الخميس, نيسان 25, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, نيسان 25, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

عين داره

– من يحاول تشويه طبيعتها وسلخها عن محيطها الحيوي؟
– بدر لـ الضّحى: سنجعل من عين داره درة هذا الجبل
– نعمل على منع التعديات البيئية التي تستهدفنا بكافة الوسائل المتاحة
– لدينا من المعالم الطبيعية والآثار ما يجعل عين داره محط جذب لعشاق السياحة والمشي في الطبيعة
– الأخطار البيئية الناجمة عن المحافر والكسارات ألحقت الأذى بالسكان وجعلتهم عرضة لأمراض السرطان
– نسعى لتوأمة عين داره مع مؤسسات داخلية وخارجية
– نعمل على استحداث بوابة لمحمية أرز الشوف انطلاقاً من جبل عين داره وإنشاء درب للمشي في الطبيعة على رؤوس القمم الجبلية

شكلت بلدة عين دارة في جرد قضاء عاليه في ما مضى وعبر التاريخ اللبناني القديم والحديث، نقطة التقاء، وعقدة وصل، ومحط ترحال القوافل والقادمين من الشرق الى الجبل والساحل اللبناني، أضف الى الحملات العسكرية والغزوات المتكررة على هذه المنطقة منذ ما قبل الفتح العربي وبعده، وتسلسل حكم الإمارتين الأرسلانية والتنوخية أيام المماليك، مروراً بالإمارتين المعنية والشهابية، وصولاً الى حكم المتصرفية وما سبقه من تدخلات أجنبية قادت إلى نهاية إمارة الجبل واستبدالها سنة 1842-1845 بنظام القائمقاميتين، الذي أخفق بدوره بعد خمسة عشر عاماً ليستبدل سنة 1861 بنظام حكم جديد هو متصرفية جبل لبنان الذي استمر حتى مطلع الحرب العالمية الأولى.
ما يميز عين دارة عن غيرها من القرى الجبلية موقعها الجغرافي المحاذي لظهر البيدر الممر الطبيعي الذي كان يربط دولة المشرق العربي بسواحل هذه الإمارة الممتدة من طرابلس شمالاً الى صيدا وصور وعكا وصولاً الى عكا فمدينة العريش جنوباً.
تشترك عين دارة وباقي القرى والبلدات الجبلية بجمال موقعها في السفح الشمالي لجبل الباروك المطل على عدد من قرى قضائي الشوف وعاليه؛ إلا أن ما يميّزها هو موقعها المحاذي لطريق ظهر البيدر – الأوتوستراد العربي الذي يتجه شرقاً صوب شتورا ثم الحدود السورية اللبنانية، إضافة الى وجودها في منطقة وسطية وقربها من العاصمة بيروت ومركز القرار الإداري في بعبدا وعاليه، فالمسافة التي تفصلها عن الدامور في ساحل الشوف هي نفسها التي تفصلها عن جونية في ساحل كسروان. فضلاً عن محبة أهلها لها، ارتباطهم الوثيق بها، وإصرارهم على عدم هجرها لا صيفاً ولا شتاءً، ولعلها من بين القرى اللبنانية القليلة التي جرى إدخالها في التراث الغنائي «الدلعونا»

يا طير الطاير من فوق عين داره سلم ع الحلوة بعتلا إشارة
قلاّ محبوبك عمرلّك حارة دار شبابيكا صوب بحمدونا

ولكن عين دارة تعيش منذ فترة معاناة خطيرة وذلك بسبب المحافر والكسارات التي تنهش جبالها، وما خلفته من ضرر بيئي عليها طوال العقود الثلاث الماضية يظهر جلياً في التدمير الذي حصل للجبال، والتصحّر للأودية. تشهد البلدة منذ سنوات معركة وجود بين الحق والباطل، بين حقها المشروع في حماية مشاعاتها وأملاكها العامة التي تصر البلدية والأهالي على حمايتها برموش العين، وبين من تعوّد استباحة الملكيات العامة وتحويلها إلى مشاريع تجارية خاصة ومشبوهة؛ كما حدث مع «معمل الموت» للإسمنت لأصحابه آل فتوش، والذي جرت محاولة نقله إلى خراج بلدة عين دارة، بعدما لفظه ورفضه أهالي زحله وأمكنة أخرى في البقاع. تمّ نقل المشروع الى جوار محافر التيفينول والكسارات التابعة لهم في جبل عين دارة في ظهر البيدر. واللافت أن بعض المتنفذين في الحكم وخارجه، وقفوا إلى جانب المشروع متناسين رفض أهالي عين دارة الشامل ومعهم منطقة الجرد بأكمله، وأصروا على نقل المعمل إلى خراج البلدة وما يحمله من مخاطر على البيئة الطبيعية وخزانات المياه الجوفية، ومن تشويه لجمال البلدة. رفضت البلدية والأهالي رفضاً قاطعاَ بإنشاء المعمل في خراج بلدتهم، لعلمهم بالأثار الكارثية لمعمل الموت وخطره على المياه الجوفية التي خلفتها هذه المحافر وما يستخدم من وسائل التفجير والديناميت الفتاك لتفتيت الجبل. ووقاد ضغطهم إلى إصدار قرار قضائي بالمنع مازال سارياً حتى الساعة.

لمحة تاريخية

كثرت التفسيرات حول المعنى الحقيقي لـ كلمة «عين داره». هناك مراجع تفيد أنها مركبة من اسمين «عين» تعني نبع ماء، و»دارة» المكان المنبسط. وهناك تفسير آخر يرى أن الاسم هو تحريف لاسم القائد الفارسي داريوس، الذي حارب الإسكندر في معركة إيسوس سنة 332 ق.م. ويقال إنه حطّ رحاله في هذا الموقع قبل تقدمه باتجاه صيدا وصور. وهناك تفسير ثالث يقول: أن عين دارة، كلمة سريانية تعني بلاد الحرب. هناك تفسير رابع يقول: أن القرامطة بعد نزوحهم من الإحساء في شبه الجزيرة العربية الى لبنان وسورية، أطلقوا اسم عين دارة في هذا المكان إحياء لذكرى بلدتهم التي تحمل نفس الاسم. ما يعني أن عين دارة قديمة قدم الزمن، ولقد ورد اسمها في العديد من المراجع التاريخية ومنها:
كتاب تاريخ الأسر في جبل الشوف، من خلال مخطوط قديم حققه وقدم له المحامي سليمان تقي الدين، شاركه فيه المؤرخ نائل أبو شقرا وفيه إشارة الى أن الذين عمروا عين دارة وسكنوها، هم من بني الفوارس ومطوع، وبني الشاعر ومسعود. ومنها انتقلوا إلى كفرمتى، وبيصور وعبيه. في محيط عين دارة لجهة الشمال الشرقي كانت تنتشر مجموعة قرى ما زالت آثارها قائمة الى اليوم وهي: تفحتي، عين الملسي، والرخيصة، وتيروش وأحياناً تكتب طيروش، وفيها بقايا معبد قديم الى جانب المقصلة التي تعرف بـ «المشنقة».
ويشير المرجع عينه الى الطوفان الذي حلّ بمنطقة الجرد يوم الأثنين في الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة من سنة ثلاثة وستين وتسعمائة من الهجرة النبوية 963 هجرية الموافق 1556 ميلادية بالقول: يومها قدّر السميع المجيب بحصول طوفان وسيولة هائلة غمرت نهر الجوايب وهو متصل بنهر الصفا فجرف معه كل ما وجد من أملاك وأشجار مثمرة وغيرها، ما لا أحد يحصيه، كما جرف طاحونة الشيخ زين الدين القاضي، وهو ابن الشيخ بدر الدين القاضي العنداري، ولدى بلوغه نهر الصفا أخذ بطريقه طاحونة الشيخ بدر الدين العنداري التنوخي من بيصور الذي كان يسكن في عين دارة.
وهناك مراجع أخرى تقول أن عين دارة موجودة من أيام الرومان. وكانت مركزاً لاستخراج الحديد والخزف، ولقد عمروا فيها مسابك للحديد، وهناك ناحية لاتزال تعرف بخلة المسبك، وهي قائمة الى الآن.
لذا، من الواضح أن عين داره بالنظر لموقعها في أعالي منطقة الجرد وبالقرب من الطريق التي تربط دمشق بإمارة جبل لبنان والساحل اللبناني، شكلت المحطة الأولى لسكن القبائل العربية اللّخمية والمناذرة والتنوخية التي قدمت الى لبنان وبالتحديد الى الشوف والغرب بتوجيه من الخليفة أبو جعفر المنصور لحماية الثغور وصدّ غزوات الروم عن المدن الساحلية، ومنها توزعوا على سائر القرى الجبلية.

د. منير عطالله: عين دارة دائماً …يداً واحدة

الباحث والأستاذ الجامعي الدكتور منير عطا الله كشف في حوار مع «الضّحى» أن عين دارة قائمة من أيام التنوخيين، وقبل أن تتحول الى اسمها الحالي كانت تدعى تيروش، وتقع الى الشرق من البلدة اليوم، وبسبب الصقيع والثلوج وصعوبة العيش اضطر سكانها الى النزوح باتجاه منطقة «الرخيصة» حيث عين داره اليوم. وفي مطالعة تاريخية له عن تلك الحقبة أورد عطا الله أنه وبعد توالي الهجرات من شبه الجزيرة العربية الى بلاد الرافدين، أسسوا في العراق مملكة الحيرة والمملكة اللّخمية وكانوا يتبعون الفرس الغساسنة. وبعد معركة القادسية وانتصار العرب على الفرس انتهت دولة اللخميين وانهزم الفرس، ونزحوا باتجاه الشرق فهرب قسم كبير من اللخميين باتجاه وادي الفرات فوصلوا الى حلب. ولما كانوا في الحيرة كانوا على المعتقد النمطي، ويقولون بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح. وبعدما هزموا على أيدي البيزنطيين أيام الإمبراطور جوستنيانوس الأول، انتقلوا الى شمال حلب وأقاموا فيها بعد أن تحولوا على الطقس السني. وعن إعمار عين داره كشف عطا الله عن روايتين، الأولى: للأستاذ نديم حمزة في رسالة الماجستير، يذكر أن التنوخيين تم استدعاؤهم من قبل العباسيين بالتوجه الى الأماكن المطلة على الساحل اللبناني لحماية الثغور، إثر اشتداد الصراع بين العباسيين والبيزنطيين فمروا بـ تيروش، ثم انتقلوا منها الى «الرخيصة «حيث عمروا عين داره اليوم. الثانية للمؤرخ محمد علي مكي تقول إن القرامطة هم من عمر عين داره سنة 905 ميلادية. وذلك بعد احتلال سورية الطبيعية، وتسمية عين داره جاءت نسبة الى بلدتهم عين داره في منطقة الإحساء. لكن الدكتور عطا الله يستدرك ليقول القرامطة مكثوا في عين داره فقط أربع سنوات ما يعني أن هناك شك أن يتمكنوا من إعمارها في هذه المدة القصيرة. ويشير الى ما كان قد لفت إليه مدير الآثار السوري علي أبو عساف في كتابه عن الممالك الآرامية الذين نزحوا من الشمال الغربي لمدينة حلب، الى إحدى ضفاف نهر عفرين وكان يوجد بالقرب منه موقع أثري يدعى عين داره فكان مقصداً لهذه الجماعات التي توطنت بالقرب منه. ومن هناك اتجهوا الى حمص مروراً بوادي العاصي وصولاً الى سهل البقاع، وكان أقرب قاطع جبلي يصلون منه الى منطقة الغرب، كان قاطع ظهر البيدر وسهل المغيثة، واتجهوا من هناك الى عين داره عبر هذا الممر الذي أنشئت عليه فيما بعد سكة الحديد. وذّكر بأن أول شيخ عقل للطائفة الدرزية كان الأمير بدر الدين العنداري خال الأمير فخر الدين المعني الثاني، ويقال إنه كان فتياً، حفظ العلوم وقضى في عين داره، ومدفنه ما زال قرب منزل الأستاذ جميل يحي وهو عبارة عن غرفة صغيرة، فيها ضريح الأمير بدر الدين العنداري. والمعطيات التاريخية تقول أنه كان بزيارة أقربائه فوافته المنية هناك. ونقل جثمانه الى أعبيه ودفن قرب ضريح الأمير السيد قدّس الله سره. ولفت عطا الله أن معظم تلامذة الأمير السيد كانوا بغالبيتهم من عين داره. ويروى عن الأمير السيد الذي توفي سنة 1470 لدى مروره بعين داره التي وصلها بعد مغيب الشمس قادماً من دمشق، أستقبله أهالي عين داره بمشاعل «اللقش» فاستغرب الأمر لأن الزيتون لا يعيش في عين دارة بسبب الصقيع وتساقط الثلوج باستمرار في الشتاء. ولهذا السبب أدرج في وصيته كرم الشاغور الكائن في صحراء الشويفات لدروز عين داره، وما تبقى فيه من أشجار تين وحطب يكون من نصيب العائلات المسيحية للاستفادة منه في فصل الشتاء؛ لافتاً الى إحدى الحجج القديمة التي نصّت على اقتسام عين القاقبة الكائنة قرب البيت الأثري لآل عطا الله. والجدير ذكره أن ساحة آل العقيلي آلت الى آل عطا الله بعد انتقالهم من البلدة. أم الشخص الذي عمر المنزول فهو أحد امراء آل علم الدين ويدعى مظفر العنداري شقيق الأميرة خاصكية الزوجة الثانية للأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير. وهو الذي رافق الأمير فخر الدين الى الشمال في حربه ضد آل سيفا، وهو الذي عمر أيضاً بوابة آل عطا الله.
وعن قدوم العائلات المسيحية الى عين دارة يقول عطا الله أن سكن المسيحيين في عين دارة وغيرها من القرى الجبلية مرتبط بالاتفاق الذي تم بين الأسر الإقطاعية الدرزية على تسهيل مجيء المسيحيين من الشمال الى جبل لبنان الجنوبي وذلك بحدود سنة 1580 بعد الهجوم العثماني على الإمارة المعنية ومعركة عين صوفر الشهيرة ومقتل الأمير قرقماز والد الأمير فخرالدين المعني الثاني الكبير، لافتا الى أن آل بدر مثلاً قدموا الى عين دارة من تنورين، وهم فرع من آل طربيه وآل الحداد قد يكونوا موجودين في البلدة قبل آل بدر. وهم يرتقون في الأصل الى بلدة بطمة الكسروانية، ولا نعرف إذا كان هناك من رابط بينهم وبين آل الحداد في بطمة الشوف.
عطا الله لفت الى تقهقر البلدة وتراجع الحياة فيها بسبب الهجرة الكثيفة من سكانها الدروز والمسيحيين للانتقال الى المدن الساحلية وارتباط البعض منهم بالوظائف أو بالمصالح الخاصة التي تحول دون الإقامة الدائمة في البلدة، فتراجع سوقها التجاري بشكل ملحوظ لصالح سوق العزّونية الذي يربط العزّونية بصوفر عن طريق المقام الشريف، والاستغناء عن سلوك طريق عين داره – المديرج.
وقد حافظ أهالي عين دارة على التعايش المسيحي – الدرزي في البلدة في كل المفاصل التي مرّ بها لبنان، بجهود المخلصين من الطائفتين ما فوت الفرصة على المتآمرين وحيّد البلدة من تجرع هذا الكأس المرّ. كذلك كانت عين دارة يداً واحدة في مواجهة العدوان الإسرائيلي سنة 1982، فلم تدخل القوات الإسرائيلية بل بقيت قبلها بكيلومترات عدة بعد معركة نبع الصفا التي تكبد الإسرائيليون فيها خسائر في الرواح والعتاد، ولم يحاولوا مرة ثانية التقدم باتجاه عقدة المواصلات الرئيسية في المديرج.

بدر- عين داره درة الجبل

رئيس بلدية عين دارة العميد المتقاعد مارون بدر لخص في حوار شامل مع «الضّحى» معاناة البلدة من فوضى المقالع والكسارات، والمحافر الرملية القائمة في نطاق البلدية، من تخوم بلدة بمهريه الى الحدود مع بلدة قب إلياس البقاعية، وصولاً لخراج قرية عميق البقاع، وظهر البيدر والمديرج وحمانا من الناحية الشمالية واعداً بجعل عين دارة درة جبل لبنان.
فمن ناحية الموقع والجغرافيا وعدد السكان، أشار بدر أن مساحة المدى الحيوي لـ عين داره تبلغ 33 مليون متر مربع. ويتراوح ارتفاعها عن سطح البحر ما بين 1250 م الى 1500م. بينما الجبال المحيطة بها فيبلغ ارتفاعها 1950م. كما أن حدودها الشرقية الشمالية تصل الى خراج بلدتي قب إلياس وعميق البقاعيتين، ومن الشمال الغربي تصل الى خراج بلدتي حمانا وفالوغا. ومن الغرب الى حدود صوفر وشارون. ويحدها من الجنوب العزونية وبمهريه ومشقيتي. وهي تشكل نقطة وسطية لكافة المحافظات. وتبعد عن بيروت 35 كلم، وعن زحلة 20 كلم، وعن الدامور 30 كلم، وعن بعبدا 25 كلم.
عدد سكانها الإجمالي يتراوح بين 12ألف نسمة و15ألفاً، والمسجلين على لوائح الشطب 4500 ناخب.
عائلاتها: بدر- حداد- يمين- زيتوني- أبو فيصل- عطاالله- هيدموس- يحي- فيصل- زكريا وهبي. وهم من المسيحيين والدروز. ويصف بدر عين داره ببلدة التعايش الحقيقي المتوارث أباً عن جد، ممارسة وليس كلاماً. ولم تحصل فيها ضربة كف واحدة طيلة الحرب الأهلية. فالعلاقات الاجتماعية بين أهاليها على أفضل ما يرام. ويتناقص عدد السكان شتاء ليصل الى نسبة 50 في المئة بسبب انتقال بعض العائلات الى المدن الساحلية.
تقع عين داره ضمن نطاق محمية أرز الشوف، أول بلدية تشكلت فيها كانت في العام 1920، وهي تمتاز اليوم بشوارعها المرقمة وأسماء أحيائها. وتضم أربعة مدارس، واحدة رسمية ومدرستين خاصتين، وثانوية تستوعب طلاب البلدة والقرى المجاورة. وفيها خمسة كنائس وستة قيد الإنشاء. ويشكل الموارنة 55 في المئة من سكانها المسيحيين. وهي محصنة ضد الأعاصير والسيول الجارفة التي تحصل عادة في الشتاء. وإن عملية الإنماء فيها من أولويات اهتمامات المجلس البلدي، وهي تجري على قدم وساق وفق الإمكانيات المادية المتوفرة، فمن أصل مليار ونصف المليار ليرة رسوم القيمة التأجيرية، لم تستوف البلدية منها سوى ستة ملايين ليرة. ولديها أكثر من مئة مليار ليرة بدلات رسوم عن المحافر الرملية والكسارات لم يدخل الى صندوق البلدية منهم شيئاً والموضوع أصبح في يد القضاء.
في موضوع السدّ المزمع إنشاؤه شرق البلدة، لفت بدر الى وجود اعتراضات كثيرة عليه من قبل الأهالي، والأمور ما زالت قيد الدراسة. لافتاً الى وجود تباين مع بلدية بمهرية حول المساحة وترسيم الحدود بين البلدين. معتبراً الخلاف على المقالع والكسارات والمحافر الرملية، بأنه مشكلة بيئية قديمة، بسبب الفوضى التي حصلت خلال الأحداث والتدخل السوري مع بعض المنتفعين والمتنفذين بسبب استحصالهم على تراخيص مخالفة للقوانين ومن دون تحديد مهل قانونية وعدم الاستفادة من الرسوم. فالعمل فيها يجري بطريقة عشوائية غير منضبطة أدى في نهاية المطاف الى تدمير كارثي لطبيعتها. وقد ساعد على ذلك الفساد الإداري المعروف في دوائر الدولة. كما حصل تهريب لكثير من الأراضي المشاعية وتحويلها الى أملاك خاصة، ما أدى الى تلك الفوضى القائمة، والتشوهات التي أضرّت بالبيئة والطبيعة. وهو ما جعل مالكو الكسارات لا يتقيدون بالشروط البيئية وشروط المخطط التوجيهي للمقالع، ما أوجد خلافات كثيرة وغير مبررة في التعدي على الطبيعة. وإننا في البلدية تقدمنا بشكاوى الى الوزارات المعنية، لوضع حد لهذه الفوضى المستشرية في جبلنا لفرط ما أصيب من أضرار جسيمة في الشجر والبشر. وذّكر بدر أن عين داره، كانت تنتج في الماضي ما يزيد عن مئتي ألف صندوق من التفاح والكرمة والفواكه المختلفة، التي كانت تعتر مصدر الرزق الأساسي لغالبية الأهالي. أما اليوم فقد تقلص الإنتاج الى بضعة آلاف فقط. كما أن التلوث الموجود أثر بشكل واضح على السلامة العامة، و على صحة الناس. تجلى ذلك بالارتفاع المتزايد بنسبة الوفيات، والمصابين بالأمراض الصدرية والسرطانية والهضمية، وضيق التنفس. لافتاً الى العديد من الينابيع التي نضبت جراء التفجيرات التي تحصل بصورة مستمرة. منها على سبيل المثال عين الشتوية الشهيرة. وذلك بسبب الفوضى وعدم الرقابة للمواد المتفجرة التي تستخدم لاستخراج البحص والتيفينول والرمل.
وأكد بدر، أن كافة الكسارات والمرامل اليوم متوقفة عن العمل بقرارات قضائية، متمنياً أن تبقى إجراءات وقف العمل سارية المفعول بسبب الأضرار التي حصلت في السابق.

معمل إسمنت الأرز

بالنسبة لمعمل «اسمنت الأرز» الذي يخص بـعض الجهات النافذة. أوضح بدر أن هذا المعمل حصل على ترخيص من وزارة الصناعة في العام 2015 جراء تقاعس من البلدية السابقة، وعدم تصديها لهذا المشروع بالشكل المطلوب، كاشفاً أنهم اليوم في مرحلة صراع قضائي مع ا صحاب المعمل والجهات التي تقف وراءهم. وقال: منذ فترة ليست بعيدة استحصلت البلدية على قرار من وزارة الطاقة بعدم قيام أية إنشاءات في المنطقة من(كسارات – مرامل – مصانع وخلافه) تحت طائلة المسؤولية، قبل إجراء دراسة بيولوجية للمنطقة.
على صعيد المحافر أكد بدر أن البلدية أوقفت ذلك منذ ثلاث سنوات، ورغم ذلك يوجد تهريب لكن البلدية جادة بالتصدي لجميع المخالفين.
وعلى صعيد الخطوات المستقبلية لإزالة الضرر البيئي، أوضح بدر أن البلدية بصدد القيام بالعديد من النشاطات البيئية ومنها: درب القمم، وتشمل الجلوف الصخرية على أنواعها، وفي التلال ورؤوس القمم والغابات. وتسعى البلدية بالتنسيق مع محمية أرز الشوف الى استحداث بوابة ثالثة للمحمية انطلاقاً من عين داره. والقيام بورشة تشجير شاملة في مكان الكسارات والمحافر لإزالة التشوهات، وإقامة متاحف لمشاهدة تلك الأضرار، وبناء شاليهات وبيوت سياحية، ومعمل للنبيذ ومعملين للمياه.

المعالم الأثرية

العميد بدر لفت الى غنى عين داره بالمعالم الأثرية، مشيراً الى وجود قريتين أثريتين قديمتين ضمن خراج عين داره. وهما: اليهودية وتيروش، ولاتزال آثارهما باقية الى اليوم، ومنها بقايا معبد روماني ومشنقة في تيروش. كما يوجد فيها ثلاثة عيون ماء أثرية، وبعض الجسور، من بينها جسر وادي الدبور، وجسر الجعايل. وأعتبر بدر أن الوجود المسيحي في عين داره يعود لأيام الرومان والصليبيين. وهي تضم مجموعة كنائس أبرزها كنيسة مار جرجس. وهناك مراجع كثيرة تتحدث عن الدور الكبير لمشايخ آل عطا الله في البلدة والمنطقة المجاورة، وإن أملاكهم التي تصل الى رياق في البقاع تشهد على ذلك. كاشفاً عن العديد من المشاريع المنوي تنفيذها، وأبرزها التوصل الى نوع من التوأمة بين عين داره وإحدى المؤسسات الداخلية أو الخارجية، بهدف تنفيذ مشاريع إنمائية تعود للصالح العام في البلدة. وإن البلدية ضمن الإمكانيات المتاحة تعمل على صيانة الطرقات العامة والداخلية، وبناء جدران دعم، والمحافظة على السلامة العامة. وهي بصدد إنشاء العديد من المشاريع التجميلية، ومنها حديقة للجيش تحت اسم ساحة الجيش، على أن تتحول الى حديقة عامة. بالإضافة الى تحسين مداخل البلدة، واستكمال مبنى البلدية، وإنشاء ملعب رياضي يشمل كل الألعاب الرياضية، وتزويده بكل المعدات اللازمة. ومن ثم الشروع بورشة تحريش الأماكن التي تعرضت للضرر البيئي بأغراس الصنوبر والأرز، ومتابعة كافة الأمور المتعلقة بحقوق البلدة المالية، والإدارية، والقضائية. وإعادة تأهيل أرشيف البلدية، وصيانة الشبكات الكهربائية والمائية.
ومن أعلام عين داره النائب الراحل شفيق بدر والعديد من الشخصيات المعنوية من عسكرية وسياسية ودينية وفكرية واقتصادية وإعلامية وثقافية وفنية ونسائية.

يمّين: إبقاء الوضع على ما هو غير مقبول

مختار عين داره شربل يمّين أوضح لـ «الضّحى» أن مشكلة المرامل والكسارات في عين داره هي في الأساس سياسية، وإن بعض الأحزاب النافذة والجهات التي تقف وراءها كانت المستفيد الأول من هذا الموضوع، بسبب الفوضى وتزوير الحجج فأصبح من لا يملك شبر أرض في جبل عين داره أصبح بين ليلة وضحاها من الأثرياء ومن أهل الحل والربط. فقاموا بمسح مئات الوف الأمتار وبلغ سعر المتر الواحد 20 دولاراً. وأصبح عدد الكسارات 25 كسارة، وما يقارب هذا العدد من المرامل والمحافر نتج عنها هذا التشويه المخيف لطبيعة البلدة، عدا عن الأضرار البيئية التي لحقت بها. هذه الأضرار الجسيمة ما كانت لتحصل لولا تورط رئيس البلدية سامي حداد والسماح بالإمعان بهذه التعديات. وطال يمين بعدم تحميل آل فتوش وحدهم مسؤولية ما جرى، وهو لا يمانع من إنشار مصنع إسمنت الأرز شرط أن تلتزم الجهة المشغلة بدفع رسم معين للبلدية لا يقل عن 200 ألف دولار كحد أدني وتشغيل أثر من 600 شخص من أبناء عين داره والقرى المجاورة. على أن يخضع هذا المصنع لمراقبة وزارة البيئة. مطالباً الالتزام بدفتر شروط معين يلزمهم التقيد به، لأن بقاءها بهذا الشكل غير مقبول.

عطا الله: عين داره كانت صفاً واحداً في التصدي لمعمل الموت

عضو لجنة الأوقاف في المجلس المذهبي والناشط البيئي والاجتماعي الأستاذ رياض عطا الله أوضح لـ «الضّحى» عن الميزة الاجتماعية التي تتحلى بها البلدة لجهة العلاقات الاجتماعية الوثيقة التي تربط أهالي الضيعة من الطائفتين المسيحية والموحدين الدروز فيما بينهم وتمسكهم بصيغة العيش المشترك والحفاظ على التقاليد والعادات الاجتماعية الأثيلة في ممارسة الواجبات الاجتماعية. كما لفت الى أن البلدة كانت تشتهر قديما بزراعة أشجار التفاح ولكن مع مرور الزمن وانتقال العديد من الأهالي الى المدينة تضاءلت هذه الزراعات ولكن في الوقت الحاضر هناك اهتمام من قبل شباب الضيعة أكثر في الأرض.
كذلك اضاء على موضوع التشوه البيئي الذي أحدثته الكسارات الموجودة في جبال البلدة ووقوف أبناء البلدة صفاً واحدة ضد الكسارات لما لها الموضوع من آثار سلبية على البلدة وعلى الثروة المائية.
وتابع الاستاذ رياض عطالله أن عين دارة كانت صفًاً واحداً بلدية ومخاتير وعائلات في التصدي لمعمل الموت الذي أراد اصحابه تحقيق الربح المادي على حساب صحة الأهالي لا في عين دارة فقط ولكن في المنطقة وخارجها… إذ الموقع هو مكان تجمع الثلوج اي للمياه وإذا اختلطت المواد السامة فيعني تسميم الينابيع، وتعميم كل أنواع الأمراض، السرطان وسواه، على أهالي منطقة لا يقل عدد سكانها عن ٥٠ ألف نسمة…. ونحن نشكر كل من تضامن معنا في التصدي لمعمل الموت… ونشكر مجلة الضحى لإضاءتها على هذا الموضوع.

هيدموس نطالب وزارة البيئة بمشروع إصلاحي

رئيس بلدية عين داره الأسبق فؤاد هيدموس لفت في حديث لـ الضّحى أن الدراسات التي قامت بها وزارة البيئة مهمة جداً لكن تنفيذها متوقف بسبب الأوضاع التي يمر بها البلد. ولا مانع لدينا بإنشاء محمية خاصة بـعين داره أو ضمها لمحمية أرز الشوف شرط معالجة التشوهات. إذ لا يكفي وقف عمل الكسارات والمرامل ووقف إنشاء مصنع الإسمنت المطلوب تعاون مشترك بين وزارة البيئة والتنظيمات الرافدة لها وبلدية عين داره والأهالي لإزالة كل التشوهات، على أن يستكمل ذلك بمشروع إصلاحي للمنطقة يعود بالفائدة العامة للبلدة وحفز لإقامة المشاريع السياحية والبيئية. لأن وقف العمل بالكسارات والمرامل يفرض أن تكون له تتمة تساعد الأهالي على الصمود في بلدتهم.

حداد: عين دارة مثال للتعايش حتى في عز الحرب

راعي أبرشية عين داره لطائفة الروم الأرثوذكس، والمدير المشرف على المدرسة الخاصة في البلدة التي أسسها أسلافه. لفت في حوار مع «الضّحى» الى النقص الحاد في المقومات الزراعية في عين داره، باستثناء بعض المشاريع الصغيرة، المعتمدة من قبل الأهالي كي لا تصاب أملاكهم باليباس أسوة بغيرها بعد أن تراجع عدد المهتمين بالزراعة وأصبحوا قلة. أما بقية سكان البلدة، إما هاجروا الى بلاد الاغتراب أو انتقلوا للسكن في بيروت أو في المدن الساحلية، بسبب ظروفهم العملية المعروفة، وتتلخص بعدم توفر فرص العمل من جهة والتحاق أبنائهم في الجامعات من جهة ثانية. مع ما يستتبع ذلك من علاقات اجتماعية اعتادوا عليها. هذا بالإضافة الى ما قد يطراً من تغير في نمط الحياة والاختلاط عن طريق الزواج فيجد الأهل أنفسهم أنهم مضطرون للسكن بالقرب من أولادهم. وهذا الأمر انعكس سلباً على طبيعة الحياة في الريف بشكل عام، وعلى عين داره بشكل خاص، لدرجة أصبح القسم الأكبر من سكان البلدة لا يأتون اليها إلا في الويك أند، وأيام العطلة، أو عندما يضطرب حبل الأمن في المدينة فيتذكرون ضيعتهم.
وعن كيفية المحافظة على التعايش الأخوي بين المسيحيين والدروز خاصة وإن عين داره من القرى ذات الغالبية المسيحية. لهذا السبب يقول الأب حداد أن عين داره هي مثال للتعايش المسيحي – الدرزي حتى بعز الحرب الأهلية. وإن الأهالي في فترة الحرب الأهلية ألزموا أنفسهم باتفاق شرف، خلاصته: من يريد أن يشارك في الحرب فليذهب الى خارج عين داره ولا يعود إليها لأنه ليس منها. لقد قررنا أن نعيش بسلام ووئام كأبناء بلدة واحدة. هذا التوافق حيّد البلدة عن المشاكل وأراحنا جداً فنحن الروم الأرثوذكس والموارنة والدروز نعيش في عين داره بسلام وأمان، ولا ينغّص عيشنا أحد. لدينا الكثير من الوعي والانتباه، ولم يحصل ما يكدر خاطرنا لا في زمن الحرب ولا في أيام السلم. ومن هذا المنطلق تمكنا من المحافظة على تعايشنا الأخوي فأضحينا مضرب مثل في صفاء العيش، وفي علاقاتنا الاجتماعية مع بعضنا البعض. لكن الهجرة من الريف الى المدينة أثرت بشكل مباشر على وضع السكان في البلدة التي يوجد أكثر من نصفهم خارجها، أما نحن فما زلنا صامدون ولكن في فصل الصيف يكون الوضع أفضل بكثير.
وعن تراجع الاهتمام بالزراعة، قدم حداد نفسه كواحد من المزارعين الذين لا يجنون شيئاً من الزراعة، رغم الإصرار على الاهتمام بالأرض فبساتين التفاح التي كانت تنتج أكثر من مئتي ألف صندوق تفاح كل موسم، تراجع المحصول الى ما دون العشرة آلاف، وكذلك بالنسبة لبقية المواسم من كرز وتفاح وإجاص وعنب وغيرها من أنواع الفاكهة. فبالزراعة اليوم بالكاد أن تعوض على المزارع بدل الأتعاب في ظل الغلاء المستفحل للأدوية الزراعية، والأسمدة وحراثة الأرض، والري وما شابه. وسأل: من أين تأتي مقومات الصمود لطالما لا يوجد في المنطقة لا معامل ولا مصانع لتشغيل الناس. لافتاً الى محاولات البعض تنفيذ بعض المشاريع الزراعية أو الحرفية، لكن عدم توفر الدعم المطلوب يجعلهم عاجزين عن تكملة مشاريعهم بسبب ارتفاع أسعار المواد المستعملة، وغلاء اليد العاملة. ورأى أن الصمود في القرية يتطلب توفير فرص العمل، والمدارس والجامعات لتعليم الطلاب. وقال: لدينا اليوم في عين داره ثانوية هي من أهم الثانويات في المنطقة وإن مديرها الأستاذ سمير نجم يسهر على تطويرها والمحافظة على مستواها التعليمي، ولكن عندما ينهي الطلاب دراستهم الثانوية سينتقلون حتماً الى المدينة للالتحاق بالجامعات. ولو كان في عين داره فروع للجامعة اللبنانية لكان الوضع أفضل بكثير ممّا هو عليه اليوم.
وعما يطلبه من الدولة لضمان صمود الناس في البلدة؟ قال: ماذا يمكننا أن نطلب من الدولة في ظل هذه الأوضاع المتأزّمة التي نمر بها. فالدولة اليوم أصبحت على شفير الإفلاس، وهي تنتظر من يساعدها. ولكننا نطالبها بالاهتمام بالأرياف، وتشجيع الناس على الصمود، ومساعدتهم بالحصول على القروض الزراعية والصناعية والسكنية من دون فوائد، وإنشاء المشاريع الزراعية والصناعية وإقامة مستوصف في البلدة، ومركزاً للصليب الأحمر والدفاع المدني. وإنشاء نفق عين داره – شتوره، وتأمين خطوط المواصلات، وإعادة تشغيل القطارات بعد تأهيل خط سكة الحديد الذي يربط بيروت بالشام.

وعن الخدمات التي تقدم من نواب المنطقة وممثلي الشعب، أشار بأن جهودهم تقتصر على القيام بالواجبات الاجتماعية وطالبهم بالوقوف الى جانب عين داره في معركتهم مع آل فتوش لأن إنشائهم معمل إسمنت الأرز، الذي قد يؤثر جداً على المياه الجوفية للبلدة والقرى المجاورة.
وعن الجمع بين دوره كمسؤول عن الرعية الأرثوذكسية في البلدة ومهامه كمسؤول عن المدرسة الخيرية التابعة لها، لفت الأب حداد الى دوره كمسؤول عن ن المدرسة، وهو يقوم بواجبه. وأشار أن هذه المرسة تأسست سنة 1965 وهي مكملة لمدرسة أسست في الثلاثينيات. وميزتها أنها مجانية، تتقاضى بعض الأجور الخفيفة من الأهالي، بدعم بسيط من الدولة لكنها حرمت من هذه المساعدة منذ أربع سنوات بسبب الأزمة التي يمر بها لبنان. لافتاً الى تراجع ملحوظ في تسديد الأقساط بسبب الضائقة المادية التي تعيشها الناس وخاصة في الشتاء، وهو ما أجبرهم على تخفيض رواتب المعلمين. وقال: لدينا 163 طالب ابتدائي معظمهم من خارج عين داره. أم الأقساط فتتراوح بين مليون وخمسمائة ألف ليرة لتلامذة الروضات ومليون ليرة لتلامذة الصفوف الابتدائية. وهذا الرقم محدد من الدولة. وعن دور المطرانية أشار بأن دور المطرانية هو رعائي أكثر مما هو مادي. والمدرسة تابعة للجمعية الخيرية الأرثوذكسية في عين داره وهذه الجمعية تتولى كل الأمور المادية.

 

مُحاورة بارمينيدس

فيما سعى الفلاسفةُ اليونانيون الأوائلُ أمثال طاليس (Thales) وأنكسيمندر (Anaximander) وأنكسمينيس (Anaximenes) وهراقليطس (Heraclitus) وأمبدوقليس (Empedocles) إلى استكشافِ أصلِ الكونِ وتوصيفه ماءً أو هواءً أو ناراً أو عناصرَ ماديّة أربعة، وقفَ الفيلسوفُ الإيلي بارمينيدس (Parmenides – Παρμενίδης) في القرن الخامس قبل الميلاد يتأمَّل الكونَ، ويتفكَّر في خَلقِه، ويتلمَّس عِلّةَ وجُودِه، فرأى عالَماً مُتقلِّباً مُتغيِّراً، مُتحوِّلاً ومُتكثِّراً وفَانياً، فأخذَ يسْتَشْرِف ما وراء هذه الظواهر الحِسيّة والمتغيِّرات حقيقةً وجوديةً دائمةً وسرمديةً وثابتة، لا تعرف تغيُّراً ولا تبدُّلاً ولا فَناءً، هي بالنسبة إليه «الوجود»، أصلُ الموجودات والكائنات ما فوق الصفات والتحوُّلات، والصيرورات والزمن، والحركة والتغيُّر، والتجزُّؤ والتكثُّر، بل هو «وجودٌ واحد»، مسترشداً في ذلك مبادئ مُعلِّمه الفيثاغوري كزينوفان (Xenophanes).

هذا التجريدُ التوحيدي العقلاني الذي لم تعرفه الفلسفةُ مِن قَبل كان بدايةً لفلسفةٍ عقلانية مثالية تنشُد التوحيدَ ما وراء عالَم الحَواس الزائف والخادع والمُوهِم بالمظاهر الماديّة الحِسّية، ليستقرئ بارمنيديس أنّ لا سبيلَ لمعرفة ذلك الوجود إلَّا بالعقل، «عين الوجود»، وهو هُداه في «الطريق إلى الحق». وقد كان سعي بارمينيدس لمعرفة كُنه حقيقة الوجود، بعيداً عن الفكر اليوناني الوثني المعاصر له وتخبطه في مفاهيم تَعدُّد الآلهة وظواهر عالَم الحِس، نحو جوهرٍ واحد ثابت، في تطوُرٍ لمفهوم «الواحد» فلسفياً في الحقبة ما قبل سقراط، كون هذا الواحد مُتعالياً فوق كلّ الأشياء وهو مبدؤها ومصدرها، وذلك استلهاماً لفلسفة فيثاغورس.
وبقيت فلسفةُ بارمينيدس متَّسِمة بشيءٍ مِن التعقيد والغموض، لا سيّما من ناحية صدور الكون عن ذلك الواحد، وماهية ذلك الواحد، وهو قد ترك لمَنْ سيأتي بعده على درب الفلسفة مُهمة استجلاء حقائق التوحيد أكثر فأكثر. فتلقَّفَ أفلاطون توحيدَ أو «واحد» بارمينيدس وأضاء على أبعاده في محاورتِه التي تحمل اسم هذا الفيلسوف.

نص مُلهَم من عالَم العقل!

لقد قِيلَ في هذه المحاورة «فيما نَثَرَ أفلاطون بذورَ الحكمة في جميع محاوراته، فإنّه قد جَمَع مبادئ الفلسفة الأخلاقية في محاورة «الجمهورية» (The Republic)، وقراءتَه العلمية
الكونية في محاورة «تيماوس» (Timaeus)، لكنّه وضعَ رؤيتَه اللاهوتية في «محاورة بارمينيدس»»، وفق توصيف الفيلسوف الإنساني مارسيليو فيتشينو (Marsilio Ficino) لهذه المحاورة المثيرة التي تُشكِّل تحدّياً للفكر البشري. ويضيف «فيما ارتقى أفلاطون بأعماله الأخرى فوق جميع الفلاسفة الآخرين، فإنّه في هذه [محاورة بارمينيدس] يتخطَّى حتى نفسه ليستحضر هذا العمل المُبدِع من عالَم العقل الكوني وقُدس أقداس الفلسفة الحقَّة. فكلّ مَنْ يقرأ هذا الكتاب الأرفع عليه بدايةً أنْ يُهيِّئ نفسَه بعقلٍ صافٍ وروحٍ متعالية، قبل أن يسبر غورَ أسرارِ هذا النصّ المُلهَم من علٍّ!».

المفكرُ التونسي يوسف الصّديق

الطريق إلى الحق

يُعتبر الفيلسوفُ الإيلي بارمينيدس «أبَ الميتافيزيقيا» وأبَ التصوُّف العقلاني المنطقي من حيث إيمانه بإمكانية إدراك الحقيقة بالعقل والمنطق فوق الإدراك الحسّي، وكان يُشدِّد على الإيمان بالواحد الأحد الثابت الذي لا يتغير ونكران كلّ ما سواه (وقد سعى المفكرُ التونسي يوسف الصّديق في حوارٍ له مع مؤسسة «مؤمنون بلا حدود» إلى إجراء مقارنة بين هذا القول
لبارمينيدس وسورة الإخلاص في القرآن الكريم!).
وفي قصيدته الفلسفية الشهيرة «في الطبيعة»، ميَّزبارمينيدس ما بين الوجود المادي الحسّي الذي يُعرَف بواسطة «الطريق إلى الظن» (doxa) وبين الوجود الأسمى الذي لا يُعرَف سوى بالعقل أو ما يُسمِّيه «الطريق إلى الحق» (aletheia) وقد ميَّز في هذا الجزء من قصيدته بين الوجود الموجود يقيناً واستحالة عدم وجوده (بما يذكّرنا بمفهوم «واجب الوجود»)، وما بين اللاوجود غير الموجود يقيناً واستحالة وجوده، رابطاً ما بين العقل وعالَم الوجود الواحد هذا وكأنّما يتحدَّث هنا في «الواحدية الفيثاغورية» وليس الأحدية اللاهوتية، حيث يشير إلى هذا الوجود العقلاني الواحد على أنّه مِثالٌ أوّل، أشبه بمُثُل أفلاطون. وهذه الكمالات للواحد لدى بارمينيدس هي للواحد العقلي مصدر عالم المُثُل جميعاً وهو أساس النظام في الكون، في وجوده وفنائه وحفظ نظامه.

وفيما يتساءل بعض الباحثين ما إذا كان بارمينيدس قد أسبغ صفات إِلهية على واحده الموجود فإنّه رغم صعوبة فلسفته يُوضِح أنّ هذا الموجود محيط بالموجودات محايث لها بل هو مصدرها. لكنّ البُعدَ الفلسفي لفكره يبقى مفتوحاً أمام وجودٍ أرقى لا صفات له ولا يُحدّ في مكانٍ أو زمانٍ أو جودٍ مادي بل هو وجودٍ إِلهي محض، وهو ما حيَّر شارِحيه ولا يزال: هل كان يشير إلى واحدَيْن؟ وقد تأثَّر أفلوطين بهذا المذهب لدى بارمينيدس وما ألمحَ إليه أفلاطون في «محاورة بارمينيدس» في تطوير فكرته عن الواحد العددي والألوهية الأحدية.

«واحد بارمينيدس»… فيثاغوري!

هنا نلمس صفات «الواحد الفيثاغوري»، وقد ذَكَر مُصنّف سِير الفلاسفة ديوجنوس اللايريتي (Diogenes Laertius) أنّ بارمينيدس كان تلميذ أمينياس (Ameinias) ابن ديوكايتيس (Diochaites) الفيثاغوري، وهو ما يؤكّده بعضُ الباحثين الذين يعتبرون بارمينيدس كشأن زينون الإيلي (Zeno of Elea) وكزينوفان من أتباع المدرسة الفيثاغورية. وتتبدَّى هذه السِّمَات الفيثاغورية في الجزء الأول من قصيدته «الطريق إلى الحقّ»، حيث يتحدَّث عن أنّ الحقيقة هي واحدة غير متغيِّرة وموجودة فوق الزمان والمكان، في حين أنّه في الجزء الثاني من قصيدته «الطريق إلى الظن» يوضِح عالَم الظواهرِ والحِسّ ويكشف سوءَ الإدراكِ والخداع في العالَم المادي.

وكانت لفلسفته الأثر الكبير في تحفيز الاتّجاهات الفكرية ما بين العقلانية المثالية، كفلسفة أنكساغوارس (Anaxagoras)، أو الاتّجاهات المادية التي سَعَت لنَقْض جَدَلِه على غرار ديموقريطس (Democritus) ولوسيبوس (Leucippus) وغيرهما من الفلاسفة الماديين من أتباع «النظرية الذرّية»، ومن ثم ما بين النَّهْج الاستقرائي بالمُسلَّمات البديهية والآخر الاستنباطي بالفَرَضِيات، بما شكَّلَ انطلاقةً ما للمنهجيّة العلميّة.

«يُلمّح أفلاطون في محاورة “بارمينيدس” إلى واحدٍ أحديّ متعالٍ عن الوجود والأعداد، وواحدٍ عقلي تنبثقُ منه الكثرةُ هو عِلّةٌ أولى للموجودات والكائنات يُماثِلُ الواحدَ الفيثاغوري»

استلهام روحانية فيثاغورس
فيثاغورس

تلوحُ روحانيةُ فيثاغورس في المَسحة الصوفية الدينية التي تتّسمُ بها قصيدةُ بارمينيدس، فضلاً عن عُمقها الفلسفي المنطقي والعقلاني، وكأنّ التجربةَ التي تحدث عنها في قصيدته هي نوعٌ من «النَّشْوة الصوفية» (unio mystica) أو الإلهام الإِلَهي، وهو ما ألمحَ إليه بلغةٍ رمزية أسطورية في بداية القصيدة، حيث يصف رحلته «مغادراً قاعات الليل على متن عربةٍ بعيداً عن مراتع البشر نحو هيكل النور والحكمة».. ولو أنّ الباحثين واجهوا صعوبةً في الإحاطة بشكلٍ وافٍ بالمعنى المعقَّد لأفكاره المُتَسلسِلة:
كيف لِمَا هو كائنٌ [موجود] أن ينعدم؟ وكيف لِمَا هو كائنٌ أن يكون؟ .. فهو لا كان يوماً [أي لم يكن أو يوجد في زمنٍ محدّد]، ولا سيكون [أي ولا سيكون بعد أن لم يكن]، بل هو واحدٌ كائنٌ سرمدي ..!
لقد كان أفلاطون يتحدّث عن بارمينيدس بكلّ توقيرٍ، وقال في «محاورة السفسطائي» (Sophist) عن هذا الفيلسوف: «آبانا بارمينيدس»، أمّا في محاورة «ثياتيتوس» (Theaetetus) فقد قال عنه إنّه «من الحكماء النادرين»، ولذلك خصَّص له هذه المحاورة التي تحمل اسمه وتتناول مفهوم كينونة الوجود والواحد بجدليةٍ فلسفية تشحذُ العقلَ البشري للتفكُّر في هذه الحقائق الماورائية.

المحاورة ومغزاها الحقيقي!

تبدأ هذه المحاورةُ الأكثر عمقاً وتحدّياً للفكر من بين محاورات أفلاطون بلقاءٍ ومن ثم محادثةٍ في أثينا بين الفيلسوف الإيلي الجليل بارمينيدس (وعمره نحو 65 سنة) القائل بواحديّة الحقيقة والشاب سقراط (وعمره نحو 20 سنة) المتعطّش للمعرفة، وما استتبَع عنها من جِدالاتٍ متداخِلة دفاعاً من قِبَل سقراط عن «نظرية المُثُل» (مع تطوُّرها في محاورات أفلاطون في الفترة المتوسطة والمتأخِّرة من حياته) والتحدّيات التي يطرحها بارمينيدس أمام هذه النظرية، بما يُشكِّل رياضة فكرية تسعى للوصول إلى استنباطاتٍ إنّما هي في الحقيقة تساعد القارئ الحصيف على إيجاد سُبُلٍ لحماية «نظرية المُثُل» ضدّ هذه التحدّيات، ولو أنّ الشارحين الباحثين لهذه المحاورة قد وجدوا صعوبةً كبيرة في تحليلها ولم يصلوا إلى إجماعٍ على فهمها، لا سيّما من ناحية الهدف الرئيسي لتلك الاستنباطات الأنطولوجية (من ناحية تعريف الوجود الواحد والكينونة والصيرورة) وتبديد التحدّيات، ومن ثمّ المغزى الفلسفي الحقيقي لهذه المحاورة التي ألهَمت النظريات الميتافيزقية والصوفية للحركة الفلسفية التي عُرِفَت لاحقاً بـ «الأفلاطونية المحدَّثة»، وعلى الأخص لدى أفلوطين (Plotinus) ومن ثمّ بروكلوس (Proclus)، وتطوُّر مفهومُ «الواحد الأفلوطيني»، والواحد الأحدي المُتعال» كما سبق القول.

انتقاد بارمنيدس ودفاع سقراط

يسعى سقراط في ظل ما يطرحه محاوِره بارمينيدس من انتقادٍ لنظرية المُثُل إلى استعراض عقائد ماورائية وإبستمولوجية والدفاع عنها (كشأنه في محاورات «المائدة» Symposium، و»فيدون» Phaedo، و»الجمهورية»)، فوفقاً لهذه النظرية هناك مِثالٌ واحدٌ وأزليّ لا يطرأ عليه تغيير ولا ينقسم لكلّ شيء أو صفة أو خاصية.

ويُضيء أفلاطون بذلك على المشكلات التي تعترض نظرية «المُثُل» من أجل تخطِّيها، وجاءت هذه الانتقادات على لسان بارمينيدس عند انتهاء سقراط من خطابه من ناحية انفصال المُثُل عن الأشياء في نظرية «المُثُل»، ومفهوم السَّبَبِيّة والمشاركة بين المِثال والأشياء، كلّياً أو جزئياً.

والقصدُ من وراء هذا الانتقاد أنّ تعدُّد المُثُل لخاصيةٍ واحدة لا يتماشى مع فرادة «المُثُل» حيث يستنتج بارمينيدس أنّ كلّ مِثالٍ لم يَعُد بذلك واحداً بل متعدِّداً إلى ما لا نهاية، وكأنّما يقول إنّ وجود هذا العدد من المُثُل لكلّ خاصية إنّما يتناقض مع الواحديّة.
لكن في ختام هذا الجَدَل يقترحُ سقراط أنّه مِن المُمكن تجنُّب كُلّ هذه التباينات في صميم نظرية «المُثُل» بافتراض أنّ تلك «المُثُل» هي أفكار تكمن فقط في العقول، لكن بارمينيدس يرى أنّ ذلك لا يُجنِّب الغموض. وأخيراً يطرح بارمينيدس حُجَّتَيْن حول «الصعوبة الأكبر» القائمة في نظرية «المُثُل»، الأولى أنّ هذه «المُثُل» بسب انفصالها عن الأشياء التي تمثّلها لا يمكن أن تكون معروفة من قِبَل البشر، أمّا الثانية فتهدف إلى أنّ العالَم الإلهي بتعاليه لا يمكنه أنْ يدرك شؤون البشر. لكنّ أفلاطون يؤكّد جَدَلِياً أنّ البشر بإمكانهم أن يعرفوا بعض المُثُل على الأقل، كمِثال الجَمال والخير والفضيلة، كما وَرَدَ في محاورات «مينون» (Meno) و»فيدون» و»الجمهورية»، وأنّه من غير البديهي القول إنّ العالم العلوي لا يسعَه أن يطَّلِع على شؤون البشر وهو أصلُ الوجود.

لكن ما يُدهِشُ بَعدَ كُلّ هذه الحُجَج التي يظنّ البعضُ أنّها تُقوِّض نظرية «المُثُل»، أنّ بارمينيدس يخلُص من ثمّ بقوة الجَدَل إلى الدفاع عنها، وهكذا وضع أفلاطون الانتقادات والحلول الإنقاذية على لسان بارمينيدس بحد ذاته. لقد طرح الجزءُ الثاني من المحاورة استنباطات عقلية مطوّلة تُشكِّل تحدّياً منطقياً لعقل القارئ، لكن لا داع لاستعراضها نظراً لصعوبتها وتداخلها، وخلاصتها أنّ أفلاطون هَدَفَ من وراء هذه الاستنباطات إلى التأكيد أخيراً بأنّ المِثَال في عالم الكلّيات ينفصل عما يماثله في عالم الجُزئيات وأنّه يتَّسِم بالواحديّة على كثرة أشياء مماثلات، وبالتالي ثمة «واحدٌ» أو مِثالٌ أوّل أنطوى فيه، أو أُحْصِيَ فيه، كُّلُ المُثُل لجميع الأشياء والموجودات!.

الواحد .. مُتعال أو عِلّة الكثرة؟

وبالتالي يشير أفلاطون في محاورته “بارمينيدس” إلى نوعَين من الواحدية: واحدٌ مجرّد مُتعال، وآخرٌ عِلَّةٌ للكِثرة. وفي ذلك يقول إي. أر. دودس (E. R. Dodds) إنّ الفَرَضِيات الواردة في “محاورة بارمينيدس” هي المصدر الرئيسي لعقيدة أفلوطين في “الواحد المتعال” و”الواحد العقلي” (الفيثاغوري العددي)، أو “نوس” (Nous) كما يمكن أنْ نتلمَّس ذلك في كتابه “التاسوعيات” (Enneads).

من خِضم الصعوبة الفلسفية، والتعقيد الفكري، والغموض المنطقي في محاورة بارمينيدس، يسعى أفلاطون إلى القول بأنّ مفهوم “الواحدية” (Oneness) إنّما هو فوق التناقُضِ أو الثنائية يُدلِّلُ على واحدٍ أحديّ متعالٍ عن الوجود والأعداد، وواحدٍ عقلي “موناد” (Monad) تنبثقُ منه الكثرةُ وبالتالي هو عِلّةٌ أولى للموجودات والكائنات، وهذا “الواحدُ البارمينيدي” يُماثِلُ “الواحدَ الفيثاغوري”، ومن ثم لاحقاً “الواحد الأفلوطيني” (بعد تطوُّر مفهوم اللوغوس) وتنطوي فيه جميعُ المُثُل الأفلاطونية. أم كيف صَدرَ هذا الواحدُ العددي عن الواحدِ المُتعال فذلك ما سيسعى أفلاطون إلى إيضاحه لاحقاً في مفهومِه عن العقل الكوني “نوس” والوسيط العِلْوي “الديمورج”(Demiurge) … فابْقوا معنا!


المراجع

  1. – Parmenides, by Plato, translator Benjamin Jowett (Project Gutenberg).
  2. – The Republic by Plato, translator Benjamin Jowett (Project Gutenberg).
  3. – E. R Dodds, The Parmenides of Plato and the Origin of the Neoplatonic One, Classical Quarterly 1928.
  4. – E. R. Dodds. The Greeks and the irrational. 1966. Berkeley: University of California Press.
  5. – Ficino Marsilio, Commentaries on Plato, Volume 2: Parmenides, Part 1, Harvard University Press, 2012.

المُجاهد علي حسين (أبورافع) الملحم

اختلف علي الملحم مع عارف النّكدي محافظ السويداء عام 1948 الذي سعى بادئ أمره لإقفال مضافات الجبل بإيحاء من حكومة دمشق أواخر الأربعينيات، لكنّ النّكدي اقتنع أخيرًا بصواب رأي علي الملحم وأنصاره الذين دافعوا عن قيم المضافة بوصفها مدرسة للرجال!!.
– كان علي الملحم عضواً في الجمعية العربيّة الفتاة في مواجهة مظالم العثمانيين، وواحداً من أركان الثورة السوريّة الكبرى 1925ـ 1927 في الجهاد ضد الفرنسيين وحتى عودة الثوار من المنفى الصحراوي عام 1937(1).
– قطعت حكومة دمشق راتبه عام 1947 وكان مدير ناحية ملح لأنّه رفض مبلغاً مالياً كبيراً (في حينه) كرشوة مقابل الانخراط في صفوف الحركة الشعبية التي جعلت هدفها الهجوم على بلدة القريّا وإذلال سلطان باشا الأطرش…
– رفض إمداد الفرنسييِّن بالقمح عام 1941 عندما كان مديراً لناحية بلدته ملح.
– فجّر الفرنسيون داره ومضافته في ملح عام 1926 لأنه رفض الاستسلام ورافق سلطان باشا والثوار السوريين عام 1927 في المنفى إلى أن اضطُرَّت فرنسا للاعتراف باستقلال سورية ولبنان في معاهدة عام 1936…

أصل العائلة

كُنْية (الملحم) هي كُنية مُسْتَحدَثة لحقت بأبناء ملحم سليمان أبو رافع القادم من لبنان إلى جبل الدروز ـ كما كان يُدعى وقتذاك ـ وبهذا فإنّ أصل الأسرة يعود إلى آل «أبورافع» في الهلاليّة وبعلشميّه من منطقة عاليه(2)، وقد ضاعت في ضباب التاريخ الأسباب التي حَدَت بالرجل ليرحل من لبنان إلى قلعة جندل في جبل الشيخ ويحطّ رحاله في قرية عرى، والراجح أنّ ذلك حدث في النّصف الأوّل من القرن التاسع عشر أيام زعامة آل الحمدان لمجتمع جبل حوران، ولم تزل قطعة من الأرض التي كان يملكها سليمان أبو رافع في أراضي بلدة عرى تحمل اسم «جورة الملحم» إلى يومنا هذا….
فيما بعد وبُعَيد منتصف القرن التاسع عشر ارتحل آل الملحم ونزلوا في خربة «ملح» التابعة لمنطقة صلخد وكانوا من بين روّاد القرية الأوائل نحو عام 1866، وكسائر عائلات الجبل لم يلبثوا أن انخرطوا في خِضَم معارك بني معروف في مواجهة العثمانيين، وكانوا بالأصل من حَمَلة بيرق ملح في العهد العثماني، وقد استشهد عدد من رجالهم تحته في تلك الفترة قبل أن يؤول البيرق لآل غزالة فيما بعد؛ وكان حسين والد علي الملحم واحداً من شهداء الدروز في مواجهة ممدوح باشا، عام 1896على أثر معركة تلّ الحديد غرب السويداء….

ميلاده ونشأته:

 

وُلِدَ علي الملحم عام 1890 في ملح وعَرَف اليُتْم منذ السادسة من عمره بعد استشهاد والده. وفي عام 1910 شارك في معركة الكفر الأولى في مواجهة حملة سامي باشا الفاروقي العثمانية على الجبل. ودخل مُعترك السياسة شابّاً إذ كان واحداً من بين بعض زعماء الجبل الذين نشطوا في (الجمعية العربية الفتاة) في العهد العثماني للمطالبة بحقوق العرب…
وفي عام 1917 وبسبب من تَعنُّت العثمانيين وسياستهم المعادية لحقوق العرب فقد انضمّ علي إلى الثورة العربية التي قادها الشريف حسين من الحجاز وكان واحداً من فرسان الموحدين الدروز الذين توجّهوا إلى العقبة جنوب الأردن وانخرطوا في صفوف الثوار، وكان من بين فرسان الجبل الذين سبقوا إلى دخول دمشق بقيادة سلطان باشا الأطرش ورفعوا العلم العربي فيها في الثلاثين من أيلول عام 1918 قبل دخول الجيش البريطاني بقيادة الجنرال اللَّنْبي وقبل دخول جيش العشائر الفيصلي إليها..(4).

وفي عام 1923 في فترة التحضير للثورة السورية ضد الفرنسيين أقسم يمين الإخلاص للثورة مع رفاق له في اجتماع سرّي مع سلطان باشا، وقبيل الثّورة عام 1925 تمّ بمسعى من سلطان باشا وفريقه تشكيل خمس لجان هدفها تصفية الخلافات بين العائلات في الجبل من أجل توحيد موقف المجتمع ضد الفرنسيين. ويقول حنّا أبو راشد مؤرخ تلك الفترة أنّ «اللّجنة الرابعة تالّفت برئاسة علي بك طرودي الأطرش وعضويّة علي أفندي الملحم وقاسم بك أبو خير وسليمان بك الاطرش ومركزها (قرية) قَيْصَما»، وكان من الطبيعي أن يلفت نشاط علي الملحم المعروف بجراءته ووطنيّته نظر السلطة الفرنسية وجواسيسها فاعتقلوه وأحضروه مع يوسف العيسمي وأوقفوهما بتهمة العمل ضد الفرنسيين»(5).

السرجان في الجيش الفرنسي ابراهيم علم الدين الحاصباني يستضيف علي الملحم في بيته

 

أوقف الفرنسيّون علي الملحم في السويداء قُبَيل الثورة للتحقيق معه بتهمة التعاون مع سلطان باشا والتأليب ضد الاحتلال (كان سلطان باشا يؤسّس للثورة بالتعاون مع زعماء الجبل الوطنيين). وأثناء التحقيق مع الملحم أُعجب الحاصباني (المتعاطف سرّاً مع فكرة الثورة) أُعجب بجرأته وحِنْكته، وكان الفرنسيّون يعاملون المُتَّهمين الذين يحققون معهم معاملة سيّئة فيزجّون بهم ليلاً في مخزن الفحم أو يعذبونهم بأساليب لم يعتدها رجال بني معروف…
طلب الحاصباني من المُحَقّق الفرنسي أن يُعفى علي الملحم من المبيت في السجن، فرفض المحقّق ذلك. عندها هدّد الحاصباني بخلع رتبته وزيّه العسكري أو يسمحوا له باستضافة الملحم ليبيت عنده في بيته على أن يحضر في اليوم التالي على موعد التحقيق مقابل تعهّد خطّي!!…
ولمّا كانت الإدارة الفرنسيّة في الجبل تخشى من انشقاق الحاصباني وتعاونه مع الحركة المناهضة لهم التي يقودها في السويداء علي عبيد وحسين مرشد رضوان وغيرهم فقد تساهلوا بتلبية طلبه…
وفي استطلاعه لآراء كبار زعماء الجبل ورؤيتهم السياسية للأوضاع وموقفهم من فرنسا قُبيل الثورة عام 1925، سجّل لنا حنَّا أبو راشد رأي علي الملحم الذي قال ما يلي: «يوجد أيّها الأخ في الجبل ما ينوف عن العشرين شخصاً؛ منهم توفيق بك الأطرش وغيره وكلّهم يقدّسون فرنسا الحرَّة لا فرنسا المُستبِدَّة لأنّ أحرار فرنسا الماسون إذا كانوا ماسون حقيقة؛ يجب أن ينظروا إلى إخوانهم الماسون في بلاد مشمولة بانتدابهم وتَنْصُرهم من هذا الظلم اللّاحق بهم من استبداد رجل فرد كَكَربيه»(6).

سلطان باشا ينطلق بالثّورة من القريا

سلطان باشا الاطرش

 

في تلك الأيام من بُعَيد منتصف تموز من عام 1925 وفي السابع عشر منه أعلن سلطان باشا الثورة وانطلق من قريته القريّا جنوباً إلى قرية بكّا يرافقه بضعة عشر فارساً من القريا وقد انضم إليهم من بكّا صياح الأطرش وبهاء الدين ورشراش مراد وجدعان المعاز، ثمّ انتقلوا إلى أمّ الرّمان فباتوا ليلتهم في بيت حمد البربور أحد أبرز أعوان سلطان باشا، حيث وافاهم صبيحة اليوم التالي عدد من فرسان قرية حوط وهم فرحان العبدالله وحسن وحسين وحمّود العبدالله ورافقهم من أمّ الرمان يومها نصّار ومحمّد ومحمود وحامد وحمود البربور وحمد النبواني…(7) ومنها إلى قرية عنز فالمشقوق التي تبعد عن صلخد بضعة كيلو مترات «حيث حلّ سلطان باشا ضيفاً في بيت اسماعيل الحجلي …»(8) فيما توزّع الثوّار في مضافات القرية ومن هناك راسل صلخد التي كانت تحت رقابة من قوّة فرنسية فيها لكونها مركز القضاء؛ غير أن صالح عزيز اتّصل بسلطان سرّاً وأبلغه بلسان أهل صلخد أنهم سينضمّون إلى الثوار في الوقت المُناسب، وفي اليوم التالي انطلق سلطان ومن معه من الثوار القلائل إلى امتان التي تردّد شيخها اليافع آنذاك (علي بن مصطفى الأطرش) الذي لم يكن قد تجاوز السابعة عشرة من العمر فقال له سلطان بحدّة: «اسمع يا بني يا علي! إنّ والدك كان قائد الثوار وعقيد المُحاربين.. ويجب عليك أن تسلك مسلكه وتعطي المثل الأعلى في تصرفاتك لبقية المواطنين». فلم يلبث علي أن شارك هو ويوسف العيسمي في إثارة نخوة أهل القرية فاندفعوا وراء بيرقهم وقاموا بعراضات حماسية في الساحة العامة واتفقوا على اللقاء في اليوم التالي في قرية عرمان، ولا يستطيع المرء أن يتصوّر مدى قلق سلطان حينها على فشل خطواته الأولى في الثورة التي يرتجيها، ويعقد عليها آماله بعد مغادرته امتان حيث لم يصل عدد مرافقيه في تحرّكه ذاك منذ انطلاقه من القريّا وحتى امتان وإلى ملح سوى اثنين وثلاثين فارساً(9).

مَلَح علي الملحم وخليل الباسط: التّصعيد على طريق الثورة

 

مدخل القرية (أي مَلَح) علي الملحم وخليل الباسط وأبلغانا أنّ سَرِية من الحرس السيّار تعدادها نحو مائة خيال موجودة في القرية، ولكي نُرهب هذه القوة ونستثير النَّخوة في نفوس الأهالي، فقد عقدنا في ميدان القرية حَلَبَة سباق وراح بعض فرساننا يتصايحون أثناء الطّراد ويطلقون الرصاص في الفضاء.. فلم تمْضِ دقائق معدودة حتى خرج رجال القرية ونساؤها لاستقبالنا والبيرق (بيرق ملح) يخفق بألوانه الزاهية فوق حامله البطل شهاب غزالة…»(10).
نعم كانت ملح نقطة تحوّل هامّة على طريق الثورة المرجوّة، حيث وصل عدد الثّوار في ملح إلى 250 خيّالاً وفي تلك الليلة بات سلطان مع بعض رفاقه في مضافة خليل الباسط، وفي تلك المضافة يقول سلطان «كتبنا رسائل عديدة لأعيان قرى المقرن الشرقي والشّمالي… وهنالك قرى كثيرة في المقرنين الشمالي والغربي لم يكن اتصالنا بها قد حان، ومع ذلك انضمّ إلينا من أهاليها بعض المحاربين.

عرمان: اندفاع الثورة!

 

كانت ملح قد شدّت أزرَ سلطان باشا بفرسانها ورجالها الذين انتقلوا معه ومع رفاقه الأوائل إلى عرمان وقد وثّق وقائع تلك الأيام بقوله: « في صبيحة يوم 20 تموز وجدنا الأهالي مُحتشدين في الساحة العامة وأصواتهم تهدر بالأهازيج الحربية وفجأة ظهرت طائرتان حربيّتان وأخذتا تحومان فوقنا…»، أسقط الثوار واحدة منها وأُسر طياراها… ومن ثم انطلق الثوار إلى صلخد فحرروها من القوات الفرنسية.

وفي يوم 21 تموز من عام 1925 كان سلطان قد توجّه من صلخد إلى موقع نبع العيّن شمال غرب المدينة ببضعة كيلومترات وكان من نيَّته التخييم هناك ولكن وصول ثوار ملح ببيرقهم، وكان علي الملحم في طليعتهم قد أحدث تغيّيرًا مفاجئًا في الخطة المقررة حيث «أثار موجة عارمة من الحماسة للحرب وملاقاة العدو في الكفر دون إبطاء…» وقد صاح شهاب غزالة من على ظهر جواده بصوته الجهوَري يخاطب سلطان باختصار شديد قائلًا: «يا باشا ما هي بطرق المكاتيب؛ فعلاً تِشُوْفَهْ» واندفع شهاب ببيرق ملح وتبعه سائر الثوار نحو الكفر التي تبعد عن العَيِّن بضعة كيلو مترات… ودارت هناك جوار قرية الكفر معركة خاطفة لم تتجاوز مدتها الأربعين دقيقة تمّ فيها سحق معظم أفراد الحملة الفرنسية. يصف سلطان باشا كيف جرت المعركة فيقول: «رأيت شيوخاً وفتياناً يقتحمون المراكز الدفاعية الحصينة صعوداً إليها من بعض الجهات المنخفضة أو يخترقونها هبوطاً من بعض الجهات المرتفعة لا يحملون بأيديهم سوى عِصِيِّ السِّنديان الثّخينة أو الأسلحة البيضاء المتنوعة التي كان يشاهَدُ لبعضها بريق خاطف عندما تنعكس عليه أشعة الشمس الوهَّاجة وسمعت بأذني نَخْوات مقاتلينا وصيحاتهم المرعبة بعد أن توسَّطوا المعسكر الفرنسيِّ ثم لم أسمع بعد قليل سوى صرخات ألم متأتِّية تنبعث من أولئك الجنود التعساء الذين مالت على رقابهم السيوف الباترة وهوت على رؤوسهم وأجسادهم الفؤوس القاطعة، ولم يكن ضبّاط الحملة وجهاز القيادة فيها أسعد حظاً وإنَّما لقَوْا المصير نفسه، وكُتبت النجاة لأفراد قلائل تمكنوا من الوصول إلى قلعة السويداء بكلّ صعوبة.
وكانت الخسائر بالأرواح أربعةً وخمسين شهيداً ومن بينهم خليل الباسط وشهاب غزالة حامل بيرق ملح…

علي الملحم في موقع أحد أركان الثّورة السورية الكبرى

 

وعندما صُعِق الفرنسيون بعد هزيمتين متتابعتين في معركتي الكفر والمزرعة عمدوا إلى تعيين قائد لحملة فرنسية جديدة هو الجنرال «غاملان» وبعثوا بالفرق العسكرية التي استقدموها من فرنسا والمغرب العربي والسنغال ومدغشقر والهند الصينية إلى محطّتي أزرع ودرعا بقصد التجمّع في سهل حوران لغزو الجبل(11). وفي تلك الفترة من تصاعد الحماس الوطني لتحرير سورية ولبنان من الاحتلال الفرنسي يقول سلطان باشا: «أمّا إخواننا في جبل لبنان ووادي التيم وإقليم البلّان والغوطة فقد شاركت أكثريتهم الساحقة بالثورة وجدير بالذكر أنّ الطائرات الفرنسية كانت تواصل غاراتها المدمّرة على القرى التي كان الثوار يتوافدون إليها لعقد الاجتماعات فيها بالإضافة إلى غاراتها اليوميّة على مدينة السويداء ومواقع المرابطين حول قلعتها المحاصرة…».

وردّا على التعبئة الفرنسيّة تلك فقد انعقد مؤتمر ريمة الفخور الذي حضره ممثلو الحركة الوطنية السورية في دمشق ومن كان يصحبهم من المجاهدين وعدد كبير من أعيان الجبل وقادة الرّأي فيه، وجمهور غفير من المواطنين…
في ذلك المؤتمر أُعلِنَ عن تشكيل أركان قيادة الثورة وكان المجاهد علي الملحم واحداً منهم وهم حمد عامر وفضل الله هنيدي ومحمّد عز الدين وعقلة القطامي وسليمان نصار وحسين مرشد رضوان ويوسف العيسمي وعلي الملحم».
وفي معركة المسيفرة كان علي الملحم في طليعة الثوار الذي اقتحموا الأسلاك الشائكة التي نصبها الفرنسيون حول معسكرهم هناك، حيث استُشهد إلى جانبه أخوه ابراهيم واثنان من أبناء عمه هما مهَنَّا وهايل الملحم كما شارك بعدها في حملة الإقليم الأولى التي ذهبت إلى لبنان تحت قيادة زيد الأطرش شقيق سلطان حيث قاتل الفرنسيين في معارك أهمها معركة قلعة راشيّا وحاصبيّا ومرجعيون وكوكبا وسواها.

وعندما قَدِمت حملة الجنرال غاملان الأولى أواخر أيلول من عام 1925 لِفَكّ الحصار عن القوة الفرنسيّة المحاصَرة في قلعة السويداء كان علي الملحم في طليعة المشاركين في قتالها وكذلك كان الحال في أوائل تشرين الأوّل إذ كان الرجل بين المجاهدين في معارك القتال التي استمرت سبعة أيام في عدّة مواقع منها عرى والمجيمر وتلّ غسان ورساس؛ حيث دارت معركة رهيبة لثلاثة أيام مُتتالية لم يذق الفرنسيون خلالها طعماً للنوم أو للراحة ممَّا اضطرهم إلى التقهقر باتجاه كناكر غرباً مُتَخَلِّين عن خطتهم بالزحف شمالاً نحو السويداء ودخول قلعتها الحصينة. وفي كناكر تمكن «خيّالتنا من ردّ الحملة على أعقابها وكبدوها خسائر فادحة بالأرواح وغنموا خيول قتلاها التي شردت في السهول المجاورة. وفي تل الحديد والمزرعة وفي الثّعلة جنوب غرب المزرعة تكبّد الفرنسيون خسائر كبيرة وعاد غاملان في النهاية دون أن يحقِّق المُهمّة المُكلّف بها وهي احتلال مدينة السويداء والثّبات فيها.
ويشير سلامة عبيد أنَّ علي الملحم وقّع على منشور ينص على تقوية الثورة وتنشيط عمليات الثوَّار وتحميل المسؤولية لِمَن يُقصّر عن المساهمة في ذلك، وكان المندوبون يمثّلون قرى عرمان وملح ومتان والهويَّا وأبوزريق وتلّ اللَّوز والحريسة وقيصما (12).
وفي ربيع عام 1926 اتَّخذ الثوار قراراً بأن ينقسموا إلى قوّتين: الأولى في المنطقة الجنوبية بقيادة سلطان باشا الأطرش، والثانية في منطقة اللَّجاة بقيادة الأمير عادل أرسلان، وكان علي الملحم ضمن المجموعة الأولى (13).جابر.

الثورة السورية الكبرى.. يوم الخلاص من المُستعمِر الفرنسي‎

علي الملحم عضواً في اللجنة العليا للإشراف العام على الثورة

ولما انعقد مؤتمر خازمة في الثاني من تشرين الأول عام 1926 تقرّر تأليف لجنة للثورة برئاسة القائد العام سلطان باشا الأطرش، تُدعى اللجنة العليا للإشراف العام على الثورة والقيام بمهام شؤونها السياسية والمالية والإدارية ومتابعة شؤونها العامة، وأعضاؤها «عبد الغفار باشا الأطرش عبد الرحمن بك شهبندر ونسيب بك البكري والأمير عادل أرسلان واسماعيل بك الحريري وصياح بك الحمود (الأطرش) ومتعب بك الأطرش وسعيد بك حيدر ومصطفى بك وصفي ومحمّد بك عز الدين وسليمان بك نصار وعلي بك الملحم سكرتيرها نزيه بك المؤيّد ومعاونه علي بك عبيد. على أن يبقى الحق للغوطة وسائر المناطق الثائرة أن تضيف مِنْ قِبَلِها بحسب نسبة الأعضاء الموجودين عن الجبل (14)..

وفي الحملة التي قادها أندريا على المقرن القبلي شارك علي الملحم في معركة تل الحبس جنوب شرق صلخد في 4 حزيران 1926 كما اشترك في معارك المقرن الشرقي. وممّا يجدر ذكره أنّ القادة في الثورة السورية الكبرى كانوا يقاتلون في طليعة صفوف المقاتلين…
وفي معركة قيصما شارك مع أبناء عمّه حسن وسليم وخزاعي الذي استشهد في تلك الموقعة وبحكم كونه من قرية ملح المحاذية لبادية الأردن حيث مواطن العشائر الأردنية التي كانت لها علاقات متبادلة مع بني معروف، وهو أحد وجهائهم البارزين فقد كان يقوم بمهمات التواصل مع تلك العشائر لمسائل تخص حماية ظهر الثورة وتأمين سند لها، ومنطقة آمنة للثوار الذين كانت تصلهم إمدادات السلاح والذخيرة والمساعدات عبر فلسطين…(15).

وعندما توافق الإنكليز مع الفرنسيين على محاصرة الثورة وقمعها انتقل علي الملحم مع سلطان باشا ورفاقه إلى موقع الأزرق وهي أرض من ممتلكات جبل الدروز قديماً وهناك واجه الثوار المضايقات من جانب البريطانيين الذين تشدّدوا في مساعيهم لإجبار الثوار على الاستسلام لفرنسا، وفي تلك المنطقة الصحراوية انتشر مرض الملاريا بين الثوّار وأُسَرهم ومات الكثير من الأطفال (16).

علي الملحم إلى جانب سلطان باشا في المنفى الصّحراوي

 

ومع انتقال القائد العام سلطان باشا إلى المنفى الصحراوي في شمال غرب نجد من الأراضي السعودية كان علي واحداً من وجهاء الثوّار الذين أصرّوا مع قائدهم على قبول المنفى ومتابعة النضال السياسي حتى تنال البلاد استقلالها، وهناك في وادي السرحان عانى المجاهدون شظف العيش وقسوة مناخ الصحراء، يقول سلطان باشا: «كان علينا أن نتآلف مع المناخ الصحراوي في حياتنا اليومية، وأن نعيش متاعب البادية وشقاءها… وأكثر ما كنّا نعاني في الفصول الانتقالية (الربيع والخريف) رياح السّموم الهوجاء التي تهبُّ عادة من الشرق والجنوب الشرقي فتبدّل من معالم الأرض وتغدو الرؤية خلالها صعبة وكذلك التنفس بفعل الأتربة والرمال المتطايرة في الفضاء والتي تكتسح خيامنا وتسدُّ منافذ بيوتنا في بعض الأحيان…

ويصف سلطان باشا موقع المخيَّم في النبك بوادي السرحان فيقول: «في أواخر تموز من عام 1927 وجدنا الأرض صحراوية مقفرة ما خلا نبع ماء عذب يسمّى «جوخة» وبضعاً من أشجار النخيل تضفي على المنطقة جمالاً طبيعياً، فكان نزولي في الجهة الشرقية من المكان حيث جاورني أقاربي وفريق من المجاهدين ونزل في الجهة الغربية منه رفاقنا الآخرون، بينهم:
الأمير عادل أرسلان ومحمّد عز الدين الحلبي وعلي عبيد وقاسم أبو خير وعلي الملحم.. والمسافة الفاصلة بين الحيين لا تزيد عن ثلاثمائة متر ولقد آوينا أنفسنا في الخيام القليلة التي كانت بحوزتنا ثم اضطُرَّ الكثيرون منَّا إلى استخدام قطع «اللِّبِن» الذي صنعوه من التراب لبناء مساكنهم البدائية الصغيرة وجعلوا سقوفها من أشجار الحَور والقصب» (17).

ولكن الثوار في منفاهم لم ينقطعوا عن التواصل بالحركة السياسية في الوطن وكانت تصلهم الصحف التي تنقل أحداث الوطن بين حين وأخر، ويزورهم صحفيون أجانب وعرب وكبار السياسيين السوريين للتشاور في المستقبل السوري مع القائد العام للثورة سلطان باشا الأطرش وأركانه، وفي تلك الأثناء نشأت صداقة شخصية بين علي الملحم والمجاهد شكري القوتلي الذي سيصبح رئيساً للجمهورية فيما بعد…
وبسبب المضايقات في الفترة اللاحقة لنزولهم في الأراضي السعودية فقد سمحت السلطات الأردنية بلجوء الثوار إلى أراضيها كلاجئين سياسيين في داخل إمارة شرق الأردن، كما كانت تُدعى آنذاك، وبعيداً عن الأراضي السورية. وقد نزل علي الملحم في مدينة السّلط إلى جانب عدد من المجاهدين منهم: حسن وعبد الكريم عامر وحسين مرشد رضوان وقاسم أبو خير ومحمّد النبواني ويوسف العيسمي وغيرهم..

وفي عام 1934 كُلَّف علي الملحم وعبد الكريم عامر بتحرير جواب مشترك إلى إبراهيم صافي من قرية ملح وسلمان البَكفاني من قرية عرمان المغتربَيْن في بيونس أيرس في المهاجر الأمريكية حيث بعثا بمبلغ من المال لمساعدة الثوار المنكوبين وكان الجواب مشفوعاً بوصل استلام مبلغ 10 ليرات إنكليزية من إجمالي المبلغ الذي هو 50 ليرة إنكليزية…
وبتكليف من سلطان باشا بتاريخ 28 نيسان عام 1937 وبعد توقيع معاهدة عام 1936 التي تنصّ على اعتراف فرنسا باستقلال سورية ولبنان وبنتيجة صدور قرار العفو عن الثوّار كان علي الملحم واحداً من أعضاء اللّجنة المكوّنة من عُقْلة القطامي وعلي عبيد وعبد الكريم عامر وقاسم أبو خير وسلمان وزيد طربيه بمهمة استقبال الوفد الشامي في مدينة عمان والمؤلّف من: صبري العسلي وفايق المؤيد العظم وغيرهم ثم اصطحبوهم إلى مقرّ سلطان باشا في مدينة الكرك الأردنيّة حيث سلّموه أوراق مرور المجاهدين للعَوْدة إلى سورية….

إبراهيم الحاصباني يزوّج علي الملحم إحدى بناته

 

في عام 1937 فُجِعَ المجاهد علي الملحم بوفاة زوجته أم أولاده ورفيقة جهاده السيّدة شمخة بنت هلال محمّد الملحم التي توفيت في المنفى ودُفنت في عمّان، ولما عاد علي مُتَرَمِّلاً بعد عودة الثوار وقائدهم إلى سورية فقد طَلب إليه إبراهيم الحاصباني أن يزوره في بيته في السويداء، وعند استقباله عزّاه بزوجته المتوفّاة وقال له: عندي ثلاث بنات، والدتهنّ مهيبة الريّس من عاليه، اخترْ واحدةً منهنّ لتكون زوجة لك…
قال علي العائد من المنفى خالي الوفاض من المال والمَتاع وكان الفرنسيون دمَّروا داره في ملح:
والمَهر ياعم؟
قال الحاصباني: مسدّسك هذا، وأشار إلى المسدس الذي يحتزم به.
ناوله علي المسدس، واستدعى الحاصباني عدداً من المشايخ قاموا بعقد قران علي على «غازية» ابنة الحاصباني على سنّة الله ورسوله…
أركب علي عروسه الفتاة غازية على جواده وانطلق بها إلى ملح ليقيم عرسه هناك!!..

علي الملحم شاعر شعبي وفارس وصاحب مواقف ظريفة

في مِحنة المنفى لم ينسَ الثوّار همومهم الحياتية والثقافية والسياسية بل ظل القائد العام والثوّار على صِلة بالحركة الوطنية في الداخل وكان وجودهم في المنفى يشكّل عامل ضغط على الفرنسيين ليعترفوا أخيرًا بحق البلاد في استقلالها…

ومن طرائف تلك الأيّام أنّه في 12 تشرين الثاني من عام 1930 وبينما كان المجاهد علي عبيد يقوم بمهمة في عمّان، وصله نبأ مُفاده أنّ كلبَه المسمّى (حَمَر) قد حدث له أن أُصيب برصاصة أطلقها عليه أحد الثوار ليلاً في المخيّم ظنّاً منه أنّه وحش، فبعث برسالة مُداعَبَة مُسَجّعة مشفوعة بقصيدة إلى علي الملحم في مخيّمهم في الصحراء يتمنّى فيها السّلامة لكلبه المدعو (طربوش) راجياً ألّا يُصيبه ما أصاب المسكين حَمَر، منها: «… هذا وإن قُدِّر لنا الظَّفَر ورجعنا قبل شهر صفر فالأمل أن تديروا بالكم (أي تهتمُّوا) على الغَفَر لأنّي سمعت أنّه فقد إحدى رجليه فالأمل ألّا تكمّلوا عليه لأنّني أميل إليه، كونه خادم أمين وليس من المشاغبين ولا من الطامعين وكل ما أعلمه عنه أنّه ودوعٌ قنوعٌ وتابعٌ غير متبوع فما ذنب هذا الفقير، هل نهب «شي» بعير أم تعدّى على الغير ولكنه مأمول أنّه أكل نصيبه وهو مكتوب عليه وعلينا معاً أن لا يبقى عندنا شيء صحيح سوى الرّيح والشيح (نبات صحراوي مُعمر طبِّي طعمه مُرٌّ ولا يؤكل) هذا عسى طربوش ألّا يصيبه ما أصاب زميله حَمَر..».

فأجابه علي الملحم بقصيدة منها:
يا علي قلبي على مثل الجَمر
ما منعرف كيف تالي ها العمر
بعد ما كان الزمن معنا ملِيح
ما بقي يا غير طربوش وحَمَر
ومن شعره هذه القصيدة المؤثّرة من فن «الشّروقي ـ نوع من الشعر البدوي» ويدعونه في جزيرة العرب بـ (المسحوب)، بعث بها إلى صديقه الشاعر سليم الدّبيسي من قرية عرمان يشكو فيها ما يعانيه من متاعب ويفصح عن حنينه للديار في الوطن وكان كلاهما يقيمان في المنفى في الصّحراء، يقول:
أمس الضّحى خاص الخَواوِير شدِّيت
حُـــرٍّ وَلَــدْ حُـــرٍّ طـويــل السنامِ(18)
الكور عندي خاص مالي أنا اشريت
والميركي جتني هَدو من ابن لامِ(19)
خُــــرج العقيلي مكلّفَهْ بالتصـــاميـت
شــــاريْـهْ من بَغداد مَنْوة مرامي(20)
ورْكابها مِـــن مَعْـــدنٍ خاص خَزّيت
قوم اعتلي عَ الفور ودِّي كلامي
يا هلال ما مِنْ بُعْد يا قُرْب ما ابـديت
طارف عَرَبْنا ما تعوز الطّعامي
يإنْحَرْ عميمَك يا ولد نِعْم مــا اطــريت
وِلْد الدّبيسي صِجّْ ما بو اتّــهامي(21)
يا عَـم لـولا ضيقة الصّدر مـــا جيـت
والـ غيركم ما ظنّ يشفي مرامي
سَليم من حَــرّ الهَجر اَنا عايف البيت
……الحُر خــاب ويرتعون الــرّخامي(22)
ومن الزَّعل روس العوالي أنا اشفيت
…..وانْحَرّ كبـدي واوجس الـدم عامي(23)

بين ماء المَعِيّ وبين ماء القَصر الجمهوري!!

في أيام الثّورة على الاحتلال الفرنسي عامي 1925 ـ 1927 وأثناء تنقّلات الثوار في مواقع القتال من مكان لآخر كانوا يضطرون للشّرب من مياه الجَمع في البرك والغدران ذات المياه الآسنة، ومنها ماء غدير «المَعيّ» الواقع شرق قرية «اسعنا» التي تقع على الحافة الشرقية للجبل وعلى مسافة نحو عشرة كيلو مترات منها في داخل بادية «الصفاة» الشديدة الوعورة. وحدث مرّة أنَّ الثوار قد مرّوا بذلك الغدير أواخر الربيع وكان ماؤه الآسن مُغَطّى بالجراد المَيْت وكانوا في عطش شديد فامتنعوا عن الشرب، فما كان من سلطان باشا إلّا أن تقدَّمهم وشرب من ذلك الماء، فتبعه في ذلك الثوار وَشربوا على مضض…!

وبُعيد الاستقلال عندما تشكلت أوّل حكومة وطنية عام 1946 في عهد الرئيس شكري القُوَّتْلي ذهب وفد من زعماء الجبل برئاسة سلطان باشا الأطرش إلى دمشق لتقديم التهاني. عند اللقاء في مكتب الرئاسة قدَّموا لهم شراباً من عصير الليمون المُشعشَع بالثلج فما كان من علي الملحم إلّا أنْ رفع كأسه بين الحاضرين وقال: «وين ماء المعيّ من ها المَيّ» فقال القوَّتلي:
ــ إي والله!..، عندها قال سلطان باشا:
ــ لو لم تشربوا من ذاك الماء، لما شربتم من هذا الماء.

علي الملحم يزور رئيس الجمهوريّة ويثير غَيْرَة وجهاء دمشق

الرئيس شكري القوّتلي

في مناسبة اقتضت زيارة تهنئة للرئيس شكري القوّتلي استدعى المجاهد علي الملحم رفاقه في الجهاد من بلدة ملح، واستأجروا حافلة وصلت بهم إلى القصر الجمهوري في دمشق، وعلى مدخل القصر استوقفهم الحرس فقال علي لرئيسهم: أبلغ الرئيس أن علي الملحم ووفداً من مجاهدي ملح يقصدون زيارتكم، وأَبلِغه أن هؤلاء الذين جاؤوا من أقصى الجبل يستحقون أن ينزل الرئيس كم درجة ليلاقيهم…
استكبر رئيس الحرس التوصية الثانية وقال لعلي:
هذه لا أستطيع أن أبلغه إياها.
قال علي: أبلغه إياها، وقل له أنّها من علي الملحم.
وبالفعل أوصل رئيس الحرس التوصية للقوّتلي الذي لاقى الوفد خارج قاعة الاستقبال مرحّباً بهم، وهنا استغرب العديد من وجهاء دمشق الذين كانوا في القاعة تصرف الرئيس الذي لم يستقبلهم بالحفاوة التي استقبل بها وفد ملح، وتجرّأَ أحدهم وصارح الرئيس بذلك أمام الحضور ابتسم القوّتلي والتفت إلى صديقه صديقه علي الملحم وقال له:
«أبو نايف هؤلاء وجهاء دمشق، حدّثهم عندما كنّا نجوع في الصحراء وهم يأكلون البامي في الشام ويولمون الولائم للضباط الفرنسيين، قل لهم قصيدة «البامي» عندما زرناكم وأخذنا لكم علب الراحة بالفستق شو قلت لنا وقتها. فوقف علي وحدثهم بمعاناة الثوار في المنفى وأنشدهم قصيدته التي سبق أن أسمعها للقوّتلي في الصحراء… وفيها يقول:
شو هـــا العيشي الرّدِيِّي
صبـح وظـــهـر وعشـــــيِّي
الصـبحـيـي عَ الكثايـات
…….ومن غير عشا عـــم نْبــات
لا السّمنات ولا الدُّهنات
…….بالنّـبــــك تـــلاقـي أوْقـــيي
أنْجَـــقْ بـــلاقي الدّامي
وشــــوف السمن بمنـــامي
واللي عَ بيــــاكل بامي
شــــو همّــو مـــن القضيّي
تركتونا بـــها الحالــي
ومــــا حـــدا فيـــنا مْبــالي
وفـقــدتونـــا بالتــــالـــي
بعلبـــة راحـــة مـحشــيِّي

عندها استحيا الوجيه الدمشقي المحتج وقال: إي أخي، لا تؤاخذونا، معكم حق.

علي الملحم يرفض الرَّشاوى والفساد، فيزدري الوظيفة الحكوميَّة

في عام 1940 عُين علي الملحم مديراً لناحية ملح
– وفي عام 1941 جاءه ليوتنان فرنسي وطلب منه الموافقة على بيعه كميّة من القمح لتصديرها إلى فرنسا فاستمهله ليستشير وجهاء الناحية الذين امتنعوا عن ذلك، وكان علي بوطنيته يدرك ما سيكون عليه موقف الوجهاء، وبهذا تمّ رفض تقديم الكمية المطلوبة للفرنسيين. استاء الليوتنان وقال «إنِّي أسمع صراخ الأطفال الجوعى في باريس يستغيثون طالبين الخبز…

فأجابه علي من فوره: إنِّي أسمع صراخ أطفالنا الجوعى هنا، جوار بيتي، فخرج الليوتنان غاضباً واتّجه إلى سيارته يتبعه مرافقوه وقد نسي حقيبة نقوده؛ فما كان من علي إلّا أن أمر ابنه واسمه «عبدو» قائلاً له: يا إبني يا عبدو، خذ ها الممحوقة ـ وأشار الى الحقيبة المتروكة محل جلوس الليوتنان ـ وناوله إياها. وبقي في مضافته ولم ينهض لوداع الليوتنان وفريقه من العسكر الفرنسي…
– في عام 1947 قبيل انتفاضة الحركة الشعبية في جبل الدروز؛ كما كان يُدعى آنذاك؛ جاءه أحد قادة تلك الحركة التي قامت ضد الأطارشة (وكان لها بعض المبررات الواقعية)، لكن تحريض حكومة دمشق حرفها عن أهدافها الاجتماعية؛ ممّا حوّلها إلى سفك الدماء، وإلى حالة من حرب أهلية لا مبرر لها داخل مجتمع الجيل.

– رفض علي الملحم مبلغ خمسمئة ليرة سورية كرشوة له مُرسلة من جميل مردم ــــ وزير الداخلية؟ــــ من دمشق آنذاك كثمن لانضمامه إلى تلك الحركة، فكان عقابه قطع راتبه لمدة خمسة أشهر، ممّا أثار غضبه ودفع به إلى ترك الوظيفة.عِفَّةً منه.
وعندما تحرك الشعبيون للهجوم على القريا وقف علي وأهالي بلدة ملح ضدهم، وكان قد رفض تسَلُّم رشوة مالية من أحد كبار الشعبيين في الجبل للانضمام إليهم، وقيما بعد فقد ابنه هلال الذي قضى نحبه في وقعة بكّا الدامية تلك الوقعة الفاصلة التي هُزم فيها الشعبيون وبذلك خابت آمال حكومة دمشق التي كانت تهدف لإذلال سلطان باشا كقائد عام للثورة السورية الكبرى عام، 1925 تلك الثورة التي أسست لتحرير سورية من الاحتلال الفرنسي، وعندما وصلت جنازة ابنه هلال وجنازة الشاب حمّود الحلح بعد الوقعة أكبّ علي على إحدى الجنازتين متأثراً لفقد ولده الشاب، قالت له إحدى الباكيات «هذه ليست جنازة ابنك ياعم» فقال لها مستدركاً: «كلهم أولادي»….

جميل مردم وزير الداخلية

– أمّا عندما أقدم الدكتاتور أديب الشيشكلي على إرسال الجيش السوري إلى الجبل في هجمة عسكرية ظالمة؛ وضع فيها الجيش ضد شعبه الذي طالبه بالديموقراطية، لكن الشيشكلي كان يهدف إلى الحفاظ على كرسي الحكم؛ وهنا وقف علي الملحم وِقفةً شجاعة وقاوم تلك الخطوة غير العاقلة التي أدت إلى سقوط نظام حكم الشيشكلي نفسه في النهاية.
توفي المجاهد علي الملحم في كانون الثاني 1974 في طقس مُثلج عاصف قُطِعت فيه الطُّرقات وكان له مأتم متواضع حضره أهالي بلدته ملح فقط، وصادف في تلك الفترة إلغاء الأسبوعات المُكْلِفَة تطبيقًا لمنشور سلطان باشا ومشايخ العقل، حيث كان يجتمع المعزّون ثانية بعد أسبوع من حصول الوفاة (وفيها كانت تُنحَر الذبائح وتُقام الولائم ويضطر ذوو المتوفّى إلى الاستدانة أحيانا في الإنفاق على المناسبة..)

وبعد أشهر توفّي المجاهد يوسف العيسمي رفيق علي الملحم في جهاده، حضر سلطان مأتمه في بلدة امتان وانتقل ليعزّي آل الملحم في ملح، خاطب سلطان باشا الشيخ أبو حمد محسن الملحم معاتباً «لمَ لم تقيموا مأتما يليق بالفقيد؟» قال الشيخ:
«يوم الوفاة كانت الطرق مقطوعة، وبعدها التزمنا بتحريم الدعوة إلى الأسبوع».
عندها قال سلطان شهادة صريحة في الفقيد «إنَّ علي الملحم لم يكن من رجال الثورة فحسب، بل من المخططين لها»…
رحم الله المجاهد علي الملحم فقد كان واحداً من قادة المجاهدين في الثورة السورية الكبرى، أولئك الرجال الأفذاذ الذين حرروا البلاد من المحتل دون أن يطمعوا بكسب منصب ولا بتحصيل ثروة…وفي ذلك الجهاد الحقُّ..


المراجع:

1ـ جابر، محمّد،أركان الثورة السورية الكبرى، مكتبة نهى، ص 263.
2ـ مقابلة مع فيصل الملحم، (نجله) في 13 /9 /2019.
3ـ البعيني، حسن أمين، سلطان باشا الأطرش، مسيرة قائد..، ص 46.
4ـ جابر، محمّد، م. س، ص 264.
5ـ ذكريات المجاهد علي عبيد، مخطوطة، ص 8.
6ـ أبو راشد، حنَّا، جبل الدروز: حوران الدامية، ط2، 1961، ص 239.
7ـ مذكرات سلطان باشا الأطرش، ص 94.
8ـ أحداث الثورة السورية الكبرى كما رواها قائدها العام..، ص 100
9ـ مقابلة مع العقيد سلامة الملحم، شريط مسجل بصوت سلطان باشا الأطرش.
10ـ أحداث الثورة..، م س، ص 130.
11ـ أحداث الثورة..، م س، ص 101.
12ـ سلامة عبيد 379
13ـ جابر، محمّد، م س، ص 268.
14ـ بعيني مسيرة قائد، ص 325.
15ـ ذكريات المجاهد علي عبيد، مخطوطة، ص 30.
16ـ مذكرات المجاهد صياح الأطرش، ص 111.
17ـ أحداث الثورة السورية الكبرى…، م س، ص 333.
18ـ الخواوير: نوع من الإبل السريعة المنتقاة لقطع مفازات الصحراء وتسمّى بـ “الذّلول الحرّ”
19ـ الكور: الرحل يوضع على ظهر الجمل بمثابة السرج للجواد. الميركي: قطعة من وبر الإبل أو الصوف من أدوات الرحل، هَدو: إهداء، ابن لام: كناية عن قبيلة بني لام وهم قوم من العرب في جنوب العراق.
20ـ خُرج العقيلي: العقيلات: قبيلة عربية موطنها الأصل في الموصل واشتُهِر رجالها بالسفر والاتجار وصنع الأخراج، والخرج: قماش منسوج من الصوف أو وبر الإبل يوضع على ظهر الراحلة ويُسْدَل من عن يمين وعن شمال له فتحة من كل جانب على شكل محفظة مفتوحة يضع فيها المسافر حاجياته من طعام وغيره.
21ـ الرّكاب: قطتان من المعدن من عن يمين وشمال الراحلة معلقتان بالشداد يضع الراكب قدمه فيها عندما يهم باعتلاء ظهر راحلته. خزّيت: اخترت.
22ـ انْحَر عميمك: اذهب إلى عمك ويقصد به صديقه الشاعر المجاهد سليم الدبيسي من بلدة عرمان. صجّ: كلمة بدويّة بمعنى صدق.
23ـ مَرامي: مُرادي وغايتي.
24ـ الرّخامي: طيور الرخم، وهي طيور ركيكة تستدفها الصقور.
25ـ العوالي: التلال. انْحَرّ كَبدي: تملّكني الغيظ. أوجس الدم عامي: اغتلى دمي غيظاً وغضباً ممّا يجري من أحداث…

 

الشّيخ العَلَم الوَرِع الديّان، أبو حسين محمود فرج

شجاعتُه في دينه وجرأتُه في يقينه

شجاعته في دينه وجرأته في يقينه إنّه لم يكن يساير ذوي السلطان فيما يغضب الرحمن.
فَصَحَّ فيه قول القائل:
وليتَ الذي بيني وبينك عامرٌ وبيني وبين العالمين خرابُ.

وكان شديد الخوف والحذر من حدوث شرٍّ ما بسببه وله واقعة مُهمّة أنه ترك عبَيه لمدَّة ثلاثة أشهر. كذلك كانت مهابته واحترامه لدى العقلاء والجُهلاء على السواء فسبحان من قدّر له الهيبة والاحترام في قلوب الناس.

لم يكتفِ رحمه الله بإصلاح طريقته، وتحسين سيرته الخاصة، بل أسرع لتلبية نداء صاحب الحق، إمام الخلق، سلام الله عليه، إذ فرض على نفسه القيام بحفظ الإخوان، الذي به اكتمال الإيمان، ولمّا كانت أصول المحافظة ستّة، وهي، محبَّة الإخوان، ومعونتهم، وإسداء الحسنات إليهم، وإفادتهم، والإصلاح بينهم، وقضاء حاجتهم، ولمّا كان القيام بهذه الفريضة، وما يتبعها من الفرائض الدينية التوحيدية، أصولها وفروعها، يقتضي التعاون الدائم بين الإخوان في جميع أمورهم، ويحتاج إلى معرفة الغاية الشريفة نادى رحمه الله إخوانه للاجتماع العام في الزيارات، ودعاهم للمذاكرة في دين الله ومعرفة الواجبات، والنهوض بالأمر والنهي لتحقيق المُفترضات.
وكان يريدها حسب نيّاته، المخلصة لوجه الله خالية من المقاصد السياسيَّة الدنيوية، مُقتصرة على الفوائد الدينية والعقلية ليرتقي بها الجمهور في المعارج التوحيدية، ويستنير بنورها في سبيله الروحاني بغير تكليف من الإخوان بنصرة أخيه الضعيف، ويسيران معاً في طريق الحق والنهج القويم، عملاً بالواجب المفروض وأملاً بعفو المولى الرحيم، وقد قيل، للمؤمن على أخيه المؤمن ثلاثون حقّاً، منها، إنّه يريد سلامته، ويُحسن مودَّته ويُديم نصيحته، ويقبل معذرته، ويقيل عثرته، ويستر عورته، ويحسن نصرته، ويقضي حاجته، ويرشده إلى ضالَّته، ويواليه، ولا يعاديه، ويحبّ له الخير كما يحبّه لنفسه، ويكره له الشرّ كما يكرهه لنفسه، رحم الله من عرف حقّ أخيه، ونهض لأدائه بإخلاص تام كما عرفه وأدَّاه دون أن يتلهَّى الإخوان بالولائم، إذ على الإنسان أن يأخذ ما يكفيه من الزاد، ثم ينصرف للإفادة والاستفادة الحقيقية، فذلك خيرٌ وأبقى، إذ قال تَعَالى (قد أفلح من تزكَّى، وأنْ لَيْسَ للإنسان إلّا ما سعى، وأنَّ سعيه سوف يُرى).

الزيارات السّنوية وتعدُّدُها ومواعيدُها

 

تقرّر تعدُّد الزيارات الدينية العامة كلّ سنة، مثل زيارة النبي شعيب عليه السلام في فلسطين، وجعل ميعادها في شهر نيسان، كما جعل ميعاد زيارة النبي أيوب (ع) في أواخر الصيف، وزيارة المقام الشريف (ع) في شمليخ في فصل الخريف، فيما بعد ثلاث زيارات، الأولى، لمقام النبي هابيل(ع) في جبل قاسيون بسوريا، والثانية لمقام سيدنا الأمير جمال الدين عبد الله التنوخي قدّس الله روحه (في عبيه) والثالثة، لخلوات البيّاضة الزاهرة، وكان الإقبال في تلك الزيارات شديداً.

مرحلةُ الشيخوخة وتركُه الدنيا وإقبالُه على الله بالكليَّة

 

قال أفلاطون الحكيم سلام الله عليه، في الإنسان، عقل، وهوى، وعفَّة، وشهوة، فالعقل ينهى الهوى، والهوى يقاتل العقل، والعفّة تنهى الشهوة، والشهوة تقاتل العفّة، والإنسان، مُسلَّط على مشيئته، فمن نصر العقل والعفة، على الهوى والشهوة، فقد أدرك الوطَر، وسَلِم من الخطر، ورقي إلى رتبة الإنسان، وظفر من الله بأمان وهذا هو الجهاد الأكبر، وبدا واضحاً بأن المرحوم الشيخ أبو حسين قد أمدَّه الله بمعونته، وأنار عقله بمعرفته، ووفَّقه لارتقاء الدرجات في طاعته، إذ استعمل في جميع أعماله العفَّة وَسَارَ في سبيلها، وملك بقوة إرادته زمام الشهوة فاضعف تأثيرها، وأخضع لمشيئته ببالغ عزيمته رغبته وهواه، وأوجب عليهما الانصياع، لِما أمر به العقل ونهى عنه، ولم يزل في رياضة نفسه الأبيَّة، وفطمها عن كثير من الملاذِّ الحسِّية، لتستزيد من صفاءِ النورانية، وقد أراد لمحض تقواه، التعفُّف عن الفضول، واكتفى في غذاء جسده بالضّروريات.

إذ قال تعالى «وأمَّا من خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى» وقال الشاعر:
ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ
وكلُّ نعيـــمٍ لا مـحـــــــالــــة زائِـــــــــلُ
وكلُّ امرئٍ يوماً سيعلمُ سـعيَـــــه
إذا كُشفت عند الإلهِ الحصائلُ

كان في أثناء كهولته وشبابه نادر المثال في ثباته، في كل أمرٍ تولّاه، في دينه ودنياه، وقد لبث على هذه الحال أكثر أيام شيخوخته، عاملاً نشيطاً ينسجُ في مهنته، عاكفاً على طاعة الله وعبادته، والإخوان الأطهار يتبارون في التشبه والاقتداء بورعه، وتقواه، ويتسابقون للتبرّك بكسوة أبدانهم ممَّا صنعته يداه.

ومن أقواله لولده حسين:
المرحوم الشيخ ابو حسين محمود فرج

 

«يجب على الإنسان أن يترك الدنيا قبل أن تتركه، ويتزوّد منها لآخرته قبل أن تُقْبِلَ عليه المنيَّة وتدركه، فقد صار عندي الآن فوق الثمانين، ومرَّ أمامي من العِظات والعِبَر ما فيه كفاية لكل موحِّدٍ ذي دين». وعندها تذكّر مُعتبراً الراحلين من إخوانه وَخُلاَّنِهِ الثُقات الصالحين وقد صدق من قال:

الــمــوْتُ أفْــنَــى مَــنْ مَضَــى
وَالــمــوْتُ يُفْني مَنْ بَقِي
وَالقبـــــــــر مَثْوًى جَامــــــــــعٌ
بَيْـــــــنَ المُنَعَّمِ وَالشّــــــــَقِي
يَا مُسْرِفًا فيمــــــا مَضَى
كُــنْ مُــحْسِنًا فِيمـــــــا بَقي
العِــــــــــزُّ فَـــــــــــــانٍ زَائـــــــــــِلٌ
وَنِعْــــــــمَ عُــقْـــــــبَى المُتَّقي

ولمّا كان المرحوم الشيخ لا يقول قولاً باللسان، إلّا بعد أن يعقد عليه ضميره والجنان، عازماً على إخراجه إلى الفعل والعيان، عندئذ، أقبل على ما في يده من مال، جمعه بجدّهِ ونشاطهِ من الرزق الحلال، فَوزّع منه الصدقات، وبذل الحسنات، وأقرض بقيته لذوي الحاجات، وانسلخ مُختاراً عن دنياه، مقبلاً على طاعة مولاه، جبّار الأرض والسماوات، وَجَعَلَ دأبه تلاوة الكتاب العزيز آناء الليل وأطراف النهار، ولسانه لا يفتُر إلّا قليلاً عن التسبيح والتقديس لله الواحد القهار، ودام على هذا النمط الشريف بقية عمره.
وقصده بذلك واضح وجلي نلخصه:
تهذيب الأخلاق واستشعار الخلّاق، والاهتمام الكلِّي في إصلاح النفس الجوهرية الخالدة، والانصراف التام عن الأعراض الزائلة البائدة، لأن المعرفة الحقيقية تفرض على صاحبها الإدبار بقلبه عن هذه الدنيا الدنيّة، والإقبال بكليَّة جهده على طلب الآخرة الأبدية، قال تعالى: «تلك الدار الآخرة نجعلها للَّذين لا يريدون علوَّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمُتَّقين».

وَفَاتُهُ رَحِمَهُ الله

 

ولم تزل الأيام تمرُّ مسرعةً، تُدْني، بسيرِها الآجال، وتفني الأجيال، وتُظهر الحكمة والعظمة والقدرة لله العلي المتعال، إلى أن حضر اليوم الذي أراد الوادع الحكيم أن يستردَّ فيه وديعته، وذلك نهار الاثنين الواقع فيه 17 ربيع – الأول سنة (1373) للهجرة الموافق (23) تشرين الثاني سنة (1953) للميلاد.

في مُلحق أُضيف لسيرة سيّدنا الشّيخ أبو حسين محمود فرج الفاضلة يذكرُ حفيده المرحوم الشّيخ أبو عفيف محمد فرج مجموعة من مناقبه أُثْبِتَت على أَلسُن مُعاصريه.

تدقيقُه في اللّفظ الصَّادِرِ عنهُ والوارد إليه

امتاز سَيّدُنَا الشَّيخُ عَلَى أهْلِ عصْرهِ بدقة لفظه وبالغ صِدْقِه بما لا صارَ بمثْلِهَا من سِواهُ، ولا لاقَ لِمَنْ حاول تقليدَهُ، بل غدا مَضَرِبًا للمِثَالِ، حتى عِنْدَ عَامَّةِ النَّاسِ وَعِنْدَ مَنْ يَعْرِفُهُ أو يسمعُ بهِ من الطوائفِ الأخرى.
اقتصرنا على تقديم أمثلة يُنتَفع بها وتدُلُّ على غيرها.
مرّةً قصد أحد الإخوان أن يُطعِمَهُ بُرتُقَالَةً قائلاً لهُ « قشِّرْ ها الليمونة « فقشّرها وأرجعها لهُ. فأوضح لهُ الأخُ أنَّ قصْدَهُ ليقشِّرَها ويأكُلَهَا. فأجابهُ مُذَكِّرًا: « قلْتِلّي قَشِّرْها…»
فنراهُ لا يُرَخِّصُ لنفسه بما يُسْتَدَلُّ عليه من مقاصِدِ الغيرِ مَا لَمْ توضَع هذه المقاصد في قوالِبِهَا وَيَتَّضِحُ ظَاهِرُهَا عَلَى الكمالِ. بينما نَرَاهُ يقومُ بتأديةِ ما هَجَسَ في قلبِهِ وَنَوَاهُ، وَلَوْ لَم تَتَبَلْوَرْ خَلَجاتُهُ عبر الأقوال. فإذاً، ما كان منه للغير حقَّقه وأدَّاهُ مُتبنِّيًا السِّرَّ وَالْمَعْنَى، وَمَا كَانَ لَهُ مِنَ الْغَيْرَ تَلَقَّاه بِحَسَبِ وُضُوحِ اللَّفظِ والمبْنَى.
وفي أحد الأحاييْنِ كانَ مَارًّا على طريقٍ، دَعَاهُ بَعْضُهُمْ إِلَى تَنَاوُلِ تِيْنٍ كانَ يحمِلُهُ مَعَهُ في سَلَّةٍ. فَسَاَلَ رَحِمَهُ اللهُ إنْ كَانَ التِّيْنُ لهُ فأَجَابَ إنَّهُ لِبَيْتِ عَمِّهِ. فَلَمْ يَتَنَاوَلْ شيئًا مِنْ ذَلِكَ.

نُبَذٌ مِن وَرَعِهِ

كانَ لأُسرةٍ من آل الخازن من نصارى بلدة «اعْبيه» مَمَرٌّ إلى منزلهم في جَلٍّ في أحد الأملاك التي يحقّ لسيدنا المرحوم استثمارُها وفي إحدى مواسِمِ زرْعِ القمح كلَّف مَنْ يَعْرِفُ حدودَ الأرض ليقوم بزرعها. وعندما آن حصادُها رأى أنَّ الجَلّ قد زُرِع بكامله ولم يُستثْنَ الممرُّ. أوْقَفَ الشيخُ الحَصاد ريثما يواجه صاحبة المنزل، التي كان قد مَاتَ زوجُهَا وكانوا يقطنون غالب وقتهم في المدينة. فطلب إلى شقيقته التي كانت تسكن بجوار منزلها أن تُعْلِمهُ حَال حضورها. وفي يوم من أيَّام الآحادِ أتَتِ المرَأةُ إلى البلدةِ، فواجَهها مع شقيقتهِ وطلب إليها أن تحصُدَ من الجلّ المساحة التي تختارُها، فأبَتْ بادِئَ الأمر كونَهَا لم تُساهم في كُلفةِ الزَّرع. أصرَّ المرحوم على ذلك طالباً من شقيقتِهِ إقناعَهَا وإلّا فسيترُكُ حَصَادَ الجَلِّ بكامِلِهِ. وبعد الحوار رَضَخَتْ السيّدة للأمر الواقع، وصارت تُخْبِرُ العديد من معارفها وأصدقاءهَا، وهي مُعَجَبةٌ وذاهِلةٌ من معامَلتِهِ.
وكان فَلاَّحٌ مِنَ الإخوان يحرُثُ لِسَيِّدِنَا المرحوم حقلَهُ وبرفقتهِ ولدُهُ القاصرُ. عندما حان وقت الغداء أتى الولدُ ببعض ما قطفه من الفول الأخضر من ذلك الحقل، ووضعه أمامهمْ وَدَعَاهُم للأكل مِنْهُ، وصارَ ووالدهُ يُطَمْئِنانِ سيِّدنا المرحوم أنَّ الفول من حقله. لم يكن معه رحمهُ الله سوى الزيتونِ والخبز، فأبى ذلك. وذهب وقطفَ من هذا الصِّنفِ بيدِهِ الطاهرةِ الكريمةِ ليضيفَهُ إلى طَعَامه ودعاهُما إليهِ مُجدَّدًا، ولم يسمح لنفسهِ العفيفةِ تناوُلَ شيءٍ من الفول المقطوفِ دونَ علم صاحبه واستئذانِهِ ولو كان هو الصاحب بالذَّات، مُعتبراً أنَّ الوسيلة التي استُعْمِلَتْ في قطفِ الفول مُنَافيةً للحقِّ والدِّينِ.. ويكون بهذا التعامل قد أعطى درْسًا غير مُباشرٍ بكيفيّة سلوك الطريق السليم الدَّاعيةِ لبراءَةِ الذِّمَّة وإثباتِ الحلال.

لُطفُهُ في التَّعليم

وبينما كان رحمُهُ الله سائراً مع جملةٍ من الإخوان، مَرُّوا بمكان حوى الكثير من الأشجار المقطوعة للاحْتطاب. فقال أحدُهُمْ: «يَا بارَك الله، ها الحطب كلوُّ سنديان»، فسمعه سَيِّدُنَا الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ وأشار بعصاه إلى حطبةٍ وسأله بتأنٍّ وَهُدُوءٍ: «شُوْ هَيْ»؟ فأجابَ الأخ «مَلوُّلْ»، وَبَعْدَ قليلٍ، وهُم في سيرهم دَلَّ إلى أخرى وسألَهُ: «شُوْ هَيْ»؟ فأجاب: «بُطْم» وكان هذا الأخ يرويها عن نفسه ويقول، بنبرته القوية: «وبَسْ»…. يعني، كانت هذه ملاحظة المرحوم ليس إلّا.
هكذا كانت اشاراته وملاحظاته رَحِمَهُ اللهُ بلطافةٍ وخفةٍ ولباقةٍ… كانت أشبهَ بالإيماء منها إلى التّصريح، لأنّ قصده بالتعليم لم يكن لأجلِ الانتقاد وإظهار المعرفة، بل كان بإخوانه رفيقاً وعليهم شفيقاً.

أمَّا في دقّةِ إشارته وحسن معاملتهِ، التي تُنْبِئُ عنْ لطافَةِ جوهريَّته، وسلامة نهجه، نسمع أنَّهُ حصل بين اثنين من الإخوان خلافٌ على أمرٍ ما، ذهب بعده أحدُهُمَا إلى منزل سَيِّدِنَا الشيخ مُشتكيًا ومُبَرِّئًا نفسَه ليثبتَ تعدِّي الآخر. وبعد مُدّةٍ اتّفق أن طرق مسامع بعض الإخوان هذا النَّبأ. فقصد إلى الأخ المُشتكىَ عليه وأخبرَهُ بما عَلِمَ، وَحَثَّهُ عَلىَ توضيح حَقِيْقَةِ الأمْرِ لشيخنا البصير رَحِمَهُ اللهُ، ورافقه هو أيضاً على هذه النيّة. بعد وصولهما بقليل طلب سيِّدنا المرحوم مِنْ هذا الأخ أن يقرأ له بعضَ وصايا لُقْمان الحكيم سلام اللهِ عليهِ، وكان رحمهُ اللهُ في سِنٍّ مُتَقَدِّمٍ وقد تأخَّرَتْ صِحَّتُهُ بعض الشّيءِ، فجلس مُتَّكِئًا يصغي إصغاءَ الأَلِبَّاءِ فما أن وصل الأخ في قراءته إلى القولِ: «يا بُنَيَّ، مَنْ عاملك بالقبيح فعامِلْهُ بالمليْح وكُلٌّ يلقى عملَه» حتَّى استَقَامَ مُسْتَقِيْمُ السَّجَايَا والْفَعَالِ، في جلسته وطلب منهُ إعادةَ قراءتِها، فأعَادَها، فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: «يا خَيّي؛ مَا قَالْ مَنْ عَامَلَك بالقبيح فاصْبِرْ عَلَيْهِ واكتفى، بل قال عامِلْه بالْمَليح» وَكَانَ هذا التَّوضيحُ قَبَسًا عانقَ سلامةَ طَوْيَّةِ هذا الأخ الذي اكتفَى بِمَا سَمِعَ طَارِحًا إلْحَاحَ رُفَقَائِهِ في تَبْرِيرِ مَوْقفه.

يضاف الى ذلك، حرصُه على تأدية الفرائض وتمسُّكُه بما رسم السّلف الصالح، وموافقته لقضاء باريه والحقّ أحقّ أن يُتّبع. وامتناعه عن دخول الأماكن المحظورة، وابتعاده عن السياسة، وتساويه بإخوانه، ويريد لإخوانه كما يريد لنفسه واهتمامه بجمع الشمل وإحلال الصّفاء.

بعض الخصال

وكان رَحِمَه الله يريد الخير لإخوانه كما يريده لنفسه، ويلاحظ أحوالهم بالعناية والرعاية وَيُسْهِمُهُمْ بما قسم له المَولى من دينٍ ودُنيا. وإذا زاره إخوانٌ له، على غير ترقُّبٍ، من قرى بعيدة كـ «راشيّا وحاصبيّا مثلاً» أو من خارج البلاد، ولم يساعده الوقت على إنفاذ دعوة لبعض من يرغب حضورهم حتى يَحْضُر ويبصر المشايخ، كان يخصُّهم مع ضيوفه بزيارات تعوّض عليهم الحرمان. ومن عاداته رَحِمَهُ اللهُ أنّه كان يحافظ أشدّ المحافظة على توحيد الكلمة، ولَمِّ الشملِ، وحلول الصَّفاء في القلوب، قبل أن يُداخِلَهَا الكدرُ. وإذا أحسَّ بعكوراتٍ عند إخوانه يحاول إزالتها تمامًا، بأيَّةِ وسيلة، لتبقى النفوس قابلة لآثار العقل. وإذا تعرَّضَ الدّين لأيَّة مخالفة كان رحمه الله بلطافة معاملتِهِ، وصادق طَوِيَّته، وإخلاص محبَّته، وواسع حلمه وشفقته، يلقي عليه الملاحظة، والقصاص والمحاسبة، بمهابةٍ الوالد الصارم وهدْهَدَةِ الأمِّ الحنون، فتتمُّ المنفعة وينتشر شذاها، وتنطفئُ الفتنةُ ويندثِرُ أذاها. وكان رَحِمَهُ اللهُ طيّبًا حاذِقًا في وصف الدواءِ، وعالمًا ماهرًا في معرفة الأدواء، ومراقباً باسلاً في دفع السيِّئاتِ، لا يحسُدُ الأخيارَ، ولا يعيبُ الأشرارَ، رضَاهُ في الباطِل، ولا يُخرجُهُ غضبهُ -إذا غضبَ- عَن الحقِّ، مُطاوعًا لإخوانِهِ، غيرَ مُعْتمد على التَّفرُّد برأيِهِ وتبيَانِهِ قَالِيًا للمنازعاتِ، جاليًا للغيوم التّهماتِ، مُذْعِنًا للحَقِّ أينما كان موطِّدًا لهُ بالدلائلِ والبُرْهَانِ، مُتَرَفِعًّا عن الميل لأقرانٍ دُونَ أقرانٍ، مُحاسِبًا نفسَهُ قَبْلَ أنْ يُحاسَبَ، مُؤَدِّيًا الأمانة قبل أن يُطالَبَ، خاشِعًا لأمرِ مَوْلاهُ قبْلَ أنْ يُعَاتَبَ، طائعاً لهُ فَلَمْ يُغَالَبْ.

إنَّ النصّ المنشور في العدد السابق لمجلّة «» (كانون الثاني 2020) تحت عنوان: «الشيخ العلَم الورع الديَّان أبو حسين محمود فرج»، فضلا عن الجزء الثاني المنشور في العدد الحالي هما في الأصل مُنتخَبان من كتاب «الشَّيخ أبو حسين محمود فرج، سيرته الفاضلة» الصادر في طبعته الأولى في عبيه، عام 1956 م. وفي طبعة ثانية مزيدة عام 1982 م. وكان قد كتبه نجلُه الشيخ المرحوم أبو محمّد حسين فرج. وإضافة حفيده المرحوم الشيخ أبو عفيف محمد فرج.

والنيَّةُ أن يتمَّ إلحاق هذا الموضُوع بسيرةِ مشايخ أفاضل ممن رافقوا الشيخ الكريم، وذلك في إطار استحضار صفحات من تراث أثيل شريف في آداب الدِّين ومسالكه.

.

.

بيان من فعاليات وطنيّة مدنيّة في جبل العرب

أصدر ثلّة من وجهاء وعشائر وناشطي الجنوب السوري بياناً مشتركاً يوضح تفاصيل اتفاق بين محافظتي درعا والسويداء، من أجل الوقوف على بعض القضايا التي علقت بين أهالي المحافظتين خلال السنوات الماضية، ويؤكد على وحدة المصير بين المحافظتين.
وجاء في البيان الذي حمل اسم «بيان حسن الجوار بين سهل وجبل حوران» ما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات 13

لقد عاش أهلنا في السهل والجبل بحسن جوار وتبادل تجاري وتزاور لعقود طويلة ولا يزالون على ذلك العهد، مهما حاول أصحاب النفوس المريضة زرع الفتنة لأسباب دنيئة يترفع عنها كل عاقل في السهل والجبل، لأن هذه الفتنة لا تخدم أي أحد وستكون أثارها المظلمة على الطرفين لفترة طويلة والرابح الوحيد والمتفرج هو أجندات خفية لا تريد الخير لأهلنا وقد فشلت كل محاولات اشعال الفتنة في السابق بين السهل والجبل وذلك بفضل وعي العقلاء من الطرفين لهذه المخططات الخبيثة وهذا من شيم أهل حوران وشيم بني معروف وبدورنا تؤكد أن من يفتعل تلك الفتن من الطرفين من قتل وخطف من أجل المال ومنافع خاصة هم عصابات مارقة لا تمثل السهل ولا الجبل وليس من أفعالهم وأخلاقهم فعل ذلك.
ونؤكد على ضرورة:

1) إنهاء ملف المخطوفين بالكامل، وتشكيل لجنة مشتركة لمتابعة شؤون المخطوفين.

2) البحث في تفاصيل ما حصل يوم الجمعة وتشكيل لجنة تحقيق مشتركة لتبيان الحقيقة ومحاسبة المخطئين.

3) تشكيل لجنة دائمة تسعى لإعادة احياء العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وانشاء مشاريع مشتركة، وتدعو المجتمع لتحمل مسؤولياته في قضايا حسن الجوار.

وأخيراً فإننا مؤمنون ببقاء السهل والجبل يداً واحدة ضد من يزرع تلاحمهم الرحمة لأرواح الشهداء والصبر والسلوان لذويهم.

الموقعون من أبناء السهل والجبل

                         درعا                       السويداء
د. موسى الزغبي
الشيخ ناصر الحريري
الشيخ ياسر المقداد
المهندس بديع أبو حلاوة
الأستاذ عدنان مسالم
الأستاذ خالد العتيبي
الروائي محمد فتحي المقداد
السيد أيمن فهد الشنور
السيد محمد القاضي
السيد نبيل الصباح
السيد رزق طالب الزعبي
السيد أحمد مجاريش
المستشار عدنان الطراد
السيد برهان الحريري
القاضي إسماعيل مهاوش الحريري
السيد أبو صلاح جمال الحريري
السيد عبد الله الزعبي
السيد علي أبو أحمد
الدكتور عماد الدين مصيبح
المهندس نور الدين محاميد

الأستاذ عاطف باشا هنيدي
الأستاذ حسن الأطرش
الأستاذ نبيل عامر
الدكتور كمال سلوم
الدكتور سعيد العك
المهندس مهند دليقان
المحامي بسام العيسمي
المحامي فوزي مهنا
المحامي أيهم عزام
الأستاذ شادي عزام
المهندس زياد أبو حمدان
الدكتور أمجد بدر
الأستاذ كمال الشوفي أبو أنمار
الأستاذ اديب عبيد
الأستاذ جمال درويش
الدكتور حسين نور الدين
الأستاذ سلمان حمادة

اللجنة الإدارية في المجلس المذهبي تزور المعهد الوطني للإدارة

قام وفد من المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز بزيارة المعهد الوطني للإدارة، ضمَّ كل من رئيس اللجنة الإدارية في المجلس العميد المتقاعد بسَّام أبو الحُسن وأعضاء اللجنة السادة الشيخ محمد غنَّام وعامر صياغة وزاهر الأعور والمهندسة دنيا أبو خزام الشعار بالإضافة إلى عضو اللجنة الاجتماعية أسامة ذبيان، حيث كان في استقبالهم كل من مدير عام المعهد جمال الزعيم المنجد ومسؤولة إدارة الجودة فيه نجاح حمدان.
في بداية اللقاء أبلغ العميد أبو الحُسن تحيات سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن لإدارة المعهد وتقديره للمسيرة الرائدة التي خطاها في الأعوام العشرة الأخيرة لصالح التنمية البشرية المستدامة في القطاع العام، ثم شكر مدير عام المعهد لسماحته ثقته الغالية بالمعهد وبفريق عمله.
بعدها تمحور الاجتماع الذي دام لأكثر من ساعتين حول التحضيرات التي يجريها المعهد منذ فترة لتقديم مجموعة ورش عمل تدريبية مكثفة بعنوان «المهارات القيادية والبروتوكول والأتيكات»، حيث ستضم حوالي ٢٠ متدرباً من ممثلي المجلس وموظفيه، وستشمل عدداً من الموضوعات موزعة على أكثر من ٥٠ ساعة، من بينها:
– الذكاءات المتعددة
– مهارات الذكاء العاطفي
– مهارات القيادة الإدارية
– مهارات إدارة الوقت والاجتماعات
– مهارات التواصل الفعَّال والإنصات الإيجابي
– مهارات إدارة الضغوط والغضب
– إدارة التغيير
– التفكير الإبداعي
– الخرائط الذهنية
– البرمجة اللغوية العصبية
– تقنيات لغة الجسد
– البروتوكول والأتيكات
وأخيراً تم الاتفاق على قيام وفد من المعهد بزيارة قريبة لسماحة شيخ العقل في دار الطائفة (فردان) لشكره على ثقته الكريمة وللتنسيق بين الطرفين حول تفاصيل ورش العمل التدريبية التي ستبصر النور في الربيع القادم.

وفد من المجلس المذهبي يزور معالي وزيرة الإعلام مهنئاً

استقبلت وزيرة الإعلام الدكتورة منال عبد الصمد نجد، وفدا من المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز ضم: رئيسة اللجنة الاجتماعية المحامية غادة جنبلاط، رئيس لجنة التواصل والعلاقات العامة اللواء الركن المتقاعد شوقي المصري ورئيس اللجنة القانونية المحامي نشأت هلال.

وقد نقل الوفد تهنئة رئيس المجلس شيخ العقل نعيم حسن وأعضاء المجلس لتوليها الوزارة، متمنيا لها «النجاح في مهمتها الوزارية كما في عملها ضمن الحكومة لمصلحة اللبنانيين جميعهم وتحديدا في هذه المرحلة الصعبة جدا».
كما أبلغ الوفد عبد الصمد عضويتها في المجلس المذهبي، وأكدت استعدادها للتعاون مع المجلس في عمله من أجل المصلحة العامة.

وفد من المجلس المذهبي يزور معالي وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة مهنئاً

زار وفد من المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز ضم أعضاء مجلس الإدارة اللواء الركن المتقاعد شوقي المصري والعميد الركن المتقاعد بسام أبو الحسن والأستاذ ناجي صعب، وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة رمزي مشرفية، حيث نقل الوفد تمنيات شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن وأعضاء المجلس المذهبي إلى الوزير مشرفية بالتوفيق في مهماته الوزارية، وأبلغه بعضويته في الهيئة العامة للمجلس طيلة توليه الوزارة، كما وضعه الوفد في أجواء عمل المجلس المذهبي ولجانه التي تجهد للقيام بدورها في خدمة أبناء الطائفة دون استثناء أو تمييز. وجرى التشديد على ضرورة توحيد الجهود تحديدًا في هذه المرحلة الصعبة التي تتطلب تعاون الجميع.

المجلس المذهبي اجتمع برئاسة شيخ العقل: على الحكومة التصدي لأسباب الأزمة الاقتصادية

عقدت الهيئة العامة في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز اجتماعاً ترأسه سماحة شيخ عقل الطائفة الشيخ نعيم حسن؛ عرض شؤون وأعمال المجلس، وكذلك مناقشة موازنة ٢٠٢٠ حيث تقرر تخصيص ما نسبته 54٪ من نفقاتها للشق الاجتماعي بسبب الظروف الاقتصادية القاسية في البلاد.

وبمناسبة الاجتماع أصدر مجلس إدارة المجلس المذهبي البيان التالي:
أولاً: يؤكد المجلس أن أولوية عمل الحكومة يجب أن تكون في التصدي العملي والسريع لأسباب الأزمة الاقتصادية الخانقة بجدّية تامة تطلب ملفات الهدر التي استنزفت خزينة الدولة؛ فبذلك فقط يمكن التأسيس لمسارات سياسية واقتصادية واجتماعية ومالية تنقذ البلاد وتعطي الحكومة مشروعيتها.
ثانياً: يطالب المجلس وزارة الاقتصاد القيام بدورها كاملاً بالطلب من مصرف لبنان تأمين الاعتمادات اللازمة لاستيراد المواد الأساسية لضمان توفرها؛ وبمحاسبة كل من يحاول استغلال الأزمة ورفع الأسعار بما لا يتناسب مع ارتفاع سعر الصرف.
ثالثاً: يعلن المجلس عن وضع كل الإمكانات المتوافرة لديه بخدمة العمل الذي تؤديه اللجنة الاجتماعية لتأمين المساعدات المعيشية والمدرسية والصحية والطبية الملحّة؛ وثمّن ما قامت وتقوم به اللجنة في هذا المجال حيث بلغ حجم هذه المساعدات في العام ٢٠١٩ وحده سبعمائة مليون ليرة لبنانية؛ مشدداً على أهمية استمرار برامج المساعدات ومضاعفتها في هذه المرحلة الصعبة.
رابعاً: يشجب المجلس بشدة إعلان ما سُمِّيَ بـ «صفقة القرن»؛ التي تستهدف جوهر قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني؛ وأهمها حق قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وحق العودة؛ ويتوجّه المجلس بدعوة صادقة إلى الفصائل والشعب الفلسطيني لإتمام الوحدة الداخلية وتعزيز كل أشكال المقاومة الشعبية التي وحدها تضمن مواجهة المخططات العدوانية للاحتلال الإسرائيلي وحلفائه.

تقرير موجز عن تقديمات اللجنة الاجتماعية خلال الفصل الأول من العام 2020

في هذه الظروف الصعبة والاستثنائية التي نمر بها والتي توجب على كل منّا تحمّل مسؤوليته تجاه أهلنا ومجتمعنا، نضع بين أيديكم تقريراً يبيّن البرامج التي تتابع اللجنة الاجتماعية العمل بها، على قدر الإمكانات المتوفرة، على الشكل الآتي:

1) برنامج الاستشفاء للمرضى الذين يدخلون للمعالجة على حساب وزارة الصحة العامة، حيث تم توسيع شريحة المستفيدين بحيث شملت أيضاً المرضى الذين يدخلون على حساب الجهات الضامنة (الضمان الاجتماعي، تعاونية الموظفين، فوق ال64، …) OUT، ويعجزون عن دفع فروقات الوزارة أو الضمان تغطي اللجنة عنهم كامل أو جزء من هذه الفروقات في 14 مستشفى ومركزاً صحياً، بعد أن تعاقدت اللجنة مؤخراً مع مستشفى الوطني في عاليه ومستشفى مرجعيون وحاصبيا. على أن يكون سقف التغطية OUT: 200,000 ل.ل مائتي ألف ليرة، وسقف التغطية IN 300,000 ل.ل ثلاثمائة ألف ليرة لبنانية.
وقد قدّمت لجنة الاغتراب تبرّعاً مشروطاً للجنة الاجتماعية بقيمة 120,000,000 ل.ل مائة وعشرين مليون ليرة لبنانية تمّ تخصيصه لبرنامج الاستشفاء، ساهم في عدم تخفيض سقف المساعدة المرضية في برنامج ال IN، نتيجة تزايد عدد المرضى وارتفاع كلفة الفاتورة الاستشفائية.

2) متابعة العمل بالمركز الصحي في عاليه، واستقبال 750 حالة بالرغم من قرار التعبئة والحجر الصحي، ويتم التعاون في هذا الإطار مع جمعية American Druze Foundation “ADF” ، عبر جمعية شبكات الأمان الخيرية، وقد أرسلت اللجنة الاجتماعية لوائح بالأدوية المطلوبة لـ 29 مستوصفاً ومركزاً صحياً موزعين على جميع المناطق ومن ضمنها المركز الصحي في عاليه، التابع للجنة الاجتماعية، من أجل تأمين هذه الأدوية عبر ال ADF لهذه المستوصفات والمراكز بأقرب وقت.

3) متابعة أوضاع عائلات شهداء 7 أيار، بالتعاون مع جمعية شبكات الأمان الخيرية.

4) توزيع ١٥٠٠ حصة ضمن خطة الطوارئ «بونات مازوت» في مناطق الشوف، المتن، حاصبيا، راشيا، عاليه الجرد، عاليه الغرب، وحصص غذائية في الشويفات، ديرقوبل، وبيروت.

5) على صعيد الحصص الغذائية، يتم التعاون مع الجمعيات في المناطق ومع مؤسسة الفرح الاجتماعية، والتواصل مع الجهات المختصّة من أجل تأمين الحصص الغذائية لأهلنا الذين هم بحاجة اليها.

6) تجهيز وتشغيل مركز العزل الصحي في بحمدون «فندق سبأ» بمساهمة كريمة من أصحاب الفندق عبر تقديمه، ومن رئيس لجنة شؤون الاغتراب الأستاذ جمال الجوهري عبر تقديم كلفة تشغيله. وقد كلّف المجلس المذهبي مستشفى عين وزين ومستشفى الجبل تقديم الرعاية والعناية الطبية، وقد بات جاهزاً لاستقبال أي حالة.

جدول بعدد المرضى والمبالغ التي دفعت عنهم في الـ IN والـ OUT من 1/1/2020 لغاية 31/3/2020:
مرضى الـ INمرضى الـ OUT

٦٧٥ مليوناً تقديمات اللجنة الاجتماعية في المجلس المذهبي للعام 2019

انجزت اللجنة الاجتماعية في المجلس المذهبي لطائفة الموّحدين الدروز تقريرها السنوي عن العام 2019، والذي لحظ تقديم نحو 675 مليون ليرة كمساعدات استشفائية واجتماعية، استفادت منها مئات العائلات ضمن برامج صحية وتربوية واجتماعية وتوعوية الى جانب تقديمات المركز الصحي في عاليه سارت عليها اللجنة في السنوات الاخيرة، في سياق مواجهة الظروف الاقتصادية والمالية الاستثنائية التي تأثّر بها لبنان.

وقد شكّل الفصل الاخير من العام بدءا من يوم 17 تشرين الاول الماضي تاريخا مصيريا في حياة اللبنانيين مع بلوغ الامور حدّا مأساويا وشبه انهيار معيشي، الامر الذي ضاعف من حاجات المواطنين وفرض اعداد خطة طوارىء اجتماعية، وسّعت مروحة شرائح المجتمع المستفيدة وحجم التقديمات وماهيتها في برامجها وهي: الإستشفاء للمرضى غير المضمونين المعالَجين على نفقة وزارة الصحة العامة، حيث التزمت اللجنة تغطية فروقات وزارة الصحة (كلياً أو جزئياً) عن المرضى العاجزين عن دفعها، وقد وصل عدد المستفيدين حوالي 2862 حالة بمجموع مبالغ تقريبية 453.741.000 ل.ل. مع ايلاء مرضى السرطان الأولوية في تقديم المساعدة. اذ تولّت اللجنة تغطية كامل فروقات وزارة الصحة العامة عنهم حتى سقف 300 الف ليرة لكل جلسة علاج، أو كل دخول مستشفى.

ثم المساعدات الاجتماعية التي تتضمن مساعدات نقدية لثلاث فئات وهي،المسنّون وذوو الإحتياجات الخاصة والأرامل الذين لا معيل لهم، فتمت مضاعفة عدد المستفيدين نتيجة ارتفاع عدد ذوي الحاجة الذين تنطبق عليهم المعايير المحددة من اللجنة بحيث بلغ 480 مستفيدا توزعوا على مناطق بيروت، المتن، عاليه، الجرد، عاليه الغربي، الشوف، راشيا، وحاصبيا، بمجموع 96 مليون ليرة.
ثم عوائل شهداء وجرحى 7 أيار2008، حيث بلغت مجموع المساعدات 16 مليون ليرة.

ويأتي بعد ذلك المرضى الOUT المضمونون الذين عجزوا عن دفع فروقات الضمان او تعاونية موظفي الدولة وغيرها من الجهات الضامنة في المستشفيات المتعاقدة معها اللجنة، لحوالي 398 حالة بمبلغ 61.683.500 ل.ل.

ثم برامج المساعدات النقدية لطلاب الإختصاصات المهنية (ممرض – مساعد ممرض)، المركز الصحي – عاليه، الى الهيئة الاستشارية لمعالجة المشاكل الاسرية، والانشطة، فالبرامج التنموية التي هي قيد الدرس.
اما المركز الصحي في عاليه فقدّم خدمات طبية ومعاينات كبيرة في إختصاصات أمراض القلب والشرايين، وطب الأطفال، والصحة العامة، وطب العيون، وطب الأسنان (للأطفال والكبار)، وأمراض الكلى والمسالك، وسكري وغدد، وأمراض الجهاز الهضمي، وطب نسائي، وغيرها من إختصاصات الى جانب الفحوصات المخبرية بالتعاون مع مركز الأطباء (Doctors Center)، والأدوية لا سيما الأمراض المزمنة بالتعاون مع جمعية الشبان المسيحية، وذلك بالتزامن مع تجهيز المركز بعيادة أسنان، ليصل المجموع العام للتقديمات الى ٦٧٥ مليون ليرة عن العام المنصرم.

وختمت اللجنة، «اننا في مرحلة صعبة جدا ودقيقة تتطلب منّا جميعا مؤسسات وجمعيات وافراداً تظافر الجهود والتعاون على كل المستويات، من اجل الصمود الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي الذي يكفل الأمن الغذائي والصحي لشرائح المجتمع.

الضّحى خسرت في خلال شهر شباط الفائت صديقين وكاتبين

خسرت في خلال شهر شباط الفائت صديقين وكاتبين هما الدكتور فارس يوسف والدكتورة ناهدة السوقي، لروحهما الرحمة ولعائلتيهما الصبر والسلوان.

الدكتورة ناهدة السوقي

الراحلة د. ناهدة السوقي، بنت العائلة الكريمة في الشويفات، أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، تركت أكثر من عمل مطبوع وكان لها أكثر من مقالة في «الضحى». لروحها الرحمة.

الدكتور فارس حين يوسف

انتقل الى رحمته تعالى يوم الخميس الموافق لليوم السادس من شهر شباط 2020

رثاه الأستاذ فيصل زيد:

كم هي قاسية لحظات الوداع والفراق، التي تسجّل وتختزن في القلب والذاكرة، وكم نشعر بالحزن وفداحة الخسارة والفجيعة ونختنق بالدموع، ونحن نودع استاذا من جيل المربين والأدباء المؤمنين بالرسالة التربوية العظيمة، الناكرين للذات، المحبين للعطاء، العاملين على رفعة الانسان، والسائرين في دروب الانسانية في ذلك الزمن الجميل والبعيد بعد صاحبه عنّا بعد أن قرّر الرحيل.
أستاذنا جميعا، الدكتور فارس حسن يوسف، الذي فارقنا بعد مسيرة عطرة، وذكرى طيبة، وعملا صالحا.

لقد أبكرت يا رجل الرجال
وأسرجت المنون بلا سؤال
هل الأيام تغدر في أديب
سما فوق المصالح لا يمالي
فلم أتوقع المأساة أصلا
ولا خطرت ولا جالت ببالي
ضياعك يا صديقي كان مرّا
أضاع النور في حلك الليالي
إذا سلب الردى منّا أديبا
فذكره سوف يحيا في الخيال
سيبقى في رحاب الخلد نسرا
يحاكي مجده قمم الجبال
تعزينا بأن خلفت نسلا
كريم الأصل من أرقى الرجال
تعزينا بأن خلفت كنزا
من الأخلاق من أسمى الخصال

فيا أيها الانسان الطيب، والمدير المخلص، ويا نبع العطاء والنهر المتدفق حبا لعملك، يعزّ علينا فراقك، في وقت نحتاج فيه الى أمثالك من الرجال الأوفياء الصادقين الأغنياء بالمحبة، الكرماء بالصفح والمسامحة.
مهما كتبنا من كلمات رثاء، وسطرنا من حروف حزينة باكية، لن نوفيك حقك لما قدّمته من علم ووقت وجهد وتفان في سبيل شباب ورجال المستقبل والغد، وعلمتنا من أخلاق وقيم فاضلة، وغرست فينا حبّ العلم والمعرفة، ونميّت في أعماقنا قيم المحبّة، والخير، والتسامح، والانتماء.
هذا الصباح تتدحرج الذكرى بين زوايا العتمة لترسل ضوءا من نفق القبور …. لا الدمع يكفكف آلام الرحيل، ولا الوجع الضارب في أعماق النفس يخفّف لوعة الفقد، ولا التوقف عند محطات الرفاق يجلب شيئا من العزاء.
للموت جلال أيها الراحلون، ولنا من بعدكم انتظار في محطات قد تقصر وقد تطول …
حتى يقدم الموت بلا مهابة أو تردد، يختارنا واحدا إثر آخر … « لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون..»
للموت جلال أيها الراحلون… كما له من مرارة وشعور بالغ بالفقد، ونحن لا نكاد نصدق أننا لن نراكم بعد اليوم.
لماذا يثير الموت هذه الرهبة الكبيرة؟ ولماذا نبكي الراحلين وقد امتدت بهم مراحل أخرى لمحطات أخرى انتظارا لحياة أخرى، ونحن سائرون اليها شئنا أم أبينا!
اننا في الحقيقة لا نبكيهم لأنهم رحلوا، بل نبكي أنفسنا لأنهم تركونا وحدنا. ان كل آلامنا ودموعنا وقلقنا لأننا لن نراهم بعد اليوم في دنيانا، وقد كانوا مصدرا لمحبتنا أو جزءا من حياتنا أو بقيّة من رفاقنا … اننا نبكي من أجلنا نحن لا من أجلهم لأنهم رحلوا، فهم لن يشعروا ببكائنا، ولن يستعيدوا شيئا مما مضى، ولن يكون بمقدورهم أن يصنعوا شيئا لأنفسهم أو لنا.
نحن اذن من يجزع لأن الراحلين انطفأت شموعهم في حياتنا، ولأن رحيلهم اعلان كبير بأن قطار العمر ماض، والأيام حبلى والقدر محتوم …. والموت ربما يكون كلمة سهلة النطق، لكنّها تهزّ القلوب الحيّة، وتقض المضاجع، وربما يموت الذين يحبهم كثيرا قلبي، فأرى غيابهم ولا يرون غيابي، وأفتقدهم ولا يفتقدونني.
نعم أيها الحبيب الراحل والصديق والأب والأخ والرفيق، نعم دكتور فارس، يا استاذنا الجامعي ان خسارتك فاجعة، ورحيلك مفاجأة، وفقدانك ترك غصة في القلوب. كيف لا وقد جمعت من النبل وحب الخير وكرامة النفس والوقوف عند الحق ما يكفي لأن تكون من أهل الجنّة، وفي كل هذا عزاء لنا لأن كما كانت سلتك مملؤة بأطايب القيم والصفات في حياتك فكذلك في مماتك، وهذا ما يعرفه القريب والبعيد.
أخي وصديقي واستاذي الحبيب، ثمة أرواح سخية وافرة العطاء تمطر من حولها حبا وسعادة، تلك هي روحك الطاهرة الجميلة التي طالما حملت في أعماقها بياضا ونقاء لا يضاهى، لقد غادرتنا ولكن لم تغادر قلوبنا وارواحنا.
أتمثّل فيك قول الشاعر:

لو كنت تفدي بالنفوس عن الردى
لفدتك أنفسنا وما نتأخر
لكنّ تلك طريقة مسلوكة
وسجية مكتوبة لا تقهر

لقد غيّب الموت أستاذنا ومديرنا ومعلمنا الحبيب الغالي الوفي «أبو خالد» جسدا، لكنه سيبقى في قلوبنا على قيد الحياة، ولن ننساه، وسيظل بأعماله ومآثره وسيرته نبراسا وقدوة لنا، والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون.
وما لى في لحظة الوداع سوى هذين البيتين من الشعر للشاعر حافظ ابراهيم في رثاء صديقه احمد شوقي حيث قال:

خلفت في الدنيا بيانا خالدا
وتركت أجيالا من الأبناء
وغدا سيذكرك الزمان، ولم يزل
للدهر انصاف وحسن جزاء

تغمدك الله ايها الكريم بواسع رحمته.

العدد 31