الخميس, نيسان 25, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, نيسان 25, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الاسكندر

رسالة الاسكندر الأكبر

أراد من حربه على الفرس أن تكون
«الحرب التي تنهي كل الحروب»

تضمّنت الحلقة الأولى من هذا البحث عرضاً لمسيرة وسجايا الاسكندر الأكبر كملك وكفاتح للعالم القديم. وهي مسيرة تجعل منه ظاهرة لم تتكرر في التاريخ الإنساني، إذ تمكّن ملك شاب في مطلع العشرينات من عمره وفي غضون أربع سنوات من تدمير الإمبراطورية الفارسية التي هيمنت لأكثر من 230 عاماً على العالم القديم كله، وامتد ملكها من مقدونيا غرباً ومصر جنوباً وحتى جبال الهندوس شرقاً. وفي هذه الحلقة الثانية والأخيرة سنتطرق إلى أهمية الرسالة الفلسفية والأخلاقية للاسكندر وللثورة الهائلة التي أنجزها في فترة وجيزة في البلدان التي أخضعها، فكان بذلك من صنف نادر من الملوك الذين أرفقوا الفتوحات بالإصلاح وخاضوا الحروب ليس بهدف تعظيم الملك واستعباد الشعوب أو نهب ثرواتها بل تحقيقاً لرؤية متوقدة تقوم على نشر قيم الفضيلة والعدل والتآخي الإنساني.

الاسكنـــدر أظهـــر كمـــلك الاحتـــرام لآلهـــة الإغريــــــق
لكنــــــه أظهــــــر في خصالــــــه كـــل صفـــات المؤمـــن والحكيـــم

كرّمـــه القـــرآن الكريـــم تحـــت اســـم ذي القرنيــــــن
واعتبــــــره ملكــــــاً صالحــــــاً يكلمــــــه الله ويفــــــوض إليــــــه أحكامــــــاً

التقــــــى في الهنــــــد المئــــــات من أمثــــــال ديوجينــــــوس
ووجــــــد شعوبــــــاً لا تقــــــل في حضارتهــــــا عن اليونــــــان

الأباطــــــرة الرومــــــان سعــــــوا لفــــــرض المسيحيــــــة ونواميسهــــــا
والتقليــــــل من أهميــــــة الارث الهيلينــــــي ومدارســــــه الحكميــــــة

الاسكنـــدر اختلـــف عـــن أرسطـــو ووافــــــق زينــــــون الرواقــــــي
فـــي سعيــــــه لإنشــــــاء حضــــــارة إنسانيــــــة واحــــــدة ومتآخيــــــة

علاقـــة أرسطـــو بالاسكنـــدر اقتصـــرت علـــى سنـــوات الدراســـة
وأثـــر عليهـــا انشغـــال المـــلك بالحـــروب والفيلســـوف بأكاديميتـــه

اهتـــم كثيـــراً بدراســـة الطـــب والنباتـــات علـــى يـــد أرسطـــو
وكـــان يصـــف ويصـــنع الـــدواء للمرضـــى مـــن أصحـــابه

من أبرز أقواله: أفضِّل أن أتفوق على الآخرين بالمعرفة والكمال
على أن أتفوق عليهم بجبروتي واتساع ملكي

كتـــاب «سر الأســـرار» أو رسائـــل أرسطـــو إلـــى الاسكنـــدر
وضـــع بالعربية فـــي القـــرن العاشـــر ولا علاقـــة لـــه بأرسطـــو

لقد جرى التركيز في تأريخ حياة الاسكندر الأكبر على شخصيته وإنجازاته كفاتح وكقائد عسكري ولم يتم إعطاء ما يكفي من الاهتمام لشخصيته كملك حكيم وكرسول إصلاح للبشرية. ويعود ذلك إلى سبب أساسي هو أن العالم الغربي وبعد تحوّل جوستنيان إلى العقيدة المسيحية سعى إلى فرض العقيدة الجديدة ونواميسها ومؤسساتها. ولهذا السبب فقد جرى منذ ذلك الوقت التقليل من أهمية الإرث الهائل الذي أطلقته الحضارة الهيلينية -وكذلك المصرية القديمة- بمدارسها الفلسفية وبمذاهبها الروحية المختلفة الثرية والمتسامحة، هذه المدارس التي يعود العالم اليوم ليستكشف بحارها مجدداً ويغوص في أعماقها وأسرارها، في وقت تعرضت فيه العقائد الرسمية إلى التأخر والجمود وفقدت الكثير من قدرتها على التأثير في الجانب الروحي والمعنوي لحياة البشر.
بالطبع إحدى الصعوبات في فهم العقيدة الحقيقية للاسكندر أنه من جهة، لم يكتب ولم يصدر عنه ما يكفي من الأقوال التي نقلت عنه، وتمثّل بالتالي، زاداً كافياً لفهم شخصيته الحميمة المتخفية وراء مظهر الحرب والشجاعة والفتوحات، إلا أن على من يريد الإحاطة بشخصية الاسكندر وفكره أن يتمعن في مسار حياته وخصوصاً مواقفه وأعماله التي سجّلها المقربون ثم المؤرخون الذين جاؤوا بعده. وهذا ما يؤكده بلوتارك الذي أشار في كتابه (موراليا) إلى أن الكلام الذي صدر عن الاسكندر أو أسلوب حياته وأفعاله أو التوجيه الذي كان يعطيه لجيشه وقواده وللمحيطين به، كل هذه العناصر تؤكد أنه كان فيلسوفاً ومالكاً لأسرار الحكمة، إضافة إلى ما اصطفاه به الله من سلطان وأيّده به من شرف ونصر على الأمم كلها.
بل أن بلوتارك اعتبر أن مهمة الاسكندر في الإصلاح البشري كانت أصعب من مهمة فلاسفة الأكاديمية لأن هؤلاء تحدثوا إلى مجموعات محدودة متجانسة وبلغتها، بينما تمكّن الاسكندر من أن يتحدث إلى شعوب عديدة متنافرة في ثقافاتها وبعضها متأخر جداً في عاداته، وأن يجتذب تلك الشعوب إلى قيم الحضارة الإنسانية وأن يصلح أخلاقها وقوانينها وأساليبها في الحكم. ويعطي أمثلة على ذلك منها، أن الاسكندر أقنع شعوب آسيا باحترام الرابطة الزوجية وعلّم سكان أراكوزيا (افغانستان حالياً) كيف يحرثون الأرض، كما علّم شعوباً متأخرة في آسيا كيف يحترمون أهلهم ولا يقتلونهم، والفرس كيف يقدسون أمهاتهم فلا يأخذونهن زوجات، وعلّم شعوب آسيا الوسطى كيف يدفنون موتاهم. وقد أنشأ الاسكندر خلال الفترة الوجيزة لملكه 70 مدينة في مختلف أنحاء العالم القديم وعيّن المفكرين والقانونيين والقادة على الأمصار الجديدة بهدف نشر قيم العدل والأخلاق التي اعتبرها أساس التحضر والاجتماع الإنساني.
رسالة العالمية
يلاحظ بلوتارك أن الاسكندر اتّخذ طريقاً مختلفاً عن أرسطو ونظريته في تفوق الجنس اليوناني ووافق أكثر نظرة زينون الرواقي الذي اقترح في كتابه «الجمهورية» بناء نظام عالمي يكون البشر فيه جميعاً إخوة، «كما لو كانوا قطيع خراف يشترك في المرعى الواحد». ومن أجل حفظ هذا الكون المتآخي اقترح زينون في كتابه تطبيق نظام قانوني واحد على مختلف شعوب أهل الأرض، بحيث تكون تلك الشعوب إنسانية واحدة بل مجتمعاً سياسياً واحداً.
وقد نظر الاسكندر إلى نفسه باعتباره مرسلاً بإرادة سماوية من أجل توحيد الإنسانية، لذلك فإن الذين كانوا يقاومون فكرته كان يهزمهم في ساحة القتال ثم يدعوهم إلى أن يكونوا جزءاً من رؤيته الكونية.
دعا الاسكندر رعايا مملكته الكبيرة جميعاً لأن يعتبروا الأرض كلها وطنهم وأن يعتبروا المملكة الجديدة حماهم والإطار الطبيعي لأمنهم ولإزدهار حياتهم وحياة الأجيال التالية. وفي مصر استقبل الاسكندر استقبال الفاتحين بسبب نقمة المصريين على الفرس، بسبب الضرائب الباهظة التي فرضوها عليهم، وكذلك بسبب عدم تعاملهم بالاحترام المطلوب مع عقيدتهم وشعائرهم ومقدساتهم.
واعتبر الاسكندر أن ما يجب أن يميّز اليوناني عن الآخرين ليس اللباس ولا السيف ولا الدرع بل هو الفضيلة. أما الأجنبي عن المملكة الجديدة فليس الفارسي ولا الهندوسي ولا البختياري بل هو الإنسان الجائر والمفتقد للفضائل الإنسانية. أما مقومات الحياة الأخرى مثل الطعام والشراب والزواج وأسلوب الحياة فيجب أن ينظر إليها كثقافة واحدة يشترك فيها الجميع عبر روابط الزواج والأولاد.
بعد قليل من إسقاطه للإمبراطورية الفارسية، قام الاسكندر بترتيب زواج نحو 10 آلاف من ضباطه وجنوده إلى نساء ينتمين إلى البلاد التي فتحها، وخصوصاً بلاد فارس، وهو سمح للجنود أن يعودوا إلى مقدونيا، لكنه احتفظ بزوجاتهم في بلدانهن، وكان يأمل أن يتشكل من الأولاد الذين سيولدون من تلك الزيجات المختلطة جيش يكون هو الأساس الذي ستبنى عليه الإمبراطورية الموحدة (أو ما يمكن اعتباره الكومنولث العالمي) وصفاتها الجامعة الجديدة.
وعندما كان في إيسوس، وبعد أسبوع من نصره الحاسم على جيوش داريوس نصب الاسكندر خيمة ضخمة حوّلها إلى مسرح لزواج جماعي بين مائة من قواده ومائة من نساء فارسيات. وقد نقل بلوتارك في كتابه عن حياة الاسكندر صورة حيّة عن أجواء ذلك الاحتفال، الذي أقيم على أثر المعركة، إذ قام الاسكندر بنفسه باصطحاب المحتفى بهم وكان أول من أطلق نشيد الزفاف ووجهه يطفح بشراً. وقد كتب ديماراتوس الكورنثي في ما بعد في تعليق على ذلك المشهد نقداً لاذعاً لأباطرة الفرس الذين أضاعوا عمرهم والموارد الهائلة في محاولة ربط أوروبا بآسيا عبر جسر فوق مضيق الدردنيل. «أخاطبك الآن أيها الملك الأحمق قورش الذي أنفق الجهود العقيمة والموارد في سبيل إنشاء جسر ضخم على الهلسبونت (الدردنيل حالياً). ألا فلتنظرجيداً!!، ذلك هو أسلوب الملوك الحكماء في جمع آسيا وأوروبا. ليس بصفوف الجسور الخشبية العائمة ولا بواسطة الأربطة الجامدة التي لا حياة فيها، بل عبر الرابطة العفيفة للزواج والفرح المشترك والأولاد هم يجمعون الشعوب بعضها إلى بعض.
بناءً على ذلك، اعتبر بلوتارك أن رسالة الإصلاح وحكمة الفيلسوف كانتا الدافع الأساسي لحملة الاسكندر الآسيوية وليس مجرد فتح الأمصار. لأنه «قاد رجاله وتحمل أقصى المخاطر والمشقات ليس من أجل أن يكسب لنفسه حياة العظمة والثراء، بل من أجل أن يحقق التوافق بين البشر ويفرض السلم ووحدة المصالح بينهم»، أي أنه أراد من حربه أن تكون الحرب التي تنهي كل الحروب. ولهذا السبب، فإن الاسكندر لم يتصرف مع الشعوب التي قهرها عسكرياً كتصرف الغازي أو تصرف الطغاة الذين يدمرون وينهبون، وقد كان ذلك الأسلوب شائعاً في الحروب في زمنه، لكنه حافظ على تلك البلاد كما لو كانت جزءاً من مملكته الموحدة وسعى فعلاً الى نشر الحضارة فيها وإسعادها وإصلاح شأنها، وبالتالي زرع الخير وبركات لا تمّحى في حياتها ومستقبل أجيالها.

كان يعلّي من قيم الشجاعة واحتقار الموت والشرف وزجر النفس وضبط أهوائها، وكان مقلاً في الطعام يهب الكثيـــر للآخرين ولا يبقي لنفســـــه إلا القلــــيل

الإسكندر-الأكبر-يدخل-بابل-
الإسكندر-الأكبر-يدخل-بابل-

أحد الأمثلة الساطعة التي تضرب على التوجه البعيد النظر الذي أظهره الاسكندر فور سيطرته على أكثر العالم القديم، هو محاولته التقريب بين الحضارتين اليونانية والفارسية بوسائط مختلفة منها (إضافة إلى تشجيع الزواج المختلط) التقريب في طريقة اللباس بما يؤدي إلى ظهوره هو كملك للفرس واليونانيين في آن. ويذكر ديودوروس سيكولوس أن الاسكندر «ارتدى قفطاناً ملكياً فارسياً ولبس تحته الثوب الفارسي الأبيض وألقى عليه الوشاح وكل ما عداه باستثناء السروال والسترة ذات الأكمام الطويلة، ثم أعطى لقواده عباءات ذات حواشٍ باللون الأحمر الفارسي كما ألبس خيله الأطقم والأسرجة الفارسية. وعبّر الاسكندر بذلك عن احترام لثقافة الشعب الذي بات الملك المطلق عليه. ويبدو أن سياسات الاسكندر هذه لاقت قبولاً كبيراً في الوسط الفارسي الذي قبله فعلاً كملك، إلا أنها اصطدمت كما يبدو بالتصلب المقدوني واليوناني وتمسك الكثيرين من أركان الاسكندر بالثقافة الهيلينية ورفضهم إخضاعها لتسويات تنتقص من صفائها. وسيكون الجدل حول هذه الأمور من بين أسباب الخلافات بين الاسكندر وبين عدد من أعوانه والمقربين منه، بل إنه سيؤدي في وقت ما إلى ما اعتبره الاسكندر مؤامرات استهدفته وانتهت بمحاكمات وبإعدام عدد من قواده، وبعض الذين كانوا مقربين منه.

فتوحات-الاسكندر-الأكبر-وإمبراطوريته
فتوحات-الاسكندر-الأكبر-وإمبراطوريته

عقيدة الاسكندر
على الرغم من وجود نوع من «العقيدة الرسمية» للمجتمع، فإن العصر اليوناني زاخر بالأمثلة على وجود تنوّع في العقائد والتفكير الديني استفاد من مناخ الحرية الفكرية وحرية الاجتهاد التي جعلت لكل فيلسوف في ما بعد مدرسة ونظرية في الوجود والكون وطبيعة القوة التي تحكمه. قد نشأ اتصال أكيد بين العديد من فلاسفة الإغريق وبين فكرة التوحيد، خصوصاً بسبب تأثير أفكار الحكمة المصرية، إلا أن المجتمع الإغريقي، كغيره من المجتمعات القديمة كان يضم من جهة عقائد العامة، والتي تركّزت على منظومة الآلهة التي بنيت حولها الميثولوجيا الإغريقية، إلا أنه ترك المجال واسعاً من جهة ثانية لنشوء مدارس التفكر والتأمل الميتافيزيقي في الوجود وأسراره، وهذه المدارس أنجبت حكماء وفلاسفة توصلوا إلى التوحيد عن طريق التأمل العقلي، ومن بين هؤلاء حكماء عظام مثل فيثاغوراس وسقراط واللذين يعتبر إختبارهما أقرب شيء إلى الاختبار الحكمي أو الصوفي الذي توصل إليه أعلام للتوحيد برزوا في تقليد الفيدانتا الهندوسية أو التاوية الصينية أو التصوف المسيحي والإسلامي.
ومن الملفت فعلاً أن يكون حكماء مثل فيثاغوراس قد حرصوا على كتم عقيدتهم وتعليمهم التوحيدي بسبب تناقضه مع عقائد العامة، أما سقراط الذي اتبع منهج الحوارات من أجل نشر حقائق «التصوف الإغريقي» إذا صحّ التعبير، فقد جاهر كما يبدو ببعض آرائه وتعرض من جراء ذلك لحملة من غوغاء أثينا أدت إلى الحكم عليه بالموت بتهمة «زعزعة عقائد الأجيال الشابة». وتعرض فيثاغوراس نفسه في حياته إلى حملات اضطهاد، كما تعرض أتباعه من بعده إلى محنة حقيقية اضطرتهم إلى ستر عقائدهم وتداولها سراً قروناً من الزمن. لكن يستنتج من النفوذ الكبير الذي كان للفيثاغورسية لوقت طويل في اليونان القديمة، وكذلك لشعبية المعلم سقراط ثم تلميذه أفلاطون أن فكرة التوحيد بمعناها الصوفي لم تكن غريبة عن أوساط النخبة وإن كانت بعيدة عن عقيدة العامة. لكن التوحيد في اليونان القديمة اتخذ منحى فلسفياً، وكان نتاج التفكر والتأمل والحوارات الجدلية للنخبة، وهو في أحسن حالاته لم يكن سوى عقيدة أقلية وليس ديناً.
في هذا الإطار، طرح السؤال تكراراً حول عقيدة الاسكندر وجاء الجواب غالباً أنه كان «وثنياً»، وأنه كان يعبد آلهة الإغريق. ولا يوجد بين العديد من المصادر الغربية من قدّم صورة مقنعة عن عقيدة الاسكندر باستثناء ما روي عن احترامه الشديد لآلهة الإغريق ولمعتقداتهم. وبالطبع ينسجم تصنيف الاسكندر هذا مع التعميم الذي نشأ بسبب قيام المسيحية بين ما هو قبل ميلاد ورسالة السيد المسيح وبين ما جاء بعده. فالتعريف هنا تاريخي أكثر منه تعريف محدد لمعتقدات الاسكندر التي لا يوجد دليل تاريخي يمكن أن يوضح حقيقتها.
فمن جهة، كان مشروع الاسكندر الذي استهدف توحيد الممالك اليونانية تحت رايته يتطلب الضرورة منه أن يظهر كل الاحترام لمعتقدات العامة، ولا يوجد في هذا الموقف المتعقل ما يشير بأي حال إلى ما كان يجول في ضمير الملك أو إلى قناعاته الخاصة. أضف إلى ذلك أن الاسكندر في سعيه إلى توحيد شعوب مملكته الواسعة أظهر الاحترام نفسه لثقافة الفرس والشعوب التي قهرها، ومن المؤكد أنه لم يكن ليفرض عليها تبديل معتقداتها، وكان سيظهر الاحترام لتلك المعتقدات. لكن وفي ما عدا احترامه لمعتقدات العامة، فإن كل ما ظهر من الاسكندر يدلّ على أنه كان متقدماً جداً في تفكيره، وأنه كان بالدرجة الأولى محباً للحكمة، متعلقاً بالزهد والصالحين. وقد كان أول ما فعله بعد اعتلاء العرش ليس تقديم القرابين أو عقد الاحتفالات الطقسية، بل زيارة الحكيم الزاهد ديوجينوس والاجتماع به على قارعة الطريق، حيث كان يجعل منزله صندوقاً خشبياً صغيراً. ومن الصعب أن لا يرى المرء في تلك المبادرة إشارة مهمة من الاسكندر على احترامه للحكمة وعلى تعلّقه بها، وهو الذي أعرب عن احترامه الشديد لهذا الزاهد مخاطباً إياه بالقول: «لو لم أكن الاسكندر لكنت ديوجينوس». وقد شرح بلوتارك معنى هذا القول الاسكندري بالقول إن الملك عقد مقارنة بين ديوجينوس الزاهد لكن الذي لا يستفيد من علمه إلا قليل وبين الرسالة التي أعدته الأقدار لها، وهي نشر الخير والصلاح في العالم عن طريق العمل والفتوحات وتعليم المجتمعات.
والواقع أن حكمة الاسكندر وروحانيته المكتملة تجسدتا بالدرجة الأولى في سيرته وأعماله وفي خصاله، كما تجسدتا أيضاً في التعليم الذي أعطاه سواء بالقول أو بالمثال. وقد نقل عنه أنه كان يعطي أهمية كبيرة لقيم الشجاعة واحتقار الموت والشرف وزجر النفس وضبط أهوائها والتضحية بالذات، وأنه كان مقلاً في الطعام وكريماً يهب الكثير للآخرين، ولا يبقي لنفسه إلا القليل، كما أنه عرف باجتنابه أعمال المجون التي كانت شائعة بين معاصريه وعفته في التعامل مع النساء.
وعرف بأنه دمث الخلق، نزيه في التعامل، وفيّ لأصحابه، كريم من دون تبذير، قاطع وسريع في تنفيذ ما يعزم عليه، وكان شريفاً يرتفع بسمو وكبرياء فوق الصغائر ودناءات النفوس. وقد كان سلوكه ملكياً في كل مناسبة وكان حليماً صبوراً، لكن كان في قوته ومهابته مثل أسد هصور. كما أنه كان عنيفاً في معاملة الأشرار، رحيماً في التعامل مع البائس والمضطر. وفي كل ما يتعلق باهتمامات البطولة والقتال والنصر في المعارك كان الاسكندر شعلة من حماس ملتهب وقوة جسدية خارقة لكنه في الوقت نفسه لم يكن مهتماً بتعظيم نفسه كما كانت حال ابيه الملك فيليب، كما أنه لم يكن ليعبأ كثيراً بأبطال القوة الجسدية ومنافسات الرياضة بقدر ما كان يرسل ماله لتكريم كتّاب المسرح والموسيقيين والممثلين. وقد كان يتحمس لأي شكل من أشكال الصيد أو المبارزة على الخيل لكنه لم يشجع ابداً ألعاباً عنيفة مثل الملاكمة أو لعبة المصارعة الحرة.

لوحة-فسيفساء-وجدت-في-أطلال-مدينة-بومبي-الإيطالية-تظهر-الاسكندر-مهاجما-وداريوس-الخائف-يستعد-للانسحاب
لوحة-فسيفساء-وجدت-في-أطلال-مدينة-بومبي-الإيطالية-تظهر-الاسكندر-مهاجما-وداريوس-الخائف-يستعد-للانسحاب

إضافة إلى شجاعته الاسطورية، فإن أهم عناصر شخصيته الملكية كانت الرقي والتواضع الطبيعي. وقد كان الاسكندر مهذباً ولبقاً يجانب اللغو ويكتفي أحياناً بموقف المستمع. ولم يكن به أي ميل لإظهار قوته أو للطغيان، وقد كان يوماً بين الحضور لمباراة بين فرقتين مسرحيتين مشهورتين في اليونان وقد صوتت لجنة التحكيم، كما يبدو للفرقة التي لم يكن يؤيدها الاسكندر وخسرت الفرقة التي يرعاها. وقد علّق الملك بعد ذلك أنه كان يفضل خسارة نصف مملكته على أن تخسر تلك الفرقة التي كان يفضلها، أي أن الاسكندر الذي دانت له الأرض قبل ببساطة قرار لجنة التحكيم ولم يحاول أبداً التدخل لصالح الفرقة التي كان يميل إليها.

شهامة في الحروب
في حروبه مع الفرس، أظهر الاسكندر أعلى درجات الشهامة والأدب في التعامل مع الخصوم فهو مثلاً أمر بترتيب مراسم دفن واحدة لقتلى الفرس والمقدونيين بعد معركة غرانيكوس، وهي الأولى التي واجه فيها الجيش الفارسي وأوقع به خسائر كبيرة، كما أنه أظهر خصاله النبيلة في التعامل مع عائلة داريوس التي وقعت في الأسر خلال معركة أيسوس بعد فرار الملك الفارسي. إذ جرت معاملة أفرادها معاملة الملوك مع كثير من الرفق والتبجيل، وقد أدت تلك العلاقة إلى قيام رابطة محبة قوية بين أسرة الملك الفارسي والاسكندر إلى حد أن والدة داريوس سيسيغامبيس رفضت الطعام وماتت من الحزن بعد أيام فقط من تلقيها نبأ موت الاسكندر.
عندما أعجب ببروكسانا ابنة أحد أمراء فارس الآسيوية والذي قهره الاسكندر، لم يلجأ الملك إلى استرقاقها وقد أصبح ملك العالم وكانت هي علمياً أسيرته بل عرض أن يتزوجها. كذلك عندما بلغ المكان الذي قتل فيه داريوس ووجد الملك القتيل وقد اخترقت جسده الرماح لم يكن ردّ فعله العفوي التعبير عن أي مظهر من مظاهر الفرح بنهاية خصمه الذي خاض الحروب القاسية لإلحاق الهزيمة به، بل كان أن خلع بمهابة وحزن رداءه وغطى به جسد الملك المسجى، وهو استتبع ذلك بإعطاء أرفع مظاهر التكريم للملك الصريع وترتيب جنازة ملكية له وضمان دفنه في عاصمة مملكته في برسبوليس.
يشير المؤرخون أيضاً إلى أن الاسكندر استنكر اقتراحاً من قواده بشن هجوم ليلي على معسكر داريوس الثالث عشية المعركة الفاصلة في غاوغاميلا (أربيل كردستان حالياً)، إذ أنه اعتبره يناقض مبدأ الشرف وإعطاء الخصم فرصة متكافئة للمواجهة في ميدان القتال (قارن ذلك بأخلاق الحروب والسياسة في أيامنا)، كما أنه قمع بشدة بعد أن دانت له مملكة فارس أي محاولات من الجاليات اليونانية التي كانت تعيش في الإمبراطورية الفارسية للانتقام من الفرس أو الافتئات عليهم وعلى حقوقهم.
والواقع أن هناك ما لا يحصى من الروايات التي تظهر شخصية الاسكندر الفذة والآسرة للقلوب، ومن السهل لذلك لأي متابع أن يرى في هذه الصفات والمناقب خصالاً لا يتمتع بها إلا النادر من أهل الحكمة والحصافة والرشاد، وهي بالتالي لا بد أنها تقدم أوضح مؤشر على حقيقة إيمان الاسكندر وسره الذي لم يطلع عليه أهل زمانه. لكن أحدى كرامات الاسكندر أن الإرادة الربانية ستمن على هذا الملك الحكيم في ما بعد بأعظم تكريم، إذ سيرد ذكره في القرآن الكريم في سورة الكهف مشاراً إليه بـ «ذي القرنين». وهو اسم اتفق أكثر المجتهدين والمفسرين وكتّاب السيرة وعلى رأسهم ابن هشام على أنه الاسكندر المقدوني. وقد أشار القرآن الكريم إلى «ذي القرنين» بعبارات جعلت المفسرين يعتبرونه ولياً إذ جاء فيها تأكيد الله جل وعلا على التأييد الذي منحه للملك } إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا{ (الكهف:84) قبل أن يشير المولى جل وعلا إليه بصيغة المخاطبة وبلغة الوحي إذ قال } قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا{ (الكهف:86) وهذا شرف ما بعده شرف لم يحظَ به إلا بعض الأنبياء من الذين خاطبهم الله في القرآن مباشرة أو وحياً. وفي هذه الآية يفوض الله لمن يعتقد أنه الاسكندر الأكبر أن يقرر أسلوب التعامل مع ذلك الشعب الذي يذكر القرآن الكريم أن ذا القرنين صادفه في مسيرته بين مشرق الأرض ومغربها.
صحيح أن تعيين هوية الملك الذي أشار إليه القرآن الكريم بإسم «ذي القرنين» بقي عرضة للاجتهاد، إذ قال بعضهم إنه قورش الكبير أو إنه ملك يمني من حمير أو غير ذلك لكن أكثر المجتهدين والمفسرين الذين يعتمد عليهم مالوا إلى اعتبار أن المقصود بـ « ذي القرنين» ليس سوى الفاتح المقدوني. وفي ضوء ذلك، فإن الاسكندر الأكبر يصبح في تعريف القرآن، ليس فقط مؤمناً، بل ملكاً مختاراً ومقرباً. وقد ذكر ابن هشام أن تسمية الاسكندر بـ «ذي القرنين» اعتبرت إشارة إلى فتحه للعالم بشرقه وغربه أو امتداد ملكه بين أوروبا من جهة والقارة الآسيوية من جهة مقابلة.

علاقة الاسكندر بمعلمه أرسطو
لم يكن الملك فيليب ليصرف وقتاً على تربية ولده الاسكندر، وذلك بسبب انشغاله الدائم بالحروب والحملات الخارجية. لذلك قرر أن يعهد به إلى الفيلسوف أرسطو الذي كان بدوره تلميذاً لأفلاطون الحكيم، علماً أن افلاطون كان من أبرز مريدي المعلم سقراط، وبهذا المعنى فقد كان الاسكندر متصلاً بسلسلة فريدة من سلاسل الحكمة والمعارف بدأت بسقراط ثم بأفلاطون ثم بأرسطو. هذه السلسلة من الحكمة التي ضمت بعض أعظم حكماء العصور صبت عند الاسكندر في تواتر يكتسب في حد ذاته دلالة كبيرة ويشير إلى عظمة الرجل.

مقبرة-قورش-مؤسس-الإمبراطورية-الفارسية
مقبرة-قورش-مؤسس-الإمبراطورية-الفارسية

الصفات والخصال التي أظهرها لا يتمتع بها إلا النادر من أهل الحكمة وهي تقدم أوضح مؤشر على حقيقة إيمان الاسكندر وسرّه الذي لم يطلع عليه أهل زمانه

مرحلة الدراسة
درس الاسكندر على يد أستاذه في مييزا في مقدونيا مع عدد من الأمراء وأبناء النبلاء الذين سيصبح قسم منهم أصدقاءه وجنرالات في جيشه ويطلق عليهم اسم «الرفاق»، كما سيرتقي بعضهم ليصبحوا حكّاماً وملوكاً في ما بعد. وبالنظر إلى طبيعة التلامذة الذين أرسلوا بهدف إعدادهم للحكم فقد كانت المادة التي يقدمها الفيلسوف اليوناني مادة كلاسيكية ومتفقة مع ما كان مطلوباً لتهيئة طلابه للحياة العامة، ولم تكن علاقة أرسطو بتلامذته بالتالي كتلك التي نشأت بين حكماء اليونان ومريديهم. كما أن المادة التي درسها أرسطو لم تكن الفلسفة مادتها الأولى بل كانت مجموعة من العلوم التي تضمنت السياسة والأخلاق والرياضيات والدين وعلم الفلك والمنطق والشعر والبلاغة، وكان فن الخطابة والجدال المنطقي (دحض الحجة بالحجة) من أهم الفنون التي يتم تدريب حكّام المستقبل على إتقانها.
ويبدو أن اهتمام الاسكندر تركز على فرع خاص من العلوم هو العلوم الطبيعية والطب الذي كان أرسطو أحد أساطينه وهو أعدّ كتاباً عن عالم الحيوان وآخر عن عالم النبات، ولم يكن اهتمام الأمير الشاب بالطب ترفاً فكرياً بل بغرض عملي، إذ أن الاسكندر تعلم الطب وكان طيلة حياته يصف الأدوية ويصنعها للمرضى من أصدقائه ومعارفه. وعندما بدأ الاسكندر حملته على آسيا، فإنه كان متأثراً بأرسطو، فقد حرص على أن يصطحب معه مجموعة كبيرة من علماء الحيوان والنبات والذين عادوا من آسيا بمعلومات ونماذج ساعدت في تحقيق كشوفات علمية مهمة على أصعدة علم الحياة والزراعة والطب.
مكث الاسكندر في مدرسة أرسطو ثلاث سنوات إلا أن والده اضطر سنة 340 ق.م. للتوجه على رأس حملة عسكرية لإخضاع إحدى الممالك المتمردة شمال شرق مقدونيا (Thrace)، لهذا فقد طلب الملك فيليب من ابنه ذي الستة عشر ربيعاً قطع دراسته والعودة إلى بيلا عاصمة المملكة ليشغل منصب نائب الملك والحاكم الفعلي للمملكة أثناء غيابه.

الفيلسوف-أرسطو-أشرف-على-الاسكندر-الشاب-لكن-الملك-احتفظ-بشخصيته-وآرائه-المستقلة
الفيلسوف-أرسطو-أشرف-على-الاسكندر-الشاب-لكن-الملك-احتفظ-بشخصيته-وآرائه-المستقلة

بين الملك والفيلسوف
بالنظر لإقامته القصيرة في مدرسة أرسطو وطبيعة البرنامج الذي خضع له مع زملاء له، فقد نشأ تباين بين المؤرخين في تقدير حجم التأثير الذي مارسه المعلم على تلميذه فمنهم من يعتقد أن أرسطو مارس تأثيراً مهماً على الاسكندر خصوصاً في مجال علم السياسة وإدارة الدولة والمنطق وبصورة عامة في العديد من النواحي التي ساعدت على تكوين رؤيته للعالم. وقد بلغ من تعلق الاسكندر بمعلمه أرسطو أن اعتبره بمثابة والده الروحي وهو كان يعقد المقارنة دوماً بالقول إن والده الطبيعي منحه الحياة بينما ساعده أرسطو على أن يعيش تلك الحياة بصورة أفضل.
إلا أن من المؤرخين من يعتقد أن السنوات الثلاث التي قضاها الملك الشاب في مييزا وإن كانت قد زودته بنظرة إلى العلوم الأساسية والنظرية التي كان يدرِّسها أرسطو، إلا أنها لم تكن العامل الأساسي في تكوين شخصيته الفذة، وهو الذي كان أظهر علامات العبقرية والتفرد منذ صغره. حجة هذا الفريق أن الشجاعة المذهلة للاسكندر في الحروب واحتقاره للموت وخصاله الملكية الرفيعة وعبقريته العسكرية لم تكن نتيجة الدرس في كتب، بل كانت ملكات طبيعية ولدت معه وتفتحت بسرعة ربما في سياق القدر الذي كتب له أن يلعبه في مسيرة البشرية. إلا أن العامل الأهم الذي اعتبره المؤرخون دليلاً على استقلال الملك بآرائه عن معلمه هو التباين بين نظرة السيادة اليونانية التي تبنّاها الفيلسوف وبين النظرة العالمية للاسكندر. إذ اعتبر أرسطو كغيره من الفلاسفة اليونانيين في زمانه أن اليونان هي النموذج الوحيد للحضارة الإنسانية في العالم بينما نظر إلى الشعوب الأخرى باعتبارها من صنف البرابرة الذين لا يوجد لهم أي اهتمام بما يتعدى الحاجات الطبيعية الأساسية والبعيدين بالتالي عن أي فهم للشؤون الروحية والفكرية السامية التي بنيت عليها الحضارة الهيلينية. وبناء على تلك النظرة فقد اعتبر أرسطو أن تلك الشعوب ليست مؤهلة لأن تمارس حقوق المواطنة أو أن تمنح مؤسسات كالتي تقوم عليها حضارة اليونان، ولهذا فهو نصح تلميذه الاسكندر بأن يميّز في المعاملة بين اليونانيين وبين «الشعوب البربرية» التي أخضعها فيكون ملكاً على اليونانيين يعاملهم كأصدقاء وكمواطنين ويكون حاكماً مستبداً على البرابرة الذين يتم إخضاعهم. ويشير بلوتارك إلى أن الاسكندر افترق عن معلمه في هذا الشأن إذ كان قد طور آنذاك رؤيته السباقة لمجتمع عالمي واحد يسوده السلام وتدار أموره بعقلانية واحدة وقوانين واحدة وعدالة لا تفرق بين يوناني وأجنبي.

تأثير كتاب «سر الأسرار»
تختلف الصورة السابقة بالطبع عن النظرة التي استقرت لفترة طويلة عن العلاقة الوثيقة بين أرسطو والاسكندر وخصوصاً تأثير الأول على الثاني. وهي صورة تعود ربما وبالدرجة الأولى إلى عامل تاريخي هو التأثير الذي مارسه الكتاب المعروف بإسم «سر الأسرار» أو «السياسة والفراسة في تدبير الرئاسة» في التصور العام للعلاقة بين الرجلين. والكتاب المشار إليه موضوع، وقد نسب عدة قرون إلى أرسطوطاليس وتمّ تداوله بلغات عديدة باعتباره رسائل بعث بها الفيلسوف اليوناني إلى «تلميذه قائد اليونان الأكبر الاسكندر ذي القرنين». ويتضمن الكتاب الكثير من العلوم والفروع التي يفترض أن أرسطو سطرها خصيصاً لتلميذه وخصوصاً في السياسة وإدارة الحكم وجاء في مقدمة الناسخ أن الاسكندر «استوزر أرسطو وارتضاه واستخلصه واصطفاه»، كما جاء فيه أن الاسكندر تمكن من أن يسود العالم بسبب أنه اتبع رأي الفيلسوف «فلم يخالف له قولاً ولم يعصِ له أمراً»، وبالطبع فإن هذا التقديم للكتاب وحده كافٍ ليجعل من الاسكندر تلميذاً نجيباً للفيلسوف بل صنيعة له وتابعاً.
لكن من المتفق عليه أن كتاب «سر الأسرار» الذي لا يوجد له أصل باليونانية منحول ولا صلة له بالتالي بالفيلسوف اليوناني. وقد وضع الأصل باللغة العربية في القرن العاشر الميلادي وظهرت أول ترجمة لاتينية له عن العربية في منتصف القرن الثاني عشر. لكن على الرغم من ذلك، فإن نسبة الكتاب إلى أرسطو جعلت له تأثيراً كبيراً في القرون الوسطى فترجم إلى اللاتينية أولاً ثم إلى العديد من اللغات الغربية. إلا أن الاهتمام به ضعف كثيراً منذ منتصف القرن السادس عشر بعد أن تأكد أنه موضوع.
أضف إلى ما سبق أن تواصل الاسكندر مع أستاذه توقف بعد قليل من اعتلاء الملك لعرش مقدونيا وبدء حملته الآسيوية المضنية، إذ أن الاسكندر انشغل بالتحضير للحملة بينما غادر أرسطو مقدونيا إلى أثينا بهدف تأسيس أكاديميته (ليسيوم) سنة 335 ق.م. أي بعد سنة فقط من اعتلاء الاسكندر لعرش مقدونيا سنة 336 ق.م. وهو لن يجتمع به أبداً بعد ذلك طيلة الفترة الأهم من حياته وهي الحروب الآسيوية التي ستمتد لـ 12 عاماً وحتى وفاة الملك المقدوني سنة 323 ق.م. وبهذا المعنى، فإن الاسكندر الذي أمضى بقية حياته في الجبهات لم يكن ممكناً له أن يستوزر أرسطو، ولهذا فإن المعروف من تأثير الفيلسوف على الاسكندر هو ما يتصل بمرحلة التعليم التي خضع لها الأمير الشاب في صباه. فضلاً عن ذلك، فإن العلاقة بين الرجلين أثر عليها أيضاً النضج السريع الذي اكتسبه الملك الفاتح خلال حملاته واحتكاكه بمختلف أنواع الشعوب وتعرفه على المدى الشاسع لجغرافية آسيا، وقد أدت تلك الاختبارات إلى إغناء الرؤية المستقلة التي كانت للاسكندر، والتي ازدادت نضجاً ووضوحاً مع الزمن.

 

كتاب سر الأسرار المنسوب لأرسطو
كتاب سر الأسرار المنسوب لأرسطو

سر الاسكندر
اعتبر الاسكندر في زمنه ظاهرة تعلو على الطبيعة الإنسانية فقدسه معاصروه من اليونانيين، كما فعلت ذلك أيضاً بعض الشعوب التي أخضعها الملك. وقد اتسع تقديس الاسكندر بعد وفاته ليدخل في العقائد اليهودية والمسيحية، كما اعتبر ذكره المطول في سورة الكهف من القرآن الكريم تثبيتاً لمكانته كمرسل أو كحاكم صالح تعهدت إليه الإرادة الربانية بأعمال محددة في خدمة العباد. واختلطت العقائد الشعبية حول قداسة الاسكندر بعدد كبير من القصص الشعبية التي نسب للاسكندر شتى الخوارق وحوّلته إلى بطل اسطوري، وقد جمعت تلك القصص مع الوقت تحت عنوان «قصة الاسكندر» Alexander Romance، وانتشرت بلغات عدة بما في ذلك العربية تحت اسم «قصة الاسكندر».
وبغض النظر عمّا نسج حوله من قصص بعد حياته، فإن الاسكندر اعتبر أسطورة حيّة في زمانه، كما اعتبر فتحه للعالم القديم بتخومه الشاسعة وتنوع جغرافيته وشعوبه بجيش صغير نسبياً، وفي مدة قصيرة، نوعاً من الخوارق أيضاً. لكن اللافت هو أن حياة الاسكندر تضمنت حسب التدوين التاريخي أسراراً وعلامات عززت المعتقد الشعبي الذي اعتبره رجلاً من رجال الله مؤيداً ومبعوثاً لمهمة معينة وليكون آية للعالمين.
فقد ذكر أن والدته حلمت قبل ولادته أنها تمسك بشهاب من نار في يدها كما حلم والده الملك فيليب أنه وضع ختماً على جسد زوجته وكان الختم عندما تأمله في المنام على شكل وجه أسد. وقد سأل الملك عن مغزى هذا الحلم فقال له بعضهم أن عليه الانتباه لزوجته أولمبياس، لكن أحد مفسري الأحلام المقربين منه أنبأه أن معنى الحلم هو أن زوجته تحمل طفلاً ذكراً سيكون مضرب مثل في الشجاعة والبطولة.
وذكر المؤرخون أن أبرز ما اشتهر به الاسكندر هو الرائحة الزكية لجسده ولثيابه، والتي كانت تفوق في أثرها عبق المسك أو العنبر، وقد حار المقربون من الملك في تفسير سر تلك الرائحة التي لم تفارقه وقد عزاها بعضهم الى طبعه الحار الذي يحرق كل الخبائث، بينما اعتبرها البعض الآخر بكل بساطة علامة على صفاته الملكية وعلى كرامة من السماء تشير بها إلى مقامه وإلى اصطفائه على غيره من البشر.
وقد تخللت حياة الاسكندر أحداث اعتبرت في حدّ ذاتها علامات ملغزة مثل إخضاعه بسهولة وبسلوك ماهر وحكيم للحصان المتمرد بوسيفالوس، وكان بعد صغيراً مما اعتبر إشارة إلى شخصية استثنائية من حيث الشجاعة والحكمة والقوة والتأثير. ثم هناك زيارته بعد اعتلائه العرش للحكيم ديوجينوس ثم ذهابه إلى غورديوم وقطع العقدة الغوردية بسيفه ثم سفره وحيداً على ظهر باخرة إلى مضيق هلسبونت مفتتحاً الحملة على آسيا برمية رمح من الباخرة باتجاه اليابسة، ثم زيارته إلى أطلال طروادة ووضعه أكليلاً على قبر البطل أخيلوس ثم سفره إلى أعالي مصر وسط مخاطر الصحراء لزيارة معبد آمون المصري، حيث أخبره الكهنة أنه سيسود على آسيا والعالم. وذكرت الروايات أن الاسكندر أكرم من القدرة بمطر غزير رافق رحلته وخفف عنه قيظ الصحراء، كما أنه أرشِد إلى طريق المعبد عبر الصحارى بواسطة سرب من الغربان الذي بقي يطير أمامه إلى أن بلغ وجهته.
وأظهر الاسكندر قوى خارقة عقلية مثل قدرته على أن ينادي 3000 من جنوده وقواده كلٌّ باسمه، هناك أخيراً معجزة بقاء الاسكندر على قيد الحياة رغم عشرات المعارك التي خاضها والجراح الخطرة التي تعرض لها. لكن أعظم كرامات الاسكندر التي اعتبرت دليلاً على تأييد كبير له من القدرة كانت شجاعته الاسطورية واحتقاره للموت وانطلاقه بكل حماس لمقارعة الصناديد وأبطال الجيوش، وهو في مقدمة الجيش مرتدياً لباساً مميزاً جعل التعرف عليه ومحاولة قتله سهلين على خصومه. ثم هناك أخيراً ما روي أنه وقبل ساعات من الملحمة الشرسة والفاصلة مع داريوس في غاوغاميلا ذهب إلى خيمته حيث وجده قواده يغط في نوم عميق وهو ما اعتبر في حد ذاته مأثرة عجيبة تدل على إيمان أو يقين بالنصر صعب على كثيرين إيجاد تفسير له في ذلك الزمن.

