السبت, نيسان 20, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, نيسان 20, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

النَّحَّاتَةُ والرَّسَّامَةُ سلوى روضة شقير

النَّحَّاتَةُ والرَّسَّامَةُ
سلوى روضة شقير

فنّانَة ونحّاتَة كبيرة ورسامة بارعة شقت طريقها بيديها بواقعية جميلة، واستطاعت أن تستكشف عوالم تحولات كثيرة ومعاني كونية وذاتية ومجتمعية كنتيجة لرؤيتها الشمولية الجامعة لإنجازات ومخططات معمارية ومنحوتات تفوق الوصف، نوافير وبرك مياه، وأدوات منزلية، وحلى وشغفاً فكرياً.
قَرأتْ الشعر العربي وعلم الأحياء والبصريات وربط بعض الفنانين العرب والأجانب أعمالها بمدارس فنية حديثة انطلقت من باريس وبيروت وبغداد والقاهرة، في الخمسينيات إلى الثمانينيات من هذا القرن مثل “التجريبية” و”الحداثية” و”الهندسية” و”التشكيلية الجديدة” و”العربية – الإسلامية”. واستطاعت أن تبلغ الذروة والشهرة الواسعة بأسلوبها وطريقتها وتعاطيها مع الفن والنحت الأصيلين، وفي عرضها واتساع تجربتها ومعرفتها إلى نضوج فكري وتحولات عالية أثَّرت فينا وحفزتنا نحو رؤية جديدة ذاتية متطورة يعرب عن هدفها الأكبر في أعمال عامة اعتيادية في لبنان والعالم العربي والمدارس الفنية المختلفة في أمريكا وفرنسا وإنكلترا وغيرها من الدول الراقية والمتحضرة.

هذه الفنانة والنحاتة الشفافة اسمها سلوى روضة شقير من بلدة أرصون في أعالي المتن.

ففي مقال طويل كتبته في سنة 1952، وموضوعه الجمال، شرحت فيه أن المعنى الفني ملازم لإطاره الاجتماعي والبيئوي والسياسي والاقتصادي. في مسيرتها الفنية، درست سلوى روضة شقير النحت في الجامعة اللبنانية من سنة (1977 إلى سنة 1984)، وفي الجامعة الأمريكية وفي كلية بيروت الجامعية (الجامعة اللبنانية الأميركية) وفي غيرها من المدارس الفنية.

وفي صورة أكثر جرأة (صرحت الفنانة شقير قبل وفاتها بعدة سنوات)، بأنَّ الحضارة العربية – الإسلامية تتفق بشكلٍ أفضل مع احتياجات عالمية معاصرة. وفي ردٍّ هجومي على موسى سليمان في سنة 1951 قالت: “إنَّ التقاليد المعروفة لعلماء الصوفية، والتقليد السردي للأدب العربي ما قبل الإسلامي، أثبت أن العرب طوّروا فهماً فريداً للوجود، يتجاوز الخضوع، المقبول عموماً، للقيود الزمانية والمكانية، وهو فهم شهدت به فيزياء الكم والابتكارات العالمية الحديثة، مثل الطائرات الأسرع من الصوت، والعلاج الجيني، وزرع الأعضاء،

من لوحاتها
من لوحاتها
من لوحاتها
من لوحاتها

والأسفار الفضائية، كما تؤكد على هذا في كتاباتها في دمج القومية العربية مع النزعة التنموية الحداثية وأفكار النسبية الثقافية من “الترف” الفني السائد في أوساط نساء الطبقة المقاولة في لبنان المستقل، نحو ذروة الفن المحترف والكوني.

وفي جلسة ممتعة مع ابنتها “هلا” الرسامة في باريس ونيويورك في منزل الفنانة والنحاتة المرحومة سلوى روضة شقير، الكائن في محلة كليمنصو، كان لنا جلسة معها، سألناها ماذا تعرف عن الفنانة الراحلة والدتها من أمور لم تذكرها الجرائد والمجلات اللبنانية، إذ قالت لنا، أولاً:
– من الصعب أن أذكر شيئاً الآن عن والدتي. ثمَّ عادت فقالت بعد تردُّد:
– بإمكاني أن أذكر لك ما يلي عنها، قالت:
“… أكثر ما أذكره في طفولتي الساعات الطويلة، التي كانت أمي تمضيها في محترفها في الطبقة العلوية من منزلنا. كانت يداها مغطاتين دائماً بالطين – العنصر الأساسي للكثير من أعمالها الفنية، أتذكرها وهي تطوف بسيارتها الصغيرة القديمة في جميع أنحاء المدينة، باحثةً عن أفضل القطع الخشبية أو الحجرية أو تحقيق فكرة تلو الأخرى. والواقع أني لا أتذكرها كرسامة، إذ كانت منصرفة إلى الرسم خلال فترة سبقت ولادتي. لذلك كثيراً ما كانت ملفات رسومها تخبئ لي مفاجآت وأنا أخرج منها اللوحة تلو الأخرى.
فَقَدتْ أمي والدها قبل أن تكمل السنة الأولى من العمر، وعملت جدتي بكل عزم على توفير أفضل ثقافة ممكنة لأولادها الثلاثة. وكانت العائلة تَتَنَذَّرُ بالادّعاء أن جدَّتي كانت تفضّل ابنتها البكر لأنوثتها على تلك الصغرى، أي والدتي، التي كانت كثيرة الشيطنة.
تبيَّن لاحقاً، أنَّ والدتي كانت قوية العزيمة مليئة بالإيمان الراسخ والنشاط اللامتناهي. كانت في الأربعينات من العمر لدى ولادتي، الأمر النادر بالنسبة إلى نساء جيلها. رغم ذلك كانت تشعُّ حيويّةً ونشاطاً. لقد صنعت بيديها الكثير من أمتعتي الخاصة، مثل الألعاب والمجوهرات والأحزمة وحقائب اليد، حتى فرش غرفة نومي. وقمنا معاً باستكشاف تراث مختلف المناطق اللبنانية، حيث كانت تقرع على أبواب الغرباء للتمعُّن في هندسة الدُّور القديمة. وكنّا نلقى الترحيب دائماً، سواء في خيام البدو أم في قصور الأغنياء. وأحياناً كانت تأخذني مع ثلة من أقراني إلى مزرعة شقيقتها في سهل البقاع لقضاء أيامٍ صيفية رائعة. السنوات التي أمضيتها في عالم والدتي كانت مفعمة بالمتعة والمغامرات المتواصلة.
والدتي، بَنَتْ نفسها بنفسها، على أسس نظرية التي بنت عليها فنَّها.

من لوحاتها
من لوحاتها
من لوحاتها
من لوحاتها

الحافز الأساسي لفنها كان إيمانها المطلق بالميزات الحديثة التي تمتَّع بها الفن العربي. ورغم رسوخها الأصلي في ثقافتها وتاريخها وعلمها ومعرفتها كانت معجبة بخصائص القرن العشرين.
تحسّست تحسّساً كاملاً بانسجام كامل بين التراث وعصرنا الحديث، وحينما كانت تنتقد لكونها مفرطة في الحداثة كانت تقول:
– أنا مثل الإسفنجة. أتقبَّل كل الأفكار الجديدة.
كانت العلوم والفنون مجالها المفضَّل، إذ كانت تقرأ بشغف جميع كتب الفيزياء التي تقع في متناول يدها، وتستمد الإلهام الفني من التطورات العلمية ومن الأمور التي تلمسها باليد.
شكَّل تنظيم أعمال والدتي بتسلسل تاريخي دقيق فيه الكثير من التحدي. إذ نادراً ما كانت تؤرخ أو توقِّع تلك الأعمال. ومن أسباب ذلك أنّها لم تُردْ لرسومها أن تعلق على حائط، بل أن تكون جزءاً أساسياً من ذلك الحائط أو من قعر بركة أو مدخل قاعة. كذلك أرادت لمنحوتاتها أن تكون جزءاً من مبنىً أو أن يجري تكبيرها في وقتٍ لاحقٍ كي تحتلَّ الساحات العامة.
أنا أدرك أنّ والدتي لم تحقق جميع أحلامها. لكن لا شك أنها أنتجت تراثاً فنياً كاملاً وغنياً. كانت بارعة بل مذهلة في أعمالها الفنية. والآن، في مستهل القرن الحادي والعشرين، بعد أن رحلت والدتي وفُجعت بها. أقف وألتفت ورائي إلى أعمالها ورسومها ومنحوتاتها. وقد ربطتني بأمي علاقة الأخوة.
أنا معجبة بأعمالها وقدرتها على المحافظة التامة بتراثها الغني هذا رحمها الله”.
هذه هي الرسامة والنحاتة السيدة المرحومة سلوى روضة شقير في فنها، وقد طبَّقت شهرتها الآفاق، واتسعت دائرة خبراتها ومعارفها وعلومها. هي من روّاد الفن التجريدي في العالم العربي. عُرفت بمواقفها المشرفة المبنية على قناعة مطلقة بالأسس الحسابية للفن الإسلامي رافضةَ في بداياتها نقل الواقع والمحسوس كما هو مستغنية عن كل مرجعية أيقونية أو رمزية.

اشْتُهرت بمنحوتاتها المركبة من قطع عدة تتفكك أو تتركب حتى اللانهاية. مثلما تتفكك أو تتركب أبيات القصيدة العربية، كما دافعت طول حياتها عن خصوصية فنية في عماد الشكل، كما الشعر عماده الكلمة.

الطريق بالنسبة إليها هي التجربة الصوفية والشكل النهائي، كما فهمته الفنانة ذات الوقع العلمي. هو شكل تجريدي لا يوصف بالخطوط والمساحات والألوان، بل إنَّه مجموعة المعادلات القائمة بين عناصر العمل وبين العمل ومحيطه.
بقيت أفكارها وإلى فترة طويلة من الزمن غير مفهومة سوى لحلقات صغيرة من متذوقيها، ابتدأت بمحترف الفن التجريدي في باريس، ثم أخذت تتسع لتشمل محبي الفن من جميع الأجيال والجنسيات.

في كتابها الذي أصدرته في سنة 2002 بحلَّة قشيبة وإخراج ممتاز، نحو مائتين وخمسين صورة ملونة من أعمالها، بالإضافة إلى نصوص تحليلية من شأنها أن تلقي الضوء على فلسفتها وتجربتها وأعمالها الفنية.

وأخيراً: ولدت الفنانة الظاهرة سلوى روضة شقير في بيروت في سنة 1916. وتعلمت الفن الأصيل على يديّ الدويهي ومصطفى فروخ وعمر أنسي ورشيد وهبي وغيرهم…
ورحلت عن هذه الدنيا تاركةً وراءها فنها ورسومها ولوحاتها وأغراضها في رحلةٍ أبدية، أقعدتها الشيخوخة في فراشها وأسلمت الروح نهار السبت 27 كانون الثاني سنة 2017.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading