الجمعة, تشرين الثاني 15, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, تشرين الثاني 15, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

المعاني الاجتماعيّة لانتفاضة 17 تشرين

انتفاضة 17 تشرين هي نتيجة معاناة شعبٍ في كل الميادين وخاصة الميدان الاجتماعي. فالحالة الاقتصادية التي نشأت وانتشرت بسرعة أصابت الفئات الفقيرة لا الميسورة، فباتت العملة الوطنية في أسوأ أزمة عرفتها. ومع انهيار سعر الليرة مقابل الدولار، انهارت مداخيل الطبقة الوسطى، فبات صعباً عليها تأمين الأساسيات من حاجاتها. وهكذا دخلت الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة في قطار انتفاضة 17 تشرين إلى جانب فئات اجتماعية أخرى.

أمّا أسباب الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي فكثيرة، لكن أبرزها الفساد السياسي والمالي، وانعدام المسؤولية لدى من تولّى السلطة لسنوات كثيرة فقد انهارت الأوضاع العامة أمام أعين المسؤولين دون أن يحركوا ساكناً، بل ركضوا يحمون ودائعهم التي تبلغ المليارات من خلال تهريبها خارج البلاد ما قاد إلى انهيار القطاع المصرفي. وكانت كارثة المرفأ في 4 آب 2020 ذروة نتائج الفساد والإهمال الرسمي.

كيف تخرج البلاد من هذه الأزمة؟ لا شيء يُخرج البلاد من أزمتها إلّا عودة الضمير إلى المسؤولين، والترفّع عن الفساد الذي كانوا فيه، والتخلِّي عن المحاصصة وتبادل المنافع على حساب المسؤولية التي يتولونها.

لا شيء يُخرج البلاد من أزمتها إلّا بتساوي الجميع أمام القانون، حيث لا ميزة لإنسان على آخر غير ميزة المعرفة والنشاط والعمل.

لا شيء يخرج البلاد من أزمتها إلّا قيام سلطة تتمتع بالنزاهة فتضرب السارق وتعين المقهور والمحروم، فتعيد الأموال المهرّبة، وتصادرها وتستثمرها في مشاريع توفر فرص العمل أمام الشباب…

ولكن هل يتحقّق ذلك. الجواب سلبي حتى الآن. فالقيّمون على السلطات عاجزون عن تحقيق الإصلاح: كيف لفاسد أن يحقق الإصلاح؟ مطلوب إذن سلطة جديدة من الشباب ذوي الكفاءة والنزاهة، وهم موجودون، لو أتيح لهم أن يساهموا في إعادة بناء وطنهمٍ.

مشروع الدّولة الدرزيّة: مخطّط إسرائيلي، رفضه الدروز فلم يُكتَب له النجاح!

أعادت الأحداث الأخيرة في المدن الفلسطينية المحتلّة القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد. وتصدرت أخبار الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الإنسانية لشعب فلسطين الصحف العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي في سابقة في تاريخ التغطية الإعلامية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. هذه الانتهاكات التي شملت التهجير المُمَنهج والتطهير العرقي واستهداف المدنيين، أعادت إلى الأذهان المؤامرات والمشاريع والحروب التي شنتها إسرائيل لا على الشعب الفلسطيني فحسب، بل على شعوب المنطقة قاطبة، لتبرير وجودها وتثبيت شرعية كيانها كدولة طائفية عنصرية استيطانية شرقي المتوسط. وقد تكون أخطر هذه المؤامرات تلك التي يروي قصتها الصحافي السوري الراحل محمّد خالد القطمة في كتابه «قصة الدولتين المارونية والدرزية» الصادر عام 1985. قضت المؤامرة الإسرائيلية المذكورة بتقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية بهدف إضفاء الشرعية على كيانها وتشكيل حلف أقليات طائفيّة في منطقة ذات غالبية سنّية، وبالتالي مفاقمة الصراعات بين الشعوب وتعميق الشرخ الطائفي بينها. وتقرَّر بموجب المخطط إقامة دولة مارونية وأخرى درزية تضم جبل لبنان الجنوبي، الجنوب اللبناني، جبل حوران، الجولان، والسويداء والمناطق الواقعة بينها.

ويركز الكتاب على سرد حكاية قيام وسقوط مخطط إقامة الدولة الدرزية بالذات. أما بطلا قصّة فضح وإفشال المؤامرة التي يكشف خيوطها القطمة فهما كمال يوسف أبو لطيف المحامي والسياسي والعسكري اللبناني السوري، وكمال أسعد كنج أبو صالح ابن بلدة مجدل شمس ووريث زعامة سياسية متجذرة في منطقة الجولان. في معرض سرده لقصة «الكمالين»، يستخدم القطمة مصادر متعدّدة، فيلجأ إلى تقارير كتبها كمال أبو لطيف لمسؤولين عرب ووثائق احتفظ بها كمال جنبلاط صاحب الدور الفاعل في إحباط المخطط، وشهادات شفوية لبعض المقرّبين من كمال كنج أبو صالح إضافة إلى حوارات أجراها القطمة مع نقيب الصحافة الأسبق الشهيد رياض طه الذي توصل إلى اكتشاف معلومات قيّمة عن هذا المخطط وسبق أن أفشى عنها في مقالات وأحاديث صحفية قبل وفاته.

رغم أن حلم تقسيم وفرز المنطقة طائفياً راود القادة الإسرائيليين منذ قيام دولتهم، إلا أنّ النكسة العربية عام 1967 شكّلت بالنسبة لهم الفرصة الذهبية للمباشرة بتنفيذ المشروع. في تلك السنة المذكورة اجتاح الجيش الإسرائيلي مرتفعات الجولان فسقطت بلدة مجدل شمس وبقي سكانها صامدون. وفي السياق، يروي القطمة أن شيخ عقل فلسطين المرحوم الشيخ أبو يوسف أمين طريف كان قد بعث برسالة شفوية إلى دروز الجولان يحثهم فيها على استخدام السياسة مع الاحتلال الإسرائيلي تفادياً للتهجير وكسباً للوقت. أعقب الاحتلال فترة زمنية حاولت فيها السلطات الإسرائيلية التودد للسكان الدروز بشكل مُريب ومثير للشكوك. وتُعزى هذه المعاملة المميزة إلى رغبة إسرائيلية باستمالة الدروز وضمّهم إلى حلف الأقليات، تغذية الانقسامات الطائفية بين العرب، والأهم من كل ذلك: دفعهم إلى الموافقة على إقامة دولة درزية تمهد لقيام دويلات طائفية مشابهة للنموذج اليهودي في المنطقة العربية.

في منزل كمال الكنج في مجدل شمس، قدّم ضباط مخابرات إسرائيليين عرضهم هذا أمام عدد من الوجهاء وقد خيروهم بين دعم مشروع الدولة الطائفية الدرزية أو التهجير القسري من مناطقهم. وفي كلتا الحالتين مصلحة لإسرائيل إذ إنهما يخدمان الغرض ذاته: تطهير الدولة من غير اليهود. ولعل هذا الغرض شكّل الهاجس الأكبر لزعماء الصهيونية فهم يعرفون حق المعرفة أن التطور الديمغرافي يصب في صالح السكان العرب ويهدد وجود إسرائيل، فكانت الطريقة المثلى لمواجهة هذا الخطر بالنسبة للإسرائيليين هي التهجير القسري. وبالعودة إلى الاجتماع الذي عُقد في منزل الكنج فقد تقرّر فيه أن يدّعي الدروز الموافقة على العرض والمماطلة لكسب المزيد من الوقت، ريثما يتوصلون للمخرج المناسب. كما وتم الاتفاق على تكليف كمال الكنج بالاتصال بسلطات الاحتلال والتنسيق معها.

في خريف عام 1967 توجه كمال الكنج إلى تل أبيب للقاء مسؤولين إسرائيليين (منهم الوزيران موشيه ديان وإيغال ألون) والبحث في الخطة المقترحة وتحديد دور الكنج في تنفيذها. هناك، حيث وافق الكنج ظاهريا على التعاون مع الصهاينة، دخلت العملية البطولية التي فضحت المؤامرة الإسرائيلية حيّز التنفيذ. طُلب من الكنج التواصل مع إحدى الشخصيات الدرزية الموثوقة للتنسيق مع الإسرائيليين والتعاون معه في تأدية الدور المطلوب منه. فاختار الكنج صديقه وقريبه كمال أبو لطيف لهذه المهمة. التقى الرجلان في أحد فنادق روما يوم 27 تشرين الأول من العام 1967 حيث كان من المفترض أن يحضر اللقاء ضابط «الشين بيت» (جهاز الأمن العام الإسرائيلي) المرافق للكنج. غير أن هذا الأخير تمكّن من الاجتماع بأبو لطيف على انفراد والإفصاح له عن مهمته المُفترضة وعن حقيقة نواياه. اتفق الرجلان على إظهار التعاون مع الضابط المسؤول عن العملية، «الكولونيل يعقوب»، على أن يحاولا انتزاع أكبر قدر ممكن من المعلومات العسكرية والسياسية المتعلقة بالخطة وإيصالها للمسؤولين العرب.
توالت الاجتماعات في العاصمة الإيطالية بين الكولونيل و»الكمالين» تمكن فيها الأخيران من استدراج الأول، فجمعا معلومات قيّمة عن الحيثيات العسكرية والزمانية والسياسية للعملية المخطط لها: كانت إسرائيل تنوي افتعال الأحداث على الجبهتين السورية اللبنانية لخلق ذريعة لاجتياح الجنوب والجبل اللبناني وجبل الدروز في سورية. حتى إذا تقدمت القوات الإسرائيلية واحتلّت هذه المناطق أعلن الزعماء الدروز انفصالهم عن لبنان وسوريا وتأسيس دولتهم الدرزية. الجدير بالذكر أن وثائقيّاً أعدّته الجزيرة أكّد استعداد الولايات المتحدة الأميركية للاعتراف بالدولة المُزمع إنشاؤها فور إعلان قيامها. وهذا ما أكده أيضا الكولونيل الإسرائيلي للكمالين بحسب قصة القطمة.

في المقابل، حرص العربيّان على الإجابة عن أسئلة الضابط بمعلومات عامة وسطحية حول بعض القضايا السياسية والعسكرية والاجتماعية في بلديهما كي يقنعاه بتعاونهما معه. ويعود نجاح الدرزيان في سحب المعطيات من الضابط، حسب كتاب القطمة، إلى ذكاء الرجلين وتنسيقهما المستمر فيما بينهما، ورغبة الكولونيل بإتمام مهمته بأسرع وقت ممكن لإرضاء رؤسائه في إسرائيل. إشارة إلى أن المسؤولين عن الكولونيل يعقوب في «الشين بيت» كانوا على اتصال دائم بمرؤوسهم في روما لإيفائهم بالمعلومات التي يتلقاها من الدرزيين، ما يدل على اهتمام إسرائيلي كبير بالمشروع. من جهة أخرى، وفور عودته إلى لبنان، اجتمع أبو لطيف بالزعيمين كمال جنبلاط وشوكت شقير وأحاطهما بتفاصيل اللقاءات التي جمعته بالكنج والضابط الإسرائيلي، فأظهرا دهشة عظيمة لهول المخطط المُحَضّر وسارعا بإبلاغ الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي أبدى بدوره اهتماما بالغاً بالموضوع. ثم توجّه أبو لطيف إلى دمشق حيث التقى مدير المخابرات السورية عبد الكريم الجندي واضعاً معلوماته في تصرّفه.

 

وفي تشرين الثاني 1967 كلّف الإسرائيليون أبو لطيف بالتواصل مع الأمير حسن الأطرش وحثّه على تبنِّي مشروع الدولة الدرزية، مستغلّين خلاف الأمير مع النظام البعثي السوري. تعذّر على الأمير الذهاب فآثر إرسال حفيده حمد لتلبية دعوة أبو لطيف في روما (دون أن يعلم الهدف من الزيارة). وسرعان ما انضم الأمير حمد إلى الكمالين في مسعاهما لإفشال المؤامرة. كانت اللقاءات المتتالية بين الإسرائيلي والثلاثة العرب كفيلة بالإجابة على الكثير من الأسئلة العالقة في أذهان الكنج وأبو لطيف والاستفسارات التي طلب بعض المسؤولون العرب الإجابة عنها، فقد كان «يعقوب» يكشف لهم تدريجيا المزيد من المعلومات العسكرية والاستخباراتية عن المشروع. من جهته، لم يتأخر أبو لطيف في إبلاغ السلطات اللبنانية والسورية والمصرية وكمال جنبلاط بكل جديد في تقارير مفصلة هي التي اعتمد عليها مؤلف الكتاب لاستقاء معظم معلوماته. وفي كانون الأول 1967 سافر كمال أبو لطيف إلى بيروت ومنها إلى دمشق حيث قدم المزيد من المعلومات الهامة لمدير المخابرات السورية الذي أبلغ بدوره الرئيس السوري نور الدين الأتاسي.

بعد انتهاء المباحثات مع الثلاثة الدروز في روما، عاد كل منهم إلى بلده على أن يبقى التواصل قائما بينهم وبين الكولونيل من خلال الرسائل المُشَفَّرة. وظلت القضية سريّة لا يعلم بها سوى عدد قليل من المسؤولين العرب رفيعي المستوى الذين تواصل معهم أبو لطيف. وظل هذا الأخير يتنقّل بين لبنان وسوريا والعراق ويدلي بما لديه من معلومات للمسؤولين، حتى أن كمال جنبلاط طلب منه سحب ترشيحه من انتخابات 1968 النيابية والتفرغ لمتابعة هذه القضية الخطرة. في تلك الفترة، كان يعقوب يبعث لأبو لطيف رسائل مشفرة من أوروبا طالباً منه العودة للقائه، دون أن يلقى جواباً واضحاً. لكن عندما اتّخذ جمال عبد الناصر قرار الرد على المؤامرة عبر تعزيز المواجهات العسكرية في مواقع المحاور الوارد ذكرها في تقارير أبو لطيف التي كانت إسرائيل تعتزم التحرك منها لتنفيذ مخططها، أدركت هذه الأخيرة انفضاح مشروعها فاعتقلت الكولونيل واتهمت الكنج وأبو لطيف بإفشاء أسرار المخطط لدول عربية، وأصبحت حياتهما معرضة للخطر. وسرعان ما أُلقي القبض على كمال الكنج في بلدته المحتلة مجدل شمس ثم أُفرج عنه بعد بضع سنوات ضمن صفقة تبادل أسرى سورية إسرائيلية. وعُلق تنفيذ مشروع إنشاء الدولة الدرزية حتى تحين الفرصة الملائمة لذلك.

يذكر القطمة في نهاية كتابه أن كمال الكنج فضل متابعة النضال داخل منطقته بعد تحريره، واعتُقل مرات عدة حتى وفاته في 15 أيلول 1983 بسبب ما تعرض له من تعذيب في السجون الإسرائيلية. لكن تغيب عن كتابه حادثة مقتل كمال أبو لطيف الغامضة. ففي 20 تموز من العام 1985 أي بعد عام من صدور الكتاب، قُتل كمال أبو لطيف أثناء محاولته فض نزاع مسلح بين أهالي بلدته وقيل آنذاك أنه أصيب عن طريق الخطأ.

إن مؤامرة إنشاء الدولة الدرزية، هي بلا شك إحدى أخطر المؤامرات التي حاكتها إسرائيل في المنطقة، بيد أنها واحدة فقط من مئات وربما آلاف المخططات غير المكشوفة التي أعدتها منذ قيامها حتى اليوم. لقد أعيد إحياء هذا المشروع الخبيث إبّان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وما تبعه من انهيار مؤسسات الدولة وتفكك الجيش وتقسيم لبنان غير المعلن إلى كانتونات طائفية لكنه فشل في بلوغ هدفه. أمّا اليوم، وبالرغم من أن مشروع حلف الأقليات وتقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية يبدو أنه لم يعد على رأس قائمة الأوليات الإسرائيلية، على اعتبار أن اسرائيل تمكنت من تشريع وجودها عبر التطبيع العلني والضمني مع معظم الدول العربية، إلّا أنه من الضروري في هذه المرحلة بالذات، التذكير بهذا المخطط الذي لم يأخذ حقه في النشر، للإضاءة على النوايا الإسرائيلية الحقيقية التي تخفيها تجاه العرب غير اليهود. لقد مارست إسرائيل عبر عقود سياسة تطهير عرقي تهدف إلى تطهير إسرائيل من غير اليهود، وجعلها دولة يسكن فيها «شعب الله المختار» الذي يتفوّق على غيره من الشعوب. وقصة المؤامرة هذه، إن دلّت على شيء، فهي تدل على عدم تردد الإسرائيليين في ممارسة السياسة المذكورة حتى على الدروز، الذين يجمع الاسرائيليين بهم «حلف معمّد بالدم» على حد زعمهم، في حين أنّ المخطط المذكور هدف إلى طرد الدروز من مناطقهم في فلسطين وكشف حقيقة نواياهم التي بدأ يدركها دروز فلسطين بعد ما طالهم من تمييز عنصري وطائفي من دولةٍ عنصرية تقوم على التمييز الديني والعرقي.

 

 

تَراجُع إنتاجية الزّراعة في الجبل

الزراعة تراجعت كمساحات وتراجعت أيضا كإنتاجية بالدونم لأسباب عديدة منها:

– إهمال القطاع الزراعي في الجبل أدّى إلى «تبوير الكروم والبساتين» وعدم صيانتها ومزاحمتها على الغذاء من قبل النباتات الضارة كالأعشاب والأشجار والشجيرات البرّية نتيجة عدة أسباب أهمها:

– ارتفاع كلفة الأعمال الزراعية من حراثة وتقليم وتسميد ومكافحة وغيرها من أعمال أخرى. يعود ذلك إلى إهمال المزارعين للتقنيات الموروثة المساعدة على إتمام أعمالهم الزراعية. كان المزارع يربي المواشي لعدة أغراض تؤمّن له حاجاته الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية أي الحراثة – الحليب ومشتقاته – اللحم – البيض – السماد العضوي. مثلاً كان يربي المزارع زوجاً من الأبقار (الفدان) للاستفادة منهما في عدة مجالات: الحراثة- الأسمدة العضوية – الحليب – اللحم، دون تكبيد المُزارع عناء كلفة الحراثة والتسميد بالأجرة،. نزع الأعشاب يدوياً وغير كيميائيا وتقديمها علفاً للمواشي لأنه في أيامنا هذه يلجأ المزارعون الحديثون إلى الأساليب السريعة ولا يعرفون أضرارها عليهم وعلى المستهلكين والبيئة المحيطة مثل استعمال المبيدات الكيميائية (مبيدات الأعشاب والآفات الزراعية – تحويل الأرض الزراعية الموروثة والمحافظة عليها من الأسلاف إلى سلعة للاتجار بها واستعمالها كأراضٍ للبناء وأعمال أُخرى غير زراعية.

– استعمال الأسمدة الكيميائية عوضاً عن الأسمدة الحيوانية أدت إلى فقدان الأرض لخواصها الطبيعية أي إفقارها للمواد الغذائية وموت الكائنات الحية الدقيقة وعدم تكاثرها التي بدورها تفكك وتحلل وتحول المواد الغذائية لامتصاصها من قبل النبات، كما أن الاستعمال المفرط للأسمدة الكيميائية أدى إلى ارتفاع نسبة ترسب الأملاح في الأرض وبالتالي أدى إلى عدم نمو النباتات بشكل طبيعي.

كما أنّ استعمال المبيدات الكيميائية وأسعارها المرتفعة ساهم في انعدام التوازن الطبيعي والبيئي والحياة البرية مثلا عندما يكافح المزارع الأمراض والحشرات والعناكب المضرّة بالمبيدات الكيميائية فهو يتسبب في قتل جميع الكائنات الحية المفيدة (الأعداء الطبيعية) التي هي من أهم الوسائل للمكافحة الاقتصادية في آن معاً إضافة إلى ترسّب المادة الفعالة للمبيد في الثمار والخضار وبالتالي ترسبه في جسم الإنسان.

تراجعت الخبرة الزراعية الموروثة لدى المزارعين لأن العديد منهم لم يعد مزارعاً متفرّغاً بل بات له نشاطات أخرى في الوظائف العامة والخاصة أو في التجارة أو الخدمات أو الصناعات الصغيرة ومنهم من لم يجد وظيفة تؤمن له العيش اللائق فيلجأ الى الهجرة. هذا الواقع نجم عنه إهمال الأراضي الزراعية وعدم التعامل معها باستمرارية وانتظام. هذا التعامُل المتقطع أدى إلى تراجع نوعية الأراضي ونمو الأعشاب الضارة والأشواك والأشجار والشجيرات في العديد من الجبال والأودية التي كانت من قبل واحات للإنتاج والمحاصيل الوفيرة. وفي هذا السياق، غطت النباتات البرية نسبة كبيرة من «طرق الرِّجل» أو الطرق البرية التي كان الفلاحون يستخدمونها بصورة طبيعية ودائمة للوصول إلى أرزاقهم وبات من الصعب تبيان الممرات السابقة بسبب عدم سلوكها وصيانتها.

غياب عامل مهم هو «العامل العاطفي» والعلاقة الحميمة بين المزارع والأرض وهو عامل مُتَّفق عليه علمياً وبالخبرة. فالنبات يزدهر بسبب المعاملة الجيدة والاحتكاك مع أصحابه كما لو أن لديه شعور. فضلاً عن ذلك، إنّ هناك مفهوم «البرَكة» بمعنى أن الطبيعة تعطي بسخاء لمن يحبها ويتعامل معها بصدق واحترام. كثيراً من الأرزاق تكون ذليلة وضعيفة ولكن ما إن يبدأ المالك بزيارتها والاهتمام بها حتى تخضرّ وتنشط وتبدأ بالنمو بصورة غير مسبوقة. من هنا أتى التعبير «الرزق بيضحك لصاحبه» وهو تعبير تناقله المسنون والأسلاف ويعتقدونه صحيحاً وإن لم يكن لديهم وسائل لإثباته علميا. مع غياب هذا العامل العاطفي، فلم يعد عندنا مفهوم «الفلاح المكفي سلطان مخفي» الذي يعمل بإخلاص للأرض ويحب الزراعة ويسعى لتعلّم فنونها.

تراجع فن الخبرات في الزراعة يظهر في العديد من الأعمال الزراعية العشوائية مثلا التباين في أساليب التقليم من شخص إلى آخر وغياب الأعمال الضرورية كأسس التسميد والري والمكافحة.
تهيئة الأرض قبل الزرع: بعد اختيار الموقع والنبات المنوي زرعه، من المفضل استصلاح الأرض وتصطيبها إن كانت منحدرة آخذين بالاعتبار خصائص المجموعة الجذرية للأصول المطعم عليها من حيث حجم المجموعة الجذرية في المستقبل. لهذا الغرض، تُنقب الأرض على عمق (حوالي 90 سم) ثم تحرث حراثة عميقة (حوالي 40 سم) ويُسوى سطح التربة بواسطة الفرامة. بعد تحضير الأرض، يتم تخطيطها لتحديد مكان الأغراس. فإن طرق الغرس كثيرة ومتنوعة من شكل مربع ومثلث ومستطيل وغيرها لكن نعتمد أفضلها شكل (المثلث) من حيث زراعة أكبر عدد ممكن من النصوب في أقل مساحة، فلا تُزرع أصناف التفاح الحديث المطعمة على أصول جُذَرية والسريعة الإنتاج (غيل غالا- غراني سمث – سكارلت سبور- غولدن جبسون…) على خطوط مستقيمة يكون بين النبتة والأخرى من ثلاثة إلى ثلاثة ونصف المتر أم بين الخط والخط تكون المسافة بين ثلاثة ونصف والأربعة أمتار لتسهيل تنفيذ عمليات الخدمة المختلفة من تقليم وحراثة ومرور آلاتها والري والقطاف. بعد تحديد أماكن النصوب، تُحفر الجُوَر ويوضع في قاعها السماد العضوي ويخلط مع التراب وأخيرا تغرس الشتول على أن يراعى في المطعوم أيّة منطقة التحام الطعم بالأصل على مستوى سطح التربة. كل هذه الإجراءات التي تكلمنا عنها تهدف إلى تأمين الوسط الجيّد والملائم لنمو المجموع الجذري خاصة في السنتين الأولى والثانية بعد الغرس لأن هذا سينعكس إيجابا على النمو الخُضَري والإثمار في المستقبل. يجب إتمام هذه الأعمال بدءاً من منتصف فصل الصيف حتى وقت غرس الشتول بعد تساقط أوراقها في نهاية فصل الخريف. كما أن للتقليم أهمية بارزة في زيادة إنتاجية الأشجار المثمرة لأن أساليب التقليم العديدة وغير المدروسة تؤدي الى خفض إنتاجها وعدم التوازن بين الأغصان والثمار والأوراق، مثلا يجب التركيز في السنوات الأربعة الأولى على تقليم تكويني للأشجار فنأخذ بالاعتبار التوازن بين الأغصان وعدم إعاقة الحراثة والقطاف ودخول الضوء إلى الشجرة. ثم نتابع التقليم التكويني بالإضافة إلى تقليم تنظيم الإثمار وتوزيعها بانتظام على كافة الفروع والأغصان أي نركز على توازن الثمار التقريبي بين الأغصان المتقابلة وقدرتها على الحمل مثلا تحتاج كل ثمرة تفاح حوالي 35 ورقة لتغذيتها وكلما كان التقليم صحيحاً ومدروساً أدى الى زيادة عمر وحجم الشجرة الاقتصادي وبالتالي زيادة إنتاجها. بتكوين تاج الشجرة نقص الغرسة على ارتفاع منخفض حوالي (60) سم لعدم تعرضه للحروق الشمسية والصقيع لذلك يفضل ألّا يكون مرتفعاً وبنفس الوقت يجب أن يسمح بمرور الآلات لتنفيذ عمليات الخدمة المختلفة. في العام الثاني، تُقلَّم النصوب على شكل كأسي وينتخب أفضل ثلاث فروع وتقصر على أن يُزال ثلثي الفرع والثلث المتبقي يعطينا شكل الشجرة وفي الشتاء الثالث نقصّر الفروع الأساسية ونزيل الفروع المتزاحمة والمكسورة والمصابة بالأمراض مع مراعاة البراعم الثمارية. أما في الشتاء الرابع، نبدأ بالتقليم التكويني وتنظيم الإثمار معا وفي السنوات المتبقية من العمر الاقتصادي للشجرة يعتمد تقليم تنظيم الإثمار مع مراعاة هيكل الشجرة الجمالي والإنتاجي.

تكامل عوامل الإنتاج الزراعي

الثروة الحيوانية كانت عاملا مهمّاً في الدورة الزراعية سواء في الحرث أو في استخدام السماد الحيواني في تسميد التربة أم في تدعيم المحصول الزراعي بمنتجات الحيوانات اللبونة مثل الماعز والغنم والبقر. وكان توافر الثروة الحيوانية يوفر المصدر الأهم للتسميد العضوي وهو التسميد الذي يخصب التربة فعلا ويساهم في الزيادة والنمو المستمر للإنتاجية ولصحة الأرض والطبيعة.

وبالعكس فإنّ انحسار الثروة الحيوانية أفسح في المجال لغزو الأسمدة الكيميائية التي تستخدم في غالب الأحيان بإسراف خاطئ ظنّاً من المزارع بأن الزيادة في التسميد يؤدي إلى زيادة في المحصول. وعلى سبيل المثال فإن عشرة غرامات من السماد الكيميائي هي النسبة المطلوبة لأي شتلة خضار لكن بعض المزارعين يبدو عليهم الاستغراب وعدم التصديق عندما يقال لهم عن النسب العلمية لأن العادة عندهم هي استخدام أضعاف هذه الكمية للشتلة الواحدة.

المتطلبات البيئية

الحرارة: تحتاج النباتات درجات حرارة خاصة لنموها وتختلف حاجتها للحرارة حسب أصنافها، منها ما يحتاج للدفء أو للبرودة ومنها ما لا يقاوم ويتحمل الصقيع، كما أن بعض النباتات لا تتحمل الحرارة المرتفعة والرطوبة الزائدة. وللصقيع الربيعي أثر ضار على الأزهار والعقد. فإن البراعم الزهرية والأزهار تتضرر وتموت ولا تعقد بدرجات حرارة منخفضة دون 5 درجات مئوية. إنّ بدء النمو الخضري وتفتح البراعم يتأثران بدرجات حرارة طور السكون، مثلاً أشجار الدراق تحتاج إلى فترة سكون من شهر إلى شهرين بحرارة أقل من 7 درجات مئوية. كما نجد أن أشجار فصيلة التفاحيات تحتاج لحرارة متفاوتة بين شجرة وأخرى. فعلى سبيل المثال، أشجار التفاح تتحمل انخفاض درجات الحرارة أكثر من الإجاص والسفرجل خاصة في أوقات الإزهار. أيضاً، يجب الأخذ بالاعتبار الارتفاع عن سطح البحر لأن كل نوع من الأشجار والخضار ينمو على درجات حرارة معينة وتحتاج بعضها إلى فترة سكون في فصل الشتاء خاصة الأشجار المتساقطة الأوراق. فترة السكون تعني إيقاف النمو والدورة العصارية للنبات لذا تعتبر حرارة الجو من الشروط الأساسية التي تعتمد عليها الأشجار والخضار لنمو المجموعتين الخُضرية والجُذرية ولدرجات الحرارة أثر على النبات خاصة في مرحلة الإزهار للأشجار المثمرة ونمو البراعم وعملية التلقيح. إن عامل التلقيح مهم جداً في عقد الأزهار وزيادة الإنتاج الزراعي وللنحل الدور الأساسي في هذه العملية. لذا، على المزارعين الاستعانة بمربي النحل لنقل خلاياهم أو بعضها إلى مزارعهم لإتمام عملية التلقيح. مقابل ذلك، يجب إيقاف رش المبيدات السامة على الأشجار والخضار والنباتات البرية لحماية حشرات النحل من الموت. وللحرارة دور بارز في فترة نضج الثمار وتحويل المواد البكتينية والنشوية إلى السكريات والأحماض والمواد العفصية… وعلى المواد المعدنية والفيتامينات.

الضوء: تحتاج النباتات إلى الضوء بنسب مختلفة بشكل عام وتحتاج الأشجار المثمرة إلى الضوء في فترة نموها لزيادة نمو الطرود والثمار والأغصان. لذلك، ننصح بالتقليم الكأسي لدخول الضوء إلى داخل الشجرة وزيادة إنتاجها. ويلعب الضوء دوراً أساسياً في إعطاء الثمار اللون الطبيعي المميز.

الماء: إن الأعمال الزراعية مهمّة جداً في زيادة الإنتاج وخاصة المياه، فهي العنصر الأساسي في حياة الكائنات الحية لذا نجد أن المياه ضرورة ملحة للزراعة لأنها تساعد الكائنات الحية الدقيقة في التربة على التكاثر وتحويل الغذاء اللازم للنبتة وتزيد من إنبات الجذور الشعرية الماصة للغذاء. يجب ترشيد استخدام مياه الري واستخدامها لحاجة النبات فقط. فيوجد بعض النباتات التي تنمو بدون ري لكن تستجيب إلى بعض الأعمال الزراعية وتعطي إنتاجا وفيراً خاصة بعد ريها. أما الري الزائد عن حاجة النبات فيؤدّي إلى غسل التربة وإبعاد المواد الغذائية المحيطة بالجذور وبالتالي، تكون العامل الأساسي في انتشار الأمراض الفطرية والبكتيرية في المجموع الجذري. كما أن زيادة المياه والريات المتقاربة تؤدي الى إبقاء الجذور سطحية وصغيرة، فعند أي طارئ يمنع ري تلك النباتات لعدة أيام تصبح غير قادرة على الاستمرار والإنتاج. بينما الري المنتظم يساعد النباتات على زيادة حجمها وعمرها ومناعتها ضد الآفات الزراعية وبالتالي زيادة إنتاجها لأن تكون مجموعة جذرية كبيرة تتغلغل بين حبيبات التربة للبحث عن الرطوبة والغذاء.

التربة: للتربة تأثيرها على نمو المجموع الجذري وبالتالي إنتاج الشجرة بشكل عام. النباتات لها عدة احتياجات للتربة، بعضها يحتاج إلى تربة كلسية ومنها تربة طميية (مختلطة) وبعضها ينمو ويتأقلم مع الأتربة الطينية الثقيلة والرطبة والرملية الجيدة الصرف والقلوية والحامضية قليلاً… لا تنمو بعض الأشجار في الأتربة الجافة والثقيلة، فهذه الأراضي تضعف نمو الأشجار وتسبب قلة إنتاجها. وللتغلب على مشاكل التربة يمكن اختيار الأصول المناسبة عند إكثار الأصناف وخاصة الأصول الجذرية التي تتمتع بسرعة تأقلمها مع أغلبية الأتربة ومشاكلها.

الإدارة المتكاملة للأرض

قبل استثمار الأرض والبدء بالزرع يجب دراسة المتطلبات البيئية للنبات بعدة نقاط أهمها:

الموقع: لأن موقع الأرض مهم جداً لاختيار النباتات المُراد زرعها أو غرسها في الأرض، فالأراضي المنحدرة تحتاج إلى تصطيب وإنشاء جدران وشق طريق لتسهيل الأعمال الزراعية وتأمين مياه الري من ينابيع أو إنشاء برك أو بحيرات اصطناعية لتجميع مياه الأمطار.

المناخ: يجب أن تكون الأشجار المَنوي غرسها مدروسة وقد أجريَ عليها عدة أبحاث وتجارب لتكون مجدية اقتصاديا على ارتفاع الأرض عن سطح البحر.

صلاحية الأرض للزرع: يجب فحص التربة مخبرياً لتحديد نوعيتها وخصوبتها وماهية أصناف الأشجار التي تتلائم معها. فأشجار الزيتون مثلا تفضل الأراضي المائلة إلى الكلسية والخفيفة وغير المتماسكة.

عمق التربة: بعد فحص عمق التربة يمكن تحديد نوع الأشجار التي تعيش فيها، فأشجار الكرز مثلا تحتاج إلى تربة يزيد عمقها عن المترين لأن جذورها الوتدية كبيرة وتنمو عامودياً، أما أشجار الزيتون والصنوبر فتنمو جذورها أفقياً. كما توجد أشجار تنمو جذورها الاثنين معاً مثل التفاح والدراق والإجّاص…

الدورة الزراعية: من المفضل اتباع دورة زراعية كأساس عملي لزيادة الإنتاج الزراعي والمردود الاقتصادي في المحاصيل الحقلية الموسمية لأن نبتة الفصيلة الواحدة تحتاج إلى نفس العناصر الغذائية وتعتريها نفس الأمراض والحشرات الزراعية بنسب مختلفة. إذ تقسم الأرض إلى أربعة أقسام على الأقل، مثلا: القسم الأول يزرع بالنباتات التي تتبع الفصيلة الباذنجانية والثاني يزرع بالفصيلة القرعية والثالث يزرع بالفصيلة البقولية والرابع يزرع بالفصيلة الصليبية. وفي الموسم القادم تزرع الفصيلة البقولية في القسم الأول من الأرض والفصيلة الصليبية تزرع في القسم الثاني والفصيلة الباذنجانية تزرع في القسم الثالث والفصيلة القرعية تزرع في القسم الرابع. أي يجب أن لا تزرع إحدى هذه الفصائل في نفس القسم لعامين أو ثلاثة متتاليين.

تُصنّف نباتات هذه المحاصيل تحت مجموعات أو فصائل نذكر أهمها الفصيلة الباذنجانية (البندورة، الفليفلة، الباذنجان، البطاطا)، الفصيلة القرنية أو البقولية (اللوبياء، الفاصولياء، الحمص، الفول، البازيلاء، العدس،…)، الفصيلة القرعية (الخيار، المقثي، القرع، الكوسا، اللقطين، البطيخ الأحمر والأصفر، …)، الفصيلة الشفوية (النعناع، الزعتر)، الفصيلة الزيزفونية (الملوخية)، الفصيلة المركبة (الخس، الهندباء، الأرضي شوكي،…)، الفصيلة الخيمية (الجزر، البقدونس، الكرفس، الشمرة،…)، الفصيلة الصليبية (الملفوف، القرنبيط، الكرنب، اللفت، البروكلي،…)، الفصيلة النجيلية (الذرة)، الفصيلة النرجسية (البصل، الثوم، الكراث،…).

كما أدى زيادة التسميد إلى تراجع مناعة الأنواع النباتية وقدرتها على مقاومة الآفات الزراعية لأن بنية الشجرة أصيبت بالوهن. فما أن تبدأ الآفات بالتكاثر حتى يأتي دور المبيدات الكيميائية واستخدامها كوسيلة يعتقد المزارع أنها الوحيدة التي يمكن أن تنقذ محصوله من التلف. وإن الجهل المطبق في أساليب التسميد والمبيدات الكيميائية أدى إلى الإفراط في استخدامها وفي حالات كثيرة وفي الوقت الخاطئ أو الاستعمال المتكرر دون أن يكون ذلك مطلوباً. مثلاً، استخدام مبيدات قبل الإزهار (على الطربوش الأحمر) وبعد العقد مباشرة ثم رشها كل خمسة عشر يوما. هذا الاستخدام يؤدي إلى إعاقة عملية التمثيل الكلوروفيلي على النبات وترسب كمية لا بأس بها من المادة الفعالة المضرّة في الثمار وتأخير في النضج والعجز في تحويل تركيبة الثمار إلى مادة سكرية وعدم إعطاء اللون الطبيعي للثمار.

غياب تقنيات التأصيل في النصوب: لا توجد قاعدة بيانات عن الأنواع الأكثر انتشارا للأشجار المثمرة وكيفية تأصيلها عبر استخدام أنواع معينة من الكتل الجذرية أوبعض أنواع البذور التي لها الدور الأساس في التأقلم مع جميع الأتربة وقدرتها على تحمل الجفاف والعوامل الطبيعية المتقلبة من درجات حرارة مرتفعة أو منخفضة وصقيع ومقاومتها للآفات الزراعية… إلخ وتمتاز أيضا بقدرتها على إنتاجية وفيرة وعالية الجودة. هذه الكتل الجذرية والبذور يتم تطعيمها بالأصناف الجديدة والمرغوبة تجارياً والتي تعطي مردوداً اقتصادياً وفيراً كما أنها تصلح للتصدير والتصنيع الغذائي. إن تلك الأصول والأصناف المطعمة عليها باتت علماً أساسياً خاصة في الدول المتقدمة في حقل الإنتاج الزراعي.

إن استخدام تقنيات التأصيل يمكن أن تسمح للجبل بالاستبدال التدريجي للبساتين المزروعة بالأشجار المثمرة التقليدية والغير مجدية اقتصادياً.

نضع بين يدي القارئ الجبلي هذه المعلومات القليلة والبسيطة متمنِّين له أن يعود إلى أرضه نازعا من فكره ما يتناقله أعداء الأرض والطبيعة والبيئة والزراعة ونعده بتزويده بالمعلومات العلمية والعملية التي بحوزتنا كي يتسنى له معرفة الخدمات الحقلية وزيادة مردوده الاقتصادي.

عندما يؤمن العلم بالله..

إخبارية ثقافية عن الجزيرة نت

اعتبر كتاب علمي جديد للكاتبين الفرنسيين ميشال إيف بولوري (Michel-Yves Bolloré) وأوليفيي بوناسي (Olivier Bonnassies)، حول علاقة العلم بالذات الإلهية، أن الاكتشافات العلمية ذات الصلة بالنسبية، وميكانيكا الكم وتعقيدات الكائنات الحية والموت الحراري للكون -وبشكل خاص- بنظرية الانفجار العظيم، باتت كافية لقلب معتقد وقناعات أي ملحد لا يؤمن بوجود الله.

ووفق تقرير مطول نشرته صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية فإن الكاتبين ركزا في كتابهما الجديد «الله والعلم والبراهين.. فجر ثورة» (Dieu, la science, les preuves. L’aube d’une révolution) على مسيرة نشأة الكون التي بدأت مع «الانفجار العظيم» قبل نحو 14 مليار عام وما تخللها من تراكمات علمية ستليها لا محالة اكتشافات مذهلة خلال العقود المقبلة، مما قادهما «لرؤية وجه الخالق في المجرات البعيدة».

ويؤكد عالم الفيزياء الفلكية البوذي الديانة ترين غوان توان -وهو من العلماء الذين استشهد بهم الكاتبان ووصفاهم بـ «علماء الفلك المؤمنين»- أنه «خلال الـ 30 سنة القادمة ستكون لدينا اكتشافات مثيرة حول علم كونيات الأصول».

«مهندس معماري» عظيم

ولا يعتبر هذا «العالم المؤمن» -تضيف الصحيفة- الوحيد الذي يراهن على وجود «مهندس معماري عظيم» وراء خلق هذا الكون، فقد تم على سبيل المثال إجراء بعض الدراسات التي ذهبت في ذات المنحى، ومنها دراسة أميركية عام 2009 قام بها «مركز بيو للأبحاث» (Pew Research Center) بشأن «العلماء والمعتقدات في الولايات المتحدة» أظهرت أن غالبية العلماء الأميركيين (51%) يؤمنون «بشيء ما» مقابل أقلية (41%) من الملحدين.

كما استشهد الكاتبان الفرنسيان أيضا بدراسة أجراها عالم الوراثة باروخ أبا شاليف (Baruch Aba Shalev) عام 2003 حول معتقدات الفائزين بجائزة نوبل منذ بدايتها، تظهر أن 90% من الفائزين بجوائز نوبل العلمية مرتبطون بديانة ما ثلثاهم من المسيحيين، وأن نسبة الملحدين في صفوف الحائزين على نوبل للأدب تبلغ 35% مقابل 10% فقط بين العلماء. ️ويرى التقرير أن نظرية الانفجار العظيم -التي تم تأكيدها علميا مطلع ستينيات القرن الماضي وباتت أمرا لا تشوبه شائبة- لطالما عارضها رافضو المعتقدات الميتافيزيقية والخرافات لأنها فتحت مجددا المجال أمام رؤى لاهوتية، وقد استمرت هذه المعارضة حتى في ظل النازية والشيوعية التي حاربت أفكارا مثل هذه بالسجن وبأحكام الإعدام.

أوليفيي بوناسي
ميشال إيف بولوري

وترى الصحيفة أن الكاتبين على حق في إصرارهما على أن تطور العلم بات أقل دوغمائية (وهي حالة من الجمود الفكري حيث يتعصب فيها الشخص لأفكارهِ الخاصة لدرجة رفضهِ الاطلاع على الأفكار المخالفة) حينما يتعلق الأمر بالمسائل العقدية، حيث لم يعد بإمكان الملحدين الاعتماد عليه لإثبات عدم وجود الله، وأصبح بمقدور المؤمنين الاستشهاد بالاكتشافات العلمية لإثبات وجوده.

️من ناحية أخرى، يؤكد الكاتبان أنه في سيرورة العلم لا شيء يولد من لا شيء، وأنه إذا كان هناك «انفجار عظيم» فأكيد أنه كان هناك أيضا شيء قبله «ذكاء خارق يفوق التصور». ️لكن المشكلة أن الحديث عن «قبل» الانفجار العظيم يطرح أيضا مشكلة ذات صبغة زمنية، حيث إن الزمن ولد مع الانفجار، لذلك فمن السخافة أن نفترض وجود حدث قبل الحدث ولا وجود وقت قبل الوقت، مما يتركنا أمام سؤال بلا جواب: كيف يمكن لشيء ما أن يولد من لا شيء؟ أو بطريقة أكثر وضوحا: من بدأ تشغيل عقارب الزمن؟

️وتؤكد لوفيغارو أنه في ظل هذه التساؤلات، يبقى أمر واحد فقط يقره كل العلماء سواء كانوا مؤمنين أو ملحدين وهو: مبدأ التساؤلات الميتافيزيقية، وهو ما يعتبر بحد ذاته خطوة عملاقة إلى الأمام بالنسبة للمؤمنين بغض النظر عن معتقداتهم، حتى أن عالم الفيزياء النظرية ألبرت أينشتاين بنفسه انتهى به المطاف بقبول فكرة وجود إله «السبب الأول وراء الأشياء» كما قال.

كورونا والوضع الحالي

وضع كورونا اليوم 14 -10 -2021
عدد المسجلين 2,774,166 (50.9%) من عدد السكان.
الذين حصلوا على الجرعة الأولى 1,791,487 (32.9%).
الذين حصلوا على الجرعة الثانية 1,512,207 (27.7%).
عدد الحالات المثبتة بالإصابة 632,271.
عدد الوفيات 8,406.
في العالم: 240,367,643 إصابة، و4,897,147 مليون وفاة.

هذه الأرقام تدل على أننا نتقدم ببطء نحو المناعة المجتمعية والتي يجب أن تبلغ 80% تقريباً مع متمحور دلتا الذي يتميز عن ألفا بالعدوى الشديدة.

هذه العدوى (دلتا) والتي أصبحت مهيمنة في مختلف دول العالم أعراضها المرضية تشبه أعراض الإنفلونزا والتي موسمها يبدأ عادة في فصل الخريف.

إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه في لبنان في هذه الفترة الوضع الصحي صعب وغير جاهز لاستقبال موجة جديدة من المرضى. المستشفيات فقدت الكثير من المستلزمات الطبية والأدوية والكوادر الطبية والتمريضية والإدارية وقد أقفلت قسماً من أقسامها نتيجة لذلك.

عدم توفر القدرة المادية على دخول المستشفيات نتيجة تدهور وضع الليرة والفروقات الكبيرة التي تطلبها المستشفيات من المريض كشرط لدخول المستشفى بالرغم من وجود هيئات ضامنة. وخاصة إذا كان هناك مستلزمات طبيّة يتم تسعيرها بالدولار على سعر الصرف. فقدان الأدوية من الأسواق وإذا وُجدت فأسعارها مضاعفة عدّة مرات.

كل هذه الظروف المستجدة تفرض علينا تجنب وصول الوضع الصحي للمريض لدخول المستشفى، أو على الأقل الاكتفاء بالفحوصات الخارجية والتي أصبحت أيضاً مُكلفة جداً وبالأدوية.

لذلك لم يبقَ لنا إلاّ اتباع الإجراءات الوقائية وهي أرخص وأذكى من العلاج. الكمّامة، التباعد الاجتماعي، وتعقيم اليدين والنظافة.

ومع بدء العام الدراسي وخوف أهالي الطلاب من العدوى قامت اللجنة العلمية والفنية للسماح الطارئ باستخدام اللقاحات. وبعد دراسة الملفات المرسلة من منظمة الصحة العالمية وشركة فايزر، بالموافقة على إعطاء اللقاح للأطفال من عمر 12 سنة وما فوق، وذلك بعد دراسة نتائج حملات التلقيح على هذه الفئات العمرية في الولايات المتحدة، وبعد سماح الـ FDA والوكالة الأوروبية للأدوية EMA (European Medicines Agency)iلإعطاء هذه الفئات العمرية لقاح فايزر في أميركا والاتحاد الأوربي، وكانت قد باشرت بذلك عدة دول أخرى. طبعا هناك مخاوف عند الأهل من إعطاء اللقاح للأطفال ولكن هذا اللقاح يحميهم من أعراض جانبية قوية تُدخلهم إلى المستشفى، وحتى إذا أصيب أحدهم بالكوفيد كانت الأعراض خفيفة تشبه الرشح ولا تعرض حياته للخطر.

بحسب الإحصاءات العالمية في عدد من البلدان حوالي 80% من المصابين الذين أدخلوا إلى المستشفيات لم يتلقوا اللقاح والجزء الباقي كانوا من المرضى الذين لديهم أمراض مزمنة في القلب والرئتين وأمراض مناعية.

ومن هنا بعد الدراسات التي قامت بها المعاهد العلمية وبالتعاون مع الشركات المصنعة للقاحات تبين بأنه بعد 6 – 8 أشهر تنخفض المناعة إلى حوالي 60 -50 بالمئة عند متلقي اللقاح فايزر. ومن هنا تم طرح إعطاء الجرعة الثالثة التحفيزية للمناعة وخاصة للمرضى الذين يعانون أمراض مستعصية ومناعية وكبار السن وأفراد الطواقم الطبية التي تتعامل مع مرض الكوفيد.

غير أن منظمة الصحة العالمية تعارض إعطاء الجرعة الثالثة لسكان الدول الغنية وتنصح بزيادة وهب الجرعات إلى الدول الفقيرة حيث في إفريقيا مثلاً نسبة التلقيح حوالي 3% للسكان. ونحن نعلم أنه كلما تدنت نسبة التلقيح كلما برزت متحولات جديدة للفيروس وهذه المتحولات قد تصبح مقاومة أكثر للقاحات، كما أشرنا في العدد السابق.

وبما أن الأغلبية المُطلقة للمراكز العلمية والطبية العالمية تُجمع على أن العالم عليه أن يتكيف ويتأقلم مع استمرار وجود فيروس الكوفيد في المستقبل كغيره من الفيروسات وأنه لن يختفي ويتعين على الأرجح وضع رزنامة التلقيح من ضمن اللقاحات ضد الفيروسات الأخرى الموسمية التي يأخذها الناس.

يجدر بالذكر هنا أنه في أول الربيع قامت وزارة الصحة بتشكيل لجنة من ممثلي الجامعات في لبنان التي اشترت حوالي نصف مليون جرعة لكي تعطي اللقاح للطلاب والأساتذة والموظفين من فايزر. بحيث تبدو الجرعة الأولى في شهر تموز والثانية في أيلول بشكل أن يكون الجميع قد أخذ اللقاح مع بدء العام الدراسي، وذلك حماية للطلاب والأساتذة، وفي نفس الوقت إعطاء اللقاحات لأساتذة المدارس.

يبقى أن يتم التشجيع على تسجيل على المنصة لأخذ اللقاح بصورة أفضل، وذلك لأننا ما زلنا كمواطنين ومقيمين لم نصل إلى النسبة المطلوبة للمناعة المجتمعية.

وهنا نذكّر بأنه منْ تعرض للإصابة وتعافى عليه أن يأخذ اللقاح أيضاً بعد ثلاثة أشهر وذلك لأن المرض يعطيه مناعة مؤقتة ونسبيّة فقط.

بعد تحليل معطيات الدول التي أعطت الجرعة الثانية لمواطنيها وحققت أرقاماً عالية (وعددها عشرات الملايين) تبين أن الذين أصيبوا مرة ثانية بالمتحور دلتا كانت إصابتهم خفيفة ونادراً ما تطلّب الأمر دخولهم المستشفى، وأن أكثر الفئات التي دخلت المستشفى هي الأعمار الشبابية كون الأكبر عمراً قد أخذوا اللقاح.

أريد أن اذكّر أنه في بدء الجائحة برزت شائعات عديدة غير علمية على الإطلاق حول مخاطر وأعراض اللقاح والمؤامرات على الناس، ولكن هذه الشائعات والأخبار الزائفة غير العلمية، لم تصمد..

وأخيراً إنّ الذين أصيبوا بالكوفيد عانَوا لفترة معينة من أعراضLong COVID مرضية لفترة زمنية أكثرها شهور قليلة زالت بعدها أكثر هذه الأعراض. الأغلبية المُطلقة تعافت بعد أيام قليلة.
في لبنان هناك «مركز اليقظة الدوائية» الذي يقع في الجامعة اللبنانية حيث يقوم مع فريق عمل من وزارة الصحة بتسجيل وتتبُّع جميع الأعراض المَرضية التي يسجلها المواطنون ومتلقُّوا اللقاح وتحليلها وإعطاء الإرشادات الطبية للمرضى ومتابعتهم.

وهذا المركز بالتعاون مع وزارة الصحة العامة يُصدر تقريراً دورياً عن عدد الذين أخذوا اللقاحات والأعراض المرضية عند الناس وكل نوع من اللقاحات أية أعراض مرضيّة سبّب.

وهذا التقرير الوطني الذي تعتمده منظمة الصحة العالمية والشركات المصنعة للقاحات. لذلك فإنّ اللقاحات الموجودة في لبنان هي لقاحات آمنة وأي لقاح أعراضه المؤقتة أقل بكثير بما لا يتناسب مع أخطار عدم أخذ اللقاح. إنّ أرخص وأذكى طريقة للعلاج هو الوقاية.

مقال جديد، تابع بعض الأرقام
1- لقاحي فايزر وموديرنا انخفضت فعاليتها من 90% مع (متحور ألفا). إلى 66% مع متحور دلتا.

2- انخفاض الحماية إلى حوالي 50% عند كبار السن ومرضى الأمراض السرطانية والمناعية وعمال الرعاية الصحية بعد 18 شهر من ثاني جرعة.

3- فعالية فايزر 88% بعد شهر من الجرعة الثانية تنخفض إلى 74% لمدة خمسة ستة أشهر (دراسة زوي كوفيد) لأكثر من مليون شخص (1,20 مليون).

4- فعالية استرزينيكا تراجعت من 77% بعد شهر من الجرعة الثانية إلى 67% بعد 4-5 أشهر.

متحور (mu) مو تم رصده في كولومبيا في كانون الثاني وهو قادر على التهرب جزئيا من جهاز المناعة. ولكن انتشاره لا يزال محصوراً في كولومبيا البيرو بأعداد قليلة.
متحور لامبدا وتم اكتشافه في البيرو وهو انتقل متحور دلتا من الهند بأعداد قليلة من المصابين إلى 34 بلداً.

 

الدراسة الوطنية للمتممات الغذائية

هذهِ دراسة وطنية في مجلة عالمية حول استهلاك المُتَممات الغذائية قبل وخلال جائحة الكورونا في لبنان وتاثير هذه المتممات على سير المرض. بعد تحليل12 ألف عينة عشوائية جمعتها وزارة الصحّة بين عامَي 2015 و 2017، من مطاعم وأفران ومحالّ لبيع اللحوم والأسماك والدجاج ومصانع غذائية في كلّ المناطق. حينها، أظهرت المعلومات التفصيلية للدراسة أن نحو 30% من عينات الألبان والأجبان غير صالحة للاستهلاك بسبب التلوث الجرثومي، إذ تبيّن أن الأجبان تحتوي على ملوّثات متعددة خطيرة ومميتة. وبحسب مُعِدّي الدراسة، فإنّ 14 عينة كانت ملوّثة ببكتيريا الليستيريا المستوحدة (Listeria monocytogenes) التي قد تتسبّب بوفاة الجنين لدى النساء الحوامل بفعل تداعياتها الخطيرة، وإن 319 عينة ملوّثة ببكتيريا الـ e.coli والقولونيات البرازية، فضلاً عن ضبط بكتيريا السالمونيلا في بعض العينات أيضاً.

هذه الدراسة اجراها مركزنا / مركز جَودة الدواء والغذاء والماء والمواد الكيميائية في الجامعة اللبنانية.

ساعات التقنين الطويلة بين شركة كهرباء لبنان والمولّدات الخاصة، باتت تهدّد سلامة الغذاء، في عزّ موسم الحر. الانعكاسات السلبية تظهر بارتفاع حالات التسمم، جراء عدم القدرة على تبريد المأكولات، لا سيّما اللحوم والأسماك والألبان والأجبان. الوزارات المعنية غائبة كليًّا لاسيّما وزارتي الصحة والاقتصاد، أمّا هيئة سلامة الغذاء التي نصّ على إنشائها قانون سلامة الغذاء عام2015 فلا زالت تنتظر تعيين أعضائها. وكان النائب ميشال موسى قد وجّه سؤالًا إلى الحكومة قبل سنة عن سبب عدم تعيين أعضاء الهيئة، ولم يأتِه الجواب لغاية اليوم، وفق ما أكّد لـ «لبنان 24».

مدير المركز الوطني لجودة الدواء والغذاء والماء في لبنان الدكتور نزيه بو شاهين، تحدّث عن تسجيل حالات تعاني من التهابات في الجهاز الهضمي الناتجة عن الثلوت الجرثومي للأغذية، كالسلمونيلا وغيره، وذلك بسبب عدم تبريد الأغذية في برادات المنازل، وفق الدرجات المتدنية المطلوبة «كما أنّ مصدر اللحوم قبل أن تصل إلى برادات المنازل مشكوك بسلامتها، وبطريقة تحضيرها، وهناك علامات استفهام حول توافر شروط السلامة في ذبحها، بحيث يتمّ ذبحها على الرصيف في بعض الملاحم وتباع للناس، من دون أن تخضع لأي فحوصات، قال دكتور بو شاهين في حديثه لـ «لبنان 24» مضيفًا «قمت بالاتصال بعدد من أطباء أمراض الجهاز الهضمي وأطباء أقسام الطوارئ في سبع مستشفيات، وأكدوا أنّ أمراض التسمّم أضحت موسميّة، وهناك حالات تسمّم تصل إلى الطوارئ، أكثريتها لا تحتاج لدخول مستشفى، بحيث يصف الطبيب المعالج أدوية يمكن تناولها في المنزل، لكن المشكلة أنّ هذه الأدوية مفقودة، مثل Normix Flagyl Imodium. كما أنّه في حالات التسمم يخسر المريض الكثير من الملوحات، وتأثيراتها سلبية لا سيّما على الأطفال الرّضع والمسنين».

اللحوم هي الأخطر

المركز الوطني كان أنجز دراسة ميدانية، فحص بموجبها نسب الهرمونات والمضادات الحيوية الموجودة في اللحوم منذ بضع سنوات «فتبيّن وجود نسب من الكورتيزون والمضادات الحيوية، كانت تعطى للحيوانات قبل ذبحها، في اعتقادي أنّنا لا زلنا نعاني من المشكلة نفسها».

مؤخّرًا أنجز المركز الوطني دراسة إلكترونية، شارك فيها حوالي 167 شخصًا، معظمهم من ربات البيوت، وقد أكّدن أنّ انقطاع الكهرباء أثّر على صلاحية المأكولات، الألبان والأجبان فسدت في البرادات، واللحوم ساءت رائحتها.

تلوث المياه

بو شاهين يشير إلى مشكلة لا تقل وطأة عن عدم تبريد المأكولات طوال الوقت، وهي تلوث المياه «في السابق كانت تردنا طلبات عديدة لفحص المأكولات والمياه، خصوصًا مياه الآبار والينابيع والمياه المستخدمة في المدارس، فنفحصها بشكل دوري، وكانت النتائج تشير إلى وجود جراثيم وميكروبات أبرزها»e coli» والتي تسبّب أمراضًا، تراجعت هذه الطلبات كثيرًا بسبب الكلفة المالية، كما كانت وزارتا الصحة والاقتصاد تفرض إجراء هذه الفحوصات، واليوم ليس هناك من مؤسسة تتابع».

احذروا سلمونيلا اللحوم والأسماك

الدكتور محمّد قوبر، أستاذ في مادة العلوم الجرثومية في كلية الصحة العامة في الجامعة اللبنانية، ورئيس قسم الفحص الجرثومي في المركز الوطني لجودة الدواء والغذاء والماء، أكدّ في حديث لـ «لبنان24» أنّ أزمة سلامة الغذاء متشعّبة، وأتت أزمة شح مادة المازوت وانقطاع التيار الكهربائي لتفاقم من حدّتها» عندما أنجزنا نظام سلامة الغذاء مع وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور، تحت عنوان مطابق وغير مطابق للمواصفات، كان التيار الكهربائي مؤمنا بين 20 و22 ساعة يوميًّا بين المولدات الخاصة وشركة كهرباء لبنان، رغم ذلك تبيّن لنا وجود نسبة من المأكولات غير المطابقة للمواصفات، بسبب عدم مراعاة شروط التخزين والحفظ، وكان أبو فاعور يعلن عنها في حينه. لكن اليوم المشكلة أصعب بكثير وتواجه كلّ الشعب اللبناني، ولا تقتصر على السوبر ماركت أو المطاعم بل تطال المنازل. فغياب التيار الكهربائي لثلاث ساعات يؤثّر على سلامة المأكولات المحفوظة في الثلاجة، وتبدأ بالذوبان، خاصة اللحوم، بحيث تتكاثر البكتيريا بسرعة في اللحوم وتتغلغل داخلها، خصوصا في اللحوم المفرومة والدجاج والأسماك، وتفرز عدّة أنواع من السموم، لا تموت حتى ولو تمّ طهي اللحوم على درجة حرارة عالية، خلافًا لما يعتقد البعض. الأسماك هي الأخطر كونها تفسد بشكل أسرع من اللحوم، نظرًا لاحتوائها على المياه ما يجعل البكتيريا تتكاثر بسرعة. أمّا بالنسبة للخضار والفواكه فالوضع أفضل، لأنّ البكتيريا تكون في الطبقات الخارجية، ونادرًا ما نجدها في داخل الخضار، وبالتالي تبدأ العفونة من الخارج».
دكتور قوبر ينصح المواطنين بظل أزمة الكهرباء بالاعتماد على المأكولات الطازجة كالخضار والحبوب، ومن يتمكن من شراء اللحوم، فالأفضل شراؤها طازجة واستهلاكها في اليوم نفسه، كأن يلجأ المستهلك إلى شراء فروج طازج ذُبِح للتو، ويستهلكه في اليوم نفسه. وربما من البدائل العودة إلى العادات القديمة في حفظ اللحوم، كإعداد القاورما، وهو أمر مؤسف أن يعود الشعب اللبناني بالزمن إلى الوراء».

خطورة ذوبان اللحوم المجلّدة

قوبر يلفت إلى خطورة اللحوم المجلّدة بظلّ انقطاع الكهرباء بشكل متكرّر» انقطاع الكهرباء لثلاث ساعات يجعل الثلج يبدأ بالذوبان، بحيث تبدأ البكتيريا بالتكاثر، فترمي بسمومها داخل اللحوم، عودة التيار الكهربائي يجعل اللحوم تُجَمّد من جديد بعد تكاثر البكتيريا، وهنا يرتفع احتمال أن تؤدي هذه اللحوم إلى تسمم».
أمّا اللحوم التي تباع داخل السوبر ماركت فليست مضمونة» قد لاحظت وجود لحوم وقد أضحى لونها غامقًا، بما يشير إلى مرور عدة أيام على الذبح، وبالتأكيد لو تمّ فحصها سيكشف عن أنواع من البكتيريا السامة».

أزمة الكهرباء تتطلب مراقبة الملاحم والسوبر ماركت أكثر من قبل، وإجراء الفحوصات الدورية، وهو أمر متعذر بظل نقص الكادر البشري ونقص الإمكانيات المادية «قد تكشف فرق حماية المستهلك على اللحوم صباحًا، وتجدها مبرّدة، ولكن من يضمن أنّه تم حفظها أثناء الليل بظل انقطاع الكهرباء، ومن يضمن أن اللحام تمكن من بيع كامل اللحوم في اليوم الأول للذبح، وهو ما يتطلب فحص العينات، ولكن هذه الفحوصات تكلّف ما بين 10 و60 دولار، فهل وزارة الصحة قادرة على فحص آلاف العينات وعلى إرسال فرق إلى كافة المناطق؟ باعتقادي أنّ الكشف على المحال راهنًا، سيظهر 30 أو 4% من المحال المستوفية للشروط فقط، ولا أحملهم المسؤولية بظل عدم توفير الكهرباء ومادة المازوت، من هنا نحن أمام مشكلة بنيوية بسلامة الغذاء».
نشرت وزارة الصحة العامة، التقرير الذي أعده برنامج اليقظة الدوائية المكلف من قبل وزير الصحة العامة حمد حسن، وذلك بعد متابعة فريق البرنامج بعض المعطيات والأحداث الجانبية التي ظهرت إثر الـتلقيح بطبخة رقم FF8111 من لقاح Pfizer-BioNTeck المضاد لـ COVID-19.

وأوضح التقرير أنه في الأول من أيلول 2021 تم الإبلاغ من قبل أحد مواقع التلقيح بأن سبعة (7) أشخاص عانوا من أحداث جانبيه بعد إعطائهم لقاح COVID-19 Pfizer-BioNTeck رقم الطبخة (FF8111) تمثلت هذه الأعراض الجانبية بانخفاض في ضغط الدم وبطء في دقات القلب ودُوار وإغماء وذلك خلال الدقائق الخمسة عشرة الأولى بعد تلقيهم اللقاح. كما تم الإبلاغ عن ثلاث حالات إضافية من موقعي تلقيح آخرين في ما يتعلق برقم الطبخة عينها. الجدير بالذكر أنه لم يتم الإبلاغ عن حالات أخرى جديدة منذ ذلك الحين.
بناء عليه، بدأ فريق اليقظه الدوائية في وزاره الصحة العامة بجمع المعلومات ذات الصلة بالموضوع وفق التالي:
1. تم تعيين صيادلة من أعضاء الفريق لتلقي التقارير بحال وجودها والمتعلقة بهذه الطبخة على مدار الساعة أي 24/24.

2. تم الحصول من خلال منصة IMPACT على قائمة بجميع المرضى الذين تلقوا هذه الطبخة من اللقاح. في المجموع تلقى 3777 فرداً هذه الطبخة من اللقاح موزعة على 24 مركز تلقيح / مستشفى في مناطق متعددة في الفترة الممتدة ما بين الأول من تموز 2021 والثاني من أيلول أي لمدة شهر. وتم تحديد الحالات العشر المُبَلَّغ عنها موزّعة على الشكل التالي: مستشفى هيكل سبع حالات، مستشفى الرسول الأعظم حالة واحدة، مركز البرج منطقة الرادوف حالتان.

3. تم التحقيق مع الأطقم الطبية لهذه المراكز وتبين أن متلقي اللقاح قد تعافَوا تماماً بعد أن قام الفريق الطبي بالرعاية الطبية اللازمة وغادروا إلى منازلهم.

4. تم التحقيق أيضا بظروف نقل وتخزين وكيفية استلام و تحضير واستخدام اللقاح، كما تم التحقق من مصدر الحقن والمحلول. وقد تبين أن جميعها مطابقة للمعايير.

5. تم البحث في قاعدة البيانات الوطنية للأحداث الجانبية VIGIFLOW وقد تبين أنه في الفتره الممتدة ما بين 15 شباط والأول من أيلول، هناك 2754 تقريراً عن أحداث جانبية للقاح فايزر. تم الإبلاغ عن 125 حالة مماثلة و لكن مرتبطة بطبخات مختلفة. تجدر الإشارة بأنّ هذا النوع من الأحداث الجانبية متوقَّع مع جميع أنواع اللقاحات.

6. بالإضافة إلى ذلك تمت المتابعة مع شركه فايزر بما يتعلق بالطبخة FF8111 وقد أعلنت الشركة بأنها لم تتبلّغ بأي حدث جانبي مماثل على المستوى العالمي أو الإقليمي وأنها سوف تقوم بتحليل عينات من هذه الطبخة ومن المحلول وسوف تبلغ وزارة الصحة بنتائج التحاليل عند صدورها.

فريق بحثي من الجامعة اللّبنانيّة ينشر بحثاً حول مخاطر الاستهلاك العشوائي للمتمّمات الغذائيّة والتغييرات التي أحدثتها جائحة كورونا فيما يتعلّق بالثّقافة، المعتقدات، وسلوكيّات استهلاك هذه المتمّمات لدى الشّعب اللّبناني.

نشرت المجلّة العلميّة العالميّة International Journal of Enviromental Research and Public Health البحث العلمي الذي قام به قسم التّغذية في الجامعة اللّبنانيّة من كلّيّة الصّحًة العامّة – الفرع الأوّل تحت إشراف الدّكتورة مهى حطيط وبالتّنسيق مع المركز الوطني لجودة الدّواء والغذاء والماء والمواد الكيميائيّة وبالتعاون مع وزارة الصّحّة العامة ووحدة Task Force ومبادرة نحنا حدك تحت عنوان «التّغيير في الثّقافة، الاعتقادات والسّلوكيّات المتعلّقة باستهلاك المتمّمات الغذائيّة خلال فترة جائحة كورونا لدى الشّعب اللّبناني»، ضمن الدّراسة الوطنيّة الأولى لكوفيد-١٩ في لبنان.

أظهرت نتائج الدّراسة التي شملت 2966 لبناني الجنسيّة من مختلف المحافظات أنَّ جائحة كورونا قد أحدثت تغييراً واضحاً في المعتقدات المتعلقة بفعالية المتمِّمات الغذائيّة في التّحسين من صحّة المريض وتقوية مناعته، حيث ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يؤمنون بفعاليّة المتمِّمات الغذائيّة في تعزيز الصّحّة العامّة بنسبة 13.2% وتعزيز مناعة الجسم بنسبة 10.7% خلال فترة جائحة كورونا في لبنان.

إلا أنَّ هذه النتائج لم تترافق مع ارتفاع في استهلاك المُتَممات الغذائية كما هو متوقَع، حيث انخفضت نسبة الأشخاص الذين يستهلكون هذه المنتجات خلال فترة جائحة كورونا(69.9%) مقارنة بفترة ما قبل جائحة كورونا ( 73.3%)؛ وهذا من شأنه أن يعود للارتفاع الجنوني لأسعار كافة السّلع المتواجدة في الأسواق اللّبنانيّة، الغذائيّة منها والأدوية وحليب الأطفال والمُتمِّمات الغذائيّة، وإن وُجدت كانت تفوق القدرة الشّرائيّة للمستهلك اللّبناني نتيجة ما خلّفته الأزمة الاقتصاديّة الخانقة في البلاد.

وقد أظهرت الدّراسة زيادة في الاستهلاك اليومي والأسبوعي لبعض المتمِّمات الغذائيّة التي لها علاقة بالحماية من الإصابة بالفيروسات وتقوية المناعة حيث زاد معدّل استهلاك مضادات الأكسدة بنسبة 1.6%، وكل من فيتامين س بنسبة 6.8 %، وفيتامين د بنسبة 5.5%، وفيتامين ه بنسبة 2.3% وكذلك الزنك بنسبة 10.8%.

كما أنَّه من الجدير بالذّكر أنَّ استهلاك المتمِّمات الغذائيّة كان أكثر انتشاراً لدى الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس كوفيد-١٩ المستجد، وتحديداً لدى العاملين في المجالات الطّبيّة والذين كانوا قد اعتادوا على استهلاكها قبل فترة جائحة كورونا.

كما وقد أظهرت نتائج الدّراسة خللاً كبيراً في الثّقافات المتعلّقة باستهلاك المكمّلات الغذائيّة، حول فعاليتّها، وسلامتها، ومدى تأثيرها على الصّحّة العامّة، وهذا ما يستدعي التّحرّك السّريع من خلال نشر التّوعية اللازمة حول الاستهلاك العشوائي للمتمِّمات الغذائيّة لدى الشّعب اللّبناني، للحؤول دون التّسبّب بأضرار قد تكون مميتة في بعض الحالات. أخيراً خلصت الدراسة بتوصية ضرورة وجود خطّة غذائيّة احتراسيّة لحماية صحّة المستهلك اللّبناني.


رابط الاطلاع على البحث:

https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/34444605/
https://doi.org/10.3390/ijerph18168856

اللبنانيّون وأوضاعهم الاجتماعية والمعيشية

ما انفكّ الشأن الاجتماعي في لبنان (تشرين أول 2019 – تشرين أول 2021) يتصدر على وجه الإجمال المشهد الوطني الاقتصادي والسياسي الرئيسي، ومشكّلاً على المستوى الفردي والشخصي الهمّ الأكبر للأكثرية الساحقة من اللبنانيين.

إذ لم يسبق للبنانيين منذ «سفر برلك 1916 «أن عانَوا معيشياً وحياتياً ومالياً ظروفاً يومية بشعة بالقدر الذي عانوه في السنتين المذكورتين، وبخاصة في السنة الأخيرة. فقد اجتمعت، في ظل صراع المشاريع الإقليمية على أرض لبنان، وعلى حساب شعبه، أسباب الفشل والفساد الداخلية لتحيل حياة 90% من اللبنانين جهنماً (كما وصفها صراحة وبحق أحد المسؤولين).

لم يعد في لبنان، على الأرجح، طبقة وُسطى، كانت هي صمّام الأمان والاستقرار وصاحبة الطموح والنجاحات الإدارية والوطنية. لقد هبط أفرادها في أقل من عام واحد إلى قعر السلّم الاجتماعي مع الفئات الفقيرة المقيمة فيه أصلاً. وبات وفق أرقام الأسكوا أكثر من 77 بالمئة من اللبنانيين عند خط الفقر، أو دون ذلك. كيف لا:
وأموال اللبنانيين وجنى عمرهم محتجزة على غير وجه حق في المصارف،

والبطالة باتت شاملة، كلياً، أو بحسومات قاسية على الرواتب،
وسعر صرف الدولار يحلّق في أرقام فلكية لم تكن لتخطر في البال، ورواتب اللبنانيين وتعويضاتهم ومدخّراتهم بالعملة الوطنية تدنت 12 مرة، والغلاء في كل مجال وباب لا يرحم رب أسرة، أو أرملة، أو عاطل عن العمل.

والمحتكرون والمهرّبون للمحروقات، والدواء، والمواد الغذائية، أحالوا حياة اللبنانيين جهنماً على هذه الأرض، وعلى معاناة لم يسبق لها مثيل.

لا ترغب “الضّحى” أن تكون صوتاً متشائماً آخر، لكنها لا تستطيع أن تتجاهل معاناة أهلها وشعبها، وبخاصة الفقراء منهم، وهي لذلك تستمر في فقرتها الاجتماعية ترفع الصوت ضد الظلم ومع العدالة الاجتماعية وإنصاف المحرومين على وجه الخصوص…

من اتَّكل على الله أغناه وأوْلاه

تقول الأساطير القديمة أنّ رجلاً في غابر الزمان من بني إسرائيل كان مُمَيَّزاً عن سواه أنّه بارٌّ بوالديه إطاعة وخشية. وقبيل وفاة والده دخل عليه وقال: «أوصني يا والدي بعد تجاربك في الحياة.»

قال الوالد: يا بني لا تحلف باسم الله لا بارّاً ولا حانثاً.

بعد وفاة والده علِمَ فُسّاق بني إسرائيل بوصيته لولده لذا دخلوا عليه مطالبين بأنْ لهم بذمة والده مبلغاً من المال كذا وكذا.. ثم أكملوا قولهم: إذا لم تدفع لنا فعليك بقسم اليمين.

التزاماً بوصية والده أعطاهم جميع ما يملك ولم يُقسم اليمين وهو مقتنع في ذاته أنهم كاذبون منافقون.

تشاور في الأمر مع زوجته قائلاً: علينا بالسفر كونه لم يبق بحوزتنا أي مبلغ من المال، وعندنا ولدان وهما صغار السن. إذاً لنركب البحر وننتقل إلى بلاد جديدة ربما يكون رزقنا في تلك الديار. أثناء ركوبهم السفينة إذ برياح عاتية تضرب تلك السفينة حيث تتكسّر ليذهب كل منهم على خشبة وفي اتجاهات متعاكسة.

الوالد رحل إلى جزيرة فوجد بها عين ماء وشجرة مُثقلة بالأثمار فأكل وشرب ونام من التعب. بعد أن نهض من نومه تجوّل في تلك الجزيرة فإذا به في أحد الكهوف أمام كنز كبير من ذهبٍ وجواهر وزمرد وعقيق. تبسم وقال: قد عوّضنا الله عما فقدنا فعمل آنذاك على بناء تلك الجزيرة بعد أن استقطب إليها العمال والبنائين حيث أقام مدينة أصبحت عاصمة مملكته.

أمّا ولداه وزوجته فكان نصيب الأول من الأبناء أن رست به الخشبة التي ركب فوقها عند الشاطىء الآخر لتلك الجزيرة فتلقاه أحد التجار وجعله من مديري أعماله الخاصة. بينما الولد الثاني تلقاه رجل ذهب به إلى بيته ثم أخذ يعلّمه القراءة والكتابة كي يتسفيد منه في عمله.

غير أن الزوجة كانت قد وقفت أمام منزل تاجر فأخذها وعاهدها أن تكون أختاً له بعدما تفاءل بالخير من حضورها في منزله.
ذاع صيت ربّ العائلة أن مدينة تُبنى في إحدى جهات الجزيرة وهي تطلب العمال والصناعيين والبنائين. الولد الكبير قال للشخص الذي تبنّاه: أتسمح لي أن أذهب إلى تلك المدينة للعمل بها؟ فكان له ما أراد. كذلك الولد الثاني سمح له معلّمه فاتجه أيضاً نحو تلك المدينة.

وأيضاً التاجر الكبير الذي آخى الزوجة قال لها أنه غداً سيبحر إلى الشاطىء الآخر من الجزيرة حيث تُبنى تلك المدينة فلعلّه يبيع بضاعته ويجعل منها سوقاً له. عند وصوله إلى المدينة دخل على مليكها طالباً منه السماح ببيع بضاعته في أسواقها. قال الملك: أهلاً وسهلاً وستبقى في ضيافتي. أجابه التاجر: لا أقدر كونه توجد داخل السفينة شقيقة لي مع بعض العمال. قال الملك: إذاً اِبْقَ أنت هنا وسأبعث حرّاساً لحمايتها.

كان الحارسان ولَدَيّ المرأة وأثناء تناوب الحراسة تحدّث كلٌّ منهما عن تاريخ حياته وكيف تكسّرت السفينة بهما مع والديهما وكلّ ذهب باتجاه معاكس للآخر، وكون تلك الحادثة قد مرّ عليها عقد من الزمن أو أكثر لهذا لم يتعرّفا على بعضهما.

الأم كانت تسترق السمع منذ البداية بين الحارسين، وبعد ان انتهيا من كلامهما تأكد لها أنهما ولداها الغاليان على قلبها، فاسودت الدنيا في وجهها وأخذها البكاء خلسة عن مراقبَيْها.

عند الصباح عاد التاجر إلى السفينة فوجد المرأة في حالة يُرثى لها فاستشاط غضباُ ثم ذهب إلى الملك وأخبره بأن الحارسين اللذين أرسلهما إلى السفينة قد أساءا إلى المرأة وجعلاها في موقف مذل حيث الدموع كانت تترقرق من مآقيها.

أحضر الملك الشابين للمثول أمامه ثم طلب إلى المرأة أن تُفصح عمّن أساء إليها فقالت: بالله عليك قلْ لهما أن يعيدا الكلام الذي تحادثا به أثناء حراستهما في الليلة الماضية.

بعد إعادة الحديث من قبل الشابين والمرأة تتأوّه وتمسح دموعها إذ بالملك ينهض عن كرسيه ثم يتوجه إلى الشابين والمرأة معاً قائلاً وصارخاً: بالله العظيم أنتم عائلتي وأنتم أحبائي، وأنتِ زوجتي والله تعالى قد جمع شملنا من جديد.

صورةُ الخليفة الفاطمي، الحاكم بأمر الله،

بعضُ أهميَّة كتابات السيد بحر العلوم هو ما تمتع به من غنى موسوعي لجهة المادة، والتوثيق الدقيق لجهة المصادر والمراجع، والعَود باستمرار للوقائع والشواهد منهجاً في دعم نتائجه واستنتاجاته. هذا في كتابات السيّد بحر العلوم عموماً، فكيف إذا كان الموضوع سيرة الخليفة الفاطمي السادس، الحاكم بأمر الله، بل صورته التي تناقلتها المُدوَّنات التاريخية.

ولا يَخفى القارئ التحامل والتجنّي اللّذين تعرضت لهما سيرة الحاكم وصورته، من عدد من الكتّاب غير، إمّا لدواعٍ أيديولوجية صريحة، أو نقلاً عن روايات مختلقة اختلط فيها الخبر بالأسطورة، والحقيقة بالخيال. وبعض الصورة التي رُسمت للخليفة الحاكم بأمر الله، قسوته في الأحكام، بل دمويَّته، والتناقض في قراراته.

يفنّد السيّد بحر العلوم في الجزء الثالث من كتابه «تاريخ الدولة الفاطمية» المزاعم تلك جملة وتفصيلاً، ويعيد إظهار سيرة الحاكم الحقيقية، كما كانت في الواقع، نقلاً عن عشرات المصادر والمدوّنات التاريخية: « ….أقف إزاءها بنِظرة عالية فيها من الدقة والتفكير، بالسَّير الاجتماعي الأخلاقي ما يجعلني أُكبِر هذا الرجل وأبعده عن اتهامات الكتّاب». (ص 182)

وضعت وفاة والد الحاكم، الخليفة العزيز، المبَكِّرة الفتى في موقع الخليفة وهو يافع السن لم يتجاوز الثانية عشرة من العمر. لكن الأمر لم يطُل بالفتى حتى أظهر معدنه المتميّز، فتخلّص من قادته الأقربين الفاسدين، ابن عمّار وبرجوان، المتشاحنَين المتطاحنَين على الدوام.

أمسك الشاب اليافع ذو الشخصية الجبّارة، على ما يصفه المؤلف، بناصية الخلافة لثلاثة عقود، مُصلحاً شؤون الدولة ومُندَرجاتها ودوواينها، وباعثاً لسياسة جديدة تخفف عن كاهل مواطني الدولة الأعباء الضريبية حتى الحدّ الأدنى، ومختطّاً لسياسات كانت الأكثر عدلاً، وكأفضل ما يكون عليه الإصلاح، وتكون عليه السياسات على الإطلاق، جالباً من خلالها الأمن والأمان والعدالة لأرجاء الدولة، وضارباً في الوقت نفسه بيد من حديد على أيدي الفاسدين والمحتكرين والمتّجرين بقوت الناس.

يسهب المؤلف في تفاصيل الصعوبات العملية التي واجهها شاب يدير دولة معقدة، وتضم قادةً شرسين وخلفهم قبائل وجيوش؛ لكن الشاب وعلى توقُّع أنجز ما لم يكن بالحسبان. ففي خلال ثلاث سنوات لا أكثر بدت الدولة الفاطمية في ذروة قوتها، وبدت دولة الحاكم بأمر الله، لا دولة سواه، يشرف على الصغيرة قبل الكبيرة فيها، ويتابع القضايا والمسائل الشائكة، يحضر «المجلس الوزاري»، ويكون صاحب الرأي الأخير في كيفية تدبير المملكة. ويعلّق المؤلف على ذلك:

«من الممكن أن تكون قابليته كَيفّته لأن يكون شاباً مثالياً يؤْثر العمل المُتعب، ويعاني الإجهاد المُضني في سبيل مصلحة بلاده حتى أنه أبدى نشاطاً مدهشاً في مجاله، فهو لم ينغمس في اللذة وينهمك في اللهو واللعب كما هو شأن أمثاله من الشبّان ممّن تسنّى لهم هذا المركز، وأتيحت له هذه المكانة، وإنّ حياة العبث والمجون لم تتمكن من الوصول إليه فلم نلمس عنده جانباً ليّناً وميلاً نفسياً، وإنما كان منكبّاً على عمله في تدبير دولته يواصل ليله بنهاره.» (ص 201-202)

في صفات الخليفة الفاطمي الشاب، الحاكم بأمر الله، ينقل المؤلّف عن مؤرّخين معاصرين لحقبة الحاكم الميزات غير الاعتيادية التي كانت له، في هيئته الجسدية، وفي طباعه وخصاله، كما في طبيعة الحكم الذي مارسه لنحو من ثلاثين سنة.

ينقل السيد بحر العلوم عن المؤرخ الأنطاكي (تاريخ الأنطاكي) قوله:
«وأظهر – أي الحاكم – من العدل ما لم يُسمع بمثله، ولعمري إن أهل مملكته لم يزالوا في أيامه آمنين على أموالهم… مطمئنين على نفوسهم، ولم تمتد يده قط إلى أخذ مالٍ من أحد، بل كان له جود عظيم، وعطايا جزيلة، وصلات واسعة…. وأسقط جميع الرسوم والمكوس التي جرت العادة بأخذها، وتقدم إلى كل من قبض منه شيء من العقار والأملاك بغير واجب أو في مصادرة في أيامه وأيام أبيه وجدّه أن يُطلق له ما قُبض منه.» (ص206)

ويورد عن الكاتب عبدالله عنان:
«والخلاصة أنَّ الحاكم بأمر الله لم يكن تلك الشخصية الساذجة ولا تلك العقلية المُخرِّفة التي تُقدِّمها لنا الرواة، ولم تكن أعماله وأحكامه كما صُوِّرت على كرّ العصور….وإنما كان الحاكم لغز عصره، وكان ذهناً بعيد الغَور، وافر الابتكار، وكان عقلية تسمو على مجتمعها وتتقدم عصرها بمراحل، وكان بالاختصار عبقريّة يجب أن تتبوّأ في التاريخ مكانها الحق.»(ص 209)

أمّا في سخائه وكرمه، فيكتب السيّد بحر العلوم:
«ولعل هذه الصفة العالية إحدى الخلال الرفيعة التي كان يتحلّى بها هذا الخليفة، فهو بخلاف غيره من الخلفاء لم تهشّ نفسه للمال أو يهتم لجمعه، رغم وفرته عنده ويسرته لديه. ولقد أجمعت الروايات على اختلاف نزعاتها وأهوائها على جوده وسخائه فلم يحسب له (المال) حساباً ولم يقم له أي وزن، فقد زهد بالمادة وبعُد عن بهرجتها وزينتها، وكان لدى الخزانة الخاصة بالدولة الفاطمية الشيء الغزير من التُّحف والمال والنوادر مما يدل على ثروتها الطائلة الأمر الذي ترك المؤرخين يدونون الكثير عن هذا الموضوع وتكدّس لدى الحاكم من الأموال والتحف ما يجلّ قدره ووصفه. غير أن هذا الخليفة الصلب لم يعبأ بكل هذه الثروة الطائلة، ولم يغرق بذلك البذخ المُسرف وإنما كان مثال السخاء والكرم….. «وما زال التاريخ يروي مثلاً مشاهد السنين التي شحّ فيها ماء النيل وكيف كان الحاكم يقف وسط شعبه مستجيباً لكل رجاء، دائب السعي لدفع ويلات المجاعة» (ص 210-211، الاقتباس الأخير عن دائرة المعارف الإسلامية، مجلَّد 7، ص 269-270).

هذا قليل مما أورده العلاّمة الدكتور محمّد بحر العلوم في الجزء الثالث من كتابه «تاريخ الدولة الفاطمية» من صورة الحاكم بأمر الله وخِلالِه وصفاته المضيئة، أمّا ما يَعلق بتلك الصورة من تجنٍّ فيردّه المؤلف إما لرغبة الرواة المعروفة بنسج الأساطير، أو لجهل بالوقائع، أو حتى «للعصبية (دفعتهم) للطعن بهذه الشخصية الجبّارة» (ص 215) وفي أسباب التحامل والتجني أيضاً، ينقل المؤلف عن دائرة المعارف الإسلامية قولها في الذين تأثروا بروح «التعصب» حتى «أنهم لم يقدِّروا هذه الشخصية الفذّة في نهجها، وعدُّوْه حاكماً متعطِّشاً للدماء، وبادروا فنسجوا حول شخصيته سلسلة من الأقاصيص السخيفة التي ما تزال تفتقر إلى تمحيص دقيق…. فمن البيّن أنَّ كثيراً من النظم التي سنّها واشتدّ الناس في ذمّها قد رمى بها إلى كبح جماح الفساد الذي تردّى فيه شعبه وقد ضرب لهم مثلاً رائعاً بسلوكه الذي لا تشوبه شائبة» (دائرة المعارف الإسلامية، مجلد 7، ص 269).

المعرفة بين النعمة – واللعنة

كتاب هو عبارة عن بحث معمّق يتناول فيه مؤلفه الدكتور حاتم علامة، مسألة المعرفة في تحديداتها، ومدلولاتها، في أن تكون تارة نعمةً للأفراد والمجتمعات، بسلوكيات معينة، ومفهوم إيجابي، شريطة ترجمة مدلولاتها إلى وقائع عمل فعلي، في ضوء مستوىً رشيدٍ من الوعي، يُتَقَيَّدُ به ضماناً لإدراك الأهداف الحسنة المتوخاة منه، والمُعَبَّرُ عنها بـ «النعمة» أي بالارتقاء معنوياً ومادياً إلى حالة من السعادة العامة، يتمنَّاها ويسعى إليها كُل إنسانٍ بحَسَب معطياته العقلية، ومدركاته العلمية، وذلك بنسبية ما، حيث أن المعرفة، ولا سيما إذا كانت كليةً، فوق مقدورات البشر ومقدراتهم، لأنها عندها تماثل قوانين الطبيعة غير المدركة منهم، ولكن بحسب تحديدات المؤلف علامة، وإلماحاته، فإن للمعرفة وجهاً آخر غير وجهها الإيجابي، ويمكن أن ينحو نحو السلبية بالمعنى المطلق، ويصير من شدته «لعنة» أي وبالاً على المجتمعات والأفراد، كما هو صائر اليوم في العالم بمعظمه. وربما يريد المؤلف في كتابه أن يقول: إن للمعرفة وجهين، سلبي وإيجابي، وهذا يتوقف على حسن استعمالها… إنه تعليل منطقي، في ضوء ما يحصل على كوكبنا من نزاعات وحروب وجرائم، وعنف، واضطهاد غير مبررة بمقاييس الحرية، وحقوق الإنسان، ناهيك بالعدالة التي لو اعتمدت حقيقةً، لوفرت على البشرية عذاباتها ومآسيها ووطدت السلام. الدكتور علامة في كتابه القيِّم هذا يرى أن أزمة العصر بوجوهها المعقدة، وربما أزمات كل العصور السابقة التي لم يُتَوَصَّل إلى حلها حتى اليوم، هي مرجحة للاستمرار، بغياب الوعي التام واستفحال الأنانية، سواءٌ أكانت فرديةً أو جماعية.

إذن المسألة هي مسألة وعي لا غير، وكيف نأتي بالوعي الجماعي بعيداً من المعرفة، ومن ثم العلم، الذي مصدرُهُ العقل والعقلانية وهذا «أرسطو» الفليسوف اليوناني العظيم، نقلاً عنه، يورد المؤلف مقولة أن «الجاهل يؤكد، والعالم يشك، والعاقل يتروى».

وبمثل ذلك يتحدث «نيتشه» الفيلسوف الألماني، عن المعرفة فيرى مثلاً أنّ القناعات الراسخة أكثر خطورةً على الحقيقة من الأكاذيب» فالجزم بالحقيقة من أيٍّ كان يجب أن يُتَحفَّظ عليه في ضوء المعرفة التي تنمو وتتكاثر، وتتحول من حال إلى حال، أو من اقتناع إلى ضدّه. هذا الكتاب المهم الذي يبلغ عدد صفحاته قرابة 170 صفحة، جعله الدكتور علامة من ثلاثة فصول، وخاتمة.

ضمَّنَ الفصل الأول، بحثاً في «الكورونا»، قسَّمَهُ إلى أربعة مقالات اجتهادية فكرية، رأى في الأولى أن مع الكورونا، الحدث العالمي المفاجئ ينبغي كتابة تاريخ جديد. وفي الثانية ضرورة وضع معيارية كونية جديدة، ويتساءل في الثالثة، العالم إلى أين؟ وفي المقالة الرابعة، لا يتردد في الجزم في أن الكورونا فاتحة قيامة شاملة. وفي الفصل الثاني يتطرق إلى موضوع أساسي في حياة البشرية قاطبةً، وهو الأخلاق، والثقافة. والمعنى بين المحمول المعرفي وتشفير اللعنة. فيجعل السؤال الأخلاقي بين بصمة التميز، والترانسفير المعرفي، وثانياً الأخلاقي – الديني بين احتكار النجاة والسمو المعرفي، وثالثاً: أسئلة المعنى في منظومة قيمية متهاوية. ورابعاً المعرفة بين المركب الثقافي والأنتروبولوجيا الثقافية، وفي الفصل الثالث: يناقش النظام المعرفي بين صناعة العصر، ومشاكسة اللعنة، فيتبين مستنتجاً المعرفة بين فلسفة الحقيقة، وعقلنة الوعي، وبين معرفة المعرفة، وعقلنة الوعي. والعلم والمعرفة، الفكر والتفكير النقدي، إلى أن يصل بالاستنتاج إلى التحدي المعرفي بين لعنة المعرفة، والمعرفة المحرمة.

إنْ هذا إلا عجالة منا لكتاب يشكل إضافة ثقافية وعلمية يحتمل الكثير من التبسط والتوسع في عميق معانيه الذاهبة مذهب الإنقاذ والإصلاح في زمن التصحر الفكري أو قُلْ في زمن المعرفة اللعنة…

مع المؤلف نقول: «لا أفكار قبلية لحقيقة عاصفة، واستحضار لفكر نقدي عبر التاريخ، نتشاركُهُ مع العقول النيرة، والوعي المتوهج، عصفاً بيقينات بالية، وأوهام وخرافات.

جسدٌ لا يَشيخ وعقلٌ لا يَحُدُّه زمن

عنوانُ كتابٍ، هو عبارة عن بحث علمي، لمؤلّفه الدكتور Deepak Chopra، نقله إلى العربية، الأستاذ رجا أبو شقرا. احتلّ مرتبة الكتاب الأوسع انتشاراً (best seller). والذي بيع منه حَوَالي مليوني نسخة في أميركا. إلى شموليته، تضمن مواضيع علمية وفلسفية، تسبر غور العلاقة المتكاملة بين مادية الجسد، وسرمدية العقل، وأنَّ بالإدراك الشامل يتحرّر الإنسان من (تعويذة) الفناء، وأن الموت ليس النهاية المطلقة للحياة، بل تكملة لمسيرة الذات في الكينونة اللّامحدودة، وملامسة ذلك الإدراك الذي لا يحده زمن، حيث يتلاقى الموت والحياة، في وحدة لا فناء فيها، بل استمرار وخلود في رحاب العقل الأول. يقول المؤلف في سياق هذا البحث: إنّ الموت والولادة كما يدركهما معظم الناس هما حدثان متعلقان بالمكان والزمان، ولكن الوجود بمعناه الأساسي ليس كذلك، فالذاكرة، إذا أمعنا النظر فيها تفيدنا بأننا كنا دائماً موجودين، ولا أحد يتذكر غير ذلك. ويُبرِز الكتاب، أنّ أبحاث العلماء خلال السنوات القليلة الماضية أكدت أن الهرم والشيخوخة ومن ثم الموت ليست كما يمليها علينا المجتمع، حتميةً لا مناص منها، بل خاضعة لطاقة يستخدمها العقل بتأثيره في أوضاع الجسد وتغيير مساره من خلال حريةٍ وطاقةٍ تمكّنان هذا العقل من برمجة خلاياه وتوجيهها كما يريد، ويؤكد المؤلف أيضاً أن أجسادنا والعالم المادي من حولنا ليست إلا انعكاساً لما تعيه عقولنا في هذا الكون، فالعالم موجود، ونحن موجودون فيه، لأن تفكيرنا يدرك هذا الوجود، والعقل والجسد هما من مصدر خلاَّق واحد يسمى الحياة.

لذلك أيُّ تفاعل كيماوي في أجسادنا هو نتيجة للنشاطين العقلي والفكري اللذين نقوم بهما، لأن المعتقدات والآراء والانفعالات هي التي تُحدثُ هذا التفاعل الذي يزود كل خلية من خلايانا بالحيوية والنشاط، فالخلايا الهرمة في الجسم هي خلايا أخفق الوعي الفكري في أن يبقيها حيَّةً، فثمة دوافع ذكية تُحدثُ في أجسامنا تغييرات جديدة في كل لحظة، وما نحن في مجمل كياننا إلاَّ نتيجةً لتلك الدوافع والتغيرات، فإذا استطعنا أن نغير نمط تلك الدوافع في ضوء العقلانية والحكمة لتوصلنا إلى التغيير المفيد في نفوسنا وأجسادنا، فبالرغم من اختلاف بني البشر بعضهم عن بعض، هناك أنماط من الذكاء تجمعهم تحت مظلة واحدة، كون أجسادنا تتألف من أجزاء جسد كوني متكامل، وكذلك عقولنا هي أجزاء من عقل كوني مطلق هو الخلود نفسه.

تقسيم الزمن إلى أجزاء

قَسَّمَ بنو البشر الزمن إلى أجزاء أسموها (ثواني ودقائق، وساعات، وأياماً وأشهراً وسنين إلخ…) كانعكاس لمفهوم التغيير في مجتمعاتهم، فالزمن كما جاء في الكتاب، غير قابل للتجزئة، في إطار إدراكنا المطلق له، والتحرر من قيود الماضي، والحاضر والمستقبل، إذ تبقى (فيزيولوجية) البقاء السؤال الكبير ونجد استتباعاً في الكتاب أنّ المعرفة لدى البشر، هي حقيقة راهنة، تزداد باطراد مذهل، ينتج منها الارتفاع الكبير في متوسط أعمار الناس.

ويلفتنا الكاتب هنا، إلى ربط آرائه بنظرية «أنشتين» وغيرها من العلماء، وسرد تلك الحقائق على ضوء نظرية Quantum Physics التي تشكل قدراً مستقلاً عن الطاقة دون الذرة في حجمه، وأكدوا أن النظرة إلى العالم المادي من حولنا، هي نظرة غير دقيقة، وتختلف من إنسان إلى آخر، فإذا أخذنا بهذه الحقيقة على ضوء Quantum theory التي تعتبر في مضمونها أن الكائنات والكون من حولنا هي طاقة كهرومغناطسية، تتألف من جزئيات غير منظورة تسير بسرعة الضوء، وليس لها حجم، يصبح التقدم في السن، كما نفهمه مختلفاً تماماً، نظراً إلى طغيان الحواس الخمس على تفكيرنا.

نظرية أنشتين وزملائه

أنشتين وزملاؤه سلّطوا الضوء على نوع من الإدراك، هو أن الزمن ليس له بداية أو نهاية، وكذلك المكان ليس له أبعاد مجسَّمة، أي أن كل جزء مجسم في الكون ليس إلا حزمةً غير منظورة من الطاقة، تتذبذب في فراغ عظيم، النظرية القديمة بالنسبة إلى المكان والزمان حلّ محلها متسع غير محدد، «بزمان أو مكان» وهو دائم التغير. فـ Quantum physics ليس مفصولاً عنا، إنه نحن، وكما تتكون النجوم والمجرات، نحن بنو البشر نكون أنفسنا. جسم الإنسان ككل الأشياء في الكون يتجدد كل ثانية.

حواسنا ترينا أننا نحتل مكاناً وزماناً معينين، إنه أبعد من ذلك بكثير، إنه معجزة تمدها بالطاقة ملايين بل بلايين السنين من الذكاء كُرِّست لمراقبة التغير الدائم الذي يحدث في داخلنا، إذ إن كل خلية من خلايانا هي قطب صغير جداً، يتصل بكمبيوتر الكون غير المحدود (سبحان الله).
من هذا المنظور يصبح الإنسان قادراً على المحافظة على حصانته الجسدية، وتأخير شيخوخته. يولد الإنسان حيث تكون كل خلية من خلاياه التي تبلغ ألف بليون خلية خالية من الشوائب، فالطاقة دون الذرة التي تتألف منها تلك الخلايا القديمة جداً، تجوب الكون منذ زمن غير محدود يتجاوز بلايين وبلايين السنين وتستمر في ما لا نهاية تغيِّر نفسها لتصبح جديدة كل لحظة!

أجسادنا بدورها تخضع لهذا النبض الخلاق، ويقدر عدد التفاعلات التي تحدث في كل خلية من خلايا أجسامنا نحو ستة آلاف بليون كل ثانية، فإذا توقفت تلك التغيرات أو بعضها أو جميعها في آنٍ معاً تحدث فوضى ينجم عنها ما يسمى الشيخوخة.

إذن الشيخوخة لا تأتي إلا إذا توقف الجسد عن النمو والتغيّر. ما يود Chopra أن يقوله، هو أن الإنسان بإدراكه وتصميمه، يمكنه أن يحول العمليات الكيميائية التي تجري داخل جسده دون وعي منه إلى عمليات واعية تستنهض طاقاته النفسية والإدراكية لتشحذ غريزة حب البقاء لديه، وتحفِّز جهازه المناعي، لمقاومة المرض والشيخوخة، ويردف Chopra بالقول:

إنّ حياتنا تنتشر في حقول شاسعة من التجارب، إذ ليس هناك حدود للطاقة والمعرفة والذكاء المتراكمة في وجودنا، والمخزونة في خلايانا يعبر عنها العقل بكماله واحتضانه معاني وحقائق جديدة تتوق دائماً إلى خلقٍ مستمرٍ. فالفراغ في قلب الذرة هو جزء من رحم الكون المفعم بالمعاني حيث نسمة الحياة لا تتوقف.

كيف نضع حداً لطغيان الحواس

ويستطرد شوبرا هنا مرة أخرى بقوله: إننا نرى الأشياء حولنا بأبعادها الثلاثة، كما تمليها علينا حواسنا الخمس وبحسب هذا الإحساس والرؤية تظهر الأرض مسطحة، وثابتة، والشمس تشرق من الشرق وتغرب في الغرب، إلخ… أنشتين بدوره أضاف: إنّ الزمان والمكان هما من صنع الحواس الخمس، نحن نرى ونلمس الأشياء بأبعادها الثلاثة، ونعيش الأحداث حسب نظام زمني متتالٍ، ولكن أنشتين وزملاءه تمكنوا من نقض هذا المفهوم ليسلطوا الضوء على إدراك جديد، وهو أن الزمن ليس له بداية أو نهاية، (كما مر معنا في هذا البحث)، وكذلك المكان ليس له أبعاد مجسمة، أي أن كل جزء مجسم في الكون ما هو إلا حزمة خيالية من الطاقة تتذبذب في فراغ عظيم.

النظرية القديمة حول الزمان والمكان دحضت

يُعْلمنا Chopra أن النظرية القديمة بالنسبة إلى الزمان والمكان دُحضت، وحل محلّها متسع لا يحده زمن، وهو دائم التغيّر. فـ Quantum physics ليس مفصولاً عنّا، إنه نحن، وكما أن الطبيعة تكون النجوم والمجرات، كذلك نحن بنو البشر، نُكوِّنُ أنفسنا. فجسم الإنسان ككل الأشياء في الكون يتجدد كل ثانية. فبالرغم من أن حواسنا ترينا بأننا نحتل جسماً في مكان وزمان معينين، إنه أبعد من ذلك بكثير، إنّه معجزة تمدها بالقوة ملايين السنين من الذكاء. وهذا الذكاء مكرَّس لمراقبة التغيير الدائم في داخلنا، فكل خلية من خلايانا هي قطب صغير جداً يتصل بكمبيوتر الكون الشاسع، إذا جاز التعبير.

الطاقة الكونية لا تتوقف عن تغيير نفسها

من هذا المنظور تصبح الشيخوخة أمراً صعب الحدوث، فلو تمكن طفل حديث الولادة من الحفاظ على حصانته الجسدية، لأمكن له أن يعيش 200 سنة! إذ إن كل خلية من خلاياه التي تبلغ حوالي 50 ترليون (ألف بليون) خلية تكون نقية كقطرة ماء خالية من الشوائب، وليس هناك أي سبب لأن تشيخ إلّا إذا اعتراها ما يعكر صفاءها ووظائفها. إن خلايا الطفل الحديث الولادة ليست خلايا جديدة، فالذرات التي تتألف منها هذه الخلايا قديمة تجوب الكون منذ بلايين السنين أو منذ زمن غير محدود.

ومن المُدهش علمياً، كما في «الكتاب» أن نعرف أن البشرة، تستبدل نفسها كل شهر، وتلافيف المعدة كل خمسة أيام، وخلايا الكبد كل ستة أسابيع، والجهاز الهضمي كل ثلاثة أشهر. تظهر هذه الأعضاء للعين المجردة ثابتة كما هي، ولكنها ليست كذلك.

ففي نهاية هذه السنة 98% من الذرات والخلايا في أجسادنا تكون قد تغيَّرت، واستبدلت بأخرى جديدة. إنّ غاية القول في هذا الكتاب العلمي المدهش في وقائعه، واكتشافاته، أنه غير قابل للاختصار في مقالة واحدة، لقيمته التي لا تقدر، معنوياً، ومادياً، إلا بقراءته كاملاً، فهو في هذا، يتأكد للإنسان منا، أنه لا يمكن أن يعرف نفسه جيداً أو يعرف الحياة أو الكون من حوله إلّا بالمعرفة… المعرفة الكلية التي لا نتوطنها إلّا بالاستجرار الفكري الدائم، فالعرفان أساس كل شيء (سبحان الله).

اللُّبنانيّون في قلب الجَحيم الاجتماعي

عند حافّة الرّصيف في أحد شوارع العاصمة بيروت، يتّكئ رجلٌ ستّينيٌّ، باحثًا عن ظلّ يقيه أشعة الشمس الحارقة، ريثما يحين دوره لتعبئة سيارته بالوقود بعد طول انتظار. ومن صيدليةٍ إلى أخرى يتنقّل أبٌ محروقٌ على دواءٍ يُضمّد وجعَ ابنه، تلاقيه والدةٌ تلهث خلف علبة دواءٍ تبلسم جراح ابنتها، ليلقيا الجواب ذاته: «مقطوع وما في بديل».

وفي المقلب الآخر، حرقةُ أمّ على طفلٍ علا صراخه طلبًا للحليب، بعد أن بات «مادةً دسمة» دخلت بازار الاحتكار والبيع بأسعارٍ خياليّة يحدّدها سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء، ليُحرَم معها مئات الأطفال والرضّع من غذائهم الوحيد.

هي تفاصيل حياةٍ يوميّة، يقاسيها اللبنانيّون منذ ما يقارب العامين، من دون أيّ أفقٍ أو انفراجاتٍ تُذكر، ناهيك عمّا خلّفته جائحة كورونا من تداعياتٍ سلبية. فمنذ أواخر العام ٢٠١٩ والأزمات تتوالى لتشدّ معها خناق اللبنانيّين، منذرةً بالأسوأ، لا سيّما بعد رفع الدعم عن أكثر من سلعةٍ حيويّة.من أزمة الدولار إلى انقطاع أدويةٍ أساسيّة ومعداتٍ وأجهزةٍ طبية وفقدان المواد الغذائية والاستهلاكية بمعظمها، مرورًا بطوابير البنزين والأفران أو ما يُعرف بـ»طوابير الذلّ» وعمليّات التهريب، كما بتعطّل خدمات الإنترنت لساعاتٍ وانقطاع الكهرباء والمازوت وما قد يترتّب عنهما من انهيارٍ في شبكة المياه، وصولًا إلى الغلاء الفاحش الذي رافق الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار والانهيار الكارثي للعملة اللبنانية.

فما كان يخطر ببال اللبنانيّين أن يتحوّل راتبهم إلى بضع ليراتٍ، بالكاد تكفي لشراء كميةٍ محدودةٍ من الطحين والأرز والسكر والملح وغيرها من المواد الغذائية الأساسية. ليراتٌ فقدت قيمتها بشكلٍ كليّ، ممّا قوّض أحلام المواطنين…

ففي عزّ الحروب والأزمات وعلى مرّ العقود والأعوام، لم يحدث أن صُنِّف لبنان ضمن الدول الأدنى أجرًا والأكثر مأساةً، بعد أن سجّل معدّلاتٍ مرتفعة من الفقر والبطالة. وطن الأرز الذي عُرف يومًا بـ «لبنان الرسالة»، لطالما كان مهد الحضارات والثقافات ونبراسًا للحقوق والحرّيات، كما مقصدًا للعِلم والاستشفاء، ووجهةً دائمة للسوّاح والمغتربين.
أمّا اليوم، فأين لبناننا؟ ما حال المسنّين والمرضى؟ كيف يقاوم آباؤنا وأمّهاتنا؟ كيف يصمد كلّ من شبابنا وشابّاتنا؟ كيف يعيش أطفالنا؟ أين نحن من حياةٍ تتعدّى غفوةً على رصيف الشارع، أو عند محطة الوقود؟ أين نحن من أمنياتٍ تتجاوز رغيف الخبز وكفاف يومنا، لتقفز بأحلامنا وطموحاتنا بما دون النجوم؟ أيُّ مستقبلٍ ينتظرنا وقلبنا يتوقّف مع كلّ دقيقةٍ وثانيةٍ، لندخل معه غرفة إنعاشٍ، معدّاتها معطّلة أو مفقودة، فتخذلنا لدى المحاولة الأولى.

يبقى الأمل بأن يصحو شعبنا يومًا على دولةٍ تقارب تطلّعاته وأهدافه، تحارب لأجل بقائه وخلاصه، تضمن له ولأبنائه مستقبلًا مشرقًا واعدًا، تكفل له منظومةً صحيّة اجتماعية متكاملة، وتضع مصلحته العليا فوق كل اعتبار. دولةٌ تكرّس جهودها لـ «سعادة المواطن»، «معالي الشعب» و»فخامة الوطن».

العدد 36-37