السبت, شباط 22, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, شباط 22, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الأمير شكيب أرسلان اللّغوي

قضية تنقية الفصحى من الخطأ

شغلت مسألة الأغلاط في اللغة، والدعوة إلى تنقية العربية الفصحى من شوائب الزلل والخطأ في الكتابة – منذ منتصف القرن التاسع عشر، واستمرت، على تقطّع، حتى العقد الثالث من القرن العشرين – بالَ عدد من اللغويين المحافظين، من أبرزهم ابراهيم اليازجي (۱۸٤٧-۱٩٠٦)، وأسعد داغر (۱۸٦٠-۱٩٥۳)، وجرجي شاهين عطية (توفي سنة ۱٩٤٦)، وابراهيم المنذر (۱۸٧٥-۱٩٥٠)، وأحمد رضا العاملي (۱۸٧٢-۱٩٥۳)، وعبد القادر المغربي (١۸٦٧-١٩٥٦)، وأمين ناصر الدين (۱۸٧٥-۱٩٥۳)، وكانت مادة انتقادهم ما يقع فيه المنشئون والمتأدبون من أخطاء، على صعيدي الكلمة المفردة، وتركيب الجملة، جاعلين من دراسة الأخطاء، وردّها إلى الصواب، مادة بحث لغوي – انتقادي، يهدف – في ما يهدف – إلى صيانة اللغة في ضبط أساليبها؛ وإلى نقد يشكّل البحث في حدّ ذاته محاولة قاموسية، يحصرون فيها ما يرونه مفيداً في استعمال الكلمات والعبارات العربية، وفق ما يستقونه من معايير تمدّهم بها كتب التراث العربي.

الشيخ ابراهيم اليازجي، لغوي وناقد وأديب لبناني.

وفي هذا الاتجاه تصبّ مجموعة نقود كتبها الشيخ ابراهيم اليازجي في مجلتي «البيان» و»الضياء» من العام ۱۸٩٧ إلى العام ۱٩٠٦، حيث أخذ يتعقّب كثيراً من التعابير التي استعملها بعض الكتّاب على صفحات الجرائد، أو بعض الأعمال الأدبية المنشورة، ثم جمع هذه المقالات في كتاب صغير، عنوانه «لغة الجرائد»3.

وقد تناوال اليازجي في نظراته «المصفية» لأساليب الكتّاب ما يزيد على أربعمئة لفظة وجملة، كان منها انتقاده الشاعر أحمد شوقي في روايته النثرية «عذراء الهند»، ورواية «آخر بني سراج» التي ترجمها الأمير شكيب أرسلان. ويذكر الأمير شكيب في كتابه «شوقي أو صداقة أربعين سنة»4، أن ابراهيم اليازجي لما اطّلع على رواية «عذراء الهند» لشوقي، كتب عنها فصلاً في مجلة «البيان»، وأنحى على شوقي بنقد شديد «تجاوز فيه الحدّ، وجار عن القصد. وتعقَّبه في ألفاظ وجمل، زعم أنها ممّا لا تجيزه قواعد العربية، وكأنه أراد أن يُسقط منزلة شوقي بين الأدباء»5. وكان أن انبرى الأمير شكيب للدفاع عن شوقي، مما أدّى إلى سجال بين «الأمير» واليازجي.

نسجّل ما دار من سجال بين ابراهيم اليازجي والأمير شكيب أرسلان، الملاحظات الآتية:

بالغ اليازجي في الغضّ من نثر شوقي، وجنح إلى تعميم الحكم إذ قال : «وعلى الجملة، فإن هذه الرواية كلّها غرائب. وأغرب ما في تلك الغرائب صدورها عن مثل المؤلف، على ما اشتهر به من التقدم في الأدب، وطول مزاولته لصناعة القلم. وما نحسبه إلا قصد مراعاة النظير بين موضوع الرواية وعبارتها حتى تكون كلها غريباّ في غريب». ويضيف اليازجي، بما يحطّ من منزلة شوقي في النثر : «وحقيقٌ بمن بلغ في أمر من الأمور منزلة يكون فيها من رؤساء أربابه أن لا يتصدّى للدخول في فئة ينزل فيها عن رتبته، ويُعَدّ بينهم آخراً. فإن إهمال بعض الأمر لا عيب فيه، إذ لا يتعيّن على المرء الاشتغال بالأمور كلها. ولكنّ العيب، كلّ العيب، على من انتحل أمراً وقصّر فيه».

وصواب ما سجّله الأمير على اليازجي من تناقض في مسألة التأويل والمجاز، ممّا عدّه أرسلان تعنّتاً وتضييقاً على اللغة، ومخالفة لما جاء في مقالته (= اليازجي) «اللغة والعصر»، حيث يقول «إن لكلّ عصر لغته، كما أن لكلّ عصر أهله. وإنما اللغة لمن أفضت إليه وكانت في عهده، وربّها هو المتأخر الذي به حياتها، والذي إنما يتخذها للعبارة عن أحواله وأغراضه، لا المتقدم الذي قد درج ودرجت أحواله معه. فنحن الآن منزلون منها منزلة المتقدمين بعينها، ونحن وَهُم في أمر الوضع سواء، نصرّف أَعِنَّتها كيف شئنا وشاءت حالة العصر..»6.

فالأمير شكيب، مَعنيٌّ بواقع تطور اللغة، قولاً وفعلاً، وهو شديد التفريق بين معيارية، يتحدث عنها اليازجي، أي الالتزام؛ «بمتابعة سُنن القدامى، والضرب على قوالبهم، بحيث تتساوق أوضاعنا وأوضاعهم على طريق واحد، ويتفق صداها على نغم، لا يختلف»، ومعيارية جامدة، لا تستجيب لما حولها من دواعي النماء، كما هو حال تعنّت اليازجي في بعض نقوده. ولهذا السبب، يرى الأمير شكيب تهافت تصويبات كثيرة سجّلها اليازجي في «لغة الجرائد»، لكونه «مولَّعاً بالتعنّت، متهافتاً على التنقّص، ضيِّق العَطَن (مقبوض الذراع، كثير الادّعاء)، لا يتردد عن تحجير الواسع مهما اتّسع. وكان إذا لم يطّلع على مسألة من المسائل، نفاها عن العربية، وإن لم يجد في المعاجم المعروفة بين أيدينا لفظاً من الألفاظ يسجّل بأنه ليس بعربي. ولم يتنبّه إلى أن اللغة بحر، لا ساحل له، وأن تحجير الواسع في العربية ضربٌ من العبث، وأنه ما انتُقدَت عبارة إلا رُدَّ عليها بتخريج»7.

لكنْ، إذا استثنينا هذا الملحظ في مسألة الدلالة، ووعي الأمير شكيب لواقع تطورها، وموضوعيته في الرد على المسائل التي انتقدها اليازجي، فإننا نجد في مجمل السجال عودة إلى نهج النقد المعياري الجزئي، الذي وسم نقود الكثير من المحافظين، وقتذاك، وأدخل قسماً من مساجلاتهم اللغوية في ما يشبه المماحكة، التي لم تقدم منهجاً قابلاً للتطور، إلا في ما يغني المعيارية.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي