الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

السبيل إلى التوحيـــد

السبيـــل الــى التوحيــــد

مشيخـــة العقـــل تنشـــر دليـــل المهتميـــن والطالبيـــن
للتعـرُّف علـــى مرتكـــزات الإيمـــان والسلـــوك التوحيدييـــن

تتابع مجلة “الضحى” في هذا العدد نشر فصول أول إصدار مرجعي تنشره مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز بهدف تنوير المهتمين والطالبين من أبناء الطائفة وغيرهم من أبناء الجماعات الروحية المهتمين بالإطلاع على موجز سهل يبيِّن أسس المسلك التوحيدي الدرزي وثوابته الروحية والأخلاقية.
وفي ما يلي الحلقة الثالثة من هذا الإصدار المهم على أن يتبع ذلك نشر الحلقة الأخيرة في العدد المقبل، علماً أن مشيخة عقل الطائفة تستعدّ لإعادة إصدار هذا النص المرجعي باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، وذلك في طبعة مراجعة ومنقحة، ويؤمل أن يساهم هذا العمل الأول من نوعه في سدّ ثغرة مهمة في إيضاح أسس المذهب وإزالة الكثير من اللبس والأفكار الخاطئة التي نجمت عن غياب النصوص وغلبة المواقف والاجتهادات والتأويلات غير الدقيقة أحياناً.
وفي يلي الحلقة الثالثة:

[su_accordion]

[su_spoiler title=”الفصل الخامس: خلاصة مفهوم مذهب التوحيد” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الرؤية أو المُشَاهَدَة
علَّمَ جِبريلُ النَّاسَ دِينَهُم لمّا أتى النَّبيَّ  رجُلٌ بينَ النّاس قَائِلاً: “مَا الإيمَانُ؟ قالَ: الإيمَانُ أن تُؤمِنَ بِاللهِ، وَمَلائكتِه، وبِلِقائِه، وَرُسُلِه، وتُؤمِنَ بِالبَعثِ. قال: مَا الإسلامُ؟ قالَ: الإسلاَمُ أن تَعبُدَ الله ولاَ تُشرِكَ بِهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤدِّىَ الزَّكاةَ المَفرُوضَةَ، وتَصُومَ رَمَضَانَ. قالَ: مَا الإحسَانُ؟ قالَ: أن تعبُدَ الله كأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لمْ تكُن تَراهُ فإنَّهُ يَراكَ” (البخاري)، والإحسان هو التوحيد.
وفسَّرَ ذلِك ابنُ القّيِّم، قَال: “هُوَ ألاَّ تُزَايِل المُشَاهَدَةَ أبَدًا، وَلاَ تَخلِط بِهِمَّتِكَ أحدًا” (مدارج السالكين). وَالحقِيقَةُ الَّتي لاَ تغِيب عنْ قَـلبِ المُوَحِّد هِيَ أنَّ الله نُورُ السَّمَوات وَالأرض (النور 35)، وَأَنَّ مَنْ لم يجعَل اللهُ لهُ نُورًا فَمَا لهُ مِن نُور(النور 40)، وَأنَّ هَذِه اللَّطَافة اللَّدُنيَّة لاَ يُدرَك استِبصَارُهَا إلاَّ بِسلُوكِ السُّبُل المُستقِيمَة، وَتحقِيق الفضائِل الشَّريفَة، وبَذل الذّات فِي صَالِح الأعمَال، وحَميد الأحوَال سَعيًا إلَى وَجْه الله لقَولِهِ فَأينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ الله(البقرة 115)، وَلِقولِهِ عزَّ مِن قَائِل ذَلِكَ خَيرٌ لِلَّذِينَ يُريدُونَ وَجهَ الله(الروم 38). وهَذا السَّعيُ المُبَارَك سُمِّيَ فِي الكِتابِ العَزيـز كَدحًا، فِي قولِهِ مِن سُـورَة الانشِقاق يَا أيُّهَا الإنسَانُ إنَّكَ كَادِحٌ إلَى ربِّكَ كَدحًا فَمُلاقِيه(الانشقاق 6)، وهُوَ الرِّضَى أعظَم الثَّواب. وأجلُّهُ فِي الآخِرةِ مَا وَرَدَ فِي الذِّكر الحَكِيم وُجُوهٌ يَومَئذٍ نَاضِرَة * إلَى ربِّهَا نَاظِرَة (القيامة 22-23).
إن اصل الاعتقاد لدى الموحدين هو الاقرار بوجود الله عز وجل واهب الوجود، وجوداً حقيقياً محضاً دائماً قائماً بذاته لأنه الحي القيوم الذي لا يشوبه العدم ولا يعتوره التعطيل. قال تعالى: قُـلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (الإخلاص).
ثم تنزيه الذات العلية عن الماهية، وتقديس صفاته تعالى عن الكيفية، وأن الوجود لا يخلو منه طرفة عين وما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم ولا خمسة إلا وهو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا وهو معهم (المجادلة 7) وجوداً متعالياً عن الحد والكمية.
وأن معرفة الله عز وجل هي أعظم المفترضات وأجل المذدخرات.
ولا بد للعبد من معرفة معبوده، وللمخلوق من تسبيح خالقه، وللمرزوق من حمد رازقه، معرفة جزئية وإدراكاً محدوداً من حيث الإنسان لتقوم الحجة وتتم النعمة.
وفي مسلك التوحيد فعبادة الله عز وجل شوقاً إلى رؤيته في الدار الباقية أسمى أهداف العبادة، كما قالت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ر) ساعة النزاع: إليك ربي لا إلى النار، ولم تقل إلى الجنة.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=” الفصلُ السادِس: قواعد الحَلال والحَرام” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

عرفت كثيرٌ منَ الشّعوبِ القدِيمَة العديدَ منَ أنواع الإباحَات التي ساهمَت في نهَايةِ المَطافِ في انحِطاطِهَا وتهافُت بنيانهَا. فكانت الرِّسالات السماويَّة شِرعةً ومِنهاجًا (المائدة 48)، أخرجَت شعوبًا بأسرِهَا مِن ظلمات الجَهل إلَى نُور الحضَارات الإنسَانيَّة المَشهُودَة. وكانَ أمرُ الحلال والحَرام والتَّمييزُ بينهُمَا، فِي كلٍّ منهَا، قوامَ الدِّين، ودَلِيلَ الإيمَان، ومِيزان الصِّدق الَّذي بهِ يصِحُّ مسلكُ المَرء أو يلتبس عليه. إنَّ الله سبحانَهُ وتعالَى، أرادَ بالتَّحليل والتَّحريم الرَّحمةَ بعبادِه لحِكمَةٍ منهُ بَالِغَة متعلِّقَة بِخَير النَّاس أنفسهم، فلم يُحِلّ سبحانه إلا طيِّباً، ولم يُحرِّم إلا خبيثاً، يُريدُ اللهُ بِكُم اليُسرَ ولاَ يُريدُ العُسرَ (البقرة 185)، إنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيم (البقرة 143).
إنَّ مِن واجبَاتِ المُوحِّد شَرعًا حِفظَ العَقل، وحِفظَ النَّفس، وحِفظَ المَحَارِم، وحِفظَ الدِّين، وحِفظَ المَال، لأنَّ بِهَذِهِ العَطَايَا تستقيمُ الحيَاة، وبِهَا يكونُ المرءُ قادِرًا علَى تحقيق الغَاية مِن وُجُودِه وفق قوله تَعَالَى يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ ويَنهَاهُم عنِ المُنكَر ويُحِلُّ لهُمُ الطَّيِّباتِ ويُحَرِّمُ علَيهِمُ الخَبَائِثَ (الأعراف 157).
إنَّ قواعِدَ الحلال والحَرَام تُستمدُّ مِن كِتابِ الله المُبِين الَّذِي يفصل بينَ الحقّ وَالبَاطل، والَّذي هوَ هُدًى لِلنَّاسِ وبَيِّنَاتٍ منَ الهُدَى والفُرقَان (البقرة 185)، لِذَلِكَ، فإنَّ الحَلالَ مَا حلَّلهُ اللهُ تَعالَى الحَكيمُ العَليم، والحَرام مَا حرَّمَه عزَّ وجلّ، وَاللهُ يقولُ الحقَّ وهُوَ يَهدِي السَّبِيل (الأحزاب 4).

المأكل والمشرب
يُشدِّدُ الموحِّدون على ضرورة السَّعي لكسب الطَّعام والرِّزق الحلال لقولِهِ سُبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقنَاكُم وَاشكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ (سورة البقرة 172). فأمّا الحرام فِي مسألَةِ المأكَل والمَشرب عندهُم فهُو معيَّنٌ فِي آياتٍ كَريمَة منها:
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيكُمُ المَيتَةَ وَالدَّمَ وَلَحمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيرِ اللَّهِ (سورة البقرة 173)، وَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلَامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُـفلِحُونَ (سورة المائدة 90).
ومِنَ الواجبِ أيضًا عندَ الموحِّدين الدّروز ذِكر اسم الله سبحانه وتعالى عند بداية تناول الطعام، وفي كل موقف يتوجَّب ذكره، ومنها ذبح الأنعام والمواشي وذلك لقوله تعالى:
وَما لَكُم أَلاَّ تَأكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسمُ اللَّهِ عَلَيهِ (سورة الأنعام 119)، فإنّ ذكرَه تعالى عند ابتداء تناوُل الطَّعام هو تذكُّر وشكر لنِعم الله عزَّ وجلَّ الَّتي لا تُعدُّ ولاَ تُحصَى، وكذلك عند الذبح لأن الذبائح لا تحلّ إلا باسم الله وحده.
الزَّواج
تضمَّن قانونُ الأَحوَال الشَّخصِيَّة لِطائِفة المُوحِّدِين الدّروز العديدَ من القَواعدَ المتعلِّقَة بقضَايا الخطبة، والزّواج، والطّلاق، والحجر، والوِصَاية، والوَصيَّة، والإرث وغيرها. وقد اعتمَدَت تشريعَاتُ الزَّواج علَى ما وَردَ فِي القرآن الكريم مِن آياتٍ طيِّبات، ومَا وَردَ فِي الحَدِيث الشَريفِ مِن الحَثِّ علَى الزَّواج وضوابطِه. وقد تمَّ اختِيار مسلك التَّحفّظ والحيطة فِي مسألة تعدُّد الزّوجات، فاعتُمِد الاكتِفَاء بِالزَّوجَة الواحدة استناداً لقولِه تَعالى: فَإِنْ خِفتُم أَلاَّ تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً (النساء 3)، ثمَّ قالَ عزَّ مِن قائل وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ (النساء 129). كذلِك تمّ اعتمَاد عدم جواز إعادة المطلقة اجتهاداً إلى إمكانية الوصول للطلاق البائن والنهائي بعد مراعاة كامل التدرج في معالجة الخلاف الزوجي وفقاً للآيات التفصيلية الواردة في سورة النساء(34-35).

المحَارِم
إنَّ مَا يحرُمُ التزوُّج بهنَّ مِنَ النِّسَاءِ عندَ المُوَحِّدِينَ مُعيَّنٌ فِي الآيةِ الكَريمَةِ مِن سُورةِ النِّساء: حُرِّمَت عَلَيكُم أُمَّهَاتُكُم وَبَنَاتُكُم وَأَخَوَاتُكُم وَعَمَّاتُكُم وَخَالاَتُكُم وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُختِ وَأُمَّهَاتُكُم اللاَّتِي أَرضَعـنَكُم وَأَخَوَاتُكُم مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُم وَرَبَائِبُكُم اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِن نِسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلتُم بِهِنَّ فَإِن لَّم تَكُونُوا دَخَلتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيكُم وَحَلاَئِلُ أَبنَائِكُم الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُم وَأَن تَجمَعُوا بَينَ الأُختَينِ إَلاَّ مَا قَد سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا(سورة النساء 23).
كذلك تحرُم المَرأة المتزوِّجَة مَا دَامت فِي عِصمَة زَوجِها، وتحرُم المَرأة الَّتي لم تَستوفِ عدَّتها (أربعة أشهر) إما بطلاق من زوجها أو موت. وكذلك زَوجة الأب، فإنَّها تحرُم على ابنِ زوجها كمَا جاءَ في الآيةِ 22 من سُورَة النِّساء.
وعَدَّ الموحِّدون الزِّنَى مِنَ الكبائِر الَّتي يؤدِّي ارتِكابُهَا إلَى الضَّرر الروحيّ البَالِغ، لِذَلِك فهُوَ مُحرَّم استِنادًا فِي الأصلِ إلَى الرسالات السماوية ووَصَايا الأنبِيَاء، وأيضًا لِمَا يُمكِن أن يترتَّبَ عليهِ مِن اختِلاطِ الأنسَاب، وانحِلال الأُسَر، وتفكُّك الرّوابِط، وانتِشَار الأمراض، وأيضًا، لِمَا يُسبِّبُه مِن انطماسِ بصيرَة مُرتكبه الَّذي يعدم اكتِسَاب لطافَة الفائِدة الرُّوحيَّة، “فلا يستـلذّ بِكلامِ الحقّ، ولاَ يستحلِيه، وإن كثُر تردادُهُ علَى لِسَانِه” كمَا ذكرَ الشَّيخُ الفَاضِل.
إنَّ اللائقَ بالمرأةِ الموحِّدَة، وفقًا لأدبيَّات الثِّقات، أن تكونَ عاقـلةً، رصينة، عفيفة، ذات حيَاء، صادقة، تصون كرامتَها بشجَاعة، وتتجنَّب كلَّ مَا قد يُسيء إليها من اختلاءٍ بغير محرم، أو مِن لباس غير محتشم. وتكونُ متمسِّكةً بواجباتها العائليَّة والدينية، ملتزمةً بشروط الزّواج والإنجاب والتربيَة الصَّالِحة. وفِي كلِّ حال، تكون مستشعِرةً وجُود الخالق، متشوِّقة إلَى اكتِساب المعرفَة اللطيفة لتُضيءَ سِراج سجايا الخَير فِي روحِهَا، ويكون باستِطاعتِهَا تفهُّم المعانِي السَّاميَة للتربيَة المستقيمَة.
إنَّ غايةَ الحرِّيَّة فِي المفهوم التَّوحيديّ أن يحقِّـقَ الإنسَانُ فضِيلَةَ ذاتِه بالحقّ، كمَا جاء فِي قول السيِّد المسيح “إعرفُوا الحقَّ والحقُّ يحرِّرُكُم”.
ومِنَ الأمُور الَّتي تدخُل فِي بَابِ ارتِكابِ الحَرام كلّ أنواع العلاقات الشَّاذّة كالزّواج المِثـلي، والمَساكَنة وغيره. وبالإجمال، فإنَّ الرؤيَة الأخلاقيَّة لِلموحِّدِين، مِن حيثُ هيَ مرتبطةٌ ارتِباطًا وثيقًا وضروريًّا بقاعدَة الترقِّي فِي العُلوم المُثمِرَة، واقتِبَاس اللطائف العقـليَّة السَّاميَة، واستِخدَام الجَوارح فِيمَا خُلِقَت لهُ مِن دون انزلاقٍ فِي الإفراطِ المؤذِي، والتَّـلهِّي فِيمَا يطمس بصيرة القـلب، كلّ ذَلِكَ يُسهِمُ فِي تحدِيد الموقف أيضًا مِن أمُورٍ متعدِّدَة منهَا عدم الاحتشام في اختِيار الأزيَاء والألبِسَة، خصُوصًا عندَ النِّسَاء، ومِنهَا الاختِلاء بينَ الجِنسَين مع عدم وجُود محرم، ومِنهَا أيضًا الموقف مِنَ القَضايَا المندرجَة تحت عنوان “الأخلاق الطبِّيَّة” مثل الإجهَاض، والموت الرَّحيم، والاستِنسَاخ وما شَاكَل، وكلّهَا تُعتبَر دخُولاً فِي بابٍ من أبوابِ الحرام.
أمّا في ما يتعلَّق بالأولاد، فإن نسبَهُم يعُود إلى والدِهم، ويُنسب الولدُ إلى والدَيهِ المتزَوِّجين زواجاً شرعيّاً. أمّا فكرة التبني فقد تمَّ رفضهَا فِي أوساطِ الموحِّدِينَ الدّروز، لما يُمكِن أن يترتَّبُ عنهَا من مشَاكل أسريَّة.

المخدِّرات
المخدّرات آفَة محرَّمَة لِما تسبِّبُهُ من أضرار صحيَّة وعقـليَّة وروحيَّة وأدبيَّة واقتصاديَّة واجتماعيَّة، والرَّسول  يقول: “لا ضَرر ولا ضِرار”، لذلك تحرّم المخدّرات بمشتقاتها، بقاعدة دفع الشرّ وصدّ ذرائع الفساد.
يَستشعِرُ العدِيد من مؤسَّسات المجتمعِ المدنيِّ أخطار هذه الآفَة المتفشِّيَة فِي المجتمَعَات المُعاصِرة، ويعبِّرُ أهلُ الاختِصَاص عَن المدى الخطِر الَّذي تستحضِره المُشكلة، وكمَا يقولُ أحدُهم: “إنّ المخدِّرات تهلك الأرواح والمجتمعات، وتقوِّض التنمية البشريَّة المستدامة وتولِّدُ الإجرام، وهي تمسّ جميعَ قطاعات المجتمع في كلّ البلدان مؤثّرة على وجه الخصوص في حرّية ونموّ الشباب الذين يمثّلون أغلى ثروة يملكها العالم… ليس للمشكلة بُعدٌ شخصيّ بل أيضًا أبعاد اقتصاديَّة واجتماعيَّة وثقافيَّة وسياسيَّة بحيث يُصبحُ تنفيذ استراتيجيَّة خلق ثقافة مضادّة للمخدِّرات جزءًا لا يتجزّأ من تنفيذ الاستراتيجيّات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والتعليميَّة والصحّيّة والثقافيَّة.”
عُقدَت العديد منَ المؤتمَرات الإسلاميَّة لمعالجَة تحدِّيات هذه الآفّة. وَتمحورت مقرراتها حول مفاهيم إصلاح نظام التعليم والتربية، ودعوة الأسرة إلى النهوض بواجبها، ورعاية الشباب، وإنشاء مركز علمي دولي للأبحاث وما إلى ذلك، وَصعَّدت اللهجة لدى حديثها عن المهرّبين والمروِّجين والمتاجرين مطالبة بتوقيع أقصى العقوبات عليهم.
وفي الرؤيَة الأخلاقيَّة التَّوحيديَّة، يُعتبَر العقلُ والجسَدُ مِن نِعَم الله الكُبرَى، لِذلِك كان واجب الحفاظ علَى سلامتهما منَ الفَرائِض اللازمَة، لارتِبَاط ذلك بصحَّة المسلك ذاته. إنَّ مَا يؤذِي العقل بالتشويش عليه، وبتعمُّدِ تعطيل حركتِه الفِكريَّة، وقدرتِه علَى الاستنباط والتحليل، لَهُو أمرٌ لا يقرّهُ دِينٌ، ولاَ يسلِّم بهِ قانُون. كذلِك، فإنَّ تـلويثَ بيئَة الجسَد بفِعل استِخدام المواد المخدِّرَة هوَ هدمٌ للنِّعمَةِ المُعطاة للإنسَان، وتدميرٌ لمستقبل الحياةِ، والارتِمَاء فِي هَاويَةٍ لاَ يسلمُ مِنهَا إلاَّ ما رحم الله عزَّ وجلّ. وفِي كلِّ حَال، فإنَّ هذه المسألة تتطلَّب تضافُر جُهود الجميع لدرء خطرهَا، والحدّ من انتشارِهَا، ورعايَة ضحاياهَا بردِّهِم إلَى الثِّقَة بالحياة، والاقتِصَاص منَ المُتاجِرين بهَا بما يصون المجتمع مِن شرِّهِم.

التّدخيـن
مضار التدخين (وإدمان النارجيلة) يتفاقَم فِي ناحيتين: إتلاف الجِسم وإسقامه، وذهابه بالمال وإهداره. وبما أنه منَ الثَّابت علمياً وطبياً بما لا يدع مجالاً للشك وقوع ضرر التدخين بالنفس والمال، وقد جعلهما الله وديعتين عند كل إنسان، فإن المسؤولية بين يدي الله تعالى عنهما يوم لقائه مسؤولية كبرى.

الأمور الاجتماعية
أما في ما يتعلق بالأمور الاجتماعية، فإن تاريخ وتراث هذه الطائفة الشريفة هو خير شاهد على مدى تأصل أبناء طائفة الموحدين الدروز بالعادات والتقاليد والتراث العريق والقيم الإنسانية النبيلة. هذه القيم لا تتبدل في زمان أو مكان سواء في التاريخ القديم أو الحضارات المعاصرة.
وقد شدَّدت تعاليمُ الموحِّدين وأدبيّاتهم على ضرورة الامتثال بالمثال الأخلاقي، والالتزام بالفضيلة مسلكياً وعملياً، وبالتالي اجتناب الكثير من الأفعال والأقوال المنافية للأخلاق والقيم والآداب الإنسانية: كالقتل (الجائز منه الدفاع عن العِرض والنفس والمال)، والانتحار، والسرقة، وشهادة الزور، والظلم (البغي)، والغيبة، والنميمة، والخيانة، والتجسّس، والرشوة، والغش، والرياء، والفحش، والغدر، والكذب، والتعصب، والحسد، والربا، وارتكاب الذنوب، والتعدي على مال اليتيم، والتعدي على مال الأوقاف، كلها أمور محرّمة عند الموحدين الدروز عملاً بحدود الدِّين الحَنيف.
أما في موضوع وهب الأعضاء، فإنّه يُترك للموحِّد اتخاذ القرار المناسب من خلال قاعدة التخيير في الأعمال وقاعدة اكتساب الخير والشر من خلال جوارح الإنسان، وبعد الاطّلاع علَى توصِيَات المؤتمرات الطبيَّة الشّرعيَّة استئناسًا وتبصّرًا.
الإيصاء والإرث
قالَ اللهُ سبحانه وتعالى في كتابِه العزيز كُتِبَ عَلَيكُم إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوتُ إِن تَرَكَ خَيرًا الوَصِيَّةُ لِلوَالِدَينِ وَالأَقرَبِينَ بِالمَعرُوفِ حَقًّا عَلَى المُتَّقِينَ (سورة البقرة 180).
إنَّ الموحدين الدروز انطلاقاً من هذه الآية يرون أنَّ الوصيَّةَ واجبةٌ على كل مُوحِّد، ويتميَّزون في حريَّة الإيصَاء وفقاً لقاعدة التخيير في الأعمال.
فِي حال عدم وجود وصية، يُعتمد في توزيع الإرث على المذهب الحنفي. وقد نصَّت المادة171 من قانون تنظيم شؤون طائفة الموحدين الدّروز الصادر بتاريخ 24 شباط 1948 علَى مَا يلي: “إنَّه في جميع المسائل الداخلة في اختصاص قاضي المذهب والتي لم يرد عليها نصٌّ خاص في هذا القانون يُطبِّق القاضي المُشار إليه أحكام الشَّرع الإسلامي، المذهب الحنفي، وجميع النصوص القانونية التي لا تتعارض مع الشَّرع الإسلامي”.

[/su_spoiler]

[su_spoiler title=”الفصل السابع: البُعدُ الإنسانيّ الكونيّ” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

الحقيقةُ هيَ مِرآةُ الموحِّد في غايةِ القصْد. لِذا، فإنَّ قـلبَهُ ولِسانَهُ وجميعَ جوارحِه متَّحِدَةٌ في انسِجام لطيف لا تشوِّشُ عليهِ التباسَات المُركَّب. والتَّركيب يتأتَّى مِن التناقض الناتِج عن الفرق بين مضامين العِلم وَواقع الأفعال، واختِلاف النَّوايا عَن ظاهر المَسالِك، والرّكون إلى نسبيّة الرؤية من أجل أن يصِيرَ ثوبُ الحَقيقةِ على قِياسٍ خاص. فلا عجبَ إذن أن يكونَ الصِّدقُ سيِّدَ الخِصال الحَمِيدة المَطلوبَة، وحُسن الخُلُق قاعِدة أساسيَّة لتهذِيب الأخلاق، وتصفيَة القـلب، واكتساب المزايا الشَّريفة.
المُوحِّدُ تعلَّمَ بعقله وقلبه وحسه أن يميِّز ويتفهَّمَ الفضِيلَةَ ويثقَ بهَا مِن حيثُ أنَّ بِهَا وحدها تتحقَّق وحدةُ النَّفس المتَّزنَة الَّتي بهَا يكونُ الإنسانُ إنسَانًا بالمَعنى الأسمَى المتعلِّق بالغَايةِ مِن وجوده. وإنَّ من شأنِ هذَا التحقُّق الأشرَف أن يهبَهُ قوة الإدراك، والوعيَ، والرّزانَةَ، وسكون الرُّوح المطمئنة، والاستِقرار الداخليّ الَّذي هوَ حَاجَةٌ عزيزَة فِي قـلبِ عالَمٍ مُتأرجِح يعبُر أكثر عصُوره اضطرابًا والتبَاسًا ونزوعًا مُقـلِقًا نحوَ دوّامةِ النَّزَق واللجَاجةِ وتهافُت الغرائز. يُدرِكُ المُوحِّدُ سرَّ النِّعمَةِ والفَضل فِيمَن أتَى يُزَكِّيهِم ويُعلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكمةَ (آل عمران 164)، ويوقِـنُ بأنَّ مَن يُؤتَ الحِكمةَ فَقد أُوتِيَ خَيرًا كثيرًا (البقرة 269)، لِذَلِك، فهُوَ لا يفوِّتُ فرصَةَ التَّعـلُّم، وطَلَب الفائِدَة، واكتِسَاب المَعرفَة، لا لمُجرَّدِ أخذ العِلم، بَل لاستِدراك الأمر الإنسَانيّ المُلِحّ، والتَّحلِّي بِخصَال الخَير الَّتي تُنير القـلبَ والعقـلَ، وتأخذ بِيدِ الإنسَان بكلِّ عَطفٍ وحُبّ فِي أيِّ مكان وزمَن، الَّذي إنْ خذلته مَصاعبُ الحيَاة، وأوحشتهُ الأكدار، ونغَّصَت عليه عيشَهُ الهُمُوم، فلسَوفَ يجدُ فِي فَائِدةِ تِلك الخِصَال ملاذَه وسنَدَهُ وسبيلَ الخَلاص.
تمثِّـلُ حركةُ الإفادَة والاستفادَة فِي المعرفَة التوحيديَّة أصلاً راسِخًا من أصُول المسلك الصَّحيح، حيث أنَّ التَّعلِيمَ المُثمِر ينمو بالتربيَة الحسنة والمُذاكَرة وحُسن الرِّعايَة. إنَّ فِي صمِيم غاياتِ التَّربيَة بِشكل عام، إنضاج الشَّخصيَّة الإنسَانيَّة السَّويَّة المُتمكِّنَةِ بقوَّة سجاياها الخَيِّرة من مواجَهَة مخاطِر وقوع الأبناء الأعزَّاء في مزالِق الابتذال، والسطحيَّة، وضعف التَّدبير، وفقدان التَّمييز بين ما هوَ خيرٌ، ومَا هوَ مُؤذٍ وضار.
يقولُ الأميرُ السيِّدُ (ق) فِي رسالةٍ لهُ لأحد الأفاضِل مَا معناه أنْ ليسَ ثَمَّ غُربَة إلاَّ بالحُجبَةِ عن الحقّ، لأنَّ المُحِقِّينَ غُربتُهُم هيَ حُجبتُهُم عن اقتِباسِ أنوار الحَقيقَة، فالغُربَة هي الانقِطاعُ عن مَعرفَةِ الله، والانصِرَافُ عن فائِدَة العقـل، والرّكون إلَى الغَـفلة. إنَّهُ بالعَودةِ إلَى المفاهِيمِ البسيطَة الصَّادِقَة الجَوهريَّة، والسَّعي في إيقاظِ معناهَا فِي النُّفوس، لهُوَ أشرف الأعمال وأجلّها، لأنَّ انشغَالَ المَرءِ فِي تَهذيبِ نفسِه وجَوارحِه بنيَّةٍ صادِقَة، يكشِف بصيرتَهُ، ويُسدِّد عـقلَهُ، ويثبِّتُ روحَه فِي الحقّ، وهذا غايةُ الكمال الإنسَانيّ.

[/su_spoiler][/su_accordion]

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading