الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, شباط 21, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الأمير شكيب أرسلان اللّغوي

يعتقد الأمير شكيب أرسلان اعتقاداً راسخاً بأن اللغة، أيّاً كان موطنها، تقوم على الحركة، وبالتالي فإن نموَّها يكون في مسالك الاستعمال. وهو يرى أن لهذا «الاستعمال اللغوي» مسلكين أو مظهرين اثنين : هما الكتابيّ والشفاهيّ. أما الأول فيشتمل على ما أثر وورد في الكتب القديمة شعراً أو نثراً، وكان عزوه، في النقل مباشرة، إلى أهل الجاهلية فالإسلام، وتدرّجاً إلى القرون التالية، تلك التي تميز نتاجها بمتانة التركيب، وفصاحة الكلمة، وأناقة الأسلوب. وأما الثاني فما يندرج في مسائل اللفظ المولّد، والعاميّ، أو ما روي عن الناطقين بالضاد، من أهل البوادي و سواهم، ودوّنه عنهم الكتبة.

ثم، إن مظهري هذا «الاستعمال» من الوجهة الغرضية، يعنيان الاهتمام باللغة، وهو مسلك إلى الحفاظ على شخصية مستعملي هذه اللغة، أو لنقل شخصية الأمة الناطقة بالعربية. ويمكن القول، إن هذا التوجّه يشكّل في عمقه دعوة إلى إحياء التراث، باعتباره المصدر الأصيل في تحقيق الأهداف التي تسعى إليها «الأمة» لتحديد معالم شخصيتها، وصولاً إلى مرحلة الرشد والإحياء. والأمير شكيب مؤمن أن بلوغ تلك المرحلة لا يمكن تحققه إلا بإيجاد الوسائل المفضية إليها، وأن الوسائل لا تخرج عن إطار الدراسات المباشرة لكنوز التراث، من قِبَل العلماء العرب، ﻓ «أسنى ما تخدم به هذه اللغة الشريفة، لهذا العهد، إثارة دفائن كنوزها، ونفض كنائن رموزها، واستخراج جواهرها التي أحرز منها النزر اليسير، وبقي الجمّ الكثير».

وهنا نتساءل: هل هذا التوجه، أو هذا الانصراف إلى الاعتناء بكنوز التراث، يتأتّى متوافقاً مع حالات الإحساس بالتحدي والشعور الذي كان يسري في داخل «الأمير» بأن هناك وضعاً غريباً تتعرض له اللغة العربية، أو لنقل «الأمة»، وأن أشكالاً دخيلة من الألفاظ، وصوراً من التراكيب، وأقداراً من التأثيرات تهدد كيان «الأمة»، وتعرّض وجودها للضياع أو الانحسار؟

في الإجابة عن هذا السؤال نعرض نصّين للأمير شكيب، عبّرا – بوضوح – عن مخاوف كبيرة يعيشها «الشرقيون» عموماً، سببها التوجّس من ناتج حملهم على «التغرّب».

“لو لم تشغله السياسة لكان هو أمير الشعراء لا شوقي.”
(الأديب والناقد اللبناني الكبير مارون عبود)

يقول في النصّ الأول: «فسواد الشرقيين ما برحوا، بالرغم ممّا يتدفق على الشرق من الغرب، منذ أول القرن الماضي من الأفكار والآراء والمناهج والأساليب والمؤثرات والعوامل المختلفة، يرتاحون إلى البقاء على القديم البالي، وإنهم يعتقدون فوق هذا، أن من أكبر مبتغيات الحكم الغربي حملهم على التغرّب عاداتٍ و مجتمعاً وعلى تبديل الموروث من منازعهم وأساليب معايشهم، الأمر الذي يحملهم على مقاومة التيار الغربي، ما استطاعوا إلى المقاومة سبيلا»1.

ويقول في النص الثاني، تعقيباً على مقال لمصطفى صادق الرافعي، عن «الجملة القرآنية»؛ بمقال عنوانه: «ما وراء الأكمة» : «منهم (أي المجدّدون) من يريدون هدم الأمة في لغتها وآدابها خدمةً لمبدأ الاستعمار الأوروبي، ومنهم من يشير باستعمال اللغة العامية بحجّة أنها أقرب إلى الأفهام. ولكن منهم من لا يحاول هدم الأمة في لغتها وآدابها، لا حبّاً باللغة والآداب، ولكن علماً باستحالة تنصّل العرب من لغتهم وآدابهم. ولذلك ترى هؤلاء دعاة إلى اللغة والآداب، على شرط أن لا يكون ثمة قرآنٌ ولا حديثٌ، وأن تكون الصبغةُ لا دينية. وحجتهم في ذلك حب التجدّد، وكون القرآن والحديث وكلمات السلف كلّها من القديم، الذي لا يتلاءم مع الروح العصرية في شيء (…)»٢.

ما حمله النصّان من توجّس تجاه ما يحمله «التغريب»، وما يدعو إليه «المجددون» من تغيير في ميادين أربعة، دار النزاع فيها، وهي : قضية تحرير المرآة، والزّي، والتعليم، والأدب واللغة، كل ذلك، غدا ينمو في أذهان «المحافظين» كصورة طموحة تغذّي خيالهم الاجتماعي للدفاع عن شخصية «الأمة» المهدّدة بالتغريب، ولا سيما الدفاع – بحماس – عن اللغة العربية، التي استُهدفت منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وتعرّضت إلى دعوات، يمكن حصرها في ثلاث مسائل: ونستعرض في الصفحات الآتية ما كتبه الأمير شكيب في ثلاث قضايا لغوية، هي:

  1. المطالبة بإصلاح قواعدها: ويطالب فريق آخر، بحجة صعوبتها بالتحول منها إلى العامية؛
  2. الكتابة: فيدعو البعض إلى إصلاح قواعدها، ويدعو بعض آخر، إلى التحوّل عنها إلى الحروف اللاتينية؛
  3. الأدب: فيدعو إلى تنشئة جيل يتذوق أساليب البيان الغربي وموضوعاته، في الوقت الذي يغضّون، فيه، من قدر التراث.

وهي، قضايا تندرج في إطار الدفاع عن التراث، وصون العربية، والعمل على ترقيتها، في آن.

  1. قضية تنقية اللغة من شوائب الزلل؛
  2. قضية «العامية»؛
  3. العمل على استثمار العاميات، من خلال الكشف عن جذورها، وتوظيفها في تيسير الفصحى من خلال كتابه «القول الفصل في ردّ العاميّ إلى الأصل»

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي