الأربعاء, آذار 27, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأربعاء, آذار 27, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

من اتَّكل على الله أغناه وأوْلاه

تقول الأساطير القديمة أنّ رجلاً في غابر الزمان من بني إسرائيل كان مُمَيَّزاً عن سواه أنّه بارٌّ بوالديه إطاعة وخشية. وقبيل وفاة والده دخل عليه وقال: «أوصني يا والدي بعد تجاربك في الحياة.»

قال الوالد: يا بني لا تحلف باسم الله لا بارّاً ولا حانثاً.

بعد وفاة والده علِمَ فُسّاق بني إسرائيل بوصيته لولده لذا دخلوا عليه مطالبين بأنْ لهم بذمة والده مبلغاً من المال كذا وكذا.. ثم أكملوا قولهم: إذا لم تدفع لنا فعليك بقسم اليمين.

التزاماً بوصية والده أعطاهم جميع ما يملك ولم يُقسم اليمين وهو مقتنع في ذاته أنهم كاذبون منافقون.

تشاور في الأمر مع زوجته قائلاً: علينا بالسفر كونه لم يبق بحوزتنا أي مبلغ من المال، وعندنا ولدان وهما صغار السن. إذاً لنركب البحر وننتقل إلى بلاد جديدة ربما يكون رزقنا في تلك الديار. أثناء ركوبهم السفينة إذ برياح عاتية تضرب تلك السفينة حيث تتكسّر ليذهب كل منهم على خشبة وفي اتجاهات متعاكسة.

الوالد رحل إلى جزيرة فوجد بها عين ماء وشجرة مُثقلة بالأثمار فأكل وشرب ونام من التعب. بعد أن نهض من نومه تجوّل في تلك الجزيرة فإذا به في أحد الكهوف أمام كنز كبير من ذهبٍ وجواهر وزمرد وعقيق. تبسم وقال: قد عوّضنا الله عما فقدنا فعمل آنذاك على بناء تلك الجزيرة بعد أن استقطب إليها العمال والبنائين حيث أقام مدينة أصبحت عاصمة مملكته.

أمّا ولداه وزوجته فكان نصيب الأول من الأبناء أن رست به الخشبة التي ركب فوقها عند الشاطىء الآخر لتلك الجزيرة فتلقاه أحد التجار وجعله من مديري أعماله الخاصة. بينما الولد الثاني تلقاه رجل ذهب به إلى بيته ثم أخذ يعلّمه القراءة والكتابة كي يتسفيد منه في عمله.

غير أن الزوجة كانت قد وقفت أمام منزل تاجر فأخذها وعاهدها أن تكون أختاً له بعدما تفاءل بالخير من حضورها في منزله.
ذاع صيت ربّ العائلة أن مدينة تُبنى في إحدى جهات الجزيرة وهي تطلب العمال والصناعيين والبنائين. الولد الكبير قال للشخص الذي تبنّاه: أتسمح لي أن أذهب إلى تلك المدينة للعمل بها؟ فكان له ما أراد. كذلك الولد الثاني سمح له معلّمه فاتجه أيضاً نحو تلك المدينة.

وأيضاً التاجر الكبير الذي آخى الزوجة قال لها أنه غداً سيبحر إلى الشاطىء الآخر من الجزيرة حيث تُبنى تلك المدينة فلعلّه يبيع بضاعته ويجعل منها سوقاً له. عند وصوله إلى المدينة دخل على مليكها طالباً منه السماح ببيع بضاعته في أسواقها. قال الملك: أهلاً وسهلاً وستبقى في ضيافتي. أجابه التاجر: لا أقدر كونه توجد داخل السفينة شقيقة لي مع بعض العمال. قال الملك: إذاً اِبْقَ أنت هنا وسأبعث حرّاساً لحمايتها.

كان الحارسان ولَدَيّ المرأة وأثناء تناوب الحراسة تحدّث كلٌّ منهما عن تاريخ حياته وكيف تكسّرت السفينة بهما مع والديهما وكلّ ذهب باتجاه معاكس للآخر، وكون تلك الحادثة قد مرّ عليها عقد من الزمن أو أكثر لهذا لم يتعرّفا على بعضهما.

الأم كانت تسترق السمع منذ البداية بين الحارسين، وبعد ان انتهيا من كلامهما تأكد لها أنهما ولداها الغاليان على قلبها، فاسودت الدنيا في وجهها وأخذها البكاء خلسة عن مراقبَيْها.

عند الصباح عاد التاجر إلى السفينة فوجد المرأة في حالة يُرثى لها فاستشاط غضباُ ثم ذهب إلى الملك وأخبره بأن الحارسين اللذين أرسلهما إلى السفينة قد أساءا إلى المرأة وجعلاها في موقف مذل حيث الدموع كانت تترقرق من مآقيها.

أحضر الملك الشابين للمثول أمامه ثم طلب إلى المرأة أن تُفصح عمّن أساء إليها فقالت: بالله عليك قلْ لهما أن يعيدا الكلام الذي تحادثا به أثناء حراستهما في الليلة الماضية.

بعد إعادة الحديث من قبل الشابين والمرأة تتأوّه وتمسح دموعها إذ بالملك ينهض عن كرسيه ثم يتوجه إلى الشابين والمرأة معاً قائلاً وصارخاً: بالله العظيم أنتم عائلتي وأنتم أحبائي، وأنتِ زوجتي والله تعالى قد جمع شملنا من جديد.

المعرفة بين النعمة – واللعنة

كتاب هو عبارة عن بحث معمّق يتناول فيه مؤلفه الدكتور حاتم علامة، مسألة المعرفة في تحديداتها، ومدلولاتها، في أن تكون تارة نعمةً للأفراد والمجتمعات، بسلوكيات معينة، ومفهوم إيجابي، شريطة ترجمة مدلولاتها إلى وقائع عمل فعلي، في ضوء مستوىً رشيدٍ من الوعي، يُتَقَيَّدُ به ضماناً لإدراك الأهداف الحسنة المتوخاة منه، والمُعَبَّرُ عنها بـ «النعمة» أي بالارتقاء معنوياً ومادياً إلى حالة من السعادة العامة، يتمنَّاها ويسعى إليها كُل إنسانٍ بحَسَب معطياته العقلية، ومدركاته العلمية، وذلك بنسبية ما، حيث أن المعرفة، ولا سيما إذا كانت كليةً، فوق مقدورات البشر ومقدراتهم، لأنها عندها تماثل قوانين الطبيعة غير المدركة منهم، ولكن بحسب تحديدات المؤلف علامة، وإلماحاته، فإن للمعرفة وجهاً آخر غير وجهها الإيجابي، ويمكن أن ينحو نحو السلبية بالمعنى المطلق، ويصير من شدته «لعنة» أي وبالاً على المجتمعات والأفراد، كما هو صائر اليوم في العالم بمعظمه. وربما يريد المؤلف في كتابه أن يقول: إن للمعرفة وجهين، سلبي وإيجابي، وهذا يتوقف على حسن استعمالها… إنه تعليل منطقي، في ضوء ما يحصل على كوكبنا من نزاعات وحروب وجرائم، وعنف، واضطهاد غير مبررة بمقاييس الحرية، وحقوق الإنسان، ناهيك بالعدالة التي لو اعتمدت حقيقةً، لوفرت على البشرية عذاباتها ومآسيها ووطدت السلام. الدكتور علامة في كتابه القيِّم هذا يرى أن أزمة العصر بوجوهها المعقدة، وربما أزمات كل العصور السابقة التي لم يُتَوَصَّل إلى حلها حتى اليوم، هي مرجحة للاستمرار، بغياب الوعي التام واستفحال الأنانية، سواءٌ أكانت فرديةً أو جماعية.

إذن المسألة هي مسألة وعي لا غير، وكيف نأتي بالوعي الجماعي بعيداً من المعرفة، ومن ثم العلم، الذي مصدرُهُ العقل والعقلانية وهذا «أرسطو» الفليسوف اليوناني العظيم، نقلاً عنه، يورد المؤلف مقولة أن «الجاهل يؤكد، والعالم يشك، والعاقل يتروى».

وبمثل ذلك يتحدث «نيتشه» الفيلسوف الألماني، عن المعرفة فيرى مثلاً أنّ القناعات الراسخة أكثر خطورةً على الحقيقة من الأكاذيب» فالجزم بالحقيقة من أيٍّ كان يجب أن يُتَحفَّظ عليه في ضوء المعرفة التي تنمو وتتكاثر، وتتحول من حال إلى حال، أو من اقتناع إلى ضدّه. هذا الكتاب المهم الذي يبلغ عدد صفحاته قرابة 170 صفحة، جعله الدكتور علامة من ثلاثة فصول، وخاتمة.

ضمَّنَ الفصل الأول، بحثاً في «الكورونا»، قسَّمَهُ إلى أربعة مقالات اجتهادية فكرية، رأى في الأولى أن مع الكورونا، الحدث العالمي المفاجئ ينبغي كتابة تاريخ جديد. وفي الثانية ضرورة وضع معيارية كونية جديدة، ويتساءل في الثالثة، العالم إلى أين؟ وفي المقالة الرابعة، لا يتردد في الجزم في أن الكورونا فاتحة قيامة شاملة. وفي الفصل الثاني يتطرق إلى موضوع أساسي في حياة البشرية قاطبةً، وهو الأخلاق، والثقافة. والمعنى بين المحمول المعرفي وتشفير اللعنة. فيجعل السؤال الأخلاقي بين بصمة التميز، والترانسفير المعرفي، وثانياً الأخلاقي – الديني بين احتكار النجاة والسمو المعرفي، وثالثاً: أسئلة المعنى في منظومة قيمية متهاوية. ورابعاً المعرفة بين المركب الثقافي والأنتروبولوجيا الثقافية، وفي الفصل الثالث: يناقش النظام المعرفي بين صناعة العصر، ومشاكسة اللعنة، فيتبين مستنتجاً المعرفة بين فلسفة الحقيقة، وعقلنة الوعي، وبين معرفة المعرفة، وعقلنة الوعي. والعلم والمعرفة، الفكر والتفكير النقدي، إلى أن يصل بالاستنتاج إلى التحدي المعرفي بين لعنة المعرفة، والمعرفة المحرمة.

إنْ هذا إلا عجالة منا لكتاب يشكل إضافة ثقافية وعلمية يحتمل الكثير من التبسط والتوسع في عميق معانيه الذاهبة مذهب الإنقاذ والإصلاح في زمن التصحر الفكري أو قُلْ في زمن المعرفة اللعنة…

مع المؤلف نقول: «لا أفكار قبلية لحقيقة عاصفة، واستحضار لفكر نقدي عبر التاريخ، نتشاركُهُ مع العقول النيرة، والوعي المتوهج، عصفاً بيقينات بالية، وأوهام وخرافات.

صورةُ الخليفة الفاطمي، الحاكم بأمر الله،

بعضُ أهميَّة كتابات السيد بحر العلوم هو ما تمتع به من غنى موسوعي لجهة المادة، والتوثيق الدقيق لجهة المصادر والمراجع، والعَود باستمرار للوقائع والشواهد منهجاً في دعم نتائجه واستنتاجاته. هذا في كتابات السيّد بحر العلوم عموماً، فكيف إذا كان الموضوع سيرة الخليفة الفاطمي السادس، الحاكم بأمر الله، بل صورته التي تناقلتها المُدوَّنات التاريخية.

ولا يَخفى القارئ التحامل والتجنّي اللّذين تعرضت لهما سيرة الحاكم وصورته، من عدد من الكتّاب غير، إمّا لدواعٍ أيديولوجية صريحة، أو نقلاً عن روايات مختلقة اختلط فيها الخبر بالأسطورة، والحقيقة بالخيال. وبعض الصورة التي رُسمت للخليفة الحاكم بأمر الله، قسوته في الأحكام، بل دمويَّته، والتناقض في قراراته.

يفنّد السيّد بحر العلوم في الجزء الثالث من كتابه «تاريخ الدولة الفاطمية» المزاعم تلك جملة وتفصيلاً، ويعيد إظهار سيرة الحاكم الحقيقية، كما كانت في الواقع، نقلاً عن عشرات المصادر والمدوّنات التاريخية: « ….أقف إزاءها بنِظرة عالية فيها من الدقة والتفكير، بالسَّير الاجتماعي الأخلاقي ما يجعلني أُكبِر هذا الرجل وأبعده عن اتهامات الكتّاب». (ص 182)

وضعت وفاة والد الحاكم، الخليفة العزيز، المبَكِّرة الفتى في موقع الخليفة وهو يافع السن لم يتجاوز الثانية عشرة من العمر. لكن الأمر لم يطُل بالفتى حتى أظهر معدنه المتميّز، فتخلّص من قادته الأقربين الفاسدين، ابن عمّار وبرجوان، المتشاحنَين المتطاحنَين على الدوام.

أمسك الشاب اليافع ذو الشخصية الجبّارة، على ما يصفه المؤلف، بناصية الخلافة لثلاثة عقود، مُصلحاً شؤون الدولة ومُندَرجاتها ودوواينها، وباعثاً لسياسة جديدة تخفف عن كاهل مواطني الدولة الأعباء الضريبية حتى الحدّ الأدنى، ومختطّاً لسياسات كانت الأكثر عدلاً، وكأفضل ما يكون عليه الإصلاح، وتكون عليه السياسات على الإطلاق، جالباً من خلالها الأمن والأمان والعدالة لأرجاء الدولة، وضارباً في الوقت نفسه بيد من حديد على أيدي الفاسدين والمحتكرين والمتّجرين بقوت الناس.

يسهب المؤلف في تفاصيل الصعوبات العملية التي واجهها شاب يدير دولة معقدة، وتضم قادةً شرسين وخلفهم قبائل وجيوش؛ لكن الشاب وعلى توقُّع أنجز ما لم يكن بالحسبان. ففي خلال ثلاث سنوات لا أكثر بدت الدولة الفاطمية في ذروة قوتها، وبدت دولة الحاكم بأمر الله، لا دولة سواه، يشرف على الصغيرة قبل الكبيرة فيها، ويتابع القضايا والمسائل الشائكة، يحضر «المجلس الوزاري»، ويكون صاحب الرأي الأخير في كيفية تدبير المملكة. ويعلّق المؤلف على ذلك:

«من الممكن أن تكون قابليته كَيفّته لأن يكون شاباً مثالياً يؤْثر العمل المُتعب، ويعاني الإجهاد المُضني في سبيل مصلحة بلاده حتى أنه أبدى نشاطاً مدهشاً في مجاله، فهو لم ينغمس في اللذة وينهمك في اللهو واللعب كما هو شأن أمثاله من الشبّان ممّن تسنّى لهم هذا المركز، وأتيحت له هذه المكانة، وإنّ حياة العبث والمجون لم تتمكن من الوصول إليه فلم نلمس عنده جانباً ليّناً وميلاً نفسياً، وإنما كان منكبّاً على عمله في تدبير دولته يواصل ليله بنهاره.» (ص 201-202)

في صفات الخليفة الفاطمي الشاب، الحاكم بأمر الله، ينقل المؤلّف عن مؤرّخين معاصرين لحقبة الحاكم الميزات غير الاعتيادية التي كانت له، في هيئته الجسدية، وفي طباعه وخصاله، كما في طبيعة الحكم الذي مارسه لنحو من ثلاثين سنة.

ينقل السيد بحر العلوم عن المؤرخ الأنطاكي (تاريخ الأنطاكي) قوله:
«وأظهر – أي الحاكم – من العدل ما لم يُسمع بمثله، ولعمري إن أهل مملكته لم يزالوا في أيامه آمنين على أموالهم… مطمئنين على نفوسهم، ولم تمتد يده قط إلى أخذ مالٍ من أحد، بل كان له جود عظيم، وعطايا جزيلة، وصلات واسعة…. وأسقط جميع الرسوم والمكوس التي جرت العادة بأخذها، وتقدم إلى كل من قبض منه شيء من العقار والأملاك بغير واجب أو في مصادرة في أيامه وأيام أبيه وجدّه أن يُطلق له ما قُبض منه.» (ص206)

ويورد عن الكاتب عبدالله عنان:
«والخلاصة أنَّ الحاكم بأمر الله لم يكن تلك الشخصية الساذجة ولا تلك العقلية المُخرِّفة التي تُقدِّمها لنا الرواة، ولم تكن أعماله وأحكامه كما صُوِّرت على كرّ العصور….وإنما كان الحاكم لغز عصره، وكان ذهناً بعيد الغَور، وافر الابتكار، وكان عقلية تسمو على مجتمعها وتتقدم عصرها بمراحل، وكان بالاختصار عبقريّة يجب أن تتبوّأ في التاريخ مكانها الحق.»(ص 209)

أمّا في سخائه وكرمه، فيكتب السيّد بحر العلوم:
«ولعل هذه الصفة العالية إحدى الخلال الرفيعة التي كان يتحلّى بها هذا الخليفة، فهو بخلاف غيره من الخلفاء لم تهشّ نفسه للمال أو يهتم لجمعه، رغم وفرته عنده ويسرته لديه. ولقد أجمعت الروايات على اختلاف نزعاتها وأهوائها على جوده وسخائه فلم يحسب له (المال) حساباً ولم يقم له أي وزن، فقد زهد بالمادة وبعُد عن بهرجتها وزينتها، وكان لدى الخزانة الخاصة بالدولة الفاطمية الشيء الغزير من التُّحف والمال والنوادر مما يدل على ثروتها الطائلة الأمر الذي ترك المؤرخين يدونون الكثير عن هذا الموضوع وتكدّس لدى الحاكم من الأموال والتحف ما يجلّ قدره ووصفه. غير أن هذا الخليفة الصلب لم يعبأ بكل هذه الثروة الطائلة، ولم يغرق بذلك البذخ المُسرف وإنما كان مثال السخاء والكرم….. «وما زال التاريخ يروي مثلاً مشاهد السنين التي شحّ فيها ماء النيل وكيف كان الحاكم يقف وسط شعبه مستجيباً لكل رجاء، دائب السعي لدفع ويلات المجاعة» (ص 210-211، الاقتباس الأخير عن دائرة المعارف الإسلامية، مجلَّد 7، ص 269-270).

هذا قليل مما أورده العلاّمة الدكتور محمّد بحر العلوم في الجزء الثالث من كتابه «تاريخ الدولة الفاطمية» من صورة الحاكم بأمر الله وخِلالِه وصفاته المضيئة، أمّا ما يَعلق بتلك الصورة من تجنٍّ فيردّه المؤلف إما لرغبة الرواة المعروفة بنسج الأساطير، أو لجهل بالوقائع، أو حتى «للعصبية (دفعتهم) للطعن بهذه الشخصية الجبّارة» (ص 215) وفي أسباب التحامل والتجني أيضاً، ينقل المؤلف عن دائرة المعارف الإسلامية قولها في الذين تأثروا بروح «التعصب» حتى «أنهم لم يقدِّروا هذه الشخصية الفذّة في نهجها، وعدُّوْه حاكماً متعطِّشاً للدماء، وبادروا فنسجوا حول شخصيته سلسلة من الأقاصيص السخيفة التي ما تزال تفتقر إلى تمحيص دقيق…. فمن البيّن أنَّ كثيراً من النظم التي سنّها واشتدّ الناس في ذمّها قد رمى بها إلى كبح جماح الفساد الذي تردّى فيه شعبه وقد ضرب لهم مثلاً رائعاً بسلوكه الذي لا تشوبه شائبة» (دائرة المعارف الإسلامية، مجلد 7، ص 269).

جسدٌ لا يَشيخ وعقلٌ لا يَحُدُّه زمن

عنوانُ كتابٍ، هو عبارة عن بحث علمي، لمؤلّفه الدكتور Deepak Chopra، نقله إلى العربية، الأستاذ رجا أبو شقرا. احتلّ مرتبة الكتاب الأوسع انتشاراً (best seller). والذي بيع منه حَوَالي مليوني نسخة في أميركا. إلى شموليته، تضمن مواضيع علمية وفلسفية، تسبر غور العلاقة المتكاملة بين مادية الجسد، وسرمدية العقل، وأنَّ بالإدراك الشامل يتحرّر الإنسان من (تعويذة) الفناء، وأن الموت ليس النهاية المطلقة للحياة، بل تكملة لمسيرة الذات في الكينونة اللّامحدودة، وملامسة ذلك الإدراك الذي لا يحده زمن، حيث يتلاقى الموت والحياة، في وحدة لا فناء فيها، بل استمرار وخلود في رحاب العقل الأول. يقول المؤلف في سياق هذا البحث: إنّ الموت والولادة كما يدركهما معظم الناس هما حدثان متعلقان بالمكان والزمان، ولكن الوجود بمعناه الأساسي ليس كذلك، فالذاكرة، إذا أمعنا النظر فيها تفيدنا بأننا كنا دائماً موجودين، ولا أحد يتذكر غير ذلك. ويُبرِز الكتاب، أنّ أبحاث العلماء خلال السنوات القليلة الماضية أكدت أن الهرم والشيخوخة ومن ثم الموت ليست كما يمليها علينا المجتمع، حتميةً لا مناص منها، بل خاضعة لطاقة يستخدمها العقل بتأثيره في أوضاع الجسد وتغيير مساره من خلال حريةٍ وطاقةٍ تمكّنان هذا العقل من برمجة خلاياه وتوجيهها كما يريد، ويؤكد المؤلف أيضاً أن أجسادنا والعالم المادي من حولنا ليست إلا انعكاساً لما تعيه عقولنا في هذا الكون، فالعالم موجود، ونحن موجودون فيه، لأن تفكيرنا يدرك هذا الوجود، والعقل والجسد هما من مصدر خلاَّق واحد يسمى الحياة.

لذلك أيُّ تفاعل كيماوي في أجسادنا هو نتيجة للنشاطين العقلي والفكري اللذين نقوم بهما، لأن المعتقدات والآراء والانفعالات هي التي تُحدثُ هذا التفاعل الذي يزود كل خلية من خلايانا بالحيوية والنشاط، فالخلايا الهرمة في الجسم هي خلايا أخفق الوعي الفكري في أن يبقيها حيَّةً، فثمة دوافع ذكية تُحدثُ في أجسامنا تغييرات جديدة في كل لحظة، وما نحن في مجمل كياننا إلاَّ نتيجةً لتلك الدوافع والتغيرات، فإذا استطعنا أن نغير نمط تلك الدوافع في ضوء العقلانية والحكمة لتوصلنا إلى التغيير المفيد في نفوسنا وأجسادنا، فبالرغم من اختلاف بني البشر بعضهم عن بعض، هناك أنماط من الذكاء تجمعهم تحت مظلة واحدة، كون أجسادنا تتألف من أجزاء جسد كوني متكامل، وكذلك عقولنا هي أجزاء من عقل كوني مطلق هو الخلود نفسه.

تقسيم الزمن إلى أجزاء

قَسَّمَ بنو البشر الزمن إلى أجزاء أسموها (ثواني ودقائق، وساعات، وأياماً وأشهراً وسنين إلخ…) كانعكاس لمفهوم التغيير في مجتمعاتهم، فالزمن كما جاء في الكتاب، غير قابل للتجزئة، في إطار إدراكنا المطلق له، والتحرر من قيود الماضي، والحاضر والمستقبل، إذ تبقى (فيزيولوجية) البقاء السؤال الكبير ونجد استتباعاً في الكتاب أنّ المعرفة لدى البشر، هي حقيقة راهنة، تزداد باطراد مذهل، ينتج منها الارتفاع الكبير في متوسط أعمار الناس.

ويلفتنا الكاتب هنا، إلى ربط آرائه بنظرية «أنشتين» وغيرها من العلماء، وسرد تلك الحقائق على ضوء نظرية Quantum Physics التي تشكل قدراً مستقلاً عن الطاقة دون الذرة في حجمه، وأكدوا أن النظرة إلى العالم المادي من حولنا، هي نظرة غير دقيقة، وتختلف من إنسان إلى آخر، فإذا أخذنا بهذه الحقيقة على ضوء Quantum theory التي تعتبر في مضمونها أن الكائنات والكون من حولنا هي طاقة كهرومغناطسية، تتألف من جزئيات غير منظورة تسير بسرعة الضوء، وليس لها حجم، يصبح التقدم في السن، كما نفهمه مختلفاً تماماً، نظراً إلى طغيان الحواس الخمس على تفكيرنا.

نظرية أنشتين وزملائه

أنشتين وزملاؤه سلّطوا الضوء على نوع من الإدراك، هو أن الزمن ليس له بداية أو نهاية، وكذلك المكان ليس له أبعاد مجسَّمة، أي أن كل جزء مجسم في الكون ليس إلا حزمةً غير منظورة من الطاقة، تتذبذب في فراغ عظيم، النظرية القديمة بالنسبة إلى المكان والزمان حلّ محلها متسع غير محدد، «بزمان أو مكان» وهو دائم التغير. فـ Quantum physics ليس مفصولاً عنا، إنه نحن، وكما تتكون النجوم والمجرات، نحن بنو البشر نكون أنفسنا. جسم الإنسان ككل الأشياء في الكون يتجدد كل ثانية.

حواسنا ترينا أننا نحتل مكاناً وزماناً معينين، إنه أبعد من ذلك بكثير، إنه معجزة تمدها بالطاقة ملايين بل بلايين السنين من الذكاء كُرِّست لمراقبة التغير الدائم الذي يحدث في داخلنا، إذ إن كل خلية من خلايانا هي قطب صغير جداً، يتصل بكمبيوتر الكون غير المحدود (سبحان الله).
من هذا المنظور يصبح الإنسان قادراً على المحافظة على حصانته الجسدية، وتأخير شيخوخته. يولد الإنسان حيث تكون كل خلية من خلاياه التي تبلغ ألف بليون خلية خالية من الشوائب، فالطاقة دون الذرة التي تتألف منها تلك الخلايا القديمة جداً، تجوب الكون منذ زمن غير محدود يتجاوز بلايين وبلايين السنين وتستمر في ما لا نهاية تغيِّر نفسها لتصبح جديدة كل لحظة!

أجسادنا بدورها تخضع لهذا النبض الخلاق، ويقدر عدد التفاعلات التي تحدث في كل خلية من خلايا أجسامنا نحو ستة آلاف بليون كل ثانية، فإذا توقفت تلك التغيرات أو بعضها أو جميعها في آنٍ معاً تحدث فوضى ينجم عنها ما يسمى الشيخوخة.

إذن الشيخوخة لا تأتي إلا إذا توقف الجسد عن النمو والتغيّر. ما يود Chopra أن يقوله، هو أن الإنسان بإدراكه وتصميمه، يمكنه أن يحول العمليات الكيميائية التي تجري داخل جسده دون وعي منه إلى عمليات واعية تستنهض طاقاته النفسية والإدراكية لتشحذ غريزة حب البقاء لديه، وتحفِّز جهازه المناعي، لمقاومة المرض والشيخوخة، ويردف Chopra بالقول:

إنّ حياتنا تنتشر في حقول شاسعة من التجارب، إذ ليس هناك حدود للطاقة والمعرفة والذكاء المتراكمة في وجودنا، والمخزونة في خلايانا يعبر عنها العقل بكماله واحتضانه معاني وحقائق جديدة تتوق دائماً إلى خلقٍ مستمرٍ. فالفراغ في قلب الذرة هو جزء من رحم الكون المفعم بالمعاني حيث نسمة الحياة لا تتوقف.

كيف نضع حداً لطغيان الحواس

ويستطرد شوبرا هنا مرة أخرى بقوله: إننا نرى الأشياء حولنا بأبعادها الثلاثة، كما تمليها علينا حواسنا الخمس وبحسب هذا الإحساس والرؤية تظهر الأرض مسطحة، وثابتة، والشمس تشرق من الشرق وتغرب في الغرب، إلخ… أنشتين بدوره أضاف: إنّ الزمان والمكان هما من صنع الحواس الخمس، نحن نرى ونلمس الأشياء بأبعادها الثلاثة، ونعيش الأحداث حسب نظام زمني متتالٍ، ولكن أنشتين وزملاءه تمكنوا من نقض هذا المفهوم ليسلطوا الضوء على إدراك جديد، وهو أن الزمن ليس له بداية أو نهاية، (كما مر معنا في هذا البحث)، وكذلك المكان ليس له أبعاد مجسمة، أي أن كل جزء مجسم في الكون ما هو إلا حزمة خيالية من الطاقة تتذبذب في فراغ عظيم.

النظرية القديمة حول الزمان والمكان دحضت

يُعْلمنا Chopra أن النظرية القديمة بالنسبة إلى الزمان والمكان دُحضت، وحل محلّها متسع لا يحده زمن، وهو دائم التغيّر. فـ Quantum physics ليس مفصولاً عنّا، إنه نحن، وكما أن الطبيعة تكون النجوم والمجرات، كذلك نحن بنو البشر، نُكوِّنُ أنفسنا. فجسم الإنسان ككل الأشياء في الكون يتجدد كل ثانية. فبالرغم من أن حواسنا ترينا بأننا نحتل جسماً في مكان وزمان معينين، إنه أبعد من ذلك بكثير، إنّه معجزة تمدها بالقوة ملايين السنين من الذكاء. وهذا الذكاء مكرَّس لمراقبة التغيير الدائم في داخلنا، فكل خلية من خلايانا هي قطب صغير جداً يتصل بكمبيوتر الكون الشاسع، إذا جاز التعبير.

الطاقة الكونية لا تتوقف عن تغيير نفسها

من هذا المنظور تصبح الشيخوخة أمراً صعب الحدوث، فلو تمكن طفل حديث الولادة من الحفاظ على حصانته الجسدية، لأمكن له أن يعيش 200 سنة! إذ إن كل خلية من خلاياه التي تبلغ حوالي 50 ترليون (ألف بليون) خلية تكون نقية كقطرة ماء خالية من الشوائب، وليس هناك أي سبب لأن تشيخ إلّا إذا اعتراها ما يعكر صفاءها ووظائفها. إن خلايا الطفل الحديث الولادة ليست خلايا جديدة، فالذرات التي تتألف منها هذه الخلايا قديمة تجوب الكون منذ بلايين السنين أو منذ زمن غير محدود.

ومن المُدهش علمياً، كما في «الكتاب» أن نعرف أن البشرة، تستبدل نفسها كل شهر، وتلافيف المعدة كل خمسة أيام، وخلايا الكبد كل ستة أسابيع، والجهاز الهضمي كل ثلاثة أشهر. تظهر هذه الأعضاء للعين المجردة ثابتة كما هي، ولكنها ليست كذلك.

ففي نهاية هذه السنة 98% من الذرات والخلايا في أجسادنا تكون قد تغيَّرت، واستبدلت بأخرى جديدة. إنّ غاية القول في هذا الكتاب العلمي المدهش في وقائعه، واكتشافاته، أنه غير قابل للاختصار في مقالة واحدة، لقيمته التي لا تقدر، معنوياً، ومادياً، إلا بقراءته كاملاً، فهو في هذا، يتأكد للإنسان منا، أنه لا يمكن أن يعرف نفسه جيداً أو يعرف الحياة أو الكون من حوله إلّا بالمعرفة… المعرفة الكلية التي لا نتوطنها إلّا بالاستجرار الفكري الدائم، فالعرفان أساس كل شيء (سبحان الله).

الحِوار عندَ المُوَحِّدين الدروز

المُقدَّمة

حين يَعتبر بابا رومه الأسبق القديس يوحنا بولس الثاني سنة 1997 أنّ لبنان «رسالة سلام للعالم»، وعندما يصفه الرئيس الإيراني محمّد خاتمي سنة 2003 أنه «أرض الحرية والحوار»، تشعر كلبناني بمسؤولية عميقة نحو مفهوم الحوار، ودوره في تكريس الحرية والسلام، وليس فقط على صعيده الداخلي، بل كأنموذج يُحتذى به في العالم.

إنّ المؤسسات العاملة في مجال الحوار في لبنان متنوعة، والشخصيات التي تعاطت الحوار أيضاً متعدّدة. ولكنّ اختيار شخصية الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، أتى كأنموذج لبناني للحوار، من طائفة الموحّدين الدروز، وذلك للتركيز بعمق على دوره في هذا المجال، وخاصة في الحوار الديني بين المذاهب والطوائف اللبنانية، بهدف الاستفادة من مفاعيله الإيجابية، على صعيد الامتثال بصفات هذه الشخصية ومسلكها في ممارسة هذا المفهوم.

المبادئ الأساسية للشخصية لتحديد سقف الحوار وأهدافه

وُلد الشيخ د. سامي أبي المنى سنة 1957، في قرية شانيه من قضاء عاليه في محافظة جبل لبنان، في عائلة تعود بجذورها إلى التنوخيين؛ عائلة ملتزمة مذهبيّاً، ورثت من أحد الأجداد (الشيخ أبو حسين شبلي أبي المنى، ت 1272 ه)، وهو شيخ تقوى، المنزلَ والرسالة. لم يمنع التزام العائلة المذهبي الشيخ الفتى وأخاه من إتمام دراستهما في المدرسة الداوودية في عبيه ومن ثم في ثانوية بعقلين الرسمية في المرحلة الثانوية، ليكونا من أول مجموعة من الشباب المشايخ الذين يلتحقون بصرحها.

بدأ التدريس في مؤسسة العرفان التوحيدية، مساهماً بإدخال ثقافة المواطنة إلى برامجها، وكذلك «التربية التوحيدية» التي جعلت شعارها «تهذيب أخلاق الناشئة وصقل حسّها الإنساني»، مركّزةَ على القيم المشتركة بين جميع الأديان، ومنها التقوى وتوحيد الخالق وتعداد مكارم الأخلاق من كرم وشجاعة وصدق… مستشهدة بذلك بآيات قرآنية وأقوالٍ إنجيلية وعِبر من سير الأنبياء والصالحين.

انطلاقاً من صفات مسلك التوحيد «كمسلك ارتقاء ومسافرة في عالم المعرفة لبلوغ الحكمة»، عمل الشيخ على معرفة ذاته أولاً، ومسلكه التوحيدي تالياً، قبل الولوج في عملية معرفة الآخر من خلال الحوار.

معرفة الذات أصبحت لديه ثقافة ذات «سلوك ومسلك». رسم مسلكه التوحيدي من خلال ما تعلّمه من فكر إخوانه «الشيوخ الموحدين وتجاربهم»، ليحيا التزامه الروحي «مقتنعاً بأن العمل يجب أن يكون مجرّداً وهادفاً إلى إيصال الحقيقة وتقديم المعرفة الأمينة»، وعندما أنارت المعرفة طريقه، اختار تسطير كتابه «المظاهر الثقافية عند الموحدين الدروز الخصوصية والاندماج». وضع القاضي الشيخ محمّد النُّقَّري هذا الكتاب في «قائمة المراجع الأساسية التي ستفتح لأبناء المذاهب الإسلامية ولأتباع الديانات الأخرى آفاق المعرفة الصادقة والأمينة لطائفة الموحدين الدروز». أثار هذا المؤلَّف د. نايلا طبَّارة التي اعتبرت أن «هذا الكتاب يدعو إلى الحوار على قاعدة التوازن بين الخصوصية والاندماج من خلال الحفاظ لكل طرف على حقّه بمساحته الخاصة حين يذهب بموازاة ذلك إلى المساحة العامة بصدق النيَّة وبإيمان بأهمية الشراكة والأخوّة في الوطن» مطالبة «اعتبار هذا الكتاب جزءاً من الإرث الثقافي اللبناني المشترك والجامع ليس فقط لإكمال المعرفة بطائفة الموحدين الدروز بل بالهوية اللبنانية الجامعة».

أصرّ الشيخ د. سامي على معرفة الآخر والحوار معه، فكان كتابه «الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان: رؤية الموحدين الدروز» خير معبِّرٍ عن ذلك، وقد قال فيه د.سليم دكاش «جعل من معرفة الذات من الوجهة السقراطية سبيلاً لمعرفة الآخر واحترامه لأن الصدق مع الذات يقود حكماً للصدق مع الآخر». أمّا د. أحمد حطيط فاعتبر أن الشيخ تصدّى في كتابه «لمسائل شائكة، قضّت مضاجع الحوار، فدرس ماهية هذه المسائل وعلّل أسبابها، متوقفاً عند ظروفها التاريخية وخلفياتها السياسية الداخلية والخارجية، وقارب حقائقها». أكّد د. عباس الحلبي، وهو أحد أركان الحوار الإسلامي المسيحي وأوّل من سلك هذا الطريق بجدارة، أن الكاتب كان جريئاً حين ذكر «الفتن الطائفية كمحطات مأساوية موضحاً أن لبنان لا يقوم ولا ينهض إلّا بوحدة أبنائه وبنسج علاقات راقية قائمة على الود واحترام الآخر»، ليفيد د. سهيل مطر أن الشيخ يكمل بذلك «مسيرة المصالحة بتنقية الذاكرة وبدونها تبقى حزازات الصدور كما هي»، حين عمل على إزالة المفاهيم الخاطئة عن الموحدين الدروز، وأبرز هويتهم الحوارية، وبيّن خياراتهم حول الدولة والوطن والسلام وقضية العيش المشترك والمواطنة.

ورث الشيخ موهبة الشعر عن والده، ولُقّب بـ «شاعر الجبل وخطيب الموحّدين». استغل الشيخ هذه الموهبة في تثمير منهج الحوار، والانفتاح على الآخر وقبوله، مسمياً إياه بـ «الأخ» في كل قصائده، مظهراً القيم الأرقى في الديانتين الإسلامية والمسيحية، ناشداً السلام، نابذاً التخوين والتعصّب، معتزّاً بهويته اللبنانية وبتاريخها العريق.

لم يقتصر النشاط الحواري للشيخ سامي على صعيد لبنان، بل تعداه إلى المحيط العربي والإسلامي، حين وُجّهت له دعوة شخصية لحضور مؤتمر تحت عنوان «الحرية والمواطنة،…التنوع والتكامل» بتاريخ 28 شباط والأوّل من آذار سنة 2017، في الأزهر الشريف في القاهرة بدعوة من مجلس حكماء المسلمين، إلى جانب 55 شخصية لبنانية من بين 200 شخصية عالمية تمّت دعوتها إلى هذا المؤتمر.

السعي إلى المعرفة من خلال كليّة العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف

تابع الشيخ د. سامي دراسته الجامعية في الجامعة اللبنانية؛ الإجازة والدراسات العليا في اللغة العربية وآدابها، خلال فترة حرب لبنان، وبعد انتهاء تلك «الحرب المشؤومة»، وانسجاماً مع شخصيته الداعية إلى «الحوار والمصالحة»، وسعياً إلى «العلم كهدف دائم الذي لا تحدّه حدود»، وجد غايته أي «التقريب بين المسلمين والمسيحيين» في جامعة القديس يوسف وتحديداً في كلية العلوم الدينية – معهد الدراسات الإسلامية المسيحية، ليتخرج منها بشهادة دكتوراة في العلاقات الإسلامية-المسيحية، انسجاماً مع «سمات حقيقة الجبل ورسالته» مندفعاً بفرح «في مجالات الحوار والعلاقات والمصالحة مع أخيه الذي تصادم معه»، ليكون المتخرج الأول من طائفة الموحدين الدروز من هذه الكلية، مشجعاً وداعماً للعديد من إخوانه الموحدين لمتابعة هذا الاختصاص.
كتب في نشرة «في رحاب الحوار» في الجامعة ما يؤكد سعيه إلى معرفة الذات والتعريف عنها في سبيل الانطلاق إلى معرفة الآخر والحوار معه، وشارك في صياغة مقالات نُشرت في سلسلة «دراسات ووثائق إسلامية مسيحية»، ومنها على سبيل المثال، في النشرة الصادرة تحت عنوان «وجوه حوارية إشكالية ورواد كبار وتوقعات مقارنة».

قرّر «مكتب اليونسكو الإقليمي- بيروت» سنة 2008، بالتعاون مع «كرسي اليونسكو للدراسات المقارنة وللحوار بين الأديان، جامعة القديس يوسف- بيروت»، إصدار كتاب «المظاهر الثقافية في الديانتين المسيحية والإسلامية». أشرفت على إعداد هذا الكتاب لجنة استشارية ضمّت الشيخ د. سامي أبي المنى الذي شارك ايضاً بالكتابة والصياغة.

دور الشخصية في الحوار من خلال مؤسسة العرفان التوحيدية

شكّلت مؤسسة العرفان التوحيدية، بصفتها المؤسسة التربوية الأولى عند الموحدين الدروز ذات الطابع الديني، والتي كما ذكرنا أن الشيخ سامي انتسب إلى عائلتها التربوية، نقطة الوصل له مع المؤسسات التربوية الأخرى، والتي فتحت له باب التعارف معها. إنّ تجربة الحرب الأهلية (1975-1989) دفعت الموحّدين الدروز إلى تبنّي فكرة الحوار، وحمّلت المؤسسة التربوية المسؤولية بمساعدة هذا التوجه العام، فكان التكامل بين شخصية الشيخ سامي والمؤسسة.

ساهم، بصفته الأمين العام لهذه المؤسسة، بتشجيع طلاب العرفان على المشاركة في نشاطات طلابية، تلاقي فكرتي الحوار والعيش المشترك، في حرم المؤسسة أو تلبية لدعوات من مؤسسات تربوية أخرى، تتبع إلى مرجعيات دينية مختلفة. وشارك الشيخ سامي، بمختلف النشاطات التي رعتها مؤسسة أديان وجمعية تصالح، عبر طلاب العرفان، تثميراً لفكرة معرفة الآخر والحوار معه لترسيخ العيش المشترك.

دور الشخصية في الحوار من خلال المجلس المذهبي للموحدين الدروز

ترأس الشيخ د. سامي أبي المنى اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي للموحدين الدروز، لثلاث دورات انتخابية. عملت هذه اللجنة على إقامة النشاطات الثقافية وساهم الشيخ سامي كرئيس لها في قِمم ولقاءات روحية، كما قامت اللجنة بتحضير لقاءات حول مواضيع حوارية متنوعة.

كلّ ذلك ساهم ببروز شخصيات عدة من الموحدين الدروز تتابع عمليات الحوار إلى جانبه. وبما أنّ «الثقافة أوسع من الدين»، عمل الشيخ على تكريم أوجه ثقافية متعددة، ساهمت في نقل المعرفة، وتوسيع ميدان الثقافة.

السعي إلى تحقيق الحوار من خلال مؤسسة أديان

بدأت علاقة الشيخ د. سامي أبي المنى مع مؤسسة أديان، من خلال تمثيله لمؤسسة العرفان التوحيدية خلال المشاركة بأنشطتها المتنوعة، والتي تنطلق من مفاهيم حوارية، ليصبح عضو شرف فيها، وأتت مشاركته في العديد من نشاطاتها، ومنها؛ مشاركته كممثل لمؤسسة العرفان التوحيدية في وثائقي «عكس السير» سنة 2011، ومواكبته مشروع «التربية على المواطنة الحاضنة للتنوع الديني»، بمراحله المتعددة.

أثمرت الشراكة بين مؤسسة أديان، ومنتدى ويلتون بارك البريطاني للحوار الاستراتيجي، ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، ومقرّه في الإمارات العربية المتحدة، «انطلاق سلسلة مؤتمرات تهدف إلى الحوار بين القيادات الدينية والسياسية، حول المواطنة الحاضنة للتنوع، وكيفية تأصيل هذا المفهوم دينياً وتطبيقه عملياً، خاصة في الدول العربية». انعقد المؤتمر الأول في أبو ظبي من 12 إلى 14 تشرين الثاني/ نوفمبر2018، باجتماع 50 شخصاً من القيادات الدينية وصانعي السياسات، من 18 مؤسسة إقليمية ودولية و11 بلداً مختلفاً، ومن بينهم الشيخ سامي، ليتمّ استكمال الحوار في مؤتمرات متتالية، بهدف التوصل إلى إطلاق «الشرعة العربية للمواطنة الحاضنة للتنوع»، والمتوقع التوقيع عليها في صيغتها النهائية سنة 2021.

بعد توقيع قداسة البابا فرنسيس- بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الدكتور أحمد الطيب – الإمام الأكبر للأزهر الشريف، بتاريخ 4/2/2019، على وثيقة «الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك» في عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة أبو ظبي، وتعزيزاً لهذه «الحركة الإنسانية الحوارية» في لبنان، عملت اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز بشخص رئيسها الشيخ د. سامي أبي المنى، بالاشتراك مع مؤسسة أديان، وبالتنسيق مع السفارتين البابوية والإمارتية، على تنظيم «ندوة حوارية» حول هذه الوثيقة في مكتبة بعقلين الوطنية بتاريخ 23/3/2019.

الدور في ترسيخ مصالحة الجبل

منذ العام 2007، تحتفل مؤسسة أديان بيوم التضامن الروحي «في السبت الأخير من تشرين الأول/أكتوبر من كل سنة»، بلقاء شعبي بين الأديان للاحتفاء بالقيم المشتركة فيما بينها. من بين هذه اللقاءات، تبنّى الشيخ سامي إقامة لقائين لـ«أديان» بإشرافه، أولهما جرى سنة 2012 في قرية عبيه، إحدى قرى العودة في قضاء عاليه، الذي حضر في جزء منه سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن مستقبِلاً، في ما شارك الشيخ سامي في هذا اللقاء حضوراً وتحضيراً له، بصفته رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، والثاني في قرية بريح الشوفية سنة 2016، حيث تمّ في نهاية الاحتفال تسمية الشيخ سامي عضو شرف في مؤسسة أديان تحت لقب «شاعر التضامن الروحي» لشهادته المميزة في «خدمة التنوع الديني الذي يبني الوحدة».

شارك الشيخ سامي في متابعة مصالحة الجبل في قلب المجتمع بالتعاون مع جمعيات أهلية وشبابية، من خلال مشاركته في المؤتمرات التمهيدية الأولى في بيت الدين ودير القمر، ومن خلال دعوة «لقاء أبناء الجبل» في عبيه سنة 2017، حين أُطلق على هذا اللقاء لقب «العامية» الذي انعقد تحت شعار «سوا ما منترك جبلنا…»، بمشاركة جمع من أبناء الجبل مسيحيين وموحّدين في دار مقام الأمير السيد جمال الدين عبد الله التنوخي في عبيه، والذي انبثق عنه وثيقة تضامن تاريخية لأبناء عبيه والجوار. بدعوة من لقاء أبناء الجبل أيضاً، وبمشاركة الشيخ سامي، تمّ عقد ندوة في جامعة سيدة اللويزة (NDU) تحت عنوان «دور المدرسة والجامعة في ترسيخ العيش المشترك»، وندوة أخرى في الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم (MUBS) في عاليه بتاريخ 5/8/2018 بعنوان «مصالحة الجبل في قلب المجتمع».

المساهمة في تأسيس كلية العلوم التوحيدية ودورها في عملية الحوار

باحتاج الموحدون الدروز إلى مؤسسة جامعية تنظّم تلقي العلوم التوحيدية لديهم، وقد كان ذلك حلماً قديماً لكمال جنبلاط كان يراه على مثال «دار الحكمة» القائم في القاهرة في زمن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله. عمل الشيخ سامي مع القيّمين في العرفان على تنظيم مخطط تربوي لكلية جامعية بالتعاون مع الدكتور سامي مكارم والشيخ غسان الحلبي، لكنه بقي بين طيات الورق حتى نقله الشيخ سامي كعضو مجلس إدارة في المجلس المذهبي إلى مشيخة عقل الطائفة، التي تبنته في ما بعد وتابعت اللجنة الدينية تفاصيله، بتوجيه من سماحة شيخ العقل، مع الإدارات الرسمية حتى تأسيس «كلية الأمير السيد عبد الله التنوخي الجامعية للعلوم التوحيدية» سنة 2018. ينتسب إلى هذه الكلية طلاب موحدّون يسعون؛ إلى معرفة الذات من خلال اكتساب المعرفة ونقلها كأساتذة فيما بعد إلى تلاميذ المدارس التي تحتاجهم، وإلى معرفة الآخر وحمل راية الحوار حين اللقاء معه، مزوّدين بعلوم دينية وتاريخية واجتماعية وثقافية متنوعة.

الحوار مع الآخر من خلال علاقته بالجنس الآخر
د. نايلة طبّارة

تميّزت شخصية الشيخ سامي، بالتوازن بين موجبات الالتزام الديني الذي يحمله، ومتطلبات الحياة المهنية والاجتماعية التي يمارسها. لم يمنع هذا الالتزام الشيخ المتديّن من التعاطي مع السيدات باحترام ووقار ونِدِّيَّة تحكمها معايير العلم والمعرفة. تراه يشارك في نشاطات ثقافية لتقييم أعمال سيدات ارتقين في المجال الأدبي، أو داعياً لأساتذته ومن بينهم النساء لنقد كتابٍ أنتجه. لم يتجنب يوماً الجلوس على منبر واحد مع سيدات يقدّمن حفلاً ثقافياً، أو يناقشن عملاً تربوياً، ولكن وفق ما تفرضه عليه ظروف وضعه الديني. تراه يشجع مدرّسات مؤسسة العرفان التوحيدية على إكمال تحصيلهنّ العلمي، ويكرمهنّ في المؤسسة حين ينلن أرقى الشهادات. تجده ينصح ويوجه ويرشد سيدات طلبن المشورة في أمور استعصت عليهنّ، دون تمييز لهنّ عن الرجال.

الخاتمـة

إنّ مسلك الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، في موضوع الحوار، جعلني أصيغ الخاتمة بما أفاد عنه عارفوه، حين تقول د. نايلة طبَّارة إنّ «الشيخ د. سامي لعب دورًا أساسيا ومِحْوَريا في الحوار، إذ كان أهم من أطلق الحوار من جانب الموحّدين الدروز مع الفئات كافة. فكان بشخصه الواضح وقيمه الثابتة ودقّته في الحوار والمفاهيم، ما ساعد إلى اطمئنان جميع الأفرقاء، مسلمين ومسيحيين من كافة الطوائف إليه. كما أن منهجيته التي تقول بوضوح ما يمكن مشاركته عن تاريخ وقيم وإيمان الموحّدين الدروز وما لا يمكن مشاركته، أيضًا ساهمت في ارتياح الجميع إليه وإلى الطائفة من خلاله. فعمل الشيخ على توضيح وإظهار صورة الموحدين الدروز، المبهمة عند الكثير من المسلمين والمسيحيين، وكان من رجال الدين الموحّدين الذي أكدوا أن الطائفة هي بالفعل مذهبٌ من مذاهب الإسلام. أراحت هذه الخطوة التعامل بين الجميع وأسهمت في تقارب إسلامي – إسلامي كما إسلامي- مسيحي من جهة الموحدين الدروز».
كما اعتبر د. أنطوان مسرَّة، أن ما يميز الشيخ د. سامي أبي المنى، هو ارتقاؤه في الحوار، لأن الحوار لديه هو «حوار إيماني أي يرتقي إلى ما فوق العقائد»، استناداً إلى مقولة إن «كل ما يرتقي يلتقي». كما التميُّز لديه في غَوْصِه في الجوانب الثقافية من خلال فكره وسلوكه، كما أنك في الحوار ترتاح إليه لأنه «لبناني أصيل، عربي أصيل، مؤمن أصيل، ومتجذِّر في التراث الوطني اللبناني».


المراجع:

  1. هذا البحث هو ملخص لدراسة أكاديمية نُشرت في مجلة «تحولات مشرقية» تحت عنوان «من رحاب الحوار إلى فلك الدولة»، في عددها الصادر في كانون الثاني 2021، بعدد من الصفحات بلغ 29 صفحة، تضمّ المصادر والمراجع التي استندت إليها الدراسة.
  2. أستاذة محاضرة في الجامعة اللبنانية.

شكيب أَحمَد تَقِيِّ الدّين

شاعرٌ مِهجريٌّ، تألَّقَ في النَّظم باكراً، واستقامت له القريحةُ الشعريّة، فأعطى من نفسه وفكره ما طابت له موهبته، على غرار كبار الشعراء في بلاد الاغتراب. هو ابن قاضي الشعراء، وشاعر القضاة، الشيخ أحمد عبد الغفار تقي الدين، من رعيل بناة عصر النهضة اللبنانية، في القرنين التاسع عشر والعشرين، وابن عمٍّ لأبيه أمين تقي الدين، المُتَميز، والخالد في الشعر والأدب، إلى كوكبةٍ أُخرى بارزة، دخلت بدورها، وبعبقريتها وعلائقها صميم الإبداع الأدبي.

شكيب أحمد تقي الدين

وليس بغريبٍ على شكيب.. أن يترسَّمَ خُطى آبائه وأجداده، فالإنسان غالباً، ابنُ بَجْدَتِهِ، وصورةٌ عن تراثِهِ، وثقافتِهِ التي اكتسبها متأثراً بمحيطه، وتجاربه الاجتماعيةِ، والإنسانية، ولا سيما إذا اقتضت الظروف أن يبتعد عن وطنه، وأماكن عيشه الأولى، ومرابع طفولته، فتطغى عليه، وتغيّر من خط حياته، بشؤون وشجون، عُرِف بالصبر والحكمة، والانكباب على تثقيف نفسه، وكيف يجعل منها حافزاً لذات إنسانية حضارية، ما لبثت أن تفجَّرتْ شعراً أخّاذاً جميلاً أدّى إلى علاقات متينة مع كتَّابِ وشعراءِ المهجر، ما خلَّف إرثاً شعرياً ضخماً في البرازيل. وكما يقول الأديب الراحل نجيب البعيني: «كان شعره بين أدباء المهجر، وأمام العرب المغتربين، نبراساً ينير الطريق أمام الأجيال الصاعدة، ويبعث فيهم النّخوة العربية، والوعي القومي» وهل رسالة الأديب، في مجتمعه أينما كان وأينما حلَّ إلّا إيقاظ أبناء قومه وحثّهم على الرّقي؟

لم يَحَرْ شكيب بشعره ونثره، في أن يكون أصيلاً على خُطى الكبار من آل تقي الدين أسلافه، وهم كثرٌ في العَدِّ، أصحاب إبداعٍ وعطاء وعلم، وشهرة. فكان له كما جاء في المواثيق والمأثورات آنذاك يدٌ طولى في تأسيس غير جمعية أدبية، وإقامة الندوات الثقافية، وعقد الاجتماعات التي عززت من دور الشعر والأدب، وقد آل ذلك إلى إنشائه مع عدد من شعراء البرازيل رابطة أدبيةً أطلق عليها اسم «جامعة القلم» بعد أفول «العصبة الأندلُسية» الذائعة الصيت، ثم أسّس في سنة 1979 مع شعراء وأدباء «عصبة الأدب العربي» أربى عددهم على الأربعين. وما عَتَّمَ أن ترأس هذه العصبة، سنوات بحكم تميُّزه الأدبي ونشاطه الفكري، ويضم هذا الكتاب الذي نسلّط الضّوء عليه اليوم عدداً من القصائد، وبعض المقطوعات التي تميَّزت بالصدق في النظم، وبالإيمان، والحس والوجدان، إذ كان يرى في أمة العرب المُرتجى والمجد والتاريخ العريق، والأمل والطموح فقال مفتخراً:

لنا فيك يا قلب العروبة شافعُ
ومجدٌ وتاريخٌ وحُلْمٌ وواقعُ
وتحضرني نُعمى من الأمس بالذي
أُحسُّ، وتحدوني إليها دوافعُ
لنا فيك إيمانٌ كبيرٌ نُقيمُهُ
صَلاةً قد ارتاحتْ إليه الشرائعُ
حروف معانيها إذا ما تناحرت
لها شَبَواتُ في الزمان قواطعُ

ومن شيم الإيمان أنَّ حُماتَهُ
جبالٌ على قلب العدوِّ ضواجعُ

هكذا وبهذا السبك الشعري المتين راح ينثر حروف معانيه قوافي، تتلبس روحه السمحة، وإيمانه القوي الراسخ بقومه ومِنْعَة بلاده، قلب العروبة، معتزاً بماضيها وبجبالها التي كانت على قلب الأعداء موانَعُ وضواجعُ…

أدبٌ رفيع المستوى، جديرٌ بالدراسة بعمق، فهو على الصعيد الفني، يحفل بالصور، والأخيلة، والومضات الإنسانية، علاوة على ما به من طلاوة، ورؤىً تشد عقل القارئ ونفسه معاً، ففي قصيدةٍ يستحضر الحب بأوصاف وصور مختلفة:

واستحكمَ الحبُّ في حقلي، وأحصدُهُ
وأشتري بالحَصَادِ السمنَ والعَسَلا
وأُحرزُ البعضَ من صَدفٍ ومن حَطَبٍ
وأُصلح السَقْفَ والجدرانَ والخَلَلا
وأُحكمُ البابَ في فصلِ الشتاء لكي
أباعدَ الشَرَّ والأهواءَ والعِللا
واستقرُّ على رأي وقد هَجَمتْ
هُوجُ العواصفِ أَلَّا أفقِدَ الأملا

فهل تدق عليَّ البابَ عاصفةٌ
تنام ملء ضلوعي الآن والأزلا

وما أكثر النوازع والآفاق في شعر شكيب تقي الدين، في العناوين وفي التفاصيل التي يترجم بها عن أحاسيسه التي يحولها إلى مادةٍ أو فكرة سائغة تستبق الزمن الحاضر إلى آفاق من الضوء أو الطيب الرافلَين في المبدعات، إلى المستقبل الآتي:

ومالتْ جراحي إلى حقلةٍ
يرود مداها صدى المِعْوَلِ
لها حُلُمُ الزَهْرِ في تُربةٍ
وغنوةُ أُحدوثةِ الجَدْوَلِ
فمن ثَمَرٍ طابَ في غفلةٍ
شهيٍّ وأعذب من سَلْسَلِ
تساقَطَ ليلاً على نِيَّةٍ
تقول لعين الحسود كُلي

الشعر ليس نظماً وجَرْساً وقوافيَ وحَسْب، بل معانٍ جديدة، لم يُسْبَقُ صاحبها إليها، عشرات السنين من الهجرة لم تنسه بيته في الجبل، فظلَّ يحِنُّ إليه، وإلى جلساتِهِ وغفواتِهِ في ظلال سنديانةٍ عتيقة بين وردٍ وفلٍّ، وحيث هنالك بيت جدوده الأُوَل:

الشيخ أحمد عبد الغفار تقي الدين

أتعرِفُ بيتي بلحف الجبلْ
على جهة الشْرقِ من سنديانة
وسافرتُ في صبوتي للعملْ
ولم تُنسني الغفواتُ زمانَهْ
فزرتُ بلاداً، ولم ينتقلْ
ولمَّا يَزَلْ، رَغْمَ هَجْري مكانهْ
وأَعْرِف أين يَهُفُّ الأملْ
إذا ما جلَسْتُ إلى بيلسانه
هنالِك بيت جدودي الأُوَلْ
وَانَّى أَمَمْتُ أُرَجِّي حَنَانَهْ
ولا شيءَ يمتدُّ من هِجْرتي
إلى هجرةٍ في بياضِ الكَفَنْ
سوى من تخلَّف من أُمتي
فأَضْرَمَ في كل صَوْبٍ فِتَنْ

للشاعر شكيب تقي الدين غير كتابه هذا «خاتمة شعري» ديوان بعنوان: «ظلال العُمر» جُمِعَ وطُبع بعد وفاته.

شاعرٌ مُجدّد، كما قلنا، في إطار الموضوعات، وطريقة معالجتها، ورؤيتها بشكل فني جديد، مُتمكِّن العبارة، مشرقُها.

حَوْلَ مُعتقَد أبي العلاء المعرّي

تمهيد

قليلةٌ جدّاً الشخصيات الفكريّة والأدبيّة التي شغلت الناس والنقَّاد في دنيا العربية وهي على قيد الحياة، ثم ظلَّت تشغلهم، بالمقدار نفسه، بعد نحو ألف سنة من رحيلها. هوَ ذا حال أبي العلاء المعرّي، التَّنوخي المَحْتِد، بين أواخر القرن الرابع وأواسط القرن الخامس للهجرة.

لقد قيل في المتنبي، كعبةُ إعجابِ المعرّي ومثاله في الشعر، «مالئ الدنيا وشاغل الناس». وكان ذلك حقّاً، لتفتُّق عبقريته الفكرية والفنية عن صور وأفكارٍ لم يسبق لها مثيل، باقية إلى اليوم، لا يزولُ وقعُها، ولا ينقضي ما احتوته من أفكار وصورٍ، بل ومعايير للفن الشعري الرفيع المستوى (الإغريقي المُناخ والسُّمو).

مع ذلك، فإنَّ ما عُرِضَ لشعر المتنبي من مديح ونقد، ولمعتقده من تفكّرٍ وظنّ، يبقى قليلاً قياساً بما حَظي به المعرِّي «العظيم»، في شعره، ونثره، وفي معتقداته، على وجه الخصوص، التي حيّرت كبار النقّاد من معاصريه، فتناقضوا واختلفوا في تفسيرها أيّما اختلاف. ثم تحوّلت بعد رحيله عن هذا الدنيا مصدراً لم ينضب لآراء ودراسات وكتب وأطاريح علمية بالغة الأهمية لمّا تزال تخرجُ إلى النور سنوياً، واستمرت، كما حالُ أحكامِ معاصريه، على تباينٍ شديد يصل حد التناقض الصريح – كما سنرى.
فمن هو المعرّي ذاك، «عبقري كلِّ الأزمنة»! بشهادة غير أديب
ومفكّر، قديمٍ وحديث، ووفق اعتقادي الثابت – وقد تعرّفتُ إلى أعماله الشعرية والنثرية منذ خمسين سنة، فدرستها مطوّلاً، ودرّستها مطولاً في قسمي الفلسفة واللغة العربية في كليَّات دراسية، 39 سنة جامعية عدّة.

حياة الرجل

شهدت مدينة «المعرّة»، القريبة من حلب،(شمال سوريا اليوم) ولادة المعري الطفل أحمد نهار الجمعة في الثالث من ربيع الأول 363هـ / كانون أوّل 973 م.

يعود أبو العلاء في نسبهِ لـ «تنوخ»، قبيلة عربية يمنيّة قدمت مع جيش أبي عبيدة بن الجرّاح في فتح بلاد الشام. نزلت القبيلة في معرّة النعمان، وكان فيها القضاة والشعراء والعلماء. وقد ورث أبو العلاء منهم من دون شك الكثير من ثقافته ونبوغه. وورث، كذلك، عن أخواله «بنو سبيكة»، عشيرة قدمت من حلب ونزلت المعرّة، الكثير أيضاً. وكان لكرَم أخواله وجُودِهم الفضل في اكتفاء أبي العلاء المادي، وهو يذكر فضلهم ذاك في غير مناسبة.

فقد أبو العلاء بصره في الرابعة من عمره لإصابته بمرض الجُدَري. لكن ذلك لم يحُلّ دون دراسته وتحصيله العلمي إلى أقصى حدّ في كنف أسرة اشتُهرت بالعلم وتسلُّم القضاء. كذلك لم يحُل عَماه دون تَرحاله طلباً لمزيد من العلم في المدن المجاورة، أو لِلِقاء علماء أخذ عنهم وذكرَ فضلَهم. إلّا أنّ أشهر رحلاته كانت تلك التي قصد بها بغداد، مركز الخلافة العبّاسية ومدينة العلم والعلماء والأدباء، وذلك سنة 398 أو 399 للهجرة وعاد منها سنة 400 للهجرة. لقيَ أبو العلاء في بغداد حُسن وِفادة وكثيرَ تكريم، وكان قد بات معروفاً – وهو في الخامسة والثلاثين. حضر في بغداد مجالس العلم والحكمة والمناظرات. وأشهر ما جرى له في بغداد كان في مجلس «الشريف المُرتضى»، إذ جعل هذا يهاجم المُتنبي؛ وأبو العلاء شديد الإعجاب به. فما كان من المعرّي إلّا أنْ علّق قائلا: «لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلّا قولُه: لكِ يا منازل في القلوب منازلُ، لكفاه فضلاً». فغضب المرتضى وأمرَ بإخراجه من مجلسه، وأكمل: أتدرون ماذا أراد الأعمى من القصيدة؟ يريد قول المتنبي:

وإذا أتتكَ مذمّتي من ناقصٍ
فهي الشهادةُ لي بأنِّي كاملُ

عاد المعرّي إلى المعرة بعد سنة ونصف، فاختار العُزلة نهائيّاً (في سجن عماه، ومنزله، وجسده، ثلاثاً ذكرها المعري في شعره). لم يغادر المعري محبسه إلّا في النادر (كما حدث حين دفعَ عن المعرة غضب صالح بن مرداس صاحب حلب بعد حصاره لها «إكراماً للشيخ). وكان في محبسه زاهداً، متقشّفاً، لا يأكل لحم الحيوان، ولا مشتقاتها، وحتى بعض النبات؛ مكتفياً بلبدة صوف فراشاً في قرِّ الشتاء وحصيرة قشر في حرّ الصيف. لمنامه، في روايات معاصريه. ومع ذلك فهو لم يكن معتزلاً متنسِّكاً، بل كانت داره كعبةً للقاصدين، زواراً وطلاب معرفة، إلى أن توفّاه الله سنة 449 للهجرة بعد مرض لأيّام عدّة.

أمّا ميزته الثابتة فكانت ترفّعه عن مِتَع الدنيا، فلم يكن ساعياً لمجد، أو منصب، أو مال أو حتى هديَّة؛ وقد ظهر ذلك في بغداد التي كانت تعيش زمن تكسّب الشعراء ووقوفهم أمام بلاط الخلفاء والوزراء والولاة. بخلاف سمة العصر في التكسّب من خلال فن المديح، أو التقرّب من السلاطين. كان المعري نزيل منزله، بل محبسه، يتقرّب إليه الولاة، ويحجُّ إليه العلماء، ويسعى جمهوره الواسع إلى طلب النصيحة، وردّ غائلة الزمن، كما حدث غير مرّة مع أهالي معرّة النعمان، إذ منع عنهم غدر الوُلاة أكثر من مرّة «إكراماً للشيخ»، كما لو كان «حِرزاً» عليهم؛ فبات الذين يقفون على بابه، كما قيل، أكثر من الواقفين بأبواب الولاة.

ثقافته وأعماله

لا جدوى من مقارنة ثقافة المعري بأيٍّ ممّن نعرف من ثقافات سواه من العلماء والأدباء. وبسبب من اتساع معرفته وثقافته غير العاديتين، في كل باب تقريباً، فقد اختلطت الحقائق بالأساطير.
وُهِبَ الرجل، بإجماع الباحثين، عقلاً، وذكاء، وذاكرة، تظنّ أنها ليست للبشر، بل لآلهة الإغريق، على سبيل المثال.

كيف لعقل إنسان فقد بصره وهو دون الرابعة من عمره أن يتقن حتى الكمال (الممكن) ما أُتيح أو عُرض له، بل لعصره، من ثقافة في أبواب: اللغة، والأدب، (من شعر ونثر وبيان وبديع وبلاغة وفنون أُخرى)؟ أضف إلى ذلك التاريخ بمراحله السابقة كافة، والأنساب، والديانات، والفلسفة، والفكر بعامة؟ وغير بعيد عن الصحة قولة من قال، إن اللغة لتأخذ بعد القرآن الكريم من المعرّي. أو قول آخر: لا أظن العرب نطقت لفظة لا يعرفها المعرّي.

وكيف لذكاء أيٍّ كان أن يُضارع ذكاء من يعرف ضيفه إذا تحدّث، أو حاله إذا تكلّم، أو ما قصد إليه ولم يظهره من ثنايا خطابه؟ أو أن يستشعر الفروقات البسيطة بين هذه وتلك، بمجرد إحساسه بها: فيدرك أنّ ورقة كانت تحت الفراش الذي يجلس عليه فأزيلت! وكذا في ما أوردناه من مجلس الشريف المُرتضى.

كيف لذاكرة بشريٍّ أن تضاهي ذاكرة المعري الأُسطورية، ولطالما نسج المؤرخون حولها الأساطير: يزور مكتبة المدينة الفلانية أو الحاكم الفلاني، فيطلب لمرافقه أن يقرأ له ما وسعه من كتب، فتصبح في ذاكرته وعقله وكأنه رآها وقرأها غير مرّة؟ أو تمرّ القافلة في طريقه إلى بغداد سنة 399 للهجرة بشجرة تعوق العبور على الطريق، فيُطلب من العابرين، في العادة، خفض الرؤوس، فإذا به في أثناء عودته بعد سنة كاملة (400 للهجرة)، يخفض رأسه في المكان عينه وسط استغراب من معه، فالشجرة المعنية كانت قد قُطعت ولم يعد لها من وجود.

أو خذ حافظة ذاكرته أيضاً، أنّ المعري الصبي سمع شجاراً بين فلاحَيْن بالسِّريانية، (وهي شائعة في قرى شمال سورية آنذاك)، وحين ذهب الرجلان إلى القاضي ليفصل في خلافهما، طلب شهوداً، قالا له لم يكن هناك غير صبي أعمى؛ وإذ طُلِب ليشهد ردّد ما قالاه حرفيّاً وهو لا يفقه شيئاً من معناه؟

توفرّت للمعري ثقافة وعلوم عصره جميعها، وما أتيح له ممّا سبقه: اللّغوية، والأدبية، والفقهية، والفلسفية. قال فيه بعض أهل عصره: كانت معرفته باللغة معرفة تامة. (إبن الجوزي) وقال آخر: ما أظن نطقت العرب بكلمة لم يعرفها الشيخ. (البديعي) وبدا تأثير ذلك جليّاً في أعماله شعرِه، ونثرِه، كما في أعماله المبتكَرة والرائدة. بلغت أعمال المعري، حسب مؤرِّخ عصره، القفطي، خمسة وخمسين كتاباً، عدا الرسائل، وهي بالمئات. أهمُّ أعماله التي وصلتنا: «اللزوميات» في مجلدين، جعلها المعري في أبواب الحكمة والوعظ والرأي. «سِقط الزند»، هي شعر المعري، غير الفلسفي كحال اللزوميات. فيه بعض أرقّ شعره، كما قيل. «رسالة الغفران»، فيها ظاهراً شروح لمسائل لغوية وفقهية، وأعمق من ذلك نقده في غير اتجاه. اهتم المستشرقون برسالة الغفران أيّما اهتمام، فتُرجمت باكراً، بل عدّوها رائدة في بابها، نسج على منوالها بعد ذاك بعدة قرون «دانتي» وآخرون. إلى أعمال لغوية وأدبية أُخرى، حيّرت معاصريه، لغرابة بعضها، وغُنوض الكثير منها، فذهبوا في تفسير مُعتقد المعري انطلاقاً من الغموض ذاك.

معتقده

إذا كان للمؤرخين والباحثين، من زمن أبي العلاء أو في أزمنة لاحقة، أن يتنازعوا في نقطة وحيدة أيّما نزاع، فهي من دون شك تلك المتصلة بمعتقديه، الفكري والديني. والنزاع في الثاني أبعد غَوْراً وأشدّ خطراً ممّا هو في الأول. يقول أدوار البستاني في كتابه «أبو العلاء المعري، متأمّل في الظُّلمات»: «لم يختلف الرأي في عقيدة رجل كما اختُلِف في عقيدة المعري. فقد أجمع قوم على تكفيره… من أمثال أبي الوفاء بن عقيل (القرن الخامس للهجرة)… وابن الصابئ… والقاضي أبو جعفر الزوزني… وعبد السلام القزويني… (وآخرون)»ص 44-45.

في مقابل هؤلاء، نهض تلامذته، ومُريدوه، يردّون تهمة الكفر تلك، ويوضحون ما ومن قصد شيخ المعرة في نقده؛ وأنه إنما تناول مظاهر الخروج على الدين، لا الدين؛ وأن نقده اتجه للمنافقين، لا للدين، ولا للمتدينين الورعين المخلصين. وسيرى القارئ، التفسير الحقيقي، كما اعتقد، لأفكاره، وكيف رأى إليها كبار باحثي العصر الراهن، من أمثال طه حسين، والعلايلي، ومارون عبود.

نبدأ بمعتقده الفكري، غير المُنفصل كما سنرى عن معتقده الديني، وإن كان في الغالب إلماحاً لا صُراحاً، ويحتاج إلى ربط ومقايسة واستخلاص نتائج.

في معتقده الفكري (وربطاً بالديني أيضاً)، لا أظنّ أنّ مفكراً سبق أبي العلاء إلى بناء معيار في اليقين يقوم على اللايقين:

غدوتُ مريضَ العقلِ والدينِ فالقني
لتعلمَ أنباءَ الأمورِ الصحائحِ

أمّا من سبقه، أو عاصره على نحو دقيق، في بيان عجز العقل عن بيان الحقيقة، أو «الأمور الصحائح»، فهم جماعة «العِرفان»، في كل معتقد ودين ومسلك. هل قصد المعري «غدوتَ» بالفتح؟ إذا كان الأمر كذلك، لا جديد رئيسي أو حاسم. إلّا أن الأمر ليس كذلك، بل هو جزء من تورية المعري، و«باطنيّته» ومَجازاته التي استخدمها غير مرة ليدفع سامعه أو قارئه إلى حيث يكتشف معتقده الفكري والديني. ومنها مثلاً:

وليس على الحقيقة كلُّ قولي
ولكنْ فيه أصنافُ المجاز

والمجاز metaphor في قواميس اللغة هو «صرف النظر عن معناه الظاهر»، و «تجاوز ما وُضع له»، و»المعنى المجازي، هو المعنى المستعمَل في غير ما وضع له أصلاً».

هوَ ذا المجاز الذي احتاجه المعري في عصره – القرن الخامس للهجرة حيث أحكم المتشددون القبضة على الدين والسياسة. المجاز هنا هو الأداة البليغة في إيصال المعنى المقصود، غير ظاهر الكلام. وقد لجأ المعري إلى الأداة تلك المرّة تلو المرّة لإيصال أفكاره.

نعود إلى «مريض العقل والدين»، فإذا هي تعني وفق التحليل السابق (صحيح العقل والدين). ما من أحد، في ما أعرف، قبل أبي العلاء رسم هذه المعادلة غير العادية أو المألوفة، ومُختَصرُها: يجب أن تكون مريض العقل والدين «لتعلمَ أنباء الأمورِ الصحائحِ». هي تشبه منهج سقراط في ادّعاء الجهل والضعف (أي مريض العقل) كي يستخرج من خصمه في النقاش أفضل ما عنده، فيخرج من متاهات الضلال إلى نور اليقين (الصحائح). حرصتُ على استخدام تعبير أبي العلاء دقيقاً كما ورد في النص، لأنّه من الجدةِ والخطورةِ إلى أقصى الحدود، وكما لم يحدث من قبل – إلّا ربما بعض إشارات الشُّكاك الإغريق – أو من بعد، خلا ما نجده، أيضاً، عند «نيتشه»، الفيلسوف الألماني في القرن التاسع عشر، في ملاحظات تبدو متشابهة.

لا يختلف اثنان، كما أَعتقد، أن تفرّد أبي العلاء قد بلغ في بيت الشعر الأخير كل حد، ولفظ «العبقرية» لا يقدّم أو يؤخّر كثيراً، بل لعلَّه لا يفي «ثقافة» أبي العلاء حقّها.

في معتقد أبي العلاء، وفي خط البيت الأخير، ربما نجد بيتاً ثانياً يبدو قريباً إلى الأول في معناه، دون أن يكون في قوته، وهو:

إذا قلت المحال رفعتُ صوتي
وإن قلتُ اليقين أطلتُ همسي

ما يجمع بين البيتين، في المقام الأول، أن لا تغترّ بظاهر ما تقرأ، حتى للمعري. هذا المعري الظاهر؛ أما المعري الحقيقي ففي مكان آخر، لا سبيل لإدراكه إلّا إذا كنت «مريض العقل والدين». والمعنى الحقيقي لـ «مريض» في بيت المعري هو على عكس ما يوحي به ظاهر القول: أي «صحيح العقل والدينِ». هذا هو المعنى الضمني لمريض العقل والدين. إنه تفرّد المعري وإعجازه فلا يقدّم لنا معتقده بسهولة وعلى طبق من فضّة، وإنما عليك أن تتعرّى من الظاهر، خطوة أولى، لتلتقط الحقيقة. وإن لم تسعفكَ قدراتك في أولّ الطريق، فكيف الحال في مراحل الطريق المتقدمة، الأعلى، والأكثر تطلّباً. المبتدئون لا حظَّ لهم في الدخول إلى عالم المعرّي الغامض المليء بالإشارات والتلميحات، لا التصريحات والإيضاحات السهلة. وسبق للمعري أن نبّهَنا – منهجيّاً – في أكثر من موضع، كي لا نخطئ أو نتسرّع في أحكامنا.

لقد مدّ المعري لنا يد المساعدة حين قال بوضوح: لا تظنّوا أن كل ما أقوله ظاهراً هو الحقيقة (وليس على الحقيقة كل قولي)، وإنّما فيه ما يجب أن يؤخذ مجازاً- على اتساع ما يتضمنّه مفهوم المجاز في اللغة، كما شرحنا أعلاه.

ذهب المؤرخون والمدققون المعنيون بمعتقد المعري الفكري والديني وكلّها نظريات، في حقيقة الأمر، وتختصر في أربعة:
أوَّلُها، رأي المتشددين الذين أخذوا المعري بظاهر قوله، لإعلان فساد معتقداته.
ثانيها، نظرية التحفُّظ، بل العجز، عن إثبات معتقد نهائي ثابت للمعري.
وثالثها، أخذ المعري بقعر أفكاره القائم تحت ظاهر القول، لإعلان حقيقة معتقده. وهي أقرب إلى فلسفة اللّغة،
والنظرية الرابعة، تجزم استناداً إلى الكثير من شعره، وما رُوي عنه، أنه من «أهل التوحيد»، بل احد شيوخ مسلك التوحيد، أو فرقة التوحيد الإسلامية.
وسنفصّل يعض الشيء في الاتجاهات أو النظريات الأربعة أعلاه.

الاتجاه الأول، ولا يرقى إلى مستوى النظرية، يمثّله بعض المتشددين الذي اكتفوا بظاهر قول المعري، فتسرّعوا بالحكم عليه يمنة ويسرة. ساء هؤلاء نقد المعري لمظاهر وسلوكيات كانت قد طغت في القرن الخامس الهجري، فباتت هي الدين في حرفيته وظاهره وشكلانيته، وهو ما انتقده المعري بقسوة. ساء المعري أن تجد شارب خمرة في أثناء إداء فريضة الحج، أو منافقاً يبيع ويشتري ويقرض بالربا وهو يزعم التديّن، أو «واعظ نساء» يوغل في الحثِّ على الفضائل وهو أوّل من يهملها بل ويمارس الرذائل؛ وساءَه أن يجد مسلماً لا يطيق نصرانياً، أو العكس، بينما الدين عند الله واحد. في نقد المعري ذاك نقرأ له، (في اللزوميات) على سبيل المثال:

وما حجّي إلى أحجار بيتٍ
كؤوسُ الخمر تشرب في ذراها

بل قال أكثر محذِّراً من مكر الماكرين المخادعين:

أقيمي لا أعدّ الحجّ فرضـــاً
على عجزِ النساء ولا العذارى
ففي بطحاء مكّة بعض قوم
وليســـوا بالحُمــاة ولا الغيـــارى
قيامٌ يدفعون الوفـــد شفعــاً
إلى البيت الحـرامِ وهو سكارى

أو آخر «صاحب حيلة»، سِكّيرٌ، مُخادعٌ، يعظ النساء:

رويدكَ قد غُرِرْتَ وأنت حرٌّ
بصاحب حيلة يعظُ النساءَ
يحرّم فيهمُ الصهباء صبحـاً
ويشربها على عمدٍ مساءَ

أو نقده مجرّد أخذ الدين بالتقليد والوراثة، دونما تبصّر أو إيمان شخصي حقيقي:

وينشأ ناشىءُ الفتيان منّــــا
على ما كان عوّده أبوه
وما دينُ الفتى بحجىً ولكن
يعلّمه التـديّن أقربــــوه

أو قوله في المنافقين، يرجون عمل الخير، بينما يردّون الفقير؛ ويدعون للزهد في الدنيا، فيما لو قدروا على إيوان كسرى لما ترددوا:

رَجَوْا أن لا يخيب لهم دعـــاءُ
وكم سأل الفقيرُ وخيّبوهُ
ولو قدروا على إيوان كسرى
لساموه الــردى وتعقّبــوهُ

هذا بعض من نقد المعري الصريح، القاسي، للمنافقين، المخادعين، المستغلين موقعهم الديني لنشر الفساد، فيما هم من الدين الحقيقي براء.
جلبت مواقف المعري المبدئية تلك عليه حملة إمّا هي ممن قصدهم المعري في نقده، أو ممّن أخذوا المعري في ظاهر قوله لا أكثر ولم يسبروا أغوار نقده وما قصده بحق.

بين أهم أولئك الذين انتقدوا، بل كفّروا المعري، بسبب من نقده القاسي ذاك، دونما كبير بحث أو تنقيب في عمق الألفاظ وعدم الاكتفاء بظاهرها، فشككوا بصحة إيمانه من المعاصرين له أو بعده بقليل، القاضي أبو يوسف القزويني، وأبو الوفاء بن عقيل، وابن الصافي،والقاضي أبو جعفر الزوزني، وأحمد بن محمّد الأخشيتكيي (لعلَّه الأخشيدي) وآخرون…

في الاتجاه الثاني، المتحفظ ، نجد طه حسين، وآخرين، ممّن أمسكوا عن جعل المعري في معتقد محدد. وحجتهم في ذلك التباين، بل «التناقض» أحياناً، بين أقوال المعري المتضمنة آراءه في غير موضوع ومكان: في الموقف من الأنبياء، والمَعاد، والجنة والنار الماديتين، والعقل، والقياس في الدين، والإمامة، وعناوين أخرى أساسية.

ويتسلّح هؤلاء بشكوك أبداها المعري في أكثر من مكان، أمسك فيها عن إثبات أي شيء حقيقي أو نهائي. بل هو اعتبر غير مرّة أن بلوغ الحقيقة من باب المحال. فلنتأمل قولَه:
أمَّا اليقينُ فلا يقينَ وإنّما
أقصى اجتهادي أن أظنّ وأحدسا

وفي هذا الباب أيضاً، تردُّد المعري وحذرُه، وهو منتهى الأمانة، في إثبات رأي أخير في أيّة مسألة حاسمة، بل تحتمل جميعها النفي والإيجاب، يقول (في اللزوميات أيضاً):

ويعتري النفسَ إنكارٌ ومعرفةٌ
وكلّ معنى له نفيٌ وإيجابُ
وقولهُ في إطارٍ أوسع بكثير:
دينٌ وكُفرٌ وأنباءٌ تُقَصّ وفــر
قانٌ يُنَصّ وتـــوراةٌ وإنجيل
في كل جيلٍ أباطيلٌ يُدانُ بها
فهل تفــرّد يوماً بالهدى جيلُ

سؤال المعري برسمِ تاريخ الأفكار والديانات بأسره: «هلّ تفرّد بالهدى جيلُ؟»
لا يعنينا الجواب الآن، وإنما فقط الإشارة إلى تردد المعري في إثبات أو نفي «حقائق» الدين والفكر. ويلفت هنا أنّ نقد المعري لم يقتصر على هذا الجانب دون ذاك؛ وإذا كان البعض لم يرَ إلّا نقده للتجارب الدينية، فاللزوميات تتضمن عشرات حالات النقد للقياس العقلي أيضاً، كما للفلسفة، وللتصوف، وللتفسيرات الباطنية، وللإمامة، وسواها. فلا تكاد تجد له موقفاً محدداً من مسألة معينة، حتى تجد له في المسألة نفسهاً رأياً مخالفاً. وعليه، يصعب جعل المعري في موقف أو رأي محدد، بل هو ناقد لكل شيء تقريباً، لا يجد الحقيقة الأخيرة في شيء – خلا الموت، الذي رأى فيه المعري حقيقة تعلو كل شكّ:

سألت عن الحقائقِ كلّ يومٍ
فمــا ألفيتُ إلّا حــرفَ جَحدِ
سوى أنّي أموتُ بغير شَكٍ
ففي أيِّ البلادِ يكون لحدي؟

ولكن، كي لا يُساء تفسير شكوك المعري، فهو قد أثبت في كل الأمكنة وجود إلهٍ خالقٍ حكيم؛ وتسقط بذلك دعاوى من اتهمه بالإلحاد – وفي اللزوميات عشرات أبيات الشعر المُثبِتة لإيمان المعرّي ذاك، ومنها:

أثبتُ لي خالقاً حكيماً
ولستُ من معشر النُّفاةِ

أو قوله:

يثبتنَ ربّاً قديراً لا كفاء له
وما عمدتُ لغير الله إثباتا

بل هو يدعو لتركع وتسجد وتتهجّد لإله كهذا:

إركع لربّك في نهارك واسجُدِ
ومتى أطلت تهجّداً فتهجّدِ

وقولٌ أخير له في الموضوع يُظهر إيمانه بالله حقيقة تامة تشمل الأرض والسماء، يقول:

قضى الله فينا بالــــذي هو كائنٌ
فتمّ وضاعت حكمة الحكمـاء
وهل يأبقُ الإنسانُ من ملكِ ربّهِ
ويخرجُ من أرضٍ له وسماءِ

بل يذهب طه حسين في كتابه «مع أبي العلاء في سجنه» أبعد من ذلك في نفي أي معتقد، أو رأي نهائي، للمعري؛ فيعتبر أنّ شيخ المعرة إنّما كان يستعرض مهاراته التي لا حد لها، كنوع من «اللعب» اللغوي.

لا يذهب الكثيرون مذهب طه حسين، لا في شكّه، ولا في نظرية «اللعب اللغوي». وقد ردّ كثيرون على عميد الأدب العربي طه حسين في نظرية اللعب تلك. أكتفي بردّ الشاعر العراقي معروف الرصافي الذي أصدر بعد وقت قصير من صدور كتاب طه حسين عن المعري (1946) كتاباً ردّ فيه على طه حسين مفنِّداً نظريته في أن المعري ملأ فراغ وقته بالألاعيب اللغوية. يسمي الرصّافي المعري (الإمام الأوحد فيها (علوم اللغة) بين أهل زمانه) ص 38، ويردّ بعد ذلك مباشرة على رأي طه حسين السابق مفنّداً إياه، يقول:»…إنّ أبا العلاء الذي عرفنا أخلاقه في اللزوميات أجلّ وأعلى من أن يريد من الناس إكباره والإعجاب به» (الرصافي «على باب سجن أبي العلاء» ص45). ويردّ عليه في نقطة أُخرى، فيقول: «كل من كتب عن أبي العلاء في هذا العصر عَزاه إلى التشاؤم، وعزا تشاؤمه إلى فقد بصره الذي جعله ساخطاً على الحياة لا يرى فيها خيراً ولا يوجس منها إلّا شرّاً. ونحن لا نوافقهم على ذلك، بل نقول: إنْ كان المُراد بالتشاؤم الذي يتهمون به أبا العلاء السخط على الحياة….فإن سخطه هذا لا يُعدُّ تشاؤماً…فسخطه يؤيده العقل الصريح، والفكر النافذ والاختبار الطويل والتجربة الصادقة، ومتى كان السخط كذلك كان سخطاً علميّاً فلسفياً لا ظنّياً ولا وهمياً؛ فليس هو إذن من التشاؤم في شيء…. وأقواله في اللزوميات (تدلّ) على أنه لا يُماشي إلّا الحق ولا ينفر إلّا من الباطل ولا يتحرّى إلّا الحقيقة ولا يستنكر إلا القبيح»(51-52)

إلى ذلك، نقول أن شكّ أبي العلاء لم يكن لغواً، ولا شكاً في سبيل الشك، بل شك في سبيل الوصول إلى اليقين على قاعدة صلبة ثابتة. كذلك كان شك سقراط، والغزالي، ثم ديكارت حديثاً: الشك هو الطريق الموثوق إلى اليقين.

الشيخ عبد الله العلايلي

أما التناقضات التي نجدها في آراء فيلسوف المعرّة، وقد أخذها عليه طه حسين، فتنجلي بسهولة إذا تجاوزنا ظاهرها وبلغنا عمقها وأدركنا جوهرها. إنَّ فَهم ما قاله المعري في ستين سنة لا يمكن فصله عن سياق ما قيل، أي تاريخه وموقعه، واللزوميات لا تسعفنا إلى ذلك. وقد أشرت إلى الصعوبة تلك في بحثي الذي أسميته «المعري شاعر الفلاسفة، وفيلسوف الشعراء» ضمن كتابي «في الأدب الفلسفي» قبل ثلاثين سنة؛ وقد أوضحت في سياق البحث أن ترتيب القصائد أو النُّتف الشعرية في اللزوميات وفق ترتيب أبجدي يأخذ بآخر حرفين في القافية (وهذه صعوبة لغوية لم يسبق المعري إليها إلا القليل)، تشهد على مدى إبداع المعري اللغوي والشعري، لكنها لا تفيد في ترتيب أفكاره: فالمطلوب، كما قلت في بحثي عن المعري، «تحقيب» شعره، أي مُراعاة الترتيب الزمني للقصائد، لنكتشف إذ ذاك الأفكار التي انتهى إليها شيخ المعرّة.
والاتجاه الثالث، للعلاّمة الشيخ عبد الله العلايلي، وفيه رأي بل نظرية متكاملة، جديدة تماماً على الباحثين في المعري جميعاً،
يذهب العلايلي إلى أن للمعري فلسفة متكاملة، فلسفة الكون – اللغوي، إذا صحّ التعبير، وهي نظرية جديدة متفرّدة للعلاّمة الشيخ عبد الله العلايلي في فهم معتقد المعري بسَطها في كتابه: «المعرِّي ذلك المجهول» الصادر سنة 1981.

يقدّم العلاّمة العلايلي في كتابه أعلاه تصوره الخاص لملامح نظرية فلسفية متكاملة تسكن نتاج المعري الشعري. فالمعري، حسب العلايلي، هو أوَّلاً وآخراً اللُّغوي الذي لا يُبارى، وعليه فقد استخدم المنهج اللغوي «لا قصد التعبير فقط، بل قصد التعليل والإدراك الكلي أيضاً… وطريقته إلى التصور الفلسفي تُحْسَبُ أشدّ طرافة وأكثر غرابة واستهواء.» (ص 36)

وانطلاقاً من قاعدة أن اللغة العربية «التي هي اللغة التامة»، رأى العلايلي أن المعري ذهب بهذه اللغة لتعبّر عن ظاهرات الطبيعة والوجود نفسه، وعن كل مظاهر التغيير في عالم الكون والفساد، وأنّ في اللغة أشياء الحياة كلها، وفي اللغة إعلال وتصحيح وفعل وانفعال وتفاعل، وفي اللغة تضعيف وإدغام واشتراك، ويضيف: «أليس في اللغة جسم وروح كاللفظ والمعنى؟ أليس في اللغة عالم غيب وعالم شهادة في المُضمَر والمضمِر، قال:
ما زال مُلكُ الله يظهرُ دائباً
إذ آدمٌ وبنوهُ، في الإضمار

….إذاً، ففي اللغة طبيعة وحياة ومجهول، أو هي عالم كامل عن عالمنا وهي أكثر تعبيراً عن كل هذا، من عالمنا المُحجب. فلماذا لا تكون اللغة هي الجانب الناطق عن ذلك الجانب الصامت، لا سيّما وهناك من لا يشكّ في أنها توقيف أي وحي، ومن لا يشك في دلالة العدد بينما اللغة تبطنه» (37-38).

ويخلص العلايلي إلى ما يلي: «هذا شيء لم يصرّح به أبو العلاء ونحن لا ننتظر منه تصريحاً، وهو الذي يبعثر بالقصد إشارات الطرق آخذاً على الآخرين سبيل الوصول إليه، وإنما ذلك شيء نحن نستنتجه استنتاجاً من إيماءاته، وبمعاناة غير يسيرة…. كما لا يستقيمُ تفسيره بالعبث تحلية وتوشية وبالتصنّع براعة وتفوقاً، قال:

من يبغِ، عنديَ، نحواً أو يُرِد لغةً
فما يساعفُ من هذا ولا هـــذي
يكفيكَ شرّاً، من الدنيا، ومنقصـةً
أم لا يبين لك الهادي من الهاذي

كان العلايلي يَرُدّ، من دون تسمية، على طه حسين الذي اعتبر أن إبداعات المعري في اللغة كانت نحواً من العبث وإظهار البراعة والتفوق.

العلاّمة العلايلي، ومن دون أدنى شك، هو من اقترب إلى حد المضاهاة والتطابق من منهج المعري اللغوي، ولعله في التميّز والتفرّد والتبحّر الأكثر قرباً من الجميع إلى المعري. إلّا أن مجال البحث الضيّق لا يسمح الآن بأكثر من مجرد الإلماح إلى نظرية العلايلي، على أن نعود إليها في عمل أوسع قريباً.

يبقى الاتجاه الرابع، والأخير، وخيرُ من عبّر عنه هو الأديب مارون عبّود في كتابه «أبو العلاء المعري، زوبعة الدهور». نظرية الأديب الكبير مارون عبود في تفسير مُعتقَد المعري تذهب في اتجاه مختلف تماماً عمّا رأيناه حتى الآن. باختصار، هي تجعل المعري أحد أتباع، بل أسياد، «مذهب التوحيد»، على طريقة الحاكم بأمر الله الفاطمي. وسنشرح النظرية الأخيرة هذه، نظرية مارون عبّود، مع بعض التوسّع نظراً لفرادتها، وريادتها، وأهميتها.

الأديب مارون عبود

بذل الأديب المبدع مارون عبّود في كتابه («أبو العلاء المعري، زوبعة الدهور»، 1946)، جهداً استثنائياً للدفاع عن نظريته في معتقد أبي العلاء المعرّي، ومؤدّاها باختصار، وبمفردات مارون عبّود: «فاطمية أبي العلاء» (ص 72). ويوغل مارون عبّود في المزيد من التعيين والتحديد لعقيدة أبي العلاء فيقول على نحو لم يسبقه إليه كاتب آخر: «وليس كتاب لزوم ما لا يلزم غير كتاب الإخوان، فلينعم إخواننا الدروز بالاً وليطمئنوا في خلواتهم، فإن إمام الدعوة الفاطمية الخالد لم يشكَّ لحظة «بالمذهب» وما ارتدّ قط.» (ص 68) ويضيف:
«لستُ أقول أن أبا العلاء درزيٌ اسماً، فقد سمّوهم هكذا بعد. ولكني أقول أن مذهبهم مذهبه، وأنّ ما نراه اليوم عند الطبقة «المُتَنَزِّهة» من تقشفٍ وزهدٍ في الدنيا مأخوذٌ من اثنين: الحاكم بأمر الله، وحواريِّه، أبو العلاء المعري» (ص 68)

ويمضي مارون عبّود قُدُماً في تفسير حياة المعري، وبخاصة بعد عودته من بغداد (400 للهجرة)، وفي تفسير اللزوميات على وجه الخصوص وفق منهج مقارن دقيق يقود بجلاء إلى مطابقة أفكار المعري، ومعتقده، مع الأفكار الفاطمية، وبخاصة مع الأفكار المتفردة التي دعا إليها الخليفة الفاطمي السادس (أفكار التوحيد) باعتبارها أعلى درجات العرفان، بل الإحسان، التي أوردها القرآن الكريم في غير صورة وموضع.
ينطلق مارون عبّود من مُقَدَّمات منطقية وتاريخية في آنٍ معاً، لإثبات فكرته في أن معتقد المعري هو في خط يقين أهل التوحيد. أُولى مقدَّماته، إيمان المعري المُطلق بالعقل، يقول:
«أمّا العقل العلائي فهو العقل اليوناني الفيثاغوري بعينه، وكذلك العقل الفاطمي، والنفس والجسد العلائيان فيثاغوريان أيضاً؛ فهو يرى كما يرى الفيثاغورويون أن الطهارة في خلاص النفس من البدن، لأن الجسد قبرٌ للنفس وهو عدوها اللدود، وفي هذا قال المعري:

أراني في الثلاثة من سجوني
فلا تسأل عـن الخبــر النـبيثِ
لفَقدي ناظري، ولـزومِ بيــتي
وكونِ النفس في الجسد الخبيثِ

…والفيثاعورية كالمُنظَّمات الدينيّة اليوم، عاش أعضاؤها في عفَّةٍ وبساطةِ لبسٍ ومأكل، وقد حَرّمت أكل لحم الحيوان وبعض النبات – كما حرّم الحاكم أكل الملوخية مثلاً» (106-107).

بانتساب المعري إلى المنهج العقلي الصارم، بات مفهوماً تبرّمه مما يخالف العقل من أفكار جارية لم يجرِ التدقيق فيها. ومنها مثلاً نقده فكرة الإمامة واعتباره العقل وحده إماماً، حين قال:

يــرتجي النـاسُ أن يقــوم»إمامٌ
ناطقٌ» في الكتيبة الخرساء
كذبَ الظنّ لا إمام سوى العقلِ
مشيـراً في صبحه والمساءِ

وإذا قال قائلٌ أنّ المعري بنفيه الإمامة إلّا عن العقل إنما يخرج عن المذهب الفاطمي، يردّ مارون عبّود: «وهذا الظنّ منتهى الشطط لأن «الإمام» يتوارى في قمّة الدعوة الفاطمية – الدعوة التاسعة – ويحلّ محله العقل. يصير الإمام رمزاً لمعنى ليس أكثر» (106).
ويخلصُ مارون عبّود في نهاية الفصل المتعلّق بمعتقد أبي العلاء المعري إلى ما يلي:
«وإن تتبعني أيها القارئ الكريم بعد أن تتجردَ من ذاتك التقليدية فستعود من رحلتنا هذه وأنت واثقٌ مثلي أن شيخ المعرّة هو إمام المذهب الفاطمي، وكتاب «لزومياته» هو كتاب المذهب، وإنما عليك أن تقرأ ما كتبتهُ بإمعان، وتتبحَّر في عبارات «الدعوات التسع» فتدرك مثلي وتبصر» (ص 74).

هو ذا مضمون رأي مارون عبّود في معتقد أبي العلاء. ومارون عبّود ليس بالكاتب المبتدئ ليبغي شهرة من نظريته، ولا بالحدث المتهوِّر الذي يلقي برأيه جزافاً من دون تقصٍّ وبحث وأسانيد. وهو ما فعله مارون عبود في كتابه «أبو العلاء المعري، زوبعة الدهور». فقد وقف الكتاب بأكمله ليثبت بالقرينة والدليل والسند والمقارنة أنَّ ما اقترحه من نظرية أو رأي مطابق كليّاً للوقائع التي أحاطت بحياة أبي العلاء، وللأفكار التي بثّها في شعره، تصريحاً في القليل القليل منه، وإلماحاً وتضميناً في عشرات القصائد أو أبيات الشعر المتناثرة – عمداً – والتي عرض لها مارون عبّود في كتابه.

حاشية أخيرة

حدود المقالة الضيّقة، كما كل مقالة، لم تسمح بالمزيد من التفاصيل والاقتباسات، في ما خصّ مُعتقد المعري تحديداً – ناهيك عن حياته، وثقافته، وأعماله، وكلٌ منها تتطلَّب مبحثاً مستقلاً. لذلك أنصح قارئي أن يعود إلى أعمال المعري نفسه وبخاصة ديواناه: سقط الزند واللزوميات؛ وأن يعود إلى كتاب الشيخ العلايلي «المعرّي ذلك المجهول»، وكتاب شيخ الأدباء مارون عبّود «أبو العلاء المعري، زوبعة الدهور»، ففيهما من التفاصيل والقرائن ما يدفع بالبحث في معتقد شيخ المعرّة، كما أعماله، أشواطاً عدة إلى أمام.

أَتَيْتَ على نهجِ الأُلى سائراً

أَتَيْتَ على نهجِ الأُلى سائراً
عَلَوْتَ مقاماً أنتَ أهلٌ له
جَمَعْتَ إلى التَوْحِيدِ إِحْسَانَهُ
وَعَقْلُكَ مطبوعٌ على حِكْمَةٍ
بَرَزْتَ أديباً، شاعراً مُبدعاً
رَفَعْتَ لواءَ العدلِ صوناً له
رَصَفْتَ طريقاً لم يزل قائماً:
زَرَعْتَ سلاماً حيثما ينبغي
وإنك شيخٌ عالمٌ صالحٌ

وليس بخافٍ… للهدى حاملُ
وما لك مِثْلٌ بالتُقى نائلُ
وداعةَ نَفْسٍ ضوؤُها كاملُ
ومَعْرِفَةٍ مفهومُها شاملُ
وقدرُكَ في عين الورى شائل
ودورُك فيه ناصعٌ، ماثلُ
معاهدَ عِلْمٍ نورُها طائلُ
وخُلْقُكَ مفتاحُ الصفا فاعلُ
أُعِدَّ لِفَضْلٍ عَوْدُهُ هائلُ

 

هي عبــرَ القرونِ كُشوفُ نورٍ

هي عبــرَ القرونِ كُشوفُ نورٍ
ولــولا أنتَ شيخُ العقلِ قـِــدْماً
فُطِـرْتَ نـزاهةً ووُهِبْـتَ عقلاً
وبـالعلـم ارتقيــت إلى مَــراقٍ
بـك اتّســمت فعـالٌ ســامياتٌ
ثقافـتُــك الأصـيــلةُ مُبْتَنـــاها
ويشهد بابُــك المفـتوحُ دومــاً
إذا الشُّبُهات طالت بعضَ قومٍ
سَــمَوْتَ عـن المطامعِ باقتدارٍ
وزكَّيْــتَ الحِوار لنَـهج عقــٍل
فَسِـفْـرُك شــاهدٌ ودليــلُ فِعْــل
لئـــنْ حكامُ هــذا الكون دانوا
يقـولُ العقـل أن هبُّــــو إليــه

ألا يـــا شيخَ ســــامي أنـتَ سـامٍ
فحقَّــــاً أنـت شـــيـخُ العقـلِ زاكٍ
يضيـقُ مَدى العبارةِ عن مــزايا

وإرشــادٌ إلـى مــن يستـطيــعُ
لَمــا جاءتك عــن شَوْق تُطيعُ
وعِــرفــانـاً لـه دانَ الجـميـــعُ
لهــا فــي عالم العقل السطوعُ
عــلى التـــوحــيد مبنـاها رفيعُ
طبـــاعُ العقلِ عاطرةٌ تضوعُ
بــأنّـك نُصـــرةُ العاني، يُذيـــعُ
فــأنت مُبَـــرَّأٌ مـنـــها مـَنــــــيعُ
فلـم يُـغْرِرْكَ مــن بـاعوا وبيعوا
بـــه الأديـــانُ للحُسْــنى تطــــوعُ
ونـــورٌ تستضيئً بـــه الجـموعُ
بما تــــدعـو إليــه فلـــن يَضيعوا
وإلّا قـــد يســــوؤكــم الـــصّنيــعُ

بـك التَّــوحيدُ تَحضُنهُ الـــرّبـوعُ
بــك احْتَفَتِ المنــــابرُ والشّـمـوع
حَـبـــاكَ اللهُ خــــــلّاقٌ بـــديـــــــعُ

 

ياهذا الوجْدُ البدويُّ ألا أوْقِدْ

ياهذا الوجْدُ البدويُّ ألا أوْقِدْ
ناركَ في برْدِ الليلِ
في غفوة هذا الرّملِ
في هذي العشيّهْ
وابحثْ عن جملٍ يأويك إلى حُلُمٍ
أنبئني كيف ينوء الرّمل بقطرةِ ماءٍ عربيّهْ
الرّمل مضتْ
وأحبّكَ…كلّ سياط البحر
وأحبّكَ… يغدو البحرُ قرنفلةَ الرّيحِ
برّ الرّوحِ
مرساةَ الأشواق المذعورهْ
وأحبّكَ… يغدو الرّمل قوافل عشقٍ تصحو في كفٍّ مقهورهْ
ناصرْ
جرّةُ حزنٍ عربيّهْ
تحملها خولَهْ
تسقي عشق الأزهار البرّيّهْ
تسقي عطَش الماءْ
تفصح للجرح الأبكم قَوْلَهْ
تزرعُ في عُنُقِ الصحراءْ
شامةَ فرَحٍ أبديّهْ
ناصرْ
جرّةُ حُزنٍ عربيّهْ
تحملها خَوْلَهْ
مثْلَ صوفيٍّ يُتعب نولَهْ
وتعانق في وضَحِ العتمِ سبايا
قيل مرايا
قيل امرأة تدعى رابعة العدويّهْ
تحرثنا الأرضُ
ما أخصبنا
تمتم صوفيٌّ خبّأ مِنْجَلَهُ
قال: قرونُ الأرض قد امتدّتْ بين اللهِ وبيني
فلماذا أحملُ عَيْني؟
تحملها كي تبصر كيف قرون الأرض هوتْ
كيف المحراثُ يصلّي
«سبحاني ما أعظم شاني»
كيف الماءُ ينادي: أين الجبّةُ؟ أين أنا؟
كيف الجبّة تَخلع لابِسَها
وسرابُ العشقِ يُخادعنا
آهٍ ما أصْعَبَنا
نحن البدويّينْ
من صِفّين إلى حطّينْ
ذاكرةٌ
لم يتعبها هجرٌ ورحيلْ
غيمةُ قهرٍ
تمطر في نهْرٍ
سمَّوْهُ النّيلْ!

أُعيذُ ذُرى حورانَ من وقع صدمةٍ

أُعيذُ ذُرى حورانَ من وقع صدمةٍ
رويداً أبا منصور هذي منازلٌ
أتتركُها في كَرْبةٍ من زمانها
وأنت الذي مازلتَ غَوثاً لأهلِها
حملتَ همومَ الناس طبعاً وخَصلةًهنا صلخدُ العَليا ويَبكيك أهلُها
هنا جبلُ الريان حزنٌ مُخيِّمٌ
وهذي السُّويدا في عظيم مُصابها

زمانٌ تهاوى القومُ فيه كأنّهم
جسومٌ بلا رأسٍ يسوسُ ضَياعَها

أناجيكَ من دنيا يزول نعيمُها
وقد كنتَ فيها الكفَّ يسخو مُواسياً
فكَم في طِلابِ العلم وفّرتَ فرصةً
وغالبتَ ذا السّرطانَ مشفًى وعُدّةً
زرعتَ المكرُماتِ كلّ أرضٍ حَللتَها

ومن تَعَسِ الدنيا افتقاد ُ أماثلٍ
ستذكرُك الأزمانُ يا أنورَ النَّدى
تَغمّدَك الباري بما قد زرعتَهُ

ويجمعُها مع طَودِ لبنان جامعُ
على ساحة التاريخ منها وقائعُ
يحيطُ بها غازٍ وغاوٍ وطامعُ
على سَكَراتِ الموت والموتُ والِعُ
اذا عسَرَت حالٌ فأنت المُدافعُقلوبٌ هنا تَدمى وتهمي مدامعُ
يفيض على ما حولِه وهو خاشعُ
تهون لديها الصادماتُ الفواجع

بقيّةُ جيشٍ بعثرتهُ المعامعُ
وقد سادَ فيه المُفسدون الصنائعُ

كظلّ سحابٍ مزّعته الزوابعُ
لكلّ مريضٍ ضيَّمتهُ المواجعُ
لطلّابِ علمٍ اعجزتهم موانعُ
فِعالٌ لوجه الله والله شافعُ
لك البصَماتُ البيِّناتُ السواطعُ

غيابُهُمُ خُسرٌ مُبينٌ وفاجعُ
كريماً نبيلاً وأهباً لا يُضارَعُ
لانكَ راعي الخيرِ نِعْمَ المُزارعُ

 

لا للوجود

لو أوجدوا سكاكينَ

من وردٍ وعطرٍ مميز
لو صنعوا أسلحة ترش الكون

عطرَ ورد
ورائحة ريحان
لو صنعوا مسدسات

ترش الفكر في كل مكان
لو صنعوا قذائف من مسك وعنبر
يشتمها كل كائن فيصبح إنسان
لكان عالمنا أفضل . . .
فهنا مُتَّسع للجميع إذا أسميناه إنسان

*  *  *

لو صنعوا مسدّساً واحداً

لا يحمله سوى السلطان
وقيدوا يداه بمشاعر البسطاء
ورفعوا من حوله حدائق معلقة
وحجبوه عن الناس
وجعلوا في العالم شبعاً واحداً
يُلْغِي الحَاجَة للمال، للناس، للسلطان
لَبَقِيَ الكون سالماً
لا يعتري الفكر سوى النضج والخير

والعفوية ومحبة الرحمن…

*  *  *

قلْ لي ماذا أفعل يا ولدي ويولد في العالم
إنسان لا يشبه الإنسان
طماع جشع مريب
لا يفهم سوى لغة الموت

والآخرة والشهداء…
يقدس المكان والحجر

يقدس الموت

ولا يفهم سوى لغة قطع الأعناق
والاغتصاب…
هل من أجل هذا وُلدنا
أم من أجل رغد الحياة
ومتسع الفكر

وأفق التسامي لمحبة الإنسان

بِتُّ يا ولدي لا أفهم
فلا تقف في سبيل الجهلاء
وقف حتى لو كنت وحيداً
مع فكرك وقلبك النابض

بمحبة الإنسان محبة الإخوان

والرحيم الرحمن…

*  *  *

ثقافة و آداب

تقول الأساطير القديمة أنّ رجلاً في غابر الزمان من بني إسرائيل كان مُمَيَّزاً عن سواه أنّه بارٌّ بوالديه إطاعة وخشية. وقبيل وفاة …

كتاب هو عبارة عن بحث معمّق يتناول فيه مؤلفه الدكتور حاتم علامة، مسألة المعرفة في تحديداتها، ومدلولاتها، في أن تكون تارة نعمةً …

عنوانُ كتابٍ، هو عبارة عن بحث علمي، لمؤلّفه الدكتور Deepak Chopra، نقله إلى العربية، الأستاذ رجا أبو شقرا. احتلّ مرتبة الكتاب الأوسع …

بعضُ أهميَّة كتابات السيد بحر العلوم هو ما تمتع به من غنى موسوعي لجهة المادة، والتوثيق الدقيق لجهة المصادر والمراجع، والعَود باستمرار …

قليلةٌ جدّاً الشخصيات الفكريّة والأدبيّة التي شغلت الناس والنقَّاد في دنيا العربية وهي على قيد الحياة، ثم ظلَّت تشغلهم، بالمقدار نفسه، بعد …

شاعرٌ مِهجريٌّ، تألَّقَ في النَّظم باكراً، واستقامت له القريحةُ الشعريّة، فأعطى من نفسه وفكره ما طابت له موهبته، على غرار كبار الشعراء …

قليلةٌ جدّاً الشخصيات الفكريّة والأدبيّة التي شغلت الناس والنقَّاد في دنيا العربية وهي على قيد الحياة، ثم ظلَّت تشغلهم، بالمقدار نفسه، بعد …

سيتابع قارئ الضحى بدءاً من هذا العدد (36) قصة النجاح الشخصي والعلمي لسيّدات معروفيّات تمكنّ، بالجهد الشخصي والمثابرة والتشجيع من أسرهنّ ومجتمهنّ، …

أيها الشيخُ الجليلُ المقتدى شيخُ عَقْلٍ حَسْبُهُ أَعْمَالُهُ ناصراً للحقِّ دَوْماً، دِرْعَهُ ثَابتَ القلبِ على نَهْجِ الأُلَى في تَعَاطِيهِ، خَلُوقٌ، صادقٌ إذ …

أَتَيْتَ على نهجِ الأُلى سائراً عَلَوْتَ مقاماً أنتَ أهلٌ له جَمَعْتَ إلى التَوْحِيدِ إِحْسَانَهُ وَعَقْلُكَ مطبوعٌ على حِكْمَةٍ بَرَزْتَ أديباً، شاعراً مُبدعاً …

هي عبــرَ القرونِ كُشوفُ نورٍ ولــولا أنتَ شيخُ العقلِ قـِــدْماً فُطِـرْتَ نـزاهةً ووُهِبْـتَ عقلاً وبـالعلـم ارتقيــت إلى مَــراقٍ بـك اتّســمت فعـالٌ ســامياتٌ …

ياهذا الوجْدُ البدويُّ ألا أوْقِدْ ناركَ في برْدِ الليلِ في غفوة هذا الرّملِ في هذي العشيّهْ... This content is locked Login To …