السبت, شباط 22, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, شباط 22, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

تاريخ آل علم الدين

تاريخُ أمراءِ آلِ علمِ الدِّين

من نشأتهم في عْبَيْه إلى نهايتِهم في عَيْن دارَةَ

مع انتصار الأمير حيدر الشهابي على رأس الحزب القيسي في عين دارة سنة 1711 فإنّه لم يتمّ فقط حسمُ مسألة حكم الجبل بعد زوال المعنيّين لصالح الأمراء الشّهابيّين، بل حُسِمت أيضاً معركة لا تقلّ أهميّة هي محاولة آل علم الدّين الدّروز وحلفائهم إعادة لبنان مجدّداً إمارةً يحكمها الدّروز كما كان عليه الأمر لمدّة تقارب الـسّبعة قرون. وكان فشل آل علم الدّين في تحقيق طموحهم إيذاناً بزوال حكم الأسر الدّرزية للجبل الذين كانوا مالكيه الفعليّين من زاوية الملكيّات الزّراعية والعدد والنّفوذ لقرون طويلة، لكن تفرّق زعمائهم وانقسامهم الحادّ بين الغَرَضِيّتَين القيسيّة واليمنيّة جعلهم ينتصرون مجدّداً لأمير سنِّي من آل شَهاب ويقاتلون “إخوانهم” اليمنيّين بشراسة حتى القضاء عليهم. ولقد حدث الأمر نفسه قبل ذلك في اجتماع السّمقانيّة الذي دعت إليه الأسر الإقطاعيّة الدّرزيّة لانتخاب خَلَفٍ لآل مَعن فلم يَسْتَطِيعوا الاتّفاق على أمير منهم وفضّلوا إعطاء البلاد لأمير شهابيّ استُقْدم من وادي التَّيم وأعطي إمارة لم تكن لتؤول إليه عن أي طريق لولا عجز زعماء الدروز عن الاتفاق على واحد منهم. لكنّ هزيمة آل علم الدّين كانت أيضا من صُنع أيديهم لأنّهم لم يتصرّفوا كعنصر جامع للدّروز (وللّبنانييّن)، كما فعل فخرالدين المعني الثاني، بل قاتلوا، انطلاقا من حزبيّتهم اليمنيّة، الأمير فخر الدين (القيسِيّ الغرضيّة) باستمرار وعملوا على إضعاف إمارته الدّرزية حتى آخر يوم من أيام عهده المَجيد. وبينما كان مشروع فخر الدين توحيديّاً بكلِّ معنى الكلمة ومؤسَّساتياً يقوم على بناء دولة حديثة جامعة، فإنَّ مشروع آل علم الدين كان تقليدياً وصراعياً وكان لا بد وأن ينتهي بانتصار فريق من فريقيّ النّزاع الأهلي وهزيمة الفريق الآخر. وقد كانت الهزيمة في عين دارة موجعةً ودامية لكنَّ الذي هُزِم فيها لم يكونوا آل علم الدين اليمنيّين وحدَهم بل مشروع استرداد الدّروز لإمارة الجبل ولو بإمارة منقوصة.
فمن هم آل علم الدين الذين كادوا أن يبدّلوا مسار الإمارة في جبل لبنان؟ ماذا نعرف عن أصولهم وتاريخهم وما الذي آل إليه أمرهم بعد هزيمتهم في عيندراة والقضاء على معظم أمرائهم ووجودهم السياسي ؟
في المقال التالي يقدم المؤرخ الدكتور حسن أمين البعيني عرضا وافيا لتاريخ هذه الأسرة العريقة ولأبرز زعمائها وللأدوار التي لعبتها في تاريخ لبنان خصوصا في العهد الوسيط وحتى انتهاء أمرهم في معركة عين دارة على يد الحزب القيسي بزعامة الشهابيين.
(الضحى)

ُرِف آل علم الدين في تاريخ لبنان باسم”آل علم الدين الرّمطونيين”، و باسم”آل علم الدين العنداريين”، وعُرِفوا في أواخر عهدهم بـ”أمراء آل علم الدين اليمنيين”. بعض فصول تاريخهم معلوم، وبعضه الآخر غامض، أو المعلومات عنه قليلة. وليس هناك اليوم أيّة أسرة من أسر الموحِّدين الدروز تحمل اسم “آل علم الدين” ولا اسم آل عبد الله الذين تفرّع آل علم الدين منهم، ويعود غموض تاريخ أجداد آل علم الدين وأجداد الفروع الأخرى من آل عبد الله، إلى أنَّه لم يُقيّض لآل عبد الله وبني فوارس من يكتب عنهم ويؤرّخ لهم كما قيِّض لآل أرسلان الذين أضاء السّجلّ الأرسلانيّ عليهم، وكذلك البُحْتريّين التَّنوخيّين الذين أرّخ لهم أحد أمرائهم صالح بن يحيى ثم أكمل ابن سباط تاريخهم إلى سنة 1520 وهي السّنة التي توقف فيها عن الكتابة. وبالعودة إلى تاريخ آل علم الدين، فهو يبدأ عند صالح بن يحيى بعلم الدين معن، وأبنائه، وحفيده الذي يحمل اسم”علم الدين سليمان”.
سنحاول فيما يلي الإضاءة عليهم حتى انتهاء نفوذهم في سنة 1711 جرّاء هزيمتهم في عَيْن دارة، والإضاءة على إشكالية انقراضهم.

أصل آل علم الدين
آل علم الدين فرع من آل عبد الله، وهؤلاء فرع من المناذرة اللّخميين الذين استقدمهم الخليفة العبّاسي أبو جعفر المنصور من معرّة النعمان في شمال سورية إلى جبل لبنان الجنوبي، ليدافعوا عن بيروت وساحلها ضدّ هجمات الرّوم البيزنطيّين، وليؤمّنوا حماية الطّرق بينها وبين دمشق ضد اعتداءات حلفاء البيزنطيين، والمتعاونين معهم من أبناء البلاد.
وآل عبد الله هم أبناء عم آل أرسلان وآل تنوخ وبني فوارس، ويعودون جميعهم في النّسب إلى الملوك المناذرة الذين حكموا في الحيرة لمدة 364 سنة. وقد جانب العديد من المؤرّخين الحقيقة عندما نسبوا هذه الأسر الأربع إلى قبيلة تنوخ، أو إلى حلف تنوخ، فيما هم لا علاقة لهم بهذا ولا بتلك. أمّا من حملوا منهم اسم التّنوخيين، فهم فرع واحد يعود في النّسب إلى أمير مُنذري لَخمي،هو تنوخ بن قحطان بن عوف بن كندة بن جندب بن مذحج بن سعد بن طيّ بن تميم بن الملك النعمان أبي قابوس الذي هو الجدّ الأعلى لآل أرسلان وآل عبد الله وبني فوارس(1).
نزل المناذرة اللّخميون سنة 759م في الأقسام الغربيّة من قضاء عاليه، وقضاء المتن الجنوبي (بعبدا حاليا) فدعَوْها “الغرب”، ودُعِيَت الإمارة التي أسّسوها هناك إمارة الغرب، وقد تسلّمها أولاً آل أرسلان، ثم تسلّمها أمير واحد من بني فوارس هو أبو الفوارس مِعْضاد، وتسلّمها أمير واحد من آل عبد الله هو الأمير مجد الدولة، وآلت بعده إلى الأمراء البحتريّين التّنوخيين، نسبة إلى جَدّهم بحتر بن علي بن الحسين بن ابراهيم بن محمّد بن علي بن أحمد بن عيسى بن جُمَيْهِر بن تَنوخ. لذا عُرفوا باسم البُحتريّين التَّنوخيِّين نسبةً إلى الأمير بُحتر وجدّه الأمير تنوخ، الذي وردت الاشارة إليه.

إلى أي “علم الدين” ينتسب “آل علم الدين” ؟
المألوف في الكثير من التّسميات هو الأسماء المركّبة من اسمين، ثانيهما اسم المرء، وأوّلهما صفة أو كنية تُعطى له، هي على العموم، اسم مركّب أيضاً تدخل فيه غالباً لفظة الجلالة (الله)، مثل عبد الله، أو لفظة “الدين” مثل جمال الدين. وأسماء معظم أمراء آل علم الدين مركّبة من اسم، وكنية أو صفة فيها لفظة “الدين”، هي علم الدين معن، علم الدين سليمان، ركن الدين محمّد، عز الدين جواد، بهاء الدين داود، ظهير الدين علي، ناصر الدين محمّد، سيف الدين غَلاّب، وهذا الاسم الأخير حمله ثلاثة أمراء، هم سيف الدين غَلاّب بن علم الدين معن، وسيف الدين غلاّب بن علم الدين سليمان، وسيف الدين غلاّب بن ظهير الدين علي.
هناك فقط أميران في اسميهما كنية أو صفة علم الدين، هما علم الدين معن، وحفيده علم الدين سليمان. فإلى أيّ علم الدين منهما ينتسب آل علم الدين؟ إنهم ينتسبون إلى الأمير علم الدين سليمان، لأنّ علم الدين معن لا يُعرف عنه سوى اسمه، فيما حفيده علم الدين سليمان اشتُهر بقوّة الشّخصيّة، وميزة القيادة، وجليل المزايا والمناقب، وكان أوّل من تأمَّر من أسرته على جزء من بلاد “الغرب” في العهد المملوكي.

تنسيب آل علم الدين إلى التّنوخيِّين
بدأ تنسيب آل علم الدين إلى التّنوخيِّين مع المؤرِّخ صالح بن يحيى. فهو، بالرّغم من اتّصافه بالموضوعيّة، وبالكتابة اعتماداً على المناشير الرسميّة والوثائق، كان محابياً لقومه البحتريّين التّنوخيِّين، يكره من خاصموهم كبني أبي جيش الأرسلانيِّين، ويُظهر الرّضى والارتياح لمن ناصروهم وتقرَّبوا منهم، كآل علم الدين الذين نسَّبهم إلى البيت البحتريّ التّنوخي، فأرَّخ لأمرائهم مع من أرَّخ للأمراء من هذا البيت. وهذا جعل من نقلوا عنه يُنسِّبونهم إلى البحتريّين التّنوخيين، دون أن ينتبهوا إلى ما ذكره عنهم حين قال عن علم الدين سليمان، الذي ينتسب آل علم الدين إليه: “إنه ابن سيف الدين غلاّب بن علم الدين معن بن مُعْتِب بن أبي المكارم بن عبد الله بن عبد الوهّاب بن هِرماس بن طريف”. وأضاف قائلا: “ورأيت من خطوط بعض المتقدِّمين في الهجرة أن هرماس هو أبو طارق الذي تنسب إليه الطوارقة وهم فخذ من آل عبد الله”(2). وهذا يعني أن الطوارقة وآل علم الدين فخذان من آل عبد الله. كما أنه جاء في السّجلّ الأرسلاني أنَّ هرماس هو ابن طريف بن طارق بن عبد الله(3). وعبد الله هو من ينتسب إليه آل عبد الله.
نقل ابن سباط عن صالح بن يحيى تاريخ البحتريين التنوخيين، وأوضح سبب تنسيب آل علم الدين إلى التّنوخيين، فقال: “إن أمير “الغرب” ناصر الدين الحسين جوَّز [زوَّج] علم الدين سليمان ولم يكن في سلف علم الدين أحد تجوَّز[تزوَّج] منهم، وكان جليل القدر، مُهاباً بين أهله وكلمته فيهم نافذة وأمره مُطاع. ومن علم الدين اتَّصل بيت آل تنوخ وصاروا صفة بيت واحد بالزواج وصاروا أولاد علم الدين يُنسبوا من أمراء الغرب”(4).
وفي حين أوضح ابن سباط أن المُصاهرة هي سبب تنسيب آل علم الدين إلى البحتريين التنوخيين، فإنه جانب الحقيقة حين ذكر أنَّ أحدًا من سلف علم الدين سليمان لم يتزوّج من البحتريين التنوخيين، ذلك أن والده سيف الدين غلاّب تزوَّج من هؤلاء(5) وأخذ ــ أي تَزَوّج ــ ابنة الأمير نجم الدين محمّد بن جمال الدين حِجى بن كرامة بن بحتر.
وإضافة إلى زواج الأمير سيف الدين غلاّب وابنه الأمير علم الدين سليمان وسيف الدين غلاّب الثالث من البحتريين التنوخيين، هناك خمس زيجات لهؤلاء من آل علم الدين، ذكرها صالح بن يحيى، وهي:
• زواج الأمير شمس الدين عبد الله بن جمال الدين حجى من ابنة الأمير سيف الدين غلاّب بن علم الدين معن.
• زواج الأمير شهاب الدين بن زين الدين من ابنة الأمير عزّ الدين جواد بن علم الدين سليمان.
• زواج الأمير جمال الدين محمّد بن زين الدين صالح من ابنة الأمير سيف الدين غلاّب بن علم الدين سليمان.
• زواج الأمير علاء الدين علي بن زين الدين صالح بن ناصر الدين الحسين من ابنة الأمير عزّ الدين جواد بن علم الدين سليمان.
• زواج الأمير ناصر الدين الحسين بن تقيّ الدين إبراهيم بن ناصر الدين الحسين من ابنة الأمير ظهير الدين علي بن جواد بن علم الدين سليمان(6).
هذه الزيجات الثماني بين البحتريين التنوخيين وآل علم الدين أظهرتهم كأنَّهم أسرة واحدة، وحملت صالح بن يحيى على تنسيب آل علم الدين إلى البحتريين التنوخيين الذين هم أكثر شهرة منهم.
وكما أنّ آل علم الدين ليسوا أصلاً من البحتريين التّنوخيين، وإنما نسِّبوا إليهم بالمصاهرة، فإنهم هم أيضا ليسوا أصل الأمراء المعنيين كما رأى بعض المؤلِّفين، وذلك اعتمادا منهم على كلمة “معن” التي يتضمّنها اسم علم الدين معن، والتي هي نفسها اسم “معن” جدّ الأمراء المعنيين. إلاّ أنّ هذا التشابه في الاسم لا يفيد على الإطلاق عن الأصل الواحد، لأنّ أبناء وأحفاد علم الدين معن معروفون، وليس بينهم أي اسم لأمير معنيّ منذ قدوم المعنيِّين إلى لبنان سنة 1120م، كما أنّ آل علم الدين يمنيُّون وأنّ المعنيِّين قيسيُّون، ممّا يؤكّد أيضا الاختلاف في النَّسب(7).

محيط مدينة السويداء في جبل العرب- نكبة اليمنيين كانت بداية إعمار الجبل وتحوله إلى قوة بشرية وسياسية
محيط مدينة السويداء في جبل العرب- نكبة اليمنيين كانت بداية إعمار الجبل وتحوله إلى قوة بشرية وسياسية

ُرِف آل علم الدين في تاريخ لبنان باسم”آل علم الدين الرّمطونيين”، و باسم”آل علم الدين العنداريين”، وعُرِفوا في أواخر عهدهم بـ”أمراء آل علم الدين اليمنيين”. بعض فصول تاريخهم معلوم، وبعضه الآخر غامض، أو المعلومات عنه قليلة. وليس هناك اليوم أيّة أسرة من أسر الموحِّدين الدروز تحمل اسم “آل علم الدين” ولا اسم آل عبد الله الذين تفرّع آل علم الدين منهم، ويعود غموض تاريخ أجداد آل علم الدين وأجداد الفروع الأخرى من آل عبد الله، إلى أنَّه لم يُقيّض لآل عبد الله وبني فوارس من يكتب عنهم ويؤرّخ لهم كما قيِّض لآل أرسلان الذين أضاء السّجلّ الأرسلانيّ عليهم، وكذلك البُحْتريّين التَّنوخيّين الذين أرّخ لهم أحد أمرائهم صالح بن يحيى ثم أكمل ابن سباط تاريخهم إلى سنة 1520 وهي السّنة التي توقف فيها عن الكتابة. وبالعودة إلى تاريخ آل علم الدين، فهو يبدأ عند صالح بن يحيى بعلم الدين معن، وأبنائه، وحفيده الذي يحمل اسم”علم الدين سليمان”.
سنحاول فيما يلي الإضاءة عليهم حتى انتهاء نفوذهم في سنة 1711 جرّاء هزيمتهم في عَيْن دارة، والإضاءة على إشكالية انقراضهم.

أصل آل علم الدين
آل علم الدين فرع من آل عبد الله، وهؤلاء فرع من المناذرة اللّخميين الذين استقدمهم الخليفة العبّاسي أبو جعفر المنصور من معرّة النعمان في شمال سورية إلى جبل لبنان الجنوبي، ليدافعوا عن بيروت وساحلها ضدّ هجمات الرّوم البيزنطيّين، وليؤمّنوا حماية الطّرق بينها وبين دمشق ضد اعتداءات حلفاء البيزنطيين، والمتعاونين معهم من أبناء البلاد.
وآل عبد الله هم أبناء عم آل أرسلان وآل تنوخ وبني فوارس، ويعودون جميعهم في النّسب إلى الملوك المناذرة الذين حكموا في الحيرة لمدة 364 سنة. وقد جانب العديد من المؤرّخين الحقيقة عندما نسبوا هذه الأسر الأربع إلى قبيلة تنوخ، أو إلى حلف تنوخ، فيما هم لا علاقة لهم بهذا ولا بتلك. أمّا من حملوا منهم اسم التّنوخيين، فهم فرع واحد يعود في النّسب إلى أمير مُنذري لَخمي،هو تنوخ بن قحطان بن عوف بن كندة بن جندب بن مذحج بن سعد بن طيّ بن تميم بن الملك النعمان أبي قابوس الذي هو الجدّ الأعلى لآل أرسلان وآل عبد الله وبني فوارس(1).
نزل المناذرة اللّخميون سنة 759م في الأقسام الغربيّة من قضاء عاليه، وقضاء المتن الجنوبي (بعبدا حاليا) فدعَوْها “الغرب”، ودُعِيَت الإمارة التي أسّسوها هناك إمارة الغرب، وقد تسلّمها أولاً آل أرسلان، ثم تسلّمها أمير واحد من بني فوارس هو أبو الفوارس مِعْضاد، وتسلّمها أمير واحد من آل عبد الله هو الأمير مجد الدولة، وآلت بعده إلى الأمراء البحتريّين التّنوخيين، نسبة إلى جَدّهم بحتر بن علي بن الحسين بن ابراهيم بن محمّد بن علي بن أحمد بن عيسى بن جُمَيْهِر بن تَنوخ. لذا عُرفوا باسم البُحتريّين التَّنوخيِّين نسبةً إلى الأمير بُحتر وجدّه الأمير تنوخ، الذي وردت الاشارة إليه.

إلى أي “علم الدين” ينتسب “آل علم الدين” ؟
المألوف في الكثير من التّسميات هو الأسماء المركّبة من اسمين، ثانيهما اسم المرء، وأوّلهما صفة أو كنية تُعطى له، هي على العموم، اسم مركّب أيضاً تدخل فيه غالباً لفظة الجلالة (الله)، مثل عبد الله، أو لفظة “الدين” مثل جمال الدين. وأسماء معظم أمراء آل علم الدين مركّبة من اسم، وكنية أو صفة فيها لفظة “الدين”، هي علم الدين معن، علم الدين سليمان، ركن الدين محمّد، عز الدين جواد، بهاء الدين داود، ظهير الدين علي، ناصر الدين محمّد، سيف الدين غَلاّب، وهذا الاسم الأخير حمله ثلاثة أمراء، هم سيف الدين غَلاّب بن علم الدين معن، وسيف الدين غلاّب بن علم الدين سليمان، وسيف الدين غلاّب بن ظهير الدين علي.
هناك فقط أميران في اسميهما كنية أو صفة علم الدين، هما علم الدين معن، وحفيده علم الدين سليمان. فإلى أيّ علم الدين منهما ينتسب آل علم الدين؟ إنهم ينتسبون إلى الأمير علم الدين سليمان، لأنّ علم الدين معن لا يُعرف عنه سوى اسمه، فيما حفيده علم الدين سليمان اشتُهر بقوّة الشّخصيّة، وميزة القيادة، وجليل المزايا والمناقب، وكان أوّل من تأمَّر من أسرته على جزء من بلاد “الغرب” في العهد المملوكي.

تنسيب آل علم الدين إلى التّنوخيِّين
بدأ تنسيب آل علم الدين إلى التّنوخيِّين مع المؤرِّخ صالح بن يحيى. فهو، بالرّغم من اتّصافه بالموضوعيّة، وبالكتابة اعتماداً على المناشير الرسميّة والوثائق، كان محابياً لقومه البحتريّين التّنوخيِّين، يكره من خاصموهم كبني أبي جيش الأرسلانيِّين، ويُظهر الرّضى والارتياح لمن ناصروهم وتقرَّبوا منهم، كآل علم الدين الذين نسَّبهم إلى البيت البحتريّ التّنوخي، فأرَّخ لأمرائهم مع من أرَّخ للأمراء من هذا البيت. وهذا جعل من نقلوا عنه يُنسِّبونهم إلى البحتريّين التّنوخيين، دون أن ينتبهوا إلى ما ذكره عنهم حين قال عن علم الدين سليمان، الذي ينتسب آل علم الدين إليه: “إنه ابن سيف الدين غلاّب بن علم الدين معن بن مُعْتِب بن أبي المكارم بن عبد الله بن عبد الوهّاب بن هِرماس بن طريف”. وأضاف قائلا: “ورأيت من خطوط بعض المتقدِّمين في الهجرة أن هرماس هو أبو طارق الذي تنسب إليه الطوارقة وهم فخذ من آل عبد الله”(2). وهذا يعني أن الطوارقة وآل علم الدين فخذان من آل عبد الله. كما أنه جاء في السّجلّ الأرسلاني أنَّ هرماس هو ابن طريف بن طارق بن عبد الله(3). وعبد الله هو من ينتسب إليه آل عبد الله.
نقل ابن سباط عن صالح بن يحيى تاريخ البحتريين التنوخيين، وأوضح سبب تنسيب آل علم الدين إلى التّنوخيين، فقال: “إن أمير “الغرب” ناصر الدين الحسين جوَّز [زوَّج] علم الدين سليمان ولم يكن في سلف علم الدين أحد تجوَّز[تزوَّج] منهم، وكان جليل القدر، مُهاباً بين أهله وكلمته فيهم نافذة وأمره مُطاع. ومن علم الدين اتَّصل بيت آل تنوخ وصاروا صفة بيت واحد بالزواج وصاروا أولاد علم الدين يُنسبوا من أمراء الغرب”(4).
وفي حين أوضح ابن سباط أن المُصاهرة هي سبب تنسيب آل علم الدين إلى البحتريين التنوخيين، فإنه جانب الحقيقة حين ذكر أنَّ أحدًا من سلف علم الدين سليمان لم يتزوّج من البحتريين التنوخيين، ذلك أن والده سيف الدين غلاّب تزوَّج من هؤلاء(5) وأخذ ــ أي تَزَوّج ــ ابنة الأمير نجم الدين محمّد بن جمال الدين حِجى بن كرامة بن بحتر.
وإضافة إلى زواج الأمير سيف الدين غلاّب وابنه الأمير علم الدين سليمان وسيف الدين غلاّب الثالث من البحتريين التنوخيين، هناك خمس زيجات لهؤلاء من آل علم الدين، ذكرها صالح بن يحيى، وهي:
• زواج الأمير شمس الدين عبد الله بن جمال الدين حجى من ابنة الأمير سيف الدين غلاّب بن علم الدين معن.
• زواج الأمير شهاب الدين بن زين الدين من ابنة الأمير عزّ الدين جواد بن علم الدين سليمان.
• زواج الأمير جمال الدين محمّد بن زين الدين صالح من ابنة الأمير سيف الدين غلاّب بن علم الدين سليمان.
• زواج الأمير علاء الدين علي بن زين الدين صالح بن ناصر الدين الحسين من ابنة الأمير عزّ الدين جواد بن علم الدين سليمان.
• زواج الأمير ناصر الدين الحسين بن تقيّ الدين إبراهيم بن ناصر الدين الحسين من ابنة الأمير ظهير الدين علي بن جواد بن علم الدين سليمان(6).
هذه الزيجات الثماني بين البحتريين التنوخيين وآل علم الدين أظهرتهم كأنَّهم أسرة واحدة، وحملت صالح بن يحيى على تنسيب آل علم الدين إلى البحتريين التنوخيين الذين هم أكثر شهرة منهم.
وكما أنّ آل علم الدين ليسوا أصلاً من البحتريين التّنوخيين، وإنما نسِّبوا إليهم بالمصاهرة، فإنهم هم أيضا ليسوا أصل الأمراء المعنيين كما رأى بعض المؤلِّفين، وذلك اعتمادا منهم على كلمة “معن” التي يتضمّنها اسم علم الدين معن، والتي هي نفسها اسم “معن” جدّ الأمراء المعنيين. إلاّ أنّ هذا التشابه في الاسم لا يفيد على الإطلاق عن الأصل الواحد، لأنّ أبناء وأحفاد علم الدين معن معروفون، وليس بينهم أي اسم لأمير معنيّ منذ قدوم المعنيِّين إلى لبنان سنة 1120م، كما أنّ آل علم الدين يمنيُّون وأنّ المعنيِّين قيسيُّون، ممّا يؤكّد أيضا الاختلاف في النَّسب(7).

بلدة عين دارة التي شهدىت نهاية الحكم القصير لآل علم الدين على يد حيدر الشهابي
بلدة عين دارة التي شهدىت نهاية الحكم القصير لآل علم الدين على يد حيدر الشهابي

آل علم الدين العنداريون
إنّ آخر أمراء آل علم الدين، الذين ذكرهم المؤرِّخان صالح بن يحيى وابن سباط، هم سيف الدين غلاّب بن ظهير الدين علي، وأبناء أخيه عزّ الدين حسن: يوسف، وأحمد وناصر الدين محمّد.
وبعد سنة 1406م لا نعرف عن آل علم الدين شيئاً إلى أن برز في القرن السابع عشر عَلَمان منهم في عين داره، هما الشيخ مظفّر العنداري وابن أخيه الأمير علي العنداري، مع أنّهما كانا خلال تلك الفترة مُقدَّمَيّ الجُرد، ويقيمان في قاعدته عين داره التي عُرفا بها. فإنّه لم يَرِد ذكرُ أيٍّ منهما في أخبار حملة الوالي العثماني إبراهيم باشا على الجبل سنة 1585، وهو الذي جعل مخيَّمَه في عين صوفر قريباً من عين داره، والذي أحرق العديد من قرى الجرد والمتن والغرب والشوف ومنها قرية عين داره التي ورد الحديث عنها في الوثائق العثمانية أنّها تمنَّعت قبل سنة 1585 عن دفع الضّرائب المترتِّبة عليها للدولة العثمانية، وأنَّ أهلها بقيادة أبي عَرام [ربما أبي عرم]، ويوسف بن هرموش هاجموا منزل السّباهي المكلّف بجمع الضّرائب، محمّد بن الحَنَش(17).
اللّافت هو حمل مظفّر لقب “الشيخ”، وحمل علي ابن أخيه لقب”الأمير”. إلّا أنّ لقب “الشيخ” يماثل في العديد من العشائر والبلدان لقب “الأمير”. فشيخ القبيلة هو بمثابة أمير لها، وشيوخ بعض الدول والإمارات العربيّة هم أمراؤها وملوكها. وحمل مظفّر لقب “الشيخ” عائد، في رأينا، إلى صفة دينيّة متأتِّية من انضمامه إلى سلك رجال الدين، وهو بهذا يشبه أميراً تنوخيًّا معاصراً له هو الشّيخ أحمد العينابي المعروف باسم بلدته عيناب، كما يشبه أميراً آخر معاصراً له كذلك هو الشّيخ بدر الدين حسن العنداري.

تزعُّم آل علم الدين الغرضيّة اليمنيّة
حملت القبائل والعشائر العربيّة النازحة من الجزيرة العربيّة نزعاتها القبليّة والعشائريّة، وتعصَّبت كلٌّ منها للطّبقة التي تنتمي إليها من الطبقات التالية: الفخذ المعروف حاليًّا بالجبّ، والبطن، والعمارة، والعشيرة، والقبيلة، والشَّعب (بفتح حرف الشين) (18). كما تعصَّبت لأصولها الأولى الرّئيسة، وتأطَّرت تحت مجموعتين كبيرتَين هما عرب الشمال، أي القيسيّة أو العدنانيّة، وعرب الجنوب، أيّ اليمنيّة أو القحطانيّة. وحملت القبائل والعشائر العربيّة هذين الانتماءين، اللَّذَين سُمِّيا الحزبيَّتَين (القيسيّة واليمنيّة) إلى كل المناطق التي انتقلت إليها، وحتى إلى إسبانيا (الأندلس). إلاّ أنّ هاتين الحزبيَّتَين لم تظهرا عامل تفرقة ونزاعات وحروب في المقاطعات اللبنانية إلا في عهد الأتراك العثمانيين الذين شاؤوا خلق الصراعات بين زعماء العشائر وتفريقهم فيما تكتَّل هؤلاء تحت لواءي القيسيّة واليمنيّة في صراعهم من أجل المحافظة على النفوذ وزيادته.
كان المناذرة اللّخميون بفروعهم الأربعة: آل أرسلان وآل تنوخ وآل عبد الله وبني فوارس، يمنيِّين، فيما كان المعنيُّون والشّهابيُّون قيسيِّين. وكان هناك إلى جانب هذه الأسر الحاكمة للمقاطعات اللّبنانيّة أُسَرٌ يمنيّة وقيسيّة عِدّة. إلاّ أنّ الولاء للقيسيّة واليمنيّة لم يكن ثابتًا ومستمرًّا في كل الأحوال وجميع الأزمان، بل كان يتغيّر تبعاً للواقع السياسيّ والظروف والمصالح. ومن وجوه ذلك أنّ آل أبي اللمع المتحدّرين من أصل بني فوارس اليمنيين كانوا في مطلع العهد الشهابي قيسيِّي الولاء، وأن البحتريين التنوخيين اليمنيين ناصروا المعنيين القيسيين.
سعى الأمير فخر الدين المعني الثاني لتوحيد أبناء المقاطعات اللبنانية على مختلف أديانهم ومذاهبهم وغرضيّاتهم، وحاول الجمع بين القيسيّة واليمنيّة، مضمِّنا عَلَمه شعار القيسيين الأحمر وشعار اليمنيين الأبيض. لكن النّزعة الحزبيّة ظلّت كامنة في النفوس تستيقظ أو يوقظها الولاة العثمانيون، وظلّت تشكّل عامل تفرقة وعدم استقرار بين أمراء المقاطعات اللبنانية.
انضوى آل علم الدين اليمنيّون تحت شعار اليمنيّة المتّخذ في المقاطعات الللبنانية، عند الموحِّدين الدروز، وهو اللون الأبيض وزهرة الخشخاش، وهتفوا تحيّةَ اليمنيِّين المعتمدة أثناء التجمُّعات وأثناء السّير إلى القتال، وهي”يا آل المعروف”. والمعروف ضد المنكر، ومن معانيه الجود والكرم، وهو لقب جميع الموحِّدين الدروز المحبَّب إليهم، ثم صار اسما للموحِّدين الدّروز في سورية. أمَّا شعار القيسيين فكان اللون الأحمر وزهرة السّوسن، وتحيّتهم هي”هوبر”، وأصلها “هو البار”، أي هو الله تعالى.
ظهرَ آل علم الدين في عهد الأمير فخر الدين الثاني من قادة اليمنيين الذين وقفوا ضدّه أثناء حملة أحمد حافظ باشا عليه سنة 1613، وأثناء حملة أحمد الكجك باشا عليه سنة 1633. ثم ظهروا رأس الحربة اليمنيّة في مواجهة ورثته بين سنتَي 1633 و1697، وبعد ذلك في مواجهة الأمراء الشهابيّين في بداية تسلُّمهم لإمارة الجبل بعد المعنيِّين.

الشيخ مظفّر علم الدين العنداري
برز دور الشيخ مظفّر العنداري عند قدوم حملة أحمد حافظ باشا على فخر الدين، وذلك حين توجّه إليه ووضع نفسه في خدمته، فأعطاه الحافظ “الغرب” والجرد والمتن، وأمره أن يجمع رجال هذه المناطق ويسير بهم إلى رأس الشّوف ثم إلى الشويفات. لقد كان لآل علم الدين مقاطعة الجرد، وأحيانا المتن، لكنَّ حافظ باشا أعطى للشيخ مظفّر زيادة عليها “الغرب” مكافأة له على انضمامه إليه، وقتاله مع عسكره ضد فخر الدين.
خاض الشيخ مظفّر برجال “الغرب” والجُرد والمتن غِمار القتال ضدّ أهالي عين زحلتا والباروك وسائر قرى رأس الشوف، واستمرَّ القتال طوال نهار كامل، “وكان الحرب بينهما سجالاً تارة لهؤلاء وتارةً لهؤلاء لأنّ الجميع أولاد البلاد يعرفون مظنّات بعضهم بعضاً”، ما اضطرّ حافظ باشا إلى إرسال نجدة للشيخ مظفّر الذي كان مهزوماً، فعاود الهجوم على أهل الشوف، فارتدّ هؤلاء إلى نبع الباروك حيث ثبتوا هناك، ثم ما لبثوا أن انسحبوا عند قدوم عسكر الحافظ وأنصاره لنجدة الشيخ مظفّر(19).
تابع الشيخ مظفّر العنداري اشتراكه في القتال ضد الأمير فخر الدين، فحضر برجاله مع أحد قادة الحافظ (حسين آغا) إلى عْبَيه حيث كبسوا الأمير ناصر الدين التّنوخي، وحاصروه وأحرقوا عْبَيه. ثم عاد وساهم مع ابن سيفا في حرق بعض قرى الشّوف(20).
استطاع الأمير علي بن فخر الدين، وعمّه الأمير يونس، إعادة جمع أنصار المعنيّين، وقدِم إليهم حليفهم علي الشهابي من وادي التّيم، وهاجموا رجال الشيخ مظفّر وحليفه ابن سيفا عند عين الناعمة. وهناك وقعت كبرى المواقع الأربع التي دارت في يوم واحد وانتصر فيها الأمير علي المعني وحلفاؤه. وقد هُزم الشيخ مظفّر في الناعمة وقُتلت فرسُه، وانسحب مع ابن سيفا إلى عكّار حيث أقام في قرية شدره، وظلّ فيها إلى ما بعد عودة فخر الدين من أوروبّا سنة 1618. ثم إنه لجأ إلى قلعة الحصن ليشترك مع ابن سيفا في الدّفاع عنها عندما ذهب فخر الدين إلى عكّار للانتقام من آل سيفا. لكنّ الأمير فخر الدين راسل الشيخ مظفّر بعد انتصاره على ابن سيفا، وأعطاه الأمان، واستقدمه “وأعطاه حكم بلاد الجرد لأنّ أصله منها وأجداده من قديمٍ حكّام بها”(21). وفي هذا الكلام الذي أورده الخالدي في تاريخ فخر الدين دلالة على توطّن آل علم الدين لعين داره بعد انتقالهم مباشرة من رمطون.

الأمير فخر الدين
الأمير فخر الدين

الأمير علي علم الدين العنداري
عُرف الأمير علي علم الدين بلقب”العنداري”. وعُرف أيضا بلقب اشتهر به أكثر من اللقب الأوّل هو”اليمنيّ” لترؤُّسِه الحزب اليمني في صراعه ضد المعنيين زعماء الحزب القيسي.
وكما انضمّ الشيخ مظفّر علم الدين العنداري إلى أحمد الحافظ باشا عند قدومه سنة 1613 لمحاربة الأمير فخر الدين، كذلك انضمّ ابن أخيه (الأمير علي) إلى أحمد الكجك باشا عند قدومه سنة 1633 لمحاربة فخر الدين. فأعطاه الكجك ولاية الشوف إضافة إلى إقطاعه. وبهذا دخل في صراع مع ابن أخي الأمير فخر الدين (ملحم يونس) على إمارة الشوف، إذ إنّ الأمير ملحم ترك مخبأه وحضر إلى الشوف، وهاجم سنة 1635 الأمير علي في المقيرط(22) حيث انتصر عليه، وقتل مدبّر الكجك، فوصل هذا مع أخبار الاضطرابات التي أثارها الأمير ملحم في الشوف إلى السلطان مراد الرابع العثماني، فأمر بإعدام الأمير فخر الدين الذي كان سجينا في الآستانة منذ سنة 1633.
بعد ذلك بقي الأمير علي علم الدين ينازع الأمير ملحم المعني على الإمارة لسنوات، مستقوِيًا بوالي دمشق. ومن المواقع التي خاضها الاثنان، بالإضافة إلى موقعة المقيرط التي ورد ذكرها، ما يلي:
• موقعة قب الياس سنة 1633 التي انتصر فيها الأمير علي وعسكر الشام على القيسيّة، وكانت نكبة لآل العماد(23).
• موقعة أنصار سنة 1638 التي تغلّب فيها الأمير ملحم على الأمير علي، وأولاد علي الصغير، وأصحاب الأغراض من اليمنيّة(24).
• موقعة وادي القرن سنة 1650 التي انتصر فيها الأمير ملحم والشهابيون على الأمير علي وعسكر الشام الذي يساعده(25).
كان الأمير علي علم الدين مثالاً في الرّجولة والشجاعة، ومثالاً في الوقت نفسه في البطش والإجرام. ومن الشواهد على رجولته وشجاعته البطولات التي أبداها في حرب السلطان العثماني مراد الرابع في العراق ضدّ شاه العجم، ما رفع منزلته عند السلطان وجعله من المقرَّبين إليه. ومنها أنه حين كان في السّرادق أمام السلطان، من جملة القوَّاد الماثلين أمامه، حصل اضطراب في الجيش سببه اقتحام أسدٍ ضارٍ لصفوفه وبطشه بمن لقيهم. وحين علم الأمير علي بذلك انتضى سيفه وكرّ على الأسد وصرعه بضربة واحدة، وعاد إلى السّرادق وكأنّ شيئا لم يحدث، فأثنى السلطان عليه.
ومن وجوه بطش الأمير علي علم الدين، وإفراطه فيه، فتكه بأقاربه الأمراء التنوخيِّين كبارا وصغارا سنة 1633 بعد تسلُّمه حكم الشوف، أثناء حملة أحمد الكجك باشا على الأمير فخر الدين الثاني. وسبب ذلك هو حقده عليهم لمناصرتهم خصومه المعنيِّين.
وقد اعتقد الكثير من المؤلِّفين أنّ التنوخيين أُبيدوا وانقرضوا سنة 1633. وفي الحقيقة أنه بقي منهم أُسَرٌ عديدة، هي بأسماء الأجداد المتأخِّرين لا باسم البحتريين التنوخيين، وهذه الأُسر معلومة وموجودة حتى اليوم في بعض قرى الشحّار(26).

الأميران موسى ومنصور علم الدين
من الطبيعي أن يطمح آل علم الدين إلى توسيع إقطاعهم في الجرد ليشمل المتن والغرب والشوف، وليخلفوا المعنيِّين في إمارة الجبل، تشجّعهم على ذلك الدولة العثمانية التي أصدرت الحكم بإعدام الإمارة المعنيّة سياسيًّا يوم أَعدم السلطان مراد الرابع فخر الدين الثاني في الآستانة، وحين أنشأت الدولة العثمانية ولاية صيدا سنة 1660 لمراقبة الإمارة المعنيّة التي أتعبتها فأعدّ واليها محمّد باشا كمينًا لولدَي الأمير ملحم المعنيّ: أحمد وقرقماس، في عين مزبود سنة 1662، فقُتل الأمير قرقماس ونجا الأمير أحمد بأعجوبة.
كان الأمير علي علم الدين البديل عن الأمير ملحم المعنيّ في كل مرة تغضب عليه الدولة العثمانية، وتعزله بسبب عجزه أو تعجيزه عن ضبط الأمن وجمع الضرائب. وبعد وفاته سنة 1660 صار ولداه موسى ومنصور البديل عن الأمير أحمد بن الأمير ملحم المتوفَّى في سنة 1658، كما أنّ والي دمشق ولاّهما على حاصبيّا وراشيّا بدلاً من أصحابهما الأمراء الشهابيِّين، وكانت التّوجيهات والأوامر تصدر عبر الرسائل المتلاحقة إلى والي طرابلس، ووالي صيدا وبيروت، ووالي دمشق، ومُتسلِّم حلب، ومُتصرّف سنجق غزّة، وجميع القضاة والأعيان وذوي الشأن، أن يتعاونوا لتسليم الحكم إلى الأمير موسى علم الدين، وعزل الأمير أحمد المعني وملاحقته والقضاء عليه وإنهاء الاضطرابات التي يثيرها، ومصادرة جميع أمواله المنقولة وغير المنقولة(27).
تسلَّم الأمير موسى الإمارة بدلاً من الأمير أحمد المعني، بمساعدة الدولة العثمانية، لكنه تنحَّى عنها سنة 1695 بسبب عجزه عن تحصيل الضرائب، وبسبب المعارضة التي لقيَها من الأهالي جرّاء تحريض الأمير أحمد المعني وابن شهاب لهم. وبما أنّ الدولة العثمانية كانت غاضبة على الأمير أحمد وتتّهمه بمساعدة الثائرين عليها في شمال جبل لبنان، أَصدرت الأوامر إلى والي طرابلس لإعادة الأمير موسى(28)، لكنّ الأمير أحمد استمرّ في الحكم حتى وفاته سنة 1697.
ورد اسم الأمير موسى مع اسم أمير آخر من آل علم الدين، هو الأمير نعمان كشاهدين في صك بيع “السّت الكبيرة أم الأمير نعمان الشهير نسبه الكريم” غرسة جوز مثمرة “إلى الشيخ أبي حرب ابن الشيخ محمّد علاء الدين الشهير بابن عطا الله، من قرية عين داره من بلاد الجرد عمل بيروت المحروسة” وذلك بتاريخ ربيع أوّل سنة1102هـ (كانون أوّل 1690م). وقد ورد ختماهما على ظهر الصّك مقابل إِمضاءَيْهِما ضمن دائرة: بنده نعمان مظفّر- بنده موسى آل مظفّر(29).

آل علم الدين واسترداد الإمارة الدرزيّة
توفِّي الأمير أحمد المعني بدون عقب، وانتهت بموته سلالة الأسرة المعنية الموجودة في الشوف. لكن المعنيِّين لم ينقرضوا إذ كان هناك أسرتان منهم، متخفِّيتان عن غضب الدّولة العثمانية، أولاهما في قرية إبل السّقي في الجنوب اللبناني، وثانيتهما في قرية عُرنة السُّورية الواقعة في السّفح الشّرقي لجبل حرمون، هي من سلالة الأمير علي بن فخر الدين الثاني(30).
اجتمع أعيان القيسيّة في السّمقانية لاختيار أمير عليهم يخلف الأمير أحمد المعني في حكم الجبل. ولما كان لا يوجد في الجبل أمراء قيسيُّون يختارون منهم أميراً، ولما كانوا لا يرضون بأمير يمني من آل أرسلان، ولا بأمير يمني من آل علم الدين، فقد شكَّل الأمراء الشهابيون القيسيُّون، حكام حاصبيّا وراشيّا في وادي التّيم، مخرجاً لهم سواء اتَّفقُوا على ابن أخت الأمير أحمد: الأمير بشير حسين أمير راشيّا، أو ابن ابنة الأمير أحمد: الأمير الصغير حيدر موسى، أمير حاصبيّا. ومن الطبيعي أن يكون قرار الدولة العثمانية هو الأساس أولا وأخيراً. وهكذا كان، إذ تفيد الوثائق العثمانية عن قبول السلطان بتولية أميرٍ شهابي على”جبل الشوف” هو أوّلاً الأمير بشير حسين، وبعده الأمير حيدر موسى حين يبلغ سن الرشد.
فضّل القيسيُّون الدروز أميراً شهابيًّا قيسيًّا من غير مذهبهم وغير منطقتهم على أمير يمني من مذهبهم ومنطقتهم، مغلِّبين عامل الانتماء الحزبي على عامل الانتماء المذهبي، إذ إن مذهب الشهابيِّين هو المذهب السُّنِّيّ، فخسر الموحِّدون الدروز الإمارة التي كانت لأُسَرِهم منذ الإعلان عن مذهب التوحيد سنة1017م، وكانت لأسلافهم منذ أن قدموا إلى جبل لبنان سنة759م.
كانت الموافقة العثمانية على الأمير بشير الشهابي الأوّل مشروطة بتأدية الأموال المترتِّبة عليه، والأموال المتأخِّرة على الأمير أحمد المعني. وقد تكفّل الأعيان الذين اجتمعوا في السمقانيّة بتسديد الأموال المتأخِّرة، وهذا أمَّن موافقة الدولة العثمانيّة. ثم جاءت مقدرة الأمير بشير الأوّل على جمع الضّرائب في منطقة التزامه من كسروان إلى صفد، وفرض هيبته، وتغلُّبِه على خصومه، لتؤمِّن استمراريّته في الحكم حتى سنة 1706 حين دسّ له أنصار الأمير حيدر موسى الشهابي السّمّ في الحلوى ومات. فانتقلت الإمارة إلى الأمير حيدر بموافقة الدولة العثمانية، المشروطة بتأديَة الضرائب المطلوبة منه والمتأخّرة على الأمير بشير.
لم يَرْضَ اليمنيُّون وعلى رأسهم آل علم الدين، بتوليَة الأمير بشير الشهابي الأوّل على الجبل، لكنهم في بادئ الأمر لم يقرنوا عدم رضاهم، ولم يقرنوا معارضتهم، بالتحرّك الميداني، وبالعمل لعزل الأمير الشهابي، وتسلّم الإمارة بدلاً عنه كما كانوا يفعلون سابقاً مع الأمراء المعنيِّين، لأنهم ما كان بمقدورهم ذلك إلا إذا تأخّر الأمير الشهابي عن ضبط الأمن، وتأدية الضّرائب للدولة العثمانيّة في أوقاتها، وإلاّ إذا حرّضتهم الدّولة العثمانيّة على مناهضته. وقد حصل ذلك في عهد الأمير الشاب حيدر الشهابي الذي عجز عن حفظ الأمن وتأدية الضرائب، فاعتبرته الدولة، بتعليماتها الصادرة في سنتي1707 و1708، عاصياً يجب طرده، وتعيين بديل عنه، لأنّه تمنّع عن دفع المترتّب عليه، وماطل وزعماء الدروز في ذلك.
آنذاك ظهر منافس للأمير حيدر الشهابي هو محمود أبو هرموش، من أسرة بني الشويزاني العريقة. كان نائبه في جمع الضرائب من جبل عامل. وقد تقرّب من والي صيدا، واستحصل منه على لقب الباشويّة. ثم تعاون مع آل علم الدين والأرسلانيّين، الذين تظاهروا ضد الأمير حيدر، فعجز الأمير عن الوقوف في وجه هذا التكتّل المدعوم من والي صيدا، وترك مَقرّ إمارته في دير القمر سنة 1709، ولجأ إلى غزير، وبعد طرده منها من قِبل خصومه لجأ إلى الهرمل واختبأ في مغارة فاطمة المعروفة أيضا بمغارة عزرائيل.
تسلّم آل علم الدين حكم الجبل بعد خلع الأمير حيدر الشهابي، لكن تجربتهم فيه كانت، كسابقاتها في العهد المعني، غير ناجحة، إذ لاقوا الصعوبات في جمع الضرائب، ولم تفسّر الأكثريّة الدرزيّة القيسيّة في الجبل تسلّمهم للحكم أنّه استعادة للإمارة الدرزية، بل فسَّرَته استعادة لنفوذ يمني لا يريدونه، فبدأوا يتصلون بالأمير حيدر، ويطلبون عودته، فترك مخبأه في الهرمل وعاد إلى الجبل في أوائل سنة1711، ونزل عند حلفائه اللّمعيين في رأس المتن، حيث بدأ القيسيون يتوافدون إليه ويتجمّعون لمحاربة اليمنيين، ثم التحموا معهم في موقعة عين داره حيث انتصر الأمير حيدر، وعاد إلى الحكم قاضياً بمساعدة القيسيّين له على محاولة آل علم الدين ومحمود باشا أبو هرموش استعادة الإمارة، إذ بات التّنافس بعد ذلك على إمارة الجبل محصورا بالأمراء الشهابيّين الذين استمرُّوا في الحكم إلى حين عزل آخر أمير منهم في سنة1841 هو الأمير بشير الثالث.

نهاية آل علم الدين والحزب اليمني
تقع عين داره إلى الغرب من مَمَرِّ ضهر البيدر عند المدخل الشرقي لجبل لبنان الجنوبي، وعلى مفترق الطرق المؤدّية إليه، والذاهبة منه إلى البقاع. اكتسبت بموقعها المميّز أهميّة استراتيجيّة، ربما أعطتها أحد معاني اسمها: دار الحرب. واكتسبت بخراجها الواسع، الغني بالمراعي والأراضي الخصبة والمياه، أهميّة اقتصاديّة سمحت بسكنها وتزايد سكّانها، ما أعطاها أحد معاني اسمها: عين البيوت والمساكن.
كانت عين داره مقرّ آل علم الدين ومركز إقطاعهم بعد تركهم لرمطون، ثم كانت في سنة1711 مركزاً لتجمّع أنصارهم، ورجال محمود باشا أبو هرموش، بقصد أن يهاجموا، بعد استكمال حشدهم، جموع القيسيّين التي تلتقي في رأس المتن. وكان آل علم الدين يتوقّعون وصول والي دمشق الذي حضر لنجدتهم ونزل في قب الياس، ووصول والي صيدا الذي حضر لنجدتهم أيضا ونزل في حرج بيروت. لكن الأمير حيدر قام بمغامرة جريئة إذ هاجم على رأس رجاله القيسيِّين عين دارة بشكل كَبْسة ليل الجمعة في 15محرّم 1123هـ (5 آذار 1711)، وتمكّنوا بفضل عنصر المفاجأة وكثرة العدد من التغلّب على اليمنيِّين وقتل خمسمائة رجل منهم، ومعظم قادتهم بمن فيهم بعض أمراء آل علم الدين، فيما أُسِر أربعة من هؤلاء أو ثلاثة، هم منصور وأحمد ويوسف، الذين أجهزَ عليهم الأمير حيدر على نبع الباروك. وحين علم واليَا دمشق وصيدا بالنتيجة عادا إلى مقرَّي ولايتيهما ليتعاملا مع الواقع الجديد، ومع المنتصر، إذ كان الهمّ الأساس عند الولاة ضبط الأمن وجمع الضرائب أكثر من هُوِيّة الأمير الحاكم.
أُسِرَ محمود باشا أبو هرموش في الموقعة، لكن الأمير حيدر لم يقتله احتراماً للقب الباشويّة، واكتفى بقطع لسانه وإبهاميه. ثم إنه هدم قصره في السمقانيّة، وقصر أخيه هزيمة في بعقلين.
كان من نتائج هزيمة اليمنيين، في موقعة عين داره، إعادة الأمير حيدر الشهابي توزيع الإقطاع، ما أدَّى إلى بروز مشيخات درزيّة جديدة، منها آل تلحوق الذين فتكوا بآل حمدان اليمنيِّين المقيمين في قرية كفرا(الغرب)، وآل عبد الملك الذين فتكوا بالتعاون مع آل شيّا، ببني هرموش اليمنيين المقيمين في مجدل بعنا، الواقعة في الجرد، والتي لا زالت فيها حارة وبيادر في خراجها تعرف باسمهم، كما أنه ظلّت لهم أملاك مُسجّلة باسمهم حتى أوائل النّصف الثاني من القرن العشرين(31). وقد ذكرت الوثائق العثمانية قائدًا لسكّان عين داره في سنة 1564 إبّان تمرّدهم على الدولة العثمانية، وامتناعهم عن دفع الضرائب، اسمه يوسف بن هرموش، ومن المرجَّح أنّ هذا هو من أقارب آل أبو هرموش في مجدل بعنا، لكنّنا لا نعلم إذا كان هؤلاء أقارب محمود باشا أبو هرموش، أم أنّ ما يجمعهم به هو الاسم”هرموش” فقط، مع العلم أنّ اسم العائلة”هرموش” أو”أبو هرموش” هو واحد. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أن آل هرموش كان لهم إقامة في بلدة نيحا، ولهم ملكيّات عقاريّة بالقرب منها، في مرج بسري، وفي منطقة جزِّين.

آل العبد الله في الخيام يعتقدون بتحدرهم من آل علم الدين التنوخيين
آل العبد الله في الخيام يعتقدون بتحدرهم من آل علم الدين التنوخيين

عدم انقراض آل علم الدين
كما أخطأ الكثير من المؤرِّخين حين حكموا بانقراض المعنيِّين بعد موت الأمير أحمد المعني بدون عقب سنة 1697، كذلك أخطأ الكثير منهم حين حكموا بانقراض آل علم الدين في موقعة عين دارة. فمِمّا لا شك فيه أنّ مَن حضروا هذه الموقعة من آل علم الدين أُبِيدوا فيها أو أُبِيدوا بعد أسْرِهم. وممّا لا شكّ فيه أيضا أنّهم لم ينقرضوا، ذلك أنّ بقاياهم ظهرت حسبما يروى في مكانين، هما بلدة الخيام ومدينة دمشق. وعن وجودهم في بلدة الخيام يقول أمين بك آل ناصر الدين ما يلي:
“يؤكِّد آل عبد الله في(خيام مرجعيون) ومن كبار زعماء الشيعة في جبل عاملة أن لديهم من الاستدلالات التاريخية الثابتة ما يرجعهم إلى آل علم الدين التنوخيين، وأنّ جدّهم نزح من مواطن التنوخيين في مشارف الغرب والجرد إلى بلدة الخيام واستقرّ فيها، وكان من نسله هذه الأسرة الكبيرة المعروفة اليوم بآل عبد الله، وكتب إلينا الحاجّ علي عبد الله مفتي مرجعيون يزيد على هذا التأكيد، أنّ في حيازة الأسرة كتابًا خطيًّا قديما موسومًا بهذه العبارة: لقد دخل هذا الكتاب في ملك موسى ابن علم الدين التنوخي من آل عبد الله القاطن بالخيام من أعمال مرجعيون سنة 750 للهجرة”(32).
إنّ الكلام الوارد أعلاه غير قابل للنقاش عندنا إلاّ فيما يتعلّق بتاريخ الكتاب الذي دخل في ملك موسى ابن علم الدين وهو سنة 750 للهجرة، إذ إن هذه السنة توافق سنة 1349م، وهي سنة لم يكن فيها، حسبما جاء في تاريخ بيروت لصالح بن يحيى وتاريخ ابن سباط، أمير من آل علم الدين اسمه موسى.
ويورد أحمد أبو سعد عن نسب آل عبد الله الكلام التالي: “أمّا المسلمون الشيعة من أبناء الخيام، فهؤلاء يرجع نسبهم كما يروي أحد أبنائهم إلى آل عبد الله التنوخيين، وما يزال البعض منهم مسجَّلاً في جدول الإحصاء القديم باسم التنوخي، والمنقول أنهم جاؤوا تلك البلدة في منتصف القرن 16، واتَّخذوها وطنًا لهم، وأوّل من جاء منهم موسى بن علم الدين التنوخي وبصحبته ولده عبد الله الذي أورث الأسرة اسمه”(33).
كانت دمشق ملجأ آل علم الدين الأول في كل مرّة ينهزمون فيها أمام المعنيّين، حيث يستظلُّون بحماية الولاة الذين يناصرونهم. ومن بقاياهم فيها أسرة مسلمة سنِّيَّة كانت أخبار نسبها ومذهبها الدرزي معلومة عند أفرادها، مجهولة عند غيرهم وعند المؤلِّفين، إلى أن كشف ذلك أحد أبنائها، عزّ الدين علم الدين التنوخي، الذي أعلن هُوِّيَّته وأصله في الثلاثينيات من القرن العشرين، فقال: “إنه من أصل آل علم الدين التّنوخيِّين”. وقد كان عضو المجمع العلمي في دمشق وأحد أساتذة جامعتها. وتسلَّم مديريّة المعارف في محافظة جبل العرب سنة 1945، وله الفضل في تكريس اسم الجبل رسميًّا (جبل العرب)، بعد أن كان اسمه في عهد الانتداب الفرنسي: جبل الدروز.
اشترك 1800 ضابط وجندي درزي من جبل العرب بتحرير الجبل من الفرنسيِّين في أواخر أيّار 1945. واشتركت في الوقت نفسه قوّة من الخيّالة الدرزية، وبعض المجاهدين الدروز، في الدفاع عن دمشق عند مهاجمة الفرنسيِّين لها يومي 29 و30 أيّار 1945، فكان هذا مبعث فخر عند عزّ الدين علم الدين التنوخي بقومه الدروز، وبقائد الثورات السورية التحرُّريّة: سلطان باشا الأطرش، فارتجل في الجامع الأموي البيتين التاليَين:
يـــــــــــــــا معشر المستعمريـــــــــــــن ترحّلـــــــــــــوا قَومي الدروز تكفَّلوا الترحيلا
سَيغولكم سلطان يهزم جمعكم فيريكــــــــــــــم يـــــــــــــوم الحســـــــــــــاب ثقيــــــــــــــلا

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي