الأربعاء, كانون الثاني 29, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الأربعاء, كانون الثاني 29, 2025

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

المطالعة ضرورة وليســت هــوايـة

المطالعة ضرورة
وليســت هــوايـة

أين نحن… وكيف ننهض؟

في هذا البحث، سنقدّمُ للقارئ الكريم موضوعًا بعنوان “المطالعة ضرورة وليست هواية”، نُلقي فيه الضّوء على أهميّة المطالعة في حياة الإنسان، ونشرح واقع المطالعة والقراءة وتأليف الكتب في العالم العربيّ مقارنةً بالعالم الغربيّ وشرق آسيا، من خلال عرض لإحصائيّاتٍ قامت بها جهاتٌ دوليّة مهتمّة بهذا الشّأن. كما نتطرّق إلى لمحةٍ تاريخيّةٍ عن النّتاج الفكريّ العربيّ منذ قيام الإسلام حتّى يومنا هذا، ثمّ نقدّمُ نصائحَ عديدةً في كيفيّة جعل القراءة جزءًا من حياتنا وحياة أولادنا، وما لذلك من تأثيرٍ إيجابيٍّ علينا وعليهم.

المقدمة
اِتّفق علماء المسلمين على أنّ أوّل آية أُنزلت في القرآن الكريم هي قوله تعالى: ﴿إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾(1)، وبذلك تكون أوّل كلمة نزلت في الوحي الكريم هي “إقْرَأْ “، فكأنّما القراءة جُعلت أوّل الأوامر الّتي يجب على المنتسبين إلى الدّعوة الإسلاميّة الالتزام به، فهل في الأمر حكمةٌ ما؟ أم عبثاً كان هذا؟ وحاشا الله من ذلك، فالأمر إذن فيه حكمةٌ أرادها مَن أَذِنَ ببدءِ الوحيِ، ولا يخفى هذا على ذوي العقول، والأفهام الصّحيحة، إذ يمكن القول إنّ تصدير القرآن الكريم بكلمة “إقرأ”، إشارةٌ واضحةٌ لكلّ المـُنتسبين إلى الدّين الجديد، إلى أنّ القراءة ستكون سبيلَهم إلى العلم والمعرفة، وأنّهم مقبلون على تعاليمَ جديدةٍ، فيها من الأوامر والنّواهي والتّشريعات والعلوم، ما لا يمكن الوصولُ إلى معرفتها إلا بتعلّم القراءة.
ونلاحظ أنّ فعلَ الأمر “إقرأ” قد أخذ يفعل فعله في الملتزمين بالدّعوة الجديدة، خاصّةً مع انتظام حال المسلمين في دولةٍ إسلاميّةٍ منظّمةٍ، أخذت تتوسّعُ حتّى بلغت حدودُها بلاد الأندلس، وقد رافقَ هذا التّوسعَ نهضةٌ علميّةٌ كبيرةٌ، وبدأت أحوالُ المسلمينَ تتطوّرُ وتتقدّمُ في مختلفِ المجالات، حتّى أضْحَوْا مرجِعًا لكلّ قاصد علمٍ، أو ساعٍ إلى المعرفة، وشملت علومهم الطّبَّ والفلسفةَ والرّياضيّاتِ وعلومَ الفلك وغيرها، وتحوّلت عواصم المسلمينَ إلى مقصدٍ ومَحَجّةٍ للعلماءِ والفلاسفةِ من مختلفِ أقطارِ المعمورة، كما كان لدراسة القرآن الكريم، حيّزٌ كبيرٌ في حياة المسلمين، فانتشرت علومُ القرآن وتقسَّمت على مباحثَ عدّةٍ، منها علم التّفسير ونزول الآيات والقراءات إضافةً إلى علوم الفقه والشّريعة، الّتي كان النّاس في ذلك الوقت بحاجةٍ إليها لفهم المطلوب منهم في أمور الدّين.
استمرّت النّهضة العلميّة لفترةٍ طويلةٍ من الزّمن، تخلَّلَها حركات ترجمةٍ واسعة النّطاق، بدأت في أواخر الحكم الأمويّ واستمرّت خلال العصر العبّاسيّ الأوّل، وقد شملت حركة التّرجمة مختلفَ العلوم، فأغنتِ الفِكر العربيّ والإسلاميّ، وأعطته متّسعًا كبيرًا من التّقدّم والتطوّر، كما كان لإنشاءِ بيت الحكمة في زمان هارون الرّشيد، دورٌ بارزٌ وتأثيرٌ إيجابيٌّ في انتشار العلوم، وكذلك في عهد الخليفة المأمون حيث أمر بجلب الكتب اليونانيّة من بلاد الرّوم وترجمتها وجعلها في متناول أيدي العلماء والمفكرّين.
ومع سقوط بغداد في أيدي المغول وحرق مكتبتها ،بيت الحكمة، وما نتج عن ذلك من هدمٍ للحضارة الإسلاميّة والعربيّة، انتهى عصر النّهضة، وبدأ عصر الانحطاط الّذي استمرّ من سقوط بغدادَ حتّى حملة نابليون على مِصرَ عام 1798م، فلم يبقَ في حياة العرب والمسلمين ناحيةٌ إلاّ وأصابها الضّعف والوهن، فانعكس ذلك على نتاجهم الفكريّ، وتراجعت حركة التّرجمة حتّى يمكن القول إنّها انعدمت بالكليّة، وانقلبت الأمور رأسًا على عقب، فبعد أن كانت بلاد العرب محجّةً لكلّ طالب علمٍ، أصبح العرب يتوافدون على بلاد الغرب طالبين العلم، وأضحت دولهم سوقًا استهلاكيًّا للنّتاج الفكريّ الأجنبيّ، فارتفعت معدّلات الأميّة، وخفّت نسبةُ القراءة في مختلف أرجاءِ الوطن العربيّ، حتّى وصلت إلى مستوًى متدنٍّ جدّا، يُنذر بوجود أزمة قراءةٍ خطيرةٍ.
فما هي الحلول لهذه الأزمة الرّاهنة؟ وما الخطوات الّتي يجب علينا اتّخاذها للنّهوض بأنفسنا وأولادنا؟ وما هي الأسباب التي تقف في وجه نهضة عالمنا العربيّ على صعيد القراءة وتأليف الكتب؟

النتاج الفكري العربي
إنّ هذا البحث المُختصر، لا يحتمل الإطالة في سرد حركة النّتاج الفكريّ العربيّ منذ قيام الدّعوة الإسلاميّة وحتّى يومنا هذا، وإنّما يمكن اختصار الأمر بعرض محطّات مهمّة والتّحدّث عن شخصيّاتٍ برزت في مجالي التّرجمة والتّأليف، وساهمت بشكلٍ فعّالٍ ليس في نهضة العرب وتقدّمهم فحسب، بل في نهضة العالم بأسره.
لقد كان للعصر الأمويّ (41 – 132 هجري) دورٌ بارزٌ في التّمهيد للعصر العلميّ الذّهبيّ الّذي شهدته الدّولة العباسيّة، إذ انتشرت في زمان الأمويّين حركةٌ علميّةٌ قويّةٌ انحصرت في علوم الدّين واللّغة والتّاريخ والجغرافيا إضافةً إلى العلوم الفلسفيّة والطّب؛ كما كان لتعريبِ الدّولة في زمان الخليفة عبد الملك بن مروان تأثيرٌ بالغٌ سمح للعلماء العرب والمسلمين البدءَ بحركة التّرجمة، والاطّلاع على مختلف العلوم، ثمّ توسّع نفوذ الدّولة، فامتزجت بشعوبٍ جديدةٍ ساهمت في نهوض الحركة الفكرية.
ومع انتقال الحكم إلى العبّاسيين في العام 132ه، واتّخاذهم من بغداد عاصمةً لهم، بدأ العصر الذّهبيّ لحركةِ النّهضة الإسلاميّة والعربيّة، ونشطت حركة التّرجمة بدعمٍ من الطّبقة الحاكمة، فكان أوّل ما تُرجم إلى الّلغة العربيّة كتب الفلاسفة اليونانيّين: أفلاطون وأرسطو وكتب العلم الإغريقي القديم، وكان لهذا الأمر دورٌ كبيرٌ في حفظ هذه العلوم من التّلف والاضمحلال، إذ كانت أوروبا في ذلك الوقت تمرّ في عصر انحطاطٍ لا مثيل له، وقد عبّر عن ذلك كثيرٌ من الكتّاب الأوروبيّين الّذين اعتبروا أنّه لولا ترجمةُ هذه العلوم إلى الّلغة العربيّة لاندثرت وامّحقت.
ثم بدأ العرب أنفسهم في المساهمة في تطوير مختلف العلوم، فبرزت علوم الرّياضيات والفيزياء والفلك والطّبّ وغيرها، ممّا جعل اللّغة العربيّة لغةَ العلوم الأساسيّة، ولم يكتفوا بترجمة كتب الإغريق فحسب، بل أضافوا إليها كثيرًا من المؤلّفات الجديدة الّتي أسهمت في فَهم المخطوطات الأساسيّة. ويمكن القول بأنّ الوجود الإسلاميّ العربيّ في بلاد الأندلس في ذلك الوقت ساهم كثيرًا في وصول النّتاج الفكريّ العربيّ إلى أوروبا عبر قرطبة، وهذا ما ساعد الأوروبيّين لاحقًا في نهضتهم العلميّة الّتي بدأت مع الثّورة الفرنسيّة في نهاية القرن الثّامن عشر الميلاديّ.
فالمنجزاتُ العلميّة لتلك الحقبة كثيرةٌ جدًّا، ومن أبرزها رسمُ أوّلِ خريطةٍ للعالم على يد عالم الجغرافيا “الإدريسيّ” الّذي ألّف أوّلَ كتاب جغرافيا سمّاه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”. وكذلك العالم الكبير ابن الهيثم الّذي ألّف نحو مئتي كتابٍ في علوم الطّب والفلسفة والفيزياء والرّياضيّات، إضافة إلى بروز حركة فلسفةٍ ناشطةٍ على يد الكنديّ والفارابي وابن رشد، كما كان للخوارزمي مساهمةٌ كبيرةٌ في علوم الرّياضيّات وما زالت نظريّاته تُدَرّس حتّى وقتنا هذا.
وأمّا ما يخصّ حركة التّرجمة الّتي كانت أساس النّهضة العلميّة، فقد كان من أبرز روّادها حُنَين بن إسحاق الّذي ترجم الكثير من كتب الفلاسفة اليونانيّين ورسائلهم إلى الّلغتين العربيّة والسّريانية، كما ساهم ابنه إسحق أيضا في ترجمة بعض مؤلّفات أرسطو مثل كتاب النّفس وتوالد الحيوانات.
وفي الوقت الّذي كانت فيه بغداد عاصمة العالم في العلوم، ظهرت في شمال إفريقيا في مدينة المهديّة، دولةٌ جديدةٌ هي “الدّولة الفاطميّة”، باعتبار أنّ نسب حكّامها يعود إلى فاطمة الزّهراء(ر)، وسرعان ما توسّعت هذه الدّولة واستولت على شمال إفريقيا وصولًا إلى مصر، فاتّخذت من القاهرة عاصمةً لها، وبدأ نجم العباسيّين بالأفول لتشرق مكانه شمس الفاطميّين الّذين برزوا بتنظيمهم الدّقيق لشؤون دولتهم، واهتمامهم البالغ في العلوم، فأنشأوا دار الحكمة في القاهرة، وأغدقوا عليها من المال الشّيء الكثير، وجلبوا لها الكتب والمؤلّفات والمخطوطات النّادرة من مختلف أقطار المعمورة، فجمعوا فيها ما يقارب المليون وستمائة ألف مجلّد(2) في مختلف علوم الدّين والفقه وعلوم الفلسفة والطّبّ والرّياضيّات، وجعلوا ذلك مباحًا لكلّ الناس.
وخلاصة ما تقدّم، فإنّ العوامل الّتي ساعدت على النّهضة العلميّة والفكريّة للمسلمين والعرب، كثيرة جدّا، ومن أهمّها أنّهم نظّموا شؤونهم في دولة إسلاميّة قويّة، وتعرّفوا على مختلف الشّعوب من خلال الفتوحات الإسلاميّة الّتي وصلت بهم إلى أوروبا من بوابة الأندلس، ثمّ الأمن والاستقرار الّذي نعموا به في أثناء حكم العباسيّين والفاطميّين، وحياة البذخ والرّفق التي كانت متوفّرة لديهم نتيجة ازدهار الاقتصاد والتّجارة في بلادهم، كلّ ذلك وغيره من الأسباب جعلت العرب والمسلمين حكّام العالم، وبلادهم مقصدًا لكلّ طالب علمٍ، ولغتهم العربيّة لغةَ العلوم كافّة.

بعض الأسباب التي أوصلت العرب
إلى عصر الانحطاط
بعد أن وصل العرب إلى ذروة عزّهم، إنْ في الحكم أو في التّنظيم أو في العلوم، وبعد أن امتدّ حكمهم من الأندلس غربًا إلى بلاد فارس شرقًا، دخل الوهن على مفاصل الحكم، وبدأت السّلطة المركزيّة تفقد قوّتها شيئًا فشيئًا. فدارت عليهم الأيّام وتغيّرت، واشتعلت نيران الحروب فيهم واستعرت. فضعف حكم الدّولة الفاطميّة وحصل فيها من الفوضى والخراب الشّيء الكثير، أدّى إلى حرق دار الحكمة ونهبها في العام 461 ه. ثمّ كان سقوط قرطبة (الأندلس) في سنة 636 هجري، وما تلا ذلك من حرقٍ لمكتبتها ونهبها، تلك الّتي احتوت على الكثير من تراث العرب وعلومهم خلال فترة حكمهم للأندلس.
وجاءت بعد ذلك الحرب الضروس، على يد هولاكو قائد المغول، الّذي غزا بلاد العرب قادمًا من آسيا، فأسفرت حربه عن سقوط بغداد في العام 656 هجري. ويمكن القول أنّ العربَ لم يشهدوا مثلَ هذه الحرب من قبلُ، إذ لم يكتفِ هولاكو بأن هزمهم في عُقرِ دارهم، بل عمل على إبادتهم ونسف حضارتهم، فقتل منهم أعدادًا كبيرةً، حتّى إنّ بغداد كادت تقفر من السّكان، وحرَقَ مكتبتها المعروفةَ ببيت الحكمة، بعد أن رمى جزءًا كبيرًا من محتوياتها في نهر دجلة، حتّى قيل إنّ مياهه اسودّت بحبر المخطوطات والكتب.
هذه الحوادث وغيرها الكثير أدّت إلى تقهقر العرب في مختلف المجالات، ويصعب في هذا المكان سرد كلّ الأسباب التي أوصلت العرب إلى عصر الانحطاط، إذ إنّ ما ذكرناه يعدّ من الأسباب الأساسيّة، ولكن لا نغفل أيضًا عن الحملات الصّليبيّة وتأثيرها وما عاناه العرب من ظلمٍ واضطهادٍ وهدمٍ لحضارتهم وثقافتهم ولغتهم.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ هناك الكثير من الأسباب الدّاخليّة المتعلّقة بإدارة شؤون الدّولة وما نتج عنها من فساد في الحكم والحكّام، أدّى إلى إضعاف مركزيّة الدّولة، فانعكس ذلك على الولايات التّابعة لها، وأصبحت خاصرة الدّولة المتمثّلة بالولايات الحدوديّة ضعيفةً، ممّا جعلها عرضةً لهجمات الطّامعين بأرضها وخيراتها.

تأثير عصر الانحطاط على النتاج
الفكري العربي
اِختلفت الآراء في تحديد الزّمن الفعليّ لعصر الانحطاط الّذي مرّت به البلاد العربيّة، ولكنّ المؤكّد أنّ سقوط بغداد بيد المغول كان مفصلًا تاريخيًّا مهمًّا في حياة العرب، وبذلك اعتبره كثيرٌ من الباحثين في هذا المجال بدايةَ عصر الانحطاط الّذي استمرّ ستّة قرون حتّى وصول أسرة مح محمّد علي إلى الحكم في مصر سنة 1220 ه. وقد شهدت مصر في فترة حكم محمّد علي نهضةً علميّةً كبيرةً، تمثّلت في إرسال بعثاتٍ طلابيّةٍ من مصر إلى أوروبا ليدرسوا مختلف العلوم وينقلوها إلى مصر، وقد اعتبر البعض أنّ هذه المرحلة تمثّل عصر نهضة العرب، فيما اعتبر البعض الآخر أنّها تجربةٌ ناجحةٌ لم تستمرَّ طويلًا بسبب افتقادها الرّؤية الواضحة.
فمن المظاهر الّتي تميّز بها عصر الانحطاط، جمود العقول وندرة الإبداع العلميّ، بحيث اقتصر الإنتاج الفكريّ على تكرار ما سبقه من دون تميّز يَذكر، واللّافت في ذلك، أنّ الجمود لم يقتصر على الإنتاج العلميّ فحسب بل أصاب الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة كذلك.
وممّا زاد الأمور صعوبةً، أنّ الحكم العثمانيّ للبلاد العربيّة، وإن كان قد أعاد للمسلمين هيبتهم من خلال توحيد الخلافة، لكنّه عمد إلى سياسة القمع الفكريّ ومحاربة الّلغة العربيّة في الولايات العربيّة، إضافةً إلى انشغال الولاة العثمانيّين بالحروب بدلًا من العمل على تطوير ولاياتهم والاهتمام بها.
وبعد انقضاء الحكم العثمانيّ، انتقلت البلاد العربيّة إلى عهد الانتداب الّذي لم يكن أفضل حالًا ممّا سبقه، ثمّ جاء استقلال الدّول العربيّة في منتصف القرن العشرين، ليكونَ منطلقًا للشّعوب العربيّة بعد تحرّرها، إلّا أنّ الوقت كان قد نفد، والثّورة الصّناعيّة والتّكنولوجيّة قد خطت خطواتٍ سريعةً يصعب اللّحاق بها، ومع مجيء الثّورة الرّقميّة الأخيرة بداية القرن الحادي والعشرين، والتي غيّرت مسار العالم بأسره، وجد العرب أنفسهم يغرّدون خارج السّرب، إذ سبقهم العالم بأشواطٍ عديدةٍ، باتت معها سرعة الجري غيرَ كافيةٍ لاستعادة المبادرة.

نتائج بعض الإحصائيات المتعلقة بالنتاج الفكري العربي
إنّ الإحصائيّات الّتي أجرتها العديد من الجهات الرّسميّة وغير الرّسميّة، في موضوعات مختلفة تتعلّق بالإنتاج الفكريّ العربيّ، إن لجهة قراءة الكتب وتأليفها، أو المساهمة في الأبحاث العلميّة، أو لناحية تصنيف الجامعات العربيّة وغيرها من مؤشّرات النّموّ والتّقدّم، أظهرت النّتائج المخيّبة للآمال، فكلّ المحاولات المتواضعة الّتي حاول العرب من خلالها فعلَ شيءٍ مؤثّرٍ في هذه المجال لم تُجد نفعًا، بل بعضها زاد الأمور سوءًا لأنّ الجهود الّتي بُذلت لم تكن في الاتّجاه الصّحيح.

للأسرة دورٌ كبيرٌ في تعويد أبنائها على ملازمة القراءة، واقتناء الكتب، وجعلها جزءًا من حياتهم
للأسرة دورٌ كبيرٌ في تعويد أبنائها على ملازمة القراءة، واقتناء الكتب، وجعلها جزءًا من حياتهم

فالتّقرير الصّادر عن منظّمة الأمم المتّحدة للتّربية والعلوم والثّقافة (اليونسكو) في العام 2015، بعنوان تقرير اليونسكو للعلوم، يعطي صورة كافية وواضحة عن الواقع العربي فيما يتعلّق بالنّتاج العلمي، والمساهمة العربية في المنشورات العلميّة، فقد بلغ عدد الباحثين العرب 149.5 ألف باحث في العام 2013، من إجمالي 7758.9 ألف باحث حول العالم، منهم 2408 ألف باحث في أوروبا، و1721 ألف باحث في القارة الأمريكية و660 ألف في اليابان، وكذلك فيما يتعلق بالمنشورات العلمية، فقد بلغت مساهمة العرب 29944 بحث علمي من إجمالي 1270425 بحث حول العالم، منهم 498817 في أوروبا و417372 في القارة الأمريكية و73128 في اليابان. وعلى صعيد الاختراعات، فقد سجّلت الأرقام 492 براءة اختراع في العالم العربي من إجمالي 277832 حول العالم، منها 52835 في اليابان و17586 في ألمانيا و7761 في الصين.
وفي تقرير بعنوان “أرقام عن واقع القراءة في الوطن العربيّ”، نشرته صحيفة البيان الإماراتيّة في عددها الصّادر بتاريخ 19/9/2015، يبدو واضحًا الواقع المرير وانعكاسه على مختلف مجالات الحياة، وقد أورد التّقرير الأرقام الآتية:
• 757مليون أمّيّ عالمياً بينهم 100 مليون عربيّ
• كلّ 80 مواطناً عربيًّا يقرأون كتاباً واحداً في السّنة، في المقابل، يقرأ المواطن الأوروبي نحو 35 كتاباً في السّنة
• يأتي دافع القراءة للتّرفيه أوّلاً بالنّسبة للدّول العربيّة بنسبة 46 %، بينما لا يبلغ دافع التماس المعلومات إلا 26 % فقط.
• معدّل النّشر في الدّول العربيّة سنويًّا حوالي 6.500 كتاب، بينما يصل 102.000 كتاب في أميركا الشّماليّة و42000 كتاب في أميركا اللاتينيّة والكاريبي.
• إصدارات كتب الثّقافة العامّة في العالم العربيّ لا تتجاوز الـ 5.000 عنوان سنويًّا، وفي أميركا حوالي 300 ألف كتاب.
• النّسخ المطبوعة من كلّ كتابٍ عربيٍّ تقارب 1.000 أو 2.000 وفي أميركا 50 ألف نسخة.
• يُترجَم سنويًّا في العالم العربيّ خُمس ما يُترجَم في دولة اليونان الصّغيرة، والحصيلة الكلّيّة لما تُرجم إلى العربيّة منذ عصر الخليفة العبّاسيّ المأمون إلى العصر الحالي تقارب الـ 10.000 كتاب، وهذا العدد يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنةٍ واحدة، أمّا الصّين فهي تعمل على ترجمة وطباعة كلّ كتابٍ يصدر في أمريكا خلال ثلاثة أيّام من صدوره، في حين أنّ أكبرَ الدّول العربيّة لا يُترجم فيها إلا 400 كتاب في السّنة.
• في النّصف الأوّل من ثمانينيّات القرن العشرين كان متوسّط الكتب المترجمة لكلّ مليون مواطنٍ عربيٍّ، على مدى خمس سنوات، هو 4.4 كتب (أقلّ من كتابٍ لكلّ مليون عربيٍّ في السّنة) وفي هنغاريا كان الرقم 519 كتاباً لكلّ مليون، وفي إسبانيا 920 كتاباً لكلّ مليون.
• تبلغ مبيعات الكتب إجمالاً في كلّ أنحاء العالم 88 مليار دولار، وفي الولايات المتّحدة الأميركيّة 30 مليار دولار و10 مليارات دولار في اليابان، و9 مليارات دولار في بريطانيا، ويبلغ نصيب العالم العربيّ 1% من الرقم الإجماليّ للمبيعات.

الحلول الممكنة والرؤية المستقبلية
إنّ ما أوردناه سابقا، يعطي فكرةً واضحةً عمّا آلت إليه الأمور في وطننا العربيّ الّذي نحن جزءٌ منه ونتأثّر بما يتأثّر به، ولكنّ هذا لا يعني أنّ الأفق مسدودٌ أمام محاولات تغييرٍ تنقل الواقع من الحالة الرّاهنة إلى النّهضة الفكريّة المرجوّة.
وهذا الأمر ليس مُناطًا بالمؤسسات الرّسميّة فحسب، بل هو مسؤوليّة كلّ فردٍ منّا انطلاقاً من موقعه وعمله. فللأسرة دورٌ كبيرٌ في تعويد أبنائها على ملازمة القراءة، واقتناء الكتب، وجعلها جزءًا من حياتهم، كما أنّ للمدرسة دورًا بارزًا في ذلك، إذ إنّ التّعليم لا يقتصر على المناهج الرّسميّة المُعدّة من قبل وزارة التّربية بل ينبغي أن يكون سبيلًا لتعويد أبنائنا على عاداتٍ سليمةٍ تكون القراءة من ضمنها، بل أهمّها، ومن هنا نجدُ أنّ دور الأسرة والمدرسة في تعويد أبنائنا على القراءة يعدّ دورًا أساسيّا بالغ الأهميّة، لأنّه يغرس في النّفوس حبّ الكتاب والقراءة.
ثمّ يأتي دور الجامعات في تحفيز إنتاج البحث العلميّ وتأمين الموارد الماديّة وغير الماديّة اللّازمة له، والانفتاح على مراكز البحث العلميّ الأجنبيّ، للتّعاون معها والتعرّف على آخر ما توصّلت إليه من نتائج علميّة.
ولا ننسى دور الوزارات المعنيّة في الشّأن التّربويّ والثّقافيّ، في رسم رؤيةٍ واضحةٍ تسير عليها المؤسّسات التّربويّة ومراكز الأبحاث ودور النّشر، وهو ما يلزم وجود خطّةٍ متكاملةٍ على صعيد الحكومات العربيّة بأجمعها، تضع في حسبانها الاحتياجات الأساسيّة لكلّ دولة، ويتمّ توجيه نتاج الفكر العربيّ على أساسها.
وربما تكون الخطوات الأخيرة التي قام بها عدد من دول الخليج، خاصة الإمارات العربية المتحدة من خلال مسابقات لتحدي القراءة وغيرها، قد غيّرت من واقع الأرقام المخيفة الذي استمر لسنوات على حاله، ففي آخر نتائج مؤشر القراءة العربي، الذي كشف عنها في أثناء افتتاح الدورة الثالثة لقِمّة المعرفة في دبي في العام 2016، تبيّن أنّ الأمور تتّجه نحو التّقدّم على هذا الصّعيد، إذ أظهر الاستبيان الإلكتروني الذي شارك فيه حوالي 148 ألف مشارك، أن العرب يقرؤون ما يقارب 35 ساعة سنويّا، وأن متوسط عدد الكتب بلغ 16 كتاب سنويا، وهذا يشمل القراءات المتعلقة بالعمل والقراءات الأخرى (راجع مقال بعنوان: “مؤشر جديد.. كم كتابًا يقرأ العربي في السنة وكم عدد ساعات القراءة؟” على موقع eremnews.com، بتاريخ 7/12/2016)

قاعة القراءة الرئيسية في مبنى الكونغرس الأميركي
قاعة القراءة الرئيسية في مبنى الكونغرس الأميركي

فوائد القراءة
يقول الدكتور ساجد العبدلي: “أرى القراءة أكثر من شيءٍ ضروريٍّ، لأنّي أراها مظهرًا من مظاهر الحياة الجوهريّة، والإنسان الّذي قد حرمه الله نعمة القراءة، قد حُرِم شيئًا عظيمًا، وأوصد في وجهه بابًا كبيرًا من أبواب الحياة هو باب العلم والمعرفة”(3).
فالقراءة هي المصدر الأساس للوصول إلى المعرفة، ولا يجدر أن تكون صدفةً تحدث في حياتنا، بل تتخطّى ذلك لتكون جزءًا أساسيًّا نُخصّص له الوقت اللّازم، بل نقدّمه على سواه من ناحية الأهميّة.
وعندما سُئِل الأديب المصريّ الكبير عبّاس محمود العقّاد عن سبب حبّه للقراءة قال: “إنّي أهوى القراءة لأنّ لي في هذه الدّنيا حياةً واحدةً، وحياةٌ واحدةٌ لا تكفيني، ولا تحرّك كلّ ما في ضميري من بواعثِ الحركة، القراءة وحدها هي الّتي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياةٍ واحدةٍ، لأنّها تزيد هذه الحياة عمقًا، وإن كانت لا تُطيلها بمقدار الحساب”(4)
فالقراءة تجعل القارئ مشاركًا الكاتب أفكاره ومشاعره وأحاسيسه، وهو ما يُكسبه غنًى وتنوُّعًا. ولذلك وجب علينا أن نختار من القراءة ما يفيدنا في حياتنا، وأن نكون قادرين على تمييز الصّحيح من المعلومات من الخاطئ منها، وأن يكون عقلنا ميزانًا راجحًا لكلّ معلومة تدخل إلى فكرنا، ولنبدأ بتعويد أنفسنا وأبنائنا على قراءة كتب الأخلاق وأخبار الصّالحين، ثمّ الكتب الثقافيّة والعلميّة الّتي تساعدنا على فهم العالم من حولنا أكثر فأكثر، وكذلك الموضوعات التّاريخيّة المهمّة الّتي من خلالها نفهم سير الأمور وأسبابها. ومن المهمّ أيضًا أن نقرأَ من الكتب ما نحبّ، فيعطينا ذلك حافزًا كبيرًا للاستمرار، ويفتح لنا آفاقًا جديدةً مع كلّ كتاب نقرأه.

الخاتمة
إنّ النّهضة الفكريّة المرجوّ تحقيقها في وطننا العربيّ عامّة وفي حياتنا وحياة أبنائنا خاصّة، تبدأ من قراءة الكتب والاطّلاع على كلّ ما هو مفيد، واستغلال الوقت الّذي هو رأسمال كلّ إنسان، فينتج عن ذلك رؤيةٌ جديدةٌ للحياة، تتبلور شيئًا فشيئًا، وتزداد وضوحًا مع كلّ خطوةٍ نقوم بها إلى الأمام، فيحدّد كلٌّ منّا هدفه من الحياة، ويجعل لهذه الحياة معنًى وغايةً، يعمل على تحقيقها والوصول إليها. فالاهتمام بالنشء الصّاعد لا يجب أن يقتصر على تأمين الطّعام والشّراب والمسكن وإرساله إلى المدرسة فحسب، بل في تأمين جوٍّ من الطّمأنينة والرّاحة وزرع عاداتٍ سليمةٍ في ذهنه وفكره، تقوده إلى رسم طريقه بالشّكل السّليم، ولعلّ أهمّ ما يمكن أن نزرعه في أبنائنا هو حبّ القراءة والاطّلاع.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي