الثلاثاء, نيسان 23, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الثلاثاء, نيسان 23, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

المُخَدِّرات آفة العصر!

تقديم:

نبدأ الملف بتوصيف سماحة شيخ العقل لظاهرة انتشار المخدرات باعتبارها “آفة العصر”. وهي حقاً كذلك. لا نظن أن مرضاً (حتى السرطان) فتك بناس عصرنا كما فعلت المخدرات، بأنواعها المختلفة. لم تفعل الحروب، بمآسيها وضحاياها، ما فعلته آفة المخدرات.
كيف لا، والمخدرات تستهدف الأجيال الشابة على وجه الخصوص. وهي بذلك لا تقتل حاضر الجماعة والمجتمع فقط، بل تقتل مستقبلهما قبل ذلك وفوقه. هل رأيت آفة أخرى تحيل الحي ميتاً فيما هو على قيد الحياة؟ وتحيل الشاب كهلاً، فيما هو في ريعان صباه؟
هل رأيت آفة أخرى إذا أقفلت الباب في وجهها دخلت من النافذة؟ وإذا أحكمت إقفال النافذة تسللت عبر مسام الجدران؟
هل رأيت آفة أخرى تتمكن من مريضها، إلى الحد الذي يفقد معه كل إرادة للمقاومة، فيستسلم لها استسلام العبد الخانع الذليل؟
هل رأيت آفة أخرى تنسي مريضها أهله، أمه وأباه، وأخوته، بخيالات وصور وهمية مرضية من عالم اللاوعي؟
هل رأيت آفة أخرى تفقد مريضها اتزان العقل، والوعي السليم، والإحساس بالعيب وسائر قيم مجتمعه، وتحيله مريضاً مرمياً على الهامش يتحرك ب 10 بالمئة لا أكثر من طاقته وقدرته ووعيه وإمكاناته، وهو القادر على أن يكون منتجاً فاعلاً وعضواً نشطاً في أسرته ومجتمعه؟
هذا بعض ما دفع، ويدفع، كل المجتمعات لفعل ما تستطيع لدرء هذه الآفة الفتّاكة عن مجتمعها وشبابها وناشئتها؛ وعن مدارسها على وجه الخصوص.
وهو أيضاً بعض ما دفعنا في لإعادة فتح الملف المؤلم، بل الخطير، وبخاصة على شبابنا وناشئتنا، عدة المستقبل وعتاده.
يصح في المخدرات القول، إذا أردت أن تقتل شعباً على نحو ناعم، ومن دون دماء، فوزّع فيه المخدرات على أنواعها، من الحشيشة إلى حبوب ’ الكبتاغون’ إلى سواهما مما تجود به العقلية الشيطانية لشبكات المنتفعين بتجارة المخدرات، دولاً (ربما)، وشركات، ورؤوس أموال، وشبكات اتجار وموزعين. ألم تحاول دول استعمارية أن تفرض المخدرات بالقوة على مستعمرات لها كي تضمن “موت” شعوب المستعمرات تلك، وتأبيد استعمارها بالتالي؟
يبدأ الملف يتقديم تعريف علمي للمخدرات وما تحتويه من عناصر مكوّنة، وما تنطوي عليه من أضرار قاتلة.
ولأن الملف يتزامن مع “شهر الحرب على المخدرات”، شهر آذار، من كل عام. لذلك جعلنا أولى فقرات الملف ثبتاً سريعاً بأهم الندوات التي دعت إليها لجان المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، واللجنة الدينية واللجنة الإجتماعية تخصيصاً، لإظهار مخاطر آفة المخدرات، إلى أنشطة أخرى. ونختم الملف بمقالتين/محاضرتين لكل من:
– العميد أنور يحي، الرئيس السابق للشرطة القضائية، في قوى الأمن الداخلي، في لبنان،
– والشيخ سلمان عودة، عضو اللجنة الدينية في المجلس المذهبي.
وغايتنا من ذلك كله التحذير ثم التحذير من هذه الآفة الفتّاكة، والحضّ على التعاون في درء مخاطرها، وبخاصة عن شبابنا.


تعريف المخدرات

المخدِّرات هي كلّ ما يمنع الجهاز العصبي عن القيام بعمله وهي مادّة تسبّب تسكين الألم والنّعاس أو غياب الوعي. ويعرّفها القانون على أنّها مواد تُسمّم الجهاز العصبي وتسبّب الإدمان وتُمْنَعُ زراعتُها أو صناعتها أو تداولها إلّا لأغراض يُحدّدها القانون وتكون فقط بواسطة من يُرَخَّص له.

أنواع المخدّرات

تُصَنّف المخدِّرات تبْعًا لمصدرها إلى:

مخدِّرات طبيعيّة:

وهي من أصل نباتي فهي تُسْتَخرَج من أوراق النّبات أو أزهاره أو ثماره.
أ- الخشخاش: تتركّز في الثّمار غيرِ الناضجة.
ب- القنّب: تتركّز في الأورق والقمم الزهرية
ج- القات: تتركز في الأوراق
د- الكوكا: تتركز في الأوراق – جوزة الطيب: تتركز في البذور
ويمكن أن تُسْتخلَص المواد المخدّرة باستعمال المُذيبات العضويّة: الحشيش والأفيون والمورفين والكوكايين.
مُخدِّرات نصف صناعيّة:
وهي مواد مُخدِّرة مستخلَصة من النباتات المخدرة متفاعلة مع موادّ أخرى فتتكوّن موادّ أكثر فعالية من المواد الأولية، على سبيل المثال: الهيرويين ينتج من تفاعل مادة المورفين مع مادة أستيل آلورايد.

مُخدِّرات صناعية:

تنتج من تفاعلات كيميائية معقدة بين المركبات الكيميائية المختلفة في معامل شركات الأدوية أو معامل مراكز البحوث. ويمكن أن تُصنَّف تبعًا لتأثيرها على النشاط العقلي للمتعاطي وحالته النفسية إلى مُهبّطات ومُنشّطات ومُهلوسات. الحشيش باعتباره مُهبّطًا بالجرعة الصغيرة ومهلوسًا بالجرعة الكبيرة.
وإذا ما أخذنا الأساسين السابقين سويّة فيمكن أن نصنفها إلى مُهبّطات طبيعية أو نصف صناعية أو صناعية، ومنشّطات طبيعية أو صناعية، مهلوسات طبيعية أو نصف صناعية أو صناعية، والحشيش.


تاريخ:

إنّ استخدام المواد المخدّرة يعود إلى عصور قديمة ولكن البدايات المعاصرة لاستخدام المخدرات خاصّة في الغرب بدأت بالاستخدام الطبّي للمخدرات وكان الأطبّاء يصفون مركّبات الأفيون كعلاج. وكتب أحد الأطباء كتابًا يبيّن للأمهات كيفية استخدام المخدّرات لعلاج أطفالهنّ وكان جهل الأطباء حينئذ بالمخاطر التي يمكن أن تنتج عن إدمان هذه المواد قد جعلهم يستخدمونها على نطاق واسع لعلاج العديد من الأمراض والآلام وقد اتّسع نطاق استخدامها إلى أن دخلت في كلّ مهدّئات الأطفال. وقد استخدم في الحرب الأهلية الأمريكية لعلاج حالات الإصابة حتّى سُمِّيَ الإدمان على المورفين آنذاك بـ “مرض الجُندي” وفي سنة 1898 أنتجت شركة باير في ألمانيا مادة مخدرة جديدة على اعتبار أنها أقل خطورة وكانت هذه هي مادّة الهيرويين التي تبيّن أنها أكثر خطورة في الإدمان من المورفين. وعندما أدرك الأطبّاء وعموم النّاس مخاطر الإدمان كانت المخدّرات قد انتشرت بشكل واسع جدًّا.


الإدمان:

وهو التعوّد على الشّيء مع صعوبة في التخلّص منه. لكنّ هذا التعريف لا ينطبق على كافّة المخدرات وعقاقير الهلوسة، لذلك رأت هيئة الصحّة العالمية في عام 1964 استبدال كلمة إدمان واستخدام الاعتماد الفسيولوجي (أو الصحّي) والاعتماد السيكولوجي (أو النّفسي).
الاعتماد الفسيولوجي يُستخدَم للدلالة على أنّ كيمياء الجسم حدث بها تغيّرات معيّنة بسبب استمرارية تعاطي المواد المخدِّرة، فيتطلّب الأمر زيادة كميّة المخدِّر دومًا للحصول على نفس التأثير، والانقطاع عن تعاطي المخدّر دفعةً واحدة ينجم عنه حدوث نكسة صحية وآلام شديدة قد تؤدي إلى الموت في النهاية.
أمّا الاعتماد السيكولوجي فيدلّ على شعور الإنسان بالحاجة إلى العقاقير المخدّرة لأسباب نفسية فقط والتوقّف عنها لا يسبب عادة نكسات صحيّة أو عضويّة.
يعود سبب الاعتماد الفسيولوجي إلى دخول هذه السموم في كيمياء الجسم فتُحدث تغيّرات بها. ثمّ لا تلبث بالتدرّج أن تتجاوب مع أنسجة الجسم وخلاياه. وبعدها يقلّ التجاوب لأنّ أنسجة الجسم تَعْتَبرُ المادة المخدّرة كأحد مكونات الدّم الطبيعيّة، وبذلك تقلّ الاستجابة إلى مفعولها ممّا يضطر المُدمن إلى الإكثار من كميّتها للحصول على التأثيرات المطلوبة. فإنْ لم يستطع المدمن لسبب ما الاستمرار بتعاطيه، تظهر بعض الأمراض التي تُسمّى بالأعراض الانسحابية. وتبدأ هذه على شكل قلق عنيف وتدميع العيون، ويظهر المريض وكأنّه أصيب برشح حادّ، ثم يتغيّر بؤبؤ العين، ويصاحب كلّ ذلك ألم في الظهر وتقلّص شديد في العضلات مع ارتفاع في ضغط الدم وحرارة الجسم.


أضرار المخدرات:

الأضرار الجسمية:

1- فقدان الشهيّة للطعام ممّا يؤدي إلى النحافة والهزال والضعف
العام المصحوب باصفرار الوجه أو اسوداده لدى المُتعاطي، كما تتسبّب في قلّة النشاط والحيوية وضعف المقاومة للمرض الذي يؤدّي إلى دُوار وصداع مزمن يصحبه احمرار العينين، ويحدث اختلال في التوازن والتآزر العصبي في الأذنين.
2- يُحدِث تعاطي المخدّرات تهيّجًا موضعيًّا للأغشية المخاطية
والشُّعَب الهوائية وذلك نتيجة تكون مواد كربونية وترسبها في الشُّعَب الهوائية حيث ينتج عنها التهابات رئويّة مزمنة قد تصل إلى الاصابة بالتدرّن الرئوي.
3- يحدث تعاطي المخدّرات اضطرابًا في الجهاز الهضمي والذي
ينتج عنه سوء الهضم وكَثرة الغازات والشّعور بالانتفاخ والامتلاء والتُّخمة التي عادة ما تنتهي إلى حالات الاسهال الخاصّة عند تناول مخدِّر الأفيون والامساك. كذلك تُسبب التهاب المعدة المزمن فتعجز المعدة عن القيام بوظيفتها وهضم الطعام، كما تسبب التهابًا في غدة البنكرياس وتوقفها عن عملها في هضم الطعام، وتزويد الجسم بهرمون الأنسولين الذي يقوم بتنظيم مستوى السكر بالدم.
4- كما تُتلف الكبد وتُليِّفه حيث يُحلِّل المخدّر؛ الأفيون مثلًا خلايا
الكبد، ويُحدث بها تليُّفًا وزيادة في نسبة السكر، ممّا يسبّب التهاباً وتضخماً في الكبد وتوقّف عمله بسبب السموم التي تُعْجِز الكبد عن تخليص الجسم منها.
5- تسبب التهابًا في المخ وتحطيم وتآكل ملايين الخلايا العصبية
التي تكوّن المخ ممّا يؤدي إلى فقدان الذاكرة والهلوسات السمعية والبصرية والفكرية.
6- بالإضافة إلى اضطراب في القلب، ومرض القلب الحولي
والذّبحة الصدرية، وارتفاع ضغط الدم، وانفجار الشرايين، وتسبب فقر الدم الشديد وتكسُّر كريات الدم الحمراء وقلة التغذية، وتسمّم نخاع العظام الذي يصنع كُريات الدم الحمراء.
7- التأثير على النشاط الجنسي، حيث تُقلّل من القدرة الجنسية
وتُنقص من إفرازات الغُدد الجنسية.
8- التورّم المنتشر، واليرقان وسيلان الدم وارتفاع الضغط الدموي
في الشريان الكبدي.
9- الاصابة بنوبات الصّرَع بسبب الاستبعاد للعقار، وذلك بعد
ثمانية أيام من الاستبعاد.
10-إحداث عيوبٍ خَلْقيّة في الأطفال حديثي الولادة.
11-مشاكل صحيّة لدى المدمنات الحوامل مثل فقر الدم ومرض
القلب، والسكري والتهاب الرئتين والكبد والاجهاض العفوي، ووضع مقلوب للجنين الذي يولد ناقص النّمو، هذا إذا لم يمت في رحم الأم.
12-تعاطي المخدّرات قد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان
13- تعاطي جرعة زائدة ومُفرطة هي انتحار.

الأضرار النّفسيّة:

1- يُحدِث تعاطي المخدّرات اضطرابًا في الإدراك الحسّي العام
وخاصة إذا ما تعلق الأمر بحواس السمع والبصر، بالإضافة إلى الخلل في إدراك الزّمن فيصبح بطيئًا، واختلال في إدراك المسافات فتصبح طويلة، واختلال إدراك الحجم فتتضخم الأشياء..
2- يؤدي تعاطي المخدرات إلى اختلال في التفكير العام وصعوبة
وبطء به، وبالتالي يؤدي إلى فساد الحكم على الأمور والأشياء والهلوسة والهذيان.
3- يؤدي تعاطي المخدرات إلى آثار نفسية مثل القلق والتوتّر
المستمرّ والشّعور بعدم الاستقرار والشعور بالانقباض والهبوط مع عصبيّة وحِدّة في المزاج وإهمال النّفس والمظهر وعدم القدرة على العمل.
4- تُسبّب المخدرات اختلالًا في الاتزان والذي يُحدِث بدوره بعض
التشنّجات والصعوبات في النطق والتعبير عما يدور في ذهن المتعاطي بالإضافة إلى صعوبة المشي.
5- يؤدي تعاطي المخدّرات إلى اضطراب في الوجدان، حيث ينقلب
المتعاطي بين حالة المرح والنشوة والشعور بالرضا والراحة بعد تعاطي المخدر وحالة ضعف في المستوى الذهني وذلك لتضارب الأفكار لديه فهو بعد التعاطي يشعر بالسعادة والنشوة والعيش في جو خيالي وزيادة النشاط والحيوية ولكن سرعان ما يتحوّل ذلك إلى ندم وواقع مؤلم وفتور وإرهاق مصحوب بخمول واكتئاب.
6- تُسبب المخدرات حدوث العصبية الزائدة والحساسيّة الشديدة والتوتّر الانفعالي الدائم والذي ينتج عنه بالضرورة ضعف القدرة على التّواؤم الاجتماعي.

الحشيش
الحشيش هو مخدِّر يُصنع من القِنّب الهندي (Cannabis Sativa) وتتمّ زراعته في المناطق الاستوائية والمناطق المعتدلة، والماريجوانا هي أوراق وأزهار القنّب الجافة. والسائل المُجَفّف من المادّة الصمغية هو الحشيش.
وهو أكثر المخدّرات انتشارًا في العالم لرخص ثمنه وسهوله تعاطيه فلا تلزمه أدوات معقّده مثل “سرنجات” الإبر أو غيرها. وأوراق نبات القنّب تحتوي موادَّ كيميائيةً tetrahydrocannabinol THC وكميّات صغيرة من مادة تشبه الأتروبين تسبّب جفاف الحلق. ومادة تشبه الأستيل كولين تسبب تأثير دخان الحشيش المهيّج. والحشيش من المواد المهلوسة بجرعات كبيرة ويُعتبر تدخينه من أكثر الطّرق انتشارًا، وأسرعها تأثيرًا على الجهاز العصبي المركزي نظرًا لسرعة وصول المادة الفعالة من الرئة إلى الدم ومنه إلى أنحاء المخ.

تأثيره على الرّئتين
من الأمراض الأولى التي يُحدِثها تعاطي الحشيش هي التهاب القصبات الهوائية وأمراض الرّئة. وتشير بعض الأبحاث الحديثة إلى أنّ الحشيش يسبّب سرطان الرّئة. كما قد ثبت أنّ له تأثيرًا على الأجِنّة والأجيال المستقبليّة وذلك لأنّه يؤثّر على صحّة أجهزة الجنس لدى الجنسين ويمكن أن يوقف الدّورة لدى النساء المتعاطيات. بالإضافة إلى أنّه يُجرّد المتعاطي من قوّة جهازه المناعي ويجعله عرضةً لخطر الجراثيم والفيروسات.
والاستهلاك الكثيف منه يؤدّي الى أمراض الجهاز التنفسي مثل السّعال المُزمن والرّبو والالتهاب الرئوي وقرحة الحلق المزمنة والتهاب البلعوم والسِّلّ.

تأثيره على الدّماغ
يؤثّر الحشيش على الجهاز العصبي، وله تأثير منعكس فهو يبدأ بتنبيه المتعاطي ثم تخديره وتعقبه هلوسة، ثم خمول فنوم مع زيادة الجرعة فيفقد الاحساس بالنشوة ويستبدله بإحساس يتدرّج من الحزن إلى الغضب حتى جنون العظمة ونوبات الغضب الشديدة.

الاستعمال الطبّي:
تُعَدّ الماريجوانا أفضل مُسكّنات الآلام حيث تختلف عن أغلب البدائل بأنّها لا تسبّب أيَّ إدمان نظرًا لخفّة أعراضها الجانبيّة. كما يمكن أن تُستعمَل كمضادّ للقيء ومنشّط للشهيّة وتبيّن الدراسات أنَّ الماريجوانا يمكن أن تساعد في علاج الكثير من الأمراض المختلفة مثل الأمراض التي تتسبب بآلام كبيرة ولا تنفع معها المهدّئات المتوافرة في المستشفيات المتخصِّصة أو قد يؤدي كثرة استخدام المهدئات الطبيّة إلى مضاعفات أخرى أو تفاقم المرض.

الآثار الجسديّة:
يُسبّب تعاطي الحشيش على المدى القصير تزايدًا في سرعة القلب وجفاف الفم واحمرار العينين (احتقان في الأوعية الدمويّة المُلتحمة) وانخفاضًا في الضغط داخل العين والاسترخاء العضلي والإحساس باليدين والقدمين الباردتين أو الساخنتين. تُظهر الـ EEG أو موجات ألفا الكهربائية ثباتًا إلى حدٍّ ما وتردّدات أدنى قليلًا عن المعتاد، وتسبّب المواد المخدِّرة “الاكتئاب الواضح في النشاط الحركي” عن طريق تنشيط مستقبلات الحشيش العصبية وتحدث مستويات الذروة المرتبطة بتسمُّم الحشيش تقريبًا 30 دقيقة بعد تدخينه وتستمرّ لساعات عديدة.

الآثار العصبيّة:
تَتَّسِق المناطق الدّماغية حيث تتواجد مستقبلات الحشيش بكثرة سائدة مع الآثار السلوكية الناتجة عن المواد المخدّرة، حيث مستقبلات الحشيش كثيرة جدًّا؛ هي العقد العصبية القاعدية المرتبطة بالمراقبة الحركية.
المُخَيخ: ويرتبط مع تنسيق حركة الجسد الحصين، ويرتبط مع التعليم والذاكرة والسيطرة والإجهاد.
القشرة الدماغية: ترتبط بالوظائف المعرفية العليا.
النواة المتكئة: التي تُعْتَبَر مركز المكافأة في المخّ ومناطق أخرى حيث تتركّز مستقبلات الحشيش باعتدال وهي منطقة ما تحت المهاد، التي تنظّمُ وظائف التماثل الساكن.
اللّوزة الدّماغية: وترتبط مع الاستجابات العاطفية والخوف.
النخاع الشوكي: ويرتبط مع الأحاسيس الطّرفية مثل الآلام.
جذع الدّماغ: ويرتبط مع النّوم والإثارة والتحكّم الحركي.
نواة الجهاز الانفرادي: ويرتبط مع الأحاسيس الباطنيّة مثل الغثيان والتقيُّؤ.

لقد أظهرت التّجارب على الحيوانات والأنسجة البشريّة تعطيل تشكيل الذاكرة على المدى القصير، الذي يتَّسِق بغزارة مستقبلات CB1 على الحصين ومنطقة الدّماغ المرتبطة بشكل وثيق مع الذاكرة. تمنع المواد المخدِّرة إطلاق العديد من الناقلات العصبية في الحصين مثل أستيل وبإفراز الغلوتامات، ممّا أدى إلى انخفاض كبير في نشاطات الخلايا العصبية في تلك المنطقة.

الكبتاجون

الكبتاجون أو فينيثايلين هو أحد مشتقات مادة الأمفيتامين. صنعت في البداية سنة 1919 في اليابان بواسطة الكيميائي أوقاتا. واستخدم لحوالي 25 عاما، باعتباره بديلًا أكثر اعتدالًا للأمفيتامين كان يُستخدم في تطبيقات كعلاج للأطفال “قصور الانتباه وفرط الحركة”، وكما شاع استعماله لمرض ناركوليبسي أو كمضاد للاكتئاب.

تاريخ الأمفيتامينات ومثيلاتها:

في البداية صنع الأمفيتامين في ألمانيا سنة 1887 وأطلق عليها عندما اكتشفت باسم المقوِّيات، وقد صُنعت لمكافحة الجوع.
الميثامفيتامين صُنعت أوّلًا في اليابان سنة 1919، وفي العشرينيّات استُخدمت الأمفيتامينات كعلاج للعديد من الأمراض مثل الصّرع وانفصام الشخصية, وإدمان المُسكرات والصّداع النّصفي (الشقيقة), وغيرها، في سنة 1930 لاحظ الطبيب بنيس أنها ترفع ضغط الدم، في سنة 1932 استخدمت لعلاج احتقان الأنف، وفي سنة 1933 لاحظ أليس تأثيرها كمنشّط للجهاز العصبي المركزي وموسّع لقنوات الجهاز التنفسي، وفي سنة 1935 استُخدمت لعلاج نوبات النّعاس الغالبة (Narcolepsy) (مرض يحدث فيه نوبات قصيرة من النّوم العميق والتي من الممكن أن تَحْدث في أي وقت خلال اليوم)، وفي سنة 1937م استخدمت لعلاج فرط النّشاط لدى الأطفال ADHD (تأثير الأمفيتامين على الأطفال يكون كمهدّئ بدلًا من تنبيههم بعكس البالغين).

الكبتاجون (captagon) هو الاسم التّجاري للفينثيلين (Fenethylline) الاسم العلمي وهو مركب مثيل للأمفيتامين التي تُعَدُّ من المنشطات، والمنشطات هي العقاقير التي تسبّب النشاط الزائد وكثرة الحركة وعدم الشعور بالتّعب والجوع وتسبّب الأرق وتُعتبَرُ من المخدِّرات التصنيعيّة وهي موادّ محظورة، ومن أشهر أنواع الأمفيتامينات ذلك الذي يُعْرَف تجاريًّا باسم “بنزدرين” وميثامفتيامين والمعروف تجاريًّا باسم “ديسوكسين” وديكسترو أمفيتامين والمعروف تجاريًّا باسم “ديكسيدرين”. كما توجد مركبات أخرى مثيلة للأمفيتاميات وهي فينثيلين والمعروف بالكبتاجون والفينمترازين المعروف تجاريًّا باسم “بريلودين” وفينديميترازين المعروف باسم “بليجين” وفينترمين
أشكال الأمفيتامينات: حبوب – كبسولات – قطع كريستال صافية – بودرة.

قد يعاني المُدمن من الهلوسات السمعيّة والبصريّة وتضطرب حواسُّه فيتخيّل أشياء لا وجود لها، كما يؤدي الاستعمال إلى حدوث حالة من التوهُّم حيث يشعر المُدمن أنَّ حشراتٍ تتحرّك على جلده. وهناك مَنْ تظهر عليه أعراض تشبه حالات مرض الفصام أو جنون العظمة. كذلك الشعور بالاضطهاد والبكاء بدون سبب و الشكّ في الآخرين فمثلًا بعض المتعاطين يشكُّ في أصدقائه بأنّهم مخبرون متعاونون مع مكافحة المخدِّرات وهناك من يشكّ في زوجته بأنّ لها علاقات مع غيره ممّا يسبّب مشاكل عائليّة واجتماعية للمتعاطي ومع الإفراط في الاستخدام يحدث نقص في كُريات الدم البيضاء ممّا يضعف المقاومة للأمراض, كذلك تحدث أنيميا، كما يؤدّي إدمان الأمفيتامينات إلى حدوث أمراض سوء التغذية، كما يسبب حقنها في الوريد بجرعات كبيرة حدوث إصابات في الشرايين مثل الالتهاب والنّخر وفشل كلوي وتدمير الأوعية الدموية بالكليَة وانسداد الأوعية الدموية للمخ ونزيف في المخ قد يؤدي إلى الوفاة، ويؤدي استنشاق الأمفيتامين إلى إثارة الأغشية المخاطية للأنف، ويؤدّي استخدام الحقن الملوثة إلى نقل عدّة أمراض خطيرة مثل الإيدز والتهاب الكبد الفيروسي من نوع B ومن أضرارها كذلك أنها تؤدي إلى الوقوع في التّدخين (أو الإكثار من التدخين إذا كان يدخّن قبل الوقوع في تعاطي الكبتاجون) لأنّها تزيد من مفعول الكبتاجون. كذلك تؤدي إلى الوقوع في الحشيش لأنّ الحشيش يضادّ مفعول الكبتاجون فيستخدمها بعض المتعاطين إذا أراد النوم، كما تؤدي إلى الوقوع في المُسكرات (لأنّه يُشاع بين المتعاطين أنّ الكحول تُزيل أثر الكبتاجون من الجسم فلا يتمّ التعرّف على المتعاطي من خلال التّحليل).
اشكال الكبتاجون: حبوب – كبسولات – قطع كريستال صافية – بودرة.

الهيرويين

يُصَنَّف من المخدّرات في الغرب، ويُحصل عليه عبر أستلة (إضافة جُزَيء أستيل) المورفين، وهو أهمّ شبه قلوي مُستخرَج من الخشخاش المنوِّم، وهو مُخدِّر قويّ للجهاز العصبي المركزي ويسبب إدمان جسمي ونفسي قوي، والهيرويين (باسمه العلمي “دايمورفين” أو “دايستلمورفين”) يوصف كعلاج للأغراض الطبيّة كمخدِّر للآلام الحادّة.
يُسْتَخدم الهرويين في المملكة المتحدة كمُسكِّن قوي للألم تحت اسمه العلمي دايمورفين أو دايستلمورفين. استخدامه يشمل علاج الآلام الحادّة، مثل الإصابات الجسدية الحادّه، واحتشاء عضلة القلب، وآلام ما بعد الجراحة، والآلام المزمنة وأمراض أخرى، ويُصَنّف من ضمن الأدوية فئة A الخاضعة للرقابة.

أعراض إدمان الهيرويين:
الأعراض الجسديّة: ضيق التنفسّس والجفاف وضيق حَدَقة العين وتغيّرات سلوكية واضحة وضعف الاتزان واضطراب ضربات القلب وعدم القدرة على التركيز وكَثرة النّسيان وزيادة في النشاط يليها الخمول والكسل وانخفاض ضغط الدم وفقدان الوزن والرشح المستمرّ والتهابات في أماكن الإبر والحقن والضّعف الجنسيّ والإصابة بالإيدز، اضطرابات الدّورة الشّهرية لدى السيّدات.
الأعراض السلوكية والنفسية:
التّلعثم في الكلام وعدم القدرة على التحدّث بشكل لائق، والعزلة والابتعاد عن الأصدقاء والعائلة وتدمير العلاقات الأسريّة.
أمّا الأمراض التي يُصاب بها المُدمن على المدى الطّويل فكثيرة مثل: أمراض القلب وانتقال العدوى عن طريق استخدام الإبر خاصة الإيدز والفيروس الكبدي الوبائي والالتهاب الرّئوي وتجلّط الدم وأمراض الكبد والتّشنّجات وأعراض الانسحاب من إدمان الهيرويين وتظهر من خلال الرّعشة الشديدة ولإسهال والحُمَّى.

الكوكايين

هو مسحوق أبيض يُستَخلص من أوراق نبات الكوكا الذي ينمو بشكل رئيسي في أمريكا الجنوبية. وعادة ما يتم تعاطيه باستنشاق المسحوق عن طريق الأنف و”الكراك” ليس مخدِّرًا مُختلفًا، وإنّما هو شكل من أشكال الكوكايين يسبّب درجة أكبر من الإدمان، وعادةً ما يتم تدخين الكراك، الذي يسمّى أيضاً بالصّخر أو الحجر أو الكوكايين المُنَقَّى ويتمّ أحيانًا حقن الكوكايين أو أكلّه.
الآثار الجانبية: نظرًا لتأثيراته القوية، كثيرًا ما تكون لدى متعاطي الكوكايين رغبة مُلحّة في تعاطي المزيد، وقد تؤدّي الجرعات الكبيرة من المخدِّر إلى إصابتك بالإجهاد، والقلق، والاكتئاب، وأحيانًا العُدوانيّة.
المخاطر: قد يؤدي استنشاق الكوكايين إلى تلف لا يمكن علاجه لداخل الأنف، وقد يضرّ تعاطي الكوكايين قلبك ورئتيك، وقد تؤدي الجرعات الكبيرة إلى الوفاة بالأزمات القلبية أو الجلطات. وتعاطي الكوكايين مع الكحول يزيد من مخاطر الإصابة بالأزمة القلبية والوفاة، وقد يؤدي أكل الكوكايين إلى تلف نسيج الأمعاء. وقد يكون الاكتئاب الذي يلي الشعور بالنشوة حادًّا وقد يؤدي إلى محاولات انتحار، ومع الاستعمال طويل المدى أو بجرعات مفرطة، قد تتحول الإثارة التي يولدها الكوكايين إلى قلق، وأرق، وفقدان وزن. وبعض الأشخاص يظهر عندهم مرض الذّهان الزّوري (الخُيَلائي) حيث يُحْتَمل ممارستهم للعنف، وقد تؤدّي الرّغبات الملحّة في تعاطي الكوكايين، وخاصّة الكراك، إلى رغبتك في تعاطي المخدِّر طوال الوقت، وقد تفقد السّيطرةَ على استخدامِك للمخدِّر.

هذا العدد

لكلّ عددٍ من الضحى نكهته الخاصة المميِّزة. تسري القاعدة هذه على أعداد الضحى كافة، غير أنها تتحقق بالتمام والكمال في هذا العدد بالذات (العدد 23 من الضحى). فغنى الموضوعات فيه تجعله بحق عدداً غير مسبوق من نواح عدّة. في وسع نصف مواد العدد هذا تشكيل مادة مكتملة لأية مطبوعة ثقافية دورية. لكننا رغبنا، ومن باب معرفتنا أنّ الضحى فصلية، أن يعيش القارئ مع مجلّته أطول زمن ممكن. وعليه، احتوى هذا العدد من المقالات ما يمكن تصنيفها في الطبقة الأولى: الأخلاق التوحيدية في تراث الأمير السيّد عبد الله التنوخي (قدس)، إلى التراثي المعروفي الأصيل، من رشيد طليع الذي كتب “سجّل…أنا رشيد طليع”، إلى سيرَتي مجاهدين نادرين ترفع لهما القبعات احتراماً (سعيد أبو الحسن وعبّاس نصر الله). وإلى ذلك، مقالتان أخريان: الأولى في النفس عند أفلاطون، والثانية حول موضوع بالغ الأهمية وتفسحُ الضحى المجال للإسهام فيه (ومن باب أخلاقي وإنساني صرف) وهو “الاستخدام الجاري للأطفال في الأعمال القتالية”، والتداعيات الاجتماعية المدمّرة لذلك، ناهيك بالانتهاك الصارخ للقوانين الدولية، إلى مقالة أخيرة حول “متعة القراءة” التي تكاد تختفي.
هذا في المقالات، أمّا “ملف العدد”، في العدد 23، فهو تحت عنوان “المخدرات …. آفة العصر: كيف نحصّن شبابنا حيالها؟” سيضع الملفُ القارئ بصراحة، وقسوة، أمام حقائق صادمة لا ينفع في شيء التعامي عنها، وموجزها: الانتشار النسبي لظاهرة الإقبال على المخدرات، بدرجاتها وأنواعها المختلفة. يبدأ الملف بتعريف علمي وتقني من أرفع مرجعية علمية ممكنة، إلى إسهام من تولَّوْا، ويَتَوَلَّوْن الآن، مواجهة الظاهرة ذاك، من أرفع المسؤولين في الأجهزة الرسمية، إلى الجهود الكبرى التي تبذلها اللجان المعنية في المجلس المذهبي لطائفية الموحدين الدروز، وجهات شبيهة أخرى.
وفي جانب التحقيقات المصوّرة، يقدّم العدد ثلاثة تحقيقات تستحق المتابعة في أعداد لاحقة لأهميتها: عن المكتبة الوطنية في بلدة بعقلين التي باتت صرحاً ثقافياً رفيعاً يغني الطالب أو الباحث في منطقة الجبل عن ارتياد أي مكان مشابه آخر، وثان عن بلدة “عَنز” في محافظة السويداء، سوريا، حيث يقدّم العمران الديني والحضري المتبقي منها شهادة على ماض غني جداً، والثالث، من بلدة “صوفر” على مفترق طرق مواصلات جبل لبنان ما جعلها مكاناً التقت فيه الجغرافيا الصعبة مع صفحات نابضة من التاريخ.
في وسعنا التنويه، أخيراً، بباب “مدارات الإبداع” الذي يميط اللثام هذه المرّة عن عبقرية معروفية “بيروتية”، هي الفنّانة التشكيلية الذائعة الصيت سلوى روضة شقير، التي نالت الكثير من الجوائز في النصف الثاني من القرن الماضي. وكلّ التقدير، باستمرار، لقارئ الضحى.

والله، دائماً، وليّ التوفيق.

ندوة وتوقيع كتاب حول سيرة المغفور له سماحة الشيخ محمد أبو شقرا

استضافت قاعة الاحتفالات في دار طائفة الموحدين الدروز في بيروت في 30\1\2018 حفل إطلاق كتاب الدكتور حسن البعيني حول سيرة المغفور له سماحة الشيخ محمد أبو شقرا، فجرى توقيع المؤلف للكتاب وانعقدت حوله ندوة تحدث فيها، بعد تلاوة عطرة لآيات من الذكر الحكيم والنشيد الوطني اللبناني، سماحة شيخ العقل القاضي نعيم حسن، سيادة المطران بولس مطر، الدكتور محمّد السمّاك، الدكتور فرح موسى، وأخيراً للمؤلف الدكتور البعيني. عرّف بالكتابوالمنتدين الشيخ الدكتور سامي أبي المني.

قال الشيخ أبي المنى في افتتاح الندوة: عندما تقرأ الكتاب السيرة تستذكر سماحة الشيخ العَلَم، وأول ما يلفتك كم كان حريصاً على وحدة الصف والكلمة، كمثل

حرصه على الوحدة الإسلامية والوطنية، عاملاً في سبيل نهضة المجتمع، من خلال المؤسسات التي أنشأها ورعاها ودعمها معنوياً، ومن خلال المواقف التي أطلقها، وكأن تلك الوحدة كانت هاجسه الدائم، فقد كان ضنيناً بها، ساعياً إلى بلورة مواقفه على أساسها. وقد جاء تعبيره عن ذلك في أكثر من مناسبة، ومنها مناسبة صلاة الغائب على روح الأمير مجيد أرسلان في قصر المختارة بتاريخ 20 أيلول 1983، بمبادرة من الأستاذ وليد بك جنبلاط، وفي ظل الوضع الأمني المتوتر في البلاد يومذاك، فكان ذلك أصدق تعبير عن موقفه الجامع ذاك… وها هو سماحة الشيخ نعيم حسن خير خلف لخير سلف، يسير على النهج ذاته، ويعلن في أكثر من موقف….إن تاريخ الموحدين الدروز السياسي ليس تاريخاً طائفياً بل هو تاريخ وطني يعطي الأمثولة الصالحة في النضال الوطني الشريف…ومن غير منة ولا تباهٍ فيه أو تبجح.”

وتحدث سماحة شيخ العقل في كلمته عن “المكانة التي تبوأها سماحة الشيخ محمد أبو شقرا في تاريخ الموحدين الدروز خصوصاً هي مكانة في مقام ذاكرة ماثلة في الثوابت التراثية والوطنية والعربية والإسلامية للمعروفيين في كل مكان. وليس الكتاب شاهداً على ما يستقر في وجدان الناس من شهادة حيّة فقط، وإنما هو بعض صفحات من سجل هو أكبر من كتاب، فشكراً للجهود التي تظافرت في إنجاز هذا العمل الطيّب”. كلّنا يعلم أن سماحته تولّى مقام مشيخة العقل في زمن كان لبنان فيه لسنوات قليلة خلت حائزاً على استقلاله بعد ما يناهز عقدين من الانتداب الفرنسي. وكان لخيار كبار رجال الطائفة آنذاك منحى وطنياً متأصلاً، كما هو دأبهم على الدوام، إذ كان للشيخ محمّد في الشام مواقف وطنية شجاعة ضد الاستعمار الأجنبي كما يشهد بذلك يوم معركة ’ قلعة دمشق’ وما كُتب عن دوره فيها”.

وبعد استعراضه محطات أخرى في سيرة المغفور له، أنهى سماحة شيخ العقل كلمته قائلاً: “وفي المحصلة فإننا إن استعرضنا ثمرة حياة سماحته التي يتظهّر منها الجوهري في الكتاب الذي بين أيدينا، لوجدنا كفة الوحدة الوطنية، والوحدة الإسلامية، مرجّحة على كل مصلحة ضيّقة. ولوجدنا الثوابت فيها هي ثوابت القادة الروحيين حتى يومنا هذا، وهي ثوابت وطنية جامعة لا تشبه طائفة بعينها، بل تشبه وطننا الذي نريده أجمل ما يكون لنا جميعاً، ونحن على خطاه الصالحة سائرون”.

وكانت بعد ذلك كلمات أجمعت على الخصال الشخصية والوطنية الاستثنائية التي تمتع بها المغفور له سماحة الشيخ أبو شقرا، والتي حوّلته مرجعية دينية ووطنية في الجبل كما على صعيد الوطن. واستذكر الجميع حرصه على الوحدة الوطنية اللبنانية، وكذلك مواقف مشهودة له وبخاصة في مواجهة الاستعمار الأجنبي في الأربعينات كما في مواجهة العدوان الصهيوني على لبنان في حزيران 1982، ونصرته لحقوق الشعب الفلسطيني، كما للمطالب الحياتية المحقة للفئات والنقابات المهنية في لبنان.

وجرى بعد ذلك توقيع المؤلف للكتاب. كما جرى التنويه بميادرة أسرة المغفور له سماحة الشيخ أبو شقرا والشيخ علي عبد اللطيف بتخصيص ريع بيع الكتاب لدار المسنين في مستشفى عين وزين

التراث والحداثة

يتنازع قراء ’الضحى’ الكُثُر – والحمدلله – اتجاهان حيال المواد التي تنشرها المجلة، وهم لا يترددون في التعبير عنهما بغير طريقة وشكل، ونحن لا نتردد أيضاً في أخذ الملاحظات تلك بكل الجدية والاهتمام المطلوبين، وكما يفترض أن تفعل كل مطبوعة ثقافية تعنى باتجاهات قرائها.

الاتجاه الأول يطلب المزيد من المواد التراثية، وبخاصة في المجال التاريخي – تاريخ أبرز الرجال المعروفيين الذين رفدوا التاريخ العربي والإسلامي القديم والحديث على نحو ساطع. فمن دخول الأمراء التنوخيين القدس لتحريرها من الاحتلال الصليبي برفقة صلاح الدين الأيوبي، إلى إسهامات الشخصيات المعروفية الحاسمة في التصدي للغزو الغربي الشرق، وتبرز هنا حملة الأمير شكيب أرسلان في التصدي للغزو الإيطالي لليبيا سنة 1911 جنباً إلى جنب مع المجاهد الليبي عمر المختار. كذلك الإسهام المباشر في الثورة العربية الكبرى لاستعادة حق العرب التاريخي في إقامة كيان عربي مستقل، ثورة الشريف حسين، شريف مكة والحجاز، وأن يكون أحد أبرز قادتهم التاريخيين، سلطان باشا الأطرش، أول من دخل على صهوة جواده دمشق لإجلاء بقايا جمال باشا السفّاح وتركته عنها سنة 1918. وكذا إسهامهم المباشر في المحاولات اليائسة التي بذلها رجال العرب التاريخيين لمنع سقوط دولتهم الوليدة على يدي الفرنسيين سنة 1920، فكانت مشاركتهم المباشرة في معركة ميسلون، فأصيب منهم من أصيب – ولا أدري إذا كان من ضحايا أيضاً. ولم يطل الأمر حتى اندلعت الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش واستمرت حوال ثلاث سنوات كبّد فيها مجاهدو بني معروف على قلة عددهم الفرنسيين الهزيمة تلو الهزيمة، ولم تنته الثورة سنة 1927 إلا باتفاق، بل بمؤامرة فرنسية إنجليزية أطبقت على مناطق الدروز. وليس أدل على الموقف المعروفي الواحد، في سوريا ولبنان، من ملاحظة العدد الكبير من دروز لبنان الذين شاركوا في العمليات الحربية وعدد الضحايا الكبير الذي قدموه في رفد الثورة  – إذ تكاد لا تخلو بلدة في وادي التيم وجبل لبنان الجنوبي من شهيد أو أكثر سقطوا في العمليات العسكرية بين سنتي 1925-1927، وبخاصة من منطقة حاصبيا – راشيا، حيث أعداد الشهداء العالية  (وفي العدد ثبت دقيق بشهداء وادي التيم في مواجهات الثورة مباشرة أو عمليات ضد الفرنسيين متصلة بالثورة). ومن تاريخهم الحديث، أيضاً، تصديهم للاحتلال الصهيوني عبر المشاركة المباشرة في الانتفاضات الفلسطينة المتعاقبة (وخصوصاً ثورة 1936) إلى الانخراط أخيراً في حملة ’جيش الانقاذ’ البائسة التي قادها المجاهد فوزي القاوقجي، والتي حاصرتها الخيانات من كل اتجاه. وفي التاريخ الحديث أيضاً تصديهم للانحراف الذي حدث في الخمسينيات في لبنان وانخراطه في محور إقليمي اعتبر معادياً لعبد الناصر ولحركة القومية العربية ما أوصل إلى ثورة 1958 التصحيحية. ثم تصديهم طوال سنوات 1973 و1975-76 وصولاً إلى سنة 1982 للمحاولات الإسرائيلية والأمريكية /الأطلسية التي هدفت إلى محو القضية الفلسطينية بالقوة من معادلات الشرق الأوسط.

 وقاد التصدي البطولي ذاك وبكل شجاعة واقتدار المغفور له كمال جنبلاط، ثم القيادة الدرزية الموحّدة التي تشكلت غداة الغزو الإسرائيلي والتي تكونت من المغفور له سماحة الشيخ محمد أبو شقرا ووليد جنبلاط والمغفور له الأمير مجيد أرسلان. قدّم دروز لبنان في المعارك الأخيرة وحدها حوالي أربعة ألاف شهيد، عدا مئات الجرحى والمعوقين، لا يزال معظمهم بيننا اليوم مكرّمين معززين وشهوداً أيضاً على حجم التضحيات التي بذلت في سبيل القضية الوطنية والعربية. هذا في الجانب الجهادي والنضالي فقط، فكيف إذا أضفنا إلى ذلك إسهامات المفكرين والأدباء والفنانين والتراجمة المعروفيين في النهضة العربية الحديثة، وفي نهضة أقطار المشرق العربي قاطبة، من اليمن إلى العربية السعودية، فلبنان وسوريا، وهم بالعشرات، ومن واجب ’الضحى’ البديهي التعريف المستمر بهم

وبعظيم إنجازاتهم.

هذا اتجاه أول، يمكن تسميته بالاتجاه التراثي، يُسعَد لكل فقرة  تتضمنها ’الضحى’ تتصل بالتراث أو بتضحيات المعروفيين في كل اتجاه.

في مقابل هذا الاتجاه، يقوم اتجاه ثان بين قرّاء ’الضحى’، ما انفكوا يعبّرون عنه بأكثر من طريقة، ويمكن تسميته بالاتجاه الحداثي، أو الحداثوي.

أصحاب هذا الاتجاه الحداثي – ولنوضح موقفهم بدقة – هم مع استمرار ’الضحى’ في إبراز الجوانب التراثية في تاريخ بين معروف، وهم يقولون أنها ستبقى مفخرة بني معروف الفذّة، يتوارثها الأبناء عن الأجداد، إلا أن هؤلاء – وهم من طبقات وشرائح اجتماعية وثقافية عدة –يرون أن ’الضحى’ لا تولي الشباب المعروفي الطالع المقدار الضروري من الأهمية – إلا نادراً. هي لا تخاطبهم مباشرة، لا تفسح في المجال ليعبروا بأنفسهم عن مشكلاتهم وتطلعاتهم، من تقدم المعارف والعلوم والتقنيات التي تلقى هوى عند الشباب ويعنيهم أن يتابعوا تطوراتها، إلى مشكلاتهم الكثيرة: من البطالة وفقدان فرص العمل، والكلفة العالية للتعليم، وغياب معظم مؤسسات التعليم العالي الرسمية عن مناطقهم، والطبابة الرسمية الغائبة عن مناطق الجبل، وكذلك ندرة المؤسسات والمشاريع الاقتصادية الإنتاجية عن مناطقهم، إلى الحصار الإعلامي الذي تتعرض له مناطقهم وفقدانهم أمكنة التعبير عن أرائهم أو نتاجهم الثقافي، إلى أزمة الشباب المغترب وانشطار الوعي لديه، وعجزه عن التعبير عن أزمته، ومشكلات كثيرة أخرى. بعض أصحاب هذا الاتجاه، وبينهم رجال دين أجلاّء، عبّروا بشكل صريح عن هذا الرأي بالقول: كيف لي أن أجعل أولادي يقرأون ’الضحى’ وهي في عالم بينما أولادنا في عالم آخر مختلف؟

تلك بعض ’ألطف’ الانتقادات التي وردتنا، إذ عبّر آخرون في هذا الاتجاه عن منحى حداثي أكثر جذرية ونقدانية.

لا تستطيع ’الضحى’ إلاّ أن تصغي بانتباه شديد للرأيين أعلاه. ومن باب احترامها لقرائها، تُوسِع الضحى في مضمونها مكاناً للاتجاهين معاً. ومن غير الضروري افتعال التناقض بين الاتجاه التراثي والاتجاه الحداثي بين قرّاء الضحى وعلى صفحاتها. فالمساحة المخصصة للتراث في ’الضحى’ يجب أن تبقى، لما فيه من تذكير بالتقليد المعروفي العريق، ومن حضّ على التمسك بالقيم الموروثة الأصيلة. وكذلك، يجب أن تتسع المساحة التي تتيحها ’الضحى’ للمشكلات التي باتت تواجه مجتمعاتنا لأسباب عدة، كما للهواجس التي تشغل باب شبابنا وأجيالنا الناشئة، وهي كثيرة أيضاً. وثالث التجديدات الحداثية فتحُ آفاقٍ ثقافية جديدة لتطلّ منها إبداعات مبدعينا، فنانين وكتّاباً، رجالاً ونساء، من باب التعريف والتكريم من جهة، وتشجيع الميل للإبداع لدى شبابنا وشاباتنا من جهة ثانية. وفي كل الحالاات، ’الضحى’ هي ’الضحى’، كما أرادها المؤسسون العظام في طائفة الموحدين الدروز، قبل خمسين سنة ونيّف؛ ومستمرة كذلك مع سماحة شيخ العقل القاضي نعيم حسن، وصحبه في مجلس أمناء المجلة وفي المجلس المذهبي.

والله وليّ التوفيق

رئيس التحرير

د. محمد شيّا

شهداء وادي التيـم في أثناء الثورة السورية الكبرى 1925-1926

جدول بالشهداء الأبرار الذين قدّمتهم بلدات منطقة وادي التيم. في أثناء الثورة السورية الوطنية الكبرى في مواجهة عدوان المستعمر الفرنسي. لأرواحهم الرحمة، لذكراهم المجد والخلود، ولمنطقة وادي التيم الأبيّة التحية لعطاءات لها لم تتوقف دفاعاً عن الأرض والشرف والكرامة. أعد الجدول وزوّد به الباحث في تاريخ وادي التيم الأستاذ أمين خير.

أفراد من بني معروف يتجهزون للإلتحاق بالثورة الى جانب سلطان باشا
أفراد من بني معروف يتجهزون للإلتحاق بالثورة الى جانب سلطان باشا

[su_accordion]
[su_spoiler title=” شهداء حاصبيا” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

أسعد شرف
قاسم أبو دهن
محمود أبو دهن
علي أبو غيدا
علي بدوي
علي الغزال
سلمان الشمعة
سلمان الشوفي
سلمان شرّوف
فارس أبو عمّار
فارس حامد
فايز بدوي
فايز وزير
قاسم محمد أبو دهن
محمود يوسف ابو دهن
قاسم بدر الدين
محمد أبو دهن
محمود أبو غيدا
ملحم شروف
محمد بدوي
سعيد الحلبي
نجيب سابق
علي رعد
يوسف ايو عمّار
يوسف الحرفاوي
يوسف عزالدين
يوسف العيسمي
جميل قيس
ابراهيم أبو دهن
علي يوسف بدوي
اسماعيل بدر الدين
أسعد جبر
صالح ابو دهن
صالح الخماسي.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”شهداء راشيا” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الشيخ سلمان زاكي
الشيخ نعمان زاكي (قاضي مذهب)
سليم سعيد زاكي
سليمان أحمد زاكي
يوسف حسين زاكي
علي أبو غطاس مهنا
شرف الدين أبو غطاس مهنا
غطاس أبو غطاس مهنا
أسعد حسين مهنا
أحمد عثمان مهنا
رشراش الصبّاغ
خطار صعب
علي صعب
علي صالح فايق
صافي ناجي
إبراهيم علبي
محمد أبو صفا
أسعد صافي
جبر الحلبي
عسّاف الحلبي
يوسف البيطار
يوسف التقي

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”شهداء ميمس
” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

إبراهيم أبو قنصول
حسن أبو قنصول
سليم أبو العز
بشير دحدوح
ذوقان مدّاح
محمود عربيد
يوسف غالب صالح

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”شهداء عين قنيا ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

فارس كبّورة
قاسم محمد أبو رافع
غانم سنان

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”شهداء شويا ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

سليم جماز
بشير علوان
سليمان أبو سيف
قاسم جماز

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” شهداء عيحا” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

محمد يوسف
جميل حمود
يوسف سلمان
قاسم بهاء الدين
يوسف بهاء الدين
يوسف حسين بو لطيف
يوسف السقعان
أسعد السقعان
حسين السقعان
قاسم البرقش
أسعد حمصي

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” شهداء عين عطا” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

سعيد ريدان
أسعد ريدان
رشراش القاضي
سليم القاضي
علي شاهين القاضي
ابراهيم القاضي
حسين ميرهم
سعيد حسين البرّي
شمس الدين غزالة

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” شهداء كفرقوق” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

علي مرعي أبو درهمين
محمود عبد الخالق
محمد شرف

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”شهداء حلوا ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

رشراش البلانة
سليمان البلانة
أسعد سجيم
حسن سجيم
إبراهيم سجيم
مزيد الطويل

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” شهداء الخلوات” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

حسن علي بوفاعور
قاسم أبو سعد
وهبي حسين بوفاعور

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” شهداء الكفير
” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

سعيد أحمد سعيد
يوسف عدنان

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” شهداء تنورة” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

أحمد التقي
صالح أبو زور
حسين سرحال

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” شهداء ظهر الأحمر
” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

سلمان منذر
شهاب العوّام

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” شهداء عين جرفا
” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

أسعد الحسنية

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”شهداء دير العشاير
” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

محمد الذيب
ابراهيم ابو سعدى
محمد فايق

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”شهداء مجدل بلهيص
” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

إبراهيم محمود

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” شهداء ينطا
” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

إبراهيم تمراز
صالح الحلبي
سليم الحلبي
ابراهيم الحلبي
يوسف ياغي
سليمان شتيه
سليم نصر الدين الحلبي
حسن مظفر
سالم علاء الدين
قاسم الحكيم
حسين كمال

[/su_spoiler]

[/su_accordion]

التراث والحداثة

يتنازع قرّاء الكُثُر – والحمدلله – اتّجاهان حيال المواد التي تنشرها المجلّة، وهم لا يترددون في التعبير عنهما بغير طريقة وشكل، ونحن لا نتردد أيضاً في أخذ الملاحظات تلك بكل الجدّية والاهتمام المطلوبَيْن، وكما يفترض أن تفعل كل مطبوعة ثقافية تعنى باتجاهات قرائها.

الاتجاه الأول يطلب المزيد من المواد التراثية، وبخاصة في المجال التاريخي – تاريخ أبرز الرجال المعروفيين الذين رفدوا التاريخ العربي والإسلامي القديم والحديث على نحو ساطع. فمن دخول الأمراء التنوخيين القدس لتحريرها من الاحتلال الصليبي برفقة صلاح الدين الأيوبي، إلى إسهامات الشخصيات المعروفية الحاسمة في التصدي للغزو الغربي للشرق، وتبرز هنا حملة الأمير شكيب أرسلان في التصدي للغزو الإيطالي لليبيا سنة 1911 جنباً إلى جنب مجاهدين آخرين. كذلك الإسهام المباشر في الثورة العربية الكبرى لاستعادة حق العرب التاريخي في إقامة كيان عربي مستقل، ثورة الشريف حسين، شريف مكة والحجاز، وأن يكون أحد أبرز قادتهم التاريخيين، سلطان باشا الأطرش، أول من دخل على صهوة جواده دمشق لإجلاء بقايا جمال باشا السفّاح وتركته عنها سنة 1918. وكذا إسهامهم المباشر في المحاولات اليائسة التي بذلها رجال العرب التاريخيين لمنع سقوط دولتهم الوليدة على يدي الفرنسيين سنة 1920، فكانت مشاركتهم المباشرة في معركة ميسلون، فأصيب منهم من أصيب – ولا أدري إذا كان من ضحايا أيضاً. ولم يطل الأمر حتى اندلعت الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش واستمرت نحو ثلاث سنوات كبّد فيها مجاهدو بني معروف على قلّة عددهم الفرنسيين الهزيمة تلو الهزيمة، ولم تنته الثورة سنة 1927 إلا باتفاق، بل بمؤامرة فرنسية إنجليزية أطبقت على مناطق الدروز. وليس أدلّ على الموقف المعروفي الواحد، في سوريا ولبنان، من ملاحظة العدد الكبير من دروز لبنان الذين شاركوا في العمليات الحربية وعدد الضحايا الكبير الذي قدموه في رفد الثورة – إذ تكاد لا تخلو بلدة في وادي التيم وجبل لبنان الجنوبي من شهيد أو أكثر سقطوا في العمليات العسكرية بين سنتي 1925-1927، وبخاصة من منطقة حاصبيا – راشيا، حيث أعداد الشهداء العالية (وفي العدد ثبت دقيق بشهداء وادي التيم في مواجهات الثورة مباشرة أو عمليات ضد الفرنسيين متصلة بالثورة). ومن تاريخهم الحديث، أيضاً، تصديهم للاحتلال الصهيوني عبر المشاركة المباشرة في الانتفاضات الفلسطينة المتعاقبة (وخصوصاً ثورة 1936) إلى الانخراط أخيراً في حملة “جيش الانقاذ” البائسة التي قادها المجاهد فوزي القاوقجي، والتي حاصرتها الخيانات من كل اتجاه. وفي التاريخ الحديث أيضاً تصديهم للانحراف الذي حدث في الخمسينيات في لبنان وانخراطه في محور إقليمي اعتبر معادياً لعبد الناصر ولحركة القومية العربية ما أوصل إلى ثورة 1958 التصحيحية. ثم تصديهم طوال سنوات 1973 و1975-76 وصولاً إلى سنة 1982 للمحاولات الإسرائيلية والأمريكية /الأطلسية التي هدفت إلى محو القضية الفلسطينية بالقوة من معادلات الشرق الأوسط.

وقاد التصدي البطولي ذاك وبكل شجاعة واقتدار المغفور له كمال جنبلاط، ثم القيادة الدرزية الموحّدة التي تشكلت غداة الغزو الإسرائيلي والتي تكونت من المغفور له سماحة الشيخ محمد أبو شقرا ووليد جنبلاط والمغفور له الأمير مجيد أرسلان. قدّم دروز لبنان في المعارك الأخيرة وحدها مئات الشهداء بالإضافة الى عشرات الجرحى والمعوقين، لا يزال معظمهم بيننا اليوم مكرّمين معززين وشهوداً أيضاً على حجم التضحيات التي بذلت في سبيل القضية الوطنية والعربية. هذا في الجانب الجهادي والنضالي فقط، فكيف إذا أضفنا إلى ذلك إسهامات المفكرين والأدباء والفنانين والتراجمة المعروفيين في النهضة العربية الحديثة، وفي نهضة أقطار المشرق العربي قاطبة، من اليمن إلى العربية السعودية، فلبنان وسوريا، وهم بالعشرات، ومن واجب البديهي التعريف المستمر بهم وبعظيم إنجازاتهم.
هذا اتجاه أول، يمكن تسميته بالاتجاه التراثي، يُسعَد لكل فقرة تتضمنها تتصل بالتراث أو بتضحيات المعروفيين في كل اتجاه.

في مقابل هذا الاتجاه، يقوم اتجاه ثان بين قرّاء ، ما انفكوا يعبّرون عنه بأكثر من طريقة، ويمكن تسميته بالاتجاه الحداثي، أو الحداثوي.
أصحاب هذا الاتجاه الحداثي – ولنوضح موقفهم بدقة – هم مع استمرار في إبراز الجوانب التراثية في تاريخ بين معروف، وهم يقولون أنها ستبقى مفخرة بني معروف الفذّة، يتوارثها الأبناء عن الأجداد، إلا أن هؤلاء – وهم من طبقات وشرائح اجتماعية وثقافية عدة –يرون أن لا تولي الشباب المعروفي الطالع المقدار الضروري من الأهمية – إلا نادراً. هي لا تخاطبهم مباشرة، لا تفسح في المجال ليعبروا بأنفسهم عن مشكلاتهم وتطلعاتهم، من تقدم المعارف والعلوم والتقنيات التي تلقى هوى عند الشباب ويعنيهم أن يتابعوا تطوراتها، إلى مشكلاتهم الكثيرة: من البطالة وفقدان فرص العمل، والكلفة العالية للتعليم، وغياب معظم مؤسسات التعليم العالي الرسمية عن مناطقهم، والطبابة الرسمية الغائبة عن مناطق الجبل، وكذلك ندرة المؤسسات والمشاريع الاقتصادية الإنتاجية عن مناطقهم، إلى الحصار الإعلامي الذي تتعرض له مناطقهم وفقدانهم أمكنة التعبير عن أرائهم أو نتاجهم الثقافي، إلى أزمة الشباب المغترب وانشطار الوعي لديه، وعجزه عن التعبير عن أزمته، ومشكلات كثيرة أخرى. بعض أصحاب هذا الاتجاه، وبينهم رجال دين أجلاّء، عبّروا بشكل صريح عن هذا الرأي بالقول: كيف لي أن أجعل أولادي يقرأون وهي في عالم بينما أولادنا في عالم آخر مختلف؟

تلك بعض “ألطف” الانتقادات التي وردتنا، إذ عبّر آخرون في هذا الاتجاه عن منحى حداثي أكثر جذرية ونقدانية.
لا تستطيع إلاّ أن تصغي بانتباه شديد للرأيين أعلاه. ومن باب احترامها لقرائها، تُوسِع في مضمونها مكاناً للاتجاهين معاً. ومن غير الضروري افتعال التناقض بين الاتجاه التراثي والاتجاه الحداثي بين قرّاء وعلى صفحاتها. فالمساحة المخصصة للتراث في يجب أن تبقى، لما فيه من تذكير بالتقليد المعروفي العريق، ومن حضّ على التمسك بالقيم الموروثة الأصيلة. وكذلك، يجب أن تتسع المساحة التي تتيحها للمشكلات التي باتت تواجه مجتمعاتنا لأسباب عدة، كما للهواجس التي تشغل بال شبابنا وأجيالنا الناشئة، وهي كثيرة أيضاً. وثالث التجديدات الحداثية فتحُ آفاقٍ ثقافية جديدة لتطلّ منها إبداعات مبدعينا، فنانين وكتّاباً، رجالاً ونساء، من باب التعريف والتكريم من جهة، وتشجيع الميل للإبداع لدى شبابنا وشاباتنا من جهة ثانية. وفي كل الحالات، هي ، كما أرادها المؤسسون العظام في طائفة الموحدين الدروز، قبل خمسين سنة ونيّف؛ ومستمرة كذلك مع سماحة شيخ العقل القاضي نعيم حسن، وصحبه في مجلس أمناء المجلة وفي المجلس المذهبي.

والله وليّ التوفيق.
رئيس التحرير
د. محمّد شـيّا

نحو أنوار الأمل والثّقة والمصداقيّة

يجابهُ مجتمعُنا العديد من التحدّيات الكبرى في المستويات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والبنيويَّة والثقافيَّة وما يتفرَّع عنها، أو ما يُعزى إلى مردِّها في كلِّ حقل.
والتحديات تلك، ما هو منظور مشخَّص منها، وما هو مغفول عنه أو مُهمَل، باتت تتنامى في وتيرةٍ متصاعدة من “تسارُع” ما يحدثُ في الزمن؛ تسارُع تُسهم فيه اندفاعة التطوّرات التقنية ومؤثّراتها الشموليَّة، وشبه “انهيار” العالَم السياسيّ القديم تحت وطأة جموح الدول العظمى في صراعٍ محموم ما فتئ يشحن العالَم برمَّته بكافَّة أشكال التوتُّر في شتَّى الميادين.
ما يهمّنا بشكل خاص هو موقع عالَمنا العربي والإسلاميّ في هذه الصُّورة، وهو موقع يغلبُ على أحوالِه مع الأسف تلقّي الفِعل، والترنُّح الفاجع تحت وطأة الحروب التي تتداخلُ فيها العواملُ المحليَّة والاقليميَّة والدوليَّة بأشكال فائقة الشبهة. وما يهمّنا، بالتالي، موقع لبنان الدقيق وسط العواصف والمؤثرات المختلفة، منها ما هو قائم فعلا، ومنها ما يهدِّده بأخطار داهمة من دون أن تتوقَّف المحاولات الدؤوبة من رجال الحُكم فيه لتجنُّب ما هو أسوأ، في ظلّ جيشٍ يؤدي واجبه الوطني، وشعبٍ يتمسك بما تميَّز به نظامه منذ الاستقلال.
هذا الإطار المضطرب يُملي عليْنا، قيادات ومؤسَّسات قائمة وفعاليات اجتماعيَّة ونُخَباً من مختلف الحقول ونُشطاء في كافَّة المجالات، أن نضفي على حركة النُّهوض في مجتمعنا طابَع الفعالية والابتكار والمبادرة السديدة والمشاركة بالحيويَّة الإيجابيَّة، وبالرّوح الوثّابة نحو الأحْسن، وذلك عبر التحرُّك باتّجاه آفاق جديدة لرؤية أحوال مجتمعنا بواقعيّة علميّة ورؤيويّة. لكن ذلك لا يمكن أن يكون ذا جدوى إلا بتطوير آليّات المقاربات الهادفة إلى إحداث الفعاليّات المثمرة، والنتائج المرجوَّة، والإنجازات المفيدة.
في هذا الإطار العام، يتضمَّن العدد الراهن من “الضحى” ملفّاً عن آفة خطيرة ذات مستويات متعدّدة من وقوع الأذى على الأفراد وعلى بُنية المجتمع في الآن عينه، هي آفة الإدمان بشكل عام، وتعاطي المخدّرات بشكل خاص. وعلينا أن نذهب بعيداً في طرح الأسئلة الجدّية بشكل واسع، بموضوعيَّةٍ وبشعور عميق بالمسؤوليّة، وهي أسئلة تتعلّق بالدوافع والمسبّبات وارتباط ذلك بالعديد من مستويات الاشكاليّات والأزمات الاجتماعيّة مثل البطالة، والمؤثّرات السلبيَّة في سوء استخدام شبكات التواصُل، والتفكُّك العائلي كما يُستدلّ من صعود مؤشّرات حالات الطّلاق في المحاكم، وبالتالي، انحلال روابط النظام التربويّ وما يُنتج عنه من الأخذ بنسبيَّة المفاهيم الأخلاقيَّة، ناهيك عن النزوع إلى مدارك سطحيّة للشؤون الثقافيّة الفكرية في كثير من أوساط الشباب، وما تعلّق منها على وجه الخصوص بمسائل مرتبطة بكيفيّات التعاطي مع “أجندة العالم المعاصر”، في الوقت الذي ترزحُ فيه معظم “الدول المتلقية” تحت وطأة تصاعد الأرقام المخيفة للدَّيْن العام، وما يعكسه ذلك من تأزم في الأوضاع الاقتصادية.
في هذا الزمن الذي تنحط فيه على نحو متسارع إنسانية الانسان، نستنهض المخلصين للمُثُل النبيلة، الغيارى على بقاء القيم الأخلاقية واستمرارها، الى عمل ينقذ هذه الُمثُل من الاضمحلال المتزايد يوماً بعد يوم. إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ.
إعادة تفعيل ” التعليم بالقدوة” هي القاعدة الصحيحة لكل توجّه سليم، في البيت كما في المدرسة او المجتمع. انها مسؤولية الجميع، الدولة والمجتمع المدني (جمعيات وأندية) ووسائل الاعلام والأسرة وكل فرد آخر.
لا نستطيع ان نربّي أولادنا على خُلُقٍ قويم، الّا إذا كنا نمارس عزّة النفس وإبائها. فالطفل الذي يرى اباه يدخّن ويشرب الكحول، ويسمع الكلام البذيء في كل يوم، ويرى الخلاعة على شاشات التلفزة، لن يؤثر فيه بعد ذلك ان تشرح له أضرار ذلك كلّه. لا نستطيع ان نعلّم الناس الصدق ونحن نكذب عليهم، ولا الوفاء ونحن نخونهم، ولا الحشمة والحياء ونساؤنا يتزيّنّ بما اتصل، دونما احتراز، بمفاتن الجسد، ولا شيء غير ذلك.
كذلك، علينا الخروج من “الطابع الاستعراضي” لكثير من النشاطات العامّة نحو التوقّف مليّا أمام الأسئلة الصعبة التي تواجهنا بشكل تحديات يومية. يتطلّب هذا الأمر، وعلى سبيل المثال، عقد مؤتمرات عدّة يتناول كلّ منها جانباً من جوانب أحوالنا، أوّلها في “الأزمات الاجتماعيَّة” الآنفة الذكر، شرط أن تكون الموضوعات مدار بحث ودرس وتحضير وتشخيص عملي واقتراح حلول لها من قبَل أهل الفِكر والاختصاص والخبرة. فالأهميَّة لا تكمن في مجرَّد تنظيم المناسبة وانعقاد جمْعها وحسب، بل في ثمارها وما تحمله من توصيات عملية قابلة للتنفيذ والمتابعة والتحقّق. َ
بهذا وحده تُقدَّم بعضُ الإضاءات للجيل الشاب وأهمّها أنوار الأمل والثقة والمصداقيَّة.

المُخَدِّرات آفة العصر!

المُخَدِّرات
آفة العصر!

[su_accordion]

 

[su_spoiler title=” تقديم:” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

نبدأ الملف بتوصيف سماحة شيخ العقل لظاهرة انتشار المخدرات باعتبارها “آفة العصر”. وهي حقاً كذلك. لا نظن أن مرضاً (حتى السرطان) فتك بناس عصرنا كما فعلت المخدرات، بأنواعها المختلفة. لم تفعل الحروب، بمآسيها وضحاياها، ما فعلته آفة المخدرات.
كيف لا، والمخدرات تستهدف الأجيال الشابة على وجه الخصوص. وهي بذلك لا تقتل حاضر الجماعة والمجتمع فقط، بل تقتل مستقبلهما قبل ذلك وفوقه. هل رأيت آفة أخرى تحيل الحي ميتاً فيما هو على قيد الحياة؟ وتحيل الشاب كهلاً، فيما هو في ريعان صباه؟
هل رأيت آفة أخرى إذا أقفلت الباب في وجهها دخلت من النافذة؟ وإذا أحكمت إقفال النافذة تسللت عبر مسام الجدران؟
هل رأيت آفة أخرى تتمكن من مريضها، إلى الحد الذي يفقد معه كل إرادة للمقاومة، فيستسلم لها استسلام العبد الخانع الذليل؟
هل رأيت آفة أخرى تنسي مريضها أهله، أمه وأباه، وأخوته، بخيالات وصور وهمية مرضية من عالم اللاوعي؟
هل رأيت آفة أخرى تفقد مريضها اتزان العقل، والوعي السليم، والإحساس بالعيب وسائر قيم مجتمعه، وتحيله مريضاً مرمياً على الهامش يتحرك ب 10 بالمئة لا أكثر من طاقته وقدرته ووعيه وإمكاناته، وهو القادر على أن يكون منتجاً فاعلاً وعضواً نشطاً في أسرته ومجتمعه؟
هذا بعض ما دفع، ويدفع، كل المجتمعات لفعل ما تستطيع لدرء هذه الآفة الفتّاكة عن مجتمعها وشبابها وناشئتها؛ وعن مدارسها على وجه الخصوص.
وهو أيضاً بعض ما دفعنا في لإعادة فتح الملف المؤلم، بل الخطير، وبخاصة على شبابنا وناشئتنا، عدة المستقبل وعتاده.
يصح في المخدرات القول، إذا أردت أن تقتل شعباً على نحو ناعم، ومن دون دماء، فوزّع فيه المخدرات على أنواعها، من الحشيشة إلى حبوب ’ الكبتاغون’ إلى سواهما مما تجود به العقلية الشيطانية لشبكات المنتفعين بتجارة المخدرات، دولاً (ربما)، وشركات، ورؤوس أموال، وشبكات اتجار وموزعين. ألم تحاول دول استعمارية أن تفرض المخدرات بالقوة على مستعمرات لها كي تضمن “موت” شعوب المستعمرات تلك، وتأبيد استعمارها بالتالي؟
يبدأ الملف يتقديم تعريف علمي للمخدرات وما تحتويه من عناصر مكوّنة، وما تنطوي عليه من أضرار قاتلة.
ولأن الملف يتزامن مع “شهر الحرب على المخدرات”، شهر آذار، من كل عام. لذلك جعلنا أولى فقرات الملف ثبتاً سريعاً بأهم الندوات التي دعت إليها لجان المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، واللجنة الدينية واللجنة الإجتماعية تخصيصاً، لإظهار مخاطر آفة المخدرات، إلى أنشطة أخرى. ونختم الملف بمقالتين/محاضرتين لكل من:
– العميد أنور يحي، الرئيس السابق للشرطة القضائية، في قوى الأمن الداخلي، في لبنان،
– والشيخ سلمان عودة، عضو اللجنة الدينية في المجلس المذهبي.
وغايتنا من ذلك كله التحذير ثم التحذير من هذه الآفة الفتّاكة، والحضّ على التعاون في درء مخاطرها، وبخاصة عن شبابنا.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”تعريف المخدرات” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

تعريف المخدرات
تعريف المخدرات

المخدِّرات هي كلّ ما يمنع الجهاز العصبي عن القيام بعمله وهي مادّة تسبّب تسكين الألم والنّعاس أو غياب الوعي. ويعرّفها القانون على أنّها مواد تُسمّم الجهاز العصبي وتسبّب الإدمان وتُمْنَعُ زراعتُها أو صناعتها أو تداولها إلّا لأغراض يُحدّدها القانون وتكون فقط بواسطة من يُرَخَّص له.
أنواع المخدّرات

تُصَنّف المخدِّرات تبْعًا لمصدرها إلى:
مخدِّرات طبيعيّة:
وهي من أصل نباتي فهي تُسْتَخرَج من أوراق النّبات أو أزهاره أو ثماره.
أ- الخشخاش: تتركّز في الثّمار غيرِ الناضجة.
ب- القنّب: تتركّز في الأورق والقمم الزهرية
ج- القات: تتركز في الأوراق
د- الكوكا: تتركز في الأوراق – جوزة الطيب: تتركز في البذور
ويمكن أن تُسْتخلَص المواد المخدّرة باستعمال المُذيبات العضويّة: الحشيش والأفيون والمورفين والكوكايين.
مُخدِّرات نصف صناعيّة:
وهي مواد مُخدِّرة مستخلَصة من النباتات المخدرة متفاعلة مع موادّ أخرى فتتكوّن موادّ أكثر فعالية من المواد الأولية، على سبيل المثال: الهيرويين ينتج من تفاعل مادة المورفين مع مادة أستيل آلورايد.
مُخدِّرات صناعية:
تنتج من تفاعلات كيميائية معقدة بين المركبات الكيميائية المختلفة في معامل شركات الأدوية أو معامل مراكز البحوث. ويمكن أن تُصنَّف تبعًا لتأثيرها على النشاط العقلي للمتعاطي وحالته النفسية إلى مُهبّطات ومُنشّطات ومُهلوسات. الحشيش باعتباره مُهبّطًا بالجرعة الصغيرة ومهلوسًا بالجرعة الكبيرة.
وإذا ما أخذنا الأساسين السابقين سويّة فيمكن أن نصنفها إلى مُهبّطات طبيعية أو نصف صناعية أو صناعية، ومنشّطات طبيعية أو صناعية، مهلوسات طبيعية أو نصف صناعية أو صناعية، والحشيش.
تاريخ:

إنّ استخدام المواد المخدّرة يعود إلى عصور قديمة ولكن البدايات المعاصرة لاستخدام المخدرات خاصّة في الغرب بدأت بالاستخدام الطبّي للمخدرات وكان الأطبّاء يصفون مركّبات الأفيون كعلاج. وكتب أحد الأطباء كتابًا يبيّن للأمهات كيفية استخدام المخدّرات لعلاج أطفالهنّ وكان جهل الأطباء حينئذ بالمخاطر التي يمكن أن تنتج عن إدمان هذه المواد قد جعلهم يستخدمونها على نطاق واسع لعلاج العديد من الأمراض والآلام وقد اتّسع نطاق استخدامها إلى أن دخلت في كلّ مهدّئات الأطفال. وقد استخدم في الحرب الأهلية الأمريكية لعلاج حالات الإصابة حتّى سُمِّيَ الإدمان على المورفين آنذاك بـ “مرض الجُندي” وفي سنة 1898 أنتجت شركة باير في ألمانيا مادة مخدرة جديدة على اعتبار أنها أقل خطورة وكانت هذه هي مادّة الهيرويين التي تبيّن أنها أكثر خطورة في الإدمان من المورفين. وعندما أدرك الأطبّاء وعموم النّاس مخاطر الإدمان كانت المخدّرات قد انتشرت بشكل واسع جدًّا.

انتقال العدوى عن طريق استخدام الإبر خاصة الإيدز والفيروس الكبدي الوبائي وغيرها من الأمراض
انتقال العدوى عن طريق استخدام الإبر خاصة الإيدز والفيروس الكبدي الوبائي
وغيرها من الأمراض

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” الإدمان:” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

وهو التعوّد على الشّيء مع صعوبة في التخلّص منه. لكنّ هذا التعريف لا ينطبق على كافّة المخدرات وعقاقير الهلوسة، لذلك رأت هيئة الصحّة العالمية في عام 1964 استبدال كلمة إدمان واستخدام الاعتماد الفسيولوجي (أو الصحّي) والاعتماد السيكولوجي (أو النّفسي).
الاعتماد الفسيولوجي يُستخدَم للدلالة على أنّ كيمياء الجسم حدث بها تغيّرات معيّنة بسبب استمرارية تعاطي المواد المخدِّرة، فيتطلّب الأمر زيادة كميّة المخدِّر دومًا للحصول على نفس التأثير، والانقطاع عن تعاطي المخدّر دفعةً واحدة ينجم عنه حدوث نكسة صحية وآلام شديدة قد تؤدي إلى الموت في النهاية.
أمّا الاعتماد السيكولوجي فيدلّ على شعور الإنسان بالحاجة إلى العقاقير المخدّرة لأسباب نفسية فقط والتوقّف عنها لا يسبب عادة نكسات صحيّة أو عضويّة.
يعود سبب الاعتماد الفسيولوجي إلى دخول هذه السموم في كيمياء الجسم فتُحدث تغيّرات بها. ثمّ لا تلبث بالتدرّج أن تتجاوب مع أنسجة الجسم وخلاياه. وبعدها يقلّ التجاوب لأنّ أنسجة الجسم تَعْتَبرُ المادة المخدّرة كأحد مكونات الدّم الطبيعيّة، وبذلك تقلّ الاستجابة إلى مفعولها ممّا يضطر المُدمن إلى الإكثار من كميّتها للحصول على التأثيرات المطلوبة. فإنْ لم يستطع المدمن لسبب ما الاستمرار بتعاطيه، تظهر بعض الأمراض التي تُسمّى بالأعراض الانسحابية. وتبدأ هذه على شكل قلق عنيف وتدميع العيون، ويظهر المريض وكأنّه أصيب برشح حادّ، ثم يتغيّر بؤبؤ العين، ويصاحب كلّ ذلك ألم في الظهر وتقلّص شديد في العضلات مع ارتفاع في ضغط الدم وحرارة الجسم.
أضرار المخدرات:
الأضرار الجسمية:
1- فقدان الشهيّة للطعام ممّا يؤدي إلى النحافة والهزال والضعف
العام المصحوب باصفرار الوجه أو اسوداده لدى المُتعاطي، كما تتسبّب في قلّة النشاط والحيوية وضعف المقاومة للمرض الذي يؤدّي إلى دُوار وصداع مزمن يصحبه احمرار العينين، ويحدث اختلال في التوازن والتآزر العصبي في الأذنين.
2- يُحدِث تعاطي المخدّرات تهيّجًا موضعيًّا للأغشية المخاطية
والشُّعَب الهوائية وذلك نتيجة تكون مواد كربونية وترسبها في الشُّعَب الهوائية حيث ينتج عنها التهابات رئويّة مزمنة قد تصل إلى الاصابة بالتدرّن الرئوي.
3- يحدث تعاطي المخدّرات اضطرابًا في الجهاز الهضمي والذي
ينتج عنه سوء الهضم وكَثرة الغازات والشّعور بالانتفاخ والامتلاء والتُّخمة التي عادة ما تنتهي إلى حالات الاسهال الخاصّة عند تناول مخدِّر الأفيون والامساك. كذلك تُسبب التهاب المعدة المزمن فتعجز المعدة عن القيام بوظيفتها وهضم الطعام، كما تسبب التهابًا في غدة البنكرياس وتوقفها عن عملها في هضم الطعام، وتزويد الجسم بهرمون الأنسولين الذي يقوم بتنظيم مستوى السكر بالدم.
4- كما تُتلف الكبد وتُليِّفه حيث يُحلِّل المخدّر؛ الأفيون مثلًا خلايا
الكبد، ويُحدث بها تليُّفًا وزيادة في نسبة السكر، ممّا يسبّب التهاباً وتضخماً في الكبد وتوقّف عمله بسبب السموم التي تُعْجِز الكبد عن تخليص الجسم منها.
5- تسبب التهابًا في المخ وتحطيم وتآكل ملايين الخلايا العصبية
التي تكوّن المخ ممّا يؤدي إلى فقدان الذاكرة والهلوسات السمعية والبصرية والفكرية.
6- بالإضافة إلى اضطراب في القلب، ومرض القلب الحولي
والذّبحة الصدرية، وارتفاع ضغط الدم، وانفجار الشرايين، وتسبب فقر الدم الشديد وتكسُّر كريات الدم الحمراء وقلة التغذية، وتسمّم نخاع العظام الذي يصنع كُريات الدم الحمراء.
7- التأثير على النشاط الجنسي، حيث تُقلّل من القدرة الجنسية
وتُنقص من إفرازات الغُدد الجنسية.
8- التورّم المنتشر، واليرقان وسيلان الدم وارتفاع الضغط الدموي
في الشريان الكبدي.
9- الاصابة بنوبات الصّرَع بسبب الاستبعاد للعقار، وذلك بعد
ثمانية أيام من الاستبعاد.
10-إحداث عيوبٍ خَلْقيّة في الأطفال حديثي الولادة.
11-مشاكل صحيّة لدى المدمنات الحوامل مثل فقر الدم ومرض
القلب، والسكري والتهاب الرئتين والكبد والاجهاض العفوي، ووضع مقلوب للجنين الذي يولد ناقص النّمو، هذا إذا لم يمت في رحم الأم.
12-تعاطي المخدّرات قد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان
13- تعاطي جرعة زائدة ومُفرطة هي انتحار.

الأضرار النّفسيّة:
1- يُحدِث تعاطي المخدّرات اضطرابًا في الإدراك الحسّي العام
وخاصة إذا ما تعلق الأمر بحواس السمع والبصر، بالإضافة إلى الخلل في إدراك الزّمن فيصبح بطيئًا، واختلال في إدراك المسافات فتصبح طويلة، واختلال إدراك الحجم فتتضخم الأشياء..
2- يؤدي تعاطي المخدرات إلى اختلال في التفكير العام وصعوبة
وبطء به، وبالتالي يؤدي إلى فساد الحكم على الأمور والأشياء والهلوسة والهذيان.
3- يؤدي تعاطي المخدرات إلى آثار نفسية مثل القلق والتوتّر
المستمرّ والشّعور بعدم الاستقرار والشعور بالانقباض والهبوط مع عصبيّة وحِدّة في المزاج وإهمال النّفس والمظهر وعدم القدرة على العمل.
4- تُسبّب المخدرات اختلالًا في الاتزان والذي يُحدِث بدوره بعض
التشنّجات والصعوبات في النطق والتعبير عما يدور في ذهن المتعاطي بالإضافة إلى صعوبة المشي.
5- يؤدي تعاطي المخدّرات إلى اضطراب في الوجدان، حيث ينقلب
المتعاطي بين حالة المرح والنشوة والشعور بالرضا والراحة بعد تعاطي المخدر وحالة ضعف في المستوى الذهني وذلك لتضارب الأفكار لديه فهو بعد التعاطي يشعر بالسعادة والنشوة والعيش في جو خيالي وزيادة النشاط والحيوية ولكن سرعان ما يتحوّل ذلك إلى ندم وواقع مؤلم وفتور وإرهاق مصحوب بخمول واكتئاب.
6- تُسبب المخدرات حدوث العصبية الزائدة والحساسيّة الشديدة
والتوتّر الانفعالي الدائم والذي ينتج عنه بالضرورة ضعف القدرة على التّواؤم الاجتماعي.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”الحشيش” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الحشيش هو مخدِّر يُصنع من القِنّب الهندي (Cannabis Sativa) وتتمّ زراعته في المناطق الاستوائية والمناطق المعتدلة، والماريجوانا هي أوراق وأزهار القنّب الجافة. والسائل المُجَفّف من المادّة الصمغية هو الحشيش.
وهو أكثر المخدّرات انتشارًا في العالم لرخص ثمنه وسهوله تعاطيه فلا تلزمه أدوات معقّده مثل “سرنجات” الإبر أو غيرها. وأوراق نبات القنّب تحتوي موادَّ كيميائيةً tetrahydrocannabinol THC وكميّات صغيرة من مادة تشبه الأتروبين تسبّب جفاف الحلق. ومادة تشبه الأستيل كولين تسبب تأثير دخان الحشيش المهيّج. والحشيش من المواد المهلوسة بجرعات كبيرة ويُعتبر تدخينه من أكثر الطّرق انتشارًا، وأسرعها تأثيرًا على الجهاز العصبي المركزي نظرًا لسرعة وصول المادة الفعالة من الرئة إلى الدم ومنه إلى أنحاء المخ.

تأثيره على الرّئتين
من الأمراض الأولى التي يُحدِثها تعاطي الحشيش هي التهاب القصبات الهوائية وأمراض الرّئة. وتشير بعض الأبحاث الحديثة إلى أنّ الحشيش يسبّب سرطان الرّئة. كما قد ثبت أنّ له تأثيرًا على الأجِنّة والأجيال المستقبليّة وذلك لأنّه يؤثّر على صحّة أجهزة الجنس لدى الجنسين ويمكن أن يوقف الدّورة لدى النساء المتعاطيات. بالإضافة إلى أنّه يُجرّد المتعاطي من قوّة جهازه المناعي ويجعله عرضةً لخطر الجراثيم والفيروسات.
والاستهلاك الكثيف منه يؤدّي الى أمراض الجهاز التنفسي مثل السّعال المُزمن والرّبو والالتهاب الرئوي وقرحة الحلق المزمنة والتهاب البلعوم والسِّلّ.

تأثيره على الدّماغ
يؤثّر الحشيش على الجهاز العصبي، وله تأثير منعكس فهو يبدأ بتنبيه المتعاطي ثم تخديره وتعقبه هلوسة، ثم خمول فنوم مع زيادة الجرعة فيفقد الاحساس بالنشوة ويستبدله بإحساس يتدرّج من الحزن إلى الغضب حتى جنون العظمة ونوبات الغضب الشديدة.

الاستعمال الطبّي:
تُعَدّ الماريجوانا أفضل مُسكّنات الآلام حيث تختلف عن أغلب البدائل بأنّها لا تسبّب أيَّ إدمان نظرًا لخفّة أعراضها الجانبيّة. كما يمكن أن تُستعمَل كمضادّ للقيء ومنشّط للشهيّة وتبيّن الدراسات أنَّ الماريجوانا يمكن أن تساعد في علاج الكثير من الأمراض المختلفة مثل الأمراض التي تتسبب بآلام كبيرة ولا تنفع معها المهدّئات المتوافرة في المستشفيات المتخصِّصة أو قد يؤدي كثرة استخدام المهدئات الطبيّة إلى مضاعفات أخرى أو تفاقم المرض.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”تأثير المخدرات على جسد المدمن:” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

[su_spoiler title=”الاثار الجسدية و العصبية ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الآثار الجسديّة:
يُسبّب تعاطي الحشيش على المدى القصير تزايدًا في سرعة القلب وجفاف الفم واحمرار العينين (احتقان في الأوعية الدمويّة المُلتحمة) وانخفاضًا في الضغط داخل العين والاسترخاء العضلي والإحساس باليدين والقدمين الباردتين أو الساخنتين. تُظهر الـ EEG أو موجات ألفا الكهربائية ثباتًا إلى حدٍّ ما وتردّدات أدنى قليلًا عن المعتاد، وتسبّب المواد المخدِّرة “الاكتئاب الواضح في النشاط الحركي” عن طريق تنشيط مستقبلات الحشيش العصبية وتحدث مستويات الذروة المرتبطة بتسمُّم الحشيش تقريبًا 30 دقيقة بعد تدخينه وتستمرّ لساعات عديدة.

الآثار العصبيّة:
تَتَّسِق المناطق الدّماغية حيث تتواجد مستقبلات الحشيش بكثرة سائدة مع الآثار السلوكية الناتجة عن المواد المخدّرة، حيث مستقبلات الحشيش كثيرة جدًّا؛ هي العقد العصبية القاعدية المرتبطة بالمراقبة الحركية.
المُخَيخ: ويرتبط مع تنسيق حركة الجسد الحصين، ويرتبط مع التعليم والذاكرة والسيطرة والإجهاد.
القشرة الدماغية: ترتبط بالوظائف المعرفية العليا.
النواة المتكئة: التي تُعْتَبَر مركز المكافأة في المخّ ومناطق أخرى حيث تتركّز مستقبلات الحشيش باعتدال وهي منطقة ما تحت المهاد، التي تنظّمُ وظائف التماثل الساكن.
اللّوزة الدّماغية: وترتبط مع الاستجابات العاطفية والخوف.
النخاع الشوكي: ويرتبط مع الأحاسيس الطّرفية مثل الآلام.
جذع الدّماغ: ويرتبط مع النّوم والإثارة والتحكّم الحركي.
نواة الجهاز الانفرادي: ويرتبط مع الأحاسيس الباطنيّة مثل الغثيان والتقيُّؤ.

لقد أظهرت التّجارب على الحيوانات والأنسجة البشريّة تعطيل تشكيل الذاكرة على المدى القصير، الذي يتَّسِق بغزارة مستقبلات CB1 على الحصين ومنطقة الدّماغ المرتبطة بشكل وثيق مع الذاكرة. تمنع المواد المخدِّرة إطلاق العديد من الناقلات العصبية في الحصين مثل أستيل وبإفراز الغلوتامات، ممّا أدى إلى انخفاض كبير في نشاطات الخلايا العصبية في تلك المنطقة.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”لبنان و الحشيشة :” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الحشيشة
الحشيشة

لبنان والحشيشة:

تُقسم حشيشة لبنان إلى قِنّب هندي أو قنب عادي، وهي نبتة يراوح طولها 1 إلى 2.5 م، أوراقها طويلة على شكل مروحة بأزهار صغيرة الحجم خضراء اللون بغلاف زهري احتلّ لبنان المركز الأوّل في الشّرق الأوسط للمخدّرات إبّان الحرب الأهلية،
وكان ينتج ما بين 30 و50 طنًّا من الأفيون المكوِّن الأساسي للهيرويين، أطلقت الحكومة مع بداية التسعينيّات وبعد انتهاء الحرب الأهلية، برنامجًا لدعم الزّراعات البديلة برعاية الأمم المتحدة بهدف استئصال زراعة المخدّرات، إلى أن أعلنت الأمم المتحدة سهل البقاع خاليًا من المخدرات عام 1994 بفضل تعاون المزارعين، راصدًا كلفة 300 مليون دولار ككلفة عدم العودة لزراعتها. لكنّ الدّولة سلّمت حتّى الـ 2001 مبلغ 17 مليون دولار فقط، ممّا أدّى إلى فشل البرنامج وازدهار زراعة الحشيشة بشكلٍ أكبر، فالمزارع عاد ليزرع، والدّولة عادت لتتلف ما يقارب 1000 و6500 هكتار سنويًّا في بعلبك الهرمل.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”الكبتاجون :” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الكبتاجون

الكبتاجون أو فينيثايلين هو أحد مشتقات مادة الأمفيتامين. صنعت في البداية سنة 1919 في اليابان بواسطة الكيميائي أوقاتا. واستخدم لحوالي 25 عاما، باعتباره بديلًا أكثر اعتدالًا للأمفيتامين كان يُستخدم في تطبيقات كعلاج للأطفال “قصور الانتباه وفرط الحركة”، وكما شاع استعماله لمرض ناركوليبسي أو كمضاد للاكتئاب.
تاريخ الأمفيتامينات ومثيلاتها:

في البداية صنع الأمفيتامين في ألمانيا سنة 1887 وأطلق عليها عندما اكتشفت باسم المقوِّيات، وقد صُنعت لمكافحة الجوع.
الميثامفيتامين صُنعت أوّلًا في اليابان سنة 1919، وفي العشرينيّات استُخدمت الأمفيتامينات كعلاج للعديد من الأمراض مثل الصّرع وانفصام الشخصية, وإدمان المُسكرات والصّداع النّصفي (الشقيقة), وغيرها، في سنة 1930 لاحظ الطبيب بنيس أنها ترفع ضغط الدم، في سنة 1932 استخدمت لعلاج احتقان الأنف، وفي سنة 1933 لاحظ أليس تأثيرها كمنشّط للجهاز العصبي المركزي وموسّع لقنوات الجهاز التنفسي، وفي سنة 1935 استُخدمت لعلاج نوبات النّعاس الغالبة (Narcolepsy) (مرض يحدث فيه نوبات قصيرة من النّوم العميق والتي من الممكن أن تَحْدث في أي وقت خلال اليوم)، وفي سنة 1937م استخدمت لعلاج فرط النّشاط لدى الأطفال ADHD (تأثير الأمفيتامين على الأطفال يكون كمهدّئ بدلًا من تنبيههم بعكس البالغين).

الكبتاجون (captagon) هو الاسم التّجاري للفينثيلين (Fenethylline) الاسم العلمي وهو مركب مثيل للأمفيتامين التي تُعَدُّ من المنشطات، والمنشطات هي العقاقير التي تسبّب النشاط الزائد وكثرة الحركة وعدم الشعور بالتّعب والجوع وتسبّب الأرق وتُعتبَرُ من المخدِّرات التصنيعيّة وهي موادّ محظورة، ومن أشهر أنواع الأمفيتامينات ذلك الذي يُعْرَف تجاريًّا باسم “بنزدرين” وميثامفتيامين والمعروف تجاريًّا باسم “ديسوكسين” وديكسترو أمفيتامين والمعروف تجاريًّا باسم “ديكسيدرين”. كما توجد مركبات أخرى مثيلة للأمفيتاميات وهي فينثيلين والمعروف بالكبتاجون والفينمترازين المعروف تجاريًّا باسم “بريلودين” وفينديميترازين المعروف باسم “بليجين” وفينترمين
أشكال الأمفيتامينات: حبوب – كبسولات – قطع كريستال صافية – بودرة.

الصراع الداخلي الذي يُعاني منه المُدمن من أصعب أنواع العذاب النفسي
الصراع الداخلي الذي يُعاني منه المُدمن
من أصعب أنواع العذاب النفسي

قد يعاني المُدمن من الهلوسات السمعيّة والبصريّة وتضطرب حواسُّه فيتخيّل أشياء لا وجود لها، كما يؤدي الاستعمال إلى حدوث حالة من التوهُّم حيث يشعر المُدمن أنَّ حشراتٍ تتحرّك على جلده. وهناك مَنْ تظهر عليه أعراض تشبه حالات مرض الفصام أو جنون العظمة. كذلك الشعور بالاضطهاد والبكاء بدون سبب و الشكّ في الآخرين فمثلًا بعض المتعاطين يشكُّ في أصدقائه بأنّهم مخبرون متعاونون مع مكافحة المخدِّرات وهناك من يشكّ في زوجته بأنّ لها علاقات مع غيره ممّا يسبّب مشاكل عائليّة واجتماعية للمتعاطي ومع الإفراط في الاستخدام يحدث نقص في كُريات الدم البيضاء ممّا يضعف المقاومة للأمراض, كذلك تحدث أنيميا، كما يؤدّي إدمان الأمفيتامينات إلى حدوث أمراض سوء التغذية، كما يسبب حقنها في الوريد بجرعات كبيرة حدوث إصابات في الشرايين مثل الالتهاب والنّخر وفشل كلوي وتدمير الأوعية الدموية بالكليَة وانسداد الأوعية الدموية للمخ ونزيف في المخ قد يؤدي إلى الوفاة، ويؤدي استنشاق الأمفيتامين إلى إثارة الأغشية المخاطية للأنف، ويؤدّي استخدام الحقن الملوثة إلى نقل عدّة أمراض خطيرة مثل الإيدز والتهاب الكبد الفيروسي من نوع B ومن أضرارها كذلك أنها تؤدي إلى الوقوع في التّدخين (أو الإكثار من التدخين إذا كان يدخّن قبل الوقوع في تعاطي الكبتاجون) لأنّها تزيد من مفعول الكبتاجون. كذلك تؤدي إلى الوقوع في الحشيش لأنّ الحشيش يضادّ مفعول الكبتاجون فيستخدمها بعض المتعاطين إذا أراد النوم، كما تؤدي إلى الوقوع في المُسكرات (لأنّه يُشاع بين المتعاطين أنّ الكحول تُزيل أثر الكبتاجون من الجسم فلا يتمّ التعرّف على المتعاطي من خلال التّحليل).
اشكال الكبتاجون: حبوب – كبسولات – قطع كريستال صافية – بودرة.

تُسبب المخدرات حدوث الحساسيّة الشديدة والتوتّر الانفعالي الدائم
تُسبب المخدرات حدوث الحساسيّة الشديدة والتوتّر الانفعالي الدائم

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”الهيرويين” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

يُصَنَّف من المخدّرات في الغرب، ويُحصل عليه عبر أستلة (إضافة جُزَيء أستيل) المورفين، وهو أهمّ شبه قلوي مُستخرَج من الخشخاش المنوِّم، وهو مُخدِّر قويّ للجهاز العصبي المركزي ويسبب إدمان جسمي ونفسي قوي، والهيرويين (باسمه العلمي “دايمورفين” أو “دايستلمورفين”) يوصف كعلاج للأغراض الطبيّة كمخدِّر للآلام الحادّة.
يُسْتَخدم الهرويين في المملكة المتحدة كمُسكِّن قوي للألم تحت اسمه العلمي دايمورفين أو دايستلمورفين. استخدامه يشمل علاج الآلام الحادّة، مثل الإصابات الجسدية الحادّه، واحتشاء عضلة القلب، وآلام ما بعد الجراحة، والآلام المزمنة وأمراض أخرى، ويُصَنّف من ضمن الأدوية فئة A الخاضعة للرقابة.

أعراض إدمان الهيرويين:
الأعراض الجسديّة: ضيق التنفسّس والجفاف وضيق حَدَقة العين وتغيّرات سلوكية واضحة وضعف الاتزان واضطراب ضربات القلب وعدم القدرة على التركيز وكَثرة النّسيان وزيادة في النشاط يليها الخمول والكسل وانخفاض ضغط الدم وفقدان الوزن والرشح المستمرّ والتهابات في أماكن الإبر والحقن والضّعف الجنسيّ والإصابة بالإيدز، اضطرابات الدّورة الشّهرية لدى السيّدات.
الأعراض السلوكية والنفسية:
التّلعثم في الكلام وعدم القدرة على التحدّث بشكل لائق، والعزلة والابتعاد عن الأصدقاء والعائلة وتدمير العلاقات الأسريّة.
أمّا الأمراض التي يُصاب بها المُدمن على المدى الطّويل فكثيرة مثل: أمراض القلب وانتقال العدوى عن طريق استخدام الإبر خاصة الإيدز والفيروس الكبدي الوبائي والالتهاب الرّئوي وتجلّط الدم وأمراض الكبد والتّشنّجات وأعراض الانسحاب من إدمان الهيرويين وتظهر من خلال الرّعشة الشديدة ولإسهال والحُمَّى.
الكوكايين

هو مسحوق أبيض يُستَخلص من أوراق نبات الكوكا الذي ينمو بشكل رئيسي في أمريكا الجنوبية. وعادة ما يتم تعاطيه باستنشاق المسحوق عن طريق الأنف و”الكراك” ليس مخدِّرًا مُختلفًا، وإنّما هو شكل من أشكال الكوكايين يسبّب درجة أكبر من الإدمان، وعادةً ما يتم تدخين الكراك، الذي يسمّى أيضاً بالصّخر أو الحجر أو الكوكايين المُنَقَّى ويتمّ أحيانًا حقن الكوكايين أو أكلّه.
الآثار الجانبية: نظرًا لتأثيراته القوية، كثيرًا ما تكون لدى متعاطي الكوكايين رغبة مُلحّة في تعاطي المزيد، وقد تؤدّي الجرعات الكبيرة من المخدِّر إلى إصابتك بالإجهاد، والقلق، والاكتئاب، وأحيانًا العُدوانيّة.

يؤدي تعاطي المخدرات إلى التوتّر والقلق المستمرّ والشّعور بعدم الاستقرار والانقباض وإهمال النّفس والمظهر وعدم القدرة على العمل.
يؤدي تعاطي المخدرات إلى التوتّر والقلق المستمرّ والشّعور بعدم الاستقرار والانقباض وإهمال النّفس والمظهر وعدم القدرة على العمل.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”من الناحية
القضائية” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الشباب بين
التخدير والتحذير

العميد أنور يحيى
قائد سابق للشرطة القضائية ومُحلّل جنائي استراتيجي

منذُ مطلع العِقد الثامن من القرن الماضي، انخرط بعض شبابنا في ميليشيات مسلّحة بعد أن دخلوها تحت ذرائع مختلفة، ومتباينة. خاضت هذه الميليشيات الحروب بأحدث الأسلحة، لأسباب متعدّدة، وشكل ذلك بيئة ملائمة لتفشي المخدّرات بين الشباب بحجّة إزالة جدار الخوف لديهم، وإعطاء الصّورة بأنّ قضيتهم حق وغيرهم على باطل. ولم تعد حتى المجتمعات الجبليّة التي مرّ على تعايشها عصور عديدة متجانسة مترابطة بمنأى عن تداعيات ذلك، حيث نزح البعض سعياً وراء الأمن، أو للالتحاق ببقيّة الأسرة حيث وسيلة الارتزاق، أو الجامعة.. وهكذا أصبحت مجتمعات الجبل كسواها في صيرورة واحدة، شرقا وغرباً.
تراجع الانتماء الوطني في أثناء فترة الحرب لصالح الانتماء الطائفي والسياسي، وضعفت هيبة الدولة لصالح الميليشيات، وتحت ضغط التهديد بالسلاح وبسواه… فانعكس ذلك على تفكّك الأسرة، ومعها انشغال الزوج والزوجة بالعمل لكسب القوت وسدّ المصاريف المتزايدة يوماً بعد يوم لا سيّما مع شِحّ المداخيل الخارجيّة.
كما هيمنت سلطة الوصاية بين عامي1990 و2005 على الجزء الأكبر من مرافق الدولة اللبنانية، فجرى استنساب واضح في تطبيق القانون، وفي ’ انتقاء’ من ينفذ به القانون، فزُجَّ حتى بالنّواب في السّجون لأسباب ظاهرها شيء وحقيقتها شيء آخر، وتمّت مُلاحقة أفراد حاولوا التّريث بتنفيذ قرارات صادرة عن أصحاب النفوذ… وكثرت شبكات الاتجار بالمخدرات الممنوعة بحماية ثابتة مقابل الحصول على المال الوافر!!
ومؤخّراً دخلت تكنولوجيا المعلومات بسرعة وكان عصر العولمة globalization الذي جعل سكان العالم كلّه يتكلّمون لغة واحدة: الأنترنت، فبات سكّان الأرض كلّهم كأنهم يعيشون في قرية صغيرة ..وزُوِّد الفتيان القاصرون بالخليوي المتّصل بالأنترنت بأقل التكاليف بهدف تأمين السّلامة والحماية وبات هذا المراهق يطَّلع على تسجيلات وصفحات التّواصل الاجتماعي المفيدة منها والمضرّة دون تمكّن الأهل من فرض مراقبة عليهم وانهارت مداميك القيم والتمسك بالفضائل التي نشأت عليها الأجيال السابقة، ودخلنا بوسيلة التّخاطب الخليوي والأنترنت حيث كلّ المعلومات مُباحة وسهلة.
وطالت التداعيات تلك كل المجتمعات، فلم يعد المجتمع التوحيدي المُرتكز إلى مبادئ مراقبة الإنسان لذاته والخوف من الله وتجنّب ارتكاب المعاصي قائماً، ما جعل شباناً أو فتياناً يستشعرون الجرأة لمواجهة الأهل والأستاذ والمجتمع، تحت دعوى التمسك الصارخ بحقوق الإنسان ولو على حساب القيم الفضائل الخلقيّة التي عُرِف بها المجتمع التوحيدي دائما.
ألحقت الحرب اللبنانية 1975-1990 وما تلاها الأضرار الجمّة بالبشر قبل الحجر، وقبل الاقتصاد والبيئة والمجتمع المدني، كما انتشرت المخدّرات على أنواعها ولم تعد مقتصرة على الحشيشة من الإنتاج المحلّي، بل تعرّف شبابنا إلى أصناف الكوكايين والهيرويين والحبوب المهلوسة، وحبوب الكبتاغون الأشدّ خطورة والتي شكلت القوت الأهم لعناصر داعش والنصرة الإرهابيتين، وها هي المخدرات الرّقمية Digital Narcotics تعتمد الحاسوب أو الهاتف الخليوي المتصل بالأنترنت، وهي الأحدث والأشدّ خطورة ويصعب مراقبة الأبناء وهم يضعون السماعات الموصولة بالهاتف الخليوي أو الحاسوب على آذانهم بحجّة إنصاتهم لشرح دروس وقضايا أكاديمية، ويُسبّب هذا إدماناً رهيباً ولا يظهر أثره عبر تحليل الدم أو البول، كما هي الحال في بقيّة المخدّرات المهلوسة Tangible فيصيب الدماغ وأعصاب مستخدميه وقد تبين أنّ سفّاح مجزرة شاطئ سوسة على ساحل تونس الذي قتل 39 سائحاً أوروبيّاً وجرح العشرات صيف العام 2015، والذي صَوّرته كاميرات المراقبة كان يضحك فرحاً أثناء إطلاق النار على ضحاياه، وتبيّن بتشريح الجثّة امتزاج دمه بكميّات وافرة من الكبتاغون المخدّر.
نعم، هبطت العائلات من الجبل إلى الساحل والمدن للعمل وفقاً لشهادات الاختصاص، وقرباً من الجامعات والمعاهد التقنية، فازدادت المصاريف وانهمكت الأمّ كما الأب بالعمل المضني، وكان المنزل مكاناً لمتابعة التحضير والعمل دون التنبُّه لحاجات الفتيان والفتيات ومشاكلهم. هؤلاء الشباب بحاجة إلى محاورة الأم والأب لمناقشة صعوبات الدراسة وإزعاجات الرفاق ومشاكلهم Bullying، وغالباً ما يلجأ هذا الطالب إلى رفاق السوء أو الأنترنت هرباً من واقع أليم أو بحثاً عن حلول شخصيّة لم يتدخّل الأهل لمعالجتها.
غزا الهاتف الخليوي حياة الكبار كما الصّغار وها هي الأم كما الأب يتواصل كلٌّ منهما مع عائلته وأصحابه ورفاق العمل عبر الخليوي حتى ضمن المنزل أحياناً، فالأمّ مُجازة ولديها كفاءات كما الرجل، وبات الأولاد برفقة الخادمة لتأمين طلباتهم المنزلية وقد انحرف بعض الفتيان نحو المخدّرات الخطرة التي بات الحصول عليها بمنتهى السهولة رخيصة الثمن، وقد يقتنع الفتى بأنها الدّواء الشافي للصداع والمشاكل مع الرفاق أو الأهل، وغالباً ما يعلم الأهل متأخّرين بوصول أبنائهم إلى مرحلة الإدمان الصعب الذي يستوجب علاجاً أطول وميزانية أوفر ويؤثّر على شخصية الفتى ومستقبله الوظيفي وسمعة العائلة.
من هنا فعلى ألأهل أن يكونوا على مَقْرُبة من أولادهم ويفتشون عن الوقت المناسب للحوار معهم والوقوف على مشاكهم وإعطاء الحلول المناسبة لإنقاذ الفتى من الضّياع ومساعدته بكافّة الوسائل.
شاب مُدْمن للمخدرات أثناء نوبة صرَع قاسية: يصرُخ أعطوني المخدِّر!
إنّ أخطر الحلقات في عمليّة إنقاذ المُنحرف نحو المخدرات، هو استقالة الأهل من دورهم بمراقبة ثابتة لأولادهم وقولهم: فالج ما تعالج.
أمّا المدرسة والجامعة والمعهد حيث يمضي الفتى الوقت الطويل في مرحلة اكتساب المعارف العلميّة، فغالباً ما يهمّها الشقّ الأكاديمي فقط دون التطرّق إلى شخصيّة الفتى وإنّ نجاح الطالب في الشهادة وسمعة المدرسة أكاديميّاً تأتي بأولويّة قبل الشقّ التربوي، فقد تُنسى محاضرات التوعية والإرشاد للوقاية من المخدرات الخطرة والعنف والإقبال نحو الجريمة والابتعاد عن الانتحار الذي شهدنا منه الصيف الماضي حالات عديدة في الجبل لشبان في مقتبل العمر، بحيث اعتقدوا بأن الانتحار هو الحلّ الوحيد والأخير للتخلّص من مشكلة يعتبرُها المدمن تستهدف سمعة أهله وشخصيته.
لقد ألزمت الحكومة البريطانية في العام 2002 كافة المدارس ما قبل الجامعة إدخال برامج الوقاية من المخدِّرات وعدم اللجوء إلى العنف، وترِك ذلك للشرطة التوافقية بين المواطن والبوليس Policing by consent والمطبقة في بريطانيا منذ عقود كثيرة لمعالجة هكذا مواضيع. كما أنّ التنوع السياسي بين الطلّاب، وتعدّد الانتماءات يجعل الولاء للحزب والطائفة في مرحلة متقدّمة عن الولاء للوطن فيقوى الشّعور بالطائفيّة على حساب الشعور بالمواطنة Citizenship Feeling ويتسبّب بفجوات فكريّة بين الطلاب الذين هم في مقتبل العمر، وقد أحسنت وزارة التربية بإدخال مادة التربية المدنية بمناهج التعليم الثانوي، لكن مع ظهور جرائم الأنترنت والعنف لدى الناشئة، نقترح إدخال التّعديلات المناسبة مواكبة لتطور الجريمة، والأهمّ الوقاية من المخدّرات التي تتفشّى في لبنان عموما والجبل بالتحديد ونشهد انخفاضاً بمعدّل عمر المتعاطين وظاهرة إقبال الفتيات نحو المخدّرات بما لم نعهده من قبل.
أمّا دور الإعلام الذي انتقل من التلفزيون التقليدي والإذاعات الرّسميّة والخاصة إلى الهاتف الخليوي الذي يستخدم بأوجه متعددة: هاتف متحرّك، كاميرا، آلة تسجيل، فاكس يرسل التّسجيلات والفيديوهات والصور في وقت قصير، ويسمح للمشغّل بالدّخول إلى صفحات التواصل الاجتماعي بسهولة وفتح أقنية: YouTube التي لا رقابة عليها البتة سوى مشغّلها وحصانته الخلقية وإدراكه لحسن استخدام هذه الوسيلة. نعم لقد خرج المارد من القمقم ولا يمكن إعادته إليه. الحل هو بالتّوعية والإرشاد عبر برامج تنتهجها وزارة الإعلام وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي لنشر برامج التوعية وشرح مخاطر اللجوء إلى المخدّر الذي ينقل المستهلك في وقت قصير من حالة تزعجه وتجعله قلقاً إلى حالة بعيدة عن الواقع وغير محسوسة لفترة قصيرة لا يلبث أن يطلبها مجدّداً وبكميّات أكبر لتقودَه نحو الإدمان والجريمة.
إذا كانت رقابة الدولة محدودة مع فلتان الأنترنت الذي لا يحدّه حاجز، وانغماس الشباب باستخدامه للتّسلية وتبادل التسجيلات المضرّة أحياناً، وبعيداً عن رقابة الأهل والمدرسة، فإن التحذير والإرشاد والتوعية للشباب هو الطريق الأسلم للحدّ من انخراط بعض شبابنا بالمخدّرات القاتلة أحياناً.
هل تتمكّن سلطات الدولة من إقفال بعض صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وإلزام مستخدم الخليوي بصفحات محددة؟ إنّ تعاون الدولة والأهل والمدرسة والمجتمع المدني قد يساهم في انقاذ من ينحرف نحو الممنوعات.
لدينا قانونٌ صدر العام 1998 برقم 673: قانون المخدرات والمؤثرات العقلية وهو قانون حضاري ينظر إلى مدمن المخدرات كمريض بحاجة للعناية والتركيز على ملاحقة شبكات التهريب وترويج المخدرات، وقد استحدثت لجنة الإدمان المشكّلة من:
قاض من الدرجة 11 على الأقل، رئيساً – ممثّل عن وزارة الصحّة، عضواً – ممثّل عن مديرية المخدرات، عضواً – ممثّل عن المجتمع الأهلي المدني، عضواً، من أجل معالجة حالات الإدمان دون توقيف المُدمن إذا وافق على متابعة مراحل التأهيل النفسي والخضوع لعملية الفطام عن المخدّر وحفاظاً على سجلِّه العدلي ليبقى نظيفاً يؤهّله تولّي الوظائف العامة. لكنّ هذه اللجنة لم تبصر النور لمعوقات عديدة علماً أنّ القانون الجديد لم يطبّق لحينه لعدم صدور المراسيم التطبيقية لجعلة قابلاً للعمل به، ونصَّ على إنشاء المجلس الأعلى لمكافحة المخدّرات برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضويّة وزراء العدل والداخلية والصحة والزراعة والمالية والتربية والخارجية والشؤون الاجتماعية لوضع استراتيجية وطنيّة لمكافحة المخدرات ومنع زراعتها واللجوء إلى الزراعات البديلة على أن تتولّى الدولة تسويقها لمنع المزارعين من العودة إلى زراعة المخدرات الخطرة والممنوعة، لكن هذا المجلس لم يبصر النور لحينه، حيث أولويات الحكومة مكافحة الإرهاب وترك الدفاع الاجتماعي عن الانسان وصحّته إلى وقت لاحق!!.
إنَّ الضرورة تقضي بسرعة تطبيق هذا القانون الجديد الحضاري مع إدخال بعض التعديلات إلى أحكامه لا سيّما بمواد تنظيمية.
تقوم الشّرطة القضائية بمكافحة الاتجار بالمخدّرات والتصدّي لشبكات التّهريب الدوليّة بالتنسيق مع الشرطة الدوليّة: الإنتربول Interpol ومجلس وزراء الداخلية العرب وجهاز الشرطة الأوربية Euro police، بإشراف النّيابة العامة المختصة، لكن غالباً ما يخضع القاضي لنداءات الأهل بتخلية سبيل أولادهم الذين يعدون بالإقلاع عن المخدّر، لكنهم يعاودونه وفقاً لطلب جسم المُدمن والذي لم يخضع للعلاج والشفاء التام ربما لعدم وجود مراكز تأهيلية مجّانية للدولة، ولا قدرة للأهل على دفع التكاليف العالية.. من هنا نرفع الصوت عالياً بضرورة تجهيز قسم في مستشفى الحريري الحكومي لمعالجة مدمني المخدّرات قبل الانتحار أو الوفاة نتيجة المخدرات القاتلة.

إنّ التحذير والتوجيه للشباب هو حفاظ على ثروة المستقبل، وتعاون المجتمع الأهلي الذي غالباً ما يسدّ الفجوات الناتجة عن قصور الدولة بتأمين متطلّبات الطبابة والتأهيل النفسي والفكري للمدمن والمتعاطي، مع الأهل المسؤولين الأُوَل عن صحّة ونتائج أولادهم وهم المرتبطون بهؤلاء الفتيان مدى الحياة، والمدرسة التي يجب أن تعير موضوع التوجيه والتحذير للطلاب للوقاية من شَرَك المخدرات، إذ قد يتمكن شاب واحد من دفع العديد من الفتيان نحو الرذيلة والانحراف الخلقي والانغماس بالمخدّرات التي تستهوي المراهقين للتعرّف إلى مفاعيلها. من هنا تأتي أهمية رقابة الناظر والمدرّس وإدارة المدرسة لتطوّر برامج الوقاية لحماية الشباب بالتنسيق مع الأهل.
وإذا كنّا لا نستطيع مراقبة أبنائنا أثناء استخدامهم للحاسوب والهاتف الخليوي الذي يمكّنهم التعرف إلى المعارف المفيدة والضارّة التي تؤثر في مستقبلهم، فإنّنا بالطبع قادرون على إخضاعهم للتوعية والتّحذير من هذه المخاطر ضماناً لمستقبل واعد، ومجتمع متماسك خلقيّاً واجتماعيّاً.
إنّنا على ثقة بأنّ أهلنا سيتابعون أوضاع أولادهم في المنزل والمدرسة والجامعة والمجتمع ولن يستقيلوا من دورهم رغم انشغالاتهم بالعمل والمجتمع ولن يتردّدوا بإعلام الشّرطة القضائية المكلّفة بالتّصدي لجرائم المخدرات زراعةً وتصنيعاً وترويجاً وتهريباً ثم تعاطياً.. كلّ ذلك من أجل سرعة التدخّل وتوقيف المروّجين الذين يستهدفون مستقبل أولادهم.
يبقى التحذير والإرشاد الطريق الأقصر للوقاية من شَرَك المخدّرات وقديماً قيل: درهمُ وقايةٍ خيرٌ من قنطارِ عِلاج..

المخدرات الرّقمية Digital Narcotics تعتمد الحاسوب أو الهاتف الخليوي المتصل بالأنترنت، وهي الأحدث والأشدّ خطورة.
المخدرات الرّقمية
Digital Narcotics
تعتمد الحاسوب أو الهاتف الخليوي المتصل بالأنترنت، وهي الأحدث والأشدّ خطورة.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”من الناحية الدينية” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الشباب بين
التخدير والتحذير

ش. سلمان عودة

ألْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينْ والصَّلَاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينْ وعَلى آلِهِ وصَحْبِهِ الطَّاهِرينَ الطَّيّبِينَ والتَّابِعِينَ لَهُمْ بإحسان اِلى يَوْمِ الدِّينِ.
قال تعالى في كتابه العزيز ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾(التّين، 4). فقد أعطت هذه الآيةُ الكريمة للإنسان وصفاً وقيمةً لم ينلها أحدٌ من المخلوقات، وهو ما يدلّ على رِفْعةِ منزلة الانسان عند الله تعالى حيث فضّله على سائر المخلوقات، وجعله في أحسن صورةٍ،
وأعطاه العقل والمعرفة، وجعل فيه من الإنعام ما لا يُحَدّ ولا يُحصى، وسخّرَ العالَمَين لخدمة هذا الإنسان: العالم العلويُّ الذي هو الأفلاك والمدبّرات، والعالم السُّفليُّ الذي هو الحيوان والجماد والنبات، وجعل غايةَ ذلك كلِّه عبادةَ الله سبحانه وتعالى وتوحيدَهُ، قال تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذّاريات 56). فمَنْ عرف نفسه حقَّ المعرفة لماذا خُلِقَتْ ووقف بها عند قَدْرِها لم يجعل لنفسه خياراً يُخْرجُه عن طاعة الله إلى معصيته، بل يسلك سبيل السّلامة، سبيل الفضائل والقيم الأخلاقيّة، ليصل بنفسه في الحياة الدُّنيا إلى برِّ الأمان، ويحصل في الآخرة على رضى الله الرّحيم الرّحمن.
قَدَرُنا أن نُولدَ في هذا الشّرق مَهْدِ الحضارة ومركز انطلاق الرسالات السماوية، وهذا يحمّلنا مسؤولية المحافظة على هذا التراث القيّم. فالحضارة هي بناء الإنسان، والحضارة حضارة واحدة هي الحضارة الإنسانية، (وإن بَدَت مُتَعدِّدة الأشكال) والمتحضّر ليس من ينحرفُ عن قِيمَه وثقافته ليقلّدَ ثقافة غيره، (ربمّا تكون ثقافة سيِّئة)، بل المتحضّر من يرتقي بنفسه إلى درجة الإنسانية. لكنّنا بتعدُّد انتماءاتنا ودياناتنا ومذاهبنا وأفكارنا وإنجازاتنا وعاداتنا وتقاليدنا إنَّما نملك ثقافات متعدّدة ضمن الحضارة الواحدة؛ حضارة الإنسانية والإنسان كي يرتقي إلى إنسانيته لا بدّ له من تحكيم عقله في أيِّ عملٍ يريد القيام به، (لأنّ الله تعالى اختصّه بالعقل دون سائر المخلوقات) ويجعل ميزان عمله الفضائل والأخلاق الجميلة، ويترفّع عن الغرائز التي غالباً ما تقوده إلى الهلاك. ونحن أبناء هذا الجبل الذي ترعرعنا في كنفه وورثنا ثقافته وأصالته عن أسلافنا الذين كانوا مدرسة (وأكثرهم) من لم يتعلّم في الجامعات ولم يعرف دراسة التخصّصات، فَهُم لم يدرسوا الأدب، لكنّهم علمّونا الأدب وفنّ الحياة والغَوْص في أدبيّاتها، فلم يقرأوا كتاباً في علم الاجتماع والعلاقات الاجتماعيّة لكنّهم علّمونا الصّدق وحسن المعاملة والاحترام وطيب المواساة والمؤآثرة، لم يدرسوا الدّين دراسة جامعية؛ لكنّهم علّمونا معنى الإيمان والتّقوى، لم يدرسوا التّخطيط لكنّهم علّمونا التبصّر في مُجريات الأمور وبُعْد النظر والتفكّر بحكمة، لم يدرسوا الحقوق كي يصبحوا كُتّاباً بالعدل؛ لكنّ كلمَتَهم كانت العهد والعقد الذي لا ينفكّ قبل تطبيقه. لكنّنا اليوم رغم اتّساع دائرة التعلّم في مجتمعنا، نرى كثيرين يحملون الشهادات (الليسانس والماجِستير والدكتوراه) لكنّهم يقفون بشهاداتهم عند حدود المادّة، ولم يتَعَدَّوْا في علومهم إلى الثّقافة والمعرفة والأصالة والقيم الأخلاقيّة التي سار عليها أسلافنا. وهناك أيضاً من لا يحمل شهادة ولا يملك ثقافة، وهذا ما يخلق عند البعض حالة من الفراغ قد تؤدّي بهم إلى الانحراف عن المسلك القويم، فيتركون ما تَربَّوْا عليه من الفضائل، ويتبعون ثقافاتٍ دخيلةً يعتقدون أنّها طريق الخلاص لِسَدّ فراغهم تحت شعار ما يسمى الحرية الشخصيّة، وتلعب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسّياسيّة في بلادنا دوراً سلبيّاً في حياتنا اليومية، وتساهم وسائل التواصل الاجتماعيّ في مُضيّ البعض في القفز نحو المجهول. فالتقاء تلك العناصر السلبيّة قد يؤدّي إلى الانحراف الأخلاقيّ، أو شرب الكحول، أو تعاطي المخدِّرات، وهذا أسوأ ما يمكن أن يصل إليه الإنسان في حياته من الناحيتين الدينية والاجتماعيّة، حيث إن الدين يحرِّم ارتكاب الفواحش وكلَّ ما هو مُسْكر ومخدّر ومُذْهِبٌ للعقل والوعي سواء كان جزئيّاً أو كلّيّاً، ومرتكبها يذهب بملء إرادته نحو غضب الله تعالى وعقابِهِ في اليوم الآخر، إنْ لم يَتُبْ ويتغمّدْه الله برحمته. وممّا لا شكّ فيه أنّه يكون منبوذاً في المجتمعات المتمسّكة بقِيمها الأخلاقيّة، (وهنا يجب أن تكون المعالجة بالصّبر والرّضى والسّعي الدائم للإصلاح).
أيُّها الإخوة والأخوات، أيُّها الشّباب والشابّات، ثقافتُنا هي أصالتنا وهي هُوِّيَّتُنا، فلا يجوز أن نستبدلها بأبخس الأثمان، وحرّيتنا هي التزامٌ وليست انعتاقاً، فالحريَّة الحقيقيّة ليست في الخروج عن المألوف وعن الضّوابط، وهي ليست في قلّة الحياء وترك الاحتشام، وهي ليست في الذهاب نحو المُحَرّم شرعاً وقانوناً. بل هي أن يتحرّر الإنسان من عبوديّة نفسه، (ليست هناك في العالم دولةٌ أو مجتمعٌ أو قانونٌ يُجيز الحريّة المُطلقة، بل الجميعُ محكومٌ بمراعاة القوانين المرعيّة الإجراء. فلماذا نرتضي لأنفسنا تطبيق القوانين التي وضعها الإنسان، ونجاهر بمخالفة القوانين الإلهية الكونيّة التي وضعها لنا خالق الإنسان؟) فَلْنَتَّقِ اللهَ في كُلِّ ما نفعله، ونعلم يقيناً أنّنا لو تعلَّمنا وحملنا الشهادات، أو تبوّأنا المراكز، تبقى لا قيمة حقيقيّة لها إنْ لم تقترن بالقيم الأخلاقيّة والصّفات الحميدة، وهذا يبدأ بالتَّربية الصالحة لأولادنا في المنزل، وتوجيههم نحو طُرق الخير والفضائل منذ نعومة أظفارهم حتى شبابهم، وزجرهم ومحاسبتهم عندما تبدو عليهم إشارات الانحراف، ومتابعة مسيرتهم الحياتيّة اليوميّة حتى لو أصبحوا كباراً ودخلوا الجامعات حتى نصل بهم إلى برّ الأمان. فهم أولادنا وفلذات أكبادنا وأملنا في المستقبل ورعايتهم شرف لنا ولهم، عملاً بوصية لقمان الحكيم لولده (يا بنيّ: ادّب ولدك وهو صغير تفرح به وهو كبير).
أيُّها الإخوة والأخوات، إنّ النّفسَ الإنسانيّة لا يمكن أن تركن إلى فراغ، إلى لا شيء. فهي حيّة متحرّكة، فإمّا أن نشغلها بالعمل الصّالح ونوجّهها بعقولنا نحو الخيرات، وإمّا تشغلنا بأهوائها وشهواتها وترمي بنا في عالم المعصية والظُّلُمات. فإذا أردنا بناء مجتمع صالح فليكن همُّنا بناء العقول قبل بناء الأجسام، فبناء العقول يبني مجتمعاً صالحاً، والمجتمعات الصالحة هي التي تبني الأوطان. فبسلامة عقولنا يسلم معنا كلُّ شيء. وليكن حياؤنا من الله وخشيتنا منه، (مَن يستحيي من الله ويخشاه لا ينحرف إلى فعل المُحرّم) فخَشية الله هي رأس العلم، لأنّ من عرفَ الله عرف كلّ شيء، ومن خشي من الله خشي منه كلُّ شيء، (فَلْنَسْعَ لتحويل علمنا إلى معرفة، ونُتَرْجِم معرفتنا بصالح العمل، لأنّ قيمةَ العلم العمل به).
كان الإمام الصّوفيّ معروف الكَرْخيّ معروفاً بالخَشية، وكان الإمام أحمد بن حنبل (صاحب المذهب الحنبلي عند أهل السُّنَّة والجماعة) يعظّمُه ويُجِلُّه إذا حضر إلى مجلسه، وكان يذهب إليه ويسأله في بعض المسائل، ولم يكن معروفٌ الكرخيُّ مشهوراً بالعلم في طبقة أحمد وأمثاله، فأنكر عليه أحد أولاده وسأله قائلاً: يا أبتِ إنّي أراك تُعظِّم معروفاً ولم يكن علمه كعلم غيره، فهل مع معروفٍ شيءٌ من العلم؟ فأجابه أحمد: إنَّ مع معروف رأس العلم وهو خَشيةُ الله، وهل يُرادُ بالعلم إلّا ما وصل إليه معروف؟
ختاماً إذا أردنا المحافظة على كياننا ووجودنا فلنُحافظ على أخلاقنا كما قال الشاعر الكبير أحمد شوقي:
وإنَّما الأُمَمُ الأخْلاقُ ما بَقِيَتْ فَإنْ هُمُ ذَهبتْ أخلاقُهُمْ ذَهَبوا

  [/su_spoiler]

[su_spoiler title=”بعض أنشطة لجان المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في التصدي لظاهرة انتشار آفة المخدرات وتداعياتها” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

مع التحذير الاجتماعي والديني والوطني المتزايد من الخطر الذي باتت تمثله آفة المخدرات على الشباب والناشئة عموماً، وبتوجيه من سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز القاضي نعيم حسن، أقامت اللجنتان الدينية والاجتماعية في المجلس المذهبي عدداً من الندوات واللقاءات والأنشطة في مناطق مختلفة، حاضر فيه اختصاصيون في الموضوع، فشرحوا التداعيات المدمرة للإدمان على المخدرات، على أنواعها، والطرق النفسية والاجتماعية والتربوية والأهلية التي يجب أن تستخدم في الحد من تلك الظاهرة، وصولاً إلى التخلص النهائي منها، كما أقاموا علاقات شراكة مع مؤسسات ذات اختصاص.
بعض الندوات والأنشطة تلك كانت كما يلي:

ندوة عامة في قاعة الرسالة الاجتماعية في عاليه، تحت عنوان “الانتحار قدر أم قرار”
في 29/5/2017، أقامت اللجنة الدينية في المجلس ندوة عامة في قاعة الرسالة الاجتماعية في عاليه، تحت عنوان “الانتحار قدر أم قرار”، بحضور الشيخ هادي العريضي رئيس اللجنة وممثل سماحة شيخ العقل، وعدد من المسؤولين السياسيين والنقابيين والتربويين ومخاتير ورؤساء بلديات وأعضاء في مجالس بلدية، وجمع من المعنيين. تحدث في الندوة كل من:
الشيخ فاضل سليم، الدكتور وجدي الريس، الأستاذ أمين العريضي، وأخيراً العميد أنور يحيى، الرئيس السابق للشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي في لبنان. وبعد تناول شامل للموضوع من جوانبه كافة، انتهى المحاضرون إلى ضرورة تنسيق الجهود في محاصرة آفة المخدرات وصولاً إلى التخلص منها، وبخاصة على مستوى الشباب والناشئة.

ندوة عامة في بلدة ينطا/قضاء راشيا، بعنوان «القيم الأخلاقية وتحديات العصر»
أقامت اللجنة الدينية في المجلس ندوة عامة في بلدة ينطا/قضاء راشيا، بعنوان “القيم الأخلاقية وتحديات العصر”، بحضور رئيس اللجنة الدينة في المجلس، وأعضاء المجلس: الشيخ أسعد سرحال، الشيخ يوسف أبو ابراهيم، الأستاذ ابراهيم نصر، والأستاذ محمود خضر، وعدد من المسؤولين السياسيين وأعضاء المجالس البلدية والاختيارية ومديري المدارس ومدرسين وهيئات أخرى. تحدث في الندوة:
الدكتور جهاد الحكيم رئيس بلدية ينطا، الشيخ فاضل سليم، الشيخ د. سلطان القنطار وأجمع المحاضرون على ضرورة تنسيق العمل التربوي والاجتماعي والديني والثقافي بكل الوسائل للتذكير بالقيم المعروفية العربية الأصيلة، وإعادة ترسيخها في مجتمعنا.

ندوة في بلدة شارون/قضاء عاليه، تحت عنوان «الانتحار قدر أم قرار»
أقامت اللجنة الدينية في المجلس، بالتعاون مع جمعية “بلدتنا تستحق الوفاء”، ندوة في بلدة شارون/قضاء عاليه، تحت عنوان “الانتحار قدر أم قرار”. حضر الندوة جمع من رؤساء البلديات والمسؤولين السياسيين والتربويين، وتحدث في الندوة:
الأستاذ نبيه الأحمدية، ممثلاً جمعية “بلدتنا” الأستاذ ملحم البنّا، رئيس بلدية شارون، الأستاذ أمين العريضي،الشيخ سلطان القنطار، والعميد أنور يحيى، عضو المجلس المذهبي، وأدار الندوة الشيخ فاضل سليم

ندوة حول آفة المخدرات
في بلدة عرمون
شارك في الندوة، العميد المتقاعد أنور يحي، الشيخ سلمان عودة، وقدمها المحامي د. بسام المهتار، وكانت كلمة افتتاحية من الشيخ زياد بو غنام. تحدث المنتدون على خطورة آفة المخدرات، على كل المستويات، وخصوصاً على الشباب، وما يجلبه من آثار مدمّرة على حياتهم، والأسرة، والمجتمع.
تحدث المحامي د. بسام المهتار باسم بلدية عرمون، فأشار إلى دور البلديات في “معالجة الأسباب التي قد تؤدي بالشباب إلى الانحراف عبر تحسين شروط الحياة وتوفير سُبل العيش الكريم”. ولخص المحامي المهتار دور البلديات من خلال ثلاثة بنود: “صلاحيات البلدية القانونية في هذا المجال… ودور بلدية عرمون على أرض الواقع…وأخيراً خطة بلدية عرمون لتطوير دورها ذاتياً على هذا الصعيد”، ودعا إلى “تطبيق مبدأ اللامركزية الادارية لأن البلدية هي الأدرى بمشاكل المواطنين… والأقرب إلى معرفة تطلعات الناس.

بروتوكول تعاون
مع جمعية «سكون»
وقّعت اللجنة الاجتماعية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز بروتوكول تعاون مع جمعية “سكون”، بهدف تنفيد البرنامج الوقائي من خطر استخدام المخدرات تحت عنوان “معرفة أكثر، خطر أقل”. وقع البروتوكول عن المجلس رئيسة اللجنة الاجتماعية المحامية غادة جنبلاط، وعن جمعية “سكون” الآنسة سهى الحلبي، بحضور مقر اللجنة الاجتماعية الأستاذ أكرم العربي، ورئيس قسم التخطيط في المصلحة الإدارية والاجتماعية الدكتور رامي عطالله. ويتضمن البروتوكول أنشطة مشتركة عدة منها: إقامة دورات تدريبية لحفز وإتقان مهارات التعرف والتواصل التي يحتاجها العاملون على مكافحة آفة المخدرات، وذلك من خلال إقامة حلقات توعية وتدريب، تستهدف فئات عمرية ثلاث: فئة 18-22 سنة، وفئة الأمهات والسيدات الناشطات ولديهن أولاد في سن المراهقة، وفئة 12-15 سنة.

ندوة الجمعية الخيرية لإنماء التعليم الجامعي في قضاء عاليه، في قصر اليونسكو بيروت، برعاية وزير التربية الوطنية والتعليم العالي الأستاذ مروان حمادة.
نظّمت “الجمعية الخيرية لإنماء التعليم الجامعي في قضاء عاليه”، بتاريخ 7 آذار 2018، وفي إطار شهر محاربة المخدرات، ندوة بعنوان “مخاطر المخدّرات” في قصر الأونيسكو، برعاية وحضور وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة، وحضور ممثل شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز نعيم حسن، الدكتور الشيخ سامي أبي المنى، ممثل وزير المهجرين طلال ارسلان الدكتور ياسر القنطار، ممثل تيمور بيك جنبلاط، محمد بصبوص، قائد الشرطة القضائية العميد أسامة عبد الملك والعقيد عادل مشموشي، ومؤسسي الجمعية د. محمد شيّا، السيد عبد المجيد غريزي، د. ناهدة السوقي، الآنسة سامية الريّس، والهيئة الإدارية الحالية برئاسة عصمت غريزي والأعضاء د. سليم حداد، د. ناهدة السوقي، ناجي شاذبك، شادي السوقي، نزار حيدر، سامية الريس، سميح شميط، وربيع شيّا. كما حضر حشد كبير من المعنيين وطلاب ثانويات ومدارس الجبل.

بعد النشيد الوطني، تحدث الدكتور سليم حداد، عصمت غريزي، والوزير الأستاذ مروان حمادة، حاضر بعد ذلك كل من:
الشيخ الدكتور سامي أبي المنى – الأب مروان ضو – الدكتور جوزف خوري – وأخيراً العقيد هنري منصور، رئيس مكتب مكافحة المخدرات المركزي في قوى الأمن الداخلي.
أجمع المحاضرون على خطورة ظاهرة المخدرات، وتوسع انتشارها، وكيفية التصدي لها، ومنع توسعها، وضرورة تكثيف الأنشطة تلك وتكاملها. وفي ختام الندوة وزعت دروع تكريمية للوزير مروان حماده والمحاضرين.

[/su_spoiler]

[/su_accordion]

هذا العدد

هذا العدد

لكلّ عددٍ من نكهته الخاصة المميِّزة. تسري القاعدة هذه على أعداد كافة، غير أنها تتحقق بالتمام والكمال في هذا العدد بالذات (العدد 23 من ). فغنى الموضوعات فيه تجعله بحق عدداً غير مسبوق من نواح عدّة. في وسع نصف مواد العدد هذا تشكيل مادة مكتملة لأية مطبوعة ثقافية دورية. لكننا رغبنا، ومن باب معرفتنا أن فصلية، أن يعيش القارئ مع مجلّته أطول زمن ممكن. وعليه، احتوى هذا العدد من المقالات ما يمكن تصنيفها في الطبقة الأولى: الأخلاق التوحيدية في تراث الأمير السيّد عبد الله التنوخي (قدس)، إلى التراثي المعروفي الأصيل، من رشيد طليع الذي كتب “سجّل…أنا رشيد طليع”، إلى سيرَتي مجاهدين نادرين ترفع لهما القبعات احتراماً (سعيد أبو الحسن وعبّاس نصر الله). وإلى ذلك، مقالتان أخريان: الأولى في النفس عند أفلاطون، والثانية حول موضوع بالغ الأهمية وتفسحُ المجال للإسهام فيه (ومن باب أخلاقي وإنساني صرف) وهو “الاستخدام الجاري للأطفال في الأعمال القتالية”، والتداعيات الاجتماعية المدمّرة لذلك، ناهيك بالانتهاك الصارخ للقوانين الدولية، إلى مقالة أخيرة حول “متعة القراءة” التي تكاد تختفي.
هذا في المقالات، أمّا “ملف العدد”، في العدد 23، فهو تحت عنوان “المخدرات …. آفة العصر: كيف نحصّن شبابنا حيالها؟” سيضع الملفُ القارئ بصراحة، وقسوة، أمام حقائق صادمة لا ينفع في شيء التعامي عنها، وموجزها: الانتشار النسبي لظاهرة الإقبال على المخدرات، بدرجاتها وأنواعها المختلفة. يبدأ الملف بتعريف علمي وتقني من أرفع مرجعية علمية ممكنة، إلى إسهام من تولَّوْا، ويَتَوَلَّوْن الآن، مواجهة الظاهرة ذاك، من أرفع المسؤولين في الأجهزة الرسمية، إلى الجهود الكبرى التي تبذلها اللجان المعنية في المجلس المذهبي لطائفية الموحدين الدروز، وجهات شبيهة أخرى.
وفي جانب التحقيقات المصوّرة، يقدّم العدد ثلاثة تحقيقات تستحق المتابعة في أعداد لاحقة لأهميتها: عن المكتبة الوطنية في بلدة بعقلين التي باتت صرحاً ثقافياً رفيعاً يغني الطالب أو الباحث في منطقة الجبل عن ارتياد أي مكان مشابه آخر، وثان عن بلدة “عَنز” في محافظة السويداء، سوريا، حيث يقدّم العمران الديني والحضري المتبقي منها شهادة على ماض غني جداً، والثالث، من بلدة “صوفر” على مفترق طرق مواصلات جبل لبنان ما جعلها مكاناً التقت فيه الجغرافيا الصعبة مع صفحات نابضة من التاريخ.
في وسعنا التنويه، أخيراً، بباب “مدارات الإبداع” الذي يميط اللثام هذه المرّة عن عبقرية معروفية “بيروتية”، هي الفنّانة التشكيلية الذائعة الصيت سلوى روضة شقير، التي نالت الكثير من الجوائز في النصف الثاني من القرن الماضي. وكلّ التقدير، باستمرار، لقارئ .

والله، دائماً، وليّ التوفيق.

الصفحة الاخيرة

الضحى

قبل خمسين عاماً

النَّحَّاتَةُ والرَّسَّامَةُ سلوى روضة شقير

النَّحَّاتَةُ والرَّسَّامَةُ
سلوى روضة شقير

فنّانَة ونحّاتَة كبيرة ورسامة بارعة شقت طريقها بيديها بواقعية جميلة، واستطاعت أن تستكشف عوالم تحولات كثيرة ومعاني كونية وذاتية ومجتمعية كنتيجة لرؤيتها الشمولية الجامعة لإنجازات ومخططات معمارية ومنحوتات تفوق الوصف، نوافير وبرك مياه، وأدوات منزلية، وحلى وشغفاً فكرياً.
قَرأتْ الشعر العربي وعلم الأحياء والبصريات وربط بعض الفنانين العرب والأجانب أعمالها بمدارس فنية حديثة انطلقت من باريس وبيروت وبغداد والقاهرة، في الخمسينيات إلى الثمانينيات من هذا القرن مثل “التجريبية” و”الحداثية” و”الهندسية” و”التشكيلية الجديدة” و”العربية – الإسلامية”. واستطاعت أن تبلغ الذروة والشهرة الواسعة بأسلوبها وطريقتها وتعاطيها مع الفن والنحت الأصيلين، وفي عرضها واتساع تجربتها ومعرفتها إلى نضوج فكري وتحولات عالية أثَّرت فينا وحفزتنا نحو رؤية جديدة ذاتية متطورة يعرب عن هدفها الأكبر في أعمال عامة اعتيادية في لبنان والعالم العربي والمدارس الفنية المختلفة في أمريكا وفرنسا وإنكلترا وغيرها من الدول الراقية والمتحضرة.

هذه الفنانة والنحاتة الشفافة اسمها سلوى روضة شقير من بلدة أرصون في أعالي المتن.

ففي مقال طويل كتبته في سنة 1952، وموضوعه الجمال، شرحت فيه أن المعنى الفني ملازم لإطاره الاجتماعي والبيئوي والسياسي والاقتصادي. في مسيرتها الفنية، درست سلوى روضة شقير النحت في الجامعة اللبنانية من سنة (1977 إلى سنة 1984)، وفي الجامعة الأمريكية وفي كلية بيروت الجامعية (الجامعة اللبنانية الأميركية) وفي غيرها من المدارس الفنية.

وفي صورة أكثر جرأة (صرحت الفنانة شقير قبل وفاتها بعدة سنوات)، بأنَّ الحضارة العربية – الإسلامية تتفق بشكلٍ أفضل مع احتياجات عالمية معاصرة. وفي ردٍّ هجومي على موسى سليمان في سنة 1951 قالت: “إنَّ التقاليد المعروفة لعلماء الصوفية، والتقليد السردي للأدب العربي ما قبل الإسلامي، أثبت أن العرب طوّروا فهماً فريداً للوجود، يتجاوز الخضوع، المقبول عموماً، للقيود الزمانية والمكانية، وهو فهم شهدت به فيزياء الكم والابتكارات العالمية الحديثة، مثل الطائرات الأسرع من الصوت، والعلاج الجيني، وزرع الأعضاء،

من لوحاتها
من لوحاتها
من لوحاتها
من لوحاتها

والأسفار الفضائية، كما تؤكد على هذا في كتاباتها في دمج القومية العربية مع النزعة التنموية الحداثية وأفكار النسبية الثقافية من “الترف” الفني السائد في أوساط نساء الطبقة المقاولة في لبنان المستقل، نحو ذروة الفن المحترف والكوني.

وفي جلسة ممتعة مع ابنتها “هلا” الرسامة في باريس ونيويورك في منزل الفنانة والنحاتة المرحومة سلوى روضة شقير، الكائن في محلة كليمنصو، كان لنا جلسة معها، سألناها ماذا تعرف عن الفنانة الراحلة والدتها من أمور لم تذكرها الجرائد والمجلات اللبنانية، إذ قالت لنا، أولاً:
– من الصعب أن أذكر شيئاً الآن عن والدتي. ثمَّ عادت فقالت بعد تردُّد:
– بإمكاني أن أذكر لك ما يلي عنها، قالت:
“… أكثر ما أذكره في طفولتي الساعات الطويلة، التي كانت أمي تمضيها في محترفها في الطبقة العلوية من منزلنا. كانت يداها مغطاتين دائماً بالطين – العنصر الأساسي للكثير من أعمالها الفنية، أتذكرها وهي تطوف بسيارتها الصغيرة القديمة في جميع أنحاء المدينة، باحثةً عن أفضل القطع الخشبية أو الحجرية أو تحقيق فكرة تلو الأخرى. والواقع أني لا أتذكرها كرسامة، إذ كانت منصرفة إلى الرسم خلال فترة سبقت ولادتي. لذلك كثيراً ما كانت ملفات رسومها تخبئ لي مفاجآت وأنا أخرج منها اللوحة تلو الأخرى.
فَقَدتْ أمي والدها قبل أن تكمل السنة الأولى من العمر، وعملت جدتي بكل عزم على توفير أفضل ثقافة ممكنة لأولادها الثلاثة. وكانت العائلة تَتَنَذَّرُ بالادّعاء أن جدَّتي كانت تفضّل ابنتها البكر لأنوثتها على تلك الصغرى، أي والدتي، التي كانت كثيرة الشيطنة.
تبيَّن لاحقاً، أنَّ والدتي كانت قوية العزيمة مليئة بالإيمان الراسخ والنشاط اللامتناهي. كانت في الأربعينات من العمر لدى ولادتي، الأمر النادر بالنسبة إلى نساء جيلها. رغم ذلك كانت تشعُّ حيويّةً ونشاطاً. لقد صنعت بيديها الكثير من أمتعتي الخاصة، مثل الألعاب والمجوهرات والأحزمة وحقائب اليد، حتى فرش غرفة نومي. وقمنا معاً باستكشاف تراث مختلف المناطق اللبنانية، حيث كانت تقرع على أبواب الغرباء للتمعُّن في هندسة الدُّور القديمة. وكنّا نلقى الترحيب دائماً، سواء في خيام البدو أم في قصور الأغنياء. وأحياناً كانت تأخذني مع ثلة من أقراني إلى مزرعة شقيقتها في سهل البقاع لقضاء أيامٍ صيفية رائعة. السنوات التي أمضيتها في عالم والدتي كانت مفعمة بالمتعة والمغامرات المتواصلة.
والدتي، بَنَتْ نفسها بنفسها، على أسس نظرية التي بنت عليها فنَّها.

من لوحاتها
من لوحاتها
من لوحاتها
من لوحاتها

الحافز الأساسي لفنها كان إيمانها المطلق بالميزات الحديثة التي تمتَّع بها الفن العربي. ورغم رسوخها الأصلي في ثقافتها وتاريخها وعلمها ومعرفتها كانت معجبة بخصائص القرن العشرين.
تحسّست تحسّساً كاملاً بانسجام كامل بين التراث وعصرنا الحديث، وحينما كانت تنتقد لكونها مفرطة في الحداثة كانت تقول:
– أنا مثل الإسفنجة. أتقبَّل كل الأفكار الجديدة.
كانت العلوم والفنون مجالها المفضَّل، إذ كانت تقرأ بشغف جميع كتب الفيزياء التي تقع في متناول يدها، وتستمد الإلهام الفني من التطورات العلمية ومن الأمور التي تلمسها باليد.
شكَّل تنظيم أعمال والدتي بتسلسل تاريخي دقيق فيه الكثير من التحدي. إذ نادراً ما كانت تؤرخ أو توقِّع تلك الأعمال. ومن أسباب ذلك أنّها لم تُردْ لرسومها أن تعلق على حائط، بل أن تكون جزءاً أساسياً من ذلك الحائط أو من قعر بركة أو مدخل قاعة. كذلك أرادت لمنحوتاتها أن تكون جزءاً من مبنىً أو أن يجري تكبيرها في وقتٍ لاحقٍ كي تحتلَّ الساحات العامة.
أنا أدرك أنّ والدتي لم تحقق جميع أحلامها. لكن لا شك أنها أنتجت تراثاً فنياً كاملاً وغنياً. كانت بارعة بل مذهلة في أعمالها الفنية. والآن، في مستهل القرن الحادي والعشرين، بعد أن رحلت والدتي وفُجعت بها. أقف وألتفت ورائي إلى أعمالها ورسومها ومنحوتاتها. وقد ربطتني بأمي علاقة الأخوة.
أنا معجبة بأعمالها وقدرتها على المحافظة التامة بتراثها الغني هذا رحمها الله”.
هذه هي الرسامة والنحاتة السيدة المرحومة سلوى روضة شقير في فنها، وقد طبَّقت شهرتها الآفاق، واتسعت دائرة خبراتها ومعارفها وعلومها. هي من روّاد الفن التجريدي في العالم العربي. عُرفت بمواقفها المشرفة المبنية على قناعة مطلقة بالأسس الحسابية للفن الإسلامي رافضةَ في بداياتها نقل الواقع والمحسوس كما هو مستغنية عن كل مرجعية أيقونية أو رمزية.

اشْتُهرت بمنحوتاتها المركبة من قطع عدة تتفكك أو تتركب حتى اللانهاية. مثلما تتفكك أو تتركب أبيات القصيدة العربية، كما دافعت طول حياتها عن خصوصية فنية في عماد الشكل، كما الشعر عماده الكلمة.

الطريق بالنسبة إليها هي التجربة الصوفية والشكل النهائي، كما فهمته الفنانة ذات الوقع العلمي. هو شكل تجريدي لا يوصف بالخطوط والمساحات والألوان، بل إنَّه مجموعة المعادلات القائمة بين عناصر العمل وبين العمل ومحيطه.
بقيت أفكارها وإلى فترة طويلة من الزمن غير مفهومة سوى لحلقات صغيرة من متذوقيها، ابتدأت بمحترف الفن التجريدي في باريس، ثم أخذت تتسع لتشمل محبي الفن من جميع الأجيال والجنسيات.

في كتابها الذي أصدرته في سنة 2002 بحلَّة قشيبة وإخراج ممتاز، نحو مائتين وخمسين صورة ملونة من أعمالها، بالإضافة إلى نصوص تحليلية من شأنها أن تلقي الضوء على فلسفتها وتجربتها وأعمالها الفنية.

وأخيراً: ولدت الفنانة الظاهرة سلوى روضة شقير في بيروت في سنة 1916. وتعلمت الفن الأصيل على يديّ الدويهي ومصطفى فروخ وعمر أنسي ورشيد وهبي وغيرهم…
ورحلت عن هذه الدنيا تاركةً وراءها فنها ورسومها ولوحاتها وأغراضها في رحلةٍ أبدية، أقعدتها الشيخوخة في فراشها وأسلمت الروح نهار السبت 27 كانون الثاني سنة 2017.

نَجْوى الغُروب

نَجْوى الغُروب

طفلك أنا يا ربّي.
وهذه الأرضُ البديعة، الكريمة، الحنون
التي وضعتني في حضنها
ليست سوى المهد
أدرجُ منه إليك.
إلاّ أنه ليس مهدي وحدي
بل تشاركني فيه
ربوات وربوات من مخلوقاتك.
بعضُها على صورتي ومثالي،
وهو القليل القليل،
وبعضها يختلف عني صورةً ومثالاً،
وهو الكثير الكثير.
وهذا القليل القليل،
وهذا الكثير الكثير، كلّهم دون استثناءٍ
يمتصّ رحيق الوجود
من ثديٍ واحد
هو ثديُ الحياة – حياتك.
فكأنهم العنقودُ في الكرمة
مهما تكاثرت حبّاتُه
وتفاوتت لوناً وحجماً وطعماً،
تبقى لكل حبّة عنقٌ تصلها بالعنقود
وبها تمتصّ عصير البقاء.
وتبقى للعنقود عنقُه التي تصلهُ بالكرمة،
والتي بها يمتصُّ الحياة
ويوزّعها على حبّاته وحُبيباته.
وتبقى للكرمة جذورُها
التي بها تنهلُ إكسير الحياة
من التراب والبحر والشمس والهواء
وكلّ منظورٍ وغير منظور في الفضاء.
وهذه الشراكة في الرضاعة
كانت وحدها قمينة
بأن تجعلَ من مخلوقاتك جميعها
أسرةً تسدُّها بعضها إلى بعض،
وتشدُّها إليك،
أواصرُ محبة لا يقوى الزمان،
ولا الموت،
على فصمها.
ولكن….
على من أعتب من مخلوقاتك
إذا هو تنكّر لأخوّةِ الثدي،
وبالتالي للمحبة؟
أأعتبُ على الذئبِ لا يؤاخي الحمَل؟
أم على الصقرِ ينسى أنه والعصفورُ
أخَوَان في الرضاعة؟
أما على الهرّ يفتكُ بالفأر
وكلاهما ياكلُ من معجنٍ واحد؟
لا. لا أعتبُ على أي مخلوقٍ دون الإنسان.
وأعتبُ على الإنسان.
فهو وحدَهُ بين سائر مخلوقاتك على الأرض
مؤهّلٌ لأن يقيم وزناً لأخوّة الثدي،
وأن يعرفَ أي قوةٍ خارقة
هي المحبة النابعة من تلك الأخوّة،
وأن يؤمنَ بحتمية تلك المحبة،
فيجعلها الأساس الذي تقومُ عليه علاقاته
مع إخوانه الناس
ومع باقي شركائه في بركات الأرضِ والسماء.
وحدَه الإنسان بستطيعُ أن يوسّع ذاته
إلى أن تشملَ كل ذات.
فيباركُ لاعنيه،
ويعطفُ على مبغضيه،
ويشفقُ على حاسديه،
ويطعمُ عدوّه إذا جاع،
وينفذُ حياته إذا تعرّض للخطر.
لأن هؤلاء جميعهم
هم منهُ وفيه.
بهم يحيا،
وبه يحيون.
وحده الإنسان يستطيعُ أن يدرك
عظمة المحبة وجبروتها،*
فهي إن لم تكن في بؤبؤ العين
كان كلّ ما تبصرهُ العين ضباباً في ضباب.
وهي إن لم تكن في طبلة الإذن
كان كلّ ما تسمعهُ الأذن نشازاً في نشاز.
وهي ما لم تدفع اللسان على الكلام
كان كلّ ما يقولُه اللسان هذياناً في هذيان.
وهي ما لم تحرّك أصابعَ اليد
فلا قيمة لكلّ ما تعملُه
ولكلّ ما تعطيه أو تأخذهُ اليد.
وهي ما لم تكن في حبّة القلب
كان كلّ ما يحبّه القلب
سراباً في سراب.
كم كنتُ أتمنى، يا ربّي، –
ورسولُكَ بات على قيد باعٍ مني، –
لو كان لي أن استقبله
وليس في بؤبؤ عيني،
أو في طبلة أذني،
أو في لساني،
أو في أناملي،
أو في حبّة قلبي
إلاّ المحبة!
لبته كان في مستطاعي
أن أمحو من ذاكرتي
كلّ صورة،
كلّ فكرة،
كلّ نية،
كلّ شهوة،
كلّ لذة،
كلّ شكوى،
كان فيها شيءٌ من التجديف على المحبة!
ليته كان في مستطاعي أن أفعل ذلك
حتى إذا جاء رسولُك
ليقطعَ الأمراسَ التي تشدّني إلى الأرض
فتحتُ له صدري،
ومددتُ إليه يدي،
ومعاً قطعنا الأمراس.
على أنني، وإن جدّفت على المحبة
في ما عبرَ من أيامي،
ففي نفسي اليوم
إيمانٌ عميقٌ جداً –
إيمانٌ لا يتزعزع –
بأن المحبة وحدها هي المفتاح
لكلّ ما علّي من أسراري
وأسرار الكون.
وهي وحدها الدواءُ الشافي
لكلّ ضروبِ القلقِ والحيرة والتمزّق
والخوف من سوء المصير.”
(يتبع جزء ثان)

العدد 23