الجمعة, أيار 3, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, أيار 3, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

أوقاف الدروز في التاريخ المعاصر

أوقاف الدروز في التاريخ المعاصر

الأمير السيد والشيخ أمين الدين وضعا أسسها
لكن الأهواء وضعف الإدارة عرقلا مسيرتها

تفاهم كمال جنبلاط الأمير مجيد أرسلان حسم الخلافات
وقانون 2006 وضع دستور مرحلة المؤسسات

اهتم الموحدون الدروز بالوقف كصدقة جارية، وطبقوا بشأنه نظمهم الاسلامية، ويعتبر الأمير السيد جمال الدين عبدالله التنوخي (ق)، أول من طبق مفهوم الوقف على نطاق واسع في الطائفة من خلال وقفيته المؤرخة سنة 884 هـ/ 1379 م، والتي سميت بالوقف التنوخي وشملت أموالاً معلومة، لمصلحة رجال الدين والمساكين والمهمشين. وسلك بعض المشايخ التقاة من الأعيان لاحقاً مسلك السيد الأمير، ومن أبرز هؤلاء الشيخ أحمد أمين الدين، الذي تولى مشيخة العقل وكان يتمتع بمكانة رفيعة في إمارة جبل لبنان. وقد أوصى الشيخ أمين الدين الذي توفي سنة 1224 هـ/ 1809م. بجميع أملاكه في عبيه والبنيه وغيرهما من قرى الشحار الغربي وقفاً لطائفة الموحدين الدروز، وهي أملاك واسعة تقدّر بمئات آلاف الأمتار. ومن هذه الأوقاف أنشئت مدرسة الداودية”.
هذا الوقف الخيري العام هو الأكبر مساحة، أما الأكبر من حيث القيمة المادية فهي أوقاف بيروت نظراً لأهمية العاصمة وللإرتفاع الكبير الذي طرأ على أسعار الأراضي فيها.
تشكّل الوقف الخيري عند الموحدين الدروز من هاتين الكتلتين الوقفيتين (الامير السيد والشيخ أمين الدين)، وتكمن أهميتهما في أنهما وضعتا وبحسب إرادة الواقف في تصرف مشيخة العقل.
أما الأوقاف الخيرية الأخرى، وبالرغم من كثرتها وتنوّعها وتوزّعها على مناطق جبل لبنان، فلم يكن لها دور مهم في مجتمع الموحدين الدروز، ومع أنها شكّلت قضية خلافية في زمن ادارتها، الا أن آثارها المادية والمعنوية بقيت محدودة ومن بين تلك الأوقاف وقف الشيخ ناصيف أبو شقرا من قرية عماطور الذي دوّن وصيته بخط يده سنة 1161ه/ 1748م، وزاد عليها ملحقاً سنة 1164 ه/ 1750م.
هذا بالإضافة إلى أوقاف ذرية حلّت مع الزمن. وخفت مع مرور الوقت الحماسة لإجراء الوقفيات المهمة وتباطأت حركة الوقف خصوصا بسبب الأوضاع التي سادت بين الستينات والتسعينات من القرن الماضي، إلى أن توقفت الوقفيات الجديدة بصورة شبه كلية، أضف إلى ذلك أن الأوقاف القائمة نفسها تعرّضت للإهمال بسبب غياب إدارة فعّالة لها ثم بسبب تراجع ثقافة الوقف، كما حصلت انقسامات وخلافات داخل الطائفة وأدت تلك النزاعات إلى وضع اليد على الأوقاف من قبل بعض المستثمرين، ورسمت تلك الأمور صورة على قدر من السلبية أثرت كثيراً في دعم الجمهور الدرزي للأوقاف.

إنشاء المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز:
كان التفاهم الذي تمّ في مطلع الستينات بين قطبي الطائفة كمال جنبلاط والأمير مجيد أرسلان واشترك فيه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ محمد أبو شقرا تطوراً إيجابياً مهماً بالنسبة لأوضاع الأوقاف، إذ تمكّن مجلس النواب اللبناني بسببه من إصدار قانوني 13 تموز 1962 اللذين نظما إنشاء “المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز”و “انتخاب شيخ عقل لطائفة الموحدين الدروز”. وأعطي المجلس المذهبي بموجب قانون العام 1962 في مادته الأولى حق “الإشراف على الأوقاف وعلى مؤسسات وجمعيات الطائفة الدرزية باستثناء خلوات البيّاضة التي أبقيت تحت إشراف وتصرف شيوخها.
وحمل القانون المشار إليه ما اعتبر في ذلك الوقت بداية التشريع لضبط الأوقاف ومعالجة حالة التسيب التي سادت لفترة من الزمن، إذ نصت المادة الثالثة من القانون على أنه”لا يجوز بيع أو شراء أو استبدال أو رهن أو تأجير جميع أو بعض الأوقاف العائدة للطائفة الدرزية، أو ايجاد حق عيني عليها أو تغيير بنائها من دون مصادقة المجلس”.
على الرغم من الاتفاق السياسي بشأن هذين القانونين فإنهما لم يستقبلا بالإجماع الذي كان مأمولا من الطائفة. فقد اعترض على القانون أولاً شيخ عقل الدروز الثاني الشيخ رشيد حماده وشاركه في الاعتراض متولي الأوقاف السيد عارف النكدي. ودعا الشيخ حمادة أبناء الطائفة الى مقاطعة انتخاب أعضاء المجلس المذهبي. أما النكدي فاعترض على “إهمال المدارس وبخاصة الداودية وإقحام المؤسسات الخيرية في قوانين عامة”. ويوم انتخاب المجلس المذهبي بتاريخ 23 تشرين الاول 1962 استقال عارف النكدي بموجب برقية معتبراً أن مهمته انتهت وأنه يقوم موقتاً بتصفية العلاقات التي تعود للأوقاف”، وبعد أخذ ورد قرر المجلس تعيين مدير عام جديد، واتخذت الاجراءات الإدارية الكفيلة بإحصاء الأوقاف العامة.
وقدمت دعاوى أمام القضاء المدني لتصحيح الملكية العقارية لعدد من العقارات، وصدرت أحكام ببعضها لصالح المجلس المذهبي وبعضها الآخر كان لا يزال قيد النظر حتى نهاية القرن العشرين، ومن المؤسسات التي أخرجت من حلبة التجاذب المدرسة الداودية وأوقافها والمدرسة المعنية.
استمر المجلس المذهبي المؤسس حسب قانون 1962 في إدارة الأوقاف العامة حتى سنة 1970 حيث تعذر إعادة تشكيله بطريقة الانتخاب لأسباب سياسية، كما شغر مركز المدير العام للأوقاف بعد 15 آذار 1992 وبالرغم من العثرات التي واجهت مشيخة العقل بشخص الشيخ محمد أبو شقرا، فقد كان هناك توافق ضمني ضمن الطائفة على الإبقاء على واقع الأوقاف العامة مجمداً بما فيه الدعاوى التي ينظر فيها القضاء المدني اللبناني.
وبعد وفاة الشيخ أبو شقرا سنة 1991 اختير الشيخ بهجت غيث، قائما مقام شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الذي كلف لجنة مؤقتة للأوقاف، الى أن صدر في 29 تشرين الثاني 1999 المرسوم الرقم 1767 الذي قضى بتأليف مجلس سمي “مجلس أمناء أوقاف الطائفة الدرزية” تمّ بموجبه نزع صلاحيات شيخ العقل من كل ما يتعلق بالأوقاف، ولكن هذا المرسوم طعن بدستوريته، فأبطل بعد سنة 2000.
بعد هذه المراحل المتقلبة في طائفة الموحدين الدروز وانعكاسها على “الأوقاف” التي غدت في حالة تجاذب مستمر، كان لا بد من اتخاذ قرارات حاسمة تنظمها. وجاءت الظروف الملائمة مع انتخاب المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز بتاريخ 24 حزيران 2006، والذي انتخب “لجنة الأوقاف الدرزية” التي أوكل اليها وضع استراتيجيّة متكاملة للاهتمام بهذه الأوقاف بعد إجراء مسح شامل لأنواعها، وتوزُّعها الجغرافي، وحاجات ترميمها، ومساحات الإفادة من الخدمات الممكن أن تقدّمها بغية تعزيزها، أو الاستثمار فيها في ما لو كان يحكمها الشلّل، الى إطلاق آلية تدقيق في المحفظة المالية لكلّ منها، وتسوية أوضاع ما بات يحتاج منها الى ترتيب قانوني أو إداري أو مالي مع إزالة التعديات حتماً عن تلك التي تعرّضت لذلك، والدّفع باتجاه استملاكات جديدة.
تسلّمت رئاسة المجلس المذهبي الدرزي ولجنة الاوقاف، من مجلس الأمناء وبلغت قيمة المحفوظات 1.307.103 دولار أميركي. كما تسلّمت من الشيخ سلمان عبد الخالق محفظة مليئة بالشؤون القانونية والدعاوى المتعلقة بتنظيم الأوقاف. أمّا الشيخ بهجت غيث، وفي مراجعة معه لمحفظته، أفاد بأنّ الاموال النقدية التي كانت في عهدته استعملت في تحسين مقام النبي أيوب عليه السلام والطريق المؤدية اليه، كما أن مشيخة العقل ولجنة الاوقاف تسلمتا مقام الست شعوانة (ر) ، ومقام النبي أيوب (ع)، ومقام الامير السيد عبدالله (ق)، وبقيت محفظة خاصة لمقام الامير السيد( ق) في عبيه بأمانة الشيخ أبو محمود سعيد فرج.

