الأحد, أيار 5, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأحد, أيار 5, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

محمّد قبلان رضوان

وُلِد محمدّ رضوان عام 1942 ودرس المرحلة الثانوية في السويداء، في ثانوية الأمير شكيب أرسلان، ومن ثمّ درس الفلسفة في جامعة دمشق، وانقطع عن الدراسة في السنة الثالثة بسبب الظروف المادية الصعبة التي كانت تواجه الأسرة.
ظهرت مواهبه الأدبية مُبَكّراً منذ المرحلة الإعداديّة حيث كان يكتب الشعر والقصة القصيرة…
في عامه الثلاثين حصل على وظيفة في المؤسسة الاستهلاكية في السويداء، وبقي فيها إلى أن تقاعد عام 2001.
عُرِف بنشاطه الاجتماعي والثقافي والأدبي الملحوظ في السويداء، وانتسب فيما بعد إلى اتحاد الكتاب العرب.

  1. أوّل إصداراته الأدبية كانت عام 1994 كتاب «السؤال والإجابة المستحيلة»، دراسة نقديّة، تناول فيها روايات لكتّاب عرب تدور أحداثها في أوروبا، منهم المصري، توفيق الحكيم في «عصفور من الشرق»، والسوداني، الطّيب صالح في «موسم الهجرة إلى الشمال»،… وكتب بعمق في أدب نجيب محفوظ عموماً، كما تناول بالنقد الأدب الصهيوني، ورواية خربة خزعة لـ يزهار سيملانسكي…
  2. مملكة الجحيم، 2001، دراسة في الشعر العربي المعاصر (الحكاية نموذجاً)، تناول فيها الحكاية عند صلاح عبد الصبور وأمل دنقل وأدونيس وعبد الوهاب البياتي ومحمود درويش، وسعدي يوسف والسيّاب.
  3. محنة الذات بين السلطة والقبيلة، 2002، درس فيها أشكال القمع في الرواية العربية.
  4. المساء الأخير، 2002، فازت مناصفة بالمرتبة الأولى بجائزة المزرعة للإبداع الأدبي والفني التي يرعاها المهندس المغترب يحيى القضماني، الذي يقول في غاية الجائزة: «إني أحترم الفنون بأشكالها كافّة، فأصحابها لا يتقاضَوْن إلّا العذاب والقلق والترقب»… وتبرير الجائزة أنّ الروائي (محمّد قبلان رضوان) امتلك الموهبة الواضحة والقدرة «على المُماهاة بين سيرة بطله «سليمان» وسيرورة الواقع العربي فيما بعد السبعينيّات من القرن الفائت»…
  5. رواية البراري، حيث تنتهي الرواية لتي تتناول الحياة العامة للرجال والنساء لمجتمع الجبل ضد المحتلّين وكفاحهم من أجل استقلال سورية بأسلوب أدبي روائي شيِّق إلى خيبات أمل لأبطالها عشية العقد الثالث من القرن الماضي. وحده، كان الشيخ زيدان، ولعلّه يرمز إلى روح المجتمع، يستمد القوة والأمل في عودة أزهاره من غربة مجهولة غامضة.. لا حدود لها.
  6. أعمدة الغبار، 2008، يحاور محمّد قبلان تاريخ مجتمعه، ويوثّقه أدبيّاً، لكن البطولات في مواجهة العدو تخلص في النهاية إلى عدم الرضى عن الاستقلال المسروق (ص 441)، وإلى موت الأحبّة (446)، والإحساس بالخيبة والانكسار (ص 438) …
  7. التجريب وتحولات السرد في الرواية السوريّة، 2013. في هذا الكتاب تناول أديبنا بالنقد الجاد عشرات الروايات، وقد اكتمل ناقداً أدبيّاً في عمله هذا، ويخلص إلى القول: «… فالرواية العربية باعتبارها رواية تجريبية استطاعت أن تحقّق ثراءً فنيًّا متميّزاً بعد خروجها من القميص البلزاكي وتلامذته، لاسيّما خلال الربع الأخير من القرن العشرين ومطلع هذا القرن، حيث تمكّنت على يد جيل طموح توّاق إلى التجديد والتجاوز، من ملامح تجربة إبداعية وسرديّة متكاملة منشغلة بتكريس خطاب روائي مهووس بالبحث عن أشكال غنيّة وفضاءات تعبيريّة جديدة غير مألوفة وغير تقليديّة.
  8. زائر الليل، 2014، صدرت الرواية عن اتحاد الكتاب العرب. تناولت العلاقات الاجتماعية المعقدة في مرحلة ما بعد الاستقلال وما رافقها من صراعات ومخاضات شتّى حيث «لا يوجد كائن في المدينة والجبل دون انتماء إلى حزب أو عائلة أو زعيم في ظل فوضى المناخ السياسي الذي اتّسع وتفاقم في عهد الدكتاتور. الزعماء والبكوات وشيوخ القرى والبلدات ارتَدَوْا أقنعة جديدة في انتمائهم إلى أحزاب تحمي تعسّفهم واستبدادهم»….
  9. كائنات الخراب، 2018، رواية تنضح بالقلق، والخسران، تعود بداية أحداثها إلى زمن حكم الدكتاتور الشيشكلي. شرطة السلطة يبحثون عن الأب فيسجنون الأم والابن 12 سنة ومن ثمّ يقبضون على الأب. قلق عام يلف أحداث الرواية التي يسوق الكاتب أحداثها ببراعة، وينتهي الروي بعد أكثر من مئتي صفحة بأفق مسدود، يقول بطل الرواية: «.. ومع نهاية الصيف شحّت نقودي وانسدّت أمامي السُّبُل والأسوأ من ذلك أني تخلّيت عن البحث عن «فراس» وأقنعت نفسي مع مرور الأيام أنّه مات سواء أكان مفقوداً أم مُعْتَقلاً أم هارباً خارج البلاد، وشيئاً فشيئاً بدأت ألاحظ أنّ آلامي تتلاشى ونقودي تنفذ ولم يعد أمامي سوى العودة إلى الديار لأبدأ ما بدأت به «سراب»، وانتهت إليه».
  10. دموع الآلهة، 2019، يقول محمّد في صدر روايته: «في روايتي هذه، كما في رواياتي السابقة، أحاول أن أحرّر التاريخ من قدسيّتهِ الزائفة، وأمنحه مساحة من الحرّية». وبهذا يبرز أديبنا صاحب رسالة أدبية وفكرية ومجتمعيّة….

يبدو محمّد رضوان في روايته الأخيرة، وقد أحسّ بدنوّ أجله، أنّه أرادها بصمة راسخة وضربة معلّم في تاريخ الأدب في محافظة السويداء، فالرواية توثيق أدبي مرتبط بوقائع حياة مجتمع الجبل منذ جذوره الأولى في جبل لبنان، حيث قادت الصراعات المحليّة والدوليّة إلى تشظي المجتمع هناك، وبالتالي التهجير إلى جبل دروز حوران (كما دُعِيَ سابقاً) …
أبطاله من رجال ونساء يواجهون أقدارهم ببسالة ورضى عن المصير المرّ، يستمتعون بحيواتهم، يكتئبون، ويُحبَطون، لكنّهم لا ينهزمون، وتستمرُّ الحياة نابضة بقوّة عبر دورة غلّابة من القهر التاريخي…
شخصيّة «الربّان» في دموع «الآلهة» تكاد تذكّرنا بشخصيّة «الجبلاوي» في رواية «أولاد حارتنا لـ «نجيب محفوظ»….
أدب محمّد رضوان أدب مُفعَم بالاحتجاج والغضب الكامن من مجريات الواقع والتاريخ، وسيحتاج مستقبَلاً إلى نقّاد كبار مختصين للبحث فيه.

[Best_Wordpress_Gallery id=”25″ gal_title=”محمد قبلان رضوان”]

الفيلسوف جُبران خَليل جُبران

لم أشـأ أن أكتب إلّا ذاتي عندما أكتب عن جبران فقد تغلغل في ثنايا فكري، ثورة تنادي للحرية، صرخة تسكب حناناً على جائع بائس، جرأة تزيل القناع عن وجوه بشريّة ممسوخة من الداخل تسكنها الشياطين والغرائز فلا يوفّرها في أي مقام كانت وأي جاه تستّرت به، جبران يا وجدان وطن ما زال يعاني، ويا ضمير أمّة انتهك حرمتها الأقوياء وسخرّوها لمآرب وأطماع. كلمتك لا تموت ولا يحتويها الزمن ويبخّرها، فقد كنت بكل جيل نهضة، وإنسانية وحقاً، والحق لا يموت، رأيت فيك لبنان، لبنان الخير والجمال، لبنان الألم، لبنان الصبر والعزم والإيمان، لبنان الأصالة، فأزفّها كلمة ثقة بريئة شفافة لكل أبنائنا وأقولها: أقرأوا لجبران، جبران أنتم بكل أبعاد الذات المنيرة المستنيرة، عبقري من بلادكم حمل عبقريتها إلى بلاد الاغتراب فكبُر وطنكم الصغير به، وأصبحنا نُعرَف ببلد جبران! تلك النفس الأبية المعطاء التي ما دنستها المادة ولا استهوتها الإغراءات ولا نالت منها الذاتية والأنانية، تلك النفس التي سكنتها الروح الكونية فتماهت مع كل عناصر الطبيعة، ومع الإنسان حيث كان، فما استكانت ولا ملّت ولا تعبت ولا تغيرت أو ترددت بحكم تقلبات الزمان والمكان، وإذ قال جبران: «وجه أمي وجه أمتي» أُحرِّف وأعدِّل وأقول: وجه جبران وجه أمتي، كما يجب أن يكون وكما أريده أن يكون وكما هو حقاً إن تُرك على عفويته دون كل تلك المحاولات التي تعمل لتسلبنا أصالتنا. جبران القيمة الإنسانية بحق والتي لا تضاهي، تلك العدالة الاجتماعية التي لا تساوم فلا تمايز ولا تمييز، فالكل أبناء الله وللكل الحق في الحياة… وكأنّه عاش آلام البشرية كافّة، آلام الطبيعة المخضَّبة بالدماء أثر الحروب وآهات المعذبين، آهات المسيح بالذات «مساء العيد» والناس في غرورهم قد ابتعدوا عن رسالة صاحب العيد: «العالم يردد اسمي والتقاليد التي حكتها الأيام حول اسمي، أمّا أنا فغريب أطوف تائهاً في مغارب الأرض ومشارقها، وليس بين الشعوب من يعرف حقيقتي» يا ليتهم يعرفون ليكون لنا السلام المُرتجى، وأتساءل ألم يكن لجبران ليلاً أو نهاراً أو لخطاب يعيشه لذاته بل كلّه بوح المقهورين والمعذَّبين، والجياع، والتصدي لمبعثها، ومسبّبها، فهل يضيع الصوت الصارخ. وينعدم الصدى؟ كلّا، ابن لبنان، يا بن الأرز، يا بن الوطن الجريح فقد عهدت للمحبة أن تفعل فعلها والمحبّة لا تسقط، ولا تخيب، المحبة هي الله عزّ وجل فأتناولها اختصاراً لكل ما أتحفتَنا به رغم أنّه يحلو لي أن أكتب في كل ما كتبت، وألتقي، وأكرّر أن أسأل قومي أن يقرأوا لك، فحرام على من لا يقرأ جبران ويهدي إلى سبيله الفيّاض المعطاء، إلى رسالته المنتصرة دوماً وأبداً، «حلقة تصل بين هذا العالم والآتي» والمحبة تلك الذخيرة، الشعلة الملهبة في قبله كانت المصدر والأساس لهذا التفاعل بلا حدود مع كل ما وهب الله، وخلق فهي هو وهو في ذات جبران، فلا ينكرن أحد لفيضها «فاتبعوها» «أطيعوها» «صدقوها» تحرركم أتقياء جديرين «بمائدة الرب المقدسة»، حقّاً بدون محبة لا طريق إلى الله وهي التي ترتفع بنا إلى قلب الله حيث هي منزّهة تعطي وتأخذ من نفسها فقط مُنعَتقة من التملُّك والتّمليك، مكتفية بذاتها لأنّها أكبر من كل ما عداها، مغتبطة بها دوماً وأبداً، شاكرة معها تسير، ومعها تعطي ومعها تعمل تلك المحبة التي أراني أعيش نشوتها صلاة إن في كِلَمِ جبران أو صوت فيروز واللحن، وأتصوّر مشاعر جبران وخياله النابض بها يجول كلّ الآفاق، ويخترق كلّ الحواجز متواجداً في مكان محدد ومع المحبّة في كلّ مكان! فسبحان من أعطى ووهب، وتباركت يا جبران يا نعمة من نعم الله، دخلت تراثنا المجيد، وبعد مئة وخمسة وعشرين عاماً أقولها: مبارك تاريخ ولادتك فيك ولنذكر تاريخ المولد دون ذكر الوفاة لأن في الواقع لا ولم تغب، ديمومة أنت في ما أعطيت وتبقى، ويبقى لبنان خلوداً فلهُ ولك ولأمثالك تضاء الشموع.

كلمة سماحة شيخ العقل رئيس المجلس المذهبي بمناسبة عيد الفطر السعيد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالَمين، والصَّلاةُ والسَّلام على خاتم النبيين سيِّد الـمُرسَلين، وآله وصحبه أجمعين، وعلى كافة الأنبياء والمرسلين.

تَطيبُ غُـرَّةُ شوّال إذ يبلغُها الـمُؤمنُ محـقِّــقاً غايةَ الصَّوم. وكان بالصِّدقِ في سلوكِه واعتقادِه وطاعاتِه وتقـــواه قد تيقَّن أنَّ الصَّبْرَ على الجوع والظمأ إلى حِين ما هو إلَّا ذريعة لتهذِيبِ النَّفس وتزكيتِها تحقيقاً لرياضَتِها في رحابِ الحقّ. وهو صبْرٌ في محلِّ الحمْدِ والرِّضى بما أنعمَ الله به على عبادِه في الشهر الـمُبارك من فضلٍ هو بدوره في مَـحَلِّ استدراكِ الخيْر لأغلى ما وُهِب للإنسان أي الرُّوح. والهدى في الرُّوح نورٌ يُـنبِّـــهُ النَّفسَ عمَّا يُرديها في غياهب الجهل والشرِّ والنِّفاق وكلّ ما هو مذمومٌ ومخالِف لحدُود الشَّرع. وكُرِّم الشَّهرُ بمسالِكِ الصَّوم إذ هي ذرائع لاستقرار النَّفس في التقوى ومحامِدِ الحمد واستشعار معنى أنَّ ﴿ذَلِكَ الكتابُ لَا ريْبَ فيهِ هُدًى للـمُتَّـقِينَ﴾ (البقرة 2)، ﴿وَقالوا الحمدُ للهِ الَّذي هدَانَا لهَذا ومَا كنَّا لِنهتدِي لوْلا أنْ هدانَا الله﴾ (الأعراف 43).

والفِطـرُ، في مقامِ حِفظِ النِّعمة بأداء واجب شُكرها بالعملِ الـمُخلِص، يُوازي امتثالَ ما في الثَّوابِ من بُشرى بها ﴿يَستبْشِرونَ بنِعمةٍ منَ الله وفَضلٍ وأنَّ الله لا يُضِيعُ أجْرَ المؤمِنِين﴾ (آل عمران 171). وهذه كلُّها مقوِّمات الوجُود في مجتمعٍ إسلاميّ سليم، ولا يُتَصَوَّرُ قيامُ أمَّةٍ مع الدُّخُول في التباساتِ التناقُضِ بين قواعد الإيمان القلبيّ وبين الممارسة الإجتماعيَّة فوق أرض الوقائع والأحداث. إنَّ الدَّرسَ العظيم من كلِّ ما يُعلِّمُه الكتابُ الـمُكـرَّمُ الشَّريف هو امتثالُ الغايةِ السَّاميةِ منَ الإيمانِ الـمُحقَّق بالأفعال وصِدق المعاملات وارتباطِ الحركاتِ والسَّكَناتِ بما هي القِـــيَم المؤسِّسة لكلِّ خيْر والمرتبطة ارتباطاً تأسيسيّاً ببُنيات المجتمعات الساعية إلى عيْشٍ كريم تكون ضماناته، فضلًا عمّا سبق، التزاماً إنسانيّاً دستوريّاً برُوح القوانين أي بالعدل والمساواة وحفظ الحقوق واحترام الواجبات وصوناً للحرِّيّات التي تميِّزُ تمييزاً حازماً بين ما هو كرامة الحياة وما هو الانزلاق في فوضى الابتذال.

ونحنُ، في لبنان علينا تفعيل الجهود واحياء كل المقوِّمات للنهوض من بـُــؤر الاهتراء والترهُّل والغاء استثمار الوظيفة السياسية ومحو تعزيزات الفضاءات الخاصَّة للمصالح ومحاسبة الثراء غير المشروع واستخدام السلطة لامتلاك أدوات النفوذ.

وعلى هذا، ومهما كان الرأي في الجهود المبذولة للعثور على منافذ الخروج من المأزق المتعدِّد الوجوه، ومهما تعدَّدت وتضاربت التقييمات في النَّظر إليها، فإنَّ لبنان الموضوع في حالةِ طوارئ في مستوًى مقلِق من الخطورة بحاجةٍ إلى ارتقاء كلّ مسؤول فيه، من الكبير إلى الصغير، من حالات الجمود والانتهاز والتنفُّع والاستنقاع بل والغفلة العميقة في الأذهان إلى حالات الاستنفار الإيجابيّ والمبادرات الفوريَّة المثمرة والاتّجاه الحقيقي نحو إحياء إرادة التعاضُد الوطني الجامع بما يتجاوز التمترُس خلف حواجز التشرذم الفئويّ. إنّ أمّة تشهد في ديارهم القهقرى كما هو في لبنان ولديها من الإرادة والقِوى ما تستطيع دفعه فلا تفعل بل تحول دون ذلك أنانيات رجال منها فهي أمّة تترنح في طريق الانهيار.

ولا بدَّ من القول أنّ المبادرات المتحرِّكة من الدولة والمؤسسات والأفراد في دائرة الدعم العيني والمادي لكلِّ من خذلتهُم التطورات خصوصاً في أرزاقهم ولقمة عيشهم ووظائفهم وخسائرهم في خضمِّ التلاعب المشبوه بقيمة العملة الوطنية أمر واجب ومشكور. كما نخص بالذكر الجيش الوطنيّ لدوره الجبار في كل المهام المناط به على جميع الأصعدة.

وإزاء ما تشهده بلادنا في هذه المرحلة الخطيرة من تحديات معيشية حياتية اقتصادية اجتماعية، أملنا من المسؤولين القيام بما يلي:

الإقلاع عن استخدام الدولة ومؤسساتها للمصالح الخاصة والفئوية أو لتصفية حسابات أو كيدية أو غيرها.
التوقف عن التنابذ وتراشق الاتهامات ورمي المسؤوليات، والانكباب فوراً عبر الحكومة والمجلس النيابي بالتعاون، الى ورشة إصلاح جذري تطال كل القطاعات التي يملأها الهدر والفساد، وتقديم رؤية اقتصادية مبنية على تفاهم وتشاور مع كل القطاعات الإنتاجية والهيئات الاقتصادية واتحادات العمال وروابط الموظفين والنقابات، لكي تكون خطة مدروسة عادلة اجتماعيًا وقابلة للتطبيق، وتلقى قبولاً من صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان.
تنفيذ اجراءات فعلية في منع الغلاء وضبط الأسعار وتنظيم سعر صرف العملة الوطنية، وتغيير أساليب العمل في قطاع الكهرباء وضبط ملفات التهريب والتهرب الجمركي والضريبي.
إعطاء القضاء الاستقلالية التامة، لأنه ضمير الأمّة ولأن لا محاسبة ولا مكافحة فساد حقيقية إلا عبر قضاء نزيه مستقل عن أي تدخل سياسي. ثم إعادة تفعيل الادارات العامة على قاعدة الكفاءة في التعيينات والترشيد في الإنفاق.
تطبيق سياسات اجتماعية تربوية وصحية متبصرة، مع استمرارية رعاية ودعم الأسر المحتاجة، والتي ستزداد أعدادها تباعًا بفعل ارتفاع البطالة وانسداد الأفق الاقتصادي، ودعم قطاعي الزراعة والصناعة لتوفير بعض فرص العمل تعويضاً عن الخسارة في قطاعات أخرى.
إن ما تقدم هو برأينا المسار السليم لخلاص لبنان، وبغير ذلك لا نرى خلاصاً حقيقياً، واللوم كله سيكون على عاتق من هم في مواقع القرار والمسؤولية. وكلُّنا يرى أنَّ المبادرةَ في أيِّ خطوةٍ إيجابيَّة تجمع ولا تفرِّق، من شأنها أن تشيرَ إلى ما يتوجَّب عمله من دون إبطاء في الدَّفع نحو استعادة الثقة في مفاعيلها الداخليّة بين كافَّة القوى والقطاعات، والخارجيَّة مع الدُّول والمؤسَّسات المعنيَّة بمساعدة لبنان.
من ناحية ثانية لا بُدَّ من التعبير عن ارتياحنا الأكيد، ودعمنا لكلِّ ما يُعزِّزُ بين اللبنانيّين منحى إيلاء الأولويَّة لدرءِ أخطار التنافُر المؤذي بين «المواطنين»، مؤكِّدين على أولويَّة مفهوم المواطَنة الجامع على سوء الاستخدام الأعشى للفئويَّات والعصبيات واختلاف مشارب الانتماءات السياسيَّة وغيرها.

إنّ تراثنا التاريخيّ بما فيه السياسيّ يُعلِّمنا أنَّ ما جعل بالإمكان تحقيق وطنٍ فوق هذه الأرض هو روح المشاركة والتلاقي بقوَّة إرادةٍ جامعة في العيش معاً التي تقاطعت مضامينُها لتُشكِّل ما سُمِّي بالميثاق الوطني. وإن تعثَّرت الميثاقية في الليالي الظلماء فإنّ ما ولَّدها هو قوَّة باقية لا يفرِّطُ فيها إلَّا من يهوى التفريط بالوطن.

إنَّ اختلاف الرأي لا يُمكن أن يكون عاملًا من عوامل الهدم والتعطيل. ما دام العقل عِقال العواطف نقول فاعقلوا جواد عواطفكم سواء اكنتم افراداً ام رؤساء في مجتمعاتكم تختلفون فيما لأجله تعملون.

وإذ نستذكر معاني عيد الفطر، فإنّه يصادف على مقربة من عيد التحرير والمقاومة الذي شكّل ولا يزال رمزاً لقدرة اللبنانيين على الصمود والمواجهة ضد الاحتلال والتصدي لعدوانيته والانتصار الوطني عليها.

وفيما البشرية تواجه تحدّي الوباء الذي يدفع باتجاه إجراءات ضرورية لا مناص منها لدرء المخاطر، لا تزال فلسطين تحت نير الخطر المباشر من الاحتلال الذي لا يترك فرصة إلا ويكرر فيها تعدياته بحقّ الأرض وأهلها، ويُمعن في انتهاك المقدسات وحقوق الانسان، وهو ما يستدعي في المقابل إجراءات حاسمة حازمة من الأمتين العربية والإسلامية، وضرورة وحدة الشعب الفلسطيني وتخطي كل الخلافات والانصراف لمقاومة بمختلف الأشكال لهذا التمادي في الاعتداءات لكي تبقى القدس عاصمة لدولة فلسطين العربية المستقلة.

نسأل الله تعالى أن يمنَّ على شعبنا بكرمه ورحمته وجزيل نعمه، وأن يُبارك صيامه وفطره بالقبول والمغفرة، وأن يُعينَ بأسرار لطفه كلّ ذي ضيق وقلَّة في الأيام الصعاب، وأن يُسدِّد المؤتمنين والمنتَدَبين لخدمة الشعب في مساعيهم لكلِّ خيْر، وأن يعيدَه على أمَّته وشعوبها بنسائم الفرج والسلام، ﴿إنَّ ربِّي قريبٌ مُجيب﴾.

والسلام عليكم ورحمة المولى وبركاته.

أنشطة سماحة شيخ العقل، رئيس المجلس المذهبي

التقى سماحة شيخ عقل طائفة الموّحدين الدروز الشيخ نعيم حسن في دار الطائفة في بيروت اليوم وزير الصحة العامة الدكتور حمد حسن، بحضور مستشار مشيخة العقل الشيخ غسان الحلبي، ومفوض الشؤون الصحية في الحزب التقدمي الاشتراكي باسم غانم. وقدّم الوزير حسن لسماحته التهنئة بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك والذي يصادف أيضا مع ذكرى التحرير، واطلاعه على الواقع الصحي الراهن والإجراءات المتخذة من قبل وزارة الصحة العامة على كل الصعد ولا سيما حيال المخاوف من تطور الفيروس الى مرحلته الثانية.
وقد أثنى شيخ العقل في اللقاء على «الخطوات الصحية والارشادية الهامة والرعاية السليمة التي تقوم بها وزارة الصحة العامة وعلى رأسها الوزير حسن، حيال المواكبة الحثيثة لتطورات الجائحة والمحاذير الناجمة عنها، والجهود المبذولة في هذا الاطار للحد من اخطارها وتجاوز المرحلة الراهنة الصعبة التي يمر بها الوطن، والتي تستوجب من جميع المسؤولين والمعنيين تضافر الجهود الخالصة للخروج من هذه الضائقة».

وبعد اللقاء صرّح الوزير حسن،» تشرفنا اليوم بزيارة سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن لتهنئته بمناسبة الأعياد المجيدة عيد الفطر السعيد وقد تمنينا لسماحته مزيدا من الصحة والعافية بهذه الحكمة التي يتمتع بها ويوزع منها معقل عقل طائفة الموحدين الدروز، وبنفس الوقت عيد المقاومة والتحرير الذي اجمع عليه كل اللبنانيين على انه النقطة المضيئة في تاريخ لبنان الحديث والتي نتمنى ان يبقى لبنان مظللا ومكللا بهكذا انتصارات. كما اننا اثنينا على مواقف وارشادات سماحته وتعليماته بخصوص التعبئة العامة والتزام المؤمنين المساحة الآمنة والتباعد الجغرافي مع الالتزام بالكمّامة للحد من انتقال الفيروس، واننا نعتبر ان كل مسؤول أكان مدنيا او روحيا او سياسيا فانما يلعب دورا استثنائيا في هذه المرحلة التي نواجه فيها وباء هو من اخطر الأوبئة التي اجتاحت العالم، ويبقى للسياسيين والمراجع الروحية الفضل الكبير في إرساء الصيغة اللبنانية الموّحدة لحماية لبنان من كل الأشرار».
وردا على سؤال عما اذا كان من توجه لتخفيف الإجراءات المتخذة، قال الوزير حسن، «الخطة الحكومية واضحة وهي تخفيف بعض محاذير التعبئة العامة واننا نسير بشكل منهجي وواقعي بالعودة الى الحياة الطبيعية، ونأمل من جميع المواطنين التقيد بالارشادات فنفك التدابير رويدا رويدا لتحاشي الوقوع في الموجة الثانية او تسجيل عدد إصابات تفوق طاقة وزارة الصحة اللبنانية على معالجتها او اسعافها، من هذا المنطلق يأتي وعي المجتمع دون المكابرة والطمع ببعض نقاط القوة التي ُسجّلت ضد هذا الوباء ونفرّط بها بشحطة قلم. المطلوب الالتزام بكل التعاليم والارشادات للحكومة، اما بخصوص التمديد او فتح البلد فالامر يعود الى الحكومة مجتمعة بناء على تقرير يصدر عن وزارة الصحة العامة بهذا الخصوص».

ثم التقى سماحته وزيرة الاعلام منال عبد الصمد، مقدّمة له تهاني عيد الفطر المبارك، وتخلل اللقاء استعراض الأوضاع العامة والإجراءات الحكومية حيال العديد من القضايا المطروحة لا سيما الشقين الاقتصادي-الاجتماعي والصحي.
وكانت مناسبة هنأ فيها سماحته وزيرة الإعلام على موقعها، داعيا لها «بالتوفيق في مهامها والأهداف التي تنوي القيام بها كي يبقى الاعلام اللبناني منارة رائدة تعكس ثقافة وفكر واخلاق مجتمعنا الوحدوي، في ظل الثورة التكنولوجية والعلمية وتعدد وسائل التواصل التي يجب ان تراعي وحدة الكلمة والحفاظ على التقاليد».
وبعد اللقاء قالت الوزيرة عبد الصمد،» زرنا اليوم سماحة شيخ عقل طائفة الموّحدين الدروز الشيخ نعيم حسن والزيارة واجبة ليس فقط في العيد انما في أي وقت، كي نستلهم من حكمة سماحته ومواقفه الرشيدة ونستطيع بالفعل تعزيز المحبة اكثر والتضامن لخدمة بلد واحد وتكون رسالتنا وطن واحد ولبنان وشعب واحد، على امل تحسّن ظروف بلدنا وينعاد على الجميع».

وظهرا استقبل الشيخ حسن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري في زيارة معايدة بالفطر، بحضور قاضي المذهب الدرزي الشيخ غاندي مكارم، ومستشار مشيخة العقل الشيخ غسان الحلبي. وجرى التطرّق خلال اللقاء الى عدد من المواضيع ذات الاهتمام المشترك والعلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي هذا السياق نوّه شيخ العقل «بالعلاقة اللبنانية السعودية التاريخية التي كانت ولا تزال محط تقدير للبنانيين حيال المواقف الكريمة والخيّرة التي وقفتها المملكة الى جانب وطننا على كافة الصعد، وأثبتت من خلالها حرصا كبيرا على وطننا واستقرار وامنه وازدهاره».
وبعد الزيارة اكتفى السفير البخاري بإعتبار، «الزيارة لتقديم التهنئة بحلول عيد الفطر المبارك، وهي زيارة محبة ومودة كبيرة لصاحب السماحة».

“الكورونا”

 أيها «الدهريون» (وهو الإسم الذي أطلقه الفلاسفة العرب في العصر الوسيط على من نسمّيهم اليوم «الماديون») أما آن لنا أن نفكر بطريقة مختلفة عمّا تعوّدتموه وعوّدتمونا عليه في زمننا الحديث، فيما تصطدم نظرياتكم، من جديد، وللمرة الألف، بحيطان الحروب والأوبئة والكوارث – وآخرها وباء الكورون الذي شلّ حتى اليوم قطاعات اقتصادية عدّة وبخاصة في مجالات النفط والنقل والسياحة وسواها وبكلفة بلغت ثلاثة ترليونات دولار حتى الآن، وبعزلة بين مدن البلد الواحد ناهيك بالعزلة بين البلدان، وبعدد من الضحايا عسى أن يبقى محدوداً.

 أيها العلماء الدهريون، وببساطة شديدة، لقد أخذتم البشرية منذ قرنين نحو علم مادي بالكامل، وقلتم هذا هو العلم، وأن لا مكان فيه لأي عنصر غير مادي. ومن خالفكم الرأي، أو طالبكم بالتروي، كما فعل كثير من الفلاسفة والشعراء والفنانين ناهيك عن مريدي الأديان، أسقطتم عليهم سريعاً ومن دون تروٍ حكماً مُبرماً «لا علمي» – فبات لا يؤخذ أو يعتد برأيه في كل مجال وميدان.

  لقد هيمنتم على مراكز إنتاج العلم والأبحاث في المدارس والجامعات، فباتت اختصاصات المال والمحاسبة والصيرفة وإدارة الأعمال والإعلان والكومبيوتر، في أميركا أولاً، ثم في أوروبا وبعدها في باقي أجزاء العالم، ومنها لبنان والوطن العربي، هي «الموضة» على حساب الاختصاصات الانسانية والاجتماعية التي باتت نادرة، يتيمة، غير مطلوبة، «وتثير السخرية».

 ايها «التقانيون»، هل حقّق تقدمكم التقني – ولا أقول العلمي – خلاص البشر؟ هل انتهت الحروب؟ ألا ترون أن معظم الإرهابيين الأكثر خطراً كانوا من -التقنيين-؟ هل أفدتم البشر، في شيء، حتى عملياً، من شطبكم الإنسان والأخلاق والقيم والتراث، والله في أسمائه المختلفة؟ لقد زاد الشر أضعافاً مضاعفة، وبات لا يردعه إلا وجود شرطي وكاميرة مراقبة عند كل زاوية وباب!

وأخيراً، إذا كان من معنى لغزوة الكورون الآن فهي تذكيرنا أن العلم للإنسان وليس الإنسان للعلم، وأن الإنسان ليس جسداً فحسب، والمجتمع ليس أرقاماً فحسب، بل هما التوازن في كل شيء…وهو ما غفل عنه عامداً العقل «التقاني» المعاصر فبات أقرب إلى الشر منه للخير، على ما نرى يومياً، في غير باب ومجال. لقد آن أوان التفكير من زاوية مختلفة، فهل يجرؤ العلماء؟

تطوّر وتجديد

في العدد الجديد هذا، العدد (31)، والذي استقرّ ورقيّاً، وبفعل القيود الاقتصادية المعروفة، على 96 صفحة، سيجد القارئ الكريم أنّ الضّحى ظلَّت أمينةً على رسالتها في الإضاءة على مروحة واسعة، مُنتقاة، من الموضوعات الأساسية التي تعني قارئ الضّحى من مثل: الأخلاق التوحيدية، وتراث العقل، وتحقيقات منتقاة من لبنان وجبل العرب، ومشكلات اجتماعية، والفقرة التربوية، وثقافة وآداب، وصِحّة وبيئة، وإرشاد زراعي، إلى ملف العدد هذا الذي يؤمَل أن يكون في مستوى التحديات المعاصرة التي تواجه لبنان والوطن العربي في لحظة تاريخية حرجة.

في العدد الجديد، وكما سيلاحظ القارئ، تنوّعٌ في الأبواب والموضوعات، أكثر من عشرة أبواب مختلفة، وفي الباب الواحد أكثر من موضوع وفقرة. هذا التنوّع مقصود ويستجيب لتنوّع قرَّاء الضّحى، بشرائحهم واهتماماتهم وأولويّاتهم المتعددة، والمختلفة بالتأكيد.

تواجه رئيس التحرير مطالب، طبيعيّة، من شرائح القرّاء المتنوّعة والمختلفة. فكل شريحة ثقافية من شرائح القرّاء ترغب أن تكون حصتها في العدد أكثر وزناً وأكبر مساحة. وهذا أمر طبيعي في كل مجلّة ثقافية. وتصل إلى إدارة المجلة مطالب صريحة، وأحياناً انفعالية، ومضمونها واحد: أنْ زيدوا من الصفحات المقررّة للأخلاق التوحيدية، أو للمشكلات الاجتماعية، أو للثقافة والآداب، وسواها. المطالب تلك محقّة كلها لو كان في وسعنا جعل عدد صفحات المجلة أكثر من ذلك. أمَّا أن نكون مقيّدين بعدد محدود من الصفحات، وبتنوع في أذواق جمهور المجلة، فلا مفرّ من تسوية معقولة بين المطالب المختلفة، والموضوعات المختلفة، بحيث يجد القارئ كثيراً ممّا يرغب به، وليس كلّ ما يرغب به بالتأكيد – وقد لاحظ القارئ منذ فترة غياب المطوّلات، رغم أهميتها أحياناً، كيما نُبقي على حيوية المجلّة وبما يسمح بالحد الأقصى من التنوع. وعليه، نعتذر من القارئ الذي يرغب أن نزيد كثيراً في الباب الذي يفضّله، أو الأقرب لمزاجه وذوقه.

وأخيراً، وفي كلّ الأحوال فعقل الضّحى مفتوح لكلِّ ملاحظة.

اعتبروا يا أولي الأَلباب

  تتلقَّى الدُّولُ – كلُّها على حَدٍّ سواء من دون أيّ تمييز في مقياس «العظَمة» الذي اعتمدته وكرَّسته قياساً لمبدأ القوَّة وتفوّقها الحربيّ – صدمةَ «الفايروس» ومفاعيل انتشاره بالعدوى بين شعوب الأرض بسرعةٍ مُذهلة، بأشكالٍ متفاوتة لا يخلو أيٌّ منها من فجَوات قاتلة يُعبِّر عنها الجدول اليوميّ المُريع الذي يُسجِّلُ دوريّاً أعداد الإصابات والضّحايا واتّساع رقعة الانتشار الذي، واقعيّا، «غمَر الأرضَ» برُمَّتِها.

 إنَّهُ من السابق لأوانه الخوض في استخلاصِ الدروس. وفي كلِّ حال، تفيضُ المواقع الإخباريَّة والدوريَّات الصحفيَّة بأقوال عُلماء وسياسيّين ومفكّرين بطروحاتٍ لا تخلو من الخوضِ في محاولات «تشخيص» الدّروس. ذلكَ أنَّ الأمرَ لا يتوقَّف إطلاقاً عند حدِّ أزمة كبرى يتعرَّضُ لها أمنُ الأرض الصحّيّ بشكلِ «جائحةٍ وبائيَّة»، بل تداعيات تلك الصَّدمة التي باغتت الكُلّ بلا استثناء على مختلف الصُّعُد. والأمرُ يُشبهُ وقوعاً فجائيّاً لمركبة الاقتصاد العالميّ في بؤرة كثيفة من رمالٍ متحرِّكة ثقيلة أصابتها بالشَّلل والعجز، وتُهَدِّدها على المَديَيْن القريب والبعيد بالغرقِ الذي ليس بإمكانِ أحد تقدير عواقبه في كلّ المُستويات.

 فوق كلّ هذا، لا يُعطي «الفايروس» أيَّ مؤشِّر على بلوغه ذروة فعله وتأثيره، بل على العكس تماماً من ذلك، والتوقّعات المنطوقة على لسان حكَّام دولٍ كبرى تعبِّرُ بواقعيَّةٍ قاسية عن آفاق المأساة.

 ثمَّة، في التاريخ البعيد والقريب، أوبئةٌ شاملة حصدت الكثير من الضّحايا. إنَّ الشأنَ الذي يدفعُ إلى ضرورة التوقُّـف أمام الحدث بتواضُع ومقامِ مآب هو أنَّ الأمرَ الآن يحدثُ لا في القرون الوسطى وواقع الفقر (الطاعون)، ولا في عالَمٍ خرَّبته حربٌ عظمى (الانفلونزا الإسبانيَّة)، بل في العالم الحديث الذي شهد في أقلِّ من مئة سنةٍ أعلى مؤشِّرات التّسارُع لِما سُمِّي بـ «التقدُّم العِلميّ» و»اكتشاف أسرار الطَّبيعة» بل والمحاولات الدَّؤوبة المُكلِفة بشكلٍ خياليّ للتحكُّم بموادها وخفايا بُنياتها المُعَقّدة، بل وبمستقبل الإنسان في شروطه «الثابتة» أي الولادة ومُعطَيات الحياة والموت أيضاً. لقد بُذِّرت تريليونات من العملات من أجل السَّعي النَّزِق خلف هواجس او أحلامٍ يُشبعُها الكبرياء بروحٍ نهِمة تتطلَّع، كما قالوا بألسنتِهم، إلى قهر الموت وتقـدُّم العمْر بالسيطرة على التّكوين الجينيّ، وإلى تأبيد الشخص بالاستنساخ وإلى آخره من كلِّ ما يُشبه ذلك من أمور.

نحتاجُ اليوم إلى إيلاء بديهيَّاتِ الحياة العناية القُصوى. والأمر معها بسيط وشديد الوضُوح: حُسْنُ التَّدبير بالحكمةِ الإنسانيَّة العاقلة والصِّدق والتواضُع و… النَّظافة. لقد ارتبطتْ «طهارة» الأيدي والوجه وغيرها بمقاربة الصَّلاة في الإسلام الحنيف. وارتبط المعنى بالتوحيد إجمالًا بالدَّلالة على وجوبِ «تطهير» الباطن، أي القلب والنِّيَّة وخفايا الصُّدور من كلِّ خبثٍ نَزَّاع إلى الشّرور المُخرِجة عن الأخلاق التي بها يتقدَّم الإنسانُ إلى كماله، ليس انغماساً في دائرة الذّات والعُزلة، بل خطوة أولى ضروريَّة لإصلاح الحال والأهل والمجتمع. فهل من الضروري هنا التذكير بمفهوم «الاستخلافِ» الوارد في القرآن الكريم، والذي يَمُسُّ بالمسؤوليَّة المُلقاة على عاتق البشر في «إدارة» الأرض؟

هل من الضَّروري التذكير بمستويات التّلوُّث والتخريب البيئيّ والسُّخرية من تحذيرات علماء البيئة بشأن العديد من المَلفَّات الكونيَّة المتعلّقة بالمُناخ والجوع والتّصَحُّر إلخ…؟ دون أي احترام لنظام الطبيعة. هل نحن بحاجة إلى الإشارة إلى أنَّ المخزون الاستراتيجيّ من مُقدِّرات الأرض يذهبُ، بهمَّة القُوى الكبرى المُتَسلِّطة، إلى تغذية ميزانيّات «الدفاع» وبالمعنى الأصدق، إلى تدعيم ترسانات الأسلحة وأنظمة الحروب المُبَرمجة الكترونيًّا والتّسابق المحموم المؤذي للسيطرة على فضاءات الأرض والأفلاك من أجل امتلاك اليد العُليا في التسلُّط والتحكُّم بالآخرين؟

لقد تمَّت التَّضحية ببديهيَّات الحياة عبر إهمال إيلائها الجُهد الأكبر، دون المحافظة على البيئة، وها نحن اليوم إزاء ما «باغَتَ» الكبيرَ والصَّغير من كلّ الأنظمة شرقاً وغرباً. عسى أن تكونَ «الصَّدمةُ» مناسبةً للعَودة إلى تلك البديهيَّات بتعزيز الرِّعاية الواجبة للحفاظ على الإنسان، ليس فقط في حياته وأمنه، بل وفي حقوقه الأساسيَّة بالكفاية والحرّيَّة والعدل والكرامة.

هل لبنان جاهز للتعلّم من بُعد؟

وفق تقارير الأمم المتحدة فإن حال الإغلاق لثلث سكان العالم قد عرقل انتظام التعليم لثلاثمائة مليون طالب وتلميذ على الكوكب. الملايين من الأساتذة والمدرسين، والهيئات الإدارية، وصنّاع القرار، وجدوا أنفسهم، في مشهد وُصِف بأنه “غير مسبوق”، مدفوعين دفعاً نحو التعليم أون لاين (التعليم من بُعد من خلال الشبكة)، مع الاعتراف أنهم جميعاً لم يكونوا على الأغلب مهيّأين لتعليم كهذا، أو على الأقل التحول إليه بين ليلة وضحاها، للمرة الأولى على نطاق واسع على ما نشهد الآن.

بخلاف الولايات المتحدة، حيث إقفال المؤسسات التعليمية التقليدية وإبدالها بصفوف متحركة على الأون لاين – وهو ليس بالأمر غير الاعتيادي في حالات الطوارئ من مثل الأعاصير والزلازل – فقليل جدا على مستوى العالم، وليس لبنان فقط، من كان مستعداً لوجستياً وتربوياً وإدارياً لقرارات إدارية اتخذت على عجل بالتحول مؤقتاً من نمط التعليم الكلاسيكي (محاضرات/قاعات) إلى نمط مغاير كلياً. وعليه فلبنان يختبر الآن التعليم أون لاين، على نطاق واسع، وللمرة الأولى في تاريخ التعليم العالي في لبنان الذي يعود لسنة 1866 (الجامعة الأميركية) و 1875 (جامعة القديس يوسف).

لبنان يكتشف القيمة العملية للتعليم أون لاين:

بمعزل عمّا إذا كان الأمر سيقصر أو يطول، فإن التحول المفاجئ أعلاه فرض تحدياً حقيقياً على الجامعات باتجاه العمل السريع على توسعة وتحديث تقديمات الأون لاين، في ظروف أقل ما يقال فيها أنها ليست مثالية بل صعبة، ما سيدفع البلاد كما أعتقد لإعادة النظر في كثير من مفاهيمها التربوية المسبقة، وإحدى نتائجها المزيد من التقدير والاحترام لهذا النمط من التعليم، والذي كان يُنظر إليه في الغالب على أنه نوع من الترف غير الضروري، بل إنه لاقى في حالات محددة تقييدات عدة.

وهكذا أسرعت الجامعات بحثاً عن منصّات للتواصل في وسعها تحقيق أوسع وأوثق صلة ممكنة بين الطالب وجامعته، من مثل Blackboard Collaborate, Adobe Connect, & Microsoft Teams ، بهدف الاستثمار الأفضل لمكونات التعليم الألكتروني لديهم من مثل Moodle & Blackboard،  وتطويعها لتناسب الوظائف الجامعية ومنها تحديداً: التحول نحو امتحانات – في – البيت، وما يتبعه من حرص على نوعية الامتحان، أمن الامتحانات، دقة النتائج، وسواها، من خلال برامج عملية حسنة الفاعلية والحماية على الأون لاين. أدّى التحول بالأساتذة والمشرفين لإعادة هيكلة محاضراتهم وحتى دروسهم العملية على نحو مختلف، دافعين بالطلاب أنفسهم ليتعلموا أدوات وتطبيقات جديدة من مثل: Screen recording, Voiceover, Recording Sessions Offline, Collaborate online Bulletins, etc.، وليكونوا خلاقين في تصميم مجموعة أنشطة معاً، ولاختبار تقنيات تربوية جديدة. أما النتيجة وكما هو متوقع فعمل إضافي متزايد، اهتمام بالتفاصيل، وحتى الخوف من عدم القدرة على المتابعة الصحيحة واحتمال الرسوب – فيما الغرض الأصلي ليس النجاح أو الرسوب بالمعنى الحصري الضيق، وإنما استمرارية العملية الجامعية من خلال التعلّم من بُعد.

لذلك لعله من المفيد التذكير بالنتائج التي توصلت إليها في هذا الموضوع من خلال بحث ميداني أجريته أواخر سنة 2018 ومطلع 2019 حول مدى جاهزية النظام التعليمي في لبنان، الجامعي تحديداً، لقبول التحول من التعليم التقليدي محاضرة – في – الصف، إلى نمط جديد، نمط التعلّم من بُعد، وقد كان البحث الميداني جزءاً من أطروحتي للدكتوراه (تربية، باللغة الإنجليزية). تناولتُ بالمسح الميداني، من خلال استمارتين، مدى جاهزية الطلاب لقبول التحوّل أعلاه، ومدى جاهزية أعضاء هيئات التدريس لشروط التحوّل ذاك.

جاهزية الطلاب لقبول التحوّل إلى نمط التعلّم من بُعد

تناولت الاستمارة الأولى Questionnaire 1 التي أعددتها، وبعد اختبار صدقيتها على النحو المعروف، عينة من 305 طلاب في جامعات لبنانية عدة، الجامعة الرسمية وجامعات خاصة. قاست استمارة الطلاب وعلى نحو كمي مدى جاهزية الطلاب من خلال scale questions، ألحقت بها أسئلة مفتوحة النهايات open-ended بهدف القياس الكيفي لمواقف الطلاب وأرائهم. قاربت الأسئلة جاهزية الطلاب من حيث الكفاءة الذاتية، الخبرة السابقة، الدافعية، التوقعات،  والجانب المالي (وقد أفصح الطلاب عن مخاوفهم تلك بوضوح). ثم جرى تحليل موضوعاتي  thematic analysis للإجابات. كان حوالي 80% من المجيبين بين 17 و24 سنة، من مستويات جامعية مختلفة، بكالوريوس، ماستر، ودكتوراه. ومن دون إغراق القارئ بتفاصيل ونسب تقنية، أظهر تحليل الإجابات أن أكثرية الطلاب هم على ألفة بالعمل على الحاسوب الشخصي، والإتصال بالشبكة، وأدوات التواصل، وعلى معرفة عموماً بالسوفتواير المطلوب واستعمالاته، وفي كيفية التغلب على التحديات التقنية. وعليه كان مدهشاً موقفهم الإيجابي من نمط التعلم من بعد، لجهة فوائده العملية وإنتاجيته العلمية. إلا أن ما يقلق الطلاب هو احتمال أن يحول هذا النمط من التعليم دون حصولهم على قروض مالية من المصارف أو الجامعة، علماً أن القروض تلك لا تموّل امتلاك حواسيب أو تجديدها.

جاهزية أفراد هيئات التدريس ومواقفهم:

 في دراستي الحقلية التي أشرت إليها آنفاً، تفحصت أيضاً مدى جاهزية أفراد هيئات التدريس الجامعية في لبنان من فكرة “التعلّم من بعد”، وقبل سنة كاملة من التحول القسري الجاري حالياً. وللتحقق من جاهزيتهم ومن أفكارهم الإضافية، صممت استمارة خاصة بأعضاء هيئات التدريس تكوّنت من 35 سؤالاً بهدف استكشاف الخطوات المتخذة، الخبرات السابقة، الجاهزية التربوية والتقنية، وقد ختمت الأسئلة المقفلة، بأسئلة مفتوحة لتغطي طريقة تفكير الأساتذة من الموضوع، إضافة إلى أرائهم ومواقفهم. وبعد اختبار صدقية الأسئلة وفاعليتها، جمعت ردود عينة من 121 أستاذا من جامعات لبنانية مختلفة، 69% منهم يحملون الدكتوراه، وأعمار نصفهم تقريباً فوق ال 47 سنة. تبين من الردود، وباختصار، أن أكثريتهم (79%) لم تمارس هذا اللون من التعليم والتدريس من قبل، والقلة الباقية مارست بدرجات مختلفة التعليم من بُعد. ولكن بالمقابل بدا من الإجابات أن قوة هيئة التدريس في المجموعة المفحوصة تكمن في تعودهم على استخدام تقنيات elearning ، وإدماجهم عنصر التكنولوجيا في تعليمهم؛ وغني عن القول أن جميعهم يمتلك أجهزة كومبيوتر في المنزل والمكتب، ولديهم خبرات بقدرات السوفت وير، عدا وعيهم بأهمية الشبكة والإفادة منها في تطوير عمليات التعلّم، والتركيز كما أشار معظمهم على ضرورة تعزيز الوعي ومهارات التفكير النقدي لدى المتعلّم من بّعد، مع تشديدهم، بوضوح، على ان التعليم أون لاين ليس أفضل الأنماط، بل الأفضل هو دمج الأون لاين مع تعليم وجهاً لوجه في القاعات.

موقف الأساتذة أمر إيجابي جداً، بل أكثر من نصف الطريق نحو نجاح عملية التحول (القسرية) الجارية الآن في الجامعات من تعلّم محاضرات – في -الصف إلى محاضرات ودروس عملية على الأون لاين.

توصيات لتعلّم من بُعد فعّال وناجح:

يبقى، إذاً، بعض الاقتراحات العملية، التي يمكن أخذها بعين الاعتبار من جانب أفراد هيئات التدريس والإدارات.

تتعدد أراء الخبراء في كيفية زيادة فرص تقديم تعلّم من بُعد، وظيفي، فعّال، ويحقق بنجاح الأهداف المتوقعة منه؛ وهو أمر يعتمد جزئياً على مواقف الطلاب (وقد رأيناه إيجابياً وفق الردود على استمارة الطلاب، وقبل وقت قصير من اندلاع الأزمة الأخيرة). لكن النجاح التام، نسبياً بالطبع، يعتمد بدرجة أكبر على استطاعة الأساتذة، ومساعديهم، والمؤسسات، إدارة عملية دقيقة وحساسة، من خلال تحسين نوعية ما يجري تبادله، في الاتجاهين، على الأون لاين.

لا حاجة للقول أن صفوف التعلّم من بعد تختلف عن صفوف brick- and- mortar الصفوف التقليدية التي تجري وجهاً لوجه في  قاعات التدريس. من أجل تجاوز الاختلاف ذلك، وتجاوز الألفة التي يشعر بها الطالب بإزاء نظام التعليم التقليدي، يُنصح ببعض الخطوات الآيلة إلى خلق سيستام تعلّم من بعد ناجح ومتكامل:

  • التشجيع على الحوار، دون أن يُخرج العملية عن سياقها الأصلي، بل حوار مخطط له، يشعر الطالب بحضوره الشخصي، ويطمئنه للعملية، ولكن باستمرار تحت إشراف الأستاذ، أو مساعده، وبالتوقيت الذي يراه مناسباً.
  • يمكن إدماج الطلاب في العملية الجارية على نحو ناجح من خلال استثارة دوافع تعلمية بطرق مختلفة يتقنها الأستاذ جيّداً، وتتبدّل بحسب الرصيد اي المادة موضوع الدرس. إلا أنها تعتمد عموماً على تجميع تدريجي للحوافز، النقاش، التعاون، فيديوات عامة (أو مصممة من المدرسين): مقاطع صوتية، واختبارات مع مساعدة، ثم من دونها، على نصوص منتقاة – دون نفي إمكانية تقديم محاضرة لكن شرط الاختصار الشديد بهدف عدم تشتيت تركيز المتلقي.
  • على صفوف التعلم من بُعد المستحدثة أن تخلق بيئة تعلّم نشِط وليس مجرد محاضرة أخرى ولكن على الأون لاين هذه المرّة. ويكون ذلك بتشجيع الحوارات، والتفاعل، والنقاش الحيوي، وتبادل المعرفة، وبخاصة تمكين الطالب المتلقي من الشعور بلذة اكتشافه للمعلومة، أو استخلاصه للنتائج. وهذا أفضل زاد له في الاندفاع أكثر وبسعادة في صفوف التعلّم من بُعد.
  • لجهة التفاعل، يمكن الإضاءة على ثلاثة أنواع: طالب – طالب، طالب – أستاذ، و الطالب – المحتوى. والعملية الناجحة هي التي تحسن استثمار الأنواع الثلاثة بالتبادل، والتوقيت، والوقت المناسب. وهنا يبرز من جديد الدور الحاسم للأستاذ في الإعداد لعملية التعلّم من بعد، وهو أصعب بكثير من دوره في نمط محاضرة – في – قاعة الصف.
  • تشجيع استخدام فوروم forum طلابي مفتوح وعام، منتدى، يتيح للطلاب التقدّم بيسر بأسئلتهم، وملاحظاتهم، وأفكارهم؛ وإظهار تعاونهم ومساعدة بعضهم بعضاً. ومن ذلك تحضير صفحات أو أجزاء منها للطلاب تمكنهم من لصق بوستاتهم، أو إجاباتهم حين يطلب منهم ذلك، وفي كل الأحوال إظهار أن حضورهم المرحب به، وتعزيز فاعليتهم وأشكال تعاونهم، ونقاشاتهم.
  • يفضل جعل الدروس في مقاطع محددة chunks، هو الأكثر ملاءمة في التعلّم من بُعد. أما المحاضرات الطويلة فليست بالتأكيد الطريق الأفضل لتأمين حسن اندماج الطالب في الصفوف العادية، فكيف على الأون لاين. وينصح خبراء كثيرون بأن لا تتعدى المعلومات المقدّمة من الأستاذ أو من يدير صف الأون لاين في كل مرة ال 10 – 15 دقيقة، فيديو، أو كلاماً، وذلك لتجنب شعور الطالب أنه “معزول”، أو “منقطع”.
  • جعل المجموعات صغيرة. ينصح الخبراء تقسيم الصف إلى مجموعات صغيرة، بين 4 و 6 طلاب، كما لو كانوا في مجموعة بحثية أو دراسية، فيكون في وسعهم الشعور بالراحة حيال بعضهم بعضاً، وتوقع الدعم من واحدهم للآخر، مع تعيين دقيق للمصادر والمراجع المساعدة التي يمكن بسهولة العودة إليها. ويجب إدارة العملية بانتباه، أي تخصيص موضوع أو جزء منه، في الجلسة الواحدة لكل مجموعة.
  • يجب توقع صعوبة التفاعل في البدء؛ والحل ببعض الصبر ثم المساعدة في خلق جو الثقة، من خلال الإسهام في حل المشكلات التقنية واللوجستية، وتشجيع الطلاب أن يقدّموا المساعدة بعضهم لبعض الآخر ما يمنحهم ثقة أكبر بالنفس، والتركيز على عملية بناء القدرات الذاتية لكل فرد في المجموعة ولو استغرق الأمر بعض الوقت، وتجنب الأحكام السريعة، وبخاصة السلبية في كل الأحوال.
  • كن حاضراً!!! أن يكون الأستاذ أو مساعده حاضراً في موقع الدرس الذي يجري اقتراحه والعمل عليه هي الخطوة الأكثر أهمية بين كل الخطوات. فالأساتذة الأفضل على الأون لاين، برأي الطلاب، هم الحاضرون أكثر من مرّة في أثناء إنجاز العمل أسبوعياً، حتى لا نقول يومياً، أو على الأقل حين يتوقع الطالب أن يكون أستاذه موجوداً…إلا إذا كان غياب الأستاذ أحياناً هو من طبيعة العمل نفسه، ويجب إخبار الطالب ذلك بوضوح.

Online Education Infographics with Flat Icon Set for Flyer, Poster, Web Site Like mortarboard, books, Microscope and computer. isolated vector illustration

وزّع وقتك على نحو حكيم:

كما قلنا فإن وجود الأستاذ، أو مساعده، أمر مهم جداً لنجاح الطالب في صف الأون لاين. حضوره ضروري ولكن ليس عند كل إشارة أو منشورمن الطالب. على الأستاذ تدبّر أمر حضوره، وغيابه، بطريقة منطقية. ليس سهلاً إدارة صف من ثلاثين طالياً أون لاين، ولا يتوقع منه أن يجيب كلمة كلمة، بل هو يختار وينتقي متى وكيف يتدخل، فيجيب على البوستات والأسئلة.

أدخل نصوص من وسائط التواصل Multi Media Assignments

تتعلم المجموعة على نحو أفضل حين يجري تقديم تنويع من الأنشطة والخبرات، وتشجيع الطلاب على إكمال عملهم بمختارات أو حتى مسابقات من خلال أدوات الأون لاين الرقمية ما يجعل صفوف الأونلاين أكثر ألفة وفاعلية وإمتاعاً؛ وبعضها أن يستطيع الطالب إظهار نفسه أيضاً.

بعض المواقع التي ينصح بالرجوع عليها:
  • https:/ padlet.com  “Designing classwork, quizzes, assignments, polls, etc.”
  • https:/ www.bookwidgets.com (could be linked to Microsoft)
  • https:/ socrative.com
  • https:/www.wix.com “Creating a free and easy website (website builder)
  • https:/Wordpress.com “Creating free Blogs”
وأخيراً، استخدام أنشطة على نوعين: Synchronous and Asynchronous 

أنشطة النوع الأول  synchronousتقتضي تعلّماً في زمن حقيقي مستخدماً تبادل الأراء chats ، وحلقات نقاش عبر الفيديو videoconference، بينما أنشطة التعلم الآخر يمكن تنفيذه من خلال قنوات الأونلاين من دون تفاعل زمني حقيقي real-time interaction، أو بينما الطلاب خارج المشاركة في درس حيّ على الأونلاين. إن استخاماً لتنويع مناسب ومدروس بين الأسلوبين معاً يساعد في خلق بيئات تعلّم فعّالة وممتعة. ويمكن القول أخيراً أن ليس هناك ما هو أفضل من تعلّم من بُعد يقوم على تفاعل وتبادل للمعرفة والخبرات والأفكار (والأخطاء)، في خطين، ما يحفّز في النهاية طلب التفكر والمراجعة والاستخلاص والتصميم وكتابة خلاصة في النهاية، تقرير مثلاً، التحقق مما أنجز حقاً، وهو ما يهدف إليه التعليم والتعلّم في كل الأحوال.

المستقبل للمدارس الذكية، هل نتوجه نحوه؟

حقاً، لقد أصبح إيقاع السرعة والتغير السمة البارزة لهذا العصر. وإذا كان هذا الإيقاع يفرض على أهل السياسة والاقتصاد يقظة مستمرة، وسعياً إلى التفكير الدؤوب فإنه واجب محتوم على التربويين من باب أولى، حيث أن الحاجة إلى التطوير والإصلاح التربوي أصبحت أكثر إلحاحاً من ذي قبل، ولكنها في الوقت نفسه أصبحت أكثر حاجة للتخطيط السليم المبني على التقويم الصحيح للواقع التعليمي، والتقييم الفعلي للمؤثرات المختلفة والشفافية التي تربط بينهما.

نحن أمام اللحظات الأخيرة من نهاية 2019م، لنتوجه بشكل متسارع إلى بداية العام الجديد؛ وفي خضم هذه النهاية وتلك البداية تواكب المجتمعات المعاصرة التطور العلمي المذهل بفاعلية؛ لتشكل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بكافة أشكالها السلاح الحقيقي لمواجهة التحديات العديدة، ولا يكاد يختلف اثنان على أن التحدي الكبير الذي يواجه مدارسنا اليوم، هو كيف تتغير المدارس لتواجه متطلبات المرحلة القادمة، وكما قال البروفيسور لاري كيوبان من جامعة ستانفورد بولاية كليفورنيا: “إن التقنيات الجديدة لا تغير المدارس، بل يجب أن تتغير المدارس لكي تتمكن من استخدام التقنيات الجديدة بصورة فعالة”.

إن النظر إلى مدراس المستقبل بواقعية يمنحنا الحكمة في التعامل مع المعطيات المختلفة لتطوير مدراسنا بما نستحق، وما يستحق أن يبدأ به لأهميته، وما يمكن تأخيره، وما يمكن تطبيقه وما لا يمكن تطبيقه، وما يصلح لمجتمعنا وما لا يصلح، وما يبنغي تغييره وما لا ينبغي. وفي النهاية، فإن الجهات التي ستتفوق على غيرها في حقبة ما بعد عصر المعلومات هي تلك الدول التي توخت جانب الحكمة باستثمارها في تطوير رأسمالها الفكري.

ومن هنا انبثق مفهوم المدرسة الذكية كأساس لتطوير التعليم العام والذي يهدف إلى خلق مجتمع متكامل ومتجانس من الطلبة وأولياء الأمور والمعلمين والمدرسة وكذلك بين المدارس بعضها البعض مرتكزاً على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحديث العملية التعليمية ووسائل الشرح والتربية وبالتالي تخريج أجيال أكثر مهارة واحترافية، كما أن مفهوم المدرسة الذكية يعتمد على المشاركة الفاعلة بين كافة قطاعات المجتمع، بما في ذلك تنشيط دور القطاع الخاص في تقديم الأجهزة والمعدات والوسائط المتعددة والدعم اللازم لخدمة المدارس مما يغذى الاقتصاد الوطني بالشركات المتخصصة التي تقدم خدماتها بشكل احترافي متميز، وبالتالي يتم إيجاد فرص عمل جديدة في ظل هذا المشروع القومي الراقي.

كما يتضمن مشروع المدرسة الذكية تزويد المدارس بما تحتاجه من تكنولوجيا المعلومات، والعمل على تطوير المناهج وإبداع البرامج التعليمية في صور متعددة، وتزويد المدرسين ببرامج تدريبية في التكنولوجيا والتعليم وأساليب الشرح الحديثة مما يدعم انتشار تكنولوجيا المعلومات وتوظيفها بشكل سليم في تطوير منظومة التعليم ككل ونجاح مفهوم المدرسة الذكية.

وتأتي خطوات إنشاء الشبكات اللازمة لربط الأنظمة الداخلية للمدارس المختلفة والربط بين المدرسة والمعلمين والآباء والطلبة والمجتمع بالإضافة للربط بين المدرسة وشبكة مدرسة أخري بل والجهات الإشرافية وفق الاحتياجات لتيسر ترابط أطراف العملية التعليمية وتعاونهم الناجح فضلا عن الاستفادة من موارد الحواسيب المتاحة في المدارس الذكية لخدمات المجتمع في ساعات ما بعد الدراسة مما يجعل المدرسة مجتمعا تقنيا متكاملا لخدمة المجتمع.

ومن خلال نظرة فاحصة لما يحدث في الدول العربية من محاولات عملية لتطبيق المدرسة الذكية وصولاً لمدارس المستقبل الرائدة، يبقى هذا الجهد في بدايته، ويتحتم مع انطلاقة العام القادم أن نتوجه الى تطبيق فعلي وفق رؤى وخطط استراتيجية مدروسة لمشروع المدرسة الذكية في قطاع التعليم العام بمراحله الدراسية المختلفة بهدف تنمية مهارات الطلاب وإعدادهم إعداد جيدا يتناسب مع المتطلبات المستقبلية، ورفع مستوى قدرات المعلمين في توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في كافة الأنشطة التعليمية، مع توفير البيئة المعلوماتية بمحتواها العلمي الملائم لاحتياجات الطلاب والمعلمين، وإتاحة مصادر التعليم المباشر، لتكون نواة لصناعة تقنية المعلومات المتقدمة، ونشر المعرفة بين أفراد المجتمع.

ومع هذه الرؤية لمدارسنا الذكية، فإن النظرة العلمية تجعل المستقبل مشرقاً أمام المعلمين الجيدين، كما يقول جيتس (رئيس ومؤسس شركة ميكروسوفت): “إن مستقبل التدريس – وخلافاً لبعض المهن – يبدو مشرقاً للغاية. فمع تحسين الابتكارات الحديثة، كانت هناك دائماً زيادة في نسبة القوة العاملة المخصصة للتدريس، وسوف يزدهر المربون الذي يضفون الحيوية والإبداع إلى فصول الدراسة، وسيصادف النجاح أيضاً المدرسين الذين يقيمون علاقات قوية مع الأطفال، بالنظر إلى أن الأطفال يحبون الفصول التي يدرس بها بالغون يعرفون أنهم يهتمون بهم اهتماماً حقيقياً، ولقد عرفنا جميعاً مدرسين تركوا تأثيراً مختلفاً.

لو أنصفوك

في زيارتي الأخيرة لبيروت سنحت لي فرصة ذهبية لزيارة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان سماحة العلامة الجليل الشيخ نعيم حسن وبحضور كل من الأستاذين الفاضلين الأستاذ الدكتور محمد شيا رئيس قسم الفلسفة في الجامعة اللبنانية والدكتور رائد القاقون الباحث في الفلسفة، وقد لمست لدى سماحة الشيخ نعيم حسن عمق التفكير وسعة الصدر والثقافة الموسوعية العالية والخلق الرفيع والحس الوطني اللا محدود واهتمامه بشؤون الأمة وشجونها وتطلعاتها المستقبلية لغد أفضل يحفظ حقوقها وحريتها وكرامتها ويعلي شأنها بين الأمم كما استعرضنا في هذا اللقاء أبرز رموز الأمة وقادتها وفي مقدمتهم الأمير سلطان باشا الأطرش(1891_1982) والذي يكن له الجميع محبة خاصة واحتراما كبيرا كونه من أبرز رموز الثورة العربية عام 1916 ورجالاتها الأفذاذ و لدوره القيادي للثورة السورية الكبرى عام 1925 ضد الانتداب الفرنسي وأحد أشهر الشخصيات الدرزية في العصر الحديث وبمناسبة الذكرى السنوية لرحيله حيث وافته المنية بتاريخ 26 آذار 1982 أهديه هذه القصيدة تكريما لنضاله البطولي وإرثه الجهادي الخالد على مر العصور .

أ.د جبار جمال الدين

لو انصفوك لكنت في الجوزاءِ
يا بيرق الاحرار والعظماء
سلطان يا رمز الأصالة والنهى
يا ليثَ غابٍ جال في البيداء

طالعتُ تاريخ الدروز فلم أجدْ
الا صحائفَ عزةٍ وثناء
وشرعت أستافُ العبيرَ بروضهم
وأهيمُ في دنيا من العلياء

يا شبل ذوقان وأنت رسالة
فاحت بطيب شذى وسحر بهاء
تلقى المنايا الكالحات بوثبة
لتذود عن حق بسيل دماء

قف في سويداءِ البطولة هاتفاً
هذا محطُّ رجولةٍ واباء
وهنا على الجبل الأشمِّ تسابقت
هممُ الرجالِ بصولةٍ وفداءِ

وعصائب يتهافتون على الردى
في كل موقعة وكل لقاء
يا شام كنت مدى الزمان ندية
كالثلج أو كالفضة البيضاء

لله درك أي وجه مشرق
رغم الخطوب وقسوة الأرزاء
من ميسلون وربع مجدك شامخ
يهفو لتحرير وعيد جلاء

في كل معترك عرينك ثابت
يوفي الديون سلمت أي وفاء
سلطان عزمك لم يزل في أوجه
ميراث آباء إلى الأبناء

يا آل معروف وإن بخافقي
شوق المتيم والهوى بإزائي
بادلتكم شوقي وفيض مشاعري
ووهبتكم وجدي برغم عنائي

فلقد وجدت بكم طلائع أمة
ورعيل توحيد وبحر عطاء
سلطانُ يا رمز َ الجهاد تحيةً
في يوم فَقدِكَ موحش الارجاءِ

لا لن تموت فأنت سر ٌّ خالدٌ
يبقى بكل ثرىً وكلِّ سماءِ
ولسان حالك لم يزل في مسمعي
للآن يهتف في ربى الفيحاء

خلفت غاشية الخنوع ورائي
وأتيت أقبس جمرة الشهداء

العدد 31