الأحد, نيسان 28, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأحد, نيسان 28, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

السّويداء

[su_accordion]

[su_spoiler title=”السويداء ابنة التاريخ في أيامها السّود” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الدواعش يعاقبون السويداء لأنها وقفت ضد الإرهاب

السويداء هذه المدينة الأثرية التي تعود بتاريخها إلى أكثر من ألفين وثلاثمائة عام يوم دخلت تاريخ العمران كقرية نبطية أولى، ثم حملت مؤثّرات من فترة الاحتلالات الإغريقية (حضارة هيللينية) فـ: (رومانية) على أرضية عربية من ضجاعمة (قبيلة الضياغم) فسُلَيْحيين فغساسنة مسيحيين (بالتعارض مع مسيحية بيزنطة) تحت الحكم الرومي البيزنطي. فعربيّة مع الفتح العربي الإسلامي حيث كانت من إقطاع عمر بن عبد العزيز يوم كان أميراً قبل أن يصبح خليفة… ومرت بها الأيام السّود بعدها على يد تيمورلنك المغولي آن غزوه للبلاد وتدميره لها وتغويره ينابيعها مع مطلع القرن الخامس عشر الميلادي ــ عام 1401…).

نعم رزحت السويداء بعد ذلك في خراب مقيم وإلى أواخر القرن السابع عشر حيث دخلت ظلمة التاريخ ثم نكصت إلى قرية رعي صغيرة منسيّة(1) ولم تعد إلى الحياة الفاعلة إلّا بعد أن سكنتها عائلات الموحّدين الدروز في مطلع القرن الثامن عشر بُعيد انتقال الزعامة الحمدانية المعروفية إليها…

تفجير سوق الحسبة

هؤلاء الموحدون الذين أحْيَوا الموات في أرض السويداء لم يختاروها موطناً لهم برضاهم، فهم عبر الألف عام من تاريخ ظهور مذهبهم في مصر (1017م) كانوا ضحية الاستبداد المملوكي (1260 ــ 1516) الذي عجز عن مجاراة عصر النهضة في أوربا، وظل المماليك يأنفون الحرب إلا بالسيف والتّرس والرمح حيث سقطوا متهالكين تحت سطوة مدافع السلطان العثماني سليم “العابس”(2) ولكن العثمانيين ليسوا بأفضل من المماليك إذ سريعا ما انحدرت دولتهم إلى الانغلاق على نور الحضارة الذي أخذ ينتشر في أوروبا بينما هم دخلوا حالة من نكوص ماضوي؛ وفي عهدهم تقلّص انتشار الدروز وضُيّق عليهم خاصة بعد القضاء على ثورة الأمير فخر الدين المعني الثاني عام 1633م، وفيما بعد اضطرّ قسم كبير من العائلات الدرزية إلى اللجوء إلى جبل حوران بنتيجة التنازعات الاجتماعية في لبنان تلك النزاعات التي كانت تدعمها فرنسا الاستعمارية بالتعاون مع المارونية السياسية اللبنانيّة وأنانية الحكم الشهابي الحاقد والتواطؤ العثماني الذي كان يهدف إلى التخلّص من الدروز والموارنة معاً…

الموحّدون يقيمون مجتمعاً متماسكاً في السويداء

منذ مطلع القرن الثامن عشر وما تلاه نجح الموحدون في استزراع أراضي السويداء وأقاموا مجتمعاً زراعيا حضرياً متماسكاً، وكانوا سدّأً منيعاً في وجه الغزوات البدوية التي كانت تهدد سكان سهل حوران وغوطة دمشق لدرجة أنّ العثمانيين كانوا قبل منتصف القرن التاسع عشر يعفون أبناءهم من الخدمة العسكرية (القُرعة) للقتال في حروبهم في مستعمراتهم…
وفيما بعد اضطُرّ الموحدون للدخول في مواجهة مع العثمانيين عبر سلسلة متتابعة من الحملات العسكريّة شنّوها ضدهم بهدف تطويعهم وسحب شبّانهم إلى ساحات حروبهم الفاشلة، والحؤول دون استقلاليتهم النسبية التي حققوها بحيث أصبحت ديارهم ملجأ لكلّ هارب من الاستبداد العثماني في امبراطورية كبرى لم يحسنوا إدارتها والدخول بها إلى العصر الحديث.

معاناة الموحدين الدروز بعد خروج العثمانيين من سورية

قاتل الموحدون ضد العثمانيين في جيش الدولة العربية عام 1918من أجل دولة عربية حديثة متحرّرة من الاستبداد ومن التمييز الديني والمذهبي والقومي الذي مارسه العثمانيون على رعاياهم ولمّا جاء الاستعمار الفرنسي كانوا أكثر المتضررين من تقسيم البلاد فهم أسرة واحدة تنتشر في كافة أنحاء بلاد الشام التي تناولها تقسيم سايكس بيكو إلى أربعة أقطار؛ هي سورية الحالية ولبنان وفلسطين والأردن.
ثار الموحدون في وجه فرنسا من أجل الحريّة والكرامة والاستقلال عام 1922 وعام 1925ــ 1927 بما عُرِف بالثورة السورية الكبرى التي نادت بدولة ديموقراطية عصرية حرّة على أساس ما جاء في بيان الثورة الذي أعلنه قائدها العام سلطان باشا الأطرش؛ أنّ الدين لله والوطن للجميع، وقدموا الشهداء الأكثر من أجل استقلال سورية طلباً لهذا الهدف الجليل…

الموحدون وسواهم يعارضون  استبداد الشيشكلي

وبعد الجلاء عام 1946 لم تتحسن أحوال بني معروف مع دولة الاستقلال فكانوا بقيادة سلطان باشا في طليعة السوريين الذين رفضوا الانقلابات المتتابعة واستبداد أديب الشيشكلي الذي أقام من نفسه دكتاتوراً طاغية فكانوا مع سائر السوريين المطالبين بالحكم الديموقراطي في مؤتمر حمص عام 1953 والخلاص من الحكم الكيفي والطغيان الذي عطّل نعمة الاستقلال، ومما ورد في كلمة سلطان باشا إلى ذلك المؤتمر مطالبته بالحد من الأعمال غير الدستورية والتصرفات غير المشروعة واحترام إرادة الشعب الحقيقية بإعادة السلطة المُصادرة إليه. وقد مثّل سلطان باشا في ذلك المؤتمر شخصيات اجتماعية من الجبل ذات تاريخ وطني عريق هم السادة أبو حسن فضل الله جربوع وأبو حمد يوسف العيسمي وأبو يوسف حسين مرشد(3).
وبعد سقوط الطاغية الشيشكلي أيّد الموحدون الدولة الوطنية الديموقراطية التي قامت في البلاد بعد سقوط الطاغية ومن ثمّ أيّدوا خطوة الرئيس جمال عبد الناصر في تأميم قناة السويس عام 1956 كما أيّدوا دولة الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 وكذلك التوجهات التي جرت في سورية تحت شعار الوحدة والحريّة والاشتراكية وتحرير فلسطين تلك الشعارات التي تبنّـتها الدولة السوريّة…

السويداء في مواجهة الدواعش، 25 تموز 2018

المحنة السورية التي بدأت عام 2011 أوقعت سورية في حمّام من الدماء خسرت فيه سورية وشعبها، واستفاد من ذلك كله أعداء الشعب السوري…
ولقد نشطت في سورية حركة متطرّفة إرهابية هدفت إلى تخريب سورية تلبس لباس الإسلام والإسلام منها براء هي منظمة داعش..
ومع أنّ الدواعش يمرّون في فترة أفول فقد نظّموا هجومهم على محافظة السويداء عبر ثلاثة محاور هي:
1ــ الهجوم على القرى الشرقيةّ وهي الشبكي والشريحي والعجيلات وطربا والكسيب ورامي وغيضة حمايل وتيما ودوما وعراجة…، وصلوا إلى بعضها والبعض الآخر فشلوا في اقتحامه بسبب المقاومة الباسلة لبعض نقاط المراقبة والحماية…
ولكنهم نجحوا في اختطاف نحو ثلاثين شخصاً من النساء والأطفال (للمساومة عليهم) وقتل نحو 250 شهيداً وشهيدة.
2- الخروج من معاقلهم الكائنة في وعرة اللجاة الحصينة التي اتخذوا منها معاقل لهم مستفيدين من تجربة الموحّدين التاريخية في مواجهتهم للجيوش المعتدية عليهم عبر تاريخ سكنهم لمحافظة السويداء (وفي ذلك يقول الشيخ أبوعلي قسام الحنّاوي أحد أبطال الدروز في ملحمته أيام مواجهة الدروز لقوات محمّد علي باشا:

هَذي قَلعِتْنا وهَذي لجاتنا       وتربة عِدانا مَنْ دَخَلْها حار

ولكنّ الدولة السورية فيما بعد كانت قد ألحقت اللجاة بمحافظة درعا).
نعم، حاول الدواعش بهجومهم الاختراق عبر قريتي المتونة والسويمرة المتاخمتين للّجاة العبور إلى طريق دمشق السويداء لعزل المحافظة كليّاً عن العالم الخارجي إذ ما من طريق آخر يصل السويداء بما حولها.
3- اقتحام مدينة السويداء (سكانها نحو أكثر من200000 نسمة بينهم نحو خمسين ألفاً من النازحين (أرقام تقديريّة) إليها من الجوار السوري وهي مركز المحافظة) بخمسة انتحاريين مُتَسَلّلين قاموا بتفجير أنفسهم في مواقع متفرقة من قلب المدينة وقام بعضهم بإطلاق النار عشوائيّاً لقتل أكبر عدد من المواطنين وإرباك الناس وإشغالهم عمّا يجري على أطراف المحافظة (ولربما كان من خلفهم عناصر إسناد لعملياتهم لكنّ التماسك الاجتماعي في المدينة ويقظة رجالها وعدم وجود حواضن فاعلة حال دون إنجاز مخططهم).
وقد أوردت الوكالات الخارجية الأنباء بنبض بارد وكأن الأمر يحدث على كوكب آخر، غير أنّ يقظة المواطنين واستهانتهم بالموت أدت إلى تضييق الخسائر إلى حدّها الأدنى، فبعد التفجير الذي جرى في سوق الحسبة وهو المكان الأكثر اكتظاظاً بالناس نحو الخامسة صباحاً حيث يحضر المزارعون من القرى لبيع منتوجاتهم من الخضار والفواكه فما كان من الإرهابي إلّا أن اعتلى سيارة بيك آب محمّلة بالخضار في ظاهر الأمر ووقف صائحا يدعو الناس للاقتراب منه والشراء بأرخص الأسعار ثمّ فجّر نفسه بحزامه الناسف بالتزامن مع إطلاق نار عشوائي ولكن يقظة الناس في مكان الحدث أربكت مُطلق النار فلم يحقّق هدفه وذهب ضحية التفجير نحو أربعة أو خمسة قتلى.
التفجير الثاني كان عند دوار المشنقة، قام أحد الثلاثة بتفجير نفسه فأصاب عدداً من الجرحى.
التفجير الثالث والرابع: هرب الإرهابيان الآخران من مكان دوار المشنقة لاشتباه الناس بهما باتجاه الجنوب على خط المقرن القبلي في حي الجلاء أمام ملاحقة عشرات الشبان اليقظين لحركتهم وبعد مسافة نحو مئتي متر انعطفا في شارع جانبي شرقاً أحدهم صادف الشاب يامن جمال أبو عاصي الذي تصدّى له للقبض عليه فما كان من الداعشي وقد يئس من المقاومة إلّا أن فجّر نفسه بحزامه الناسف فقُتل. واستشهد الشاب يامن أبو عاصي بسبب التفجير ولكنه بعمله هذا افتدى بحياته حياة أناساً آخرين كُثُراً، وكذا فعل الشهيد البطل ماهر غرز الدين على دوار الحسبة حين تمكن من الإمساك بالإرهابي والابتعاد به عن الناس المجتمعين.
التفجير الخامس كان عند دوار النجمة في الجانب الغربي من منتصف المدينة إذ تسبب باستشهاد الشاب خالد أبو شقرا المقاتل في أحد الفصائل الوطنية مع إصابة عدد من الجرحى، بينما كان ثلاثة من الانغماسيين الدواعش يتجولون بحثاً عن أهداف أُخرى لهم ولكن يقظة المواطنين كشفتهم فتمت مطاردتهم وقتلهم بعد أن تسببوا قتل الشهيدين عماد السلمان وإياد الشعّار.

محصّلة الهجوم على السويداء كانت إحباطاً لداعش

خاب فأل الدواعش في توقعهم نجاح هجماتهم على السويداء، ففي المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو الثلاثمئة ألف (مع النازحين إليها) لم يحصل الإرباك الذي كانوا يتوقعونه بل إنّ الآلاف من شبّان الفصائل المسلّحة والمشايخ وحتى الشيوخ المسنين تفازعوا سراعاً إلى القرى التي تعرّضت للعدوان الداعشي في شرق الجبل وشماله فكان حضورهم السريع إلى مواقع الاشتباكات حالة أسطورية من سرعة الحشد للمقاتلين في عمليات ما تدعوه الأكاديميات العسكرية بـ: (التعرّض المعاكس) لهجوم العدو المباغت بحيث تم إحباط المخطط الداعشي في احتلال مواقع ارتكاز له في قرى الجبل، أو إيقاع حد أقصى من الإيذاء (وهو الأمر الذي حصل في قرية الشبكي مثلاً). ويقدّر المراقبون بأنّه خلال ساعة ونصف الساعة حضر إلى قرى الاشتباكات نحو خمسين ألفا من الرجال لنجدة أهالي القرى المُعتدى عليها.


المراجع:

(1) مقابلة شخصيّة بتاريخ 25 نيسان وحديث مع المحامي المعمر ماجد الأطرش.
(2) جانكارلو كازالي، تر: مصطفى قاسم، رُيّاس البحر الهندي، ساسلة عالم المععرفة الكويت آب 2018، ص 11.
(3) الحناوي، فارس قاسم، صراع بين الحريّة والاستبداد، ط1، 2000، ص 94ــ 95.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”مواقف واعتصامات شجباً للاعتداء الغادر وتضامناً مع الضحايا” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

لم تتأخر المواقف الشاجبة للاعتداء الإرهابي الهمجي، في مواكبة التصدي البطولي لأبناء جبل العرب والجيش العربي السوري للإرهابيين منذ اللحظة الأولى، مدعومين من كل المسؤولين الرسميين، والمرجعيات الدينية، والقيّمين على الشأن العام والشرفاء في سوريا، كما من المسؤولين والمرجعيات الدينية في لبنان وسائر البلدان العربية، وبخاصة في لبنان وبدعوة من سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز القاضي نعيم حسن، ومن المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، ومن نواب ووزراء وفاعليات وجمعيات نسائية واجتماعية وثقافية في بيروت والجبل ومناطق لبنانية عدة. كذلك سجلت اعتصامات ووقفات تضامنية للجاليات العربية في بلدان الاغتراب والانتشار. اما في سوريا نفسها، فكان في مقدمة المواقف الشاجبة ما تضمنته البيانات الصادرة عن الرئاسة الروحية ومشايخ عقل الموحدين الدروز في سوريا، سماحة الشيخ حكمت الهجري وسماحة الشيخ يوسف جربوع وسماحة الشيخ حمود الحنّاوي والتي شددت على أن “طائفة الموحدين الدروز في سوريا لها إرث تاريخي ونضالي مشرّف ضد الغزاة والمستعمرين تميّز بالبطولات وتقديم التضحيات إلى جانب كافة الشرفاء في الوطن”. كما شددت البيانات على ضرورة “التيقظ التام لغدر هذا العدو الجبان”، وضرورة التمسك والتشبث بالأرض، وعدم التصرف الفردي، بالإضافة إلى مؤازرة عائلات الشهداء والجرحى والعائلات المتضررة.
وإلى المواقف المذكورة أعلاه داخل سوريا، جرى تسجيل حالة غضب شاملة لاهالي الضحايا والمخطوفين واهل جبل العرب عموما ضد الاعتداء الإرهابي الهمجي، وبخاصة عملية الخطف الجبان التي جرت في بلدة شبكي لنساء وأطفال، على نحو غادر وعلى غير ما عرفته الحروب. لقد استفز العدوان الإرهابي، وعملية خطف النساء والأطفال على وجه الخصوص، كل الشرفاء والوطنيين في لبنان والعالم العربي وحتى عالم الاغتراب، و تقدّم في هذا الملف عينة فقط من بين عشرات الوقفات الاعتصامية والتضامنية التي جرت في لبنان والوطن العربي وفي الجاليات الاغترابية.

  • دار طائفة الموحدين الدروز في بيروت غصّت بالشخصيات والوفود المعزية بشهداء السويداء

شهدت دار طائفة الموّحدين الدروز في فردان تقبلا للتعازي “بشهداء الغدر والظلم والإرهاب في جبل العرب” في السويداء، من قبل سماحة شيخ عقل طائفة الموّحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، والمجلس المذهبي الدرزي. وقد حضر معزياً ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الوزير نقولا التويني، وممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب محمد الخواجة، وممثل الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري النائب نزيه نجم. الرئيس ميشال سليمان، الرئيس تمام سلام، ممثل الرئيس فؤاد السنيورة الدكتور عمّار حوري.
كما شارك ممثل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي المطران بولس مطر، وممثل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الشيخ محمد الأروادي، ومتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأورتوذكس المطران الياس عودة.
كما حضر وزير السياحة اوايس كيدانيان وقدم التعازي أيضا باسم اللجنة المركزية لحزب الطاشناق، والوزير السابق آلان حكيم باسم رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل، والنائب عدنان طرابلسي على رأس وفد من الاحباش، والنواب، هنري حلو، وائل أبو فاعور، هادي أبو الحسن، والوزراء والنواب السابقون، عاطف مجدلاني، إبراهيم شمس الدين، صلاح الحركة، فادي الهبر، أنطوان سعد، غازي العريضي.
وحضر سفير الامارات في لبنان الدكتور حمد الشامسي، والقائم بأعمال السفارة السعودية وليد البخاري، وممثل سفير دولة فلسطين أشرف دبور المستشار الأول حسان شتنية، وسفير لبنان في روسيا شوقي بو نصّار، ومثّل قائد الجيش العماد جوزيف عون العميد صبحي أيوب على رأس وفد من الضباط. ورئيس الأركان اللواء حاتم ملاّك، وقائد الشرطة القضائية العميد أسامة عبد الملك، ورئيس جهاز الامن القومي العميد وائل أبو شقرا، واللواء وليد سلمان.
وشارك امين عام تيار المستقبل احمد الحريري، ووفودا من قيادة حركة امل، والكتائب اللبنانية، ومن قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي والمفوضين ووكلاء الداخية، ونائب رئيس حركة التجدد الديموقراطي أنطوان حداد. وقضاة المذهب الدرزي، ورؤساء لجان وأعضاء المجلس المذهبي، ومدير عام المجلس مازن فياض، السيدة حياة ارسلان على رأس وفد كبير من سيدات منطقة الجبل، والقيادي حليم بو فخر الدين، والقاضي عفيف الحكيم، والعميد جورج البستاني، تجمع جمعيات سيدات الجبل، ووفد كبير من منطقة السويداء، ووفودا روحية وزمنية وعسكرية واهلية الى وفود من مناطق الجبل وحاصبيا والبقاع والجنوب.

وتلقى سماحة شيخ العقل سلسلة اتصالات وبرقيات تعزية من لبنان والخارج، ابرزها اتصالات من رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، ورئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن، والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان، وبرقيات من الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين اتباع الأديان والثقافات فيصل بن عبد الرحمن بن معمّر، معزيا “بضحايا التفجيرات الإرهابية التي شنّها تنظيم داعش الارهابي في محافظة السويداء”، ومعتبراً، “ان العالم يشهد صراعات تصنّف في خانة الجرائم ضد الإنسانية والتي تستهدف اتباع كل دين وتهدد نسيج كل مجتمع وتثير الفتنة بين أبنائه، مؤكدين على أهمية الحوار لإيجاد سبل التعاون المشترك من اجل تعزيز المواطنة وبناء السلام والوقوف معا لمناهضة العنف باسم الدين ولكل اشكال العنف”. وبرقية من منصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية في العالم العربي، توجّهت لسماحة شيخ العقل بالعزاء الخالص لطائفة الموحدين الدروز، ودانت “مجزرة السويداء النكراء ضد الإنسانية، كما دعت الشعب السوري والشعوب العربية للاتحاد بوجه الجماعات الاجرامية المتطرفة”، وبيانا من مرصد الإفتاء المصرية يدين هجوم السويداء، وبرقية تعزية واستنكار من رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر.

ألبوم صور لمواقف واعتصامات:

[Best_Wordpress_Gallery id=”11″ gal_title=”مواقف تضامنية مع السويداء”]

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”العدوان الداعشي على قرى السويداء” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

تقع القرى التي استهدفها اعتداء الدواعش على الحافة الشرقية لجبل العرب حيث تنحدر تلك الحافة بحدّة باتجاه الشرق وتطل على بادية شاسعة تمتد شمالا إلى الفرات وشرقاً إلى العراق وجنوباً حيث تتصل ببوادي الأردن.
وتبدأ من الجنوب إلى الشمال بقرية الشبكي فقرية الشّريحي وتبعد عنها نحو1 كلم فقرية رامي 2,5 كلم وغيضة حمايل نحو 2 كلم فالعجيلات 1 كلم فالكسيب 3 كلم وإلى الغرب منها طربا نحو 1 كلم وإلى الشمال منها تيما نحو 3 كلم ودوما نحو 6كلم وعراجة نحو 1 كلم. وقد هوجمت هذه القرى بتوقيت يكاد يكون واحداً فيما عدا قرية الشبكي التي هوجمت بوقت أبكر بقليل حسب أكثر من شاهد نحو الثالثة والربع أو الثالثة والنصف ولعلّ هذا عائد إلى معرفة المهاجمين بالقرية ورغبتهم بقتل عدد أكبر من سكانها ذبحاً بدون إطلاق نار لترويع سكانها وطردهم منها والتمركز فيها على الطريقة التي سبق للصهاينة أن تدبّروها في فلسطين، وفيما يلي سرد لوقائع الاعتداء على القرى.


الشبكي

تقع هذه القرية (1340م فوق سطح البحر)، على حافة الكتف الشرقي للجبل الذي ينحدر بسفح شديد الانحدار باتجاه الشّرق، عدد سكانها حسب دفتر النفوس 1510 نسمة، أمّا المقيمون فيها يوم العدوان الداعشي فيبلغ نحو 400 نسمة، لكون الأغلبية من مواطنيها إمّا مسافر خارج القطر أو هم يسكنون في السويداء أو يعملون في دول الخليج ولبنان وغيرها من المغتربات ومعظم الشبان منهم خارج القرية في المهاجر أو هم يعملون في السويداء لإعالة أسرهم التي تعاني جرّاء تردي الأوضاع المعاشيّة، فالأرض لم تعد تكفي الأسر لتأمين وسائل العيش خصوصاً خلال السنوات الثماني من عمر المحنة السوريّة.

وتطلّ الشبكي من عليائها الجبليّة على بادية شاسعة إلى الشرق منها حيث تمتد لتتصل ببوادي العراق شرقاً وبالبادية السورية التي تصل شمالا إلى نهر الفرات، وأمّا جنوباً فتتصل ببادية الحماد الأردنيّة. وفي الشبكي عُمران قديم يعود لعصور الأنباط والصفائيين قبل الميلاد وبعده بقليل وعصور الرومان والروم البيزنطيين والغساسنة العرب المسيحيين.
أبعاد عمرانها نحو 800 م من الشمال إلى الجنوب، ومثلها من الشرق إلى الغرب وفيها ينتصب شامخاً نُصب على ضريح المجاهد رشيد طليع أحد قادة الثورة السورية الكبرى البارزين عام 1925 إلى جانب سلطان باشا الأطرش.
بدأ الهجوم على القرية نحو الساعة 3,40 فجراً إذ اقتحم الدواعش وسط القرية معتمدين على خبرة سابقة بالمنطقة والتي كانت مَمَرّاً لنشاطاتهم وعلى بعض أدلّاء من البدو المتعاطفين معهم.

العدوان

بدأ تنفيذ الاعتداء يوم الأربعاء في 25 تموز نحو الثالثة والنصف صباحاً إذ هاجموا القرية على شكل صندوق مفتوح قاعدته من الشرق وضلعاه الآخران من الشمال والجنوب، وتراوح عدد المُقتحمين بين 70 و100 من الدواعش المدرّبين على أعمال النحر والقتل والقنص والقتل والقتال بأنواعه، وكان قد اشتد أزرهم في قواعدهم في البادية المحاذية بالدواعش الذين تمّ نقلهم من ريف دمشق إلى بادية السويداء الشرقية قبل أسابيع قليلة من عملية دهم القرى.
من المؤكد أن أعداداً أخرى بقيت منهم كاحتياط في الخلف من المهاجمين لتلقّي الأشخاص المنوي اختطافهم وكإسناد خلفي للمقتحمين.
بدأ الدواعش عدوانهم أوّلاً بالقتل الصامت بدءاً من الحارة الشرقيّة من القرية، كانوا يظنون أنّ ذلك يُخْلي القرية بل المنطقة كلها من السكّان أمامهم.

وقد كانوا بفضل أدلّائهم من رعاة القرية البدو وعددهم ثلاثة وهم أبو بَكر (اسمه صايل الحمّود من بدو بلدة المزرعة أصلاً يعمل راعياً لأغنام وماعز مواطني القرية بالمُحاصصة بينه وبينهم منذ نحو سنتين، قبلها كان صايل يعمل في وظيفة حكوميّة في الإنشاءات العسكرية، ولكنه طُرد من الوظيفة بسبب عملية اختلاس، فانتقل لقرية الشّبكي وسكن في بيت على طرف القرية من جهة الشرق ممّا يلي البادية وكان يعمل في التآمر مع الدواعش والتجسّس على المواطنين) وابنه بَكر وراعٍ آخر اسمه كاين العميرات، وهؤلاء لهم خبرتهم بالمنطقة بحكم كونهم رعاة أغنام وماعز لأهلها، كانوا ينادون على صاحب البيت باسمه وما أن يفتح لهم الباب حتى يبادروه بالقتل نحراً ومن ثم يُجهزوا على بقية أفراد الأسرة في البيت نفسه وقد يتركون طفلاً حيّاً ليروي ما رأى من رُعب لمن بَعده، أو هي ربّما عقيدة ما يتبعونها.
لكنهم وبعد أن فتكوا ببعض البيوت وسحبوا عدداً من الرهائن من النساء والأطفال ودفعوا بهم إلى الخلف لإنجاز عمليّة الاختطاف، حتى رِيع الناس من شرورهم وسَرَت من بعض البيوت التي تنبّه أصحابها لغدرهم اتصالات تحذير من بطشهم فاضطرّوا لإطلاق النار في مواجهة المقاومين لهم وأخذ بعض الذين استيقظوا على هول ما يجري يطلقون عليهم النار.

دور ابناء القرية

كان عدد مسلّحي القرية نحو 30 مسلّحاً، لديهم رشاشان وقناصة واحدة وبعض البواريد الروسية والباقي بواريد تشيكية ذات الـ (طلقة طلقة) وبنادق صيد غير أنّ عدداً منهم استشهد ومن بقي يقاتل لا يتجاوز عددهم الـ 17 شخصاً وغالبيتهم يحملون بواريد تشيكية.. بعضها ملك خاص وآخر للحكومة، كلّ هذا بمقابل سلاح الدواعش الأحدث من البنادق الآلية والرشاشات والقناصات والقنابل والأحزمة الناسفة حيث كان الداعشي عندما يتضايق يفجر نفسه.
مع التنبُّه لما يجري بدأت المقاومة فالاشتباكات، وصار سائر المواطنين يسمعون إطلاق النار في أرجاء القرية.
أمّا في الحارة الغربية من القرية وعندما سُمع إطلاق الرّصاص الكثيف شرق القرية ووسطها، أدرك الأقارب أنّ ذويهم في خطرٍ ما. وأمّا الدواعش فقد ظنُّوا أنهم سيطروا على القرية، إذ كانت تكبيراتهم تتردد أصداؤها بين البيوت وهم يصيحون بالناس: ” الله أكبر، الدّولة الإسلاميّة دخلت القرية، سلموا أسلحتكم أيها الدروز ” ومن ثم يكيلون الشتائم..
وتداخل المشتبكون فيما بينهم وصار القتال من بيت إلى بيت وظلت بعض البيوت تقاوم رغم إحاطة الدواعش بها إلى خط دفاع أخير في البيوت الغربية والجنوبية الغربية من القرية.

خرق من الداخل

كان أبوبكر الذي طالما أكل وشرب واعتاش من خير أهل الشبكي من بين الأدلّاء الذين سهّلوا للدواعش الدخول إلى القرية. وهو قد استعار في الليلة السابقة مصباحا يدويّا (بيل) من جاره الدّرزي لطفي الجباعي بحجّة أن بعض الأشخاص معه يبحثون عن الذّهب والمخبآت الأثرية، وهذه حالة شائعة في البلاد منذ ثمانينيّات القرن الماضي وما سبقها، يتواطأ فيها أخلاط من الناس يتبادلون المنافع من هنا وهناك…
نحو الساعة الثانية من صبيحة يوم العدوان سمعت امرأة لطفي الجباعي صوت جارهم البدوي أبو بكر يتصل على الموبايل بأحدهم ويقول له: أهل القرية نيام وأنتم تستطيعون الدخول، وظنت المرأة على بساطتها بأن المقصود بذلك هم من يبحثون عن الذهب والآثار الدفينة…
عند الثالثة والنّصف صباحاً قَرَع أبو بكر الباب على لطفي جاره، يصحبه عدد من الدواعش ولما تأخّر لطفي بفتح الباب أطلقوا عليه النار عبر الزجاج وقتلوه قبل أن يفتح لهم، عندها أدركت امرأة لطفي بأن خيانة ما حصلت وأنّ العدوان وقع، فاتصلت بثلاثة بيوت في القرية وأبلغتهم أنّ إرهابيين اقتحموا عليهم الدار.
كان الإرهابيون قد توزّعوا في القرية قبل الهجوم بوقت وقد اقتحموها على شكل صندوق مفتوح من جهة الشرق والشمال والجنوب وانتشروا فيها فكانوا يقتحمون البيوت على شكل مجموعات بين ثلاثة أو خمسة مسلّحين وفي البيوت المهمة التي يخشونها بين الـ 10 وال 15 داعشيّاً وهم يصيحون بالتكبير، ويزعقون بأنّ “الدّولة الإسلاميّة احتلّت القرية، سلّموا أسلحتكم…”.

اتّصالات لطلب النّجدة

يفيد أحد الناشطين في المواجهات بقوله: “بدأنا الاتصال بكلّ الغيارى والنّشامى في كثير من القرى، وبمدينة السويداء اتّصلنا بقائد الدفاع الوطني والجهات المعنية في المحافظة، كنّا واثقين من النصر على الهجمة الداعشية لأنّنا على حق ولا نعتدي على أحد وإنّما نَرُدّ الضّيم عن أنفسنا. وقد وصلت فزعة النّشامى (الفزعة: أي التعرّض المعاكس بالمفهوم العسكري) من القرى قرابة الخامسة والنصف صباحاً وبعضهم قبل ذلك، لكنهم لم يقدروا على الدخول عبر مداخل القرية التي سيطر عليها قناصو الدواعش الذين تحكّموا بالحركة داخل القرية ووسطها وعلى مدخلها الشمالي، وسقط لنا شهداء وجرحى نتيجة ذلك. كان عدد من شبان القرية قَدِموا من السويداء ومعهم مَدَد من القرى المجاورة ومن ريف دمشق وبلدة حَضَر في الجولان وقد وصل (الفازعون) إلى مدخل القرية الشّمالي الغربي ودفعوا بالدواعش إلى الخلف شرقاً.

القتال يتواصل داخل القرية

مدخل البلدة بعد دحر الدواعش

داخل القرية كان الرجال الذين صمدوا يقاتلون في ظروف صعبة، في مواجهة القنّاصين المُعادين المتمركزين على السطوح، وصَوْلات القَتَلة المجرمين بأسلحتهم الحديثة وقنابلهم وسكاكينهم على الأرض..
جُرِح ثلاثة أخوة من بيت واحد وهم يقاتلون مُعْتصمين بجدران بيتهم، أحدهم قتل خمسة من الدواعش وشاب آخر تمكن من قتل خمسة آخرين أيضاً.
كان يوجد رامي رشّاش في بيت أحدهم صمد مع مؤازرين له ودافعوا عن القرية ببسالة.
عند الخامسة والنّصف صباحاً تمكّن عدد من شبان القرية وبدعم من المساندة التي قَدِمَت من قرى الجوار ومن السويداء، ومن المشايخ وغيرهم وقرى المقرن القبلي من عرمان وسائر الجبل، تمكّنوا من كسر حدّة الهجمة الداعشية وقد تميز بين المقاتلين بشجاعة فائقة شاب من آل الحلبي، وآخرون بالطبع.
كان الضغط على الدواعش قد أجبرهم على التقهقر إلى القسم الشمالي الغربي من القرية ثم إلى الشرق منها، رغم خَشيتهم من التّراجع شَرَقاً لأنّ التضاريس عندها لن تكون في صالحهم، ولكنّ فزعة القرى دفعت بهم للتراجع قسراً مع اتّجاه السفح المنحدر، وكان يحمي انسحابهم بعض القناصين منهم الذين صمدوا على السطوح وهم الذين أوقعوا المزيد من الشهداء والجرحى في صفوف الموحّدين.
كانت الساعة قد بلغت الحادية عشرة ظهراً، ولكن بعض البيوت في الجانب الشرقي من القرية وهي المشرفة على الطّرق الذاهبة إلى عمق البادية ظلت بيد الدواعش ويخرج منها رصاص القنص بغزارة من رشاشاتهم بهدف إعاقة حركة من يندفع لإنقاذ المخطوفين. كانت مواقعهم تلك تتيح لهم عرقلة الملاحِقِين، ولكن ضغط التعرض المعاكس (الفزعة) أحاط بهم فقُتِل من قُتِل منهم، وفَجَّر أنفسَهم آخرون.

لكنّ الخاطفين كانوا قد ابتعدوا باتجاه الشّرق بالمخطوفين الذين أسروهم منذ دقائق المفاجأة الأولى في الصّباح الباكر هاربين بهم عبر وديان وتضاريس صعبة وكهوف ومغاور يسهل الاختباء فيها والمناورة عبرها لتضليل الملاحِقين لهم ولم يكن من الممكن التحرك خلفهم إلّا بعد تحرير القرية التي سيطروا على سطوحها خلال النّصف الأول من النهار وهذا أتاح لهم الانطلاق بعيداً بالمخطوفين باتجاه قواعدهم وبيئتهم البدوية الحاضنة.
استمرَّ القتال في القرية حتى الساعة الخامسة والنّصف عصراً، فقد كانت الجيوب والمغاور التي تمركز فيها القناصة الانتحاريون خِفيَة لمراقبة طرق البادية شرقاً ليحولوا دون ملاحقة الخاطفين، ذلك بعد إزاحة أو قتل الذين سبق لهم أن تمركزوا على السطوح…
بلغ عدد شهداء القرية 60 من الرجال والنساء والأطفال و30 من المخطوفين.
أمّا الشهداء من الفازعين فعددهم 32 شهيداً من الرجال …
كانت تقديرات قتلى الإرهابيين لا تقلّ عن ال 55 إرهابياً وصل منهم إلى مشفيي السويداء وسالة 38 جثة، وتمكن الإرهابيون الخلفيّون من سحب نحو 15 جثة إلى قواعدهم في البادية التي يتمركزون فيها…


الشّريحي

تقع قرية الشريحي على خط المواجهة مع الدّواعش المتمركزين في البادية شرقي الجبل وعلى تخوم القرى، وهم الذين اتخذوا من بادية السويداء قاعدة لهم للعدوان على قرى الجبل الشرقيّة، والشريحي قرية قديمة تعود بعمرانها لما قبل الميلاد، غير أنّها خَرُبت فيما بعد الفتح العربي الإسلامي، وظلت كذلك إلى أن تمّ إعمارها على يد الموحدين الدروز الذين قدموا من لبنان في أواخر القرن التاسع عشر بسبب القلاقل التي واجهوها مع الشّهابييّن المدعومين من قبل الفرنسييّن والمرتكزين إلى التواطؤ العثماني خلال القرن التاسع عشر وما قبله .

تتموضع القرية الأولى على تلّ فيه مغاور طبيعيّة وبيوت قديمة وبركة ماء بقربها خرائب قديمة إلى الشمال من قرية الشبكي على مسافة أقل من 2 كلم منها، ويبلغ عدد سكان الشريحي على دفتر النفوس نحو 1400 نسمة تقريباً (المتواجد منهم في القرية يوم العدوان الداعشي نحو 800 نسمة).
ترتفع الشريحي 1450 متراً فوق سطح البحر، وتشرف من مرتفعها على بادية الحماد والصفا إلى الشرق منها وقد تداخل عمرانها القديم مع الحديث بأبعاد نحو 500 م من الشرق إلى الغرب ومثلها من الجنوب إلى الشمال.
يزرع سكانها القمح والشّعير وهي زراعة معيشية لا تسدّ حاجة الاكتفاء الذاتي لمواطنيها الذين يهتمّون بتربية الماشية من ماعز وأغنام، ويهاجر العديد شبّانها إلى دول الخليج ولبنان وغيرها من المُغتربات..
هاجم الدواعش القرية يوم الأربعاء في 25 تمّوز نحو الرابعة صباحاً عبر ثلاثة محاور رئيسة من الشرق والجنوب الشرقي ومن الشمال، وحاولوا التمدّد إلى جهة الشمال الغربي، ويقدّر عددهم نحو خمسين مقاتلاً.
يقول شاهد عيان “أتَوْنا مُشاة، ولكن ورد في شهادات من القرى المجاورة أنهم أتَوْا بسيارات تمّ ركنُها عند حدود القرية وقد هاجموا بثقة توحي بأنهم واثقون بقوّتهم”، أمّا عناصر الدّعم والإسناد الخلفي فلا يمكننا تقدير أعدادهم.

الهجوم الغادر

في رواية شاهد عيان يقول: “صَحَوْنا الساعة 4 و10دقائق على إطلاق نار كثيف وتكبيرات تقول “أتتكم الدولة الإسلامية “، “الدولة الإسلامية تتمدّد، الله أكبر سلّموا أنفسكم “، لم نكن نتوقع أو يخطر لنا على بال هجوماً كهذا الذي حصل، فنحن نعلم أنّهم موجودون في البادية القريبة والبعيدة شرقاً باتجاه قاعدة التنف الأمريكية، غير أنهم أصبحوا أقوى عندما تمّ ترحيل الإرهابيين من الحجر الأسود وريف ودمشق ومع تسرّب من ريف درعا نحو بادية السويداء إلى الشرق منّا”.
كنّا ما يقارب المائة والثلاثين شابّاً تقريباً وكلٌّ منّا هبَّ لمواجهتهم من تلقاء نفسه بسلاحه المتوفّر. تسعون منّا يحملون السّلاح منها 80 بارودة روسيّة و4 تشيكية، كان سلاحنا بنسبة 90% منه ملك خاص اشتريناه على حساب لقمة عيشنا وعيش أطفالنا، و10% من الدفاع الوطني، وكان الله معنا.

عنصر المفاجأة منحهم ميزة مؤقتة ضدّنا

ساعد عنصر المفاجأة والتوقيت المدروس الذي اختاره الدواعش للهجوم علينا في سيطرتهم على قسم هام من القرية بادئ الأمر، ففي الجنوب الشرقي من القرية سمعنا تكبيرات التكفيريين. توجّهتُ وشاب معي بخفّة نحوهم باتجاه الشمال، كانت أصواتهم قريبة منّا وكانت مجموعة منهم في طريقنا متمركزة وسط الشارع وبين البيوت وفاجأناهم واشتبكنا معهم نحو ثلث ساعة فانسحبوا باتجاه وسط القرية إلى الشمال من موقع الاشتباك.
كنّا نشتبك معتمدين على سماع ورؤية مصدر إطلاق النار لكونهم باشروا الاعتداء في الفترة التي يَغرُب فيها القمر؛ حيث تسود ظلمة قبيل الفجر ولكنّه قبل وصولهم حارتنا في الجنوب الغربي من القرية، كانوا قد قتلوا كلّ من خرج من باب بيته إذ هم يمتلكون أسلحة أحدث من أسلحتنا وأجهزة رؤية ومناظير ليليّة، وتجهيزهم هذا مكّنهم من السّيطرة على نصف القرية بادئ الأمر. وبسبب من عنصر المفاجأة الذي توفّر لهم فقد تجوّلوا بين البيوت والناس نيام، لكنّهم لم يتمكّنوا من احتلال أي بيت أي بيت سوى بيت واحد شمال القرية؛ هو بيت وليد صعب، حيث قتلوا الأسرة كلّها وتمركز قنّاص منهم على سطح البيت. ولم تَسْلَم البيوت التي تجوّلوا بينها من التخريب من الخارج، إذ قاموا بتكسير زجاج النوافذ، ورمي القنابل لتنفجر داخل البيوت على الأسر النائمة، حيث قُتل في أحد البيوت الأب فوزي صعب وزوجته مها صعب وطفلتاهما… كان واضحا أنهم يريدون إرعاب السكان وتطفيشهم والحلول محلّهم كما فعلوا سابقاً في الرّقة والموصل وغيرها من مناطق عَيثهم وتخريبهم..

الفزعة (التعرّض المعاكس)

بدأت عناصر الفزعة تصل إلينا تباعاً من القرى المجاورة أوّلاً ومنذ الساعة السابعة وصل إلينا شُبّان من قرية مجادل التي تبعد منّا إلى الشمال نحو خمسين كيلومتراً ووصل إلينا فيما بعد شبّان من بلدة حضر في الجولان ومن قرية طربا القريبة، ومشايخ وغيرهم من الفازعين من شتّى مناطق المحافظة، وفي ذلك الوقت كان الدواعش يخوضون معركة يائسة داخل القرية فقد تمكّن رجالنا من الإحاطة بهم، وتمّ حصرُهم وقاوموا إلى أن قُتلوا جميعهم”، “وجدنا في جيوب عدد منهم حبوب الهلوسة الفارغة وشيفرة للتواصل بينهم، وأجهزة اتصال حديثة “مترولّا” وغنمنا أسلحتهم التي كانت معهم ووجدنا بحوزة بعضهم علبة مياه شرب مع قنينة عصير وكيس أندومي وَوُجِدَت بعض الإبر (الحقن الطبيّة) المخدّرة وقد أدركنا الغاية منها، لأننا كنّا عندما نرمي عليهم لم يتأثروا بخرق الرصاص لأجسادهم إلا إذا كانت الإصابة بالرأس أو بمكان قاتل فيقع أحدهم ميتاً، ولم نجد أسماءً ولا أوراقاً ثبوتية في جيوب القتلى، أمّا من فقد حيلته بالهرب من الدواعش الذين اقتحموا القرية وأُحيط به فقد قام بتفجير نفسه..”.
وقد فشل الدواعش في عمليّات اقتحامهم البيوت في الشريحي، و “ذكرت مصادر عبر النت أن الدّواعش فشلوا في قرية الشريحي وهم يتوعدون لها في المستقبل شرّاً”.

مواجهات وجهاً لوجه

“كانت المواجهات تحدث وجها لوجه في بعض الأحيان، ففي شمال القرية كان قنّاص داعشي يتمركز مُحتمياً وراء حائط من الحجارة وأدرك أحد شبّاننا ذلك فمشى نحوه ولم يتمكّن القناص من إصابته إلى أن تواجها فكانت الطّلقة القاتلة من الشاب الصديق فوقع الداعشي ميتاً.. “.
أحد مقاتلي الضّيعة استُشهد كلّ أفراد أسرته وأصيب بكتفه وظل يقاومهم. صعد إلى السطح وقتل ثلاثة من الدواعش.
وفي بيت وليد صعب الذي تمكّن الدّواعش من اقتحامه وتمركزوا فيه؛ تمكّن أحد شبان المشايخ من حصارهم نحو ساعة ونصف الساعة، لكن الشيخ لم يُطِق صبراً فمشى هاجماً نحوهم، وأثناء تبادل إطلاق النار تمكّن من إصابة جرّة غاز في البيت فانفجرت؛ فاضطرّوا من شدة اللّهب إلى الخروج من البيت حيث كان رجالنا لهم بالمرصاد..
بلغ عدد شهداء قرية الشريحي 37 شهيداً من مختلف الأعمار في الهجوم الغادر،.
وقد انتهت المعركة في الثانية عشرة ظهراً، وقتل من الدواعش نحو خمسين قتيلاً إذ لم يخرج أحدٌ حياً منهم من قريتنا. وكان آخرهم قناصَيْن تمركز أحدهما في خزان ماء بلاستك فارغ على أحد السطوح وأخر خلف رجم من الحجارة تمّ الإجهاز عليهما وقتلهما.
وتجري الآن عملية حراسة جادّة ومنظّمة لكيلا يتكرّر العدوان، كما تقوم وحدات من الجيش السوري بملاحقتهم في القواعد التي انطلقوا منها في البادية السورية مدعومين بالطيران الحربي السوري الذي يقصف تجمّعات الدواعش أينما وُجِدوا.


رامي

كانت رامي قرية خَرِبَة قبل أن سكنها الدروز القادمون من لبنان على أثر الحرب الأهلية في عام 1860 وهي قرية أثريّة قديمة العمران تتبع لناحية المشنف، فيها مغاور وبيوت قديمة مسكونة ومُحَوَّرة، وهي القرية رقم 3 التي استهدفها العدوان الدّاعشي على خط النار الشرقي من الجبل من جهة الجنوب بالنّسبة إلى قرية الشبكي، وهي واحدة من قرى القِمَم الشرقية العالية من الجبل إذ يبلغ ارتفاعها 1490 متراً فوق مستوى سطح البحر، وعدد نفوسها المسجلون فيها 2510 نسمة. وقد توسّع عمران رامي عمّا كانت عليه القرية الأثريّة الأولى بحيث امتدّت على شكل مستطيل أبعاده 1000×1500م على جانبي الطريق العام الذي يحزم قرى الجبل الشرقية من ملح جنوباً حتى الرّضيمة الشرقيّة شمالاً.

رامي يوم العدوان الدّاعشي

المقيمون في القرية نحو 1000نسمة يوم العدوان، ويُعزى هذا الفارق الكبير إلى هجرة الأيدي العاملة المزمنة من المحافظة إلى دول الخليج وأولاها الكويت، والمغتربات الأخرى، واختيار العديد من الأسر سكنى السويداء. ويزرع المقيمون من السكان القمح والشعير والحمّص… ويربّون الماشية بالمشاركة مع البدو.
روى شهود عيان أنّهم رأوا ظهر يوم الثلاثاء أي يوم 24 تموز 2018، قبل الهجوم بيوم ثلاث شحّاذات (يعملن بالتبصير) جُلْنَ في وسط القرية ويُعتقد أنّه كان لهنَّ صلة بالرّصد والتجسّس تمهيداً للهجوم الذي جرى في اليوم التالي.
ويرجّح أحد شهود العيان قدوم المعتدين من منطقة الصّفا والرحبة والزلف القريبة من الحدود الأردنية ومنطقة الكراع ولحف الهرميّة والهبّارية التي تبعد عن رامي نحو 50 إلى 60 كلم وهي عبارة عن أراضٍ ووعور بركانية ومعاصٍ يسهل الاختباء بها، هذا فضلاً عن تواجدهم في مواقع قريبة من القرى التي استهدفها العدوان في بيئتهم البدوية الحاضنة لهم والتي كانت تتعاطى التهريب بمختلف أنواعه بالتعاون مع مهرّبين من القرى المُعتدى عليها بالذّات، وقد عرفنا من أوراق وُجدت في جيب أحد قتلاهم أنّه قدم من مخيّم اليرموك جنوب دمشق.
بدأ هجوم الدواعش نحو الرّابعة والنصف صباحاً من فجر 25 تموز ويقدر عدد المهاجمين نحو 25 داعشياً اقتحموا البيوت الواقعة في الجهة الشرقية من القرية تحت جنح غبش الفجر، على الرغم من أنّ مجموعة عناصر مراقبة كان على أفرادها أن يكونوا متواجدين في مركز حراسة على مسافة 1 كلم شرق القرية لكن عناصر تلك المجموعة لم يكونوا متواجدين ليلتها بسبب الإهمال وعدم توقّع مثل ذلك العدوان وبسبب الشعور بالأمن والاطمئنان الوهمي لتوفّر الحماية، رغم ورود تحذيرات صديقة من خطر وشيك…
يضاف إلى ذلك أنّ بعض المُزارعين كانوا متواجدين نياماً على بعض البيادر لحراسة محاصيلهم وهم مطمئنون..

الدواعش يقتحمون

بداية؛ قامت مجموعة من 10 دواعش باقتحام منزل منصور مهاوش مقلد، (وهو رجل وامرأته متقدمان في السن)، عن طريق كسر الزجاج وخلعهم الباب وأثناء دخولهم ذاك رنّ جرس التّلفون فتناول أحد الدواعش السماعة ورد على المتصل على الجانب الآخر من الخط وكان شخص اسمه لؤي حمد مقلد، قال له الداعشي بصلف: “معك الدولة الإسلامية (وْلا) حيوان، سلّموا القرية أو سنقتلهما ونقتلكم كلّكم” وأقفل الخط. لكنّ لعلعة الرّصاص من جانب مقاومي القرية كانت قد أخذت تتزايد من حول المنزل ،فاضطرّوا لأن يطلقوا سراح المرأة بعد أن طلبوا منها أن تُبلغ الناس أن لا شيء خطراً، وذلك تمويهاً منهم ليتسنّى لهم الانتشار والتّمركز في القرية، واتّخذوا من الرجل رهينة لديهم بعد أن أشبعوه ضرباً ومن ثم اتّخذوا منه درعاً بشريّة يحتمون به من مقاومي القرية الذين أخذوا يشددون الحصار عليهم، ولكن عندما أخذت مقاومة رجال القرية تتزايد بشكل لم يتوقعوه، ودارت الاشتباكات عنيفة، (يرجّح بعضهم أنّ عدد المهاجمين كان نحو الـ 50 داعشيّاً وليست لدينا معلومات عن عدد عناصر الإسناد الخلفيّة لهم) قُتِل أربعة منهم في باحة الدار، وآخر فجّر نفسه مخافة أن يؤسر عندما حوصر، وخمسة آخرون حاولوا الفرار إلى الدار المجاورة فانشغلوا عن الرجل المُحتجَز الذي وجد فرصته في الإفلات منهم، وأمّا هم فقد هلكوا جميعاً قتلاً في مواجهات دامية لم تكن في حسبانهم.

في التوقيت الصِّفري للهجوم قامت مجموعة أُخرى بالدّخول إلى أحد المنازل المتطرّفة وقتل الأبرياء، وفي غمرة ذلك كان قد علم بعض شبّان القرية بوجود هجوم في القرى المجاورة فقاموا بإطلاق النار في الهواء تحذيراً لإيقاظ السكان وعندها تفاقمت المعركة ووصلت الفزعة بعد نحو ساعة من بدء الهجوم تقريباً نحو السادسة أو قبلها بقليل.
وعموماً فقد كان الهجوم مفاجئاً للسكّان الغافلين الذين لم يتوقعوه، رغم تحذير البعض من السلوك المشبوه لبعض العابرين للقرية أو الداخلين إليها، بل جرت محاولة اغتيال لأحد مسؤولي الدفاع الوطني من أبناء المنطقة لأنه نبّه مسبقاً إلى تحرّكات بعض المهرّبين المشبوهة.
كان السلاح المُستخدَم بأيدي مقاومي العدوان في رامي نحو 15بندقية من قِبَل الدفاع المدني و5 بنادق ملك خاص هذا في بدء الاشتباك وفيما بعد وصل عدد المشاركين في القتال من أهل الفزعة وأهل القرية إلى أكثر من 50 مسلّحا ممّن قدموا من القرى المجاورة ومن مختلف قرى الجبل ومن جرمانا في ريف دمشق والجولان.
يقول شاهد عيان: “إحدى مجموعاتهم دخلت أحد البيوت وقتلت فرنجية مقلد وولديها راشد وراما، وأظن أنّ لديهم أدلّاء من البدو ولكنّني لم أعرف أحداً منهم وقد يكونون أوصلوهم ونأوا بأنفسهم بعدها، لأنّ حركة المهاجمين في القرية تدلّ على خبرة بها، وهم قد دخلوا الجهة الشرقية من القرية وهي الجهة التي تلي البادية الشرقية ثم عادت وانتشرت في أماكن قنص مشرفة تكشف لهم مقاتلينا على الطريق وما حوله”.

فارق الأسلحة والتّدريب كان لصالح الدواعش

كانت أسلحة الدواعش قنّاصات مُتَطوّرة 5,5 مم ، ورشاشات وبنادق رشاشة وقنابل ومناظير ليليّة وأحزمة ناسفة، ويقال أنّه شوهدت سيارة تابعة لهم، نوع تويوتا سوداء غادرت من شرق القرية أثناء الاشتباك باتجاه البادية.

مُعظم الشهداء كانت لهم مواقف خارقة منهم سجيع مقلد ورأفت وأيمن ورواد مقلد والفتى دانيال مقلد الذي أنقذ أهله، فعندما أحسّ بقدوم الدواعش تناول بندقية آلية كانت لوالده وصعد صحبة جاره شاكر مقلد إلى سطح المنزل، وقاما بإطلاق النار على الدواعش ومع الاشتباك أصيب شاكر الذي اضطرّ للنزول من على السطح وبقي دانيال يقاتل الدواعش وحده، وقيل أنّ ثلاثة من الدواعش قُتلوا بنتيجة المواجهة تلك إلى أن صعد إليه الإرهابيون وأجهزوا عليه انتقاماً منه.
ولم يقدر الدواعش على خطف أحد من أهالي رامي، كما أنّ الوقت وتتابع الفزعات لم يمكّنهم من الاستمهال وممارسة الذّبح والخطف كما فعلوا في الشّبكي مثلاً.
يقول شاهد عيان: “كان هدفهم الاحتلال والخطف والتّرحيل؛ لكنّهم فوجئوا بمقاومة شبابنا الذين امتصّوا هجومهم وحاصروهم. وهكذا فقد لقي بعضهم مصرعه وفجّر الآخرون منهم أنفسهم عندما حوصروا وبقيت جثث 17 قتيلاً منهم مُلقاة في المواقع التي قُتلوا فيها نُقلت فيما بعد إلى مشفى السويداء.
كان واضحاً أنّ المعتدين يمتلكون خبرة وممارسة قتاليّة كبيرة، إذ تميّزوا بمهارتهم وقدرتهم على المناورة ولا بدّ أنّ تلك المهارات العالية هي نتاج تدريب مستمرّ، ولولا بسالة رجالنا ومقاومتهم لعاثوا فسادا في القرية واحتلوها.
كان عدد الشبان المسلّحين من القرية نحو الـ 20 مقاتلاً في بدء المواجهة قبل وصول الفزعات، وقد قتل المعتدون السكّان الأبرياء فبلغ عدد الشّهداء 20 شهيداً وشهيدة كلّهم من آل مقلد، وقد استشهد 7 شهداء آخرون من الفزعة.
استغرق القتال حتى تمّ طرد الدواعش من القرية نحو الـ 5 ساعات، ويُروى أنّه شوهدت بحوزة أحد قتلاهم وثيقة تشير لمخطّط احتلال تكون قرية الشّبكي مركزاً لإمارتهم الداعشيّة، وقرية رامي مركزاً للتّشريع، وقرية الغيضة مركزاً للتّحقيق والسَّجن. وقد كانت لديهم قوّة من عناصر دعم خلفيّة في مؤخرة هجومهم ولكن عنف مقاومة الأهلين والحشود التي فزعت من القرى أجبرتهم على الانسحاب والتراجع تجنُّباً للأسوأ.
كان في القرية نحو عشرة من البدو المسالمين الرّعاة للمواشي وكانوا على كثير من الود مع أهالي القرية واستمروا كذلك.
وبعد العدوان تمّ تنظيم الحراسة على شكل مجموعات بأكثر من 10 نقاط حراسة حول القرية.


غيضة حمايل

تقع هذه القرية إلى الشّمال الشّرقي من رامي على مسافة نحو 1 كلم منها، وإلى جانبها في قعر وادي الشام نبع ماء عذب يُدعى “عين القنطرة” كانت تُسقى منه القرية، ويعني اسم “الغيضة”، أجمة الشجر الكثيف الملتف على بعضه البعض ونُسِبت القرية لآل حمايل الذين اتخذوا منها موطناً، ويبلغ ارتفاعها 1437 متراً فوق سطح البحر، والقرية عبارة عن حارتين يفصل بينهما وادي الشام العميق، ولكنهما تُعتبران قرية واحدة، وكانت الحارة الجنوبية من القرية الأكثر تعرّضاً للعدوان.

يبلغ عدد سكان القرية بحارتيها 556 نسمة (المتواجدون منهم يوم الهجوم نحو 170 نسمة، بسبب ظروف الاغتراب والهجرة والسكن في السويداء) وعمرانها وآثارها قديمة تعود لما قبل الميلاد وبعده في العصر الروماني والبيزنطي وتحتاج إلى دراسة. مساكنها القديمة من حجر البازلت ويزرع سكانها القمح والشّعير والحمّص والأشجار المثمرة ويهتمون بتربية الماشية. أمّا القرية الحديثة فقد بُنيت على المرتفع الجبلي على جانبي الوادي المسمّى بـ وادي الشام الذي يتجه شرقاً ويفصل بين حارتين متقابلتين وبعمران يمتد بشكل بطول 1000م × 200م، وقد سكنها آل حمايل الموحدين الذين نزحوا امن راشيا الوادي في لبنان في أعقاب منتصف القرن التاسع عشر عام 1860 إلى جبل حوران ونزلوا بادئ الأمر في قرية أم رواق ثم انتقلوا بعدها إلى خربة الغيضة فأحيوا موات القرية التي كانت خربة مهجورة، وأقاموا فيها حياة زراعية حضرية نحو عام 1890بعد أن كانت المنطقة خربة مهجورة، وتُعرف بمغاورها الكبيرة.

العدوان الدّاعشي على الغيضة الجنوبيّة

هي قرية واحدة يشقّها وادٍ عميق إلى حارتين، يقول شاهد عيان إنّ الهجوم بدأ نحو الساعة الرابعة والنّصف صباحاً من جهة الجنوب الشرقيّ على شكل قوس نصف دائرة وكان المعتدون يكبّرون بصيحات دولة الدواعش ويزعقون بالناس باستكبار: سلّموا أنفسكم. كانوا أكثر من ثلاثين داعشياً مسلحين بالأسلحة الحديثة من بنادق ورشاشات وكنّا نحن مقاتلي القرية ثمانية وكان عند الهجوم منا 3 شباب مستيقظين يقومون بجولة في القرية أقرب إلى جهة الشمال وقد ساعدهم الله فتمكّنوا من الصعود إلى السطوح قبل أن يسبقهم الدواعش الذين بدأوا بمهاجمة البيوت التي فيها شباب، ممّا دل على وجود أدلّاء بدو بينهم يَعرفون السكّان، وعندما استلم شبابنا مواقعهم على السطوح منعناهم من استلام مواقع مهمّة، كان سلاحنا روسيّاً؛ بنادق كلاشينكوف فقط، أمّا هم فكانت أسلحتهم أكثر تطوراً وغزارة نيران، ومعهم قناصات أمريكيّة ورشاشات وقنابل وأحزمة ناسفة ومناظير ليليّة…

شهادات المقاتلين

روى أحد المقاتلين: “نهضنا صباحاً على لعلعة الرصاص. طَوَّق بيتي نحو ثمانية دواعش، بيتي طابق أرضي (قوّسوا) علينا من الشّبابيك، ولمّا عجزوا عن اقتحام البيت أخذوا يرمون القنابل، كانت زوجتي النّفساء تعبّئ لي المخازن بالخرطوش أما ابنتي وعمرها 14 سنة فكانت تتّصل بالأهل والأصدقاء وتستنجد (تُفَزّع) أيّ شخص تجد اسمه في دليل الهاتف، وعندي طفلة مُعاقة كانت تضع كتاب الله في حجرها وترفع يدها مشيرة إلى السماء تدعو الله تعالى أن يرفع هذه الغمّة عنا.

مواجهات تجري بين البيوت

الشاب علاء حمايل حمى أمّه وقتل ثلاثة من الدواعش؛ منهم اثنان على باب بيته، لكنهم مع حقدهم المسعور أحرقوا البيت، غير أنّه سحب أهله إلى السطح وتمّ إنقاذهم لكنّه قضى شهيداً في المعركة.

في تلك المواجهات كان عدد مقاتلينا المسلّحين ثمانية فقط، 4 سبق لهم أن خدموا في الجيش وأربعة لم يسبق لهم ذلك، ولكن الجميع أبدوا شجاعة منقطعة النّظير في مواجهة المعتدين، وعثرنا على ألغام زرعوها أثناء هروبهم، قتلنا منهم ثمانية .
ولما ضاق الحال بالباقين هربوا إلى الوعور الشرقية في البادية عبر الوادي العميق باتجاه الشرق، ووجدنا بطريق هروبهم معدّات إسعاف وقناني ماء. جمعنا ثمانية جثث ورأيناهم يسحبون الجرحى، ولا ندري إن كان من قتلى بينهم، ووجدنا بطاقات هويّة تشير إلى أنّ بعضهم قَدِمَ من الحجر الأسود، ومن مُخَيّم اليرموك. كان القتال قد استمرّ حتى العاشرة صباحاً حيث كنّا قد حسمنا المعركة بهزيمتهم.
استشهد منّا ثمانية شهداء، و5 جرحى وكانت مواقف شجاعة من كافة مقاتلينا على قلّة عددهم؛ فشبابنا مغتربون في الخليج ولبنان وغيرها من بلدان الاغتراب، ولم يكن الدواعش يتوقّعون المقاومة التي واجهوها في الغيضة، وممّا ساعدنا على كشف تحرّكاتهم المسافات المتباعدة بين البيوت، وهذا عنصر أثّر في إفشال الهجوم علينا، بالإضافة إلى أثر الفزعات المتتابعة التي قطعت آمال الدواعش بإحراز أي مكسب كانوا يهدفون إليه.

العدوان على الحارة الشّماليّة من قرية الغيضة

تنبّه أهل الحارة الشمالية على قلّتهم لهجمة الدّواعش على أثر اشتباك جرى بين عناصر نقطة الدفاع الوطني المكلّفة بحماية آبار الماء شرقي القرية فكانوا حذرين، وأخذوا متاريسهم المناسبة لحماية حارتهم المفصولة عن الحارة الجنوبية بالوادي العميق، ولم يستطع الدواعش الدخول إلى الحارة الشمالية التي أخذ مسلّحوها يطلقون النار عليهم من مواقعهم المرتفعة فلاذوا بالفرار. ومن البطولات التي حصلت في القرية أنّ اثنين من الأخوة من آل حمايل تمترسوا على سطح بيتهم ذي الطابقين أطلقوا أكثر من 2500 رصاصة على الدواعش الذين كانوا يحاولون اقتحام قريتهم فصدّوهم عنها خائبين، لكنّ بيتهم لم يسلم شبر واحد من جدرانه من رصاص الدواعش وقذائفهم… ومن الجدير ذكره أنه لم يسقط شهداء من سكّان الحارة الشماليّة.

دور العديد من البدو المتعاونين

لم يكن معظم البدو عنصراً محايداً فقد وُجدت على أثر التفتيش مع أحد أفراد البدو وهم راحلون على أحد الحواجز خريطة يد تبين مواقع التلول والطرق الترابية والمعبدة وعلامات مميّزة من مزارع ومداخل ومخارج القرى من دوما وطربا ورامي والشريحي والشبكي… وقد تمّ تسليم البدوي مع الخريطة في موقع شهبا.
ومع كلّ التجاوزات التي جرت من جانب بعض البدو المتعاونين مع الدواعش وما نتج عن كل ذلك من تقتيل بحق المواطنين فلا يوجد موقف عام عدائي ضدّهم في مجتمع محافظة السويداء، وبخاصة أن بدوا آخرين كانت مواقفهم وطنية وتحفظ حق الجيرة والخبز والملح، وهذا يدل على تسامح المجتمع وتعاليه على القتل والغدر.
وأخيراً نجح مقاتلو الغيضة في دحر الدّواعش عن قريتهم، ولكنهم لم يزالوا حذرين ساهرين على تنظيم حماية الغيضة والحفاظ على أمنها ليلاً ونهاراً لكيلا تتكرّر المحنة التي عبرت.


العجيلات

تقع قرية العجيلات على خط النار الشرقي للقرى المنكوبة بالعدوان الدّاعشي وتتبع لناحية المشنّف؛ وقد بُنيت القرية الأولى على قِمّة تلٍّ عالٍ، وحالياً ينتشر العمران الإسمنتي الحديث على السفح الجنوبي والغربي للتلّ الذي هو عبارة عن مخروط بركاني مرتفع (1560م فوق سطح البحر) شديد الانحدار من جهتي الشرق والشمال بين وادي أبو زرير من الغرب ومسيل الخِنْفَة من الشمال ووادي برعور من الجنوب وتلتقي هذه الأودية إلى الشرق من التل. سكانها نحو 1504 نسمة وفيها كهوف صفائية قديمة وآثار رومانية ويبدو أنها خربت لقرون مديدة إلى أن أعيد أعمارها على أيدي الموحّدين الدروز نحو أواسط القرن التاسع عشر على أثر نزوحهم القسري من لبنان.

يزرع أهلها القمح والشّعير والحمّص ذا النّكهة المميّزة المشهور باسمها “حمّص العجيلات” بالإضافة إلى تربية المواشي بالمشاركة مع البدو قبل العدوان، لكنّ مصدر الدّخل الرّئيس هو الهجرة والعمل في لبنان والخليج وغيرها من بلدان الاغتراب وتقيم أسر عديدة في السويداء لذا فإنّ عدد سكان القرية يوم الهجوم لم يكن ليتجاوز الـ 700 نسمة وهذا الفارق الكبير في عدد السكان من شأنه أن يضعف القدرة الدفاعية للمجتمع في حال تعرّضه للعدوان كما جرى.. إذ إنّ الذين شاركوا في القتال والفزعة من العجيلات هم في حدود الـ 60 مسلّحاً.

يقظة أهل القرية حَمتها من العدوان

لم يستطع الدواعش أن يصلوا في عدوانهم إلى قرية العجيلات، وكان ذلك بسبب يقظة أهل القرية وتحفّظ معظمهم عن التعامل التجاري والتهريب مع الدواعش، هذا بالإضافة لدور نقطة المراقبة التابعة للدّفاع المدني المتقدّمة إلى الشرق من القرية باتجاه خربة الدّياثة، ولأداء مقاتليها المميّز وصمودهم الأسطوري في صد الهجوم الداعشي.
كانت نقطة الدّفاع الوطني (نقطة العجيلات ـ الدّياثة) في موقع يُدعى بـ “الحريق” وتبعد شرقاً عن العجيلات 5 كلم، و2 كلم عن خربة الدِّياثة شرقيّها، حيث لم يتهاون عناصرها بالمراقبة، وكان يقودها قائد يقظ من أبناء المنطقة، كان قد عمل على تحذير القرى من خطر وشيك قبل يوم العدوان بعشرة أيام، وقبلها فعل الأمر نفسه في شهر حزيران 2018. يقول شاهد عيان: ” كان الدواعش حينذاك قد حاولوا التقدّم من جهة البادية باتّجاه قرى الموحّدين وتمركزوا شمال الدّياثة بنحو 3 كلم (الدياثة خربة تبعد عن العجيلات نحو 7 كلم وكان الدواعش يعتبرونها ضمن حدود دولتهم الإسلامية المزعومة) تظاهروا بادئ الأمر أنهم رعاة أغنام، “لكنّنا أدركنا أنّهم دواعش بامتياز وتعاملنا معهم آنذاك بالرمايات من السلاح المتوفّر لدينا. وفي واقع الحال لم تكن من سيطرة فعليّة محقّقة على أبعد من 3 كلم شرق قرى الأهالي التي تمّ العدوان عليها. أمّا اليوم وبعد المذبحة فقد صارت الدولة تطاردهم بقواتها وطيرانها بعيداً إلى الشرق، لكن انتشارهم وضبط تحرّكاتهم عبر أراضٍ شديدة الوعورة يصعب اجتثاثه ما لم تُرْدَم الآبار الموجودة في البادية وتُجرف المغاور التي يتّخذون منها مستودعات لأسلحتهم وقواعد لكمائنهم بهدف منع تكرار عدوانهم على القرى”.

شاهد عيان يروي وقائع المعركة

يقول أحدهم: “وصلنا خبر الساعة الثالثة صباحاً من صديق بدوي أنهم سيهجمون علينا (قبل ساعة من موعد الهجوم تقريباً).
وقد هاجمونا نحو الساعة الرابعة وعشر دقائق، من أربعة محاور من جميع الاتّجاهات بعدد نحو 50 داعشيّاً مهاجماً وأما العناصر الخلفيّة المساندة لهم فلا نستطيع تقدير أعدادهم، فهم كانوا يتأهّبون للسيطرة على قرانا متى أُتيح لهم ذلك…
كان المهاجمون يكبّرون صارخين ” جاءتكم الدولة الإسلاميّة، سلّموا أنفسكم يا كفار… ومفردات كثيرة بذيئة ومماثلة” كنّا نردّ عليهم “نحن أحفاد سلطان يا كلاب”.
كان عددنا في مركز المراقبة 27 مقاتلا. في المرحلة الأولى من الهجوم هاجمونا وكان معهم 6 سيارات نقل عناصر وثلاث سيّارات قتال حربيّة واستخدموا ضدّنا رمايات نارية غزيرة من أسلحة مختلفة منها الـ bkc والرشّاشات 14,5، عدد2، والمدفع الرشاش 23 عدد 1، وقنّاصة 12,7عدد3 والآخرون كانوا يستخدمون ضدّنا البنادق الآليّة. هاجمونا أوّلاً من جهة الشرق قبل أن يعملوا على محاولة الالتفاف حولنا.
استخدموا في هجومهم علينا ما يُدعى بأسلوب هجوم العقرب، أي عبارة عن رمايات غزيرة من الرّشاشات المتوسطة كتغطية نارية كثيفة بحيث يتمكّن عناصر الهجوم بالتقدم باتجاه الهدف وعند بلوغهم إيّاه تتوقّف الرمايات ويبدأ المهاجمون بتطهير المنطقة المُستولى عليها.
وردّاً على الهجوم الداعشي ومع بدء الرّمايات خرج مقاتلان منّا من مدخل المركز باتجاة الغرب وبدأا بالتّغطية النارية في مواجهة العدو الذي أخذ عناصره في الالتفاف من خلفنا.
من جهة الشمال تمركز الدواعش في منطقة (خلّة الجمل) كانوا يرموننا بقناصة bkc وقاذف rpg ومدفع هاون60 ومن الجنوب كان يرمي علينا bkc وقناصون آخرون، ومن الغرب 20 داعشياً أسلحتهم 5,5 مم و bkc وقاذف RPG وبنادق آلية بالإضافة إلى استخدامهم القنابل الهجوميّة، وقد اتبّعنا معهم بدايةً أسلوب القتال بالرمي دراكاً بهدوء، وبالثبات في مواقعنا وضبط النفس…

نقاتلهم ونغني

ولرفع معنويّات زملائنا صرنا فيما بعد نقاتل ونغنّي ورفاقنا يردون علينا ونحن نطلق النار ” من عاين النشامى/ ربعي بني معروفِ/ سيروا يرعاكم اللهْ/ يا عنوان الشموخِ… ” إلخ، كان همّنا مواجهتهم وصدّهم، وفي الوقت نفسه الحفاظ على ذخيرتنا بعدم التفريط بها، والرّمي على الهدف العدو مباشرة. كان مع أحد المقاتلين ترمس قهوة مُرَّة، شربنا القهوة مُناولةً ونحن نجابه الأوغاد، ونُحْبِط هجومَهم (العقربيّ).
فيما بعد شدّدوا من هجومهم علينا، بالرّمايات النارية من جهة الشرق وقد رمَوْنا بكافة أنواع الرّمايات بالإضافة إلى قذائف الهاون عيار 81 وصواريخ تُدعى (لاوِ) صنع إسرائيلي وقواذف الـ RPG وفي هذه الأثناء تحمّس رفيقنا المقاتل أكرم شحاذة الخطيب (هو من قرية طربا) يريد الالتفاف خارج المبنى باتجاه الغرب، وقد حاولنا منعه من فعل ذلك بسبب كثافة النيران التي تنصبّ علينا، كان ينوي كسر الحصار من حولنا بمبادرة وبشجاعة فردية منه، لكنّه لم يصغِ لنا، فلم يلبث أن استشهد وبعدها بعشر دقائق رمَوْا علينا أربعة قذائف صاروخيّة الأخيرة منها دخلت المبنى فأصيب بنتيجتها مُسعفنا الحربيّ البطل في رأسه بشظايا، وأصيب مقاتل آخر كان إلى جانبي في صدره… كنّا نقاتل عبر نوافذ المبنى.
طلب المسعف الحربي الجريح منّي أن أناوله الحقيبة الطبيّة، مسح وجهه من الدّم الذي صبغه وضمّد جراح رأسه بنفسه وغسل نظّارته الطبيّة وعالج جراح صدر زميلنا المصاب الآخر وكان هذا هو رامي الـ bkc الأصلي الذي أعجزته إصابته عن متابعة الرّمي…

قتال تحت الحصار

كان الرّجال يقاتلون على مسافات متباينة بين عشرة أمتار ومئتي متر تقريباً من حول مبنى المركز ويعرقلون تقدم الدواعش المُصَمّمين على اقتحام المبنى الذي تتمّ من خلاله عملية توجيه وقيادة المعركة.
يقول أحد المقاتلين: “في تلك اللّحظات الحرجة تناولت قناصة نوع (شتير 12,7) وأخذت بالرّمي منها عبر شباك المبنى وعند إطلاق كلّ طلقة كنت أصرخ من أعماقي فرحاً وأنا أطلق على السيارة الداعشيّة التي كانت تتقدّم نحونا وتومّن التغطية الناريّة للدواعش الذين يتقدمون باتجاهنا تحت تغطيتها الناريّة، وهنا كانت المفاجأة الكبرى لنا بأهمّية هذا السّلاح النوعي ( قناصة شتير) الذي أمّنته لنا قيادة الدفاع المدني في السويداء والذي شكّل صدمة للمهاجمين من رُماة الدواعش الذين كانوا يتقدمون إلينا بثقة أكانوا من على ظهر سياراتهم أم مشاة.
عندما رميت عليهم أعطبت المدفع 23 فاضطُرّت السيارة التي تقلّه للانسحاب من أرض المعركة، وتعاملت بالقناصة ذاتها مع السيّارات المتبقية التي تحمل رشاشات 14,5 ومن خلال المناورة بين نوافذ المبنى إذ استهدفت رماة الهاون المعادي وعددهم اثنان على مَيْسرتنا”.
تمّ ضرب مجموعة الهاون الداعشية التي تواجدت على الميمنة لكنهم كانوا متحصّنين بشكل جيد وفي هذه الأثناء “ناداني أحد مقاتلينا بواسطة جهاز اتصال معه وهو مُتحصّن على الساتر التّرابي يقول لي بأن عناصر داعش وصلوا إلى مسافة 100م شرق الساتر من جهة الشّمال من الطّريق الرئيسي وأنّ أحدهم اختبأ خلف عامود الكهرباء، طلبت منه تحديد أي عامود، قال العامود الثاني من اتجاهك.
ركّزت قنّاصتي باتجاه جانب العامود الذي يلوذ به الداعشي وانتظرت حتى انطلق من مكانه باتجاهنا. رميتُه وانحنيت أتّقي غزارة الرّمايات خلف حافة النافذة، لحظتذاك تواصل معي المقاتل الصديق نفسه، وأبلغني بأنّي قتلت الداعشي.

كنت مُتعباً، فطلبت من رامي الـ bkc الذي حلّ محلّ الرامي الأصلي الجريح؛ التناوب معي على الرّمايات وكانت رمايته دقيقة جدّاً، بقي من المهاجمين باتجاهنا ثلاثة مسلّحين تمّ رميهم من قِبَلِه بسلاح الـ bkc وقام زميلنا المقاتل رامي الدّوشكا بالرمي باتجاه العدو بكثافة نيرانيّة عالية مع أنّه لدينا في هذه الزاوية رشّاشان 14,5 محمولان على سيارتين لم يتسنّ لنا استخدامهما. إذ كانت ساحة المعركة الضيقة حول المركز وكثافة النيران المنسكبة على المقاتلين قد حرمتنا من ميزة المناورة باستخدام سياراتنا القتالية الثلاث والأسلحة المحمولة عليها وهي مدفع رشاش 23 ورشاشان 14,5، فبقيت مركونة على مسافة نحو 40 متراً من مركز قيادة المعركة في المبنى؛ سيارتان في الزاوية الشرقية الجنوبية وسيارة واحدة في الزاوية الغربية الشمالية عند السواتر الترابية.
يقول الشاهد “طلبت من مقاتلينا منذ بداية المعركة أن يحتموا بالسواتر التّرابية وبالسيارات وقلت لهم “أهم شيء سلامتكم يا شباب، الله لا يرد السيارات”.
في تلك اللحظات الحرجة قام المقاتل رامي الرشاش مع رفيق آخر لنا بالتّغطية النارية من جانبنا باتجاه الشرق وكان بجانبي مقاتل لم يفارقني أبداً، إذ كان يقدم لي الذخائر أثناء قيامي بالرمي لكيلا نضيّع ثانية واحدة في مواجهة أولئك الوحوش.

فزعة غير موفّقة من قرية الكسيب

في تمام الرابعة والنصف صباحاً تواصل أحد المقاتلين يبلغني بأنّ مجموعة من أهلنا من قرية الكسيب يريدون أن يفزعوا لنا، فاعتذرت عن قبول ذلك لأنّ وضعنا بخير، ولكنهم كرّروا عرضهم، وبعد ثلاثة اعتذارات، وفي المرّة الرابعة وافقت على عرضهم، فقبلت أن ينزلوا في الرّكن الشمالي الغربي من موقعنا، وبعد ربع ساعة من وصولهم تلقَّوْا نبأً من قريتهم بأنّ الوضع لا يطمئن عندهم؛ فقرروا العودة إلى قريتهم وطلبوا من رامي المدفع الرشاش 23 الرمي باتجاه شرقي قريتهم القريبة من موقع الاشتباك عندنا وهي على مرمى نيران رشاشاتنا لقطع الطريق على الدواعش المهاجمين، وأثناء عودتهم باتجاه الغرب ومن على بعد نحو 100م من النقطة التي كانوا متمركزين فيها تمّ رمي سيارتهم من قبل كمين من عناصر داعش الذين كانوا يترصدوننا من على بعد نحو 700 م من مركزنا ولم نكن نعلم بموقعهم قبل ذلك، فاستشهد البطل مَكْرَم شبيب سلّام ومازن صياح المتني وخالد فواز المتني وأصيب بجراح ثلاثة آخرون من عناصر الفزعة, كانت الحادثة كارثة لجميعنا.
نحو الساعة الحادية عشرة صباحاً كانت المعركة قد انتهت في قطاعنا الذي كنا نقاتل فيه وانسحب الدواعش شرقاً متقهقرين، وكان الطيران السوري قد ظهر في سماء مناطق القتال نحو الساعة العاشرة حيث ضرب في مسارب الوديان والطرق التي سلكها الدواعش في شرق القرى التي هوجمت.
صمدنا لهم وكسرنا هجومهم، وقتلنا منهم 31 داعشيّاً ولم تنفعهم تكبيراتهم الكاذبة ولا آلياتهم الحربيّة الثلاث التي زجّوها في المعركة ضدّنا، ولا رشَّاشاتهم الـ 14,5 ومدفعهم الـ 23، فقد أعطبنا واحدة منها وخرجت من المعركة وقد سحبوها في الساعة 10 من اليوم الثاني بعد الهجوم.

لم تنفعهم حيل القتال ضدّنا

لقد استخدموا معنا أسلوب التّخويف والحرب النّفسية، ومحاولة عزلنا؛ إذ هاجموا القرى الواقعة إلى الخلف من موقعنا (الشّْبِكي والشّْرِيحي) أوّلاً مُعْتَبرين أنّ نجاحهم في اقتحام القُرى خلفنا سيجعل من مركزنا بحكم الساقط عسكريّاً، وقد استفادوا في ذلك من سرعة إنجاز هجومهم علينا بنقل قواتهم بسياراتهم الصّحراوية السريعة عبر طريق العجيلات الدّياثة المعبّدة والمتّصلة بمواقعهم المتقدّمة في البادية، فشدّدوا من هجومهم باتّجاهنا من جهة الشرق والجنوب حيث يبعد الطريق المعبّد إلى جهة الشمال عن مركزنا نحو العشرة أمتار فقط، التفّوا خلفنا من جهة الغرب ليقطعوا صلتنا بِقُرانا وتركوا لنا ثغرة مفتوحة من جهة الشّمال إذ وضعوا فيها كميناً من القنّاصة ورماة الـ bkc والهاون في منطقة مُشرفة على طريق انسحابنا المفترض على مسافة 700 م منّا ولم يُحرّكوا أيّة قوات من المشاة في تلك الثّغرة بهدف توريطنا في الانسحاب عبرها ومن ثم أسرنا أحياءً… ولكنهم خسروا في حسابهم الخادع ذاك، وكنّا شوكة في من حلوقهم.
في الجهة الشّمالية من موقعنا كان ينتشر بضعة عناصر من مجموعة مساندة لنا على مسافة 200 م من المبنى وقد لاحظت أنّهم قصّروا في المواجهة وعندما سألتهم لماذا لم ترموا، برّروا فعلتهم: لا نريد أن نكشف موقعنا وقصدنا أن نشكل مفاجأة للدواعش عند احتلالهم المكان!، وكان ذلك حساباً خاطئاً منهم.
كان رجال موقعنا الأبطال قد رفضوا أية دعم من الفزعات، ولدى سؤال أحدهم أجاب: “طُلب منّا الموافقة على مجيء (الفزعات) لدعمنا فلم نقبل إذ كانت معنوياتنا عالية، فنحن مسيطرون على الوضع، ولأننا نعلم بحجم الهجوم الجاري وعمليّات القنص الغادرة والالتفاف والكمائن التي تشكل خطراً على الفازعين، ولعلمنا بحاجة أهل القرى المستهدفة للفزعة أوّلا قَبْلَنا..”.
وعلى أرض المعركة حول الموقع؛ تَرَك الدواعش بعد انسحابهم من ساحة القتال في الجهة الغربية خلفنا، حيث كانوا قد عملوا على الفصل بيننا وبين قُرانا وفي الجهة الجنوبية أيضاً جثث 23 قتيلاً منهم، أمّا من الجهة الشّرقية فقد سحبوا جثث قتلاهم بالآليات الموجودة معهم.

قتال بخط نار متحرّك

قاتلناهم من داخل المبنى (البالغة مساحته 50 م2 وهو مؤلّف من غرفتين وموزّع وحمّام، وبمحاذاته تصوينة ارتفاعها 60سم) ومن حوله عبر التّحصينات التي كنّا أعددناها، وكان الرفاق ينتشرون انتشاراً قتالياً مُنَظّما حول المبنى في حدود المئة متر إلى مئتي متر، وكنّا نتواصل بواسطة اللّاسلكي، وكان خط النار والمجابهة يتذبذب بيننا وبين عناصرهم تراجُعا وتقدّماً إذ كان الاشتباك وجها لوجه يكاد يكون مباشراً أحيانا بين المتقاتلين، وعلى مسافة الـ 10 ــ 15 متراً في أحيان أخرى.
ــ ما كانت أسلحتكم؟
ــ داخل المبنى كان معنا bkc وقناصة الشتير وكلاشينات، أمّا أسلحة شبابنا في الخارج فكانت الكلاشينكوف.

دور مجموعاتنا المقاتلة في الاشتباك

المجموعة أ، وهي أول مجموعة تشتبك مع الدواعش الذين كانوا يصرخون بوحشيّة “سلّموا أنفسكم، جاءتكم الدولة الإسلامية…”
ومع إطلاق النار على سيارتنا التي تحمل المدفع الرشاش 23 تحطّم زجاجها الأمامي، وكان مقاتلونا قد أخذوا السواتر الترابية وأخذوا يطلقون النار مع التهديف.
وعندها صار مقاتلونا يغنّون بغناء الدروز الحربي فَجُنَّ جنونُ الدّواعش وطاش صوابهم وأخذوا يرشّون علينا نيراناً غزيرة، ولم يعبأ شبابنا بهم، وكانت العبارات والشتائم ونيراننا الصائبة التي لم يتوقعوها تزيد من حقدهم وغضبهم علينا، وكان الدور الأكبر في الزاوية الشمالية الغربية إلى قائد هذه المجموعة؛ كان مع رجاله فريقاً من العناصر المُمَيّزين (كان بينهم مقاتل عمره 17 سنة يحمل بارودة كلاشينكوف أخمص خشبي!) لقد كان صمودهم المعنوي أحد ركائز النّصر في تلك النقطة.
وفي الزاوية الجنوبية الغربيّة أدار القتال مع المجموعة (ب) أحد مقاتلينا الأبطال الذي اقتحم نيران العدو عندما طُلب منه التقدّم باتجاه المركز للاشتباك مع المسلحين الذين يحاولون اقتحامه ممّا أدى لإصابته بطلق ناري في صدره…
وفي الزاوية الشّرقية الجنوبيّة كانت المجموعة (د) وقد اشتبكت هذه المجموعة مع العدو من مسافة قريبة تصل إلى 15 متراً أحياناً.
أمّا مجموعة التأمين الخلفيّة (ج) وتبعد عن المركز 500 م في مزرعة هناك فقد كانت مهمّتها حماية المركز ودعمه من جهة الغرب وتأمين طريق إمدادنا وحتى انسحابنا عند الاضطرار، ولم يكن الدواعش يعلمون بهذه المجموعة لأنّنا كنّا نمركزها في الليل ونسحبها مع الصباح الباكر بحيث لم يتمكّنوا من رصدها قبلاً، وعددها خمسة أشخاص ولم تشتبك هذه المجموعة مع العدو مباشرة في المعركة بالمستوى المطلوب بسبب فقدان الاتصال بهم وعدم القدرة على التواصل والتوجيه من غرفة القيادة، ولأنّ المسافة التي تفصلهم عنّا تجعلهم مكشوفين للعدو في حال تحرّكهم لدعمنا، فعندما حاول اثنان منهم وهما الشهيد رامز سليم أبو زيدان والشهيد سميح حسين أبو زيدان التقدم باتجاهنا بدون التنسيق معنا تم قنصهما فاستشهدا.

دور الشهداء الفعّال في المواجهات

عند بدء الهجوم الدّاعشي، بادر المقاتل أكرم شحاذة الخطيب مستعجلاً (ثلاثيني العمر) قاصداً الالتفاف من شرق المبنى إلى جهة الغرب فاستشهد من فوره، أمّا المقاتل رامز سليم أبو زيدان (ثلاثيني العمر) استشهد بعيدا عن المبنى غرباً على مسافة 250 متراً أثناء تقدّمه لمؤازرتنا وكان معه سميح أبو زيدان (نحو 45 سنة)،
صالح نور الدين أبو زيدان (50) سنة استشهد غرب المبنى على مسافة نحو 200م، وكان قادماً من العجيلات بهدف مؤازرتنا من جهة الغرب.
مكرم سلّام وخالد المتني ومازن المتني استشهدوا داخل سيارة كانت تقلّهم (على مسافة 170م غرب مبنى قيادة المعركة)، وهم من مجموعة فازعين جاؤونا من الكسيب ولم نكن نرغب بمجيئهم إلينا لكنّهم أصروا على المجيء فكان ما كان.

التّراجع إلى تلّ مسلّم

بقي المقاتلون في نقطة دفاعهم حتى الساعة الرابعة عصراً ثم تراجعوا غرباً إلى نقطة تل مسلّم إلى الغرب من موقعهم على مسافة 2 كلم منه فقد كان العناصر بحاجة للرّاحة كما كان هَوْل الأخبار التي وردت للجميع من الشبكي والمجازر الجماعية خصوصاً، ومن الشّريحي ورامي وغيرها بالإضافة أنّ خط الإمداد في تل مسلّم أقصر وأكثر أمناً والتضاريس هناك تؤمن للمقاتلين حماية أفضل كما أنّ فقدانهم لعدد من الشهداء جعلهم أكثر حذراً وتحسّباً من ردود فعل معادية ممّا جعلهم يختارون مكانًا يسهل الدفاع عنه.
ولدى سؤالنا: لما ذا لم تلاحقوهم بعد انسحابهم وتستفيدوا من نصركم عليهم؟
أُجِبنا: في ذلك اليوم كانت ملاحقة المهزومين مُقامرة قتالية غير محسوبة النتائج، لأخذنا بالاعتبار:
1- أنهم ينشرون قناصيهم على شكل كمائن في مواقع وعرة خفيّة علينا وفي مناطق يصعب تطيهرها وعبورها خلفهم وهم متمركزون فيها منذ سنوات.
2- احتمالنا أنّهم زرعوا ألغاماً في طرق انسحابهم وليست لدينا عناصر هندسة تقوم بإزالة الألغام.
3- قلة عديدنا قياساً لأعدادهم فلديهم في المواقع الخلفيّة آلاف من الدواعش الذين خَبروا المنطقة يكمنون في المغاور والآبار الجافّة التي يرتادونها بالسلالم الحديدية … ويتربّصون بالجروف الصخريّة وهم يتقنون أساليب القتال في البادية عموماً… وكل ذلك يكبّدنا خسائر بشرية كبيرة.

الهجوم الداعشي لم يكن مفاجئاً

يقول أحد الناشطين في مواجهة الدواعش: “بتاريخ 15/6 تمّ تبليغ كافة القرى باحتمال هجوم داعشي على جميع قرى المنطقة الشرقية، وتمّ إعلام الناس في بعض القرى بواسطة مكبّرات الصوت وبناء على ذلك تم تشكيل نقاط عسكرية للدفاع عن المنطقة ومنه نقطتنا هذه لكنّ معظم الناس في القرى، كانت تأخذ تحذيراتنا تلك بشكل استهتاري وكان من أسباب ذلك الاستهتار وقلة الحرص والشعور بأمان وهمي وأمور أخرى معروفة.
أمّا بالنسبة للتّبليغ ليلة الهجوم فلم يكن من علم لأحد بذلك ولكن قائد أحد قطاعات الدفاع المدني بُلّغَ شخصيًا بواسطة صديق بدوي بأنّ داعش ستُهاجم النقطة العسكرية التي تتمركز فيها وحدته قبل وقت الهجوم في الساعة الثالثة بينما وقع الهجوم في الرابعة وعشر دقائق.
وعموماً فقد كان يتواجد لدى كثير من الناس بنادق الكلاشنكوف وقد تم إحداث 7 نقاط للدفاع الوطني في المنطقة للتّصدّي لأيّ هجوم مُتَوقّع أو غير متوقّع، لكنّ الدفاع الوطني اضطرّ لإلغاء نقطتين لعدم وجود شبان ملتزمين بالدّوام فيهما، وقد قامت قيادة الدفاع الوطني في السويداء بإمداد النقاط العاملة المتعاونة بسلاح متوسط وثقيل.

الشّْبِكي والشّرِيحي الأكثر تضرّراً

يقول شاهد عيان: “كانت الضربات الداعشية في قريتيّ الشّبكي والشّريحي أكثر إيلاماً لأنّ نقطتي الرّصد والدفاع الخاصتين بهما لم تلتزما بالعمل الجدّي في المراقبة، وذلك تسبّب بدخول المسلحين عبر طريق معبّدة بطول 8 كلم تتصل بعمق البادية بين قريتي رامي والشّريحي في منطقة أم حسن”، وكانت البادية حينها منطقة خارجة عن السيطرة يتمرّح فيها الدواعش على هواهم وقد فرضوا بيعتهم على البدو الذين خيّروهم بين القبول بدولتهم الإسلاميّة المزعومة أو القتل أو الرّحيل عن المنطقة..”.


طَرْبا

تقع طربا على مُنْبَسَط سهلي على كتف وادٍ يحمل اسمها وتطلّ من موقعها ذاك على البادية إلى الشرق منها ويبلغ ارتفاعها 1450 متراً فوق سطح البحر وعدد سكانها 3118 نسمة (أمّا في يوم العدوان فالعدد نحو ألفي نسمة) وهي قرية أثريّة إعمارها قديم ومن أهم آثارها بقايا سور قديم ومبانٍ مُتَهَدّمة من قناطر ونقوش وأساسات وبقايا معبد وثني روماني تحوّل إلى كنيسة مسيحيّة مع تحوّل الرّومان إلى النصرانيّة في القرن الرابع الميلادي.
مساكنها القديمة مبنية من الحجر البازلتي ومسقوفة بربد محمول على قناطر وأمّا الحديثة منها فمبنيّة من الحجر الإسمنتي والسقوف من الإسمنت المسلّح.
وتزرع طربا الحبوب، من القمح والشعير والحمّص بالإضافة إلى أشجار الكرمة والتفاح واللّوزيات ويهتمّ السكان بتربية المواشي ويهاجر العديد منهم إلى دول النفط وغيرها من المغتربات وتكثر فيها الينابيع ويشرف عليها تل أبو العز الذي تكسوه الثلوج طوال فصل الشتاء.

هجوم الدواعش على طربا

هوجمت طربا من جهة الشّمال ويقدّر عدد عناصر الهجوم الداعشي نحو خمسين أمّا عناصر الدعم الخلفية فما من معلومات عنها، وحسب شهود عيان فإن المهاجمين أوقفوا سياراتهم وعددها 7 سيارات شمال شرق التل القريب بمسافة 1500م، وتوجهوا بعدها إلى طربا ودوما، وانسحبوا من المكان ذاته بمعونة أدلّاء من البدو.
هاجم الدواعش طربا عبر هجومهم من نقطة الحماية والمراقبة في تل بصير شمال شرق القرية (تبعد قمّة التل عن أقرب بيت نحو 400م) وكان عدد عناصر الدفاع في النقطة 6 عناصر (من أبناء المنطقة) مسلّحين ببنادق وسيّارة دوشكا كانوا قد شاهدوا الاشتباك من موقعهم المرتفع على تل بصير إلى جهة الشمال منهم ببضعة كيلو مترات في قرية دوما نحو الساعة الرابعة والربع صباحاً فأخذوا شيئاً من الحذر، لكنهم فوجئوا بالدواعش أمامهم على بُعد خمسين متراً وهم يفتحون نيران رشاشاتهم عليهم باتجاه غرفة الدفاع الوطني وأثناء الاشتباك مع المهاجمين قُتِل 3 من الدواعش واستُشهد مبارك الخطيب وجرح 3 عناصر من الموقع ، واستطاع أحد الناجين من العناصر بعد نفاذ ذخيرته سحب المصابين والنزول عن التلّ، في حين بقي مقاتل آخر في التلّة مختبئاً في أحد الكهوف حيث كان المسلّحون فُوَيْقَ مخبئه بعشرة أمتار من جهة الشرق المشرف على قرية الكسيب التي فزع رجالها ليشاركوا بمواجهة الدواعش من قريتهم التي تبعد عن التل نحو 1كلم فقط، الأمر الذي جعل الدواعش يتحصّنون بالمرتفع الذي حوصروا فيه بنتيجة رمايات الفازعين فحرمهم انشغالهم ذلك من وقت البحث عن مكان العنصر المختبئ القريب جداً منهم والذي بقي فيه ملتجئاً حتى نهاية الاشتباك..
لكنّ الدواعش أمطروا بيوت القرية في طربا برشقات من رشاش الـ bkc الذي غنموه من عناصر المراقبة على التلّ. ولم يعد سرّا ما جرى لنقطة المراقبة في التل فصحا الناس على أثر الاشتباك واتخذ الأهالي المقاومون للهجوم من حيطان القرية الشرقية الشمالية خطّاً دفاعياً وهم غير عالمين بأنّ الدواعش قد سيطروا على التل المشرف على القرية إلاّ عندما وجّه الدواعش نيران أسلحتهم وذخيرة رشاش الدوشكا الذي استولوا عليه في النقطة وأفرغوا قذائفهم ونيرانهم رشّاً عشوائياً على بيوت القرية.
عندها نزل نحو 16 مسلّحاً إلى الكروم شمال القرية وتقدموا باتجاه التل إلى مسافة مئتي متر وتمكّنوا بعد مجابهه قصيرة من قتل ثلاثة من الدواعش وسحبوا جثة أحدهم نحو القرية ووجدوا خلفهم 3 بنادق و3جعب وحزامين ناسفين.

فضل عناصر المراقبة!

إنّ عناصر نقطة الدفاع الوطني كانوا بفضل مواجهتهم وعلى قلّتهم سبب فشل الدواعش رغم استيلائهم على الموقع في اقتحام طربا، التي تنبّه أهلها فأخذوا بالتّصدّي لهم فقصفوها بقذائف الهاون وقذائف الـ RPG وضربوا على بيوت السكان من مكان السيارات شرق التل من المدفع الرشاش 23 انتقاماً منهم.
أمّا بقية المسلّحين الدواعش فإنهم بعد صدمتهم بخسارة القتلى الأوائل منهم والذين قُدّر عددهم بثلاثة ما عدا الجرحى وشعورهم بالمقاومة التي لم يتوقعوها فقد انسحبوا تحت تغطية كثيفة بنيران غزيرة من رشاشات الـ bkc وبنادقهم الآلية ساحبين معهم قتلى وجرحى لم يتم معرفة عددهم.

طربا على جبهة قتال مع الدواعش

دام الاشتباك على التلّ جهة الشمال الشرقي من القرية نحو نصف ساعة فقط، أمّا من جهة الشرق فقد استمرّ نحو 4 ساعات وكان الأعنف ويُقَدّر عدد المهاجمين نحو 50 داعشيّاً. فيما عدا عناصر الإسناد الخلفي الذين يصعب تقدير أعدادهم، يقول أحد شهود المعركة: ” كانت أسلحة الدواعش قناصات وبنادق آلية ودوشكات 23 وهاون وآر بي جي وضربوا على التلّ صاروخاً صغيراً وجدنا أنبوبه على التل لا أعرف ما هو”.

يقول أحد أهالي البلدة: “كانت طربا جاهزة لمواجهة أي عدوان غير أنها فوجئت كغيرها من القرى” ولا بدّ أنّ المفاجأة تحقّقت بسبب الاستسهال والميل الفطري لدى الناس للإحساس بالأمان الزائف والاطمئنان غير المبرّر في زمن الاضطرابات والتدخّلات الخارجية رغم التحذيرات السابقة من قيادة الدفاع الوطني للأهالي.
ويقول آخر: طربا مستعدّة وفيها أكثر من 300 مقاتل، وسيارتا دوشكا و RPG وbkc عدد 4.
كان قناصة الدواعش قد تمركزوا من جهة شرق البلدة أيضاً بأعداد من رماة الرشاشات والبنادق وكانوا قد تموضعوا في أماكنهم في خط المواجهة الأول قبل بزوغ الفجر.
وفي الفترة التي كان فيها الدواعش يُمَشّطون النقطة التي على التل سكت الرصاص نحو بضعة دقائق، في تلك الفترة من قبيل الفجر وصل إلى خط مواجهة الدواعش نحو 25 شاباً من طربا وكانت أقرب نقطة اشتباك تبعد عن التل 350 إلى 400م، وعند طلوع الفجر تمكّن الدواعش من قنص عاهد الغوطاني فاستشهد من فوره، وجرح حسن سلام وضياء سلام من قبل القنّاص ذاته، ولم يستطع بعدها أحد من الشباب الاقتراب من خط المواجهة مع الدواعش بسبب تحكّم قناصيهم بالطريق فرموا على البلدة نيراناً غزيرة فأصابوا البيوت وكسروا زجاج النوافذ وخزانات المياه …
يقول شاهد عيان: “أخذ رجالنا يرمون عليهم كلٌّ من موقعه باتّجاه التل وكان مع أحدنا منظار مركّب على سيمينوف، استطاع أن يرى القنّاص مموِّهاً نفسه ببطانية(حرام) فتمكن من قتله هو ومن حوله من رماة الـ bkc فأتى أحد الدواعش وقام بحمل جثّة القنّاص مع البطّانية فصبّ الكلّ النيران عليه فقتل بينما قام الآخرون بسحب جثث القتلى الّذين بقيت دماؤهم واضحة على التراب”.
من زاوية أخرى كان مقاتلو طربا يشاهدون الدواعش وهم يسحبون جثث قتلاهم مستترين بحائط من حجارة كرم، بينما قامت مجموعة من خمسة أشخاص من مسلّحي طربا بالبنادق الرّوسية بالرمي عليهم فقتلوا منهم ثمانية، وكان عنصر الدفاع المدني المختبئ في الكهف يسمع صيحاتهم وعويلهم.
يقول من شهد المعركة أنّ الطيران السوري ظهر في السماء وضرب ثلاث ضربات فلم يحقّق إصابات مباشرة لخوفه على الأهالي بسبب أنّ الاشتباك مع الدواعش كان من مواقع يصعب التمييز فيها بين الصديق والعدو الداعشي، لكنه ضرب سيارات المسلّحين شرقيّ التل في إحدى الطّلعات وأصاب واحدة منها.
وقد حاولت إحدى سيارات الدوشكا التابعة لنا الاقتراب والرمي على الإرهابيين المتمركزين على التل فأصيبت بطلق من قنّاص إرهابي في شبّاك السائق ممّا اضطرّ سائقها للانسحاب إلى مكان بعيد نسبيّاً والرّمي منه، أمّا سيارة الدوشكا الثانية فقد أُحدثت لها فتحة عبر سور كرم وتموضعت في محل يمكنها من الرمي مع تحاشي نار القنص المعادي. ولمّا نفذت الذّخيرة من المقاتلين تمكّن شاب شجاع من الزّحف مسافة نحو مئة متر وتوصيل الذخيرة لهم.

يقول أحد شهود المعركة: إنّ مجموعة من رماة الـ RPG الصديق قاموا بالرّمي ممّا خفف عنّا من حدّة صبيب نيرانهم، والطريف أنّهم رمَوْا على التل وكانوا لأول مرّة يقومون بالرّمي، فأصابوا القنّاص العدوّ وأربكوا الدّواعش الذين عندما قُتل صاحبهم، قام أحدهم بسحبه وفي تلك الآونة “استطعنا بكل برودة أعصاب أنا وال 5 الذين كنّا معاً أن نصّحح الرمي لبعضنا بعضاً من خلال الطّلقات الخطاطة وحققنا إصابات”.
هكذا تحوّل الصياد الدّاعشي إلى طريدة فَمَنْ أتَوْا مُهاجمين أصبحوا بعد الفجر مُدافعين مشغولين بسحب جثث قتلاهم وجرحاهم.
في الجهة الشّمالية استطاع الدواعش سحب قتلاهم وجرحاهم بواسطة درّاجتين ناريتين أخذوهما من أحد بيوت البدو شمال التل ولم يتمّ التعامل معهم قتاليّاً بسبب الظنّ أنهم من بدو طربا ويحاولون الهرب.
يقول أحد أهالي طربا ما يلي: “إنّ مِنْ سكان طربا من البدو (يقدّر عدد المتبقين منهم نحو 50 نسمة) من هو مع الدواعش وآخر ضِدّهم وهذه الشكوك لم تزل محطّ بحث وهناك من كان منهم قائداً في داعش والبعض عاد وعمل تسوية والبعض الآخر مازال معهم والبعض قُتل والأهالي منقسمون بين من يريد ترحيلهم وبين من يأمن جانبهم”.
كانت حارة البدو من سكان القرية هي الأقرب للتل ولم يشارك أهلها في صدّ الهجوم مع الأهالي ولم يصابوا بأذى من الدواعش وكان بعضهم قد اتّصل الساعة الرابعة قُبيل الهجوم مباشرة مُحَذِّراً من العدوان.
يقول آخر: “كانت خطة الدواعش كما اعترف بعضهم قتل أكبر عدد من الناس وأسر 1500 ليبادلوهم بدواعش حوض اليرموك الذين كانوا محاصَرين في درعا ولكن الجيش السوري كان قد أنهى أمر من كان في حوض اليرموك منهم..”.
وقد تواصل معنا الفازعون والعديد من أهالي القرى المُستهدَفة بالعدوان مع الصباح الباكر، ولكن الطريق كان محكوماً بقنّاصة الدواعش، نصحنا بعض الفازعين بالذهاب لنجدة قرية دوما، كما وجّهنا دفعات أخرى منهم إلى قرى رامي والشّريحي والشّبكي لأنّ الاشتباك عندنا في طربا كان قد انتهى نحو الساعة السابعة إذ قاموا بحرق سيارة الدّوشكا التي سبق لهم أن سيطروا عليها في التل وبدأوا بتغطية انسحابهم. وفشلوا في اقتحام البلدة فأقرب جثة لهم سقطت على مسافة 200م منها.
لكن آثار رصاصهم وعدوانهم لم تزل ماثلة على زجاج النوافذ المحطّم وجدران البيوت وخزانات المياه على السطوح وأجهزة الطاقة الشمسيّة …


تَيْما

تقع قرية تيما بين قريتي طربا ودوما على خطّ النار من القرى التي استهدفها عدوان الدّواعش شرقي الجبل، ويبلغ عدد سكانها إحصائيّاً 1700 نسمة، تبعد عن شهبا إلى الغرب منها 13 كلم، ويعود إعمارها لعصر الأنباط قبل الميلاد بقرون وحتى القرن الأوّل الميلادي، واستمرّ إعمارها في العصر الروماني والبيزنطي، وبها بيوت قديمة تعود لتلك العصور… وقد خَربت بعد الفتح العربي الإسلامي قروناً طويلة إلى أن أعاد إعمارها الموحدون الدروز المهجّرون من لبنان نحو عام 1820م*، وعائلات تيما هم آل شرف وزين الدّين وطَحْطَح وعلبة وشرّوف وأبو عين وهزيمة وبهاء الدّين وزيتونة وفهد.
يعمل سكّانها بزراعة القمح والشعير والبقوليّات وأشجار الكرمة والتين والزيتون واللوزيّات ويهتمون بتربية المواشي، ويهاجر شبّانها إلى دول الخليج وغيرها من المُغْتَربات، وتعمل الفتيات بصناعة السجّاد اليدوي ويشرب سكّانها من مياه الينابيع.
وأمّا في يوم العدوان فقد كان عدد سكان تيما نحو 1250 نسمة.

توقيت العدوان

هوجمت تيما بالدواعش نحو الساعة الرّابعة من صباح يوم 25 تموز 2018 من جهة الشرق حيث يستوطن الدّواعش في بيئة بدوية فرضوا عليها أن تبايعهم وتحضنهم، وتقدّم لهم قسراً الملجأ الآمن.
قَدِم المهاجمون من قواعدهم القريبة ومنها تل الحِصْن وتل رَزِين (على مسافة 8 كلم شرق تيما) ومن منطقة “الطّمثونة” وغيرها من المواقع والمغاور.
أمّا قواعدهم الأبعد فهي في التّنف على الحدود الأردنية السّورية العراقية على مسافة نحو 130 كلم شرق القرى المُستَهدَفة كسند تدريب وتسليح وتمويل لهم…
كان عدد المهاجمين نحو 30 داعشيّاً فيما عدا عناصر الإسناد الخلفيّة…
دخل المهاجمون بادئ الأمر بين البيوت، وتوغّلوا وسط القرية حتى الموقف العام لبيت الضيعة مُسْتَغلين الإهمال الأمني من أهالي القرية الآمنين.

المواجهة والاشتباك

كان أحد الأشخاص قد أستنهض صديقه من شبّان الدّفاع الوطني الناشطين مُنبّهاً إياه أنّ هجوماً قد وقع على القرية، فبادر الشابّ باستنفار رفاقه وانطلق بسلاحه في غَبَش الفجر باتجاه ضوضاء الذين تغلغلوا داخل القرية وعلى لعلعة الرصاص وتكبيرات الدواعش تبشيراً بدولتهم المزعومة.
باتجاه مصدر الضوضاء وسط القرية تقدّم الشابّ بِحَذَر يتبعه آخرون من رفاقه الذين هبّوا بأسلحتهم، كان الدواعش المهاجمون يتحرّكون بِحُرِّية في المكان تحت تغطية نارية من مجموعة إسناد تابعة لهم شرق القرية…

كما وصل إلى تيما مع الدقائق الأولى من الهجوم شابّان أخوان من قرية عراجة التي تبعد عن تيما بضعة كيلومترات إلى جهة الشّمال، كان قد طلب فزعتهم شيخ من آل شرّوف تنبّه لما يجري من هجومٍ على القرية، وفي حال وصول الشابّين صَعَدا إلى سطح آل شروف…
قبالتهم هناك أسفل السطح بيت مُجاور قريب، كان ثلاثة من الدّواعش يطرقون بابه، وكان الصّباح قد اتّضح قليلاً. تعَمّدَ أحد الشابّين إطلاق النار عليهم فنهاه أخوه:
ــ مهلاً، لعلّهم من أهل الضّيعة.
اشتدّ الطّرق على الباب وسمع الشابّان صوت الدّاعشي يكبّر ويقول:
افتح الباب، جاءتكم الدّولة الإسلاميّة، افتح أو نُفَجّر البيت خلال 20 ثانية، ما كان من أحد الشّابين إلّا أن رماهم برصاصِهِ ففوجئ ثلاثتهم والتفتوا إلى الجهة التي أتتهم منها نار الأخوين من على السطح يريدون أن يردّوا بنارهم هم الآخرون، لكنّ نار الأخوين كانت قد سبقتهم فوقع أحدهم قتيلاً، (ويبدو أن القتيل كان هو قائد الهجوم على القرية). كان من خلفهم عناصر حماية لهم، فتبادل الجميع الرّمي بغزارة نارية لم تكن من قبل، وتفازع الرجال من مختلف أطراف القرية وأخذ الدواعش بالتّراجع شرقاً أمام المُدافعين عن القرية مُنسحبين باتجاه بيوت البدو الذين كانوا يخيّمون يومها على مبعدة 1,5 كلم من القرية وقد تبين فيما بعد أنّ جريحين آخرين غير القائد القتيل أصيبا في الاشتباك القصير الذي جرى وقد تمّ سحبهما مع جثته من قِبَل عناصر الدّعم التي كانت تغطي إجرامهم…

مقتل القائد الداعشيّ حسم المعركة في تيما

استنتج كثيرون أنّ القتيل وهو أحد الثلاثة الذين كانوا يطرقون الباب هو قائد عمليّة الهجوم على تيما فقد وجدوا في المكان الذي سقط فيه مقتولاً جهاز اتصال نوع تياترا، وهذا في العادة يحمله العناصر القياديون في الدّواعش، كما وُجِدت خلف المهزومين جعبة وقد ثَقّبها الرصاص في أكثر من مكان وفيها ستّة مخازن محشوّة بالرّصاص وعليها كتلة من لحم القتيل؛ فالرّصاصة القاتلة كانت قد اخترقته من بطنه وخرجت من ظهره، ونقعة من الدم خبصت فيها قدمٌ عاريةٌ وقد رُمِيت جواربه وخفّافته جانباً وهذا يدلّ على أنّ رصاصات كثيرة أصابته بجسمه وقدمه، كما وجدوا بارودة روسيّة اخترق الرّصاص أخمصها الخشبيّ، وقد ترك الدواعش المندحرون في تيما لغمَيْن ضدّ الآليات غير منصوبين، ويبدو أنهم كانوا يُعدّانهما للنّصب خلفهم عند الانسحاب، لكنّ مقتل قائدهم والمواجهة الحامية التي لَقَوْها، كلّ ذلك جعلهم ينهزمون بجثّة قائدهم، وعدد من الجرحى لا نستطيع تقديره تاركين خلفهم ما تركوه.ويبدو من روايات شهود العيان أنّ ترابُطاً مُنَظّماً كان بين المُهاجمين على قريتي تيما ودوما معاً في وقت واحد…

ففي الحارة الجنوبية من دوما وأثناء المعركة سُمِع قائد الدواعش الجريح ينادي على جهاز الاصال مباشرة فيقول: نحن خَسرنا في دوما، انسحبوا… وذلك قبل أن يُقتل فيما بعد، ويبدو أنّ هذا كان سبباً آخر لانسحاب الدواعش من تَيما بالإضافة إلى مقتل قائدهم هناك (في دوما) في نصف الساعة الأولى من الهجوم.
يذكر أحد المقاتلين: كنّا قد طردناهم وطهّرنا القرية منهم نحو الساعة السادسة صباحاً. لكنّهم لم يتركوا في تيما قتلى ولا جرحى.
ويقول شاهد عيان: كانت قد وصلتنا فزعات بالإضافة إلى أَخَوَي عراجة، منها فصيل من قرية نمرة وصلوا في الساعة السادسة والنصف وفزعة أخرى من مدينة شهبا وعدد من القرى… غير أنّ المعركة كانت قد انتهت تماماً نحو السادسة والنّصف صباحاً، إذ توقف إطلاق النار علينا من جهة الشرق وهي الجهة التي انسحبوا إليها.
كانت تيما قد واجهت أولئك المهاجمين بعدد نحو 45 رجلاً من أبنائها، منهم 16 مقاتلاً من عناصر الدفاع الوطني معهم رشاشان وبنادق روسيّة، والآخرون أسلحتهم بنادق روسية وبنادق تشيكيّة وأسلحة صيد.

المعركة في تيما جزء من معركة القرى

يقول أحد قادة الدفاع عن تيما: بعد دحر الدّواعش من القرية وصلنا نبأ أنّ جماعة منهم استولَوْا على تل بصير المشرف على قرية طربا فتوجّهنا من فورنا نحن مقاتلي القرية، وتابعنا مناوشتهم فاشتبكنا معهم أكثر من 40 دقيقة شرقي تيما للجنوب بنحو 800م. وعند وصولنا قرب تل بصير رأيناهم ينسحبون من هناك فتمّ الاشتباك معهم مدّة أكثر من 40 دقيقة أُخرى وكان معهم بعض الجرحى… وكان بودنا ملاحقتهم لكنّ تدخّل الطيران الحربي السوري مَنَعَنا من ذلك لكيلا يحدث تداخل بيننا وبينهم يعرقل عمليّة ضرب الطيران لهم، وكان أول ظهور للطّيران الملاحق للدّواعش نحو الساعة 7,30 بعد اتّضاح الرؤية.


دوما

هي من القرى الشّماليّة في المقرن الشرقي للجبل، وتتبع ناحية شَقَّا وتتموضع فوق سفح جبلي على أطراف البادية السوريّة الجنوبيّة التي تمتدّ بعيداً إلى الشرق منها، وفي دوما إعمار قديم يعود للعصور الرّومانية، فمعبدها الوثني تحوّل إلى كنيسة في القرن الرابع الميلادي مع تحوّل الرّومان إلى الديانة المسيحية إلّا أنّ دوما خَربت قروناً مديدة إلى أن أعادت إعمارها أولى العائلات الدرزية من آل حرب القادمة من غريفة الشوف، فقاموا بإحياء مواتها وإعادتها للحياة الحضرية نحو العقدين الأوليين من القرن التاسع عشر.
وهي قرية قديمة فيها عدد من المباني الأثريّة والقناطر والكهوف.
يعمل سكّانها البالغ عددهم نحو ألفي نسمة بالزراعة وتربية الماشية وتنتشر فيها صناعة السجاد اليدوي ويهاجر شبّانها إلى دول النّفط وغيرها، ويشربون من مياه الآبار الارتوازية ومن الينابيع وأشهرها “عين الغربيّة”. أمّا في يوم العدوان فقد كان عدد سكانها نحو 1500 نسمة.

الوضع العام في دوما قُبيل العدوان

لم يكن العدوان على القرية الآمنة خِدعة حربيّة عبر المواجهة بين عَدوّين؛ بل كان غدراً مخالفاً لقيم الإسلام وتقاليد العرب، بل وقيم الإنسانية عامّة، إذ لم يكن السّكان يتوقّعون أيّة مباغتة أو عدوان
وفي تلك الفترة قُبيل العدوان كانت الحكومة تسلّم السلاح للمواطنين لحماية أنفسهم وأرزاقهم شرط الالتزام بالحراسة وتنفيذ المهمّات، إلّا أنّ بعضهم كان قليل الالتزام بمطالب الدولة بسبب حاجته لكسب رزقه؛ فالمنطقة فقيرة الموارد، والأزمة المعاشية خانقة ولا دخلَ ثابتاً لهم.

عناصر نقطة المراقبة؛ الضحيّة الأولى للعدوان

يقول شاهد عيان: وصل الإرهابيون لجميع القرى بآلياتهم التي ركنوها على مسافة بعيدة من القرى وتابعوا مشياً حيث تمركزوا وراقبوا ووزّعوا المهام فيما بينهم ورتّبوا خططهم ثم هاجموا، ويثبت ذلك بقايا ما تناولوه من فوارغ الطعام وغيره في الكروم حيث كانوا يتربّصون…
وقد هاجموا نقطة المراقبة نحو الساعة الثالثة والنّصف صباحا، من جهة الجنوب عبر منطقة مرتفعة وعرة مليئة بالرُّجَم الحجريّة وكثيرة الأشجار فهناك طريق زراعية معبّدة تعبيداّ اقتصاديّا، يصل إلى قرية الكسيب، وبين الكروم هناك طريق ترابيّة فرعية تصل إلى الحقول شرقاً شقّتها البلدوزرات وبهذا فقد استفاد الدّواعش من ذلك في تنقّلاتهم لاتّصالها بمعاقلهم.
” آنذاك كان في نقطة المراقبة التي تبعد عن القرية نحو 1500م على “تل الهش” تسعة من العناصر، سلاحهم دوشكا محمول على سيارة ورشاش تشيكي والباقي كلاشينات، ولم يكونوا في حالة ترصّد ويقظة لما حولهم… بينما كان مهاجموهم يعملون بتخطيط مُتْقَن فهم يعرفون مواقعَهم مُسبقاً عبر الجواسيس والنمّامين والمتعاملين المدسوسين الانغماسيين كعيون للدواعش، وهو ما جعل مهمتهم سهلة كما ظنوا وقبل أن يفاجئهم التصدي البطولي لأبناء القرى والنجدات السريعة التي خفّت إلى المكان.
هاجموا نقطة التل أوّلاً، (لجاهزيّة مسلّحيها افتراضيّاً)، ومن ثمّ للقضاء عليهم ليتسنّى لهم السيطرة بسهولة على دوما. كان العناصر غافلين ومطمئنين رغم أن بدويّاً انغماسيّأً من الرّعاة المألوفين لديهم في المنطقة؛ كان قد صعد إليهم قبل نحو أسبوع من العدوان إلى قِمة التل مُتجسّساً عليهم؛ وأطعمهم وأكل معهم ذبيحة جَدْيٍ أكلوه شواءً وقال لهم هازئاً: “وليمتكم أكبر بعد أسبوع”.
وكان الاعتداء عليهم هو الوليمة الكبرى الموعودة،إذ اقتحم الدواعش مركز النقطة على التلّ وقتلوا خمسة شهداء بادىء الأمر وجرحوا أربعة، (كان عددهم نحو 20 داعشيّاً).
وفي الجوار على مسافة 1 كلم منهم كانت نقطة مراقبة البادية اليقظة على تل بركات قرب قرية عراجة، (وعراجة هي القرية التي رفض مُعظم أهلها بحزم التّعاطي مع المهرّبين من بدو ومن مهرّبين مَحَلِّيين ومن دواعش) قد اكتشفت نقطة عراجة الدواعش المُهاجِمِين بواسطة المنظار اللّيلي والكاميرا الحرارية التي في حوزتهم وهم يقتحمون على تل الهش وافتُضِح أمر تنفيذهم جريمتهم). وكان جواب نقطة تل عراجة عليهم ناراً حامية.
وفي رواية لشاهد محايد؛ أنّ الاتصال بين نقطة تل الهشّ كان مقطوعاً مع نقطة عراجة المجاورة إلى الشمال على مسافة نحو 1000م (بسبب الاستهتار الأمني من قبل عناصر الحراسة هناك) وفي آخر لحظة وعلى أثر الاشتباك الشديد على النقطة المُستهدَفة بين العناصر المدافعين عن التل الذين فاجأهم الهجوم وبين الدواعش؛ تلقّى ناصيف ناصيف حرب (وهو من عناصر تل الهشّ)اتّصالاً بالموبايل من أحد عناصر نقطة تل بركات، فطلب ناصيف من صاحبه في تل عراجة قصف المركز على تل الهش الذي يتمركز هو فيه، وضرب كلّ متحرك أكان عدواً أم صديقاً؛ لمعرفته بأنّ النقطة التي هو من عناصرها قد سقطت بيد الدواعش، وذلك بعد معاينته استشهاد وجرح غالبية رفاقه. وانقطع بعدها اتصال ناصيف بالرّفاق في تل بركات.
عندها حوَّل رجال نقطة تل بركات عراجة نيران رشاشاتهم إلى تلّ الهش وقاموا بتمشيطه ناريّا بالقذائف والرّصاص باتجاه الدواعش الذين هربوا من على التل وهم الذين لم يتوقعوا النار الفجائيّة التي جاءتهم من نقطة تل بركات عراجة…
أمّا البطل ناصيف ناصيف حرب فيُرجّح أنه استُشْهد أثناء الاتصال أو بعده مباشرة.
كان تدخّل نقطة عراجة مؤثّرا في مسار الاشتباك على التل ضد الدواعش إذ أصابتهم نيرانها فانسحب من بقي منهم حيّاً مُنْسَلّاً بين صخور أرض وعرة أكان جريحاً قادراً على الهرب أم سليماً، وقد وُجدت بعض جثثهم بعيداً شرقيّ تل الهش على مسافة ألف متر منه، وهذا يدل على تحمّل جرحى الدواعش آلام جراحهم عبر مسافة طويلة لتعاطيهم حبوب الكبتاغون المُخدّرة التي وُجدت في جيوب بعضهم، فعلى سفح التلّ وُجدت بعد هزيمتهم جثّتان كما وُجدت جثتان أُخريان بعيدا عن التل إلى الشرق ولا يمكن تقدير عدد القتلى الذين قد يكونون سحبوا جثثهم من أ رض المعركة.

القتال داخل دوما

نحو الرابعة كانت قد هوجمت الحارة الجنوبية من دوما، ويذكر أحد شهود المَوقعة “هَبّ قسم من شباب القرية للمشاركة في المواجهات ضد الدواعش في الحارة الجنوبية للقرية (بعد ما فضحت لعلعة الرصاص سرّيّة ما رتّبه الدواعش من خطّة) فأسقطوا منهم اثني عشر مسلّحاً مع خمسة قُتلوا على يد شهدائنا قبل استشهادهم، على التل) وكان غالبيّة قتلى الدّواعش يحملون أحزمة ناسفة”.
كان رجال دوما الذين أيقظتهم لعلعة الرصاص وانفجارات القذائف يسرعون فازعين إلى مواقع سماعهم إطلاق النار، لكنّ الدواعش كانوا قد تمكّنوا في بداية هجومهم من اقتحام أربعة بيوت مُتَطرّفة جنوبيّ القرية وأصحابها نيام وغدروا بهم قتلاً فكانت حصيلة ذلك ثمانية شهداء (شهداء البيوت هم كُلٌّ من صايل مخيبر وابنه الطفل ريّان وعمره نحو 15 سنة، وواثق شبلي جَمّول، وابنه رسلان وعمره نحو 17 سنة، وكمال محمّد النّجم حرب وأنيس زعل النجم حرب وشادي النجم حرب، وجلال علي الحسين).
كان معظم رجال القرية قد دخلوا المعركة دون أن يتوقّعوا أنّ العدوان داعشيّ!ّ!، لشعورهم الوهميّ السابق بالأمان لسنوات) وقد بلغ عدد أهل دوما الفازعين لقتال الدواعش أكثر من الخمسين رجلاً استطاعوا محاصرتهم والحدّ من انتشارهم، وخاصّة باتّجاه الغرب من القرية باعتبارها منطقة مرتفعة وتشكّل مدخلاً رئيسياً باتجاه شهبا.
ورغم سقوط عدد من الشهداء في أرض المعركة والالتحام مواجهةً في البداية، وقَتْل رؤساء مجموعاتهم الذين يرتدون الأحزمة الناسفة فقد سارع مقاتلو دوما لاعتلاء السطوح القريبة من المواقع التي يدور عليها القتال وأَصْلَوْا المهاجمين بنيرانهم الغزيرة فقُتِل 12 داعشياً من نيران السّطوح ونيران المواجهات على الأرض حيث يدور القتال وجهاً لوجه… وقد سَمِع أشخاص عديدون قول قائد الهجوم الذي أُصيب قبل أن يُقتل يصيح على جهاز الاتصال بعناصره “نحن خَسِرنا في دوما انسحبوا” وفُسّر هذا بارتباط الهجومين على دوما وتيما معاً”.
ومع طلوع الصباح ولَّى الدواعش هاربين تحت تغطية نيران قوية بالرشاشات من مجموعاتهم الخلفيّة التي يقدّر عددهم بالخمسين مُسَلّحاً.
– ما كان هدف الدواعش من العدوان على دوما؟
– قتل أكبر عدد من الرّجال وسبي النّساء.
– ألا تظنون أنّهم كانوا ينوون الاحتلال والتّمركز وإجلاء السكان؟
– الدواعش يعتقدون أنّ لجوءهم إلى القتل الهمجي يبثّ الرّعب في نفوس الأهالي وهروب من يبقى حيّاً، وبالتّالي فإنّ هذا يساعدهم على احتلال القرى.

حِيَل غادرة

لجأوا إلى حيل غادرة لا تقرّها أخلاق، فعندما كان يقرع أحدهم الباب كان صاحب البيت يفتح مُرَحِّباً متوقّعاً طلب إغاثة أو مساعدة ما، فيفاجئونه برصاصة في صدره،
بعد أن قتلوا ربَّ أحد البيوت ودخلوا إليه، سأل أحد الدواعش المرأة وهو يشير إلى شخص نائم في فراشه: من الذي ينام هنا؟
قالت المرأة باكية مُوَلْوِلَة:
– هذا ابني الوحيد، ولما حاولوا قتله تصدّت لهم وطلبت منهم قتلها بدلاً منه فأطلقوا عليه النار وهو نائم، فقتلوه، وأمروها أن تخرج من البيت وتصيح بأعلى صوتها كي يأتي الأهالي لنجدتها ونجدة أسرتها ليرشوهم بنارهم…
كان صوت الرّصاص قد أيقظ النّاس وبينما كان اثنان من الأشقَّاء ينطلقان تحت جنح الظلام تنبّها إلى ثالث غريب في مواجهتهما، فقتله أحدهم من فوره.
وهناك من هبّ للنّجدة دون أن يدري من يُنجد فينادي أينكم؟ وما أن يُحدّد الدواعش مصدر الصوت فيقنصونه بقنّاصة رُكِّبَ عليها منظار ليلي.
واجه أهالي دوما المعتدين لوحدهم، وكانت أسلحتهم الكلاشن، بعضها من قبل الدّولة، والأغلب ملك خاص والبواريد التشيكيّة وأكثرها بتسليم من قبل الدّولة (لكلّ بارودة مخزن واحد فيه عشر طلقات)، ومنهم من فزع بمسدس أو بارودة صيد، (لم يتأخر الحال حتى وصل بعض الشبّان من قرية عراجة فازعين للنّجدة)، وتمّت ملاحقة الإرهابيين وقُتِل بعضهم بينما هرب الباقون، وعند السابعة تقريباً وصلت الفزعة من السويداء وغيرها من قرى الجبل وبدأت عمليّة إسعاف الجرحى ونقل جثث الدواعش الذين كان بينهم العديد مِمَّن قدموا من مخيم اليرموك ومن الحجر الأسود.
“قدّمَ رجالنا في هذه الموقعة داخل دوما (عدا موقعة تل الهش التي فقدنا فيه ستة شهداء) خمسة عشر شهيداً وثلاثة جرحى وقد دامت المعركة قرابة الساعة والنصف كسرنا هجومهم ودحرناهم قبل وصول فزعة القرى”.
وقد انتهت الموقعة بالقضاء على كافة المهاجمين نحو السادسة صباحاً، ولم نتمكّن من تحديد عدد قتلاهم بالضّبط، لكنّنا سلّمنا اثنتي عشرة جثةً للأمن العسكري، ثمّ وجدنا شرقيّ تل الهشّ على مسافة 1 كلم ثلاث جثث بعد واحدٍ وعشرين يوماً من المعركة.


المتونة

هي إحدى قرى المَقْرن(1) الشّمالي وتتبع لمنطقة (قضاء) شهبا. تقع على حافة على مرتفع صخري عند الكتف الشرقيّ لِلّجاة على الضفة اليسرى لوادي اللّوى وعلى الطريق القديمة بين السويداء ودمشق. يبلغ ارتفاعها 845 م فوق سطح البحر.
عدد سكانها 2668 نسمة، وهي قرية أثريّة رومانيّة فيها مبانٍ قديمة مُتَهدّمة، وأبواب حجريّة من الحَلَس وقناطر دائريّة وبقايا كنيسة متهدّمة تعرف بالـ “قيصريّة”. عليها رسوم من الصّلبان، وحولها عدد من الخرائب الأثريّة منها خربة المتونة، وخربة رجم العيس، وقد وُجدت فيها لُقىً فخّاريّة تعود إلى عصر البرونز الوسيط.

تؤلّف أبنيتها القديمة القسم الغربي من القرية، أما الحديثة منها فهي مبنية من الحجر الإسمنتي والإسمنت المسلّح وتمتدّ شرقاً باتجاه الطريق العام.
يزرع سكّانها القمح والشّعير والبقوليّات وأشجار الكرمة والزّيتون واللّوزيّات ونصف أراضيها (الغربية منها؛ صخري رعوي ترعى فيه الحيوانات كالغنم والماعز والبقر الحلوب) ويهاجر العديد من شبانها للعمل في دول النفط وغيرها من المهاجر، بينما يعمل قسم آخر في وظائف الدولة وتعمل بعض الفتيات في صناعة السجّاد اليدوي كما تتزوّد القرية بمياه الشرب من الآبار الارتوازية بواسطة شبكة من الأنابيب تصل إلى منازلها(2).

الوضع قُبيل العدوان

يُقدَّر عدد المتواجدين في المتونة يوم العدوان بـ 1500 نسمة. ويقول شاهد عيان من القرية: “سُحب بعض السلاح الذي كان مُوَزّعاً علينا من قِبَل أحد الفصائل المسلّحة الصديقة قبل يوم الهجوم بأربعة أيام فقط… ولكنّ الفصيل نفسه وبعد الهجوم علينا وفي يوم الهجوم نفسه أعاد النظر بإجرائه، ووزّع السلاح مرة ثانية”.
– هل قصّرتم بالحراسة حتى سحبوا السلاح منكم؟
– “بالنسبة للحراسة؛ البعض كان يلتزم والبعض كان غير ذلك… كما في كل مكان ولكن ليس من مبرّر لسحب السلاح من الـ كلّ، لكنّنا لم نعلم السبب الذي جعل ذلك يحصل”.
أمّا من حيث وضعنا في القرية فنحن لم يكن في قريتنا تهريب ولا منّا من شارك بالتعفيش الذي جرى وتلوّث به كثيرون …
ويذكر أحد الشهود أنّه كان في المتونة بعض البدو والرّعاة البدو من المشكوك بأمرهم.
كما أنّه في يوم الهجوم لم تكن لدينا مراقبة للجوار ولا نقطة حراسة…

العدوان على القرية

هجم المعتدون على القرية من الجهة الشماليّة الغربيّة في الساعة 4,48 من فجر يوم 25 تمّوز 2018، مستغلّين غياب الحراسة. كانوا نحو 15 داعشياً (اقتحموا الحارة التي تليهم أوّلاً)، عدا عناصر الإسناد الخلفيّة لهم والتي تعمل لتغطية هجومهم على القرية، وكان يغطيهم عدد من القنّاصين كانوا على أقواس اللّجاة (وهي عبارة عن تلال صخريّة من اللّافا البركانية المُتحجّرة، صغيرة الحجم مشرفة على ما حولها تقع على مسافة 200 م من الحارة التي استهدفها الهجوم في القرية).. وقد قَدِموا من منطقة ندعوها بـ: كتف اللجاة، أي الجانب المرتفع من منطقة هي عبارة عن بحر من الصخور الصلدة مساحتها 600 كلم2 ينتشرون في قراها وكهوفها ومغاورها المتناثرة فيها. عملوا بشكل عدائي منظّم، إذ هم توزّعوا في أماكن حسّاسة من الحارة التي داهموها فاقتحموا أربعة منازل على غفلة من سكانها النيام، وكانوا أشبه بوحوش بدائية؛ قاموا بقتل خمسة أشخاص في المنزلين الأوّلين؛ وهما منزل المرحوم سلمان طربيه حيث استشهد فيه الشاب عُدَي طَرَبيه (24 سنة) (وقد نجت عمّته من القتل)، واستشهدت السيّدة إقبال حمد نوفل (أرملة عمّه 30 سنة)، ومنزل فريال الحلبي (51سنة) زوجة المغترب عفّاش الحلبي التي استشهدت هي وبناتها هناء (27 سنة) وهبة (25 سنة). وفي المنزلين الآخرين أصابوا سكّانهما بجراح.

يقول من شهد الوقيعة: “سمعنا أنا وزوجتي أصوات لعلعة رصاص وصراخ نساء، كان عندي ضيوف نيام في المنزل، حملت مسدسي وقبل خروجي من باب المنزل نادتني زوجتي قائلة: “لا تشيل همنا يا… عندك إياهم، (أي قاتلهم) وكان في يدها قنبلتان، وقالت لي: قنبلة لهم، والثانية لنا لكي نموت قبل أن يأسرونا”
في الباحة أمام المنزل فوجئت بهم، كانوا أكثر من ثلاثة مسلّحين غرباء في باحة الدار وعلى الطريق نحو 10 آخرين، سألت نفسي: مَنْ هؤلاء الأشرار!؛ وماذا يريدون؟ وأدركت نيّتهم عند إطلاقهم النار عليّ وعلى منزلي. وحيث يوجد عند مدخل الدار حديقة فيها أشجار كثيرة واجهتهم بينها، كانوا يشتمون الدّروز ويكفّرونهم وينادون علينا للخروج إليهم لمواجهتهم، كانوا يعرفون المنطقة ومداخل بيوتنا بشكل جيد، وذلك من خلال خبرة وحركات البدو من رعاة القرية المتعاونين أو العابرين لغايات التجارة والبيع والشراء في ظاهر الأمر، واستطلاع المنطقة في واقع الحال.
كنّا ندرك أنهم ينوون قنص من يبادر إليهم بدون أن يواجههم بالرّصاص، وفي تلك اللحظات الحرجة كانت لعلعة الرصاص تعلو على أصواتهم.
رميت بنفسي تحت شجرة زيتون تمويهاً بجانب الحيط وحمتني رعاية الله. كنّا نواجههم ثلاثة أنا وأخي حمزة وعمّي حامد الحلبي الذي يقع منزله جوار منزلَيْنا. وأثناء الاشتباك خرج من بيته جارنا الشاب فيصل عامر ليستطلع حقيقة الأمر فأصيب بقدمه إصابة بالغة، وكان أعزل من السلاح. كان موقفنا الدفاعي حَرِجاً… أحد الإرهابيين كان متّكئاً على عامود الكهرباء ويطلق النار على منزل جارنا زحفت سريعاً حتى صرت قريباً منه، فرميته من مسدّسي، وقد أصبت آخر بعده. وذعروا لمفاجأتي إياهم عندما رأَوْا أنّ أحدهم سقط قتيلاً والآخر جريحاً، فصاروا ينادون بعضهم “مقاومة مقاومة” وازدادت شراستهم فأخذوا يرمون القنابل اليدويّة ويطلقون النار عليّ وعلى منزلي وعلى المنازل المجاورة. أخي حمزة ومنزله لصق منزلي كان يواجههم عبر نافذة منزله (أنا وهو منزلنا واحد بمدخلين). وكان قد احتمى في منزل أخي حمزة؛ الشاب أمجد الحلبي الذي دُوْهِمَ بيته غدراً وهو ابن الشهيدة فريال وأخو الشهيدتين هبة وهناء. كان هارباً من القتل المحقق الذي شاهده في بيته أثناء مداهمة الإرهابيين للأسرة التي أُبيدت، ولم يكن لديه من سلاح ليقاوم المعتدين به.
أمّا عمي حامد الذي كان مُدَرِّباً أيام الوحدات الخاصة (عمره 56 سنة) في فوج العميد نايف العاقل؛ فقد كان يقاتل من منزله المجاور لمنزلينا أنا وأخي. وفيما بعد هجم إلى عرض الشارع لتتسع دائرة قتاله لهم؛ فيدافع عن منزله وعن منزل أرملة جارنا تركي ركاب أبو لطيف وبناتها الثلاث، إذ قام بقتل الإرهابي الذي كان يعمل على خلع أبواب المنزل الذين يقطنون فيه….
كان عددنا في تلك المواجهة ثلاثة مسلّحين ببارودة تشيكيّة مع عمي حامد وروسية مع أخي حمزة الذي كان يواجههم عبر نافذة منزله المجاور لبيتي ومعي مسدس 10,5،
وشعرت بقدوم الفزعة من شباب القرية فقوي عزمي أكثر … كان قد مضى على الاشتباك نحو ربع ساعة أو أقل بقليل شعرت بوجود قوّة تساندنا، إذ كانت الفزعة التي كنت أتوقّعها من الشيخ ناصر ركاب والشاب رمزي حسن اللذان نادياني باسمي للاطمئنان عليّ ومن ثمّ لحق بنا الشيخ إياد الحلبي والشيخ هيسم جعفر وتتابع الرجال حتى أصبحنا قوّة نحو 40 مسلّحاً. ومن ثم فزعات من قرى الجوار.
تراجع الإرهابيون بعدها تاركين خلفهم جثتين ورشّاش BKC (كان مرمياً بالاتجاه الآخر من منزلي أمام بيت عمي حامد)، وجعبتين واحدة فيها رصاص كلاشينكوف والثانية فيها رصاص M16 وحبوب كبتاغون وشاش وأدوية جروح… وقد سحبوا معهم ما لا يقلّ عن ثلاثة جرحى.
بعد تراجع الإرهابيين أخذنا نلاحقهم خارج الحارة باتجاه اللّجاة وتذكّرت أنّ ذخيرتي نفدت فعدت مسرعاً إلى المنزل لأخذ بعض الطّلقات. فوجئت بأخي حمزة يخرج من المنزل وبيده بندقيته ويده الأخرى التي صبغها الدّم يضعها على خاصرته يسدّ بها جرح رصاصة أصابته، فأخذت منه البندقيّة وذخيرتها وأكمّلت المهمّة باتّجاه عمق اللّجاة برفقة عدد من شبّان القرية والفازعين… وعند عودتنا من ملاحقة الإرهابيين بعد أكثر من ساعة ونصف علمت باستشهاد عُدَي وإقبال وفريال وبناتها، وعلمت بأنّ عمي حامد (وهو أب لأربع بنات وشاب) استبسل في مقاومتهم وهو جريح. وكانوا قد نقلوه بعد الاشتباك إلى المشفى الوطني في السويداء (تبعد السويداء عن المتونة نحو 33 كلم) وبعد ساعتين وصلنا نبأ وفاته شهيداً.
وقُتِل من المهاجمين في موقع الاشتباك اثنان (واحد منهم عرفناه من منطقة الشياح بدوي، والآخر من مخيّم اليرموك… وهما من تركيبة مهاجمي المقرن الشرقي فمن لهجاتهم أثناء المواجهات عرفنا أنّ بعضهم من البدو ولكن الآخرين لم نتمكّن من معرفة لهجاتهم…
كانت قناصات الإرهابيين المتحصّنين داخل وعر اللجاة تعرقل وصول الفزعة بالسرعة المطلوبة فهم يتمركزون في مواقع وَعْرِيّة حصينة بينما نحن كنّا نلاحقهم في سهل منبسط نسبيّاً وهذا سبب تأخّر وصول الفزعة من رجال القرية لملاحقتهم عند انسحابهم وأخيراً طاردناهم في اللّجاة لمسافة 2,5 كلم وقتلنا ثلاثة منهم بسلاحنا الفردي الخفيف.

كانوا نحو 20 إرهابيّاً ولابدّ أن الزيادة عن العدد الأولي للمهاجمين الـ (15) جاءتهم من التحاق بعض عناصر الإسناد الخلفيّة بهم لحمايتهم وهم ينسحبون أمامنا.
وسُئِل شاهد عيان آخر: هل تظن أنّ قصدهم الاحتلال؟
– أكيد؛ لأنّ البطش بالسكّان الآمنين كان يهدف لترويع الآخرين واحتلال القرية. وكانوا يحاولون الصعود إلى سطوح المنازل والتّمترس فوقها وإيقاع القتل بالناس لكنّهم فوجئوا بما لم يتوقّعوه من مقاومة.
– كم دامت المعركة داخل القرية؟
– دامت المعركة ضدّهم نحو 17 دقيقة ولكنّ المطاردة في اللّجاة دامت أكثر من ساعة ونصف.
– ما القرى التي فزعت لكم.
– قرى اللّوى من لاهثة وحزم وأم حارتين وغيرها حتى الصورة الكبيرة، وعندما وصلت أولى الفزعات كانت المعركة داخل القرية قد شارفت على نهايتها
– من أيّة قاعدة هاجموكم؟
– البعض يقول أنهم جاؤوا من المنطقة الشرقية والبعض الآخر يقول من جدل وما حولها من مغاور وكهوف في الصخور إلى الغرب منّا على مسافة نحو 10 – 20 كلم من المتونة، وجدل عبارة عن قرية بدويّة تشكّل معقلاً حاضناً للإرهابيين.
– هل تضرّرت المنازل جرّاء الاشتباك؟
– نعم تضررت جدران المنازل في الحارة حيث جرى الاشتباك وحاليّاً تقوم ورشات عمل من قبل المحافظة تعمل على ترميم الأضرار وإصلاح ما جرى تخريبه.
– كم عدد شهداء المتونة؟
– عدد شهداء المتونة ستّة أشخاص، شابان و4 نساء.
– هل تظنّ أنهم سيعيدون الكرّة على المتونة؟
– لا أستبعد، فهم غدارون ولا أمان لهم، ونحن نراقب المنطقة باستمرار ونرصد تحرّكاتهم الليليّة والنهاريّة التي هي غير خافية علينا ولا على الدّولة.

(1) الـمقرن: كلمة يُقصد بها مجموعة من القرى في محافظة السويداء ومواقع هذه القرى بالنسبة لمدينة السويداء مركز المحافظة، فهناك المقرن القبلي وهي القرى والحواضر جنوب السويداء، ومثلها المقرن الشمالي والشرقي والغربي…
(2) نصر، إسماعيل متعب، السويداء بين الزمان والمكان،2012، ص 142 ــ 143.


السُّويَمرة

تتبع السّويمرة منطقة (قضاء) شهبا، (تبعد عن السّويداء إلى الشمال 30 كلم وعن شهبا 8 كلم شمالاً) وتقع على الحافّة الشرقيّة لصبّة اللّجاة البازلتية التي تشكل الضفّة اليسرى لوادي اللِّوى. ترتفع عن مستوى سطح البحر 870 م، ويمر من شرقها طريق السويداء دمشق، وبها عمران قديم ومبانٍ مُتَهَدِّمة على شكل خرائب ومنها بقايا معبد قديم بُنِيَ على أنقاضه مزار القُرَشيّ (يُنسَبُ لأبي عبد الله محمّد بن وهب القُرَشِيّ وهو أحد دعاة التوحيد البارزين أيام الخليفة السّادس؛ الحاكم الفاطميّ).
وفيها بئر أبو قناطر الأثري وبركة ماء وُجِدَت فيهما لُقىً فخاريّة من عصر البرونز المُزامن للكنعانيين في الألف الأول قبل الميلاد.
وقد خَرِبَت القرية قروناً مديدة إلى أن أعاد إعمارها بعض آل عامر نحو عام 1858م بعد أن كانوا قد وطّدوا وجودهم في شهبا. وغالبيّة القرية اليوم تنتمي لآل عامر عدا بيت واحد من آل الداهوك، وبيت آخر من آل الأوس….
يشرب سكان السويمرة من بئرٍ ارتوازيّة بعمق 425 متراً وتتوزّع مياه الشرب على سائر بيوت القرية. وتُزرع في أراضيها السّهليّة شرقي القرية الحبوب من قمح وشعير وبقوليّات بالإضافة إلى أشجار الكَرمة والزّيتون واللّوزيّات، أمّا الأرض غرب السويمرة فهي جزء من وَعرة اللّجاة، عبارة عن مَراعٍ صخريّة تصلح لرعي الماشية. وتكثر في أراضيها تلك أشجار البُطْم ونبات السّوس .. وتهتمّ فتيات القرية بصناعة السجّاد اليدوي وأطباق القش …
والقرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها الـ 500 نسمة أمّا المتواجدون منهم فيها يوم الهجوم الداعشي فهم نحو الـ 350 نسمة، والشباب الموجودون في القرية نحو الثلاثين شابّاً يومها.
يقول أحد مواطني السّويمرة: “منذ بدايات الأحداث وعندما لاحظنا تعاطف العديد من البدو مع الإرهابيين كحاضنين لهم وأدلّاء قمنا بطردهم من القرية وطلبنا ممّن عندهم مَواشٍ من مواطنيّ قريتنا أن يتدبّروا أمورهم بأنفسهم، وبالنّظر لقلّة أعداد المواشي في القرية فقد تجاوب الناس معنا حِرصاً على أمن ضيعتنا، واعتمدنا راعياً من شبّان السّويمرة. لكنّ البدو على سبيل المثال يقيمون بجانبنا في قرية أمّ الزّيتون، وكذلك في قرية المتونة المجاورة (2,5 كلم إلى الشمال منّا) يتواجد بدو ورعاة كان مشكوكاً بأمرهم ويا للأسف”.

العدوان على السّويمرة

هوجمت السّويمرة في الساعة 4,45 صباح يوم الأربعاء في 25 تموز 2018 وفي وقت مُتزامن تقريباً مع الهجوم على المتونة المُجاورة التي تقع إلى الشمال منها، ويذكر شاهد عيان أنّ عدد المهاجمين بلغ نحو15 داعشيّاً أو يزيد، هجموا عبر اللّجاة من الجهة الغربيّة للقرية، وحيث لم تكن من نقطة مراقبة أو حماية ضد أي هجوم مُحْتَمَل، لأنّ الناس كانوا مطمئنين إلى أنّ المواجهات مع العدو الإرهابي قد انتهت، لدرجة أنّ أحد الفصائل المسلّحة العاملة على مقاومة الإرهاب في محافظة السويداء قد سحب السلاح الموزَّع للحماية من بعض الرّجال يوم الاثنين السابق ليوم الأربعاء الذي تمّ فيه الهجوم، غير أنّ السلاح المُسَلَّم للآخرين من رجال القرية من قبل الدفاع الوطني لم يتمّ سحبه، وبعد المعركة أعاد الفصيل الذي سبق له أن سحب السلاح تسليم 18 بارودة ، كما قام الدفاع الوطني بتسليم 11 بارودة أُخرى زيادة على ما كان قد وزّعه سابقاً، وكلّ ذلك كان من أجل مزيد من التَّحَرُّص خوفاً من هجمات مُرْتَدَّة لأنّ الدّواعش لم يتمّ اجتثاثهم الكلّي من اللَّجاة بعد…

غدر مخالف لقيم الإسلام والعروبة والإنسانيّة

هاجم الدّواعش القرية مُشاةً مُنطلقين من قواعدهم التي تبعد نحو 20 كيلو متراً في قرية جَدْل البدوية اللّجاتية الحاضنة لهم وما حولها من مغاور وأوكار اتّخذوها ملاجئ لهم.
وقد زيّن لهم شيطانهم أن يبدأوا الهجوم على خمسة بيوت مُتَطَرِّفة عن الحارة الشمالية في القرية؛ حيث تبعد تلك البيوت عن بيوت السويمرة نحو مئتي متر شمالاً، وتقع إلى الغرب منها مزرعة صغيرة فيها مدجنة بسيطة لتربية الفرّوج لمالكها الشاب عاصم صايل عامر (32 سنة).
اقتحموا المزرعة أوّلاً، وفي غرفة الإدرة كان عاصم نائماً بانتظار وصول دفعة من الصيصان (في يوم تنفيذ الهجوم!) حيث يعمل على تسمينها وبيعها فرّوجاً فيما بعد. تلصّصوا عليه من شبّاك الغرفة؛ ثمّ قنصوه وهو نائم على سريره، وتوجّهوا بعدها لاقتحام البيوت الخمسة المجاورة للمزرعة..
استخدموا في هجومهم أسلحة مُتنوّعة، منها الـ RPG، ورشّاشات الـ BKC وقناصات 5,5 مم وبواريد روسيّة وقنابل يدويّة، ومتفجّرات… ومن خلال استهدافهم للبيوت كانوا يُطلقون النار على سائر القرية القريبة منهم برصاص متفجّر لدرجة أنْ شعر سكّان كلّ بيت وكأنّ المعركة تستهدف بيته بالذّات، ويبدو أنّ هدفهم كان تطفيش الناس من بيوتهم تمهيداً لاحتلالها.

فشل الدّواعش في اقتحام أيّ بيت

كانوا في هجومهم ذاك يهدفون إلى احتلال البيوت والتّمركز فيها أوّلاً، ومن ثمّ لينتشروا في القرية بعدها، لكنّ المقاومة التي لَقَوْها من نضال ممدوح عامر (41 سنة) الذي كان قد صحا من نومه (مع أسرته الصّغيرة المؤلّفة من زوجته وابنته وابنه الصغير) على صوت الطلقات التي قتلت عاصم، فتهيّأَ لهم، وما أن نظر من شبّاك بيته حتى رآهم يطوّقون البيت فاندفع ببارودته التشيكية وقنبلته اليدويّة التي لا يملك غيرها إلى خارج باب البيت ولمّا رآهم في مواجهته رمى قنبلته على جمهرة منهم كانوا يتقدمون باتّجاهه ثمّ ارتّد داخلاً إلى منزله متحصّناً فيه، وأخذ يقاتلهم ببارودته التشيكية عبر نوافذ المنزل، كانت قنبلته تلك قد خففت من حدّة اندفاع المهاجمين الذين تراجعوا قليلاً ليصبُّوا المزيد من نيرانهم على المنزل، ويبدو أنّ القنبلة التي رماهم بها، ومقاومته لهم بعد ذلك أدّيا إلى قتل وجرح عدّة مهاجمين…
وفي حصارهم لمنزل نضال فشلوا في اقتحامه بادئ الأمر، كما فشلوا في اقتحام المنازل الأخرى، وانتقاماً من عجزهم ذاك قاموا بقصف المنزل بالقنابل والـ RPG ورشقه بالرشاشات، ومن ثمّ خلعوا باب المنزل بالرّصاص، واقتحموا البيت غير أنّ الزّوجة نجت بالأسرة إذ احتمت بأولادها داخل حمّام الأسرة، واستشهد نضال وهو يدافع عن المنزل بعد أن رمَوْا القنابل داخله فاشتعلت فيه النيران؛ ومن كثرة الدخان والنار عميت أبصارهم عن الأسرة المُحْتمية بالحمّام. كما رَمَوْا قنابل ورشقات من نيران أسلحتهم على بيت ابن عمّه جواد عامر (29سنة) الذي كان يقاتلهم ببارودته الروسيّة التي كان قد تسلّمها من فصيل الدّفاع الوطني.

فزعة القرية وقرى الجوار تدفع بالدواعش للتراجع

في تلك الآونة الشديدة الحرج على جواد الذي بقي وحده في المواجهة وصلت طلائع الفزعة من القرية التي استنفرها رصاص المعركة الأمر الذي اضطرّ الدواعش للانسحاب دون أن يتمكّنوا من سحب آخر جثة لأحد قتلاهم بقيت في أرض المعركة أمام بيت نضال (وُجِد في جيب القتيل الإرهابي مُغَلَّف من النايلون يحتوي على مادّة مُقوّية صناعة الباكستان، مكتوبٌ على غلافه كلمة عنوان “قُدرتي” ومسواك. كما وُجِدت خمس جثث من قتلاهم متروكة في طريق انسحابهم على أثر قيام الجيش بتمشيط المنطقة وتثبيت منطقة أمان فيما بعد).
كانت قاطنو البيوت الأخرى عُزَّلاً من السلاح، أحدها تسكنه أسرة لوافد من النازحين هرباً من الحرب في غوطة دمشق، وقد استشهد والدا الوافد أثناء الهجوم على البيت الذي يسكنونه، ذلك أن الوالد المسنّ عندما سمع لعلعة الرصاص مع الصباح في الخارج فتح الباب مُسْتَطْلِعاً فناولوه رصاصة قتلته، ثمّ اقتحموا المنزل وقتلوا الزّوجة العجوز في فراشها. وقد استُهدفت سائر البيوت الخمسة بالعدوان، لكنّ المقاومة الباسلة من قبل نضال وجواد عامر ساهمت في تعويق اقتحامها إلى أنْ وصلت فزعة القرية التي كان سلاحها يقتصر على بواريد تشيكية نحو 12 بارودة، وبواريد روسيّة نحو 14… وقد نجحت الفزعة في دفع المهاجمين بعيداً باتجاه اللّجاة التي قَدِموا منها وتوغّلت تطاردهم نحو 2 كلم بين الصّخور بينما كانت جماعات من الإرهابيين في الخلف منهم تغطي انسحابهم بإطلاق النار على الفازعين لتعويق ملاحقتهم لهم، وكذلك على سائر القرية التي فشلوا في الوصول إليها، وقد استمرت معركة المواجهة نحو ثلاثة أرباع الساعة.
يقول شاهد عيان: “ومن طرائف المواجهه أنّ بعض الشباب الفازعين كانوا يهاجمون بيننا بدون أن يكون معهم أيّ سلاح، ولمجرد المساعدة ورفع المعنويات، أو تقديم ما يطلب منه.”
استُشهد في ذلك الهجوم الغادر على السّويمرة أربعة شهداء: شابّان هما عاصم عامر ونضال عامر، كما استشهد الرّجل المسنّ النّازح من قرية دير سلمان من غوطة دمشق إلى القرية ومعه الشهيدة زوجته.

تنظيم الحراسة على القرية

بعد الهجوم على السّويمرة تمّ تنظيم حراسة مُشدّدة بسبب الخطر المُحتمل من تجدّد العدوان، وذلك لأنّ اللّجاة بمساحتها الصّخرية الواسعة وكهوفها ومغاورها والقرى البدويّة الحاضنة للإرهابيين كلّ ذلك يشكّل مصدر خطر إلى حين القضاء عليهم نهائيّاً، ولهذا فإنّ الدَّولة أرسلت قوّة من الجيش تمركزت إلى الغرب من القرية، كما يقوم شبّان القرية ورجالها بحراسة ومناوبات منتظمة حِرصاً على أمن السّويمرة المتاخمة بشكل مباشر لبؤر الإرهابيين.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”شهداء الغدر” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الشبكي – 60 شهيد

سلمان اجود الجباعي ابتسام فوزات مقلد
نسيب فواز الجباعي أدهم مهنا أبو عمار
نصر الدين محمد الجباعي أسامة شافع أبو عمار
نوال متعب الجباعي إسماعيل زيدان الجباعي
هلال ناصيف أبو عمار أمين عطا الجباعي
هنا فيصل أبو عمار أيمن سليمان أبو عمار
ورد الشام مقلد بنية سامي أبو عمار
ياسر مهنا أبو عمار توفيق جديع الجباعي
يحيى قاسم الجباعي ثامر جاد المولى أبو عمار
يوسف زيدان الجباعي جهاد علي أبو عمار
كمال أسعد أبو عمار خالد حسن الجباعي
مشرف توفيق الجباعي خالد ثليج الجباعي
معن جاد الكريم أبو عمار راما سعيد الجباعي
منتهى فهيد الجباعي روان سعيد الجباعي
منصور مهاوش الجباعي ريدان سالم الجباعي
منهال صالح أبو عمار ريدان منصور الجباعي
مهند نوفل أبو عمار زيدون ثليج الجباعي
ناظم عز الدين الجباعي سعيد جاد المولى أبو عمار
سمية حسين الشاعر شوقي جاد المولى الجباعي
آية ثامر أبو عمار صالحة هاني الجباعي
جاد المولى ثامر أبو عمار عاقل فيصل أبو عمار
ربا ثامر أبو عمار علي هاني أبو عمار
سناء عز الدبن أبو عمار غصن حسن أبو عمار
حسن علي الجباعي فاضل عطا الله أبو عمار
برزان سعيد أبو عمار فايز عطا الجباعي
هندي فهيد الجباعي فرحان أسد الجباعي
مأمون علي أبو عمار ضحى نصر الدين الجباعي
زاهية فواز الجباعي فايز بهاء الدين الجباعي
ضحى هنيدي الجباعي لطفي فهيد الجباعي
لطفي فهيد الجباعي ألماسة ثليج الجباعي
الشريحي – 39 شهيد
إقبال زيد صعب رعد بسام صعب
أيسر أيمن صعب أمين سلامي سلاّم
بسام فوزي صعب بشار منعم صعب
بشير فندي سلاّم جمال لطفي صعب
حسام ماجد سلاّم حلا وليد صعب
ربيع رسلان صعب زاد الخير جابر سلاّم
نورا أجود صعب هيلة وليد صعب
هشام منصور صعب واصف صالح صعب
وجدي شاكر سلاّم وليد أنيس صعب
تميمة حسين صعب بهجت عطا الله صعب
زاهي جاد الله صعب مقبولة حسين صعب
لطفي أحمد صعب بهجت بسام صعب
محمد قاسم سرحان معين مزيَد صعب
مقبولة عبد الحميد حمايل منصور أحمد صعب
مها فوزي صعب مهران راضي صعب
مهيب نضال صعب ناجي متروك سلاّم
صالح هاني صعب صياح هاني صعب
عتاب منصور علبة عدنان قاسم سرحان
تميمة حمود صعب عاصم زاهي صعب
فرج احمد صعب
دوما – 21 شهيد
أنور محمد ناصيف أنيس زعل حرب
جاد الكريم معذى ناصيف جلال علي الحسين
خضر منعم حرب راجح فرحان ناصيف
رسلان واثق جمّول رياض صايل مخيبر
زياد يوسف الحسين زيد زياد ناصيف
زيد سالم ذيب مخيبر سامر يوسف حرب
واثق شبلي جمّول وهيب نزيه مخيبر حرب
كمال محمد حرب مدحت سلامة ناصيف
معذى سليم حمزة منور أنور ناصيف
ناصيف حمادة ناصيف شادي نجم الدين حرب
صايل جايد مخيبر
رامي – 20 شهيد
أسامة نزيه مقلد افرنجية سعدو مقلد
أكرم سعدو مقلد أيمن مقلد مقلد
دانيال ناصر مقلد راشد شاكر مقلد
رأفت شفيق مقلد راما شاكر مقلد
رواد صابر مقلد سجيع فضل الله مقلد
نورس فؤاد مقلد هاشم حمد مقلد
هاشم منصور مقلد معين عبد الكريم مقلد
طارق يوسف مقلد طليع يوسف مقلد
فارس مرسل مقلد فداء جاد الله مقلد
فرحان رشراش مقلد فندي شفيق مقلد
المتونة – 6 شهداء
إقبال حمد نوفل حمد سالم الحلبي
فريال راغب الحلبي هناء عفّاش الحلبي
هبة عفاش الحلبي عدي طربيه طربيه
طربا – 6 شهداء
أكرم شحاذة الخطيب سهيل سليم سلاّم
بسام ماجد الغوطاني كامل ذيب سلاّم
مبارك شبلي الخطيب عاهد رجا الغوطاني
المزرعة – 3 شهداء
إبراهيم جاد الله المنصور إياد محمد العقباني
يوسف محمد العقباني
الرحى – 4 شهداء
إبراهيم زياد الغضبان خالد عماد مسعود
وائل نزيه الجغامي يحيى فواز الأعوج
السويداء – 25 شهيد
أدهم سعيد الخطيب إياد نسيب الشعّار
بشار طلال حيدر جمال حسين زيتون
خالد فواز أبو شقرا رأفت صياح الراشد
ربيع مرسل الظاهر عزّام سلمان هندي شرف الدين
هندي يوسف أبو سعيد وائل يحيى بدران
وليد جميل صعب يامن جمال أبو عاصي
حلوة نمر عطعوط لؤي صلاح مسعود
مأمون عبد السلام زاعور ماهر عطا الله غرز الدين
محمد علي دندل محمود طالب إبراهيم
زاهي جاد الله الجباعي شاهر حسن عبيد
صفوان بدر اللبان عامر سلمان نصر أو عامر سلمان علي
قصي فيصل رستم يامن محمود خضير
نجا مفيد أبو شاهين
شهبا – 3 شهداء
إيهاب ريدان الصحناوي سعيد مزيَد خداج
صقر أنور الخطيب
الكفر – شهيد واحد 
بهاء حسن الشعّار
غيضة حمايل الشمالية والجنوبية – 5 شهداء 
جابر قاسم حمايل محسن فواز حمايل
معين فوزي حمايل صابر قاسم حمايل
علاء مفيد حمايل
ملح – شهيد واحد 
جمال إحسان عبيد
تعارة – شهيدان 
جوليان إياد الحسين عزّام كنان إياد الحسين عزّام
ريمة اللحف – 3 شهداء
حمد جاد الكريم الخطيب أبو فخر يعرب فيصل أبو فخر
عدنان فوزي عبد الحي أبو فخر
المجيمر – شهيدان
حمد زيد الجباعي هزّاع زيد الجباعي
الكسيب – 3 شهداء
خالد فواز المتني مازن صياح المتني
مكرم شبيب سلاّم
عتيل – شهيدان
خلدون فواز العربيد طلال خير النصّار
العجيلات – 3 شهداء
رامز سليم أبو زيدان سميح حسين أبو زيدان
صالح نور الدين أبو زيدان
داما – شهيد واحد 
رائد فهد القنطار
القريا – شهيد واحد
ركان طلال حديفه
ساله – 3 شهداء
رمّاح جمال كمال سامر صياح نصّار
عدنان غزلان
نمرة شهبا – 3 شهداء
سامر برجس الأباظة بسام جاد الله الأباظة
مزيد سليم دلال
صلخد – شهيد واحد 
سامر منصور غرز الدين
عرمان – شهيد واحد
نبيل أنيس صيموعة
السويمرة – شهيدان
نضال ممدوح عامر عاصم صايل عامر
عرى – شهيد واحد
وليد إسماعيل زين
سعنا – شهيد واحد
وليد محمد علبة
قنوات – شهيدان 
يوسف فهد أيوب فيصل كمال شلهوب
أم الزيتون – شهيد واحد
كمال عفّاش حيدر
الحريسة – شهيد واحد
ماهر خلف زين الدين
رساس – شهيد واحد
محمد هزّاع البدعيش
العفينة – شهيد واحد
مهنا زياد النمط
طليلين – شهيد واحد
شادي فيصل أبو مغضب
بوسان – شهيد واحد
عبّاس حمد الشاعر
الجنينة – شهيد واحد
عدنان رضا الحامد
رشيدة – شهيد واحد
عطا الله شجاع
المجدل – شهيد واحد
عماد فواز السلمان
حوط – شهيد واحد
عماد محمود الصالح
الدور – شهيدان
ناظم سالم أبو فخر الشعراني وائل صلاح مسعود
المنيذرة – شهيد واحد
إياد سلاّم خضر
الغارية – شهيد واحد
حارث طلال نادر
عنز – شهيد واحد
فواز سامي الأطرش
المشقوق – شهيدان
ماهر فوزات عزيز عاهد حسن عبيد
صما البردان – شهيد واحد 
عبيدة ناظم الشوفي

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”خاتمة الملف” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

وبعد…. فـالضّحى، التي عوّدت قراءها وأصدقاءها أن تكون معهم في الأفراح والأتراح، قد هالها اتساع الهجمة الإرهابية التي طالت محافظة السويداء، فأهلوها وطنيون مضيافون، والسويداء ونواحيها مقصد كل مستغيث وضيف، كما كانت دائما، وبخاصة في الأحداث الأخيرة التي عصفت بسورية منذ ثماني سنوات.
وعليه، حرصنا أن نقدّم هذا الملف احتراماً لأرواح الشهداء، ودعاء للمخطوفات ظلماً، وتحيةً للأبطال الذي ذادوا عن الحمى: مشايخ وشباناً ونساء، استعادوا تقاليد جبل العرب في تقديم التضحيات وإظهار الشجاعة بل البطولة دفاعاً عن الأرض والعرض والحق.
وأخيراً، فـالضّحى ملزمة أن تقول، مهنياً، أن الروايات الحيّة التي تقدّمها من أمكنة الأحداث هي على ذمة رواتها وكتّابها، ومصادرهم؛ مشكورين على كل الجهد الاستثنائي الذي بذلوه، لكنها وبالشجاعة نفسها لا تتردد في الاعتذار إذا حصل أي خطأ غير مقصود، أو إغفال لإسم أو مكان؛ فالخطأ كما قلنا غير مقصود، وهو متوقع في حالات شديدة التعقيد وبعيدة مكانياً ومهنياً عن إمكانية التحقيق والتدقيق من قبل أسرة المجلة، وهو ما نفعله في كل المواد التي تردنا.
نختم بتكرار الوقوف مع الأهل في السويداء وقراها، ونجدد الدعوة والدعاء بإطلاق سراح المخطوفات ظلماً من قرى المقرن الشرقي في المحافظة: فخطف النساء والاستمرار في احتجازهن ليسا من تقاليد الحرب في شيء، عدا مخالفتهما الصارخة للمبادئ والنواهي الصريحة في العقيدة والسلوك الإسلاميين. فعسى يصل هذا النداء إلى من بيده الحل والربط في الموضوع.

رئيس تحرير الضّحى

[/su_spoiler]

التلوّث، مناعة الجسم والأمراض

الحقيقة العلميّة الأولى: هي أنّ تركيبة جسم الإنسان البيولوجيّة تأتي من المكوّنات التي تدخل الجسم من الطبيعة المحيطة به، من هواء، ماء، وغذاء.
ومناعة جسم الإنسان في صراع مستمر مع العوامل الضارة التي تدخل إليه، من فيروسات، أو جراثيم وجزئيات مختلفة مثلاً. في ثمانينيّات القرن الماضي كانت جميع المختبرات والأطباء يعتبرون أن عدد الكريات البيضاء فوق عشرة آلاف تدل على أّنها علامة التهاب في مكان ما من الجسم. بينما اليوم هذا الرّقم هو طبيعي وعادي. هذا يدل على أن جهاز المناعة قد استنفر وزاد من أعداد جيشه للدفاع عن الجسم من المخاطر التي ازدادت بدورها.
أحد المخاطر هي التلوث. تلوّث الهواء. الدراسات العلمية الحديثة ومنها الدراسة التي تم تقديمها في الجامعة اللبنانية المؤتمر العلمي الأوّل تشير إلى أنّ تلوّث الهواء يساهم في زيادة نسبة الرّبو لدى الأطفال والكبار، أمراض الحساسيّة والالتهابات المختلفة في القصبة الهوائية والرئتين وزيادة حالات سرطان الرّئة بمعدل 10%.

خلية سرطان الرئة في طور الانقسام

 

فسرطان الرئة مثلا حسب منظمة الصحة العالمية يكون مرتبطاً بنسبة 50% بأسباب وراثيّة، و50% بالملوّثات التي تدخل الجسم، مثل المواد التي يستنشقها الإنسان من التدخين الإيجابي والسلبي، والمواد التي تدخل من عوادم السيارات والمولّدات وغيرها.
تسجّل منظمة الصحة العالمية 44 حالة إضافية إصابة بسرطان الرئة لكلّ 100 ألف شخص. وتنخفض هذه النسبة في الأرياف حيث تكثر الأشجار والطبيعة النظيفة.

تلوث المياه يكون كيميائيّاً أو جرثوميّاً. التلوث الكيميائي بالمعادن الثقيلة مثل الزرنيخ والرصاص والزنك ويؤدي إلى أمراض مُزمنة وخطيرة في الجهاز الهضمي والكُلى على الخصوص.
وزيادة مستوى الكلور لتعقيم المياه يسبب أنواعاً من الحساسية والتلف في وظائف الكبد. أمّا التلوث الجرثومي للمياه فيؤدّي إلى شتّى أنواع الالتهابات في الجهاز الهضمي وبعض حالات تسمّم الجسم، ونشوء أعراض مرضيّة مثل الاستفراغ والإسهال وآلام المغص الحادّة وغيرها.
وبناء على الدراسات التي تمّ عرضها في المؤتمر العلمي للجامعة اللبنانيّة لمركز الجَوْدَة تَبَيّن أنّه حتّى مياه الشرب في بعض المدارس مصابة بشتّى أنواع الجراثيم.
وما نسمعه اليوم عن تلوّث مياه اللّيطاني كيميائياً وجرثومياً وما تسببه من أمراض لمستهلكي المزروعات المرويّة بمياههِ الملوثة غير دليل على خطر المياه الملوثة على الصحّة.
وهذا ما دفع بوزارة الصحة العامة منذ أيام قليلة إلى إصدار قرار إلزامي بوجوب فحص جميع المياه المعبأة والمُباعة للشرب على جميع الأراضي اللبنانيّة في المختبرات المعتمدة، ودفع كتلة اللقاء الديمقراطي لتقديم مشروع قانون حماية المياه الجوفية والآبار الارتوازية من التلوث، بمشاركة خبراء من المركز الوطني للجودة في الجامعة اللبنانية.

لا يمكن في مقالة قصيرة الإحاطة بشكل كامل بمشاكل تلوّث المياه وتأثيرها على الصحّة. لكن يكفي للمرء أن يرى كثرة أنواع ومصادر المياه المباعة للمستهلك. وهي الدليل على وجود مشكلة لدى المواطن في تأمين مياه نظيفة صالحة للشرب والاستعمال.
تسبب الأغذية الملوثة، التي تحتوي على بكتيريا أو فيروسات أو طفيليات أو مواد كيميائية، في الإصابة بأكثر من 200 نوع من الأمراض، التي يتراوح مداها ما بين الإسهال وصولاً إلى الإصابة بالأمراض السرطانية، مروراً بأمراض أعضاء شتّى في الجسم كالكبد والكلى وغير ذلك.
ووفقا لما تشير إليه إحصاءات منظمة الصحة العالمية WHO، فإنّ الأطفال هم أكثر المتضررين من الأمراض المنقولة بالغذاء الملوّث، إذ تبلغ نسبتهم 40 في المائة من بين أولئك الذين تصيبهم تلك النوعيّة من الأمراض، التي يُمكن بتدابير بسيطة الوقاية منها.

الأطعمة الملوثة  أنواع من الميكروبات تتسبب بأمراض.

الأغذية الملوثة على نوعين، نوع هو بالأصل عُرضة للتلوّث الطبيعي بالميكروبات، مثل الأغذية الحيوانية المصدر غير المطهوّة جيدا. أو الفواكه والخضراوات الملوثة بالفضلات، أو أنواع المأكولات من الحيوانات البحرية النيئة. وهذه النوعية تتطلّب التّنظيف الجيّد والطّهو الجيّد، أو البسترة للحليب ومشتقات الألبان. وذلك قبل تناولها. والنوع الآخر من الأطعمة الملوثة يشمل أنواعا مختلفة من المنتجات الغذائية أو الأطعمة المطهوّة، التي لا يتم حفظها بطريقة سليمة، ما يُعطي فرصة لتلوثها بالميكروبات بعد أن كانت خالية منها.
وعادة ما تكون الأمراض المنقولة من الغذاء الملوث ذات طابَعٍ مُعدٍ أو سُمّي. والعدوى تتسبب فيها مجموعة من البكتيريا أو الفيروسات أو الطفيليات التي إمّا تضرّ الجسم بذاتها عبر الأمراض التي تنقلها، أو عبر إفرازها لموادَّ كيميائيةٍ ضارّة تدخل جسم الإنسان وتسبب له إمّا التسمّم الغذائي الحادّ وإمّا الأمراض طويلة الأمد كالسرطان.
ومن بين أنواع البكتيريا، ثمّة بكتيريا السالمونيلّا Salmonella، وبكتيريا العطفية Campylobacter، وبكتيريا الأشريكية القولونية المعوية النّزفية Enterohaemorrhagic Escherichia coli، وهذه المجموعة تُعتبر من أعلى مسبّبات الأمراض المنقولة بالغذاء الملوث والتي تصيب ملايين البشر سنويّاً، وأعراضها قد تشمل حمّى ارتفاع حرارة الجسم والصّداع والغثيان والقيء والآم البطن والإسهال.
ومن أمثلة الأغذية ذات العلاقة بمرض السالمونيلّات Salmonellosis، البيض والدواجن وسائر المنتجات الحيوانية المصدر حين لا يتم طهوها بطريقة كافية، أو لا يتم حفظها بطريقة سليمة قبل أو بعد الطهي.
ومن أمثلة الفيروسات، العدوى بالنوروفيروس Norovirus، التي تتسبب بالغثيان ونوبات القيء الشديد والإسهال المائي والآم البطن. ويُعتبر الغذاء الملوث هو السبيل لإصابة الإنسان بأنواع مختلفة من أمراض الطفيليات مثل الديدان المشوكة أو الدودة الشريطية Tapeworms، وديدان الأسكارس Ascaris، أو الكريبتوسبوريديوم Cryptosporidium، أو الديدان المتحوّلة إلى حالة النّسج Entamoeba histolytica، أو ديدان الجيارديا Giardia، وهناك أيضاً البريونات Prions، التي هي عوامل مُعدية تتألّف من البروتين، وتتسبب بأمراض مثل مرض جنون البقر Bovine Spongiform Encephalopathy.

خطوات لحفظ الأطعمة في الثلّاجة

الخطوة الأهم في ضمان حفظ الأطعمة بطريقة صحية في الثلّاجة هو إبقاء درجة حرارة الطعام أقل من 4 درجة مئوية. ووجود مقياس لدرجة حرارة الثلّاجة مفيد في التأكّد من ذلك. كما يجدر ملاحظة ضرورة أن تكون درجة الحرارة في جميع أجزاء الثلّاجة أقل من 4 درجات مئوية بحيث يكون أي مكان في داخل الثلّاجة ملائماً لحفظ الطّعام. في حال انقطاع التيار الكهربائي، يجدر تقليل فتح باب الثلّاجة للإبقاء على البرودة فيها، وحين تبقى الأطعمة لمدّة تتجاوز الساعتين في درجة حرارة أعلى من 4 درجة مئويّة فإنّ ذلك يُعرّض تلك الأطعمة للتّلف.
وتشير إدارة الغذاء والدّواء الأميركية إلى أنّ وجود البكتيريا في بيئة مناسبة للنّمو وفي درجة حرارة أعلى من 4 درجات مئوية يُوفّر لها فرصة للتكاثر بمقدار الضعف خلال 20 دقيقة فقط، ومن هنا يتّضح لنا أن حفظ الطعام في الثلّاجة تحت درجة 4 درجات مئوية هو الخطوة الأولى لضمان حفظ الطعام بطريقة تمنع تكاثر البكتيريا التي قد تكون موجودة فيه، وأنّ دوام حفظ الأطعمة بأنواعها طوال الوقت في تلك الدرجات المنخفضة نسبياً من الحرارة، يهيّئ الفرصة لحفظ سلامة الغذاء.

المناعة وسوء استعمال المضادّات الحيوية

حذّر باحثون من منظّمة الصحة العالمية من أنواع البكتيريا التي تنتشر في مستشفيات العالم وتتسبب بأمراض يستعصي علاجها. وتمّ رصد مئات من العيّنات للبكتيريا في 78 مستشفى من أنحاء مختلفة من العالم، حيث خلص العلماء إلى أنّ هذه البكتيريا تغيّر الحمض النّووي مما يتيح لها مقاومة المضادات الحيوية الأكثر شيوعاً في المستشفيات.
وأفاد الباحثون أنّ هذه البكتيريا سريعة الانتشار من جرّاء الاستخدام المكثف للمضادات الحيوية. وقد حذّرت مجلّة “نيتشر بيولوجي” من أنّ مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية هي من أكبر المخاطر المُحدقة بالرعاية الصحية في العالم أجمع.
هناك سباق بين اكتساب الجراثيم المناعة على المضادات الحيويّة الموجودة واختراع مضادّات حيوية جديدة أكثر سمّيّة، لا يتاح للجراثيم الوقت لاكتساب المناعة ضدّها. من هنا أصدر وزير الصحة العامة في 10 آب 2018 قراراً يقضي بمنع صرف أي مضاد حيوي دون وصفة طبية وذلك للحد من كثرة وسوء استعمال المضادات الحيوية.

تمكنت البكتيريا في المستشفيات في تغيير حمضها النووي لتقاوم معظم المضادات الحيوية

 

 

الأمير نديم آل ناصر الدين

عَلَمٌ من أَعلامِ الفِكْرِ والأدبِ واللّغة والنّقد والصّحافة، ظلَّ خفّاقاً نابضاً إلى أن انتقل إلى رحمة ربِّه ورضوانه يوم 15 كانون الأول سنة 2003. الأمير نديم آل ناصر الدّين، إمام اللّغة والحُجَّة والمُدَقِّق والمُتَبحِّر الذي عمل في مجال الأدب والنّقد والصّحافة والثّقافة قرابة سبعين عاماً وأكثر عاكفاً على البحث والتّنقيب والمطالعة والدّرس والتّمحيص.

This content is locked

Login To Unlock The Content!

خلوات جرنايا

جِـرنايا هي منطقة زراعيّة تقـع على هضبة مُشرفة بين بلـدتيّ كـفرحيم وديـر القمـر، في قضاء الشـوف، وبسبب وجـود مبنى الخلـوات بين منازلها، أصبح يُطلـق عليها “خلوات جرنايا”، وهي تضمّ مبنى الخلـوات بالإضافة إلى حـيّ سكنـي تقطنه عائلات مُتقاربة في النّسب، وأراضٍ زراعية متّسعة.
إنّ تسمية جـرنـايـا تعـود إلى الكلمة “الجـرين”، التي تعني بيـدر الحـَبّ(1)، والجـرينة تعني “ساحة القمح” أي الساحة التي يتم فيها تخزين وبيع القمـح، (فـفي سنة 1811م، كان ناظر الجرينة في مـدينة عـكّا في فلسطين، أبـو عمـر المِصري، والكاتب لويس أبو راس)(2)، مـع العلم أنـّه توجـد قـرية في قضاء جـزّين تـدعى جرنـايـا، ويـوجـد عين تُدعى “عيـن جرنايا” في جبل الشّيخ فوق بلدة راشيّا، ويوجـد أيضا عيـن في بلـدة عانـوت في إقليـم الخرّوب، تـُدعى “عين جرنـايـا”.

خـلال العهـد العثماني كان يُطلق عـلى جـرنايا “مـزرعة جـرنـايـا”، وكانت منفصلة عقاريّاً وإداريّاً عـن بلـدتي كفـرحيم وديـر القمر حيث كان يُفـرض عليها مبلغ (1000) إقجـة، ضرائب سنوية مختلفـة. ويفـرض على بلـدة كفـرحيم مبلـغ (5900) إقجـة، كمـا يُفـرض على بلـدة ديـر القمـر مبلـغ (33500) إقجـة(3).
على أثر الأحـداث التي حصلت سنة 1860، جَلَت عـن ديـر القمر العائلات الدّرزية التي كانت تقيم فيها، فانتقل آل نكـد إلى كفرفاقـود وديـر بابا، وعلي صالح وبوعلي يونس إلى عمّاطور، وأبو ناصر الدين إلى بطمـه، والخبيـص إلى كفرنبرخ، ونجّــار إلى بعقلين، وأبو ضرغـم إلى دميـث، وغنّـام إلى كفرحيم، وكان قـد جـلا عـن ديـر القمر بتاريخ سابـق :آل الشنيف إلى عين أوزيـه (عين وزين)، وآل السّعـدي وآل المُصفي إلى كفـرنبرخ، لخلاف وقـع بينهم وبين آل نكـد.
في بـداية عهـد المُتصرّفية سنة 1861، عنـدما عُيـّن داود باشا مُتصرّفا على جبل لبنان، تـمّ تقسـيم جبل لبنان بموجب النظام الأساسي الذي وضعته الدّول الأوروبية الخمس والدولة العثمانيّة إلى أقضية سـتّة. وقُسّـمت الأقضية إلى نواحٍ، وجَعَـل المُتَصرّف مـن ديـر القمر ناحية مُستقلّة عـن قضاء الشوف يرأسها مـديـر، ومرتبطة بالحكومة المركزية في بيت الدين، وبهـذا التدبير نـزع عـن ديـر القمر عاصمتها، ونقـل مـركز الحكومة منها إلى سـرايا بيت الـدين، بعـد أن اشترى السـرايا تلـك، من أرملة الأمير بشير الشهابي الثاني الست حُسْن جيهان، بمبلـغ خمسة آلاف قـرش، وألحَـقَ بـديـر القمـر بعـض القـرى المجاورة لها، وهـي :وادي الـديـر- بكـرزيه – بنحليه – ديـردوريت – خـلـوات جـرنايا(4)، ومنـذ ذلـك الحيـن، أصبحت خـلـوات جـرنايا والقرى المذكـورة تـلك، تابعـة عـقاريّاً وإداريّـاً لبلـدة ديـر الـقمـر. وفي سنـة 1863، بعـد أن عـاد بعـض المنفيين إلى الـوطن، ومنهم من ينتمي إلى العائلات الدّرزيّة التي كانت تقطـن ديـر القمر. اضطُـرّ المتصرّف أن يشجّـع بعضهم إلى النـزوح عـن الـديـر، وعـدم الإقامة فيهـا لتجنّب حصول صـدام بيـن الأهليـن؛ المسيحيين والدروز.

الـخـلــوات

كان مبنـى خـلـوات جـرنايا مبنيّـاً بالحجـر الصخري من اللون الأصفر، وقناطر حجريّة، وكان السطح ترابيّا مسقوفاً بجـذوع الأشجار، يُحـدل بالمِحْدلة الحجريّة أثناء الشتاء، والبناء مـركز دينـي يتّخـذه الشـيوخ المـوحّـدون الـدروز مكاناً للصلاة والتّعبّـد، كما كان يُتّخـذُ مكاناً لاجتماعات تُعقـد فيـه، لبحث أمـور تتعلّـق بمصلحة الوطن والأهلين، ومنها اجتماعات لجماهير من مُختلف االمناطق والمذاهب، خلال نهاية العقـد الثالث من القـرن التاسع عشـر، للاعتراض على حُكـم ابراهيم باشا المِصري(5).والأمير بشير الشّهابي الثاني.
أمـام مبنى الخلوات باحة خارجيّة فسيحـة، يوجـد في جانبها بئـر قـديم محفـور قسـم منـه في الصخـر يُمـلأ بمياه الأمطار في فصل الشّتاء، وتُسـتخـدم مياهـه للاسـتعمال المنزلي، وكانت توجـد خلوة أخرى قرب خلوات جرنايا، تُدعى خلوة الشيـخ صالح، وقـد تهـدّمت منـذ زمـن ولـم يعـد لها أثـر، بالإضافة إلى مبـانٍ سكنيّة عـديـدة تـقـطنها عـائـلات متقاربة في النّسـب(6).
لـم نتمكـن مـن معـرفة بـداية تاريخ بناء مبنى خلـوات جـرنايا، لعـدم وجـود مُستنـد أو وثيقـة تفيـد ذلك، لكـن مـن المـؤكـّد أنّه بُني قبل سنة 1700م. ومبنى الخلـوات هـو مـن أملاك عائلة غنّـام “فـرع عمّـار”، التي تقيـم أسـرها حاليّاً في بلدتي كفـرحيم ودميـت، وهـم أصلآً من عائلات ديـر القمر التي نـزحوا عنها بعـد أحـداث سـنة 1860، ووجـود أجـداد عائلـة غنّـام (فـرع عمّـار) في خلـوات جـرنايا يعـود لأكثـر مـن (350) سنـة (7)، وقـد ذُكـرت خلـوات جـرنايا في العـديـد من وصايا الشيوخ، ومنها وصية كُل من :الشيخ ناصيف أبو شقـرا، شيخ العقّال، المـؤرّخة سنة 1750م(8)، والشيخ أبو علي يوسـف بردويل أبو رسـلان، شيخ العقّال أيضاً والمؤرخة وصيّته سنة 1243هـ/ 1827م(9)، فقـد أوصى كلّ منهما إلى خلـوات جـرنايا بِحَسنَة نقـديّة، جـرياً على العادة التي كانت مُتّبعـة حينـذاك، مـع العلم بأنّه توجـد أراضٍ زراعيّة تابعة لخلوات جرنايا، تُعتبر أرض وقـف، ومن هـذه الأراضي ما يلي:
“في بيان بالأرزاق المُشتركة مناصفة بين آل جنبلاط وناصيف بك نكـد، والمؤرّخ في 17 رمضان سنة 1269هـ/ 1852م، ذُكـِرْ :جميع الرّزقة المعروفة بسليمان أبي عـز الدّين في حرف شالا(27) أصل زيتون وبمكانه(18) أصل زيتون شركة خلوات جرنايا”(10).
خـلال الحـرب الأهليّة التي حصلت سـنة 1859/ 186م، قـام حشـد مـن أهالي ديـر القمـر المسيحيين مـع مـن انضمّ إليهـم مـن بعض الأنحـاء بالهجوم على خلـوات جـرنايا وإحـراق منازلها(11) فانتقل سكانها للإقامة في بلدتي كفـرحيـم ودميت المجاورتين.

في السـنوات الأولى مـن عهـد المتصرّفية(12) وبعـد استقـرار الـوضع الأمني في بـلاد الشوف، عـاد سكان خلـوات جـرنايا للإقامـه فيها، بـعـد أن عملـوا على تـرميم مبنـى الخلـوات والمباني السكنية الأخـرى، حتى أصبحت صالحة للسكن، كمـا عملـوا على استصلاح وزراعـة الأراضي التابعة لهـا.
في بـداية عهـد الانتـداب الفـرنسي سـنة 1920، قـام رجـال عـديـدون مـن قـرى المناصف، وآخـرون مـن قـرى وبلـدات مختلفة بنقـل الأسلحة الحـربيّة وتنفيـذ أعمال جهاديّـة وعمليات عسكرية ضـد دوريـات الجيش الفرنسـي التي كانت تجـوب القـرى والبـلـدات في الشّوف والبقاع والجنوب. من هـؤلاء الرّجال، مـن كان يـقـوم بـهـذه العمليات بمفـرده، ومنهم مـن يقـوم بها ضمـن مجموعـة مجـاهدين، وبمـا أن خلوات جـرنايا تقـع على تلّـة تشـرف على قـرى الشوف شـرقاً، وقـرى المناصف غـرباً، وتمـرّ وسـطها طـريـق المشاة الرئيسـة التي تنطلق مـن ديـر القمـر إلى كفـرفـاقـود، ومنها إلى جسـر القاضي وقبـر اشـمون، لـذلك كان أولئك المجاهـدون يحضرون إلى خلوات جـرنايا في أوقات مختلفـة مـن الليل والنهار، لمـراقبة تنقّـلات دوريات الجيش الفـرنسي، كما كانت الدوريّات الفرنسيّة تحضر إلى الخلوات، لنصب كمـائـن لمـراقبة ومـداهمة المجـاهـدين للقبـض عليهم، وكان يحصل أحياناً اشتباك وإطلاق نـار فيما بينهم(13) مـن أجـل ذلك أصبحت الإقامة في خـلـوات جـرنايا غيـر آمنـة، فنـزح عنها سكانها، وانتقلـوا مجـدّداً للإقـامـة في بلدتي كفـرحيم ودميـت وآخـر مـن نـزح عنها، الشـيخ أبـو نجيب محمّـد عمّـار غنّـام سنـة 1923(14) مـع العلم بأن الأعمال الجهادية ضدّ دوريات الجيش الفرنسي، استمرّت من قِبَل المجاهـدين، طيلة عهـد الانتداب الفرنسـيّ وحتى بداية عهد الاستقلال.
بعـد أن نزحـت آخـر أسرة عن خلوات جرنايا سنة 1923، بقي مبنى الخلوات والمباني الأخرى خالية من السّكان لسنوات عـديدة، فتصدّع سقف مبنى الخلوات التّرابي وتهدّم قسم من الجدران، بسبب العوامل الطبيعيّة وعـدم الصّيانة، وخلال الزلزال الذي حصل سنة 1956، سقط سقف البناء، أمّـا بقيّة الجدران والقناطر الحجرية فقد بقيت قائمـة.
في سنـة 1982، تعرّض لبنان للاجتياح الإسرائيلي، وفي العام التالي أي في سنة 1983، وبعـد انسحاب الجيـش الإسرائيلي، وقعت حـرب الجبل وتعرّضت قـرى المناصف للقصف بقـذائف المدفعية، فقامت الميليشيات المسلحة التي كانت تسيطر على منطقة المناصف، بإقامة مراكز عسكريّة ومرابض مدفعيّة على تلّة خلوات جرنايا، وبسبب القصف المدفعي والقصف المضاد، تحـولت الأماكن السكنية فيها إلى بيـوت خَـرِبـة.

مبنـى الخلـوات الجـديـد

في سنة 1984، بعـد استقرار الوضع الأمني في منطقة الشوف، بـدأ أعيـان عائلة غنّام ” فرع عمّـار” في بلـدتي دمـيت وكـفـرحيم، بعـقـد اجتماعات دوريّة للبحث بشأن إعـادة بناء خلوات جرنايا بطريقة حـديثة ومُتقنة، وبما أنّ مساحة العقار الذي كان قـد بنيت عليه خلوات جرنايا في السابق لا تفي بالمطلوب، والعقارات التي تحيط بـه، انتقلت بالوراثة إلى مالكين عـديدين، فقد تـمّ الاتّفاق أن يقـوم كلّ فـرد من هؤلاء المالكين بالتنازل عـن قسم من عقاره وضمّ هذا القسم إلى عقار الخلوات. وبـدأت أعمال بناء خلوات جرنايا، وبعـد سنوات قليلة تـمّ إنجـاز بناء طابق سفلي يحتوي على غـرف عـدّة مع منافعها، تُستخدم لإقامة الشيوخ الذين يقيمون في الخلوة للعبادة والتنسّك مع قاعـة صغيرة، والطابق العلوي يحتوي على مجلس متّسع للرجال، وآخـر للنّساء تُقام فيهما الصلوات وحلقات الذّكر وشرح آيات الكتاب الكريم، وخلال عـام 1987، جرى افتتاح المبنى الجـديـد خلال اجتماع عام حضره سماحة شيخ العقل محمـّد أبو شقرا، والشيوخ :أبو حسن عارف حلاوي، وأبو محمـّد جواد وليّ الدّين، وأبو محمـّد صالح العنداري، وأبو ريـدان يوسف شهيّب، وأصبحت خلوات جرنايا مكاناً يقصده المريدون من طلاّب العبادة والتنسّك، وتجري فيـه اجتماعات بمناسبات دينيّة واجتماعيّة مُختلفة.
وبمـا أنّ مبنى خلـوات جرنايا يحتاج إلى من يـديره ويشرف عليه، من أجل ذلك تـمّ تأسيس جمعيّة تحمل إسم :”جمعيّة مجلس خلوات جرنايا الخيرية” وقد تـمّ الترخيص لهـا بموجب بيان علم وخبر رقم 1744 تاريخ 26/11/2008، صادر عن وزارة الداخلية والبلديات، وتألّفت الجمعيّـة من المؤسّسين السادة :حسن أحمد غنّام، وأمين محمـد غنّام، وسلمان محمود غنّام وجرى انتخاب هيئة إدارية(15)
في العام 2014، بـدأ العمل في خلوات جرنايا بتوسيع مساحة البناء، وإنشاء غرف جديدة تابعة للبناء السابق، لذلك قام مالكو العقارات المجاورة بالتنازل عن أقسام من عقـاراتهم، وضمّها إلى عـقار خلوات جرنايا، وجميع المالكين من عائلة غنّام “فرع عمّار” وذلك مجّـاناً ودون مقابل، وبعضهم قـدّم تبرّعات ماليّة، وجـرت عملية الضمّ والفرز في الدوائر العقاريّة حسب الأصول، وتمّـت أعمال البناء، مـع بناء بئـر لخـزن المياه، يُمـلأ بمياه الأمطار في فصل الشتاء، وأحياناً بمياه الشّفه، كما تـمّ بناء قناطر حجريّة على جميع جهات المبنى وقد بُنيت بالحجر الصّخري الأصفر بطريقة فّنيـة مُتقنة، وأمام المبنى سـاحة فسـيحة تُقـدّر مساحتها نحو الف متـر مربّـع، تُستخدم لوقوف السيارات.

وبما أنّ خلوة الشيخ صالح كانت قـد هـُدِمت منـذ زمـن بعيـد، ولـم يعــد يُعـرف مكانُها. وكان قـد تـوفّي الشيخ أبو محمـد نجيب حسن عمّار غنّام، بتاريخ 8 حزيران سنة 2014، وأقيم مأتمه في باحة خلوات جرنايا، وأثناء عمل الجرّافة بجـرف التربة لتوسـيع طريق السّيارات، ظهرت حجارة أساس مبنى خلوة الشيخ صالح، وبـدأ العمل على إعادة بنائها في ذات المكان والذي يبعـد عن مبنى خلوات جرنايا نحو سبعين متراً لجهة الشرق، وهي تتالف من مجلس للعبادة، وصالون لاستقبال الضّيوف، وتمّـت جميع أعمال البناء في خلوات جرنايا وخلـوة الشيخ صالـح عام 2017.
قامـت “جمعيّة خلوات جرنايا الخيريّة”، بجميع الأعمال اللازمة، مـن إنجاز عمليّات فـرز وضـمّ الأراضي وتسجيل العقارات بحسب المُقتضى القانوني، وقبول الهِبات والتبرُّعات، والإشراف على أعمال البناء، والاهتمام بالمـزروعات وغير ذلك.
كان الشيخ أبو حسين شبلي أبو المنى المتوفّى سـنة ( 1272هـ/ 1855م)، يحضـر لزيارة أصدقائه آل نكـد في قرية ديـر بـابا، خلال النّصف الأوّل من القـرن التاسع عشـر، وهـم أصحاب مقاطعة المناصف ودير القمر زمنذاك، ويقيم أيّاماً عـديدة في ضيافتهم، فكان يقيم سهرة دينيّة مساء يـوم الأربعاء من كل أسبوع في خلوات جـرنايا، بـرفقة شيوخ عـديدين من بعض قرى المناصف، وتخليداً لهـذه الـذكرى، يقيـم الشيوخ حالياً سهـرة دينية في خلوات جرنايا، مساء يـوم الأربعاء من كل أسـبوع، تقام فيها الصّلاة وشرح أيات الكتاب الكريم.(16)


المراجع:

(1) – ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط 6 – 2008، مـج 3 ص 132.
(2)- الجرينة تعني “ساحة القمح” حيث يتم فيها استلام وتسليم وبيع مادة القمح.. (ابراهيم العورة، تاريخ ولاية سليمان باشا العادل، تحقيق أنطوان بشارة قيقانو، دار لحد خاطر، بيروت، 1989، ص 167)..
(3)- عصام خليفة، الضرائب العثمانيّة في القرن السادس عشر، لادار، 2000 ص 197 و199 و203.- والأقجـة هي العملة التي كانت متداولة في الدولة العثمانية حتى نهاية القرن السابع عشر، وعندما هبطت قيمتها، سُكّت عملة بديلة بدلاً عنها هي البارة. وكل 40 بارة تساوي قرشاً واحداً.
(4)- أسد رستم، لبنان في عهد المتصرّفية، دار النهار للنشر، بيروت، 1973، ص 45.
(5)- نعيم فؤاد غنام- لمحة تاريخية عن خلوات جرنايا، مطبعة الدويك، كفرنبرخ، 2017 ص 17
(6)- وصيّة الشيخ يوسف عمّار غنّام المؤرخة سنة 1254هـ/ 1838م، المُدرجة في كتاب (لمحة تاريخية عن خلوات جرنايا) تأليف الأستاذ نعيم غنام، مطبعة الدويك- كفرنبرخ، 2017.
(7)- نعيم فؤاد غنّام، لمحة تاريخية عن خلوات جرنايا، م م.
(8)- وصية الشيخ ناصيف أبو شقرا، نسخة مصوّرة في مكتبة الباحث الأستاذ نايل أبو شقرا، عماطور.
(9)-فؤاد أبو رسلان، سيرة سماحة شيخ العقل الشيخ أبو علي يوسف بردويل أبو رسلان، 2004- لادار.
(10)- سليمان أبو عز الدين، مصادر التاريخ اللبناني، المركز الوطني للمعلومات والدراسات، يعقلين، 1996، ج 2 ص873
(11)- يوسف خطار أبو شقرا، الحركات في لبنان إلى عهد المتصرّفية، لا دار نشر، لا تاريخ ص 115
(12)- عهـد المتصرّفية من سنة 1861 حتى سنة 1914.
(13)- عزت زهر الدين ، المجاهدون الدروز في عهد الإنتداب، م}سسة التراث الدرزي. 2004
(14)- نعيـم غنّام، م.م. ص 15 .
(15)- نعيم غنّام م،م، ص 41 مع صورة عن بيان العلم والخبر.
(16)-الشيخ فرحان العريضي، مناقب الأعيان، ج 3 منشورات مدرسة الإشراق- عالية 2011 ص 193
– مقابلة مع خادم الخلوات الشيخ أبو زين الدين حسن أحمد عمّار غنام، في منزله في كفرحيم، بتاريخ 27/5/2018.
– تصوير راضي بو ضرغم

مرض التبقّع

ينتشر مرض تبقّع التفاح في كافة المناطق التي تزرع التفاح، وهو أكثر انتشاراً ووباءً في المناطق التي تكثر فيها الرطوبة خاصة في فصليّ الرّبيع والصّيف، وينخفض انتشار المرض في الأماكن أو المناطق ذات الرطوبة المنخفضة والدافئة نسبيّاً. مرض التبقّع أو جرب التّفاح هو أكثر أمراض التفاح خطورة من حيث تأثيره الأساسي والمباشر على الثمار مما يؤدي إلى خفض نوعيّته، ويشوه الثمار ويمنع الثمار من أخذ حجمها الطبيعي ويُقصّر مدّة تخزين الثمار المُصابة في البرادات. وإنّ إصابة الساق الذي يحمل الثمار الحديثة تؤدّي إلى سقوط الثمار قبل النضج. أما الإصابة الشديدة للأوراق فهي تؤدّي إلى تقليل سطح الورقة الفعّال في عملياّت التمثيل الضوئي وتؤدّي أيضاً إلى تساقط الأوراق قبل الأوان. هذا يؤدي إلى تكشّف البراعم الثّمرية وضعفها خاصة لمحصول السنة القادمة، وقد تصل الخسائر الناتجة عن مرض تبقّع التفّاح إلى حوالي 70% أو أكثر من إجمالي قيمة الثّمار عند اشتداد الإصابة.

 

أعراض الإصابة

تظهر الأعراض أوّلاً على السطح السفلي للأوراق الصغيرة في البراعم الزهرية على شكل بقع فاتحة اللون وغير منتظمة، سرعان ما تتحوّل إلى بقع مُتقرّحة زيتونيّة خضراء ذات سطح مخملي رمادي داكن اللون وذات محيط أكثر استدارة ثم تقرّحات بلون معدني أسود وقد تكون مرتفعة قليلاً.قد تبقى البقعة المتقرّحة واضحة وذات حواف مُحَدّدة أو أنها تلتحم مع بعضها البعض، وبعد الإصابة المُبكرة الشديدة للأوراق يمكن أن تصبح الأوراق صغيرة ومجعّدة وقد تسقط أخيراً.
تظهر الإصابات الثمريّة على شكل تقرّحات جرب متميّزة ودائرية تقريباً كما في الأوراق، ولكن تصبح بعد ذلك أغمق لوناً، وأحياناً تكون جرباء متشقّقة، والإصابة المُبكرة تكون ثمار مشوّهه ومشقّقة وغالباً تسقط قبل النضج.

أما الإصابات المُتأخرة في الموسم والتي تحدث عندما تكون الثمرة قد قاربت على النضج، فهي تؤدّي إلى تقرّحات صغيرة وقد تكون صغيرة جداً لدرجة لا يمكن مشاهدتها أثناء الجمع وتتكشّف أثناء التخزين إلى بقع جرب غامقة اللون.

الكائن المُسبّب لمرض تبقّع التفاح

يُعتبر فطر ميكروسكوبي VenturiaInaequlis المُسبّب لمرض تبقّع التفاحيات مُتخصّص على المُضيف.

الضّرر الاقتصاديّ

يُعتبر هذا المرض من الأمراض الوبائيّة وخصوصاً في مناطق زراعة التفاح ذات المناخ الرطب والحرارة المُعتدلة. وفي الحالات الشديدة تُسبّب ما يلي:
֍ تساقط الأوراق المُصابة قبل أوانها.
֍ تساقط الأزهار قبل مرحلة العقد.
֍ تشوّه الثمار الصّغيرة وتساقطها.
֍ إضعاف الأشجار بشكل عام نتيجة الإصابة وإعطاء براعم ثمريّة ضعيفة للموسم القادم.
֍ خفض جَودة ونوعيّة الثّمار المُصابة.
֍ حساسيّة الثمار المُصابة لأمراض التخزين أثناء تخزينها.

دورة حياة التبقّع

֍ يقضي الفطر المُمرض للتبقّع فصل الشتاء في الأوراق والثّمار المتساقطة على الأرض وفي بداية الربيع وبعودة المناخ الملائم لنمو الفطر.
֍ وعندما يصبح الفطر ناضجاً تندفع الفطريات من خلال فتحة وتنطلق جراثيم هذا المرض بقوّة في الهواء ويمكن للتيّارات الهوائية أن تحملها إلى أنسجة التفاح الخضراء القابلة للإصابة ويمكن أن يستمر انطلاق الجراثيم لمدة /3-5/ أسابيع بعد سقوط بتلات الأزهار.
֍ يُمكن أن تنبت فطريّات التبقّع وتسبّب إصابة عندما تبقى رطبة.
֍ وبعد الإصابة ولمدّة بضع أيام فإن خلايا البشرة لا تُظهر أية علامات للضّرر إطلاقاً ولكن بمرور الزّمن تظهر التقرّحات حيث يظهر على هذه الخلايا علامات استنزاف تدريجي في مُحتوياتها وأخيراً تنهار وتموت.
المكافحة المتكاملة لمرض تبقّع التفاح: التشجيع على استخدام غِراس أقل حساسية للإصابة بمرض تبقع التفاح، وهناك العديد من أصناف التفاح المتوفّرة المقاومة، ولكن جميع الأنواع المُنتشرة إمّا أنها متوسطة أو عالية القابلية للإصابة بهذا المرض.

الأعمال الزراعيّة التي تُقلّل من خطر الإصابة بتبقّع التفاح أهمها:

֍ الرشّة باليوريا (سماد آزوتي) بنسبة 46% وبمعدّل 12 كغ لكل 100 ليتر ماء للدونم (1000 م مربع) للأشجار والأوراق المُتساقطة في فصل الخريف.
֍ جمع الثمار المُتساقطة والمتبقية على الأشجار وتصنيعها خلّاً أو تقديمها علفاً للحيوانات أو طمرها في التربة بعمق يزيد على 60 سم.
֍ حراثة التّربة حراثة عميقة بعد الرّش باليوريا بحوالي الساعتين كحدّ أقصى من أجل طمر الأوراق.
֍ تقليم الأفرع المُصابة والتي تظهر عليها التقرّحات وجمع كافّة المُخلفات وحرقها في البستان.
֍ تقليم الأشجار على شكل كأسي للتقليل من نسبة الرطوبة داخلها.

المكافحة العضويّة بواسطة النّحاس مثل الجنزارة

بعد القطاف وفي مرحلة تساقط الأوراق بمعدّل 60 الى 80 % تُرَش الأشجار بمحلول 120 الى 150غرام جنزارة للتنكة 20 ليتر ماء (حسب كثافة الأوراق).
الرشة الثانية في أوائل الربيع عند بداية انتفاخ البراعم بمعدل 200 غرام جنزارة ويضاف إليها 100 غرام كبريت غروي للتنكة.

ملاحظة:

الرش بالجنزارة والكبريت المكروني وقائي فقط عند انتفاخ البراعم وبعد العقد يستعمل بنسب قليلة أي 70 غرام جنزارة و50 غرام كبريت. يمكن استخدام معظم المبيدات الفطرية المعدنية عند الإصابة الشديدة.

غضبُ السويداء

قالوا السويداءُ تَبكي، قلتُ لا عجَبُ

فجُرحُـها بـالـغٌ، والقــلـــبُ مُــكتـــــئبُ

لكنَّ أهلَ الفدى والسَّيفِ لو دَمعــوا فالـدَّمــعُ يَستنهِضُ الأبطالَ كي يَـثِبــــوا
يا حبَّذا جبلُ الثَّوراتِ من جَـــــبَلٍ وحــــــبَّذا الــــدينُ والأخـلاقُ والأدبُ

يا قلعةً شمختْ، يا دوحـــةً خصُبَتْ

رجـــالُكِ الصِّيـدُ مـا هانــوا وما تَعِــبوا
حُسامُكِ العقلُ، والتوحيـدُ شَفرتُــه مَن هاجموا هُوجِموا، مَن غالبوا غُلِبوا
إنْ مُسَّتِ الأرضُ إنَّ الأرضَ غاليــةٌ صخورُها السُّود بُــركانٌ ويــَلتــــــــهبُ
وإنْ يُمَسَّ الحِمى والعِرضُ قُلْ خطرٌ يُهــدِّدُ الأرضَ، بـــل قُــلْ إنـــَّه الغضَبُ
حُــيِّيتُمُ يـــــا بني مـعروفَ، وَحدتُكم تـــــرُدُّ كَــيدَ العِــدى، والـــــغَدرُ يَنقلبُ
لمَّــــا تَسـلَّلَ فـــي اللّيــلِ الذئابُ إلى قـلبِ العــــرينِ، وظَنُـــــّوا أنّـهم كَسِـبوا
وفجـــَّروا في بيــوتِ الطُّهرِ حِقدَهُمُ حتى غَــــدَتْ بـــدَمِ الأطفـالِ تَخْتَضِبُ
وأرعبــــوا الآمنينَ، الآمناتِ، ومَـنْ قــــدِ اطمأنُّوا إلى تطميــنِ مَن نَصَبـوا
أَبيتُــــمُ الضّيمَ، ثُــرتُمُ مثلَ عاصفةٍ هـبَّتْ عليــهِم، فَــدَبَّ الــذُّعرُ وارتَعبوا
أمَــا دَرَوْا أنَّكم أهلُ سُلطانٍ وثورتِه ومنكُمُ الأُســـدُ يُسْــتَجدى لـــها لَـــقَـبُ
وأنَــّكم أمَّــــةُ التّــوحـيدِ، لو ظُلِمَتْ يــــوماً، فَدَوْماً لها في النّائـبــــاتِ أبُ
وأنَّكم، لــو سكنتُم في تواضُــــــعِكم كالجــــمرِ، يخشاهُ مَــن يدنو ويقتـربُ
وأنَّكم يا حُمـــــاةَ العِرضِ من قِـدَمٍ كنتُـــمْ جبـالاً ومنـكم تُنْهـلُ الكـــتُبُ
وأنَّكم، إنْ تحـــــدَّى القهرُ شــيخَكمُ استعانَ بِــاللهِ، فانقـــــادتْ له السُّـحُبُ
هلْ داعشٌ غيرُ مَنْ مِنْ قبلُ قد هُزِموا لمَّا رجالُ السُّويدا السُّمرُ قد ضَربــــوا
ابراهيمُ باشا وميشو والغُزاةُ ومَـن قــــد جرَّبـوا سيفَهم، لكنَّهم جَرِبوا
كم هاجمٍ عادَ أو ما عادَ مُرتَعِبــاً أو مَيِّتاً مـــا حمى إسلامَـهُ الكَذِبُ
لمَّا اعتدَوْا أرسلَ الرحمنُ رَحْمَتَه:  هنا النَّشامى، هناك الخَيلُ والشُّهُبُ
تَحـــوَّلَ القُصَّرُ الحِمْلانُ ألْـــــوِيَةً  منَ السِّباعِ، فَـمَن لم يُقتَــلوا هَربــُوا
في الفكـــرِ أسئلةٌ عمَّنْ أساءَ لكُـم من أضمرَ السُّوءَ، مَن خانوا ومَن لَعِبوا
وفي الفـــؤاد اعتزازٌ أنَّ نخوتَكم  لِجَـــدِّ جَـــدِّ بنــي معـــــــروفَ تَنتسِـبُ
مَن يُنكرونَ عليكم أنَّ ثورتَـــكم  أصابتِ المجـــــدَ هُـمْ في الثـورةِ الذَّنَبُ
والداعشيَّةُ حالٌ عمرُها قِـصَرٌ  وأهـــــلُ حَــوْرانَ أهلوكم وإنْ سُـــلِبوا
قوموا انهضوا وادفِنوا المَوتى على أمـلٍ فالحقُّ أكبـــرُ حالاً ممَــّن ارتكبـــوا
إنَّا نُصلِّي لكم يا أهلَنـــــا وبِنــــا  حُـــزنٌ عميقٌ، ومنَّـا الدّمعُ يَنســكبُ
دعاؤُنا من صميم الـــرّوحِ نُرسِلُه  وفــــي القلـــوبِ حماسٌ جَحــفَلٌ لَجِبُ
إسلامُنـــا رحمةٌ، إيمانُنـــا قِيـَمٌ  توحـيـــدُنـــا صِـــلـــةٌ بــالله تُحتَسَــبُ
مَن يَنْهجِ الدِّينَ إجرامــاً، فليس لــهُ  في الـــــدِّيـــنِ شأنٌ، وإنَّ اللهَ مُـرتقِــبُ
سينصُرُ الحقُّ مَن ضحَّوْا ومَن صبـــروا ويَرفـــعُ اللهُ مَن لِلّهِ قـــــد ذهبــوا

السويداء والمحنة

قِفْ في السُّوَيْدا ءِ خَفِّفْ منْ مَآسيها
وقُلْ سلاماً، وفاخِرْ في أهاليها
وانْظُرْ إليها بعَيْنِ العزِّ مُبْتَسِماً
قد فاحَ حاضِرُها مَجْداً وماضيها ..
تَزاحَمَ الشَّوْكُ في بَيْدائها وأتى
دَواعشاً، غَدَرَتْ سُكْنى ضواحيها
جاؤوا إليها خَفافيشاً مُزَنَّرةً
بالكفرِ والحقدِ كي يَرْموا معاليها
جاؤوا بليلٍ وتحتَ الشمسِ قد سُحِقوا
تحتَ النِّعالِ كعُشْبٍ يابسٍ فيها ..
لكنّهم هَرَبوا منْ فَرْطِ خَشْيتِهم
وقد كَواهم لهيبٌ من مباديها
عادوا عُراةً زَئيرُ الأُسْدِ يُرْعبُهم
خَرُّوا كلاباً على مَرْمى مبانيها
عادوا فَراراً بأنْفاسٍ مُقَطَّعَةٍ
مثلَ الثعالبِ لم  تَخْدُشْ مواشيها
عادوا عِجافاً بلا قَمْحٍ ولا عَسَلٍ
فالنّحْلُ هَبَّ لكي يحمي خوابيها
عادوا حُفاةً فلا فازوا ولا شربوا
ماءُ البسالةِ ما خانَتْ مجاريها ..
عَيْنُ السويداءِ ما زاغَتْ ولا غَمُضَتْ
حتى  اسْتَراحَتْ وقد ولَّى أعاديها
إنَّ العيونَ ولو سالَتْ مَدامعُها
على الشهيدِ فَكَأْسُ النَّصْرِ يُحْييها
إنَّ العيونَ ولو سالَتْ مَدامعُها
على الشهيدِ فَكَأْسُ النَّصْرِ يُحْييها
تَجْري النّساءُ الى الهَيْجا بلا كَلَلٍ
مثلَ الرّجالِ بلا خَوْفٍ يُحاذيها
تَأْبى الحياةَ إذا اهْتَزَّتْ كرامتُها
فالموتُ عِزٌّ وعندَ الضَّيْمِ يُرْضيها ..
أَهْلُ السّويدا على التَّوْحيدِ قد فُطِروا
ليسوا وَقوداً لأحقادٍ تُغَذّيها
ليسوا خِرافاً، فأهلُ البَغْيِ  تَأْكلُها
ولا فُتاتاً وأيدي الشَرِّ تَرْميها
إنَّ السّويدا كراماتٌ مُجَوْهَرَةٌ
تَقْري الضّيوفَ وللأوطانِ تبنيها
فَتُكْسَفُ الشمسُ إنْ بانَتْ عمائمُها
ويُخْسَفُ البدرُ إنْ سَلَّتْ مَواضيها
عانَتْ مَراراً منَ الـحَمْقى وقد صَمَدَتْ
تبكي الرّجالَ ولا الطُّغْيانُ يُبْكيها
فلا تَسَلْني إذا في يَوْمها انتصرتْ
” سُلْطانُ” حَتْماً بِساحِ الحقِّ راعيها
يا رَحْمةً  أَمْطِري غَيْثاً على الشُّهَدا
لولا الضّحايا لَـما ضاءَتْ لياليها

التقمّص…حقيقة أم أسطورة؟

يقع الكتاب في 423 صفحة؛ هو نتاج جهد تقميشي واضح، ويحتوي على عناوين فرعية عدة، أهمها: العلماء يؤكدون وجود الحياة بعد الموت، التقمص والعالم الآخر، ظاهرة التقمص تجتذب العلماء والشعراء والمفكرين، أراء حول الحياة والموت، ذكريات من الماضي، رُؤي من قبل، سُمِع من قبل، اليونان والنفس، المصريون وخلود الروح، جبران الشاعر العائد، الكارما، رؤيا هرمس، الزمان والمكان، لماذا لم تكن الحقيقة دائماً تحت إدراك جميع الناس، الجسد الأثيري، العالم الأثيري، عدد السكان، النسيان نعمة أم نقمة، العودة إلى التجسد والصدف، نداء من الوسيط إلى المعلم، التنويم المغناطيسي، الحياة في داخلنا، مع لائحة مصادر ومراجع طويلة.

هنا كانوا

240 صفحة، قطعاً وسطاً. هي الطبعة الثانية من كتاب سلمى سلامة عبيد، فيه الحنين لطفولة جميلة، وذكريات الصبا مع أم مثقفة مخلصة لأسرتها، ووالد معروف بنضاله وتضحياته لبلده ومجتمعه وللفقراء فيه على وجه الخصوص. الكتاب بين الرواية والسرد الذاتي، بأسلوب بارع، رشيق، خفيف الظل، مثقل بالحزن وهو يروي فصولاً من سيرة والدها سلامة عبيد: “كانوا يتساقطون شهداء القنابل التي كانت تمطرهم بها الطائرات الفرنسية، وشهداء الجوع والعطش والقيظ في صحراء النبك”…مجاهدون رفضوا عروض فرنسا اقصور في سويسرا وحسابات خيالية في بنوكها.

مجامر ورد

ديوان شعر، لوحة الغلاف للرسامة الأستاذة الجامعية هناء عبد الخالق، رسوم الداخل لكارول قيس، صدر عن دار نلسن للطباعة والنشر والتوزيع، 2018.
وجدي عبد الصمد من مواليد عماطور 1963، يحمل إجازة ثم ماجستير في العلوم المالية والمصرفية.
صدر لوجدي حتى الآن سبعة دوواين شعرية: حنين في همسات، رذاذ على العشب، لأنك أنت…أنا، قطرات شوق، بوح السنابل، أكتبيني بعد، ومجامر ورد، الديوان الأخير.
شاعر واقعي، طموح عال، إرادة صلبة، وبإسلوب راق وصور جميلة. حمل هموم أهل القلم، وسعى في سبيل إعلاء شأنهم، في كل المواقع التي شغلها، كما في أعماله الشعرية والأدبية.

سميح القاسم، شاعر الثورة والقضية، في ذكرى رحيله الأولى

يقع الكتاب في 288 صفحة، وهو مجموع تحيات وندوات ومقالات في الشاعر الفلسطيني الراحل، “آخر رموز الشعر الفلسطيني المقاوم”، وفق تعبير الشاعر لامع الحر، وجمعت الأعمال تلك في مجلد واحد اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز.
يتصدر الكتاب برقيتا تعزية كان قد أرسلهما سماحة شيخ العقل القاضي نعيم حسن بمناسبة رحيل سميح القاسم إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور، وكذلك نعي الرئيس الفلسطيني له، ونعي الشيخ موفق طريف الذي وصف الراحل ب” عملاق الشعر والأدب والعلم الفلسطيني الخفّاق…” وفي الكتاب أيضاً تحيات من وليد جنبلاط وطلال أرسلان، وأمين عام اتحاد الكتاب اللبنانيين ولشعراء وأدباء ومفكرين لبنانيين وعرب. وفيه أيضاً، توثيق دقيق غني للندوات التي عقدت في لبنان إحياء لذكرى الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم.

فصول من حواراتي وكتاباتي

يقع الكتاب في 254 صفحة، حجم وسط، ويضم خمسة أقسام:
“فصول من حواراتي في الفكر والسياسة
فصول من كتاباتي في الفكر والسياسة
مع قائدين كبيرين من لبنان: كمال جنبلاط وريمون أده
حكايتي مع أربعة من رفاق وأصدقاء العمر: حبيب صادق، محسن ابراهيم، نديم عبد الصمد، وميشال أدّة
في البحث عن المستقبل: بيان من أجل يسار لبناني جديد، بيان من أجل تيار ديمقراطي مدني عابر للطوائف”
كلمة مروة في المقدمة تختصر ربما هوية الكتاب: “أهمية هذا الكتاب بالنسبة إلي..أنه يقدّم للقارئ صورة شبه كاملة عمّا قادتني إليه تحوّلاتي إلى الموقع الذي أنا فيه الآن….موقع قررت أن أكون فيه مستقلاً عن أية جهة سياسية ….”ص 7

العدد 25