ن. ع.

ما هو الوقف

الوقف قانوناً هو تخصيص عقارات وأموال لنفع عيال الله الذين يستحقونه من رجال الدين والفقراء الذين يستحقون المساعدة. وهذا الوقف على نوعين: وقف عام ووقف ذري.
الوقف العام الخيري يبقى موقوفاً ليوم الدين ولا يمكن حلّه بأي طريقة. أما الوقف الذري، فهو عائلي حيث يقف أحد الناس مالاً ويمنع التصرف به لفترة. وينص القانون على انه مع انقضاء طبقتين (جيلين) من تاريخ وقف هذا المال أو العين يستطيع الورثة التقدم بدعوى حل الوقف الذري الى المحكمة المذهبية الدرزية، وتبلّغ الأوقاف العامة الدرزية بالدعوى التي تتمثل بها للاستفادة من حصة خيرية قيمتها 15 % من قيمة الوقف المنوي حلّه وتجيّر لنفع العموم.

العرس في راشيا وحاصبيا

العرس في راشيا وحاصبيا

جلب العروس على الفرس في لوحة عن العرس الدرزي في القرن الثامن عشر
جلب العروس على الفرس في لوحة عن العرس الدرزي في القرن الثامن عشر

حسرة على اندثار العرس القروي وأفراحه
وخروج المجوز والدبكة ومشاركة الناس

يتذكَّر المواطنون في منطقتي راشيا وحاصبيا أعراساً مضت بكثير من الحسرة. كانت المنطقة حتى عقدين ربما من الزمن ما زالت مصانة من منتجات المدنية المعاصرة وغزو الاستهلاك وقيم المباهاة. وكان الناس يتابعون إرث الأجداد في مناسبات الفرح، ويعيشون سعادة حقيقية في العرس القروي، الذي كان فعلاً مناسبة جامعة وفرصة للتعبير عن مشاعر المحبة والتآخي، وتأكيد قيم الرجولة التي يقوم عليها كيان الطائفة عبر الأجيال.
ماذا حدث إذاً حتى تبدَّلت الأوضاع؟ كيف قَبِلَ الناس خروج الدبكة والمجوز والعزيمة وتحدِّي رفع «العمدة”، وأخلوا بدلاً من ذلك بدعاً ومبتكرات، ليس فقط لا علاقة لها بالتراث، بل هي أيضاً مرهقة لأهل المناسبة، وباتت تُشكِّل عبئاً يدفع البعض لتأخير الزواج بانتظار أن يتدبَّر التكلفة فيجرؤ على دخول الميدان.

يتذكَّر الأستاذ نعمان الساحلي، مدير ثانوية الكفير الرسمية، كيف كان العرس مناسبة جامعة فعلاً يشارك فيها حتى رجال الدين الذين كان لهم القسط الأول في إجراء عقد الزواج، لكنهم كانوا أيضاً يتقدَّمون أهل العريس وأصدقاءه في المسيرة نحو منزل والد العروس، لتسير خلفهم مجموعة من الشباب بالحداء والأهازيج والتصفيق يرافقهم العريس والأهل والأصحاب.
كان أصدقاء العريس يأخذونه إلى مكان يُعرف بـ “جرن العريس”، حيث يشذِّب شعره ويستحمّ ليرتدي سروالاً جديداً، وغالباً ما يكون هذا السروال قد لبسه من قبل عرسان سابقون في البلدة، وكانت هذه الاستعدادات تتم على وقع الأهازيج والردّات السائدة آنذاك وتُعرف بـ “الترويدة”:
طلَّت الخيل وطلَّينا بأولها وإن أدبرت الخيل مكسّرها الرجاجيمة
وبعد الإنتهاء من ارتداء العريس لثيابه الجديدة، يقول أحد الشبان ردَّة حداء ما زالت تتردَّد حتى اليوم تقال لشقيق العريس:
فــــــــــــلان كــــــــــرّب عالفــــــــــرس عريسنــــــــــا جهــــــــــازو خلــــــــــص
يـــــا نجــــــوم بــــــي أعلــــــى سمــــا عـــــــــــــالأرض تعملــــــــــو حــــــــــرس
قبل استلام يد العروس كانت عائلتها تأتي بـ “العَمدة”، وهي عبارة عن جرن حجري لا يقل وزنه عن 50 كيلوغراماً وتضعه أمام العريس وتطلب منه أن يرفعه، وذلك لإثبات جدارته بالحصول على عروسهم، وتالياً أهليته للتقرُّب منهم والانتساب إليهم بالمصاهرة. وكانت هذه إحدى اللحظات الأكثر دراماتيكية وإثارة في حفل الزفاف، لأنَّ العريس يصبح في داخل حلقة واسعة من الشباب والكبار الذين يترقَّبون قيامه برفع الجرن. فإن قام بذلك علّت الأهازيج وهلَّل الجميع، وخصوصاً وفد عائلة العريس الذين يعتزون بالإنجاز الذي “بيض وجههم”، وعندها يتم تسليم العروس للعريس بكل طيبة خاطر. لكن كان العريس في بعض الحالات يفشل في رفع “العمدة”، وكان ذلك يعتبر نكسة لا بدّ من مواجهتها بسرعة. وكان ذلك يتم عبر التدخُّل الفوري لأحد المقرَّبين منه لإنقاذه من الموقف. وغالباً ما كان العريس غير الواثق من قدرته على التحدِّي يصطحب معه مجموعة من الشبان المعروفين بقوة البأس والذين يكون على أحدهم القيام بهذه المهمة إذا دعت الحاجة، لكن على الشاب أن يكون من عائلة العريس وليس أي شخص آخر. لأن المهم هو المعنى الرمزي لهذا الاختبار لدى أهل العروس، وهو أن العائلة التي تُصاهرنا عندها “رجال” يمكن أن يهبُّوا إلى نصرتها عند الحاجة.

المشايخ باتوا يتجنَّبون الحضور لأنهم لا يريدون أن يكونوا شهوداً على ما يحدث في أعراس اليوم

وهل حدث أن تراجع أهل العريس عن تسليم العروس في حال فشل العريس في رفع الجرن؟
نعم، يجيب الأستاذ الساحلي. مضيفاً: “حدث ذلك لكن في حالات قليلة عندما كان أهل العروس يمثلون أسرة عريقة أو ذات عنفوان وبأس، ولم يكونوا لذلك ليقبلوا أن يكون صهرهم العتيد أقل منهم شأناً في ميدان المروءة والفروسية، لأن “الصهر سند الظهر”، كما يقال. كما أن مجتمع الموحِّدين كان يقوم على مكارم الأخلاق وقيم الرجولة والشرف والعِفَّة والبنية الجسدية على اعتبار أن الأسر كانت تتخيَّر في أنسابها القَوي والعفيف، لأنها كانت ترى في ذلك ضمانة الحصول على ذرية قوية وصالحة تنتفع بها الجماعة في أوقات الحرب كما في أوقات السلم.
بعد وصول العروس إلى منزل العريس كان يأخذ بيدها ويبارك له الحضور. وعندها يدعو أهل العريس جميع الحضور إلى تناول الطعام، وغالباً ما كانت أرض الدار هي المائدة، فكان الخوان يوضع على الأرض ويجلس الناس متربعين أو على ركبهم لتناول طعام الفرح، وبعدها تبدأ التهاني ويعقد الشباب حلقات الدبكة ويتبارى بعضهم في غناء المعنّى والعتابا والميجانا. وهذه المشاركة غالباً ما كانت تغذِّي المواهب عند الناس في قول الشعر والمحافظة على تلك العادات. وكان العرس يستمرُّ أسبوعاً كاملاً يبدأ بـ “التعليلة” ليلة الجمعة ويستمر على امتداد الأسبوع، بحيث تشهد كل ليلة حلقات الدبكة والغناء والحداء والفرح على وقع المنجيرة والمجوز، وهي آلة طربية من القصب غالباً ما كانت ترتبط بالرعاة الذين كانوا يسلون أنفسهم بالعزف عليها وسط الطبيعة الخلاَّبة”.

كيف ينظر الأستاذ الساحلي إلى أعراس اليوم؟
يقول متنهداً: “شتّان ما بين الأمس واليوم! لقد زال الكثير من معالم العرس كما كنا نعرفه، وذلك بعد أن بدأ الناس يسيرون في ركب القيم المستوردة وحضارة المادة والتباهي، ويتخلون في سبيل تلك القشور عن العادات الشرقية والعربية، سواء في الشكل أم في المضمون. وقد تحوَّل العرس اليوم إلى حدث باهت لا روح فيه، وحلّت الموسيقى الصاخبة محل حنين المنجيرة وحلقات الرقص العفوي، وحلًت المطاعم بدل الولائم أو العزائم، وحلّ اللبس الغريب وغير المحتشم محل اللباس الراقي للأزمنة السابقة، وأخذت فِرَق الزفة وحركاتها البهلوانية محلَّ حلقات الدبكة الشعبية، وبات الفرح اليوم عبارة عن مهرجان يجلس فيه الناس على الكراسي بلا أية مشاركة أو دور حقيقي في المناسبة.

راشيا-التاريخ-أعيدوا-لها-عرسها
راشيا-التاريخ-أعيدوا-لها-عرسها

محمود فارس غزالي، الذي يقترب من عامه الـ 90، يعتبر أن أعراسنا أصبحت مناسبة جوفاء تهيمن عليها المزايدات والمظاهر الفارغة وتُلقي أعباءً كثيرة على كاهل العريس، الذي غالباً ما يرزح بسببها تحت وطأة الدين لإرضاء الناس.
يذكر غزالي كيف كان “جهاز العروس” في الماضي بسيطاً يوضع كله في صندوق يُعرف بـ “صندوق العروس” أو” الصندوق المطعّم”، وقد كان دولاب الثياب (الخزانة) في تلك الأيام غير معروف. وكانت العَمدة (أي تحدي رفع الجرن) هي التي تقرر معدن الرجال وأهليتهم لنيل العروس، بينما أصبح الشخص يأخذ عروسه هذه الأيام لا شروط إلاَّ شرط أن يكون لديه المال”.
يضيف غزالي أن جميع أبناء القرية كانوا يشاركون بعضهم بدافع المحبة، ولم يكن في المنازل البسيطة سوى إنتاج المنقول ( الزبيب والجوز واللوز والتين) وكانت الهدية هذا النحو، أي من حاضر البيت، فكان أصحاب المواشي المقتدرين مثلاً يقدِّمون للعريس أحد رؤوس الماشية ليصار إلى ذبحها وطهيها لتقدم إلى المعازيم؛ كما كانت الحلوة أو “التحلاية” بعد الغداء من إنتاج البيت (رز بحليب)، أما اليوم فقد أصبحت الهدية من وحي العصر شاملة بذلك الأدوات الكهربائية وصولاً إلى ضيافة البوظة.
من التقاليد المهمة والجميلة التي اندثرت “ليلة النقوط”، النقوط حين كان يصار إلى جمع المال للعريس من قِبَل الحاضرين كلٌّ حسب قدرته مع حفظ سجل بتلك التبرُّعات التي تصبح بمثابة “دين” على العريس عليه أن يوفيه إلى من يتزوَّج بعده من الحاضرين أو من أبنائهم. ومن التقاليد التي ذهبت أيضاً “الشوبشة”، حيث يقوم الأهل والأصدقاء بتقديم المال أو الذهب إلى العروس. أما اليوم، فقد أصبح سيد الموقف رقم حساب العريس في المصرف”.

السيد صالح نوفل، رئيس بلدية الكفير، يضيف القول بأن “نكهة الأعراس” اختلفت كثيراً. فالطبلة والمنجيرة والمجوز تلاشت لحساب آلات موسيقية مستوردة، أو موسيقى معلبة وصاخبة أو مبتذلة، و”هو ما يجعل بلدة الكفير تحنُّ إلى الماضي الذي يكاد يصبح صورة
شاحبة في الذاكرة”.
يقول: “إن المشاركة في العرس أصبحت اليوم رمزية ومن قبيل “المسايرة” أو الواجب، وقد تقلَّص عدد المحتفين، كما تحوّل الحفل إلى حفل لا يلائم مجتمعنا، حتى أننا نكاد نفقد تراثنا الشعبي الذي عاش معنا لمئات السنين”. وأخطر ما حصل في رأس رئيس بلدية الكفير هو الارتفاع الكبير في تكلفة العرس، حيث نرى متوسطي الحال يتماثلون بالميسورين والأغنياء فيلجأون إلى بيع بعض الممتلكات الثابتة لتغطية تكلفة العرس. وهذا الواقع قد يستدعي إقامة أعراس جماعية تساعد على خفض التكلفة. وختم بمطالبة السلطة الدينية لو تستطيع أن تكبح هذا الإفراط لما لقراراتها من رضى وقبول.

الأستاذ عامر عامر، من الخلوات حاصبيا، يستهجن “دخول الموسيقى الأجنبية إلى حياة الريف”، كما يلاحظ شيوع الاختلاط والكثير من البدع التي جعلت هناك انقساماً في المجتمع أزاء العرس بعد أن كانت المشاركة عمومية، بما في ذلك رجال الدين الذين كانوا يشاركون في حلقة الدبكة”. يضيف القول: “إن المزايدات أدخلت الناس في مرحلة الإفراط، إذ كانت مأدبة الغداء في السابق تقام من حواضر بيت الفلاح وكذلك “الضيافة”، حيث كانت مأدبة الطعام تمدّ أمام الناس على الأرض والكل يشارك. أما اليوم فإنَّ الميسورين الذين يزايدون في تقديم الضيافة والطعام، والكثيرون منهم يهدفون إلى إبراز ثرائهم وكسب الجاه، لكن هذا الأمر ينعكس سلباً على ذوي الدخل المحدود الذين يسعون إلى التماثل بهم”.

السيد حسن مدَّاح الذي ينظّم الشعر ويلقيه بدافع المحبة في المناسبات، وخصوصاً الأفراح، يقول عن أعراس اليوم: “رزق الله على أيام زمان” عندما كان أبناء منطقتنا فلاحين بمعظمهم والإمكانات المادية متواضعة، لأن تلك الأيام كانت تسودها المحبة والإلفة والنخوة. أما اليوم فإنهم يحاولون دفن ذاكرتنا وإخراجنا من ذواتنا وهويتنا”. مضيفاً: “في الماضي كان فرح العريس هو أيضاً فرح الناس، أما الآن فأصبحنا نأتي بمن يفرح عن الناس حيث تقوم فرق الزفَّة بتمثيل ما يفترض أن يقوم به أهل العريس وأصدقاؤه”. وأكد أنه يريد لحفل زفاف ابنه أن يكون على وقع التراث وبمشاركة ومباركة رجال الدين، وأن يسير الناس لجلب العروس على وقع الحدا والحوربة، بعيداً عن هذه البهرجة المزيَّفة والمصطنعة التي تبعدنا عن أصالتنا وتراثنا، لافتاً إلى أن إحدى أهم نتائج تدهور العرس الدرزي الأصيل، هو أننا خسرنا مشاركة المشايخ ومباركتهم للمناسبة، وقد باتوا يتجنَّبون حضور تلك المناسبات لأنهم لا يريدون أن يكونوا شهوداً على ما يحدث، خصوصاً زوال الحياء ومشاهد الفوضى بين النساء والرجال سواء في حلقات الدبكة أو الرقص، ناهيك عن المُسكرات التي لا يتوانى البعض عن تقديمها في المناسبة.
وختم بهذه الأبيات من الشعر:
الأفــــــراح نحن كلنـــــــــا نريدهــــــــا منمشي مثل ما قال عنها سيدها
بدنــــا المشايـــخ بالفـــرح يتدخَّلـــــوا حتــى عوايدنـــا القديمة نعيدهـــا

إن-رغبت-مصاهرتنا-فارفع-هذا-الجرن
إن-رغبت-مصاهرتنا-فارفع-هذا-الجرن

مراسم عقد الزواج في جبل العرب «بنــت الرجـــال ما بتتشــاور»

مراسم عقد الزواج في جبل العرب
«بنــت الرجـــال ما بتتشــاور»

من أهم عادات الفرح أو الأعراس في جبل العرب، عقد القران، الذي يقام في منزل والد العروس، وبحضور رجال الدين، وهو ما يسمى “العقد” أو “عقد المشايخ”. وفي هذا العقد تنيب العروس شاهداً عنها، كما ينيب العريس شاهداً عنه، ويدعى كل من الشاهدين “وكيلاً” ويذهب وكيل العروس إلى الغرفة الموجودة فيها العروس ويخاطبها علناً أمام نساء القرية: “والدك خطّبك لفلان إنتي شو بتقولي؟ فتجيبه العروس: “بنت الرجال ما بتتشاور”، وإذا كانت موافقة تقدم له سواراً فضياً علامة الموافقة، ولا يجوز أن يكون السوار من الذهب، للاعتقاد بأن الفضة ميمونة الطالع، وبعد عودة الوكيل بالسوار تبدأ مراسم عقد القران. وخلالها يجلس المأذون أو المكلف بعقد القران من رجال الدين مستقبلاً القبلة، ويجلس وكيل المخطوبة عن يمينه ووكيل الخطيب عن شماله، ويشبكان يديهما اليسريين مع بعضهما على طريقة التصافح بالأيدي، ويربطان إبهاميهما بسوار المخطوبة، ويغطيان يديهما بمنديلها حتى نهاية صورة العقد، ثم يستأذن الحضور بعقد القران.
يسأل المأذون بعقد القران وكيل الخطيبة قائلاً: “أنت وكيل الزوجة؟ يجيب: نعم، وأنت وكيل الزوج؟ يجيب الآخر: نعم، ثم يسأل وكيل الزوجة: أزوجت موكلتك فلانة بنت فلان، البنت البكر، “وإذا كانت المخطوبة متزوجة من قبل فيقال المرأة الثيب” البالغ الخالية من الموانع الشرعية لموكل هذا الرجل فلان بن فلان، على الشروط المتفق عليها من مهر متقدم كسوة لبدنها وإصلاحاً لشأنها، وصداق قد تراضيتم عليه إلى حين الطلاق والفراق على سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ يجيب نعم، وأنت رضيت؟ يجيب: “نعم”.
ويبدأ عقد القران بقراءة الفاتحة “الحمد لله رب العالمين”، ثم يكرر ثلاث مرات سورة “قل هو الله أحد”، ثم سورة “قل أعوذ برب الفلق”، وسورة “قل أعوذ برب الناس”، ثم الآية القرآنية “إنا أنزلناه في ليلة القدر”، ثم خطبة الزواج وهي “بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الخبير بما صنع، اللطيف بما بدع، الكريم بما أعطى ومنع، الذي وصل شمل المتباعدين وجمع، أحمده حمد من آمن بربوبيته وقنع، وسلامه وصلواته على رسوله وآله أئمة الهدى ومصابيح الدجى ما ترنم طائر وسجع، وسلم تسليماً ما أضاء صبح وبرق لمع.
أما بعد، فإن الله قد سن سنة الزواج وبثها وحللها، وجعلها سنة من سنن الأنبياء، وشرعة من شرع الصالحين الأتقياء، وصوناً عن الفحشاء، ووقاية من رب الأرض والسماء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا رهبانية في الإسلام”، وقال تعالى: “ومن كل شيء خلقنا زوجين”، “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودَّة ورحمة”، وقال تعالى: “والطيِّبات للطيِّبين والطيِّبون للطيِّبات”، فسبحان من جعل البعيد قريباً، والغريب صهراً ونسيباً، وقال سيد تهامة، المظلل بالغمامة، والمتوّج بتاج العز والبهاء والكرامة: “يا أمتي تزاوجوا تناسلوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة”، وقد صار اجتماعنا ها هنا لأمر قدره الله وقضاه، وحكم به وأمضاه، وقارنه بالسعد والتوفيق في أوله وأوسطه ومنتهاه، فأسأله تعالى أن يلقي بين الزوجين المحبة والوداد (وهنا يردد الحضور آمين بعد كل دعاء)، وأن يرزقهما النسل الصالح من الأولاد، وأن يريهما الأحفاد، وأن يوسّع عليهما الرزق، وأن يحفظهما من مكايد الخلق، وأن يبارك هذا العقد الميمون إن شاء الله”.
بعدها يقدّم أهل العريس الحلوى للحضور، رجالاً ونساء، ويتبادلون التهاني والتبريكات للعريس وأهله.

من أعلام بني معروف