مدينة-ناوزا-هي-الاسم-الحديث-لبلدة-مييزا--االتي-أنشأ-أرسطو-مدرسته-بالقرب-منها
مدينة-ناوزا-هي-الاسم-الحديث-لبلدة-مييزا–االتي-أنشأ-أرسطو-مدرسته-بالقرب-منها

نذر موته في بابل
كما أن حياة الاسكندر أحيطت بالأسرار، فإن موته أيضاً رافقته ظواهر وأسرار ذات دلالة. فهو عندما أمر جيوشه سنة 323 ق.م. بالاستعداد للتوجه إلى بابل، قابله في الطريق بعض كهنة الكلدان ونصحوه بعدم دخول المدينة لأن ذلك سيترافق بخطر على حياته، كما نُصِح الملك بأن دخول المدينة ووجهه يقابل مغرب الشمس علامة نحس لأنه يشير إلى غروب شمس مملكته، وهو نصح لذلك بدخول المدينة من جهة يواجه فيها مشرق الشمس، وهو ما فعله إلا أن تلك الناحية كانت زاخرة بالمستنقعات وصعبة المسالك ويبدو أنها كانت أيضاً زاخرة بالبعوض وهو أحد الأسباب التي قال العلماء إنها قد تفسر إصابة الاسكندر بالملاريا بعد أيام فقط من دخوله بابل.
تلتقي نبوءة الكهنة الكلدانيين مع نبوءة أخرى حصلت في الفترة نفسها تقريباً من أحد زهاد الهنود العراة المدعو كالانوس. وكان الاسكندر التقى كما يبدو في مناطق الهند النائية بزهاد وحكماء يعيشون في العراء أو الكهوف ويقتاتون مما تجود به الأرض من غذاء، وهو ما جعله يدرك أكثر أن شعوب تلك المناطق ليسوا برابرة بل لديهم إرث غني جداً من الحياة الروحية والحكمة، وأن لديهم بالتالي ما لا يحصى من الحالات من أمثال ديوجينوس اليوناني.
أحد هؤلاء الذين التقاهم كان من منطقة البنجاب وكان قديساً وحكيماً وقد طلب منه الاسكندر أن يرافقه في طريق العودة إلى بابل وأن يبقى في جواره. وفي طريق العودة وكان الاسكندر لايزال بعيداً عن بابل ولم يقرر بعد التوجه إليها أخذ هذا الزاهد الغريب المسمى كالانوس قراراً فاجأ الاسكندر وحاشيته إذ أنبأ الملك بأنه بات كهلاً لا يرجى منه شيء وأنه قرر وضع حد لحياته الدنيوية بواسطة النار. وعبثاً سعى الاسكندر لإقناعه لكن الرجل أصر وقام جنود الاسكندر بناء على طلب الرجل بإعداد محرقة كبيرة تم إيقادها ثم مضى الزاهد الهندوسي إليها رابط الجأش وكان وفقاً لتقاليد مذهبه قد طلى جسده كله بالرماد وجلس وسط النيران كما لو أنه يجلس في هواء عليل حتى اندمج بالحريق واضمحل تدريجياً أمام الأعين المشدوهة للحاضرين. لكن اللافت أن الزاهد الهندوسي قال للاسكندر وهو يتجه صوب النار: «سنلتقي في بابل». وقد حيّرت كلمة الحكيم الهندوسي الحاضرين ولم يفهم مغزاها. لكن وفاة الاسكندر بعد قليل من دخوله بابل اعتبرت تفسيراً كما اعتبرت دليلاً على أن الحكيم كان يعلم غيوب الأمور وأنه تنبّأ بموت الاسكندر في بابل وأراد أن يترك إشارة إليها قبل أن يفارق جسده في سعير النار.

أكثر المجتهدين والمفسرين وكتاب السيرة وعلى رأسهم ابن هشام اتفقوا على أن الاسكندر هو الذي كرّمــــــه القرآن الكــريم بإسـم «ذي القرنين»

لوحة-تخيلية-تظهر-المعلم-أرسطو-يلقي-دروسه-على-الاسكندر-الشاب
لوحة-تخيلية-تظهر-المعلم-أرسطو-يلقي-دروسه-على-الاسكندر-الشاب

خاتمة
توافق أكثر المؤرخين على أنه لو قيض للاسكندر أن يعيش عمراً كاملاً فإن وجه البشرية كان ربما تغيّر إلى الأبد، ذلك أن الاسكندر الأكبر تمكن في سنوات معدودة من أن يحدث ثورة في حضارة العالم فهو فتح الممالك ووحدها وسعى الى مزج الأعراق وأسس المدن ونشر الثقافات وأسس لقيم جديدة في الفضيلة والتآخي البشري، لذلك وبسبب طاقاته الهائلة وعزيمته الجبارة وحكمته وحصافته فإن الاسكندر لو عاش حياة مديدة كان في إمكانه أن يبدل في وجه البسيطة ما يعجز عن تصوره أي إنسان وأن يجعل فيها نظاماً حضارياً جديداً ومديداً.
لكن لله الحكمة البالغة وهو القائل
} ولو شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ{
(هود: 118)
}لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ{ (المائدة 48). لقد كان الاسكندر متحركاً بحس الرسالة والدور التاريخي وكان يعتقد واثقاً أن لديه من الإدراك والوسائل لتحقيق تلك الرؤية السباقة لكن كان من الواضح أن لله في خلقه أمراً آخر، ولهذا السبب ربما فإن هذا البطل الذي خاض أقسى المعارك وأخضع العالم ولم تقوَ عليه السيوف والنبال مات شاباً في أوج انتصاراته على يد بعوضة (بمرض يعتقد أنه الملاريا) ولم يقيّض له بالتالي أن يرى تحقق حلم البشرية الواحدة، وفي ذلك عبرة وتذكير من الله جل وعلا بأنه فعّال لما يريد وإنه هو الذي } يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{ (السجدة:25).

من أقوال الاسكندر الأكبر الخالدة

أنني أفضل أن أتفوق على الآخرين بالمعرفة والكمال على أن أتفوق عليهم بجبروتي واتساع ملكي.
لا يوجد مستحيل لذاك الذي يبذل جهده.
قالها وهو يتقدم صفوف الجنود في الهجوم على قلعة محصّنة
إن من أشد أنواع العبودية على الإنسان هو الارتهان لسهولة العيش وأن الأخلاق الملكية هي أخلاق العمل والجدّ.
في تعليق له على انغماس بعض أصحابه في الرفاهية ومتعها
مخاطباً الأموات والقتلى بعد معركة شيرونا التي انتصر فيها الجيش المقدوني على تحالف الممالك اليونانية:
أيتها الأرواح اللطيفة للأموات، لست أنا من يتحمل مسؤولية مصيركم البائس والمرير بل هي الخصومة الملعونة التي تجعل الشعوب الشقيقة تقاتل بعضها بعضاً. لا أشعر بالسعادة لهذا الانتصار بل على العكس إنني كنت سأسعد لو رأيتكم جميعاً واقفين إلى جانبي باعتبارنا أمة عظيمة توحدها اللغة والدم والنظرة الواحدة للكون.
لست ممن يأخذ النصر خلسة أو يسرقه.
قالها رداً على اقتراح قائد جيشه بارمنيو شنّ غارة ليلية على معسكر داريوس بهدف كسب المبادرة وتشتيت الجيش الفارسي قبل طلوع شمس يوم القتال.
عندما وصلته رسالة من داريوس يعرض عليه تقاسم مملكته مقابل عقد الصلح وإعادة أسرته الأسيرة إليه، نصحه قائده بارمنيو بقبول العرض قائلاً: لو كنت الاسكندر لقبلت العرض. وقد ردّ الملك على الفور: وأنا لو كنت بارمنيو لقبلت العرض!!. وفي هذا الجواب المفحم إشارة إلى الفارق بين الملك صاحب الرسالة والرؤية والشجاعة وبين القائد العسكري المفتقد لجسارة وبصيرة الملوك.
عندما دعاه أصدقاؤه، وكان بعد أميراً فتياً، لدخول المباراة الأولمبية وقد كان أسرع أقرانه في الجري، أجاب الاسكندر على ذلك بأن سأل: هل الذين سينافسونني في المباراة ملوك؟ فلما أجيب بالنفي قال إن سباقاً كهذا لن يكون عادلاً لأني لو ربحت فسيكون ذلك فوزاً على أحد عامة الناس وإن خسرت فسيكون ذلك خسارة لملك.
قبل معركة أيسوس توجه الاسكندر إلى جيشه بهذه الكلمات:
«إن خصومنا الميديين والفرس هم رجال اعتادوا عبر القرون حياة الرفاه والنعومة أما نحن المقدونيين فقد تربينا منذ أجيال في المدرسة الصعبة للمخاطر والحروب، أضف إلى ذلك أننا قوم أحرار أما هم فمن صنف العبيد. صحيح أن هناك يونانيين يقاتلون في صفوفهم لكن شتان بين القضية التي يقاتلون من أجلها وهي المال والقليل منه وبين قضيتنا التي نذرنا لها أنفسنا وهي قضية اليونان. إن جيشنا الذي يضم أقوى وأصلب المحاربين في أوروبا سيجد في مواجهته جيوشاً هشة ضعيفة العزيمة،كما أن جيشكم هو بقيادة الاسكندر أما جيشهم فقائده داريوس!!»
لأنني اخترت أن يكون هدفي دمج ما هو أجنبي بما هو يوناني وأن أفتح القارات وأنقل إليها روح الحضارة وأن استكشف أقاصي الأرض والبحار وأن أوسع حدود مقدونيا باتجاه المحيطات البعيدة وأن أنشر وأعمم بركات الحضارة اليونانية وعدالتها على جميع الأمم، فإنني لم أقبل الجلوس الهانئ في نعم السلطة والثروات بل اخترت أن اتشبه بتقشف ديوجينوس الحكيم وقوة وصلابة هرقل وأن اتبع خطى برسيوس وديونيسيوس وهو الأب الروحي لعائلتي. وكلي أمل بأن أرى اليونانيين المنتصرين يحتفلون في بقاع الهند ويحيون تقاليدنا الرائعة بين قبائل وشعوب القوقاز وما وراءها.
مر بتمثال لمؤسس الإمبراطورية الفارسية قورش الكبير سقط أرضاً فخاطبه بالقول: هل أخلفك ورائي وأتركك ملقياً على الأرض بسبب الحملة التي جردتها على اليونان أم هل أرفعك وأعيدك إلى مكانك بسبب عدلك وما اشتهرت به من فضائل؟
اقترح عليه أحد المعماريين إنشاء مدينة بإسم الاسكندر في مكان اعتبره غير مناسب لأنه يقضي على بقعة خضراء وجميلة قال:
إنني أقدر عالياً تصميمك وقد سررت فعلاً به لكنني أخشى أن من سيجد مدينتك هذه في المكان المبين سيحكم عليَّ بالشطط و بسوء التقدير. إذ أنه كما أن الطفل الرضيع لا يمكنه العيش من دون حليب الأم أو أن ينمو ليبلغ المراحل التالية من الحياة، كذلك فإنه لا يمكن لمدينة أن تزدهر وتحيا من دون الحقول الخضراء والبساتين التي تدفع الثمار إلى داخل أسوارها.

هنا-جلس-الإسكندر-للدرس-مع-أرسطو
هنا-جلس-الإسكندر-للدرس-مع-أرسطو
مدينة-ناوزا-هي-الاسم-الحديث-لبلدة-مييزا--االتي-أنشأ-أرسطو-مدرسته-بالقرب-منها
مدينة-ناوزا-هي-الاسم-الحديث-لبلدة-مييزا–االتي-أنشأ-أرسطو-مدرسته-بالقرب-منها

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading