السبت, نيسان 12, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, نيسان 12, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الأمير شكيب أرسلان ودوره في النهضة الحديثة لليمن

الحضور السياسي والفكري

إذا كنا نميل إلى الاستنتاج أن مبادرات الأمير واقتراحاته وعلاقته المباشرة وغير المباشرة مع الإمام ومندوبيه لم تلق صدى فاعلاً دائما فهذا يعود إلى شخصية الإمام وإلى سياسته التي ظل يسير عليها رغم مجموعة المتغيرات. وكان من المأمول أن ينصرف إلى بناء أسس الدولة بعد التوقيع على الاتفاقين مع ابن سعود ومع البريطانيين عام ١٩٣٤م. ولكن هذا الأمر زاده شكاً وحذراً وقد يكون يأساً من كل غريب، سواء كان أجنبياً أو حتى عربياً!

والكتابات اليمنية المعاصرة لتلك الفترة والأقوال المنقولة عن المعاصرين تنم عن كره واجتناب لكل تعامل مع الدول، إلا من باب المسايرة والحاجة الضرورية وهذا ما حصل في علاقته مع إيطاليا مثلاً، ولم يكن الأمير شكيب بعيداً عن معرفة طابع الإمام لكنّه بقي على تواصل معه.

لكن رياح التغيير بدأت تجري في اليمن عكس ما انتهجه الإمام. فقد أصبحت مدينة عدن مقصداً للعلم والتجارة وللكسب وحتى هرباً من حكم الإمام. كما أن أوائل الصحافة والأقلام النيرة بدأت تطلع من هناك. وكان الأمير على تواصل مع الحركة الفكرية والسياسية هناك ‎وفي طليعتها رائد النهضة الثقافية محمد علي لقمان (١٨٨٩-١٩٦٦م) مؤسس النوادي الأدبية ثم ناشر جريدة “فتاة الجزيرة” التي بث من خلالها صوته الفكري والسياسي وكان يجمع في نواديه ودارته أحرار اليمن وأدباءها من صنعاء وتعز وحضرموت. وقد أطلق الأمير على السيد لقمان لقب “فخر اليمن” كما يقول د. محمد أبو بكر حميد.

كذلك زاد التفاعل مع مدينة القاهرة عن طريق الصحافة وبعض المراسلات وخروج عدد من اليمنيين إلى الاغتراب خاصة سفر الحضارمة إلى جزر اندونيسيا، حيث استقرت جاليات هناك وساهمت سابقاً في نشر الدين الإسلامي في تلك الجزر. وحين نشأ خلاف بين الحضارمة أبناء المذهب الواحد على مرجعية وأهمية البيت العلوي كتب الأمير مقالة في جريدة «الفتح» المصرية عن فتنة الحضارم شارك فيه في إطفاء الخلاف القائم ودعا هو ورشيد رضا إلى وحدة صف المسلمين التي هي فريضة تقدم على كل خلاف فرعي. وبدأ الأمير التواصل مع الشاعر الحضرمي الشاب علي أحمد باكثير الذي وصل إلى القاهرة 1934م وبدأ مشواره الأدبي والروائي والمسرحي فقد كان باكثير يعتبر الأمير شكيب والسيد محمد رشيد رضا مجددي فكر وسيرة عبد الرحمن الكواكبي والإمام محمد عبده. وبدأ بعض المتنورين خاصة في لواء تعزّ وضواحيها يتلاقون ويتعارفون ويتبادلون الأفكار ويعرضون المآسي. وهذا ما يتحدث عنه الأستاذ أحمد محمد نعمان في كتاب «المذكرات». ويذكر عن لقائه بالأمير شكيب في القاهرة قبيل الحرب العالمية الثانية وكيف أعجب الأمير شكيب بلغته الفصحى التي كان ملزماً بالتكلم فيها وعرض عليه أن يذهب معه إلى سويسرا لتعليم أبنائه اللغة العربية. غير أن ظروفاً خاصة بالسيد نعمان حالت دون ذلك. ثم يعود الأستاذ نعمان الذي أصبح سياسياً ومناضلاً ليكون خطيباً في ذكرى الأمير شكيب عام 1957م بمناسبة الاحتفال الذي أقامته الجامعة العربية في القاهرة في الذكرى العاشرة لوفاته، فيذكر بتأثير أفكاره على إيقاظ اليمن وعلى دوره في إنارة مشعل الوحدة العربية.

ولم تلبث أن تحولت شكاوى المتنورين ومعاناتهم ومعاناة ذويهم إلى الاقتناع بصعوبة الإصلاح طالما أن الإمام ينتهج هذه السياسة وبدأت تتشكل الجماعات السرية وتنتشر الكتابات والأشعار في الصحافة التي تطلق من عدن والقاهرة. حتى أن بعض هؤلاء المعترضين الأحرار أمثال زيد الموشكي وأحمد الشامي والشاعر محمود الزبيري وأحمد محمد نعمان الذين كانوا على تواصل مع شخصيات النهضة العربية في مصر وفي بلاد الشام، وجدوا في عدد من أفراد عائلة حميد الدين الحاكمة وبعض نواب الإمام أملاً ودعماً وميلاً إلى تقييد صلاحيات الإمام.

وإذا لم نجد آثاراً مكتوبة أو موثقة عن أثر الأمير شكيب على هذه الشخصيات أو على الجيل الذي كان على علاقة مباشرة أو غير مباشرة عبر كتبه ومقالاته ورسائله، فقد كان اسمه على كل شفة ولسان، هو وعبد العزيز الثعالبي (صاحب كتاب الرحلة اليمنية) وبعض الشخصيات العربية. كما أنه من المرجح أن تتضمن وثائق الأمير عدداً من الرسائل والمقالات مع ذوي الشأن الفكري ‏والسياسي في اليمن آنذاك ولم تنشر بعد.. ويوجز الدكتور عبد العزيز المقالح هذا الحضور بأن الأمير ‏ شكيب كان رائد التحديث في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي وكان له دور في إيقاظ جيل أو أكثر من سباته. وقد طالب بأفكار التحديث الصحافة والقضاء والتعليم وكذلك تدريب الجيش. حتى أن بعض الآباء المنفتحين آنذاك سموا أبناءهم على أسماء هذه الشخصيات أمثال شكيب وعبد العزيز (وهو من بينهم) وقد لبّى الدكتور المقالح مشكوراً تمنّي الدار التقدمية بالتقديم لديوان الأمير شكيب حين تمّت إعادة نشره.. وذلك تقديراً وتذكيراً بالأثر الذي كان للأمير في بلاد اليمن في الماضي.

وحين تأسست جامعة الدول العربية، وكان اليمن بحاكمه المنفرد أحد الأعضاء المؤسسين عاد مجلس الجامعة إلى اقتراحات الأمير شكيب وعرض على الإمام إرسال بعثات طلابية يمنية إلى البلاد العربية مثل مصر ولبنان وسوريا والعراق لتلقي العلوم والخبرات كما أرسل موظفين عرباً إلى بلاط الإمام لفك العزلة عن اليمن وتدريب طاقات شابة وتعريف العالم باليمن خاصة بعد دخوله عضوية الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

أخيراً كان لا بد من انتظار عام 1948م ليقوم هؤلاء الأحرار بالتعاون مع بعض أفراد العائلة الحاكمة وخاصة عبدالله الوزير نائب الإمام في تهامة والحديدة وصديق الأمير شكيب ليقوموا بانقلاب على الإمام سموه انقلاباً دستورياً، لكنّه لم ينجح فقتل الإمام يحيى واستلم الإمام أحمد مقاليد الإمامة مكان والده ونكّل بالانقلابيين وبالمقربين بعد أن فرّ عدد منهم وسجن عدداً آخر من هؤلاء الأحرار كما سيكون انقلاب عام 1948م الانطلاقة الأولى لمجموعة تحركات سياسية وعسكرية أهمها عام 1955م ضد حكم الإمامة الاستبدادي حتى قيام حركة الضباط في أيلول من عام 1962م وتحول اليمن إلى الحكم الجمهوري.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي