص يعمدون الى ايصالها بكلفة مرتفعة نسبياً.

المدرسة الرسمية
المدرسة الرسمية
مدير متوسطة كوكبا الرسمية الأستاذ سميح أبو غوش
مدير متوسطة كوكبا الرسمية الأستاذ سميح أبو غوش

محطة بارزة
إحدى الحوادث التي ما زالت ماثلة في ذاكرة أبناء القرية حملة التنكيل التي شنّها الجيش الفرنسي على القرية عام 1925 وذلك في ردّ فعل على نشاط بعض مجاهدي الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش. فقد تعقبت القوات الفرنسية المجاهدين من ابناء القرية للإقتصاص منهم بسبب مساندتهم الثوار فعاثوا في القرية تنكيلاً وفساداً وحرقوا المنازل وشردوا السكان مما دفعهم إلى مغادرة القرية، فمنهم من غادر الى سوريا وما زالوا يرتبطون بالقرية الأم ومنهم من غادر الى فلسطين وما زالوا مدرجين على قيود القرية والأوفر حظاً منهم من انتقل مؤقتاً الى القرى المجاورة لإتقاء الاضطهاد لكنه عاد الى منزله بعد خروج المحتل.

النشاط البلدي
على صعيد الإدارة المحلية، قامت البلدية بتأهيل شبكة المياه في القرية مع العمل على إيجاد مصادر جديدة من مياه الشفة التي يتم توفيرها حالياً من بئر إرتوازية تمّ حفرها في العام 2013، كما قامت البلدية بزيادة غطاء الثروة الحرجية في القرية من خلال القيام بعمليات تشجير وغرس ما يزيد على 5000 شجرة صنوبر .
ويوضح رئيس البلدية السيد وليد مغامس أن اهتمام البلدية يتركز الآن على تشييد مبنى لثانوية كوكبا ليصبح قادراً على استيعاب ما يزيد على 300 طالب في بيئة تعليمية وتقنية تواكب متطلبات التربية الحديثة. وأضاف مغامس أن البلدية تعمل على توفير الموارد اللازمة لتأهيل الطرقات وإقامة جدران دعم لرفع هامش الأمان على الطرقات الداخلية وأنها مهتمة بإقامة ملعب لكرة القدم من أجل توفير متنفس لأبناء القرية “نأمل إنجازه قريباً”.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي