انتفاضة 17 تشرين هي نتيجة معاناة شعبٍ في كل الميادين وخاصة الميدان الاجتماعي. فالحالة الاقتصادية التي نشأت وانتشرت بسرعة أصابت الفئات الفقيرة لا الميسورة، فباتت العملة الوطنية في أسوأ أزمة عرفتها. ومع انهيار سعر الليرة مقابل الدولار، انهارت مداخيل الطبقة الوسطى، فبات صعباً عليها تأمين الأساسيات من حاجاتها. وهكذا دخلت الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة في قطار انتفاضة 17 تشرين إلى جانب فئات اجتماعية أخرى.
أمّا أسباب الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي فكثيرة، لكن أبرزها الفساد السياسي والمالي، وانعدام المسؤولية لدى من تولّى السلطة لسنوات كثيرة فقد انهارت الأوضاع العامة أمام أعين المسؤولين دون أن يحركوا ساكناً، بل ركضوا يحمون ودائعهم التي تبلغ المليارات من خلال تهريبها خارج البلاد ما قاد إلى انهيار القطاع المصرفي. وكانت كارثة المرفأ في 4 آب 2020 ذروة نتائج الفساد والإهمال الرسمي.
كيف تخرج البلاد من هذه الأزمة؟ لا شيء يُخرج البلاد من أزمتها إلّا عودة الضمير إلى المسؤولين، والترفّع عن الفساد الذي كانوا فيه، والتخلِّي عن المحاصصة وتبادل المنافع على حساب المسؤولية التي يتولونها.
لا شيء يُخرج البلاد من أزمتها إلّا بتساوي الجميع أمام القانون، حيث لا ميزة لإنسان على آخر غير ميزة المعرفة والنشاط والعمل.
لا شيء يخرج البلاد من أزمتها إلّا قيام سلطة تتمتع بالنزاهة فتضرب السارق وتعين المقهور والمحروم، فتعيد الأموال المهرّبة، وتصادرها وتستثمرها في مشاريع توفر فرص العمل أمام الشباب…
ولكن هل يتحقّق ذلك. الجواب سلبي حتى الآن. فالقيّمون على السلطات عاجزون عن تحقيق الإصلاح: كيف لفاسد أن يحقق الإصلاح؟ مطلوب إذن سلطة جديدة من الشباب ذوي الكفاءة والنزاهة، وهم موجودون، لو أتيح لهم أن يساهموا في إعادة بناء وطنهمٍ.