الإثنين, شباط 24, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الإثنين, شباط 24, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الشيخ هاني باز رضوان (1903 – 1996)

ولد الشيخ هاني باز رضوان في مدينة “عاليه” في الثالث من شهر شباط، في سنة 1903. في تلك الفترة من الزمن كان الفقر والجوع يخيمان على معظم المناطق اللبنانية ومنها “عاليه” وكانت يومها مركز المحكمة التركية، وكانوا يسمونها بالعامية “العرفة” وفيها مشنقة لمن تراوده نفسه العصيان والتمرد على أوامر حكم الأتراك في الدولة التركية.
وكان معظم الناس يعيشون على الزراعة وخيرات الأرض. وقد نشأ الشيخ هاني في هذه البيئة وأحاطت به ظروف شظف العيش على هذا النمط. وما أن بلغ السادسة من عمره حتى التحق بالسنة الأولى الابتدائية في مدرسة الجامعة الوطنية في عاليه، وكانت في بداية تأسيسها إذ تأسست في سنة 1907م.
وكانت المدرسة كناية عن بضع غرف وعدد من المقاعد الخشبية البسيطة وكان العلم فيها هو المرتجى والمطلوب. وقد ظهرت على الشيخ هاني منذ حداثته علامات النجابة والذكاء فكان الأول في صفه طوال سنوات دراسته، وقد قال عنه رئيس الجامعة الوطنية الأستاذ إلياس شبل الخوري: «كان التلميذ هاني ينهي صفين في كل سنة ويفوز بالأولية في صفه».
وهكذا أنهى التلميذ هاني المرحلة الابتدائية ثم انتقل إلى المرحلة المتوسطة، فكان ينهي دراساته في كل سنة صفين. ثم اندلعت الحرب الكونية الأولى في سنة 1914 وازدادت حالة البلاد سوءاً فاضطر هاني إلى الرحيل عن بلدة “عاليه” تخلصاً من شبح الحرب والفقر والجوع متجهاً نحو السويداء في سوريا حيث كانت تقيم عائلة رضوان، حيث بقي إلى نهاية الحرب العالمية الأولى في سنة 1918، ليعود في نهايتها إلى موطنه لبنان.
التحق بعد عودته بمدرسة الجامعة الوطنية، وطلب من مدير المدرسة الأستاذ إلياس شبل الخوري العمل في أثناء العطل المدرسية لقاء قبوله في المدرسة، فكلّفه بمساعدة النجَّار الذي كان يصلح مقاعد المدرسة في خلال العطلة الصيفية. وأخذ هاني يعمل ويجتهد ويسهر الليالي الطوال منكبّاً على دروسه لا يضيِّع دقيقة من وقته، حتى أنهى الصفوف الثانوية ونال شهادتي البكالوريا القسم الأول والقسم الثاني بتفوق ملحوظ وبدرجة امتياز بين تلاميذ صفه.
انتقل بعدها إلى سوريا لإكمال دروسه الجامعية، فالتحق بجامعة الحقوق في دمشق مكمِّلاً دراسته العليا.
ولكن القدر الغاشم أبى أن يصبح الطالب الجامعي محامياً، إذ أصيب “بداء الجنب” بعد إتمام نصف المرحلة الجامعية وعاد إلى لبنان ليدخل المستشفى الألماني في بيروت ويبقى سنة كاملة طريح الفراش. وقد نصحه طبيبه المعالج عدم العودة إلى دمشق لإتمام دراسته، وكان طُلب منه التدريس في سوريا في السويداء، فنصحه الأستاذ إلياس شبل الخوري قائلاً له: “ما دمت تريد التدريس فمدرستك الجامعة الوطنية أولى بك من غيرها”. ونزولاً عند طلب الأستاذ إلياس بدأ هاني باز رسالته التعليمية في الجامعة الوطنية في “عاليه” حيث بقي يدرِّس ويعلِّم ويهدي ويرشد. وكان محباً مخلصاً لتلاميذه مقدراً محترماً من الأساتذة والطلاب.
وبالإضافة إلى تدريسه في الجامعة الوطنية أسس الأستاذ هاني باز مدرسة أسماها: “روضة التهذيب الخيرية”. تزوج الآنسة هنا سليمان عبيد من عاليه في العام 1930، وهي من بيت تقوى ودين، تربت على أخلاق فاضلة وتسامح لا يوصف، فكانت من الموحدات الطاهرات الدرزيات. وقد أُقيم لوالدتها مقام أو مزار للتبرك به بإمرٍ من المشايخ الأتقياء المعاصرين لها.
رزق الأستاذ هاني وزوجته هنا ثلاثة أولاد حليم وواصف وسامية، تربوا على أساس الصالح العام، وعلى التقوى والفضيلة ومكارم الأخلاق، متأثرين بوالدهم ووالدتهم بسلوكهم الصراط المستقيم.
استمر الشيخ بالتدريس والتعليم في الجامعة الوطنية، فكان مثالاُ يُحتذى للمربي الفاضل والمرشد والمعلم والموجه. أسس في عام 1965 بالإضافة إلى تدريسه في رحاب الجامعة الوطنية مدرسة راقية أسماها “كلية عاليه الجديدة” مع أخوته، فأقبل عليها الطلاب من جميع أنحاء جبل لبنان، اتسعت رقعة المدرسة وكبرت نشاطاتها.
بعد مضي ثلاث سنوات على استلامه وإخوته الثلاثة مدرسة الجامعة الوطنية ولأسباب خاصة اتفقوا على إعادة مدرسة الجامعة الوطنية في “عاليه” إلى عهدة الأستاذ إلياس شبل الخوري.
سافر الشيخ هاني في العام 1965 مع ابنته سامية إلى الولايات المتحدة الأميركية لحضور حفل تخرج ولده واصف كمهندس في الكيمياء. وفي أمريكا التقى بجميع أفراد الجالية اللبنانية فأقيمت له ندوات تكريم وقف فيها واعظاً مرشداً وهادياً في أبناء طائفته الموحدين الدروز القاطنين في الولايات المتحدة الأمريكية والذين توافدوا للقائه والاجتماع به من مختلف الولايات، وقد أمضى عدة أشهر متنقلاً بضيافة هؤلاء ملبياً دعوة جميع الأصدقاء والمحبين.
بعد عودته من الاغتراب إلى أرض الوطن. عيِّن عضواً في المجلس الروحي الأعلى بعهدة الشيخ محمد عبد الصمد، وكان أميناً للسر في المجلس الروحي المذهبي.
وعندما أُنتُخب الشيخ محمد أبو شقرا شيخاً للعقل للطائفة الدرزية جيء به عضواً في المجلس المذهبي للطائفة الدرزية. كما أنه ترشح لمشيخة عقل عندما شغر مقام المشيخة اليزبكي. وقد أجمعت آراء نواب الدروز على انتخاب الشيخ هاني باز شيخ عقل عن المركز اليزبكي الشاغر، ولكن الانتخابات لم تتم في ذلك الحين لأن حالة البلاد كانت في وضع حرج.
مثَّل الطائفة الدرزية مع رفيقين له في المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في القاهرة والذي دعا إليه شيخ الأزهر الشريف في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
وقد أُقيمت لقاءات واحتفالات تكريم لهذا الوفد في هذه المناسبة. وكان للشيخ هاني قصيدة في مدح الرئيس جمال عبد الناصر، نالت إعجاب الحاضرين.

كتب ومخطوطات

انصرف الشيخ هاني في أواخر سنيّ حياته إلى الكتابة وتحبير المقالات والخطب والمحاضرات، وكان يقضي معظم أوقاته في البحث والتنقيب والتأليف. والكتاب الوحيد الذي طبع بعد وفاته في سنة 1999 كان لدار إشارات للطباعة والنشر والتوزيع لصاحبها المرحوم الشيخ سليمان تقي الدين الذي أسس هذه الدار وسعى إلى انتشارها في جميع الأقطار العربية وخاصة في لبنان، كان تحت عنوان: “المصير الإنساني”. وهنا، نترك الكلام لصاحب “التوطئة” د. أنور فؤاد أبي خزام، فماذا قال عن المؤلف وقد عرفه في حياته معرفة حقيقية:

«… ينتمي الشيخ هاني باز رضوان إلى جيل من المثقفين عرفه لبنان والبلاد في العقود الأولى للقرن العشرين، فهو أستاذ متمكِّن في اللغة العربية، وفكره مُنتسب إلى هذه الشريحة المثقفة التي كوَّنت مجموعة الأدباء والشعراء العرب في بدايات القرن المعاصر. إنَّ هاجس هؤلاء الأدباء كان هاجساً متعلقاً باللغة والأخلاق، فمن الزاوية اللغوية كان هنالك تشديد كبير على قيم أخلاقية سابقة للتطور السريع الذي حدث في القرن العشرين. أمّا الذي يجعل الأعمال الفكرية للشيخ هاني تأخذ منحىً فريداً ومستقلاً فهو أنه تمسك بالنظرة الدينية التوحيدية للكون والوجود واعتنقها بإيمانٍ خالص وتصديق تام وأضافها إلى رؤيته للقيم الروحانية والأخلاق. لقد كان صورة صادقة لأبناء عصره من حيث التقوى والورع من دون تقوقع وانطواء، وتأكيده على وجوب تسهيل السلوك الديني والتخفيف من وطأة التقاليد والعادات التي لا تتعارض مع جوهر الدين جعلته من روّاد النهضة الدينية الداعية إلى جعل الدين سلوكية جادَّة وعملاً فعلياً وأسلوباً للعيش، وليس شكليات وتقاليد».
أمضى الشيخ هاني في التدريس والتعليم فترة خمس وعشرين سنة متواصلة، ونستطيع القول بأنه أدّى رسالة تربوية تعليمية على أكمل وجه، بكل عناية ومحبة وإخلاص وجهاد. فأحبه الجميع من طلاّب وأساتذة وأهل واحترموه. وكان سبَّاقاً إلى المكرمات يقضي معظم أوقات فراغه متنقلاً في رحاب الجامعة الوطنية وردهاتها وغرفها وملعبها ناصحاً مصلحاً هادياً مرشداً في بيئته ومجتمعه، فأحبَّه الجميع وأخلصوا له كل الإخلاص. ولم يكن له عدوّ واحد وإنما كان له حاسدون وليس أعداء.
أما كتبه التي بقيت مخطوطة فإنها تشمل المؤلفات العلمية والأدبية والروحانية، وهي جاهزة للطبع:
1- ديوان شعري، احتوى على قصائد روحانية تحت إشراف ابنته سامية.
2- كتاب علمي رصين بعهدة ابنته سامية.
3- في سيرة الشيخ الفاضل.
4- في الأمير فخر الدين المعني الكبير.
5- مسرحية تحت عنوان: “نحن والتاريخ” قدِّمت في عاليه، عام 1964.
6- مخطوطات متفرقة.
7- عشرات الخطب والمقالات والمحاضرات في مواضيع مختلفة.
كتب الشيخ هاني باز رضوان موضوعاً شيِّقاً في جريدة “الصفاء” بعث به من “عاليه” بتاريخ 15 آب 1932، ونشر في الجريدة بتاريخ 28 آب سنة 1932، العدد رقم 1364 تحت عنوان: “الفوضى الطائفة بالطائفة”. ضمَّنه شعوره وما يحصل من تفرقة وانقسام وتباعد حول شؤون الطائفة الدرزية، وقضية المدرسة الداودية في “عبيه” ومشيخة العقل، إلى غيرها من القضايا التي كانت ولا تزال عالقة منذ زمن ولم تتخذ بشأنها تدابير معالجتها والحؤول دون وقوع ما لا تحمد عقباه حولها.
وكان الشيخ هاني يرسل مقالاته وكتاباته، بين الحين والحين، إلى الشاعر أمين آل ناصر الدين لنشرها في جريدة “الصفاء” لتكون الصوت الداوي عند بحث الأمور المستعصية وشؤون الطائفة العالقة، وما أكثرها في ذلك الوقت.

روحانياته:

انصرف إلى كتابة القصائد الروحانية في أواخر حياته، إذ كان همَّه الأكبر أن ينظم الشعر، إلى جانب القيام بفرائض التوحيد عاملاً بمضامينها. عاش حياته بجدِّية وبجهد وتعب منذ نشأته حتى نهاية جيله. واجهته المصاعب فاستطاع بقوة إرادته وصبره وصلابة مواقفه وجرأته أن يطرد شبح الجوع والفقر والعوز وأن يردّ مظالم الحرب الكونية الأولى ما اضطره إلى الارتحال إلى جبل الدروز في عام 1914، معتمداً مسلك التوحيد منذ حداثته حتى أواخر أيامه.
وعندما استقر في لبنان، بعد عودته من “السويداء” حيث بقي فيها إلى العام 1991، بدأ يكتب أشعاره ويردد “روحانياته” بينه وبين خالقه.
وهذه القصائد، حسب ما نعلم، جُمعت في ديوان لا يزال مخطوطاً قامت بجمعه ابنته الست سامية التي نكنُّ لها احتراماً وتقديراً على جمع هذا التراث الغالي.
ونحاول هنا، أن نستشهد ببعض مقطعات روحانية، ذكرها الأخ الكبير الأستاذ عفيف سالم باز في كتابه: “ذكريات في حياتي”، عاليه، في سنة 2007. قال في قصيدة روحانية هذه الأبيات:

المسكيةُ في الحياةِ رسالةٌ

يحتاجُها الإنسانُ كلَّ زمانِ

فيها النجاةُ لكلِّ منْ يُعْنى بها

ويُقِرُّها في السِّرِّ والإعلان

عاليهُ إنْ عزَّتْ بفضلِ شُيوخِها

فَلَها الفَخارُ بهم بِكلِّ مكانِ

أبْقاهُمُ الرَّحمنُ أضواءً لنا

بِهِمُ نتوِّجُ التوحيدَ بِالعرفانِ

في الحكمةِ الفُضْلى خُلاصَةُ ما مَضى

إنْ كانَ في الإنجيلِ والقرآنِ

وعلَيْنا أن نُجْتني دَواني قُطوفِها

فالحِكمةُ الزَّهراءُ كالبستانِ

وقد قرض شيخنا الجليل البيتين السابقين بما يلي:

دقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ لهُ

اعقِلْ ولا تَعْمَلْ فإنَّكَ فاني

العمرُ مَحدودٌ وعيشُكَ زائِلٌ

إنَّ الحياةَ دَقائِقٌ وثَواني

فاعْمَلْ لِنَفْسِكَ ما يُخلِّدُ ذِكرَها

نَهْجُ الخُلودِ عِبادَةُ الرَّحمانِ

إنَّ التقيَّ مُخَلَّدٌ في قَومِهِ

والذِّكْرُ للإنسانِ عُمْرٌ ثاني

وفاته:

ألمَّ به مرض شديد أقعده مدّة سنتين بعد عودته من “السويداء” في سنة 1991، لكنَّ الله منَّ عليه بعد ذلك بالصحة التامة والعافية الكاملة إلى يوم دنا فيه رحيله فانتقل إلى دنيا الآخرة، وذلك في العاشرة من صباح يوم السبت في الثالث من شهر آب في سنة 1996.
فارقتنا روحه الطاهرة في رحلة أبدية وإلى حياةٍ سرمدية. وقد أقيم له مأتم حافل مهيب في مسقط رأسه “عاليه” مشى فيه الأعيان ورجال الدين والسياسيون وأهل الفكر والأدب ووفود من قرى وبلدات “عاليه” وبلدات الجوار والشوف والمتن وبيروت.
هذا هو الشيخ الفاضل هاني باز رضوان، الذي سعى في حياته إلى توحيد الكلمة بما يملكه من قوة وإرادة وبأس، بحيث استطاع بكل محبة وإخلاص أن يجمع حوله مئات التلاميذ ممن أحبوا الهداية والوعظ والإرشاد وكانوا بأمس الحاجة إلى العلوم والدين والمعرفة والفضائل الأخلاقية في مجتمعاته، فكان أستاذاً ومعلماً وهادياً لم يبخل أبداً بالعطاء والخير والهداية والتقويم، واظب على مجالس الذكر يُهدي ويرشد ويصحح، منكباً على الكتب الدينية الدرزية يستخرج كنوزها وجواهرها ولآلئها.
ألم يعطِ الأديب الكبير والناقد الفذّ مارون عبود فيه شهادة صادقة في كتبه وأمام تلاميذه وأمام الأساتذة، وكان مارون عبُّود مدير الدروس في الجامعة الوطنية في عاليه، إذ قال: «كان هاني باز المؤسس الحقيقي للجامعة الوطنية، فكان نعم المؤسس وأنا الباني على مدماكه.
كان أبيّ النفس، تقياً، عفيفاً، ورعاً، يخاف الله. مندفعاً إلى مساعدة الغريب، محبّاً للفقير، ناصحاً للمحتاج، يكاد لا يرفض طلباً لأحد»
رحمك الله رحمةً واسعة أيُّها المربي الفاضل، أيُّها التقيّ الورع، وسلامٌ عليك يوم ولدت ويومَ دُفنتَ ويومَ تبعثُ حيّاً.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي