كشوفات علمية تسلّط الضوء على مخاطر استخدام الخليوي
منظمة الصحة العالمية تقرّر رسمياً
أن الخليوي مسبب محتمل للسرطان
الخبراء ينصحون باستبدال التهاتف الصوتي بالدردشة النصية
والاكتفاء باستخدام الخط الأرضي في المنزل وأماكن العمل
الموجات الكهرومغناطيسية تتسبب بمرض السكري والعقم
والخليوي على الورك يُضعِف العظم في منطقة الحوض
يُقدَّر اليوم أنّ هناك نحو 5,9 مليارات مشترك في الهواتف الخليوية على مستوى العالم، أيّ ما يوازي نحو 87 في المئة من عدد سُكّان العالم، وقد غدت صناعة الإتصالات الخليوية من بين أسرع الصناعات نمواً وقوة في سوق تقيّم ببضعة تريليونات من الدولارات. وفيما تُواصل هذه الثورة في عالم الإتصالات تناميها، يزداد عدد الباحثين الذين ينبرون للتحذير من مخاطر هذه التكنولوجيا على صحة الإنسان. وأخذت هذه التحذيرات تجد آذاناً صاغية ولو ببطء شديد. فالرابط بين تعرُّض الدماغ للضرر واستخدام الهاتف الخليوي بات قوياً جداً إلى درجة يتعذُّر معها إنكاره. والمُلفت أنّ الدراسات التي تُموِّلها صناعة الإتصالات الخليوية غالباً ما تُظهر نتيجة «لا تأثير مؤكد على الصحة» مقابل الدراسات العلمية المموَّلة بجهد مستقل التي تخرج بنتائج تثير القلق.
وإذا كنت من المتمسّكين باستخدام الهواتف الخليوية وترفض التصديق بأنّ وضع هذا الجهاز الباث للإشعاعات الكهرومغناطسية بالقرب من رأسك يُسبِّب مخاطرَ جدّية، فعليكَ أن تقرأ الآتي.
الحق ..مع الطليان!
لنبدأ من إيطاليا، فقد حَكَمت المحكمة الإيطالية العليا منذ مدة بوجود رابطٍ بين إصابة موظّفٍ يُدعى إنوسينتي ماركوليني Innocente Marcolini بورم في الدماغ واستخدامه المكثّف للهاتف الخليوي، كان ماركوليني يستخدم الهاتف الخليوي ما بين 5 إلى 6 ساعات يومياً على مدى 12 سنة تحدُّثاً مع عملاء في المؤسّسة التي يعمل فيها. وإثر ذلك أُصِيبَ بورمٍ في «العَصَب المثلث التوائم» trigeminal nerve، في موقع قريب جداً من المكان الذي يتلاقى فيه الهاتف الخليوي مع الرأس.
وقد تطلّب الأمر إجراء عملية جراحية لإستئصال الورم، ممّا ترك وجهه شبه مشلول. وبعد محاولته الحصول على تعويض من «الهيئة الإيطالية لتعويض العمّال» INAIL ورفض طلبه بحُجّة الإفتقاد إلى دليل كافٍ يُثبت أنّ عادات عمله قد سبّبت الورم، رفع قضيته إلى المحكمة العليا التي أصدرت حكمها بوجود رابطٍ بين استخدام الهواتف الخليوية واللاسلكية ونمو الأورام. واستندت المحكمة في قرارها إلى دراساتٍ أجراها البروفيسور السويدي لينارت هارديل Lennart Hardell الذي توصَّل إلى أنّ أولئك الذين بدأوا بإستخدام الهواتف الخليوية بكثافة منذ سن المراهقة كانوا عرضة على نحو أكثر بـ 4 أو 5 أضعاف للإصابة بسرطان الدماغ وهم في سن الرشد، وأصَرَّت المحكمة العليا على قرارها عبر التأكيد بأنّه مبرَّرٌ بأدّلة علمية موثوقة.
على الحكومات والمؤسسات والأهل، والأطباء، والمدارس، والمواطنين كافة أن ينصحوا كلّ مَنْ هم تحت رعايتهم أو تأثيرهم بالحاجة الماسّة إلى ترشيد استخدام الهواتف الخليوية والأجهزة الأخرى الباثّة للإشعاعات
50 دقيقة مع الخطر
لكن لا داعي لاستخدام الهاتف الخليوي لبضع ساعات في اليوم لكي يتعرّض المرء لخطرٍ مماثل، بل يكفي 50 دقيقة فحسب من التعرُّض لإشعاعات الهاتف الخليوي الذي يبث استقبالاً وإرسالاً، كما تؤكّد الدكتورة نورا فولكاو Nora D. Volkow، مديرة «مؤسّسات الصحة الوطنية» الأميركية NIH. فقد وجدت فولكاو أنّه بعد استخدام الهاتف الخليوي لفترة 50 دقيقة فحسب، فإنّ الإشعاع الكهرومغناطيسي المنبعث منه يُضاعف نشاط خلايا الدماغ في المنطقة الأقرب إلى إرسال الهاتف، ولو أنّها لم تُفصِح عن التأثيرات الصحية لهذا النشاط المتزايد للدماغ. إلا أنّ دراستها بدّدت الوهمَ السائد في دوائر الأبحاث الحكومية الأميركية بأنّ إشعاع الهاتف الخليوي عند مستويات غير حرارية non-thermal levels لا يتسبّب بأي تغييرٍ بيولوجي.
وبحسب ما توصّلت إليه فولكاو في بحثها، فإنّ التأثيرات غير الحرارية للتعرُّض المزمن للهاتف الجوّال قد تنعكس ضرراً بيولوجياً أشد مما يسببه التأثير الحراري. فالخطوط الإرشادية للسلامة الخاصة بالأجهزة الباثّة للإشعاعات المايكرويفية microwave radiation إنّما تستند فقط إلى قيمة ما يُعرف بـ «المعدّل الخاص للإمتصاص» Specific Absorption Rate – SAR، وهي تقيس الطاقة المنبعثة من الهاتف الخليوي وإمكانية تسخينها للأنسجة المتعرِّضة.
محكمة إيطالية حكمت للمرة الأولى وبالاستناد إلى دراسات علمية بوجود رابط بين الخليوي وبين الإصابة بسرطان الدماغ
الخطر على الأطفال كبير لقابلية جسمهم لامتصاص الموجات واستخدام المرأة الحامل الكثيف للخليوي يتسبب بالضرر للجنين
الهواتف الخليوية كلها سواء فلا تظنَّنَّ أنّ أياً منها هو أكـــــــثر «أمـــاناً» من غيره
أبعدوه عن الأطفال وأبعدوا الأطفال عنه
الأطفال هم الأضعف في ما بيننا من ناحية التعرُّض لمخاطر إشعاع الهاتف الخليوي، حتى وهم أجنّة في الرحم. فدماغ الإنسان تحميه الجمجمة، إذ أن العظام أكثر كثافة من أنسجة الدماغ التي تحتوي على سوائل. ودماغ الطفل أكثر عرضة لإختراق الإشعاع الكهرومغناطيسي لأنّ جمجمته أقل سماكة ودماغه يحتوي على كمية أكبر من السوائل، التي يمكنها أن تمتص كماً أكبر من الإشعاع المايكروويفي، بحسب الدكتورة دايفيس.
وربّما سلوك الوليد يُقاس حقاً بعادات الأمهات المتصلات، فللأسف ربّما تصل مخاطر إشعاعات الهاتف الخليوي إلى داخل الرحم وتؤذي الطفل جنيناً، وهو ما قد يجعله بعد ولادته يُواجه صعوبات سلوكيّة في فترات لاحقة من عمره. فقد قام الباحثون في سنة 2008 بتحليل بيانات تعود لنحو 13 ألف طفل، ووجدوا أنّ التعرُّض لإشعاعات الهواتف الخليوية والطفل في الرحم (وحتى في خلال الفترة المبكرة من طفولته) مع استخدام الأم للهاتف بين مرتين إلى ثلاث مرّات في اليوم، قد ارتبط بمشكلات سلوكية، ورفع مخاطر إصابة الصغار بفرط النشاط، وصعوبة التواصل العاطفي والعلاقة مع الأقران عند دخول المدرسة، هذا ناهيك عن مخاطر استخدام الصغار بأنفسهم للهاتف الجوّال. وكشفت الدراسة في خُلاصة لها عن أنّ الأمهات اللواتي استخدمنَ الهواتف الخليوية على نحو متكرِّر كُنَّ أكثر ميلاً بنسبة 54 في المئة لإنجاب أطفال يعانون مشكلات سلوكية.
وأخذ مزيدٌ من الدول يتبنّى مبدأ الحيطة المُسبَقة والإحتراز لجهة استخدام الأحداث للهاتف الخليوي. فنجد على سبيل المثال كلاً من كندا، وروسيا، والمملكة المتحدة، وبلجيكا، وألمانيا، وفرنسا، وفنلندا، وحتى الهند تطلق تحذيرات عامة وتحثُّ مواطنيها على توخِّي الحذر من ناحية استخدام أطفالهم للهاتف الخليوي.
وتختصر الدكتورة دايفيس هذه التحذيرات العامة للإستخدام الآمن للهاتف الجوّال، أولاً إبقاء الهاتف على مسافة آمنة بعيداً عن الجسد، واستخدام سمّاعات أذن مَحمِيّة جيداً ومعزولة الأسلاك، وعدم وضع الهاتف في الجيب أو عند الخصر أو فوق القلب أو أيّ أماكن حيوية أخرى.
وتُوصي الباحثة بعدم استخدام الهواتف الخليوية إلا لِماماً، وإبقاء الإتصال للمكالمات الضرورية والمهمة جداً، وتنصح بإطفاء الهاتف عند عدم استخدامه لأنّه يواصل بَثّ الإشعاع ولو لم نُجرِ اتصالاً، والإستغناء عن ذلك بإستخدام الخط الأرضي في المنزل وأماكن العمل. وتُوفِّر خدمة «سكايب» (Skype) على الإنترنت تواصلاً صوتياً ومرئياً يُغنيك عن وضع ذلك الجهاز الباث للإشعاع على أذنك، وهنا تُوصي دايفيس أيضاً بإبعاد المُوجِّه اللاسلكي أو «الراوتر» عن غرفة النوم، ويُستحسن إطفاؤه ليلاً، فلربّما يحدث اضطراباً في نمط نومنا.
من العِبّ إلى الجيب
ولا بد من تشديد التوصية للسيدات، وإحدى الحالات قد تُشكِّل تحذيراً كافياً لإحتمال تسبُّب الهواتف الخليوية بأمراض خطرة. شابةٌ أميركية شُخِّصت لديها الإصابة بسرطان في الثدي متعدّد البؤر تبيّن أنّها ممّن يضع الهاتف في «عِبِّه»، وخلُصَ أخصّائيان بأمراض السرطان روبرت ناغورني (Robert Nagourney) وجون ويست (John West) إلى أنّ توزُّع نقاط الخلايا السرطانية في المنطقة المصابة عند هذه الشابة قد اتّخذ تماماً شكل الهاتف الخليوي!! ولعلّ ذلك لا يكفي كإثبات قطعي بتسبُّب الهاتف الخليوي بالسرطان، لكنّه يصلح لأنّ يكون تحذيراً كافياً ليس لكلّ مَنْ يضع الهاتف في «عِبِّه»، بل أيضاً في جيبه الأمامي، والآخر الخلفي، هذا ناهيك بجيب القميص أو جيب السترة فوق القلب مباشرة.
وأظهرَ بحث نُشِرَ في سنة 2009 إثباتات على أنّ وضع الهاتف الخليوي في محفظة على الورك قد يُضعِف منطقة الحوض. وقام باحثون، يستخدمون تقنية «أشعة أكس» (X-Ray) المعتمدة في تشخيص ومراقبة المرضى المصابين بهشاشة العظام (Osteoporosis)، بقياس كثافة الحوض لدى 150 رجلاً يحملون هواتفهم عادة في محفظة متصلة بأحزمتهم عند الورك. وكُلٌ من هؤلاء يحمل هاتفه لنحو 15 ساعة في اليوم، ويستخدمه منذ قرابة 6 سنوات. ووجدَ الباحثون أنّ كثافة العظام قد انخفضت عند جانب الحوض الذي وُضِع عنده الهاتف الخلوي، ممّا أثار الشكوك بأنّ ذلك جاء بفعل تأثير التعرُّض للحقول الكهرومغناطيسية التي تبثّها الهواتف الخليوية حتى ولو لم يكن صاحبها يُجري اتصالاً. وكانت دراسات سابقة قد وجدت أنّ إشعاعات الهاتف الخليوي قد تؤثر على الخصوبة لدى الرجال.
وأضف إلى ذلك أنّ هناك عدداً من الأعضاء الحسّاسة الأخرى بالقرب من الحوض، بما في ذلك الكبد، والكِليتان، والمثانة، التي تتعرّض بدورها لهذه الإشعاعات.
نصائح سريعة
وفي ما يلي نصائح بسيطة لإبعاد هذا الخطر الخليوي قدر الإمكان:
استخدِمْ الهاتف الجوّال فقط حينما يكون الإرسال جيداً. فبقدر ما يكون الإرسال ضعيفاً بقدر ما يستهلك هاتفك طاقة للإرسال، وبالتالي بقدر ما يستخدم طاقة، بقدر ما يبث إشعاعاً، وأشدُّ ما تكون قدرة الموجات الراديوية الخطرة على إختراق الجسم.
احْملْ الهاتف في حقيبة يد، فمسافة 15 سنتيمتراً قد تكون كافية لإبعاد خطر الإشعاع الكهرومغناطيسي عنك. وأخيراً، إنّ الهواتف الخليوية جميعاً سواء، ولا تظنَّنّ أنّ أحدها هو أكثر «أماناً» من غيره.
وبانتظار ما ستُفصِح عنه الأبحاث المتواصلة في هذا الشأن مستقبلاً، يمكن التوصية باختصار: لا تدعْ موجات الهاتف الخليوي تخترق دماغك عبر أذنك، وأبْقِه بعيداً عن العين، والقلب، والأذن.. والورك!