الخميس, نيسان 25, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, نيسان 25, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الصفحة الأخيرة

الندم

حياة الإنسان قصيرة لكن قلما يَنتبِه لذلك إلا بعد فوات الأوان.

في هذه الأيام كل شيء موجّه لاستدراج الفئة الشابة من الناس. يصنعون لهم ما لا يحصى من الأشياء ويدفعونهم دفعاً وبشتى الوسائل للغرق في دوامة الأغراض والارتهانات. بعض الشباب ينتبه أحياناً إلى أنه يُساق مثل الخراف ويحاول امتلاك زمام نفسه لكنه لا يلبث أن يسلّم بأن ما كان قد كان وأن دولاب الحضارة المادية لا يمكن وقفه.

تكاثرت الأغراض وثقلت وطأتها على الناس الذين من أجل الاستحواذ عليها يبذلون النهار والليل ويضحون بساعات النوم ويركضون في كل اتجاه. لكن مَن مِن أهل الزمان يسأل نفسه ولو لربع ساعة في اليوم : من أنا؟ ولماذا خلقت في هذا الوجود اللانهائي؟ ما هي علاقتي بخالقي الذي أوجدني وأوجد كل شيء؟
– ماذا تعلّمت من الحياة؟
درست إدارة الأعمال؟
– وماذا غير ذلك؟
عملت في الخليج وتزوجت
لكنك الآن في أواخر الأربعينات أو مطلع الخمسينات والزمن يركض، هل هيّأت شيئاً آخر لراحة نفسك؟
مازال هناك وقت وسنرى في ما بعد، الآن أنا مشغول كثيراً ولا وقت لدي للتفكير بهذه الأمور.

هذه هي حال أهل الزمان خصوصاً الشباب الذي يعيش الواحد منهم ليومه كما لو أنه سيعيش أبداً. وعندما تمرّ السنون ويبدأ بياض الشيب يرتسم في مفرق الرأس ويجتاز الرجل أو المرأة الخمسين من العمر حتى تبدأ الاستفاقة المرة. لقد مضى زمان الفتوة أو الجمال وهجم الوقت هجمة واحدة على الجسد والفكر. عندها يستفيق المرء على حقيقة أنه سيفنى وفي وقت أقرب مما كان يظن. يتحول كبرياء الماضي والثقة اللامتناهية بالغد إلى خوف من الغد وتصبح ساعات النوم مختلطة برؤى مفزعة أوبظلمة المجهول وتصبح كل سنة جديدة تمرّ مثل خطوة أخرى نحو خط النهاية.

عندها ربما يفتح البعض منّا أعينهم على حقيقة أنهم “عبيد زوال” -على حد قول عقالنا- وأنهم باتوا أقرب إلى باب الخروج من هذه الفانية منهم إلى الباب الذي دخلوا منه. بعض الذين أوتوا القدرة على التمييز والهداية يشعرون عندها بأنهم مثل لا شيء لأن حياتهم كلها وكل ما جمعوا وفعلوا أصبح وراءهم لكن دون أن يكون أمام ناظريهم شيء واضح عن ما هو آتٍ.

ربنا جلّ وعلا يشرح حال الكثيرين في الآية الكريمة }نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ{ (التوبة:67) والمقصود أنه جعلهم منسيين في غفلتهم لأن المولى العزيز منزّه عن نقيصة النسيان. والمنسيون هم الذين يستفيقون متأخرين على حقيقة أن حياتهم مرّت كالشهاب أو كـ “يوم أو بعض يوم” فيجدون أنفسهم وحيدين وبلا أي زاد عندما يكونون في أمسّ الحاجة إلى زاد يعينهم على رحلة العودة إلى خالقهم. ذلك أنهم أضاعوا حياتهم القصيرة باللغو والمتع والمعاصي وبلغوا أعتاب الحضرة صفر اليدين إلا من أوزار الماضي. يومئذٍ يغشى الإنسان حال من الندم والأسف على ما سلف، ويجعله الله يرى بعض أعماله ويدرك سيئاته ربما ليسهل له أمر التوبة وطلب العفو والإقرار بالذنوب. }يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28){(الفرقان).

وهذه أيضاً ساعة التوسل لأن الإنسان الضعيف الخاوي الوفاض سيتوسل لخالقه أن يعطيه فرصة جديدة لعلّه يصلح بعض ما أفسده في حياة الغفلة وهو ينظر بخوف كبير إلى ما تبقى من الأيام (وقد يكون قليلاً) يقول }رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ { (المنافقون: 10).

هذه ساعة الندم التي سيصلها الكثيرون عاجلاً أم آجلاً عندما يبدأ وجودهم بالشحوب وتضعف قواهم ويجدون أن الدنيا التي ركضوا وراءها تنسل من بين أيديهم كما ينسل الدخان من بين الأصابع. لذلك فإن الله تعالى حبا بعبيده الغافلين وإشفاقاً عليهم أمر رسوله الكريم بأن {ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذاريات: 55).

لكن هل من يذكر الآن ؟ وهل من إذا ذُكِّروا استمعوا إلى التذكير فوجلت قلوبهم وتابوا وأصلحوا }أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا{؟ (محمّد: 24).

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading