الخميس, نيسان 25, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, نيسان 25, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الضّحى في عُيون الرّائداتِ

الشاعرة غادة جهاد بو فخر الدين

“لمجلّة الضُّحى كلّ الشكر والتقدير لأنَّها أضاءت على موضوع حِيك في عتمة المعاناة فأشرق في النفوس، إذ إنّ كلّ نفس توّاقة إلى النور وإلى المشاركة في بناء المجتمع والوطن. أكره أن أقسّم الإنسانية “فكل إنسان يُعتبر من ذوي الاحتياجات الخاصة”، كما يقول الفنان المبدع جورج خباز. والجدير ذكره، أنّ هناك فئة من الأشخاص عاجزة جسديًا لكنّها تماثل الجميع وأحيانًا تتفوّق عليهم عقليًّا وفكريًّا، فنحن جزء لا يتجزّأ من هذا المجتمع، لنا حقوق وعلينا واجبات. وممّا لا شكّ فيه أنّ نظرتنا تجاه أنفسنا تعكس نظرة المحيط إلينا… بنا يرقى المجتمع ومعنا ينمو ويزدهر. أكرّر شكري وتقديري للجهود التي تقوم بها مجلة “الضّحى”…إلى الأمام وأتمنى لكم التوفيق”.


الشاعرة والرّوائية سوسن حسن الرمّاح

“سلم الفكر الذي خطى هذه الكلمات وأشكر الدرب الذي قادني إليكم. وإذ أنحني احترامًا لمرض جسدي، أشكر الله على هذا المرض، لقد جعلني إنسانة صادقة واضحة مع ذاتها ومع الآخرين، لا تُجَرِّح ولا تهمّش، بل تُسامح وتزرع المحبة في كلّ درب تخطو به. إنسانةٌ كافحت وواجهت أحكام المجتمع ونظرته تجاه إعاقة الحواس، غير مُدركة لما يحتويه من إعاقاتٍ نفسية وفكرية. لذلك، وبكل فخرٍ أخصّ مجلة “الضحى” بالشكر لمبادرتها إلى إلقاء الضوء على موهبةٍأشعلت شرارة الأمل وألهبت لديّ إرادة الفرح والحياة، فكان أن تعمّقتُ في بحور الأدب والشعر. ختامًا تمنياتي لكم بكل التوفيق والنجاح”.


الشاعرة والكاتبة جنان اسماعيل سعيد

“كتبتم عن أقلام الإرادة في صفحات مجلة “الضّحى”، وكان المقال قنديل الفرح لتلك الإرادة، وكان الضوء لذاك الظلام الكامن في هذا العالم… نعم إنّها رسالة “الضحى” لأنّها كُتبَتْ عن تحدّي النقص لترك بصمة في تلك القلوب علّها تحيا بالروح والرّجاء العظيم، وكتبَتْ عن شاباتٍ تضحّي بأقلام الحب والإبداع للحدّ من تلك”النظرات المعوّقة” فيغدو الإنسان كاملًا بها. شكرًا لالتفاتة مجلة “الضحى”، إنّها حقًّا صرخة من الروح منحتنا بلسمًا وقوّةً أكبر…بوركت أناملكم المبدعة ودمتم رمزًا لنبض الرسالة ونور الأمل”.


الشاعرة تغريد يوسف ضو

“رُبَّ أشخاص تجمعك بهم الصّدفة فترتقي بمعرفتهم لتجاور الأنجم… ألف شكر للقيّمين على مجلة “الضحى” الذين أوجدوا في جدار الظلمة كوّة من نور. تحيَّة من القلب لكم جميعًا”.


الفنانة التشكيلية هيفاء سليم معضاد

“كلَّ الشكر والتقدير لمجلة “الضحى” التي ألقت الضوء على مسيرتي المتواضعة، والأهم من ذلك أنّها تؤمن بإرادة المرأة اللبنانية وقدراتها…شكرًا على مواكبتي وتشجيعي ودعمي… وإلى مزيدٍ من التألُّق والتميُّز”.

الإدارة المتكاملة لآفات الزيتون

الأضرار المباشرة وغير المباشرة لآفات الزيتون
  • الثمار المصابة غير قابلة للكبيس والتخليل من جراء إصابتها بذبابة الزيتون، مرض تعفّن الثمار وعثة الزيتون.
  • الثمار غير قابلة للتسويق.
  • انخفاض كمية الثمار والزيت بسبب ضعف الأشجار لإصابتها بآفات: عين الطاووس، حفّار الساق، ذبابة الزيتون ونيرون الزيتون.
  • ضياع جزء من الانتاج بسبب تساقط الثمار على الأرض أو تلف جزء من الثمار بسبب الإصابة بذبابة وعثة الزيتون، مرض تعفّن الثمار، نيرون الزيتون.
  • انخفاض في نوعية الزيت وارتفاع درجة الحموضة ورقم البيروكسيد (التزنخ) عندما تصاب الثمار بذبابة الزيتون ومرض تعفّن الثمار أثناء القطاف إذا ما قطفت بوسائل تقليدية مثل العصا (المفراط) أو عند تجمع الثمار في الحقل او المنزل لعدة أيام وخاصة في أكياس بالإضافة الى تأخر عملية العصر في المعصرة…
  • تدهور النوعية المذاقية للزيت “سوء الطعم والرائحة.
أهم الأمراض التي تصيب الزيتون
مرض عين الطاووس
مرض عين الطاووس.
  • يسبب هذا المرض فطر Spilocea Oleaginae أو Cycloconium Oleaginae يصيب هذا المرض اصناف الزيتون الحساسة ويسبب أضراراً فادحة وخسائر كبيرة في بعض المناطق اللبنانية خاصة الرطبة منها.
  • يصيب بشكل أساسي أوراق الزيتون (الجهة العليا من الأوراق) وقد يصيب الثمار عند اشتداد الإصابة خاصة في انتشار المرض في أواخر الصيف وفصل الخريف.
  • يظهر المرض على شكل بقع دائرية على الأوراق تبدأ سوداء ثم تتحول تدريجيا مع تقدم المرض لتصبح صفراء اللون وتتساقط.
  • يعيش الفطر ويتكاثر على أوراق اشجار الزيتون لعدة أشهر وفقط عدة أيام على الأوراق المتساقطة ليدخل في مرحلة سبات.
  • الزراعة الكثيفة لأشجار الزيتون والتقليم الخاطئ لها يساعدان على انتشار المرض بوتيرة أسرع في حال توفر الماء والظروف الطبيعية الملائمة لذلك.
  • ينتقل مرض عين الطاووس بوسطة مياه الأمطار.

الإصابة
تحدث الإصابة بفطر عين الطاووس عندما تبقى الورقة مغطاة بالماء لعدة ساعات. أما درجات الحرارة المثلى لتكاثر هذا المرض هي بين 10 و25 درجة مئوية وعندما تصبح الحرارة أقل من 10 درجات وأكثر من 25 درجة تسبب توقف انتشار المرض.

الأضرار التي تحدث خلال إصابة الأشجار بمرض عين الطاووس هي:

  • تساقط الاوراق المصابة بكثافة.
  • عدم تكون براعم ونمو الازهار.
  • تساقط وتشوه الثمار.
  • ضعف عام للشجرة بحيث تتعرى من أوراقها.
  • ضعف الانتاج من ثمار وزيت.

المكافحة

يكافح الفطر الذي يسبب مرض عين الطاووس باستعمال المركبات النحاسية (الجنزارة)، حيث يتم رشّ الشجرة بشكل كامل في حالة الاصابة الخفيفة:
في فصل الربيع وبعد ظهور الطرد الحديثة (يحمي الأوراق الجديدة).
في آخر الصيف – أول الخريف لإدخال الأشجار مرحلة الراحة خلال فصل الشتاء نظيفة من المرض.

أما في حالة الإصابة الشديدة

  • ترش أشجار الزيتون في بداية فصل الربيع قبل استعادة نشاط الشجرة وتفتح براعمها (يؤدي الى سقوط الأوراق المريضة).
  • تكرّر الرشة في الربيع بعد ظهور الطرد ليتم حماية الأوراق الجديدة.
  • ويتم الرش في آخر الصيف – أول الخريف.

مرض ذبول الزيتون
مرض ذبول الزيتون.
  • فطر يدخل الى الشجرة من خلال جروح على الجذور وينتشر في الخشب، يؤدي الى انسداد الأوعية الناقلة للعصارة.
  • لون قشرة الأفرع ليلكي – بني.
  • الاصابة تظهر بشكلين من العوارض.

الاضرار

  •  ذبول ويباس الأوراق والافرع والأغصان جزئياً او كلياً، الاوراق يابسة وتبقى معلقة على الفروع لتتساقط في فصل الشتاء المقبل.
  • يباس الفروع والأغصان وفي النهاية موت الشجرة بالكامل.

الوقاية

  • عدم زراعة الخضروات بين أشجار الزيتون.
  • استخدام نصوب سليمة موثوقة ومعروفة المصدر.
  • تطهير وتعقيم معدات التقليم بعد كل استعمال.
  • الفلاحة السطحية لتهوئة التربة.
  • عدم إضافة السماد العضوي الأخضر وإضافته بعد التخمير.

مرض سل الزيتون
مرض سل الزيتون.
مرض بكتيري يسبّبه (Pseudomonas Svastanoi) يؤدي الى ظهور أورام سرطانية خشنة وغير متجانسة على الاغصان. فترة الإصابة من الخريف حتى الربيع.

الاضرار

  • ضعف عام في الشجرة والإنتاج.
  • تدهور في نوعية الزيت عند الإصابة الشديدة.

الوقاية

  • عدم استعمال العصا في القطاف تجنبا من جرح الفروع ونقل المرض الى فروع وأشجار أخرى.
  • تعقيم أدوات التقليم.
  • قطع الأفرع والاغصان تحت الاصابة بحوالي 20 سم وحرقها مباشرة .

الوقاية والمكافحة:

  • تستخدم مادة نحاسية (الجنزارة) بعد تقليم الأفرع والأغصان المصابة، وبعد كل عملية قد تؤدي الى جرح الشجرة.

أهم حشرات الزيتون

عثة الزيتون (Prays Oleae)

مَدخل/مَخرج عثة الزيتون داخل نواة حبّة الزيتون.

لعثة الزيتون ثلاثة أجيال هي: جيل الزهر، جيل الثمار، وجيل الورق.

عوارض الإصابة

  • جيل الزهر: تنسج عثة الزيتون خيوطاً على العناقيد الزهرية.
  • جيل الثمار: تتلف بذور الثمار وتؤدي الى سقوطها.
  • جيل الأوراق: عند الإصابة بعثة الزيتون الى التفاف الأوراق.

الاضرار

  • أضرار من حيث كمية الإنتاج: تؤدي الى تساقط الثمار الصغيرة خلال شهر حزيران، وتساقط الثمار الكبيرة في أيلول.
  • أضرار من حيث نوعية الإنتاج: أثناء عملية القطاف وتجميع الثمار المتساقطة والجافة فيؤدي ذلك الى تخفيض نوعية الزيتون وبالتالي تخفيض أسعاره.
  • كما تؤدي الثمار المتساقطة والجافة الى تدهور في نوعية الزيت.

الوقاية والمكافحة

  • التقليم الصحيح لتعريض الأشجار الى التهوئة والشمس.
  • مراقبة ظهور حشرة عثة الزيتون وخاصة جيل الأزهار والثمار.
  • استخدام مصائد فورمونية لتحديد أعداد فرشات العثة.
  • المكافحة البيولوجية: Bacillus Thuringiensis.

 في النهاية نلجأ الى استخدام خلطة عضوية تتكون من المقادير- لزوم 20 ليتر ماء (تنكة):

  1. راحتان من رماد الحطب توضع في وعاء من الماء ويضاف إليها القليل من برش صابون الزيت البلدي ثم تحرك لعدة مرات حتى تصبح مثل الصفوة.
  2. في اليوم الثاني موعد الرش: يضاف الى محلول الرماد والصابون عصير قبضة من الصعتر والخزامة والقصعين ونوع واحد من النعناع أو حوالي 70 غرام من مقطرات هذه الأنواع.
  3. فليفلة حارة: عصير فليفلة حارة 100 غرام أو نقيع الحار.
  4. خل: 70 غرام من خل التفاح البلدي..
  5. في حال وجود أمراض فطرية أو بكتيرية، يستحسن إضافة 60 غرام جنزارة و50 غرام كبريت مكروني على ان لا تزيد درجات الحرارة على 30 درجة.
  6. تخلط جميعها وتصفى جيدا وتعبأ في المرشة وترش مباشرة.

أضرار حشرة نيرون الزيتون.

نيرون الزيتون  (Phloeotribus Scarabaeoides)

تحدث الإصابة بحشرة نيرون الزيتون في مرحلتين الأولى من منتصف شهر شباط حتى أواخر شهر ايار حسب الارتفاع عن سطح البحر، والثانية خلال شهري أيلول وتشرين الأول. يهاجم نيرون الزيتون الأشجار الضعيفة والمريضة التي تصبح قليلة الرطوبة وتميل الى الجفاف.

أعراض الإصابة

ثقوب على قاعدة الفروع المنتجة وتؤدي الى خروج نشارة الخشب، أما في حالة الإصابة الشديدة تنتقل الى الأغصان ثم الى كل أجزاء الشجرة فوق سطح الأرض وبالتالي يؤدي ذلك الى يبسها.

أضرار النيرون على نوعية الثمار

  • جفاف بعض الثمار
  • تدهور في النوعية المذاقية للزيت

الوقاية والمكافحة

  • في مرحلة التقليم (أواخر فصل الشتاء وأوائل الربيع) أوعند ظهور الإصابة.
  • التقليم الجيد للأشجار وترك الأغصان المقطوعة في الحقل لتجف قليلا وتصبح المرغوبة من حشرة النيرون.
  • نقلها خارجاً أو حرقها بعد فترة من الوقت او عند ظهور أثار الحشرات.

ذبابة الزيتون (Bactrocera Oleae)

ذبابة الزيتون.
  • لها عدّة أجيال في السنة تصل الى خمسة حسب الظروف المناخية.
  • تقضي فصل الشتاء بطَور العذراء في التربة.
  • تنشط في بداية الصيف بعد خروج أعداد كبيرة من الحشرات الكاملة.
  • تضع الإناث البيض داخل نسيج الثمرة بوساطة آلة وضع البيض.
  • تفقس البيوض وتتغذى على لب الثمرة.

دورة الحياة

  • تسقط اليرقات بعد اكتمال نموّها إلى التربة وتتحوّل إلى عذارى. يفقس البيض بعد (2 – 15) يوم وذلك حسب الظروف البيئية وتتوقف عن وضع البيض إذا قلت الحرارة عن 10 درجات مئوية.
  • اليرقات: يكتمل نموها بعد 10 أيام وحتى 4 أسابيع حسب الظروف المناخية فتطول شتاءً وتقل صيفاً. ثم تتحوّل الى خادرة (شرنقة) في التربة على عمق (2 – 5) سم ويكتمل نموها بعد (8 – 30) يوماً حسب الظروف البيئية. الحرارة المثلى لهذه الذبابة وتكاثرها هي بين (10 و25) درجة مئوية. تتواجد الحشرة طوال العام لأن برد الشتاء غير كاف للقضاء عليها.
  • تكون فترة الاصابة من حزيران حتى نهاية الموسم، تتكاثر اثناء الجو المعتدل وتتوقف عن وضع البيض في المناطق التي تزيد فيها الحرارة على 30 درجة. تبدأ بإصابة الثمار بعد ان تصبح بذرة الزيتون خشبية. كل انثى تضع حوالي 200 بيضة. تبدأ الإناث بوضع البيض بعد (4-5) أيام من خروجها من التربة.

أضرار ذبابة الزيتون

  • ثمار زيتون المائدة غير صالحة للتخليل أو الكبيس
  • التسبب بالإصابة بأمراض وحشرات أخرى
  • نقص في كمية الثمار المنتجة
  • نقص في كمية الزيت في الثمار
  • تدهور في النوعية المذاقية – الحسية للزيت
  • ارتفاع في درجة الحموضة ورقم البيروكسيد (التزنخ)

المكافحة البيولوجية

مصائد غذائية جاذبة يوضع فيها مواد جاذبة تتغذى عليها الذبابة. المواد هي التالية:

  • هيدروليزات البروتيين يخلط مع الماء بنسبة 5%.
  • كربونات الأمونيوم.
  • سردين يخلط أيضا مع الماء بنسبة كل علبة سردين الى نصف ليتر من الماء وتوزع على ثلاث الى أربع مصائد.

الاجراءات الوقائية
يمكن التقليل من أضرار هذه الحشرة باتباع ما يلي:

  • الاهتمام بالتقليم المناسب والصحيح لكل شجرة، يحد من إصابتها بالآفات.
  • إزالة الحشائش الضارة والتي تمثل ملجأ جيداً للآفات.
  • تجنب وضع أسمدة حيوانية خضراء ونفايات عضوية رطبة لأن رائحتها الكريهة تجذب الذباب.
  • حراثة الأرض يؤدي الى ظهور الشرانق والتهامها من قبل بعض الحشرات والطيور والحيوانات.

اعتناقُ التَّميّزِ

عندما ننظر بتمعُّن شديد وعبر مراجعة استراتيجيّة لواقع منظّماتنا العربية تحديداً، نجد أنّنا بحاجة لعملية استراتيجية متكاملة من عملية المراجعة الدقيقة للظروف التي توقف عملية التوجّه المتسارع؛ ليس فحسب لمواكبة التطوّرات العالميّة في العلوم والمعارف والنهضة، بل والمنافسة في تلك العملية وصولاً للرّيادة والتّتويج الحضاري.

إنّ من أبرز سمات التطوّرات الرّاهنة الحالية هي تنامي التطورات في المعارف الإنسانيّة، وما ترتب على ذلك من تبنّي ثقافة التغيير المستمر في أساليب أداء الأعمال، لمواجهة الطموحات المتنامية للمؤسسات بأعلى درجات ومعايير الجَوْدة الشاملة، الأمر الذي يستوجب على قيادة المؤسسات العربية أن تقوم بعمليات سريعة من أجل التحليل والتطوير المستمر، وإعادة هندسة نُظُم الأعمال القائمة ونماذجها، إضافة للتنمية المستمرة للموارد البشرية، لمواجهة عمليات التّحسين والتطوير والتكيف مع التحديات الواقعة، ولن يتأتّى ذلك إلا بالتوجّه نحو التميُّز كأسلوب حياة. وهكذا نجد أنّ اعتناق التميُّز ضرورة من ضرورات التطوير الإداري في مؤسساتنا العربية لرفع مستويات الأداء والكفاءة من خلال توافر مقومات عدّة أهمّها توافر الخطط الاستراتيجية، ووجود منظومة متكاملة من السياسات التي تحكم وتنظّم عمل مؤسّساتنا، واعتماد المرونة، والعمل وفق نظام متطوّر للجَوْدة، نظام متطوّر لتنمية الموارد البشرية.
إن تَبنّي التميُّز كأسلوب حياة هو بمثابة منارة الخلاص من كلّ الأزمات والأمراض التي تعصف بمنظّماتنا العربية، لنصل إلى مرحلة النهوض الحقيقية وتخطي الصعوبات وإحداث تفوّق وتطوير في الأداء للوصول إلى القدرة على البقاء والمنافسة في بيئة تتحول فيها الأساليب والاستراتيجيّات وتتطوّر التكنولوجيا وتتغيّر فيها العمليات بسرعة.

عندما ترتقي الأمم وتعتلي منصّات التّتويج الحضاري في مختلف ميادين الحياة؛ نعرف جيداً لحظتها أنّ هناك منظومة عمل متكاملة، أسّست لهذا التميّز كأسلوب حياة، وبذلت جُهداً نوعيّاً احترافيّاً في ميادين العلوم المختلفة وعبر عمل متواصل وجهد مخطّط دقيق. إننا نقصد باعتناق التميّز كأسلوب حياة في المؤسّسات العربيّة هو الوصول لحالة من التفرّد والتفوّق في مجال العمل وظهوره بالصّورة التي تميّز المنظمة وتُبرزها وتُعلي شأنها بالنسبة للمنظّمات الأخرى، وهذا الأمر يحتاج إلى توافر مقوّمات رئيسيّة ضمن هذه العملية الهامّة، حيث إنّ وجود تنظيم فعّال تسوده روح الفريق، والابتكار، والمبادأة، والمنافسة بحيث يشعر كل فرد من الأفراد العاملين بأنّ المنظّمة مُلكًا له. إنّ هذا الشعور يدفع العاملين إلى بذل طاقاتهم وجهودهم كافة وإعطاء كلَّ ما لديهم من أجل تميُّز المؤسّسات وتفوّقها.

إنّ هذا المنظور الشامل يجب أن يدفع مؤسّساتنا العربيّة إلى الارتقاء بمستوى أدائها لتمكينها من مواكبة التطورات المتلاحقة، وتعزيز قدراتها على تطبيق مفاهيم إدارية حديثة تشجع روح الإبداع وإطلاق المَلَكات والقُدرات لبناء ودعم استراتيجية التميّز كأسلوب ومنهج حياة متكامل، حتى يتم إحداث نقلة نوعيّة وحقيقيّة في مستوى أداء تلك المنظمات، من خلال توفير حافز معنوي وظروف عمل تشجّع التعاون البنّاء وروح المنافسة الإيجابيّة في القطاعات المختلفة، ونشر مفاهيم التميّز والإبداع في مختلف النواحي والجوانب، وتحسين الإنتاجية ورفع الكفاءة وترشيد الإنفاق وتقديم خدمات عالية المستوى. عبر هذه الرّؤية تتّجه مؤسساتنا العربية إلى السير على خُطى الرّيادة والمنافسة والنهضة وصولاً إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية عبر فضاءات التميّز والإبداع، كذلك سعيها إلى استكشاف الطاقات الإبداعية، ودعم الأفكار والمشاريع الخلاّقة، وتكريم المتميّزين، وإبراز النماذج المُشَرّفة، ما من شأنه تعميم الفائدة ونشر ثقافة التميّز كأسلوب حياة.

إنّ تبنّي فلسفة التميّز كأسلوب حياة هو استجابة منطقيّة للعديد من التغيّرات الاجتماعية والثقافية والسياسيّة والاقتصاديّة والتقنيّة والتي فرضتها التحدّيات الداخليّة والخارجيّة للواقع المعاصر، حتى يتمّ تعزيز القدرات التنافسيّة ومواكبة المستجدّات والتطوّرات العالميّة في القيادة والتخطيط وتحسين جَوْدة الخدمات والموارد البشريّة، إنّه الاختيار المهمُّ الذي لا بدَّ منه لمواجهة تحدّيات البيئة الرّاهنة.

البلاستيك يغزو الأمعاء

 

إعلان توعوي للحدّ من استخدام البلاستك.

وجدت دراسة جديدة أنّنا نلتهم جميعاً نحو 73 ألف قطعة صغيرة من البلاستك كل عام، من خلال طعامنا وشرابنا، ويدخل البلاستيك عن غير قصد الفم والأمعاء والفضلات، حيث وجد الباحثون أنّ المياه المعبّأة في زجاجات يمكن أن تكون واحدة من أكبر مصادر الجُسيمات المجهرية، التي قد تعرض صحّتنا للخطر.

كما يوجد الكثير من المواد البلاستيكية الدقيقة في الحياة البحرية، التي تبتلع القمامة الملقاة في البحر قبل أن تشقّ طريقها إلى أطباقنا المفضلة.

وفي المتوسط، وَجدت الدراسة أنّ هناك 20 قطعة من البلاستيك المجهري لكل 10 غ من البراز البشري. وعُثر على البلاستيك في كلِّ عيّنة من البراز البشري، مأخوذة من المشاركين حول العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة.
وقال كبير الباحثين الدكتور، فيليب شوبيل، من جامعة فيينا الطبيّة في النّمسا إنّ «هذه أوّل دراسة من نوعها تؤكد اعتقادنا منذ فترة طويلة، بأنّ المواد البلاستيكية تصل في نهاية المطاف إلى الأمعاء البشرية».

وتشمل المواد البلاستيكية الدقيقة نفايات البلاستيك، والألياف الصناعية، والخرز الموجودة في منتجات النظافة الشخصية. وما يزال الخطر على الأشخاص غير معروف، في حين انتشرت مخاوف من إمكانية تراكم المواد الكيماوية السامّة ودخولها مجرى الدم. واكتشف فريق البحث 7 أشكال من أنواع البلاستيك، ما يشير إلى وجود العديد من مصادر التلوّث المختلفة.

الهواءُ الملوّثُ وخطرُه على صحّة الدّماغ

الدّراسة التي نُشرت حديثاً في النّسخة الإلكترونية لمجلة Epidemiology وفي صفحة ديلي ميل البريطانية في 26 من آب الماضي أدّت إلى دعَوات لاتّخاذ إجراءات صارمة تتعلّق بتنقية الهواء، بعد أن ثبت أنّ التلوّث يمكن أن يؤثّر على السّلوك، وليس فقط على الصّحة البدنيّة. ووفقاً للدراسة فقد وجد العلماء، عقب إجراء دراسة ضخمة امتدّت 13 عاماً وتضمّنت بيانات 86 مليون شخص في 301 مقاطعة في كل أنحاء الولايات المتّحدة، شملت المناطق الحضَريّة والريفيّة أنَّه كلَّما كان الهواء أكثر تلوّثاً، يتم ارتكاب جريمة أشدّ عنفاً.

صحّة الدماغ في خطر.

وكتب فريق البحث من كلّية الصحّة العامّة في جامعة مينيسوتا وجامعة ولاية كولورادو، يقول وجدنا أنّ جرائم العنف تزداد بنسبة 1.17% لكل 10 ميكرو غرامات في المتر المكعب زيادة في الجسيمات الدقيقة اليوميّة، و0.59% لكل زيادة قدرها 10 أجزاء لكلّ مليار، في
الأوزون اليوميّ.

وارتفعت جرائم العنف عندما كان الهواء أكثر تلوّثاً في المناطق الفقيرة والغنية، وأشار إلى أنّ الدراسات السابقة التي أُجريت على الفئران والكلاب وجدت أنّ الحيوانات المعرّضة لمستويات عالية من الجُسيمات الدقيقة الموجودة في أبخرة الديزل، تُظهر زيادة في العدوانية والتحيُّز، كما قد يؤدّي تعرّض الإنسان لتلوّث الهواء إلى زيادة القلق، الأمر الذي قد يؤدّي إلى سلوك إجرامي وغير أخلاقي.

وتُظهر بيانات منظمة الصحة العالمية التي أعلنت عنها في 2 ايار 2018 أنّ تسعة من أصل عشرة أشخاص يتنفّسون هواءً يحتوي على مستويات عالية من الملوِّثات، وعن خسائر بالأرواح تبلغ 7 ملايين شخص سنويًّا بسبب تلوّث الهواء الخارجي وتلوث الهواء المنزلي.
أمّا محليًّا فليس خافياً على الخبراء البيئيين تلوّث هواء بيروت وجبل لبنان وجونية والمناطق المحيطة بها بنسب عالية من الأوزون (O3) وثاني أوكسيد النيتروجين (NO2)، والجسيمات الدقيقة (5.PM2) و(PM10) والمكوّنات العضوية المتطايرة COV، وثاني أوكسيد الكبريت (SO2)، وبعضها وصل إلى حد خطير نتيجة التلوث الصادر عن قطاع النقل بالدرجة الأولى، ومحطات توليد الطاقة، ومولّدات الكهرباء الخاصة المنتشرة بين الأحياء، وانبعاثات المصانع وحرق النفايات.

وتفيد نتائج بحوث علميّة صادرة عن الجامعة اليسوعية في بيروت في تموز 2019 أنّ 96 بالمئة من سكان بيروت وضواحيها معرّضون لحوالي 250 يزما من التلوث سنويًّا، ويستنشقون حوالي 40 ميكروغراماً من الغازات الملوثة في المتر المكعب الواحد من الهواء على مدار السنة، ويقول ماهر عبّود رئيس قسم البيئة في الجامعة: بيروت معرّضة لملوثات كثاني أوكسيد النيتروجين الذي يتخطّى النّسب المسموح بها من منظمة الصحة العالمية والأخطر ما في الملوثات هو الغبار المتطاير والذي يتخطّى بحسب دراساتنا هذه النّسب بـ 150 إلى 300 في المئة». وتشترك بيروت مع مدن عربية كثيرة في غياب التخطيط لِلْحَدِّ من تلوث الهواء وتنفرد بغياب أوتوبيسات النّقل العام وميترو الأنفاق، ويدخل إلى بيروت نحو نصف مليون سيارة يوميا تزيد من تلوثها. وفي السّياق عينه أثبتت دراسات أنَّ التعرض لبعض الملوثات قد يسبب التهاباً في الدماغ ويتلف الخلايا العصبية. هذه الملوثات قد تتلف الفَصَّ الجبهيّ الأماميّ، وهذه المنطقة من الدّماغ هي المسؤولة عن التحكّم في دوافعنا وسلوكيّاتنا وقدرتنا على اتّخاذ القرار وضبط النفس.

أهميّة الفطر

أفادت دراسة يابانية جديدة، أنَّ تناول الفطر 3 مرات في الأسبوع يقلِّل من احتمال إصابة الرجال بسرطان البروستات. وفي حين أنّها لم تقدم آلية واضحة، إلّا أنَّ إحدى النظريات تقول إنَّ الفطر يحتوي على مركبات تكبت هرمون الذكورة، الذي يعزّز نموَّ سرطان البروستات. واثبت الباحثون قوّة الفطر في مكافحة السّرطان، من خلال دراسة حالة أكثر من 36 ألف رجل، تراوحت أعمارهم بين 40 و79 عاماً على مدار 13 عاماً. وقالوا إنَّ تناول الفطر مرّة أو مرّتين في الأسبوع قلّل من خطر الإصابة بالمرض بنسبة 8 في المئة، ولكن الذين تناولوه 3 مرات في الأسبوع، شهدوا انخفاضا بنسبة 17 في المئة. وكان التأثير واضحاً بشكل خاص لدى الرجال البالغين 50 عاماً أو أكثر. وأفادت المُعِدَّة الرئيسة للدراسة وطالبة الدكتوراه في كُلّية الصحّة العامة في جامعة توهوكو في اليابان. شو تشانغ، أنَّ «المشاركين الذين تناولوا الفطر يميلون إلى أن يكونوا أكبر سنًّا، ويقضون وقتاً أكبر في المشي، ويستهلكون كمية أكبر من اللحوم والخضار والفاكهة ومنتجات الألبان، كما كانوا أقل عرضة للتدخين» وأضافت إنَّ آلية التأثيرات المفيدة للفطر على سرطان البروستات، لا تزال غير واضحة.

مقاومة دروز فلسطين لقانونُ الجنسيَّة الإسرائيلي

ممّا لا شك فيه، أنّ دولة الاحتلال الصهيوني التي قامت على أرض فلسطين العربية عام 1948، كانت بمثابة كيان استعماريّ استيطانيّ توسّعيّ عنصريّ، وبالطّبع، إنَّ كلّ كيان قام على هذا الأساس سيفرز قوانين ذات طابع عنصريّ، بل تنضح بالعنصرية. حيث إنّ أيّة دولة قامت على الجثث والمجازر والدماء، فإنّها لا تعرف السَّلْمِ والسّلام، ومستحيل أن يكون لهما وجود في قاموسها الإجرامي. ولم يكن «قانون الجنسيّة الإسرائيلي» إلّا أحد هذه القوانين التي أفرزها وجود هذه الدولة في وطننا العربي، وفوق بقعة غالية من أرضه، هي فلسطين. (وهكذا هو حال «قانون القومية اليهوديّة» الابن…). فكيف وُلِد هذا القانون (قانون الجنسيّة الإسرائيلي)؟ وما هي طبيعته؟ وما أبرز التعديلات التي أُدخلت عليه؟ وماذا عن موقع العرب الفلسطينيين فيه، لا سيّما موقع أبناء طائفة الموحّدين الدروز في فلسطين وفي هضبة الجولان السورية المحتلّة؟ وكيف تمّت مواجهته ومقاومته ولا تزال عبر الوسائل والطرق المختلفة؟

ولادة قانون الجنسيّة الإسرائيلي: لمحة تاريخيّة

قانون الجنسية لأيَّة دَوْلة هو التشريع الذي ينظّم العنصر السكّاني فيها وفقاً للمبادئ والسياسات الأيديولوجية لتلك الدّولة. وقانون الجنسيّة الإسرائيلي لا يخرج عن هذه القاعدة. وإذا كان التّعريف الرّسمي (لدولة إسرائيل) أنها «دولة الشّعب اليهودي»، فإنَّ قانون الجنسيّة الإسرائيلي جاء ليؤكّد «يهوديّة» العنصر السكّاني للدولة، وبالتالي يحافظ على صفة الدولة كدولة يهوديّة. هذا هو الأساس الأيديولوجيّ لتشريع الجنسية الإسرائيلي.

وقد قدّم وزير الداخلية الإسرائيلي مشروع قانون الجنسية الإسرائيلي إلى الكنيست الأوّل في 3/7/1950. ولكنّ تأجّل البتّ في أمره بسبب حلّ الكنيست. وحين قُدِّم المشروع ثانية إلى الكنيست الثاني في تموز 1951. قام دافيد بن غوريون، رئيس الوزراء، بشرح النقاط الرّئيسة للمشروع الذي اعتبره مكمّلاً لقانون العودة، وبيّن: «أنَّ هذين القانونين معاً هما العهد الذي وَعَدنا به كل يهودي في المنفى…، وأنَّ إسرائيل ليست دولة يهوديَّة فقط، لأنَّ أغلبية السكّان من اليهود، ولكنّها دولة لجميع اليهود حيثما وُجدوا، ولكلّ يهودي يرغب في المجيء إلى هنا… إنَّ هذا الحق موروث لليهودي لمجرّد كونه يهوديّاً». وأكَّد بن غوريون أنَّ (إسرائيل) لم «تُنشئ» لليهود حقّاً بالعودة إليها، ولكنها، «تُعلنه» فقط، إذ إنَّ هذا «الحق سابق لدولة إسرائيل».

أقرّت الكنيست مشروع القانون بأغلبية 43 صوتاً ضد 17، وكان ذلك في أوّل نيسان 1952، وأصبح القانون نافذ المفعول في 14/7/1952. يتّصف قانون الجنسيّة الإسرائيلي بصفتين رئيستين هما: ازدواج الجنسيّة، والصّفة العنصريّة.

وبعد قيام (دولة إسرائيل) اتَّخذ مبدأ وحدة «الشعب اليهودي» بُعْداً سياسيّاً وقانونياً أكثر وضوحاً، ولكنّه في الوقت نفسه أشد ازدواجية. أَعلنت الوكالة اليهودية (إسرائيل) عام 1948 دولة لجميع اليهود وليست فقط لليهود الذين يقطنون فيها. وتأكّد هذا الشعار السياسي في سَنِّ قانون العودة عام 1950 الذي أعطى لكلّ يهودي الحقّ في «العودة» إلى (إسرائيل)، دافيد بن غوريون، قال: «حين نقول أُمّة يهودية واحدة فإنّه يجب علينا ألّا نهمل حقيقة أنّ هذه الأمة اليهودية موزّعة في جميع أقطار العالم، وأنّ اليهود الذين يعيشون في الخارج هم مواطنون في الدّول التي يعيشون فيها… أمّا نحن، أولئك الذين انتهت هذه الازدواجية بالنسبة لهم وأصبحوا

مقيمين في دولة إسرائيل… فإنَّه يجب علينا ألّا نهمل وضع هؤلاء اليهود الذين ليسوا بيننا». وبرغم هذه السياسات المُعلَنة على وحدة «الشعب اليهودي»، وعلى «إنهاء الازدواجية» بالهجرة إلى (دولة إسرائيل) جاء تشريع الجنسية الإسرائيلي لعام 1952 مشجّعاً لهذه الازدواجية. في ضوء ذلك نتساءل: لماذا جاءت طبيعة هذا القانون عنصريّة فاقعة؟ وما أبرز التعديلات التي أُدخلت عليه، وهل طالت الطبيعة العنصريّة له أم زادتها حِدّة ووقاحة؟

من هنا نستطيع القول: إنّ دولة تتّخذ شعاراً لها: «اليهود شعب الله المختار»، لا يمكن بأيَّة حال من الأحوال أن تتعاطى مع «الآخرين» باللِّين والحُسنى والديمقراطيّة، مهما أطلقت من شعارات ديمقراطية، ومهما ادّعت أنها تمثّل «واحة ديمقراطية» في هذا الشرق. إذ إنّ إطلاق الشّعارات شيء، وتطبيقها على أرض الواقع شيء آخر. فكيف بالأحرى إذا كان الشعار التاريخي لهذه الدولة، مدعوماً بقانون يتّخذ صفة «الشرعيّة»؟ سيكون التمييز العنصري هو الجوهر والأساس فيه ولا شك، ولا شيء غير ذلك. فكيف تتجلّى صفة العنصريّة في قانون الجنسيّة الإسرائيلي؟

ينصّ القانون على منح الجنسية الإسرائيلية للمقيمين من غير اليهود الذين كانوا مواطنين فلسطينيين ومسجّلين بموجب مرسوم تسجيل السكّان الصادر عام 1949. قال أحد النواب، أثناء مناقشة المشروع في الكنيست، إنّه لو تم تطبيق هذه الشروط لما حصل إلّا 10% من العرب الموجودين في (إسرائيل) على حق التجنّس لأنّه من الصّعب جدّاً توفّر شرط «الإقامة». وعدد قليل من الفلسطينيين كانوا يحملون جوازات سفر في عهد الانتداب. أمّا أولئك الذين كانوا يحملون هويّات شخصية فإنَّهم إمّا فقدوها أو سلموها للقوات الصهيونية أثناء الحرب. كما أنّ الكثيرين من العرب كانوا قد استُثنوا من عمليات تسجيل السكّان، لأنه كان هناك «محاولة متعمّدة لعدم تسجيل قرى عديدة». لهذه الأسباب اقترح النّواب المعارضون منح الجنسية الإسرائيلية لجميع الفلسطينيين الذين كانوا في البلاد بصورة شرعيّة. إلّا أنّ هذا الاقتراح هُزم.

كما نصّ القانون على شرط آخر مُؤدّاه أنّه يجب على الفلسطيني الذي يريد الحصول على الجنسية الإسرائيلية أن يكون مُلمّاً باللغة العبرية. وقد احتجّ بعض النواب على هذا الشرط لأنّ اللغة العربيّة كانت لغة رسمية في عهد الانتداب ولذلك اقترحوا حذف هذا الشرط، أو إعطاء اللغة العربية مركزاً مساوياً للعبرية. وقد أخذ القانون بالحل الأول.

وبقي على الفلسطيني الذي يريد الحصول على الجنسية الإسرائيلية أن ينال «استنساب»: وزير الداخلية صاحب الصلاحيات الواسعة بموجب القانون.

لقد دافع المؤيّدون للقانون عن الصفة العنصرية فيه، وحاولوا تبريرها، فقال حاخام صهيوني «إنّ الجنسيّة الإسرائيليّة بالنسبة إلى اليهود ما هي إلّا «استعادة لشيء مفقود» ولذلك فإن استعادتها «تلقائية». أمّا بالنسبة للآخرين فليس الأمر كذلك. وأقرّ حاييم كوهين، وزير العدل آنئذ، أنّ التمييز العنصري الوارد ليس سببه قانون الجنسية أو قانون العودة. إلّا أنّ الوزير أغفل أنّ قانون العودة أصبح جزءاً لا يتجزَّأ من قانون الجنسيّة. وحاول هذا الوزير أن يعطي تفسيراً آخر، فقال: «إنَّ أي تمييز في القانون ليس عنصريّاً بل أُريدَ به أن يميّز بين الذين يُعتَبرُ ولاؤُهم لإسرائيل أمراً مفروغاً منه والآخرين الذين عليهم إثبات ذلك».

والمعروف أنّ هذا القانون الذي صدر عام 1952، أُدخلت عليه تعديلات واسعة: التعديل الأول عام 1958، والتعديل الثاني عام 1968، والتعديل الثالث عام 1971، والتعديل الرابع عام 1980… لكنّ هذه التعديلات لم تُحدِث ما كان مُتوقَّعاً منها لجهة «التخفيف من عنصريّتها»… بل ما جرى هو العكس تماماً. كما تمّ اللَّعب على الكلام في بعض العبارات حيث «استَخدم القانون كلمة (البلاد)، وفي هذا إشارة إلى أنَّ المقصود من ذلك هو فلسطين كلها، وليس (إسرائيل) فقط. كما يلاحَظ أنّ القانون استخدم كلمة «شخص» علماً بأنَّ المقصود هو كلمة «يهودي» لأنَّ هذه المادة بالذات خاصة باليهود حصراً.

أمّا على صعيد تطبيقات قانون الجنسيّة الإسرائيلي، فقد عدّد قانون الجنسية ستّ طرق لاكتساب الجنسيّة الإسرائيليّة. إلّا أنَّه يمكن تصنيف هذه الطرق السّت إلى فئتين: الأول تتعلّق باليهود والأخرى بغير اليهود. وهكذا فإنّ قانون الجنسية الإسرائيليّ يتضمن عمليّاً تشريعين متميّزين للجنسية، ولكلٍّ منهما إجراءات مختلفة عن الآخر، ونشأت عن كلٍّ منهما نتائج تطبيقيّة مختلفة.

فعن إجراءات اكتساب الجنسية لليهود: يكتسب اليهودي المهاجر حق الجنسية الإسرائيلية بحكم «العودة» أمّا الإجراءات الواجب على اليهودي أن يتخذها للحصول على الجنسيّة فهي أن «يعود» إلى (إسرائيل)، أو يعبّر عن رغبته في الاستقرار في (إسرائيل) إذا كان خارج حدودها. ولم يُشِر القانون إلى أيّة إجراءات أخرى. وبموجب القانون يكتسب اليهودي المهاجر إلى (إسرائيل) الجنسية الإسرائيلية «فوراً» بمجرد دخوله (إسرائيل). أمّا الجنسية الاسرائيلية لغير اليهود: لأغراض قانون الجنسية، يشمل تعبير «غير اليهود» نظريّاً الفلسطينيين الذين ظلّوا في (إسرائيل) بعد قيامها، وغير الفلسطينيين. ورسم القانون لكل فريق طريقاً خاصّاً به لاكتساب الجنسية. وأما من الناحية العمليّة، فإنَّ إجراءات التجنُّس لغير الفلسطينيين هي تقريباً بدون معنى، لأنّ (إسرائيل) لا تمنح حق الإقامة فيها لغير اليهود بسهولة. لذلك يقتصر البحث على الفلسطينييِّن المقيمين في (إسرائيل).

اكتساب الجنسية للفلسطينييِّن
في حين يكتسب اليهودي المهاجر، أو الذي يعبّر عن رغبته في الهجرة إلى (إسرائيل)، الجنسية الإسرائيلية فوراً وتلقائيّاً وبدون اتخاذ أيّة إجراءات، يلزم الفلسطيني وحده باتّباع إجراءات التجنُّس الشائكة التي حددها القانون في المادة الثالثة. وعلى الفلسطيني أن يتقدّم بطلب إلى السلطات الإسرائيلية، وأن يكون مستوفيَاً للشروط التي حددها القانون. ومع ذلك فإنَّ استيفاء تلك الشروط لا يعطيه الحق باكتساب الجنسية الإسرائيليّة حُكماً، إذ عليه أيضاً أن يحصل على موافقة وزير الداخلية. وإذا قرر الوزير رفض الطلب، فإنّ قراره قطعي وغير قابل للطَّعن.

مظاهرة ضد قانون الدولة اليهودية المقترح في تل ابيب (14 تموز 2018).

نتائج تطبيق القانون على الفلسطينيين
هناك ثلاث نتائج مباشرة ترتَّبت على إصدار وتطبيق قانون الجنسية الإسرائيلي وتأثّر بها الفلسطينيون:

أولاً: التجريد من الجنسية: فبعد قيام (دولة إسرائيل) توقَّف العمل بقانون الجنسية الفلسطيني الصادر عام 1925. وحتى صدور قانون الجنسية الإسرائيلي عام 1952 استقر اجتهاد المحاكم الإسرائيلية على اعتبار الفلسطينيين بلا جنسية. ومع صدور قانون الجنسيّة تم رسمياً إلغاء قانون الجنسية الفلسطيني بأثر رجعي اعتباراً من تاريخ قيام (الدولة). وهكذا فإنّ قانون الجنسية الإسرائيلي جرّد الفلسطينيين من جنسيّتهم وأصبحوا «بلا جنسية».

ثانياً: المقيمون بلا جنسيّة: ولما كانت الفقرة (أ) من المادة الثالثة من قانون الجنسية الإسرائيلي وضعت شروطاً صعبة لتجنُّس الفلسطينييِّن، فإنَّ الذين لم يتمكّنوا من استيفاء الشروط التي حدّدها القانون، ولم يتمكّنوا من الحصول على موافقة وزير الداخلية، ظلُّوا بدون جنسية، وما زالوا كذلك حتى الآن.

ثالثاً: وقد جاء التعديل الثاني لقانون الجنسية عام 1968 واستحدث طريقة منح الجنسيّة الإسرائيلية بحكم «الولادة والإقامة» في (إسرائيل). ويبدو من ظاهر النّص أنَّ أي فلسطيني وُلد في (إسرائيل)، ولم يحصل على الجنسيَّة الإسرائيليّة لأنَّ أحد والديه لم يتمكن من الحصول عليها، له الحق في أن يحصل على الجنسية الإسرائيلية بشرط أن يقدّم طلباً حين يبلغ سن الثامنة عشرة وقبل أن يصل إلى سن الحادية والعشرين، وأن يكون مقيماً في (إسرائيل) قبل تقديمه الطلب بخمس سنوات متواصلة، وأن يثبت أنّه لم يحكم عليه بجرم ضد أمن (دولة إسرائيل)، ولم يحكم عليه بجرم آخر لمدة خمس سنوات أو أكثر، وأن يوافق وزير الداخلية على الطلب. وتطبيقاً لهذه الشروط فإنّ الفلسطيني الذي يولد بلا جنسيّة سيظل بلا جنسيّة حتى يبلغ سن الثامنة عشرة على الأقل، ثم يقدم الطلب ويستوفي الشروط الأخرى. وإن لم يستوفها فسيظلّ بلا جنسيّة. ثم إنَّ الفلسطيني الذي وُلِد بلا جنسيّة، وتجاوز الحادية والعشرين يوم صدور هذا التعديل، سوف يبقى كذلك بلا جنسيّة.
بعد هذه اللمحة التاريخية الموجزة عن قانون الجنسية الإسرائيلي، والذي أَعلن على أثره مؤخّراً رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (قانون القومية) للدولة اليهودية الإسرائيلية، وهو استكمال لقانون الجنسية الإسرائيلي السابق، وأحد إفرازاته العنصرية… وقد أقرّت (إسرائيل) «قانون الدولة القومية» لليهود بتاريخ 19 تموز/يوليو 2018، حيث ينصّ على ما يلي:

  • ينصّ القانون على أنّ إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي وأنّ حق تقرير المصير في إسرائيل يقتصر على اليهود، ويَعتبر القدس الموحَّدة عاصمة لإسرائيل.
  • ويشجع القانون الاستيطان اليهودي ويلغي المكانة الرسمية للُّغة العربية.
  • وأقَرَّ الكنيست المؤلّف من 120 عضواً قانون «الدّولة القومية» بموافقة 62 نائباً ومعارضة 55 وامتناع نائبين عن التصويت، وسط غضب النّواب العرب.

أبرز سمات القانون:

  • القانون صدر بعد وقت قصير من إحياء الذكرى السبعين لقيام دولة إسرائيل.
  • ينصّ على أنّ «إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي» وأنّ حقّ تقرير المصير فيها «يخصّ الشعب اليهودي فقط».
  • من القوانين الأساسية التي تُستَخدم كدستور لعدم وجود دستور حتى الآن في دولة إسرائيل.
  • ينزع القانون عن اللّغة العربية صفة اللّغة الرسمية إلى جانب العبرية.
  • نصّ القانون على أنَّ الدولة تعتبر تنمية الاستيطان اليهودي قيمة قومية وستعمل على تشجيع ودعم تأسيسه.

وكان من الطبيعي أن يثير إقرار هذا القانون غضباً على الصعيد الفلسطيني والعربي، وترحيباً إسرائيليّاً بالمقابل حيث:

  • رحّب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالقانون قائلاً «لحظة حاسمة في تاريخ دولة إسرائيل تكرّس لغتنا ونشيدنا وعلَمنا».
  • منتقدو القانون يقولون إنَّه سيعمِّق إحساس الفلسطينيين بالغربة حتى بعد إجراء بعض التغييرات.
  • النائب العربي في الكنيست أحمد الطيبي عبّر للصحفيين عن صدمته وحزنه معلناً «موت الديمقراطية».
  • سرى الغضب بين السكّان العرب واصفين القانون بالعنصري وأنّه يغرس البذور لقيام دولة فصل عنصري. بينما مزّق نوّاب عرب نُسَخاً من القانون أمام نتنياهو وألقوا به في وجهه، كتعبير صارخ عن معارضتهم.

كما ندّد زعماء فلسطينيون بالقانون. وقال صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين في بيان: «شعبنا هو من يقرر مصيره على أرضه، وهو من قرر لغته وعلمه ونشيده، فنحن أمّة راسخة في هذه الأرض منذ فجر التاريخ وسنبقى صامدين ومتمسّكين بحقنا التاريخي المشروع والأصيل في تقرير المصير». في حين كانت المظاهرات والاعتصامات تعمّ كافّة المدن والقرى الفلسطينية، ومن بينها بالطبع القرى الدرزية في شمال فلسطين المحتلة، معبّرة عن رفضها لهذا القانون العنصري بامتياز.

سميح القاسم… شاعر المقاومة الفلسطينية.

في ظلّ هذا الوضع نتساءل: أين موقع دروز فلسطين وموقفهم من هذا الموضوع؟ وأين موقع دروز هضبة الجولان السورية المُحتلة وموقفهم أيضاً منه؟ وماذا بين الأمس واليوم؟

فبالنسبة لأبناء الطائفة الدرزية التوحيديّة في فلسطين المحتلّة، وقبل ولادة دولة الاحتلال الصهيوني التي أطلق عليها اسم «إسرائيل»، يعيش معظم الدّروز الفلسطينيّون في منطقة الشمال. ويشكلون نسبة 8 بالمئة من مجمل السكان العرب هناك. وقد وصلت أعدادهم في عام 2019 إلى نحو 143،000 نسمة، أي بمعدل 1،6 بالمئة من السكان في دولة الاحتلال الصهيوني (إسرائيل). يضاف إليهم السوريون الدروز القاطنون في هضبة الجولان التي احتلَّتها (إسرائيل) عام 1967 من سوريا وضمّتها في عام 1981 بشكل غير شرعي، وهم من المقيمين الدائمين بموجب قانون مرتفعات الجولان. وقد رفضت الأغلبية الساحقة منهم قبول الجنسيّة الإسرائيليّة واختاروا الاحتفاظ بجنسيّتهم السورية والهوية السورية… هذا، ويسكن أبناء الطائفة الدرزية في 18 قرية وبلدة تقع جميعها على رؤوس الجبال في شمال فلسطين التاريخيّة.

والواقع أنّه منذ قيام (إسرائيل) عام 1948، رفض الموحّدون الدروز ترك قراهم وبيوتهم ومغادرتها، مفضّلين البقاء والموت فيها على الهجرة أو التهجير. ومع ذلك فقد تعرّضوا لحملة من الدسّ والافتراءات والتّشويهات من البعض المتجاهل لموقفهم الرافض والمقاوم للانتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي فيما بعد، ولحقيقة تاريخهم النضالي العربي المشرّف في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية، وبخاصة في ثورة ١٩٣٦ حيث شاركت سريّة درزية بقيادة حمد صعب في معظم معارك تلك الثورة، وفي أثناء حرب فلسطين سنة ١٩٤٨ حيث شارك العشرات من دروز لبنان وسوريا في جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي وكان مدير الإذاعة والإعلام في ذلك الجيش هو المناضل المعروفي علي ناصر الدين، إبن بلدة بمريم المتنيّة، مؤسس «عصبة العمل القومي».

كان عليهم تجرّع هذه الكأس بصبر وحكمة وتعقّل رغم المرارة والحسرة الناجمتين عن هذا الموضوع، دون أن يتزعزع إيمانهم بالوجود والكرامة والتشبّث بالأرض قيد أنملة.

يعيش الدروز في عدد من قرى الجليل وجبل الكرمل بشكل منفرد مثل بيت جن وجولس ودالية الكرمل وساجور وعين الأسد ويركا، وتضم بعض القرى التي يشكل غالبيَّة سكانها من الدروز في إسرائيل على أقليّة مسيحيّة عربيَّة مثل حُرفيش والمغار والبقيعة وكِسرى – كفرسميع وعسفيا وغيرها. وتضم كل من كفر ياسيف والرامة الجليليّة ذات الأغلبيّة المسيحيّة على أقلية من الموحدين الدروز، ويعيش الموحدون الدروز في عدد من قرى الجليل اختلاطاً بالمسلمين والمسيحيين مثل أبوسنان وكفر ياسين والمغار وشفاعمرو والرامة الجليليّة.أمّا في الجولان الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية، فيتوزّع الدروز فيه بين بقعاثا،وعين قنيَة، ومجدل شمس ومسعدة.

والجدير بالذكر، أنّ بلدة «دالية الكرمل» هي أكبر البلدات الدرزيّة في فلسطين التاريخيّة. وتليها بلدة «يركا»، ومن بعدها «المغار»، ثم «بيت جن»، و«عسفيا»… واللائحة التالية تستعرض تعداد السكان الدروز في القرى والبلدات الدرزية، بناء على التقسيم الإداري الإسرائيلي في الداخل:

المنطقة الشماليَّة
(لا يشمل منطقة الجولان الفرعية)
منطقة حيفا هضبة الجولان
(قسم الفرعي من المنطقة الشماليَّة)
يركا (16،400 – 97.9%) دالية الكرمل (16،700 – 97%) مجدل شمس (10،930 – 99%)
المغار (12،900 – 57.9%) عسفيا (9،200 – 76%) بقعاثا (6،485 – 100%)
بيت جن (11،700 – 99.8%) مسعدة (3،592 – 100%)
كسرى-كفرسميع (8،100 – 95%) عين قنية (2،033 – 99%)
جولس (6،300 – 100%)
يانوح-جت (6،500 – 100%)
حُرفيش (6،000 – 96.3%)
شفاعمرو (5،700 – 13.9%)
البقيعة (4،500 – 78%)
ساجور (4،148 – 100%)
أبو سنان (4،100 – 30%)
الرامة الجليليّة (2،400 – 31%)
عين الأسد (871 – 100%)
كفرياسيف (348 – 4%)

والحقيقة: كثيراً ما عمد الإسرائيليون عبر أساليب شتّى، في ظل القانون العنصري الإسرائيلي، إلى محاولات استيعاب الدروز وإخضاعهم عنصريّاً لجعلهم تماماً – كما جاء في بعض الوثائق الصهيونيّة المكتشفة مؤخّراً – «سكيناً في ظهر أُمّتهم»، بما يخلق هوّة كبيرة بينهم وبين مواطنيهم العرب، ويقطع بالتالي طريق عودتهم إلى أحضان الأمّة العربيّة والإسلاميّة. حيث إن أقصر الطرق لاستعباد أي شعب أو مجموعة بشريّة هو قطع جذورها الحضاريّة، وتشويه أصولها ومحو ذاكرتها الجماعيّة. وهذا ما يواجهه دروز فلسطين، ولا يزالون. إلّا أنّ النتيجة لم تكن كما يريدها الإسرائيليّون وأعوانهم.

هذا، وقد حاول الإسرائيليّون بعد احتلالهم لهضبة الجولان السوريّة، وضمّها لاحقاً، تطبيق برنامجهم السابق الذي طبقوه مع دروز فلسطين، على صعيد الجنسيّة الإسرائيليّة والهويّة الإسرائيلية… لكنهم لم يحصدوا إلّا الفشل أيضاً، رغم محاولاتهم العديدة والمتكرّرة، مما يؤكّد حقيقة واحدة مفادها أنَّ طائفة الموحِّدين الدروز هي طائفة لا تقبل الذلّ والهوان والخضوع والإخضاع تحت أي ظرف كان، ومهما كانت الصعوبات. هي طائفة وطنية عروبية إسلامية عبر التاريخ، ولن تؤثّر الدسائس والتشويهات والافتراءات على حقيقة تاريخها مطلقاً…

هذا، ما عاشه أبناء الموحدين الدروز في هضبة الجولان منذ وقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب حزيران 1967، وبعد قانون الضمّ عام 1981. وكما أوضح الجدول السابق أن هناك أربع قرى درزيّة متبقية في الجزء الذي ضمته إسرائيل من مرتفعات الجولان – بقعاثا وعين قنية ومجدل شمس ومسعدة، يعيش فيها 23،000 درزي. معظم سكان الدروز في مرتفعات الجولان يعتبرون أنفسهم سوريين ويرفضون الحصول على الجنسيّة الإسرائيلية، وبدلاً من ذلك يحملون وضع إقامة دائمة في إسرائيل، وبدلاً من جواز سفر إسرائيلي يستخدمون وثيقة مرور إسرائيلية صادرة من إسرائيل للسفر إليها، تترك فقرة الجنسية فارغة.

ومنذ اعتماد قانون مرتفعات الجولان لعام 1981، أصبحت الأراضي خاضعة للقانون المدني الإسرائيلي، وأدمجت في النظام الإسرائيلي للمجالس المحلّية. وبعد ضم مرتفعات الجولان في عام 1981، قدمت الحكومة الإسرائيلية الجنسية لجميع غير الإسرائيليين الذين يعيشون في المنطقة. ولكنّها رُفضت بالمطلق…

عشرات الآلاف يشاركون بمظاهرة نظمها الدروز في تل ابيب ضد قانون الدولة اليهودية (4 آب 2018).

فكيف كان ذلك؟ وما هي الإجراءات التي اتُّخذت؟ وماذا كانت النتيجة؟

لقد كان واضحاً، منذ البداية تقريباً أنَّ الإسرائيليين قرروا البقاء في الجولان. لم يدّعوا – كما فعلوا في الضفة الغربية وقطاع غزة – أنهم سيحتفظون بالقانون المحلي ويدخلون عليه تعديلات بأوامر عسكرية. وعلى الرغم من أنَّ إسرائيل لم تزعم قط أنه يوجد «فراغ» في السيادة هناك، فقد ألغى المحتلُّون القانون السوري برمَّته على الفور، وأنشأوا حكماً عسكرياً. واستُبدلت العملة السورية بعملة إسرائيلية. وتمَّ إصدار لوحات معدنيّة إسرائيلية للسيارات (بأرقام خاصة). وصودرت الهويّات الشخصية السورية، واستُبدلت بهويّات عسكرية إسرائيلية…

وفي زمن الاحتلال، عزلت إسرائيل رؤساء بلديات قرى الجولان، وحاولت أن تشجّع القادة التقليديين المحلييِّن، وأن تعيد إحياء التنافس العشائري المحتضر؛ وقد باءت هذه المحاولات بالفشل. إلّا أنّ السلطات الإسرائيليّة وجدت شخصيّات أقلّ شأناً، على استعداد لأن تعبّر عن سعادتها بالوجود الإسرائيلي، ولأن تلمّع وجه الاحتلال. وفي سنة 1974، حاول الإسرائيليون أن ينشئوا مجالس محلية مشابهة للمجالس القائمة في إسرائيل. وفشلت هذه المحاولة كما فشلت المحاولات الأخرى. وفي النهاية، عيّنوا شخصاً في كلّ قرية لإدارة الشؤون المحلّية. إن رئيس بلدية مجدل شمس الذي عيّنته إسرائيل ليس حتى من المنطقة.

وحظر الإسرائيليون أيضاً، في بداية احتلالهم، البرنامج التعليمي السوري، واستبدلوه بآخر مُعَدّ خصِّيصاً ليغرس في الذهن الإحساس بـ «هوية درزية» منفصلة، متميزة من الهوية العربية – زاعمين أن الدروز يشكلون أمّة لا طائفة دينية تعود بنشأتها إلى الإسلام. وقد صُقلت هذه السياسة على مدار الأعوام، وأصبحت أكثر صراحة في سنة ١٩٧٦، بتأليف «اللجنة التعليميّة للدروز». وتم وضع كتب تاريخ خاصّة مناقضة تماماً للحقائق. على سبيل المثال: يتحدث واحد منها عن العلاقة التاريخيّة بين المجتمعين اليهودي والدرزي بحكم وضعهما المشترك كأقليَّتين، وعن عداوة تقليدية بين الدروز وإخوانهم المسلمين السنّيين. ويجري التشديد على إيصال هذه الرسالة بطرق شتى منها: إنّ الدروز جماعة استثنائية، متفوّقة ومتميّزة عن العرب الآخرين – في الحقيقة ليست عربية على الإطلاق. ولا يرِد ذكر لحقيقة أنّ مرتفعات الجولان كانت دائماً جزءاً من سوريا.

وبمرور الوقت، جرى فصل المدرسّين الذين يتمتعون بأي مستوى من الوعي السياسي. وقد تم فصل مئة مدرسّ على الأقل لأسباب سياسية منذ بدء الاحتلال، وفصُل أكثر من عشرين مدرسّاً دفعة واحدة في أثناء مقاومة الضمّ سنة 1982. وتمّ استبدال هؤلاء، في معظم الأحيان، بمدرّسين غير مؤهلين، بعضهم لم يكمّل حتى المرحلة الثانوية، لكنهم منُحوا «شهادات تعليم» بعد أن حضروا دورات قصيرة في إسرائيل… وخلال عام، تزايد عدد التظاهرات الشعبيّة في قرى الجولان كلها، وقُدّمت العرائض إلى الحكومة الإسرائيلية. وبدأت السلطات في هذه الفترة، وعلى نطاق واسع، بالربط بين الجنسية والحياة اليومية: لم يكن في الإمكان الحصول على رخصة سياقة من دون حيازة بطاقة هويّة شخصية مذكور فيها أن الجنسية إسرائيلية. ولم يكن في الإمكان السفر داخل إسرائيل من دون مثل هذه البطاقة… إلخ. وفي الوقت نفسه، حصلت القلّة التي تعاونت مع السلطات على امتيازات خاصة مثل: ضرائب مخفّضة، وحصص أكبر من المياه، وأجوبة سريعة تتعلّق بتصاريح البناء، إلخ.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1980، عُدِّلَ قانون الجنسية الإسرائيلية وخُوِّلَ وزير الداخلية صلاحية منح الجنسية الإسرائيلية بناء على شروط مختلفة مفصّلَة في القانون. وكان الشرط الذي ينطبق على السكان السوريين في الجولان أنّ «الجنسية تُمنح عندما يُعتَبر ذلك تحقيقاً لمصلحة خاصة للدولة».وفي نهاية السنة، كانت إسرائيل قد بدأت تضغط على السكان ليقبلوا بطاقات الهوية الشخصية الجديدة؛ وبحسب قول السلطات، فقد قبل بها 400 شخص تقريباً. وفي الحقيقة، كان 300 من هؤلاء من الدروز الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية أصلاً، وانتقلوا من إسرائيل نفسها إلى مرتفعات الجولان، إمّا لأسباب عائلية أو لغيرها من الأسباب.

تصاعدت التظاهرات والاحتجاجات. وفي أوائل آذار/ مارِس دعا الزعماء الدينيون، مدفوعين من نشطاء محليين، جميع سكان مرتفعات الجولان إلى اجتماع عام في الخلوة في مجدل شمس. واحتشد نحو 6000 شخص من القرى الأربع، أو ما يزيد على نصف عدد سكان الجولان في ذلك الوقت، في المبنى الضخم والساحة المكشوفة أمامه. وتقرّر في ذلك الاجتماع فرض مقاطعة اجتماعية دينية كاملة – عمليّاً: حرمان ديني ومدني – على كلّ من يقبل الجنسية الإسرائيلية. وتقرّر منع الذين تسري المقاطعة عليهم من حضور الأعراس والمآتم وكل المناسبات الاجتماعية والدينية، وعدم السماح لأي فرد من أفراد المجتمع بالتعامل معهم بأي شكل. وفي مجتمع صغير كمجتمعنا، حيث يعرف كل شخص الآخر، فإنَّ تأثير مثل هذا النبذ من شأنه أن يكون مدمراً. وفي ذلك الاجتماع نفسه، أقرّ الحضور «وثيقة وطنية»، نُشرت فيما بعد في الصحف، تُعلن أنّ سكان الجولان هم سوريون تحت الاحتلال الإسرائيلي، وأنّهم يتطلعون إلى اليوم الذي سيتحرّرون فيه ويعودون إلى أحضان سوريا.

وفي ردّها على ذلك، قامت سلطات الاحتلال بفرض عقوبات على السكان، بما فيها ضرائب مُبالَغ فيها، وقيود مُشدّدة على السفر وعلى تسويق المنتوجات الزراعية. ووُضِعَ عدد من النُّشطاء في الإقامة الجبريَّة أو الاعتقال الإداري، وفصُل بعض المدرّسين. وبعد ذلك أُخبر القادة المحلّيون، بصورة غير رسمية، أنّ العقوبات ستُرفع إذا وافق السكان على إنهاء مقاومتهم. مع ذلك، استمرَّ النبذ وبدأ أولئك الذين قبلوا الجنسيّة الإسرائيلية بالتخلي عنها، واحداً بعد الآخر.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 1981، بعد أشهر من الاضطراب، صدر قرار بضم مرتفعات الجولان فعلياً. وعلى الفور تمت الدعوة إلى إضراب عام لمدة ثلاثة أيام، شُلَّت فيها الحياة تماماً في القرى الأربع. وأُرسلت مذكّرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، كما أُرسلت عريضة إلى الحكومة الإسرائيليّة تطالبها بإلغاء الضمّ.

استمرّ ما أصبح الآن نمطاً اعتياديّاً: التظاهرات من جهة، والاعتقالات والقيود من جهة أخرى، حتى 13 شباط/ فبراير 1982، عندما وَضعت إسرائيل أربعة من زعماء الطائفة في الاعتقال الإداري لمدّة ستة أشهر. وفي اليوم التالي، 14 شباط/ فبراير، أُعلن إضراب عام استمرَّ أكثر من خمسة أشهر من دون انقطاع. وردتّ سلطات الاحتلال بفرض نظام حظر التجوّل. وفي ٢٥ شباط/ فبراير، فُرض حصار كامل على الجولان: أُوقفت كلّ أشكال المواصلات من المنطقة وإليها؛ ولم يُسمح بإدخال الطعام أو الدواء؛ وقُطعت الكهرباء والماء. وقد نُظِّمت تظاهرات كلّ بضعة أيام خلال الإضراب، في بعض الأحيان في القرى الأربع كلّها، وأحياناً في قرية واحدة، حيث كان سكان القرى الأخرى يحتشدون فيها. وقد تمّت المحافظة على تنسيق دقيق طوال تلك المدّة من خلال الاجتماعات العامة. وجُوبِهَت بعض التظاهرات بالعنف، وأصيب خمسة وثلاثون شخصاً بطلقات ناريّة خلال اشتباكات مع الشرطة. وفقد شاب رجله ويده وعينه في حادث انفجار لغم خارج مجدل شمس. وقد رُفضت كلّ محاولات اللجنة الدولية للصليب الأحمر لزيارة المنطقة.

في 1 نيسان/أبريل، أعلنت إسرائيل رسميّاً الجولان منطقة مُغلقة، وفرضت حظر التجوُّل على مدار الساعة، وأَرسلت إلى المنطقة 14،000 جندي إسرائيلي – أكثر من نصف عدد السكان العرب في مرتفعات الجولان – قاموا بالتنقل من بيت إلى آخر لمصادرة بطاقة الهويّة العسكرية القديمة وتوزيع بطاقات الهوية الجديدة، المُعَدّة لكل فرد، والمذكور فيها الجنسية الإسرائيلية. وقد تم اعتقال 150 شخصاً خلال هذه الحملة. في هذه الأثناء، وفي محاولة لإقناع السكان بقبول بطاقات الهوية/ الجنسية، بثت الإذاعة معلومات زائفة بأنّ زعماء عديدين قبلوا بها. لكن المحاولة فشلت فشلاً ذريعاً، وسرعان ما تناثرت بطاقات الهوية المرفوضة في شوارع القرى الأربع جميعاً. وفي5 نيسان/ أبريل، انسحبت القوات الإسرائيلية ورُفع الحصار.

أُنهي الإضراب أخيراً في 21 تموز/ يوليو. وكانت العيون، في ذلك الوقت، مركزة على غزو إسرائيل للبنان وحصار بيروت الوحشي؛ وكان واضحاً في تلك الأوضاع الجديدة، أنّ من العبث الضغط على إسرائيل فيما يختص بالجولان. وعلاوة على ذلك، كان مخزون المواد الغذائية – مؤونة كبيرة من الأغذية المجفّفة والمحفوظة التي كانت دائماً في متناول القرى – قد بدأ بالنفاد. لم يكن الحليب متوفّرا؛ً وكان الأطفال يعانون. وقد نفقت مئات من المواشي جوعاً بسبب منعها من الوصول إلى المراعي. وأخيراً، تراجع الإسرائيليون عن إصرارهم على موضوع الجنسيّة، ولم يرد في بطاقات الهوية ووثائق السفر التي وُزِّعَت في النهاية ذكر للجنسية الإسرائيلية. وكان هناك اتفاق آخر يقضي بأنّ سكان الجولان لن يؤدّوا الخدمة في القوات المسلّحة، وأنّه سيتم السّماح لهم بزيارة سوريا، وأنّ الأراضي لن تصادَر. ولم يتمّ احترام الالتزامين الأخيرين. وهذا هو الوضع الآن: تَعتبر إسرائيل سوريي الجولان «مقيمين في إسرائيل»، لا مواطنين.

صورة من أحداث الإضراب الكبير في الجولان (١٩٨٢):
«لا لضمّ الجولان، لا للإستسلام، لا للڤيتو الأميركي».

لقد كان إضراب 1982 العام ذروة العمل الجماهيري في الجولان، ولم يتكرّر ما يرقى إلى مستواه. منذ ذلك الحين، جرت تظاهرات عديدة. ويتم التقيّد سنوياً على الأقل بإضرابين ليوم واحد: في 14 شباط/ فبراير، ذكرى الإضراب العام؛ وفي 17 نيسان/ أبريل، عيد الاستقلال السوري. ومنذ بدء الانتفاضة، أضُيف إلى القائمة يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر، يوم اندلاعها في سنة 1987. وتقوم تظاهرات كلّما حدث أمر استثنائي في المناطق المحتلّة الأخرى (مثل مذبحة الأقصى، أو عمليات القتل في ريشونلتسيون)، أو في المستوى الدولي (مثل أزمة الخليج، والحرب ضد العراق).

هذا، وفي الوقت الذي وقف فيه دروز فلسطين إلى جانب الإضراب الجولاني، إلّا أنّ موقفهم لم يكن متناغماً تماماً. فقد تظاهر أهالي عدّة قرى درزية في إسرائيل تأييداً لنا خلال الإضراب العام سنة 1982، وكان ذلك في بعض الحالات بدافع التضامن الديني، لكنّه في حالات أخرى كان بدافع من أسباب قومية. وتألفت، في ذلك الوقت، لجنة تضامن معنا. وهناك أيضاً أعداد متزايدة من الدروز الفلسطينيين تعترض على تعاون الطائفة ككل، وتعارض سياسة إسرائيل التي تعزلها عن أشقائها العرب؛ ويحتفظ سكان الجولان العرب بعلاقات ممتازة بهؤلاء الناس، ويمدّونهم بكل أشكال العون الذي يحتاجون إليه. وما من شك في أن تحدّي سكان الجولان للسلطات الإسرائيلية كان له أثره بين دروز الجليل.

وفي الواقع، يمكن القول إنّ دروز الجولان يقيمون علاقات ممتازة وتضامناً قوياً مع فلسطينيي الضّفة الغربية وغزة. وقد حاول سكان المناطق المحتلة إرسال أغذية خلال الإضراب العام في سنة 1982، وما زالوا يساعدون بمختلف الطّرق. من جهتهم، ألّف دروز الجولان لجاناً للتضامن حين اندلعت الانتفاضة، وكانوا أوّل من أرسل شاحنات محمّلة بالأغذية والملابس إلى مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهم يجمعون الأموال وينظّمون زيارات تضامن لمخيمات اللاجئين. وفي كلّ سنة، ينظمون حملات لقطف التفاح، ويوزعون التفاح على مستشفيات الضّفة الغربية وغزة، ويتبرّعون بعائدات مبيعات التفاح لدعم الانتفاضة. كما أنّهم قاموا بعدة تظاهرات شعبية وإضرابات عامة تأييداً للانتفاضة. لكنْ يحدّ من تعاونهما واقع أنَّ الضفة الغربية ومرتفعات الجولان غير متّصلتين جغرافياً، في (إسرائيل)..

أمّا اليوم، وبالرغم من أنَّ غالبية الدروز الفلسطينيين والجولانييِّن يعتبرون بأن المستوطنات الإسرائيلية تضرّ بأمن دولة الاحتلال الصهيوني. كما يبيّن الإحصاء الاستقصائي أنّ أغلبية الدروز أيضاً لا يؤمنون بأنّه يمكن «لدولة إسرائيل» أن تكون دولة يهوديّة ودولة ديمقراطية في الوقت نفسه… كما يعتقد نحو 8 من كل 10 أشخاص من عرب (إسرائيل)، بأنّ هناك تمييزاً عنصرياً كبيراً في المجتمع الإسرائيلي ضد المسلمين، وأنّ الحكومات الإسرائيلية غير صادقة في السعي للوصول إلى اتفاقية سلام…

في ظل كل هذه المعطيات والوقائع الميدانيّة، «تشير بعض التقارير الإسرائيليّة إلى تزايد أعداد دروز الجولان الراغبين في الحصول على الجنسية الإسرائيلية»… وفي الوقت الذي كان فيه العدد في الماضي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، فقد بلغ العشرات في الفترة الحالية، لا سيّما بعد الأحداث الأخيرة في سوريا، واستهداف التنظيمات الإرهابية عدداً من الدروز، واستغلال إسرائيل لقضيّتهم بشكل غير مسبوق، ولكنّه منظّم ومبرمج وهادف بدقّة…

بعد هذا العرض شبه التفصيلي لقانون الجنسيّة الإسرائيلي وتطبيقاته على عرب فلسطين، بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وأديانهم (بمن فيهم أبناء طائفة الموحدين الدروز الفلسطينيين)، وعلى دروز هضبة الجولان السورية المحتلّة، نصل إلى ضرورة تبيان بعض الحقائق والوقائع التي تعامى عنها البعض، وتجاهلها البعض الآخر (لغاية في نفس يعقوب)، بينما أمعن البعض تجريحاً وتشكيكاً وتشهيراً بطائفة الموحدين الدروز في فلسطين، فتلاقت حملتهم هذه مع محاولة العدو الصهيوني في سلخ الموحدين الدروز عن عروبتهم وإسلاميتهم ووطنيتهم وقوميتهم، وإلباسهم ثوباً لا يمتّ إلى حقيقة وجودهم التاريخي بصلة… ويشوّه بالتالي نضالهم الوطني والقومي والعروبي والإنساني كلّه… وهذا ما يستوجب منّا ردّاً علميّاً وموضوعيّاً ومنطقيّاً على كل ذلك، بغية دحض الاتهامات الباطلة والافتراءات المُغرضة، التي طالت ومسّت طائفة عربية إسلامية عريقة في هذا الشرق، لعبت، ولا تزال، دوراً هاماً وأساسياً في «مَدْمَكَة» بنيان الكثير من دُوَلِه، وساهمت في كتابة تاريخ البعض الآخر، بالسيف والقلم، وقدَّمت الغالي والنّفيس من أجل الحريّة والاستقلال والكرامة… فما هي أبرز هذه النقاط التي تلقي الضوء على هذه المسألة وتضع الإصبع على الجرح؟

يذهب كثيرون من الباحثين العرب والأجانب إلى أنّ الموحدين الدروز هم المدافعون الأصليون عن العروبة والإسلام والقوميّة العربية في كلِّ أقطار تواجدهم. وقد أثبتت الوقائع التاريخية صحّة انتمائهم الوطني والإنساني منذ ظهورهم على مسرح التاريخ في مطلع الألف الثاني الميلادي، ولا يزالون، حتى أنّ أسلاف الموحدين الدروز من التنوخيين والبحتريين والأرسلانيين كانوا «حماة الثغور» منذ وجودهم في الجبال المُطِلّة على الساحل في وجه الروم البيزنطيين وأعوانهم في الداخل، ثمّ الصليبيين فيما بعد، وقد استطاعوا تأسيس أوّل إمارة عربية إسلامية في الشرق دامت ثمانية قرون… (هي الإمارة التنوخيّة)…

وبشكل أكثر تحديداً، فإنّ الدروز يتحدّرون من القبائل العربية الإثنتي عشرة التي كانت تقيم منذ الفتح العربي في معرّة النعمان، ثم انتقلت بعدها لتستقرَّ في لبنان. ويؤكّد ذلك كثير من المؤرّخين العرب الذين يعرفون هذه الطائفة ويعيشون بين ظهرانيها. ويشير عبد الرحمن بدوي (ص 642) إلى الحجج التي يقدمها الدروز توكيداً على عراقة أصولهم العربية فيقول نقلاً عن الأستاذ سليمان أبو عز الدين إنّ «أسماء الدروز، إلّا القليل منها عربية». وإنّ «الدروز من أصحّ الفروع العربية لفظاً لبعض الحروف الهجائية، أي الثاء، والذال، والظاء، والقاف». كما يشير الأمير شكيب أرسلان مؤكّداً عروبة الدروز بقوله: «إنَّ لفظهم بالعربي الصحيح… لا يساويهم فيه أحد من جميع سكان سورية». كما أنَّ المؤرّخ الأستاذ أكرم زعيتر يؤكِّد ذلك قائلاً: «الدروز لباب العرب. ولا يوجد درزي واحد يرضى بأن يُنسب لغير الإسلام».

وبصورة أكثر شموليّة، يقول المؤرّخ الكبير الأستاذ عارف النكَدي بأنَّ «هذه الطائفة عربية الأصل، بل هي أعرق طوائف بلاد الشام عربيّة وأخلصهنّ في ذلك دماً.. أمّا عربية هذه الطائفة فثابتة:

    1. بأسمائها العربية اللفظ والمعنى والمُصطلح.
    2. بعاداتها وأخلاقها وآدابها.
    3. بسلامة ألفاظها العربية.
    4. بأنساب كثير من أُسَرِها وقبائلها التي حفظت عمد أنسابها وسلالاتها، بعضها بالتسجيل الصحيح في سجل المحاكم الشرعية، وبعضها بالنقل الدقيق والسّند المتصل.
    5. بتاريخها الثابت. وتاريخ هذه الطائفة تاريخ قريب عهده لا تضيع أصوله وحوادثه في مجاهل القِدَم»

وانطلاقاً من العلاقة العضويّة بين الصهيونية والاستعمار العالمي، فإنَّ الصهاينة لم يتخلّوْا في هذا العصر عن مشاركة أسيادهم الاستعمارييّن في الدسيسة ضد الدروز. ولم تقتصر مشاركتهم على الناحية النظريّة فقط، بل وبشكل أرقى بتطبيقها على واقع الصراع العربي – الصهيوني في فلسطين المحتلّة. وذلك من خلال التفرقة بين الدروز وإخوانهم المسيحييّن والمسلمين الفلسطينييّن، حيث أُبْعِدَ الآخرون عن الخدمة في جيش الاحتلال، بينما فُرِض التجنيد الإلزامي على الدروز ضمن خطة الإيقاع بين أبناء الشعب العربي الواحد في فلسطين وخارجها، وكدليل وإثبات أمام الآخرين بأنّ «الدروز ليسوا بعرب». ولتظهر الدولة الصهيونية، من ناحية أخرى، أمام العالم الخارجي بأنّها دولة «ديمقراطية»، ضمن مخطّط القضاء على الهوية العربية للدروز مستغلّة تشبّث الإنسان الدرزي بأرضه، مع ما يعانيه اقتصاديّاً وثقافيّاً وسياسيّاً في ظل القبضة الحديدية الصهيونية المُحْكَمة عليه.

وتحاول الصهيونية بشتّى الوسائل والطرق إقناع الدروز بأنّ لهم خصوصيّتهم المميّزة، وقومية خاصة بهم على غرار «القومية اليهودية»، متناسية شهداء دروز شفا عمرو وكفار عطا عام 1948 الذين سقطوا ضمن الفيلق الدرزي في جيش الإنقاذ دفاعاً عن عروبة فلسطين وحريّتها. ويكفي لمجاهدي الدروز شرفاً أنّهم هم الذين قتلوا «زوريك» (أخ موشي ديان) في العام 1948. فضلاً عن مشاركة مجاهدي الدروز في معظم المعارك ضد اليهود عام 1948 بشهادة فوزي القاوقجي في مذكّراته. تماماً كما قتلوا من قبل القائد الصهيوني العريق الكابتن جوزف ترمبلدور ورفاقه، وهذا ما جعل الإرهابي إسحق شامير يتوعّد الدروز بالثأر والانتقام…

وفي هذا الإطار، أرسل الطلاب العرب الدروز في الجامعة العبرية كتاباً لوزير الداخلية يؤكّدون فيه «أن الدرزية هي مذهب ديني، وأنّ قومية الدروز هي القومية العربية». كما أكّد الشيخ قاسم فرّو من عسفيا: «إنّنا إذا أنكرنا أنّنا عرب نُنكر تاريخ ثوراتنا التاريخيّة… وإنّ من يبتغِ أن يبدّل قوميّته العربية بقومية لم توجد يوماً، ألا وهي «القومية الدّرزية» مقابل عضويّة الكنيست أو راتب أو وظيفة، فإنّ هذا لا يغيّر من التاريخ والحقائق التاريخية شيئاً». وهذا ما يؤكّد عليه أيضاً النائب سعيد نفّاع.

ورغم كلّ الدعايات الصهيونية العنصرية، فإنّهم يعامَلون معاملة متشابهة مع إخوانهم المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين. وقد فسّر المؤتمر القطري الأوّل لِلَجنة المبادرة الدرزية الذي عقد في شفا عمرو بتاريخ 9/9/1978، هذه السياسة العنصرية بحق الدروز قائلاً: «أمام الدعاية لسنا عرباً، وأمام السياسة العنصرية نحن «عرب مئة بالمئة»».

لكن ردّة الفعل الدرزية تُثْبت بالدليل القاطع عروبة الدروز، وتحرّكاتهم في الأرض المحتلة المناهضة للاحتلال ورفضهم الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي أكبر شاهد على ذلك. وكثير من الشباب الدرزي في داخل فلسطين المحتلة تعرّضوا للاعتقال والسجن نتيجة هذه المحاولات، مصمّمين على التخلّي عن حياتهم مع تمسّكهم الصلب بالأصالة العربية وترسيخ الانتماء لها، ورفضهم أن يكون الموحّدون الدروز «سكّيناً في ظهر أُمّتهم العربية»…

وخرجت اللجان الدرزية في الأرض المحتلّة كخطوة أولى على هذا الطريق، وكدليل على تشبّثهم بالأرض وعلاقتهم العضوية بها. وكانت «لجنة المبادرة الدرزية» برئاسة الشيخ فرهود قاسم فرهود إحدى العلامات البارزة في طبيعة الصراع. وليس الشاعر العربي الفلسطيني الدرزي سميح القاسم إلّا أحد الرموز التي تمثّل المقاومة بأروع صورها، وعندما رفض الانصياع لقانون التجنيد الإلزامي قال: «إنَّني كعربي أؤمن بعروبتي… أرفض حمل البندقية، وإنَّ تجنيدي بالقوة سيحيلني إلى مجرم… وستكونون مسؤولين عن كلِّ النتائج».

كذلك الحال بالنسبة للصحفي التقدمي سلمان الناطور، الذي أعلن موقفه الرافض للخدمة العسكرية في جيش الاحتلال قائلاً: «إنَّني أرفض الخدمة في جيش الاحتلال لأنّني إنسان أولاً، وعربي ثانياً، وفلسطينيّ ثالثاً، ودرزيّ رابعاً».

وتأتي انتفاضة دروز هضبة الجولان ضدّ السلطات الصهيونية حلقة من سلسلة المقاومة الدرزية للصهاينة، وهي امتداد للمرحلة السابقة التي بدأت بالمَرَدة والبيزنطيين والصليبيين والمغول والمماليك والعثمانيين مروراً بالفرنسيين وانتهاء بالصهيونية وحلفائها.
فعملية البقاء التوحيدي الدرزي لا يمكن ترسيخها إلا بمقاومتها لهذا الأخطبوط الصليبي القديم – الجديد. كما يتّخذ في كثير من الأحيان طابع التحدّي المباشر والمدوّن خطيّاً كما هي الحال مع عاصم الخطيب أحد قادة لجنة المبادرة الدرزية في رسالته المفتوحة إلى غولدا مائير رئيسة وزراء الصهاينة سابقاً والتي يقول

فيها: «أقسم لك يا سيّدتي قَسَماً عربيَّاً… ولكي تنامي يا سيدتي مرتاحة البال اتبعي هذه النصائح بعد أن تحفظيها:

  1. تقول دائرة المعارف البستانية… إنّ من أجداد الدروز الحاليين عشرة ممَّن بايعوا الرسول (صلعم) بيعة الرضوان تحت الشجرة.
  2. الأنسيكلوبيديا العبرية تؤكِّد وتقرّر أنَّ الدروز عرب أقحاح.
  3. في نشرة داخلية سِريّة لمكتب مستشار رئيسة الوزراء صدرت عام 1958 ورد في صفحة 6 قول الدكتور حاييم بلانك: «لغة الدروز العربية على الإطلاق، ولا مجال للافتراض بأنّ أصل الدروز يختلف كثيراً عن أصل الناطقين بالعربية». ويضيف الدكتور بلانك: «يخطئ من يعتقد أنَّ الدروز ليسوا عرباً، فالدروز هم قحّ العرب».

وردّاً على عروبة الدروز أصدرت وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية ثلاثة كتب بإشراف الدكتور الصهيوني جبرائيل بن دور هي: «التراث الشعبي الدرزي» و«القيم والتقاليد الدرزية» و«دروس في الآداب الدرزية». وضمن خطّة إقامة الدويلات في المنطقة العربية عمدت الصهيونية بعد سقوط الهضبة السورية في أيدي القوات الصهيونية لطرح مشروع الدولة الدرزية، ولم يكن هذا الطرح الصهيوني بصدد إقامة الدويلات الطائفية في المشرق العربي جديداً، لكن أهميته تكمن بُعيد الانتصار السياسي والعسكري الصهيوني على الأنظمة العربية، وإظهار القوة الصهيونية بأنها «قوّة لا تُقهر».

وقد كان لكمال جنبلاط – عبر المحامي كمال أبو لطيف وكمال كنج أبو صالح (من الجولان) – دور هام في إفشال هذا المخطط وتبليغه للسلطات الرسمية في سوريا ومصر والعراق ولبنان يومها…، ممّا كان له أبلغ الأثر على مختلف الأصعدة المتعلّقة بالموحدين الدروز ومواقفهم الوطنية والعروبية الملتزمة بمذهبهم التوحيدي… إنّه الدور المشرّف «للكمالات الثلاثة» على هذا الصعيد.

من هنا يتوضّح بكل جلاء أنّ موقف الدروز من عروبة فلسطين لا تشوبها أية شائبة. ومهما حاول أعداؤهم أن ينالوا منهم ويشوّهوا حقيقتهم، تبقى الحقائق التاريخيّة وتجاربهم في ميادين الحياة المختلفة، المعيار الأوّل والمقياس الوحيد للحكم عليهم. و«القومية الدرزية» (الخرافة) هي ذاتها «القومية اليهودية» التي قامت على أساسها دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين. فقومية الدروز هي القومية العربية ولن يرضَوْا عنها بديلاً. وهم، أينما كانوا في مناطق تواجدهم، يشربون من نبع واحد هو «التوحيد»، والتوحيد لا يدعو مطلقاً إلى التقسيم القائم على العنصرية والتمزّق والتشتّت. فوحدتهم هي الوحدة العربية، وكذلك قوميتهم. ومن يحاول من المغرضين والحاقدين تحميل «الأقليَّة الدرزية» في فلسطين، التي كان عددها عام 1948 نحو 14 ألف نسمة مسؤولية النكبة وسرقة فلسطين يومها، فهم مخطئون فعلاً… مع العلم أنّ قرار إبقاء هذه الأقلية في أرضها للدفاع عنها، يعود إلى كمال جنبلاط والأمير مجيد أرسلان وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز محمّد أبو شقرا، يومها، والبيان التاريخي الذي صدر بهذا الخصوص عام 1948، مع رفض مطلق لترك أرضهم وبيوتهم ووطنهم… (مع الأمل بالتدخّل الدولي العادل لحلّ المشكلة). كما كان للقائد سلطان باشا الأطرش موقفه أيضاً لبقاء دروز فلسطين في أرضهم وعدم مغادرتها، باعتبار أنَّ المغادرة تعني «اللّاعودة».

ويدرك الدروز إدراكاً واعياً أنّ «مشروع الدولة الدرزية» هو مشروع صهيوني استعماري، على أساسه قامت «إسرائيل» العنصرية التوسعية، واعترفت بها أميركا، ورئيسها ترومان، بعد سبع دقائق من إعلان قيامها. وأي كيان لها في المنطقة العربية، هو نسخة عنها، وطعنة للعرب والعروبة. كما أكّد الأستاذ وليد جنبلاط، في محاضرة ألقاها بدعوة من «رابطة العمل الاجتماعي» في مقرها في بيروت، في معرض كلامه عن الطائفة الدرزية مؤكِّداً «إنّنا طائفة وطنيّة عربيّة، تقدميّة منذ فجر التاريخ، وهذا تاريخنا ولا نستطيع أن نتخلّى عن هذا المنطلق الأساسي». وعن الدور الوطني للطائفة الدرزية قال: «لا يمكن النظر إلى دورها الوطني إلّا من خلال كون الطائفة الدرزيّة من الإسلام والعرب في آن واحد».

وبهذا المعنى أيضاً وجّه العقيد معمّر القذافي برقيته إلى الملوك والرؤساء في الدول العربية والإسلامية في أيلول 1983 بمناسبة «ثورة الشوف» كما سمّاها، قائلاً: من العار أن يقف رؤساء وملوك الدول العربية والإسلامية متفرّجين في حين تقوم الدول الغربية والصهيونية في حملة صليبية عاشرة لقتل عشيرة عربية أصيلة (الدروز) تدافع عن العروبة والإسلام في أرضها التاريخية. أيلول 1983/ معمر القذافي.

هذه باختصار أبرز النقاط التي تؤكّد عروبة وإسلاميّة ووطنيّة الموحدين الدروز في فلسطين والجولان ولبنان وسوريا، كما في أي بقعة من بقاع تواجدهم. وهي الردّ المنطقي والطبيعي على كلّ الافتراءات والمزاعم التي تهدف إلى سلخهم عن أصولهم العربيّة والإسلامية، وتعمل على خلق هويّة خاصّة بهم، لا تمتّ إلى حقيقتهم التاريخيّة بأيّة صلة. وفي النّهاية نستطيع القول: إن: صاحب البيت أدرى بالذي فيه…


المراجع

  1. «الموسوعة الفلسطينيّة»، الجزء الثاني (إعداد د. أنيس صايغ)، الطبعة الأولى، دمشق 1984.
  2. سعيد نفّاع «العرب الدروز والحركة الوطنية الفلسطينية حتى الـ1948 »، الدار التقدمية، المختارة – لبنان، الطبعة الأولى 2010.
  3. د. صالح زهر الدين، «المسلمون الموحدون الدروز من أسلافهم حتى اليوم»، طبعة أولى 2019 (إصدار خاص).
  4. تيسير مرعي وأسامة ر. حلبي، دراسة بعنوان: «الحياة تحت الاحتلال: مرتفعات الجولان»، نشرت في مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 13، شتاء 1993.
  5. غالب،أبو مصلح، «الدروز في ظل الاحتلال الإسرائيلي»، مكتبة العرفان، بيروت 1975.
  6. نبيه القاسم، «واقع الدروز في إسرائيل»، القدس، مطبعة دار الأيتام الإسلامية الصناعية، الطبعة الأولى1976.
  7. أنيس فوزي قاسم، «قانون العودة وقانون الجنسية الإسرائيليان»، بيروت 1972.
  8. الأمير شكيب أرسلان، «النقد التاريخي وعروبة آل معروف»، دراسة نشرت في مجلة «الميثاق»، الجزء السادس، حزيران 1980.
  9. عز الدين المناصرة، «الدروز الفلسطينيون»، دراسة نشرت في مجلة «شؤون فلسطينية»، عدد 108، ت2، 1980.
  10. Toufic Touma, «Paysans et Institutions féodales au Liban», (2 tomes), Beyrouth.
  11. Volney, «voyage en Egypte et en Syrie», Tome 2, Paris 1959.
  12. Adel Ismail, Histoire du Liban, Tome 1, Paris 1955.
  13. «الأنباء» (جريدة ناطقة بلسان الحزب التقدمي الاشتراكي)، بيروت، العدد 1400. الاثنين 15 شباط 1982.
  14. «الضحى»، العدد 02، كانون الثاني 2011.

الأستاذ رؤوف أبوزكي

كثيرون هم الناجحون في الحياة، لكن المبدعين قليلون. تراودنا الكثير من الأسئلة عن أسباب نجاح شخصيّات في مجتمعنا وبلوغهم أعلى المراتب، في حين أنّهم يتحدّرون من عائلات فقيرة ومجتمعات قرويّة ضيقة.. إنّها قِصص نجاح يسطُّرها بعض الناس فيخطّون بذكائهم ووعيهم مسيرة حياتهم ويتوّجونها بالنجاحات والإبداعات.
ومن هنا، استوجب الأمر أن نسلّط الضوء عليهم كي نتعلّم من تجاربهم وخبراتهم في الحياة. لذلك كان لنا لقاء مع الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال ورئيس تحرير مجلّة «الاقتصاد والأعمال» الأستاذ رؤوف أبو زكي، وهو أيضاً عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان وعضو استشاري في العديد من المدارس والجامعات، وقد حاورته راغدة الحلبي وطرحت عليه الأسئلة التالية:

حدّثنا عن بداياتك في عالم الصّحافة والإعلام؟

إنّني صحافي بالشّغف والموهبة وليس بالعلم، ففي ذلك الوقت عندما بدأت أمارس المهنة، لم يكن هنالك اختصاص جامعي للصّحافة والإعلام. لكنني كنت أعلم ماذا أريد منذ الطفولة، إذ قررت أن أكون صحافياً – كنت أكتب خواطر ووجدانيات وأنشرها في الصحف باسمي أو بأسماء مستعارة – إلى أن توافر لي مركز شاغر لوظيفة محرّر في وكالة الأنباء المحلّية حيث تخصصت بتغطية أخبار النقابات والنشاطات العمالية. بدأت العمل براتب مقداره 15 ليرة لبنانية في الأسبوع، وكان ذلك في عام 1962. ثم انتقلت إلى وكالة أنباء بيروت حيث أصبحت أغطّي النشاطات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والعمالي وارتفع راتبي الشهري إلى 150 ليرة لبنانية.

من اليمين السادة: سعيد خوري، الرئيس سعد الحريري، الرئيس فؤاد السنيورة ورؤوف أبوزكي

متى بدأت العمل مع جريدة «النّهار»؟

في تلك الأثناء، صِرت أعطي تحقيقات لجريدة «النهار»، إذ كان هدفي الأساسي العمل فيها، وكنت أتقاضى 25 ليرة وأحيانا 50 ليرة لبنانية عن كل تحقيق، وبعد مدّة عرضوا عليّ العمل كمتفرّغ في «النهار»، فوافقت على الفور، وعندما سألوني كم أتقاضى من الوكالة التي أعمل بها، خجلت أن أخبرهم بالحقيقة، فقالوا لي سندفع لك 350 ل. ل.، وهكذا ربحت المركز الذي أريد وأصبح معاشي أكثر من الضّعف، علما بأنني كنت مستعدّاً للعمل في النهار ولو من دون مقابل لأنّها كانت الحلم الذي أسعى لبلوغه.

أخبرنا عن دورك في تطوير القسم الاقتصادي في «النهار»؟

في «النّهار»، بذلت مجهوداً كبيراً في العمل، إذ كنت وعلى مدى خمس سنوات أحرّر صفحة كاملة في القسم الاقتصادي، بعدها تم إحضار شخص آخر للعمل معي في القسم الاقتصادي ثم أصبحنا ثلاثة، وبدأ القسم الاقتصادي – الاجتماعي في الجريدة يكبر ويحتل مركزاً طليعيّاً في الصحافة اللبنانية. والواقع أنَّ تخصّصي في شؤون العمال والنقابات كان له دور رئيسي في وصولي إلى «النّهار»، إذ كانت إدارة الجريدة تبحث عن تغطية ذلك الجانب. وما يُميّز جريدة «النهار» أنها كانت تمنحنا مساحة واسعة من الحرّية، وهذا ما ساعدني على تكوين خبرات وتجارب واسعة، ومن حسن حظي كان مدرائي في تلك الفترة من جهابذة «النهار»، منهم: رئيس التحرير لويس الحاج، وعميد «النّهار» غسان تويني، ومدير التحرير فرنسوا عقل الخ..

في المرحلة الثانية من عملي في «النهار»، بدأت أسلّط الضوء بقوة على القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة. وفي العام 1972 طلبت من الأستاذ غسان تويني بأن يُصدر عدداً خاصاً عن الصناعة، فرفض طلبي قائلاً: «وين في صناعة بلبنان يا ابني؟». فانكفأت، لكن مع الوقت ازدادت قناعتي بأهمّية الموضوع، ففاتحته مجدّداً بالأمر، وعندما رآني مصراً على رأيي وافق وأعطاني الضوء الأخضر للانطلاق. وبعد فترة أطلعته على التحضيرات ففوجئ بالنتيجة، وقال لي بأنه يريد أن يكتب افتتاحية العدد. كانوا قلّة من الإعلاميين يعلمون واقع الصناعة في لبنان. ففي ذلك الوقت كانت مصر وسوريا قد أمَّمتا المؤسسات، فهرب الصناعيون منهما وجاؤوا إلى لبنان، الأمر الذي خلق حركة صناعية واقتصادية في لبنان. وهكذا، كنت أوّل من أوجد الإعلام الصناعي في لبنان من خلال جريدة «النهار»، بل صار لدينا عدد سنوي عن الصناعة.

وفي انتخابات غرفة الصناعة والتجارة في بيروت وجبل لبنان العام 1972 كانت هناك لائحة ذات طابع تجاري برئاسة ڤيكتور قصير وعدنان القصار، ولائحة ذات طابع صناعي برئاسة رفيق غندور، فأخذت موقفاً مؤيّداً للائحة الصناعيين، وطبعاً كان حظها بالفوز ضئيلاً، ذلك لأنّ عدد الصناعيين أقل بكثير من عدد التجار، وهكذا فازت لائحة التجار.

في الواقع، كان لي دور كبير في نتائج انتخابات جمعية الصناعيين اللبنانيين لدورتين متتاليتين إذ ساهمت بمجيء رئيسين للجمعية، هما: جورج عسيلي وفؤاد أبي صالح.

من اليمين: السادة وليد جنبلاط، محمد الزعتري، الشيخ صالح عبد اللّه كامل، ورؤوف أبو زكي.

ما هي الأمور التي اكتسبتها من عملك في «النهار» وجعلت لك حضوراً قويا؟

من خلال عملي في «النهار»، استطعت أن أكون عنصراً مؤثّراً فقد أطلقت حملة ضخمة ضد التكتلات الاحتكاريّة في لبنان، فسلَّطت الضوء على محتكري اللحوم والدجاج والأدوية وعلى المرابين وغيرهم. وأقيمت ضدي وضد «النهار» الدعاوى في المحاكم، لكنّ إدارة الجريدة كانت تساندني. وقد تركت هذه الحملة أثراً كبيراً في مختلف الأوساط. وكنت، أيضاً، قد واكبت ولادة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وقمت بتوظيف أوّل موظف في الصندوق، وكان زميلاً لي في الدراسة. ثم واكبتُ إعلاميَّا نشاط صندوق الضمان ومجلس إدارته واجتماعاته. وقد ساهمنا كثيراً في تصويب الأمور، خصوصاً، وأنَّ «النهار» كانت ولا تزال كلمتها مؤثرة.

أمضيت 15 سنة من العمل في جريدة «النهار»، وقد جاءني خلالها الكثير من العروض المُغرية، لكنني كنت أرفضها. ففي إحدى المرّات أرسل لي أحدهم صديق مشترك عارضاً عليّ العمل في صحيفته، وقد أبدى استعداده لتقديم شيك أبيض تاركاً لي القرار بتحديد المعاش الذي أريد، فأرسلت له شكري وتقديري ورفضت عرضه المغري ماديّاً لأنني كنت مرتاحاً في «النهار»، ولم أكن أؤمن بتغيير الأمكنة سيّما وأنني كنت في المؤسسة الإعلامية الأولى في لبنان بل وفي العالم العربي.

متى أسّستم مجلّة «الاقتصاد والأعمال»؟

في عام 1975، أسستُ شركة إعلامية مساهمة صدر عنها مجلة «الاقتصاد والأعمال»، ولَم يكن لديّ المال، بل لديّ أفكاري وخبراتي المهنيّة وثقة المساهمين وجميعهم رجال أعمال، واستطعت أن أكسب دعمهم، فبدأنا العمل بمبلغ مليون ليرة لبنانية. ثم بدأت الحرب وأدركنا أنّها ستكون طويلة ولا مجال للعمل في لبنان، فانتقلنا في عام 1982 إلى باريس حيث أسّسنا مكتباً للمجلة، وكان عبارة عن غرفتين، وهناك أمضينا عشر سنوات من العمل.

بعد ذلك بدأت أستجلب مساهمين عرب لزيادة رأسمال الشركة، فكانت انطلاقة أُخرى مميّزة بحيث أصبحت مجلة «الاقتصاد والأعمال» شركة مساهمة لبنانية عربية تضم نحو 40 مساهماً. وبالطبع فإنّ وجودنا في فرنسا ساهم في تطويرنا. فانطلقت باتجاه فكرة المؤتمرات، ونظمنا أوّل مؤتمر في العام 1988 في تونس، والمؤتمر الثاني في باريس العام 1991. وبعدها كانت الانطلاقة الكبرى في بيروت مع تولِّي الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومة في لبنان. وهذا المؤتمر الذي بدأ العام 1993 في بيروت مستمر حتى اليوم ونحن نستعد لتنظيم الدورة الـ 28 وهو يحمل اسم «منتدى الاقتصاد العربي». كما أقمنا مشروعاً مشتركاً مع جريدة Financial Time وهو عبارة عن نشرة تصدر بالعربية، وأطلقنا عليها اسم نشرة «الأعمال». وقد ساهمت هذه النشرة في ترويجنا إعلانيّاً في الأسواق الدولية، لأنّها مشروع مشترك مع صحيفة عالمية مرموقة. وبعد 10 سنوات من العمل في باريس عدنا إلى لبنان مع تولي الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومة.

كيف كانت علاقتك مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟

الرئيس الحريري يتوسط من اليمين السادة د. جوزيف طربيه ورياض سلامة ومعالي الأستاذ عمرو موسى ورؤوف أبوزكي

تعرّفت على الرئيس الحريري عام 1981 عندما اشترى بنك البحر المتوسط، ذهبت حينها إلى الرياض بناء على طلبه حيث كتبت له الخبر عن شراء البنك، ومن يومها تكوّنت علاقة صداقة وطيدة بيني وبينه. وقبل استلامه رئاسة الحكومة بأربعة أشهر، كتبتُ مقالاً ناديته فيه بدولة الرئيس، والسبب أنني وبينما كنت أتناول معه طعام الغداء في قصره في جدة، استشارني حينها بموضوع خطاب سيلقيه في حفل تخرّج لطلاب الجامعة الأمريكية في بيروت، فأوضحتُ له مُقترحاتي، وإذ به ينادي أحدهم لإحضار الكلمة التي أعدّها للمناسبة، فعندما قرأتها قلت له: «مبروك دولة الرئيس». بمعنى أنها بيان – إعلان ترشّحه لرئاسة الحكومة في لبنان.

وبعد تسلّمه رئاسة الحكومة ببضعة أشهر اقترحت عليه تنظيم مؤتمر يستقطب مستثمرين خليجيين وعرب، فأجابني قائلاً: «كبّر عقلك مين رح يجي يستثمر، فلا يوجد مطار ولا كهرباء». كان ردّي له:
«دع الأمر لي، وإنني سألتزم بإحضار 100 مستثمر خليجي». وبعد فترة ذهبت إلى باريس حيث كانت لاتزال عائلتي وعائلته هناك، فالتقيته في منزله في عيد الأضحى وكان معنا مدير البنك مصطفى رازيان، فأخبرته بأنني أمَّنت 90 مشاركاً لحضور المؤتمر، وأطلعته على اللائحة، فإذا به يُفاجأ بنوعيّة الشخصيات المشاركة الرفيعة المستوى، وحينها أكّدت له أنّه بعد العيد سيُصبِح العدد 150. وقد شارك حينها 225 شخصيّة في المؤتمر الذي عقدناه في فندق السمرلاند – بيروت، وهو الفندق الوحيد الذي كان مؤهّلاً لعقد هذا المؤتمر، علماً أنّ القاعة كانت مخصصة للسباحة الشتوية وتمّ تأهيلها لاستيعاب المؤتمر.

ماهي أهم النتائج التي حصدتَها بعد تنظيم هذا المؤتمر؟

إنّ هذا المؤتمر حجر الأساس لصناعة المؤتمرات في لبنان والعالم العربي، وأصبح مؤتمراً سنويّاً. وفي هذه السنة نظمنا الدورة 27 في بيروت، وكان ضيف المنتدى جمهورية مصر العربية التي تمثلت برئيس حكومتها ومعه 6 وزراء، وحاليّاً نحن بصدد التحضير للدورة الـ 28 التي ستنعقد في حزيران 2020. وقد استطعنا طيلة هذه السنوات تكوين شبكة علاقات واسعة ومهمّة في لبنان والعالم العربي، خصوصاً وأنني كنت ولا زلت على سفر دائم للمشاركة في المؤتمرات والنشاطات الدولية، واستطاعت مجلة «الاقتصاد والأعمال» أن تكون همزة وصل بين رجال الأعمال العرب، واكتسبنا ثقة مجتمع الأعمال.

هل هناك تركيز على بلدان أو قطاعات معيّنة في مؤتمراتكم؟

ثمّة حكايات وخلفيات كثيرة لكل مؤتمر نظمناه في أي بلد لكن لا مجال لعرض التفاصيل في هذه العجالة. لقد نظمت مجموعة الاقتصاد والأعمال حتى نهاية العام 2018 نحو 350 مؤتمراً في 30 دولة. ومعظم المؤتمرات يتكرّر سنوياً. والعمل الناجح وحده قابل للتكرار.

من اليمين السادة: يسمى فليحان، هند الحريري، الرئيس نجيب الميقاتي، الرئيس رجب طيب أردوغان ورؤوف أبوزكي

تترأَّسون اليوم مجلس الأعمال اللّبناني-السعودي الذي يضمّ نخبة كبيرة من رجال الأعمال، كيف تقيّمون العلاقات السعودية – اللبنانية اليوم؟

هنالك علاقة متينة كانت تربط مجموعتنا مع المملكة العربية السعودية. وتتويجاً لهذه العلاقة تم اختياري لترؤُّس الجانب اللبناني من مجلس الأعمال اللبناني-السعودي الذي يقوم بدور فعال في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وبالمناسبة أتذكّر أنّه خلال الملتقى الاقتصادي السعودي-اللبناني الذي نظّمناه العام 2003 فاجأ الملك سلمان الحضور بخطاب مرتجل تحدث فيه عن دور اللبنانيين في المملكة وقد دعوناه ليكون ضيف شرف في الملتقى التالي في بيروت، ولكن الحادث الأليم الذي وقع في مجمع المحيا في الرياض وما تسبب به من أضرار ومن ضحايا ومن بينهم لبنانيين، جعلنا وبالتنسيق مع الرئيس الحريري نبادر وتضامناً مع المملكة إلى تكرار عقد المُلتقى في الرياض مما لاقى ترحيباً وشكراً من الملك سلمان.

وفي كلمته في الملتقى قال الملك سلمان، الذي كان أميراً للرياض يومها: «إنّ العلاقة بين البلدين أخويّة وقويّة ومع مختلف الطوائف مع ساحله الجميل وجبله الأشم وسهله المنيع». وذكّر الملك سلمان برجال من لبنان كانت لهم علاقة قوية مع المملكة منذ تأسيسها منهم مؤرخ المملكة أمين الريحاني ومستشار الملك عبد العزيز فؤاد حمزة وجميل بارودي الذي شغل منصب مندوب السعودية في الأمم المتحدة. وقال الملك سلمان يومها «إنّ طموح اللبناني مثال يحتذى فهو لا يقول عجزت أو لا أستطيع بل يقول أجرّب». وفي هذا السياق ذكّر الملك بأمثال الحاج حسين العويني الذي بدأ تاجراً في جدّة وأصبح رئيساً للوزراء وبالرئيس رفيق الحريري، الذي كان يجلس إلى جانبه في الملتقى، وقال إنّه يمثل الطموح اللبناني مشيراً إلى أنّ «الحريري دخل المملكة وبدأ من الصّفر وكان مدرّساً وموظفاً ثم رجل أعمال، ولم يسجّل عليه أيّ شيء يمسّ بالمملكة ولبنان».

بماذا تميزت مجلة «الاقتصاد والأعمال» عن غيرها من الوسائل الإعلامية المطبوعة؟

مجلة «الاقتصاد والأعمال» لعبت دوراً رياديّاً في مجالات عديدة أبرزها الآتي:
إنّها أوّل مؤسّسة إعلامية عربية ولدت كشركة مساهمة فعلية لا تملكها عائلة أو فرد. وكنت قد كتبت مقالاً تحدثت فيه عن كيفية تحويل النجاح الفردي إلى نجاح مؤسّساتي، فالفرد مهما كان ناجحاً سيأتي يوم ويغادر الحياة، لكن المؤسسة تبقى. وأحد معايير نجاح المؤسسة هي مأسسة النجاح بحيث تتجاوز مؤسّسها وتتمكَّن من الاستمرار معه ومن دونه.
إنّها أوّل مطبوعة أعمال عربية شاملة بمعنى أنها غير محصورة في محتواها وفي توزيعها في بلد عربي واحد.
إنّها أوّل مؤسسة إعلامية عربية تطلق صناعة المؤتمرات في لبنان والعالم العربي. صحيح إنَّه كانت توجد بعض المؤتمرات، لكنها كانت تُنظّم من جهات أجنبية، وهكذا أصبحنا أكبر وأقوى مؤسسة عربية في صناعة المؤتمرات في عالمنا العربي لأنّ أهل مكة أدرى بشعابها.

هل كنت ترى نفسك في بداية مشوار حياتك المهنية في المكان الذي أنت فيه اليوم؟

كنت أرى نفسي صحافيًّا بالفطرة، لكن آخر أمر كنت أفكّر فيه أنني سأكون في صحافة الأعمال والاقتصاد، بل القدر هو الذي قادني اليها. كل ما كنت أفكّر فيه أنني سأعمل صحافياً، وقد منحني الله ملكة الكتابة. وهنا أتذكّر حادثة طريفة، فعندما كنت تلميذاً في مرحلة الثانوية أجريت مقابلة مع نفسي ونشرتها في المجلة المدرسية.

سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز يتوسط الرئيس الشهيد رفيق الحريري رؤوف أبوزكي

ما هي أهم الصّفات والمزايا التي يجب أن يتمتّع بها كل إنسان يطمح لأن يحقق النجاح ويبلغ أعلى المستويات في مجال عمله؟

أوّلاً: وضوح الرؤية، فالإنسان يمتلك قوّة كبيرة عندما يكون عالماً بما يريد. ثانياً: أن يكون مُجَهّزاً بمقوّمات شخصية وبكفاءة علمية تساعده على بلورة الرؤيا ونقلها من الحلم إلى الواقع. ثالثاً: إرادة العمل. رابعاً: المهنيّة العالية. وخامساً: الدقّة في العمل وإتقانه مهما كان نوع العمل. فشرط النجاح هو الإتقان، والإتقان هو الاعتناء بالتفاصيل، والتفاصيل هي فن الحضارة.

هل لديك صداقات مع رؤساء وملوك عرب؟

طبعاً، لدي علاقات ممتازة مع معظم الحكام والرّؤساء العرب، لكن يوجد علاقة صداقة مع القليل منهم، وأفضّل عدم ذكر الأسماء.

لماذا نلحظ في السنوات الأخيرة أزمة مالية تطال الكثير من الوسائل الإعلامية؟

هنالك عدة أسباب جعلت بعض الوسائل الإعلامية اللبنانية تمرّ بأزمة مالية بل وأن بعضها قد أقفل. فالسوق اللبناني صغير، والوضع اللبناني مأزوم، فبلدنا محاصَر، وهنالك مقاطعة من دول الخليج، والحرب السورية على حدوده، ومن الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد بسبب هذه الظروف. كذلك، لم تعد صحافة لبنان هي صحافة العرب كما كانت، إذ أصبح للعرب صحافتهم.

إنّ التحول التكنولوجي أثّر على صناعة الورق، والمشكلة أنّ المواقع الإلكترونية لم تستطع أن تخلق مدخولاً يوازي مدخول الورق أو يكون بديلاً له. وأعتقد أن الأزمة ستزيد، وسيتغربل السوق ولن يبقى هنالك مؤسسات كثيرة. المؤسسات الإعلامية المموّلة سياسيّاً ستستمر والمؤسسات الإعلامية الممتَهِنة وذات المحتوى المطلوب ستستمر أيضاً، وكلّ ما عدا ذلك فإلى زوال على ما أعتقد. المؤسسات الإعلامية تمرّ بأزمة مصيرية وبنيوية، لذلك فإنَّنا نحتاج إلى رؤية جديدة وأفكار جديدة لنرى أيَّ نوع من الصحافة ستبقى في المستقبل، وما هو المردود ومن أين سيأتي..

إلى أيِّ مدى يساهم الإيمان عند الإنسان في مساعدته على تجاوز المحن والصعاب وبلوغ هدفه وأمنياته وتحقيق طموحاته؟

الإيمان يمنحنا القوة النفسية، ويجعلنا لا نخاف الصعوبات، ويجعلنا قادرين على مواجهة الأمور بواقعية وثقة. كما أنّه يعزز فينا الإرادة والثقة والصمود وهذه المقومات تساعد على النجاح. والإيمان هو مصدر قوة كبيرة جدّاً.

من اليمين سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ورؤوف أبوزكي

ما هو دور الإعلام في حماية الشباب والمجتمع من ظاهرة التطرّف، وتوجيههم نحو الانفتاح والحوار؟

الإعلام هو أداة ووسيلة، فإذا كان محتواه إيجابيّاً فإنّه بالتأكيد سيلعب دوراً إيجابيّاً، فيعزّز القيَم والثقافة والوعي والإيمان ويساعد على انتشارها بين الناس. أمّا إذا كان محتواه سلبيّاً، فإنّه بالتأكيد سيؤثِّر بشكل سلبي على المجتمع، فيساهم في بثّ الأحقاد والتفرقة والتطرف بين الناس، فعلى سبيل المثال، ساعد الإعلام داعش على الانتشار بسرعة.

وهكذا فإنّ الإعلام أمرٌ لا بد منه ولا غنى عنه، فهو يسهّل انتشار الأفكار والوعي والثقافة مثلما له دور في انتشار التطرّف، فوسائل الإعلام مجرّد أدوات والمهم هو المحتوى.

ما هي النّصيحة التي توجهّها إلى شباب اليوم، وكيف يمكن تحقيق النّجاح في الحياة برأيكم؟

النجاح يتحقّق بالعمل الدؤوب، والرؤيا الواضحة، وأن نعرف ماذا نريد، وأن لا شيء مستحيل في الحياة، وأن نسعى دائما لخلق الأمل، وأن نتمتع بقوة الإيمان والثقة بالنفس، وأن نوقن بأنّ دوام الحال من المحال.. فعندما أفكر أين كنت، ومن أي بيئة أتيت، عندها أقول: «لا يوجد شيء مستحيل». ففي طفولتي، كنت أعمل في الصيف كي أجني المال لأشتري الملابس وكتب المدرسة. وكنت كغيري من أولاد القرى أمشي في كل صباح من بلدتي إلى بلدة أخرى لأتعلم في المدرسة. وكنت واثقاً من نفسي وأعرف ماذا أريد. وهكذا، تمكّنت من تجسيد أحلامي.

رسالتُنا هي رسالة أمل لكل الذين يعتقدون أنّهم ومن واقعهم المعيشي الصعب الذي هم فيه لا يمكنهم تحقيق مطامحهم وأحلامهم. ّ إنّ تجربتي في «الاقتصاد والأعمال» هي، في ذاتها، رسالة أمل لكلّ هؤلاء. ومن سار على الدرب وصل.

من اليمين ملك الأردن عبد الله الثاني ورؤوف أبوزكي

مِهرجانات صيف ٢٠١٩

مرّةً جديدةً يدفع الجبل ولبنان عمومًا ثمن التأزّم السياسي والتوتّر الأمني والتراجُع الاقتصادي الذي خيّم على البلاد طيلة الأشهر المُنصرمة من سنة ٢٠١٩. ومرّة جديدة يُخفق أصحاب المؤسّسات التجارية والفندقية والسياحية عمومًا في تعويض خسائر الأعوام الماضية، أو في تحقيق التوازن الذي يبقي تلك المؤسّسات على قيد الحياة، ويبقي لأصحابها وموظفيها فرصة الاستمرار في هذه الظروف الاقتصادية الحرجة. رغم ذلك، لم تنقطع جهود البلديّات والاتحادات البلدية والمؤسّسات السياحية في محاولة التغلب على الوضع الاقتصادي الصعب الناجم خصوصًا عن انحسار السياحة والاصطياف الخليجييِّن إلى الحد الأدنى، وكسببٍ مباشر عن التأزم الأمني وارتفاع حدّة الخطاب السياسي.

وبين أبرز تلك المحاولات، سلسلة المهرجانات الدولية والفعاليات السياحية والبيئية التي توّجت صيف الشوف وعاليه والشويفات وصولًا إلى راشيا وحاصبيا.فعلى مدى أشهر الصيف، غُصَّت تلك الأقضية والمدن باحتفالاتٍ ونشاطاتٍ استرجعت فرح المواطنين واستقطبت السيّاح والمغتربين، مجسّدةً بذلك إصرار اللبنانييِّن على ثقافة السلام وتمسّكهم بإرادة الحياة.

السيدة نورا جنبلاط ووزير السياحة أفيديس كيدانيان خلال إطلاق موسم صيف الشوف 2019.

 

 

 

 

 

 

 

وفي سياق نشر روح المحبة والتسامح وتعزيز مكانة الجبل وترجمة أصالته ووحدته وتنوّعه، فقد أطلقت لجنة مهرجانات بيت الدين ومحمية أرز الشوف، «موسم صيف الشوف ٢٠١٩» برعاية وحضور وزير السياحة أواديس كيدانيان، وبالتعاون مع جمعية تجّار الشوف وتجمُّع الصناعييِّن في الشوف والبلديات واتحادات البلديات والجمعيات الأهلية والأندية الثقافية والرياضية، وذلك خلال احتفالٍ أُقيم في قصر الأمير أمين- بيت الدين، في حضور رئيسة لجنة مهرجانات بيت الدين السيدة نورا جنبلاط وفعاليات أُخرى.. واحتضنت عروس الجبل»مهرجانات عاليه للإنسانية» التي أُقيمت برعاية البلدية وبالتعاون مع جمعية تجار عاليه وعددٍ من الجمعيات الأهلية. وقد تضمّنت المهرجانات جملة أنشطة ثقافية وسياحية وفنية، تمّ تخصيص رَيْعها لدعم مراكز الدفاع المدني.

ولم تَغِب بَهجة الاحتفالات عن مدينة الشويفات، حيث انطلق «مِهرجان الفرح» الرابع عشر برعاية وزارة السياحة، ليجدّد الأمل بما يمثّله أهلها من سمات الرّقي والمحبة، فتلاقَوْا في شوارع مدينتهم تحت شعار «جمعتُنا أحلى فرحة».
وبدعوة من البلدية و«تجمّع شباب راشيا»، افتُتحت مهرجانات صيف راشيا تحت رعاية رئيسة مهرجانات بيت الدين الدولية السيدة نورا جنبلاط، حيث أُقيم على مدرّج قلعة الاستقلال مهرجان فني حاشد كرّس عشق اللبنانيّين لوطنهم ومازج بين صخب الموسيقى وما تحمله القلعة من معاني التضحية والوطنية.

وفي باحة سوق الخان الأثريَّة، أطلقت لجنة مهرجانات حاصبيا السياحية السنوية بالتعاون مع البلدية، مهرجان صيف ٢٠١٩ برعاية وزير السياحة أواديس كيدانيان. وعلى مدى ثلاثة أيام ألهبت فعاليات المهرجان الساحات والشوارع لتشكّل امتدادًا لأوجه الحياة والفرح من الجنوب إلى شتّى أنحاء الوطن.

[Best_Wordpress_Gallery id=”21″ gal_title=”مهراجانات صيف 2019″]

حفل العشاء السنوي

أقامت اللجنتان الاجتماعية، وشؤون الاغتراب، في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، العشاء السنوي الخيري في فندق فينيسيا، بمشاركة شخصيات وفعاليات عدة كان في مقدمها ممثلين عن رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب أنور الخليل، وعن شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن رئيس لجنة الاغتراب في المجلس جمال الجوهري، وعن رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط وزير الصناعة وائل أبو فاعور، والنواب نعمة طعمة، ومروان حمادة، وهنري حلو، وفيصل الصايغ، وهادي أبو الحسن. كما حضر كلٌ من النواب السابقين ناصر نصرالله، وانطوان سعد، وعلاء ترو، وعصام نعمان، والوزيرين السابقين اللواء أشرف ريفي وابراهيم شمس الدين، وممثل الوزير السابق ناجي البستاني، والأستاذ عباس خلف، وسفير لبنان في السعودية فوزي كبارة.

كما شارك رئيس الأركان في الجيش اللواء الركن أمين العرم، وقائد الشرطة القضائية العميد أسامة عبد الملك، ومدير الأمن القومي العميد وائل أبو شقرا، وعضو المجلس الدستوري القاضي رياض أبو غيدا، ومفوض الحكومة في مجلس الإنماء والإعمار الدكتور وليد صافي، والمدراء العامين الدكتور عمّار، وأحمد محمود، وزياد نصر، والمراقب المالي لمجلس الجنوب ياسر ذبيان، ومستشار وزير التربية والتعليم العالي أنور ضو، وأمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر، والقيادي حليم أبو فخر الدين، والدكتور ناصر زيدان. كما شارك في الاحتفال عددٌ من المفوضين ووكلاء الداخلية، وأمين عام جبهة التحرر العمالي العام أسامة الزهيري، ورئيس الحركة اليسارية اللبنانية منير بركات، وعضو هيئة الاتحاد العمالي العام أاكرم عربي، وقائمقام الشوف مارلين قهوجي إلى جانب أمين السر في المجلس المذهبي نزار البراضعي، ومدير عام المجلس مازن فياض، ومدير مشيخة العقل ريان حسن، ورؤساء لجان وأعضاء في المجلس، وأمين عام مؤسّسة العرفان التوحيدية الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، ووفد من اللقاء الروحي في لبنان ممثلاً للطوائف الإسلامية والمسيحية، وشخصيات وفاعليات سياسية، وعسكرية، وحزبية، واجتماعية، وبلدية، ووفودٌ اغترابية مختلفة.

جنبلاط
بعد تقديمٍ من الأستاذ جهاد الاطرش، ألقت رئيسة اللجنة الاجتماعية في المجلس المذهبي السيدة غادة جنبلاط كلمةً قالت فيها، «كلما التقينا أتينا كلجنةٍ اجتماعية، ومعنا الجديد. معنا الإنجاز المحقّق على صورة لبنان الذي نريد. كلما التقينا فرحنا بكم… وحزنّا على لبنان، وكأننا ها هنا في المشهد القديم ذاته. لا زيادة ولا نقصان. بلى. ثمة نقصانٌ في الفرحة، وفي الآمال. فكلَّما داوينا جرحاً سالت جراح. وفي السياق ذاته، وعلى الايقاع نفسه، تتفجّر الأزمات من حيث لم يكن يدري أحد، أو يتوقع. ولكن، وكما يُقال في زمن الأزمات تأتي الفرص، ونحن لهذه الفرص بالمرصاد. وسنعمل ما استطعنا لكسبها على الارتقاء بوحدتنا الجامعة. وكلمتنا السواء مهما تعدّدت الآراء وتنوعت. فكلّنا في نهاية المطاف موحدون… فلنتوحد هنا وهناك، ولنعمل معاً لما فيه خير الجميع».

ولفتت إلى «تقديم نحو ستة عشر ألف مساعدة بقيمة تفوق الـ 3 مليارات ليرة أخذت طريقها إلى مستحقيها وفق برامج محددة، وآلياتٍ معينة، ومعايير مدروسة، وثمة بعدُ المزيد. أهم أهدافنا في ثالث ولاية أوجزها كالتالي: تفعيل العمل في المركز الصحي في عاليه، مركز الرعاية الأولية، وتوسيع مروحة التقديمات والخدمات الطبية لتشمل اختصاص العيون، وطب الأسنان للأطفال، وحصلنا في هذا الإطار على عياداتٍ مجهزة بأحدث التقنيات. وسوف نُطلق حملةً قريباً تحت شعار: «صحة الاطفال في صحة أسنانهم. واسمحوا لي هنا أن أتقدم بجزيل الشكر من السيّد مروان نعيم الذي تبرّع بعيادة العيون، ومن السيدتين لُمى ولميس الجوهري اللتين تبرعتا بعيادة الأسنان.

الجوهري
وألقى الأستاذ جمال الجوهري، ممثل سماحة شيخ العقل، كلمةً قال، «نجتمع معكم في هذا العشاء السنوي الذي تميّز هذا العام بشراكة اللجنتين الاجتماعية وشؤون الاغتراب، لكي نشبك أيادي المقيمين والمغتربين معاً للارتقاء بطائفة الموحدين الدروز على كل المستويات، وقد لبّى النداء عددٌ كبير من المغتربين يمثّلون أكثر من 15 دولة ومنطقة، جاؤوا خصيصاً للمشاركة، رغم الوقت القصير جداً على تلقّيهم الدعوة، ما يمثل حرصهم، وشوقهم، واندفاعهم للتعاون والعمل من أجل أهلِهم ووطنهم».
وأضاف: «لقد وضعنا في إطار الخطط الخمسية والرؤية المستقبلية للمجلس المذهبي، برنامجَ عملٍ طموحاً للجنة، يتمحور حول مساراتٍ ثلاثة رئيسية تبدأ بتعزيز التواصل مع المغتربين، لبناء قاعدة بيانات مستدامة لخدمة شؤون أبناء الطائفة والوطن، وذلك من خلال الناشطين والمتطوعين والمؤسّسات في لبنان، وفي بلدان الاغتراب. وقد تمّ إطلاق المنصة الإلكترونية لتكون بمثابة، «بوابة معرفة» لأبناء الطائفة حول العالم. كما بدأنا وضعَ برنامجٍ خاص بالأنشطة والفعاليات لتعزيز التعاون والشراكة، وباكورة هذه الأنشطة المؤتمر الاغترابي 2020، الذي ومن هذا العشاء نطلق فعالياته وإياكم. وندعوا أبناء الطائفة المقيمين، كما المغتربين، للحضور والمشاركة بما يحقّق أهدافه التي تتلخص في جمع الشمل، والإضاءة على التحديات، واقتراح الحلول والأفكار، وسيكون للّجنة جولة على مختلف دول الاغتراب للتأكيد على أن المشاركة في المؤتمر هي فعلٌ وخطوةٌ باتّجاه صناعة وعيٍ جماعيٍ وطني لبنان بأمسّ الحاجة إليه. وتشمل فعاليات المؤتمر إطلاق برامج ونشاطات اجتماعية دينية ثقافية فنية واقتصادية، وسيشكل منصة لإطلاق مبادرات ومشاريع ذات أثرٍ اجتماعي، ومن شأنها توفير حركة اقتصادية إنمائية مهمة تضفي على المجلس المذهبي ميزةً إضافية تتمثل في جعله مجلس إنماء وتطويرٍ وحداثةٍ، وخدمة اجتماعية واقتصادية عامة».

وختم بالقول «باسم سماحة شيخ العقل نؤكّد على أن طائفة الموحدين الدروز، المؤمنة بقيام الدولة العادلة والمتوازنة، والمبنية على الشراكة الفعلية الحقيقية، تتمسك بالميثاق الوطني والعيش المشترك، والمصالحة الوطنية التاريخية في الجبل. وهي ستقرن الأمل بالعمل من أجل تحقيق مجتمعٍ ديمقراطي ترعاه وتحكمه القوانين والأنظمة بعيداً عن كل أشكال الاستئثار، والتحريض، والفتن، والتعطيل».

وتابع: «مهما تغيّرت الظروف وتبدّلت الأوضاع، بنو معروف هنا باقون. أرضنا هنا ونحن فيها متجذرون. تراثنا هنا، أجدادنا، آباؤنا. تاريخنا هنا، ومستقبلنا هنا. همّنا واحدٌ، خير الإنسان، ومصلحة الطائفة والوطن هي المعيار والمحرّك والدافع. نحمِلُ الطموح، ونسعى لتحقيقه لنرتقي معاً بهذا الوطن إلى المصاف الذي نريد».

وختاما جرى تكريم الراحلة عفيفة المصري، ونضال أبو لطيف بدرعين تقديريين من قِبَل ممثلي الرئيس برّي، وشيخ العقل، والنائب جنبلاط، وغادة جنبلاط.

الشُّوَيفات

تمهيد

مثلما كانت الشويفات لفترة طويلة مدينة البحور الثلاثة (الأخضر، الأصفر، والأزرق)، هي اليوم وبامتياز مدينة الحركة التجارية الناشطة، والإنتاج الصناعي الكثيف؛ مدينة المدارس والجامعات والعلماء والأدباء والشعراء البارزين؛ وهي أيضاً مدينة الوحدة الوطنية. بهذه الروح تُقارب الشويفات، المدينة العزيزة، لتجلو بعضاً من خصائصها الممَيِّزة: ماضياً، حاضراً، سُكّانياً، تنمَوياً، ثقافياً وتربوياً، إنتاجاً وإبداعاً، إلى سائر ما تختزنه الشويفات الغنية من تراث، وإمكانيات، ومن آمالٍ معقودة على بلديّة الشويفات الزاهرة ومسؤوليها الكرام.

لذلك كلّه، بدأت جولتها بزيارة حضرة رئيس بلدية مدينة الشويفات، النشيط والساهر على عمليّة تنمية الشويفات وخدماتها، الأستاذ زياد حيدر. كما كان لها لقاءات موسّعة مع المعنيين بإنماء المدينة والمتخصصين بتاريخها الغني.

رئيس التحرير

قطعة سكر

تعلمنا الحياة اشياء كثيرة، تتبدل قناعاتنا يوما بعد يوم، يمضي العمر سريعا لنكتشف في نهاية المطاف اننا مجرد حبوب بين كفي رحا وان السنابل التي حملتنا يوما كانت تدرك ان قلة منا ستنجو من التأقلم المزيف مع متطلبات الحياة وستعيش لتحيا في سنبلة جديدة تمايلها الريح وتلفحها الشمس ثم تنحني ملأى بخير وفير وعزة ورضا.

في عصر العولمة والتسارع المعرفي وتنامي النزاعات الدولية لأجل السيطرة على الموارد والأسواق، نرى شبابنا تائهين بين عالم افتراضي وواقع مغاير تماما، يتسلل اليأس ببطء اليهم وهم متسمرون خلف شاشات هواتفهم النقالة يراقبون تقدم الحياة في المجتمعات الغربية ويحلمون بوطن مماثل، وجلهم
يحلم بحقيبة وتأشيرة سفر.

الكل يريد التعلم والنجاح، يريدون شهادة، يضنيهم التعب لنيلها بعد ان تفرغ جيوب أهاليهم الخاوية أصلا، ثم، ماذا بعد؟ يأتي انتظار الفرصة، الوظيفة! الراتب الشهري! إنه نزاع البقاء والسعي لحياة فضلى، هي حقوقهم البسيطة من عمل ومسكن وأسرة سعيدة، تصير في وطنهم التائه بين مطرقة الفساد وسندان الإقطاع احلاما في يقظة، وخيبة من واقع يحارون على من تقع مسؤوليته… لكنه يضل واقعا مرا.

شباب اليوم اعتادوا على نقر الأزرار، فنقرة من هنا تنقلهم ببرهة عين الى ما يشتهون رؤيته وامتلاكه، تأخذهم الى حيث يكتشفون كم تطور العالم وكم ارتقى مستوى العمران والإنتاج، ومدى ما بلغته المجتمعات المتقدمة من احترام للإنسان، ونقرة أخرى تعيدهم الى واقعهم المرير عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تتبارى في نقل الشؤم والفساد والانقسامات وأخبار الدولة المهترئة المسلوبة من الانتهازيين دون أدنى أمل في تغيير سريع وقريب.

عادة الانتظار ونقر الأزرار أثنت شبابنا عن تطوير مهاراتهم الذهنية والجسدية التي تؤهلهم لخدمة مجتمعهم وتوفر لهم فرص العمل وتحمي اقتصادهم من ندرة اليد العاملة المهنية القادرة على إقامة اقتصاد واقعي حقيقي في قطاعات الزراعة والصناعة والبناء والمهن الفنية وغيرها من مجالات العمل التي حلت اليد العاملة الأجنبية فيها مكان المحلية، حتى بتنا أمام مشكلة فعلية تتمثل في افتقارنا للقدرات الذاتية والخبرات اللازمة في مختلف مجالات العمل التي تتطلب جهدا جسديا ومهارات يدوية، على حساب كم هائل من حملة الشهادات التواقين الى وظيفة بربطة عنق مع علمهم انها لا تسمن ولا تغني من جوع.

هذا الإتجاه نحو التوظف تعززه رغبة جامحة لدى الأهل، لا سيما الفقراء منهم الذين لا يتمتعون بأي نوع من أنواع حماية الدخل والحماية الصحية والتقاعد، فينقلون معاناتهم تلك الى أبنائهم ويزرعون لديهم فكرة الوظيفة كحل وحيد لمشكلة الأمان الاجتماعي، وهكذا ينتقل هاجس الوظيفة من الآباء الى الأبناء، رغم أن العديد من أولئك الآباء يكونون من اصحاب المهن الحرة ومنهم من يملك مؤسسة انتاجية صغيرة وبإمكانهم أن ينقلوا خبراتهم وتجاربهم وأعمالهم القائمة الى أبنائهم والاستفادة من ضخ دم جديد في شرايين مؤسساتهم الصغيرة وتحويلها الى مؤسسات كبرى. وفي حالات أخرى نرى احجام بعض الأهل المقتدرين ماديا عن مساعدة أبنائهم أو تشجيعهم على تأسيس أعمالهم الخاصة ولو كانت ضمن حقل اختصاصهم العلمي ويدفعون بهم باتجاه البحث عن وظيفة خوفا عليهم من المعاناة اوالفشل.

هل نحن أمام مشكلة «التعلم الزائد»؟ ام هي مشكلة «الكسل الزائد» وربما «الخوف الزائد»؟ إن التعليم بشكل عام، يهدف الى بناء الانسان المنتج، المستقل، ولكن في ظل الدولة المستباحة وغياب منهجية التخطيط وتخبط قطاعات الإنتاج وسقوطها بين براثن من لا يعنيهم حمايتها بمقدار ما يعنيهم استمرار زعاماتهم وانتفاخ جيوبهم من المال العام، تحولت الوظيفة العامة الى فرصة العمر، فإن لم تتوفر فلا بأس بوظيفة في القطاع الخاص، المهم أنها «وظيفة براتب شهري»، تتوقف الحياة عند «وظيفة» غالبا ما يكون ثمنها الكثير من مسح الجوخ والتذلل، كل ذلك لا يهم، المهم أن «الشاب صار موظفا».

أيها الشباب، أين هي إرادتكم وكرامتكم وحريتكم؟ هل هذه هي الحياة التي تتمنون؟ راتب زهيد ودوام يومي ورب عمل! لماذا تعلمتم ولمن تعلمتم؟ لماذا تبحثون عن القيد وقد ولدتم أحرارا؟ لماذا تخشون المغامرة وليس لديكم ما تخسرونه؟ لما لا تسخرون علمكم وقدراتكم في خدمة أنفسكم بدل ان تسخروها في خدمة الغير؟ هلا حاولتم ليكون لكم أمام ذواتكم شرف المحاولة على الأقل؟ ان وطنكم يحتاج الى طموحكم وأحلامكم وجرأتكم لتبنوا فيه مؤسساتكم وترفدوه بطاقاتكم، هكذا يستطيع ان ينهض بكم ومعكم من خلال زيادة حجم اقتصاده وخلق فرص عمل جديدة وتخفيض نسبة الهجرة.

قد لا تكون طريقكم سهلة، بل أقول لكم أنها لن تكون سهلة، ولكن هل سمعتم عمن بلغ العلى بغير تعب وجهد وإرادة لا تقهر؟ حاولوا وحاولوا فإن بلغتم فسوف تنعمون بالنجاح لكم ولأبنائكم من بعدكم، وستوفرون على أنفسكم شعوركم الدائم بعدم الاستقرار والتبعية وحاجتكم لرضى من تعملون لديه، وأفضل ما ستنعمون به أنكم لن تجربوا حياة حصان السبق الذي تخلى مسبقا عن حرية البراري ليفني زهرة أيامه في خدمة سيده مقابل حفنة من الحنطة وبعض الأعشاب اليابسة، وربما يحصل على مكافأة عند تفوقه لا تزيد عن «قطعة سكر».

اعملوا لحياة حرة كريمة فإذا اضمحلت الحرية لن يبقى شيء من الحقيقة.

العدد 29