الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

الصفحة الاخيرة

الصفحة الاخيرة

والليل إذا سجى

نعيش في زمن ضاعت فيه الحدود بين حق الفرد وحقوق الجماعة بين ممارسة الحرية الشخصية واحترام حرية الآخرين، وعندما تخترق الفردية المنفلتة من أي ضابط اجتماعي أو إنساني حياة الآخرين فتعكر صفوها تصبح بكل بساطة عدواناً، وفي غياب الدولة وحكم القانون يصبح كل فرد أو جهة مهما صغرت مرجعية في حد ذاتها ترسم حدود فعلها تعسفاً محضاً وتشرِّع لنفسها وما على الآخرين بكل بساطة سوى الرضوخ.

مناسبة هذا الكلام استفحال ظاهرة الضجيج وفتح مكبرات الصوت في الأماكن المفتوحة وبعض الصالات التي تأخذ على عاتقها تنظيم سهرات الأعراس والحفلات من كل نوع، وقد قلبت هذه الدكاكين الفوضوية ليل الجبل الهادئ إلى صخب مرهق يصم الآذان، وينطلق في جميع الاتجاهات ليمزق ستر الليل ويفسد سمر السامرين وسكون العابدين وطمأنينتهم في زوايا البيوت والملتقيات، رغم أن القانون يشترط الترخيص لإقامة الحفلات في الأماكن المفتوحة كما يشترط الالتزام بوقف المذياع بعد الحادية عشرة ليلا،ً فإن القانون المطبّق الآن هو شريعة الغاب فلا أحد يهتم بالحصول على ترخيص أو يلتزم وقتاً معيناً لوقف مكبرات الصوت، وقد أصبحنا فعلاً في حيرة حول ما يمكن فعله لوقف هذه “الغزوة” وهذا التلوث المتزايد بالضجيج في بيئة الجبل، الذي يُعتبر الهدوء والسكينة من أهم مكوناته التقليدية بل وأهم عناصر النوعية العالية للحياة التي يتمتع بها سكانه وزواره على السواء.

بعض الناس الذين قرروا كسب رزقهم بهذا النوع من النشاطات يعتقدون فعلاً أن في إمكانهم ومن حقهم أن يقضُّوا مضجع منطقة بكاملها ساعة يشاؤون وأينما يشاؤون. ونقول “أينما” يشاؤون لأن الجبل بكامله أصبح مباحاً ومشرعاً لكل من يمتلك مجموعة كراسي ومكبرات صوت ومذياع، إذ لا توجد مناطق لا يُسمح فيها مثلاً بإقامة الحفلات في الأماكن المفتوحة كما في بيروت التي تخصص شوارع معينة لنشاط المقاهي والسهر (في مكان مقفل) دون غيرها وتبقي على عناصر الشرطة والأمن في المكان لرصد أي تجاوزات وتلقي الشكاوى وقمع المخالفات.

ما تتجاهله دكاكين الضجيج هذه هو أن الليل ليس ملكاً خاصاً ولا مشاعاً بل هو مثل الهواء والماء “حق” من حقوق الجماعة لا بدّ من تنظيم الانتفاع به كما ينظم الانتفاع بالفضاء والأرض والمياه. وكما أن من غير المسموح أن يعتدي إنسان على الطريق العام أو يستولي على مياه نبع ماء أو أن ينفث الملوثات الكيميائية في الهواء، كذلك من غير المسموح أن يستولي أي كان على الليل وسكونه فيلحقه بعمله أو تجارته في وقت يحتاج الناس الليل، وبعد العمل المضني في النهار، للإخلاد إلى الراحة أو التسامر أو الاستغراق في نوم مطمئن. وقد جاء في الكتاب الكريم }وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا{(النبأ: 10 و11)، أي أن المولى جل وعلا جعل النهار للكسب بينما خصص الليل لراحة الإنسان كما جعل ربعه الأخير وقتاً للعبادة والذكر والتقرب من الله.

السؤال المهم هنا هو بالطبع: من هي الجهة المسؤولة عن وقف هذا التعدي المتمادي؟ نعتقد أن المسؤولية مشتركة بين البلديات والدولة والجمعيات الأهلية، إذ يمكن للبلديات أن تأخذ على عاتقها وضع تشريعات واضحة لتنظيم الحفلات في الأماكن المفتوحة والإصرار على عدم تجاوز الصوت حاجزاً معيناً (بوحدة الضجيج أو Decibel) وأن يُمنع بتاتاً الاستمرار في استخدام مكبرات الصوت بعد الساعة الحادية عشرة ليلاً وفي الأماكن المرخصة، والتي تستوفي الشروط فقط. كما أن قوى الأمن الساهرة مشكورة على أمن الناس يمكنها تطبيق القانون بجدية، مع الثقة التامة بأن قرى الجبل ومجتمعه المدني يدعمانها في أي إجراءات تستهدف وقف الفوضى الحالية.

أخيراً، فإن الجمعيات الأهلية يمكنها أخذ المبادرة للتعاون من أجل إطلاق حملة “أعيدوا لنا ليلنا”، والتي تعتزم “الضحى” تقديم المساعدة لها بشتى السُبل الممكنة ابتداءً من العدد المقبل، وكذلك عبر الموقع الشبكي الذي سيخصص مساحة بارزة لهذه الحملة فور انطلاقة هذا الموقع قريباً جداً بإذن الله. فتابعونا.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading