أيها «الدهريون» (وهو الإسم الذي أطلقه الفلاسفة العرب في العصر الوسيط على من نسمّيهم اليوم «الماديون») أما آن لنا أن نفكر بطريقة مختلفة عمّا تعوّدتموه وعوّدتمونا عليه في زمننا الحديث، فيما تصطدم نظرياتكم، من جديد، وللمرة الألف، بحيطان الحروب والأوبئة والكوارث – وآخرها وباء الكورون الذي شلّ حتى اليوم قطاعات اقتصادية عدّة وبخاصة في مجالات النفط والنقل والسياحة وسواها وبكلفة بلغت ثلاثة ترليونات دولار حتى الآن، وبعزلة بين مدن البلد الواحد ناهيك بالعزلة بين البلدان، وبعدد من الضحايا عسى أن يبقى محدوداً.
أيها العلماء الدهريون، وببساطة شديدة، لقد أخذتم البشرية منذ قرنين نحو علم مادي بالكامل، وقلتم هذا هو العلم، وأن لا مكان فيه لأي عنصر غير مادي. ومن خالفكم الرأي، أو طالبكم بالتروي، كما فعل كثير من الفلاسفة والشعراء والفنانين ناهيك عن مريدي الأديان، أسقطتم عليهم سريعاً ومن دون تروٍ حكماً مُبرماً «لا علمي» – فبات لا يؤخذ أو يعتد برأيه في كل مجال وميدان.
لقد هيمنتم على مراكز إنتاج العلم والأبحاث في المدارس والجامعات، فباتت اختصاصات المال والمحاسبة والصيرفة وإدارة الأعمال والإعلان والكومبيوتر، في أميركا أولاً، ثم في أوروبا وبعدها في باقي أجزاء العالم، ومنها لبنان والوطن العربي، هي «الموضة» على حساب الاختصاصات الانسانية والاجتماعية التي باتت نادرة، يتيمة، غير مطلوبة، «وتثير السخرية».
ايها «التقانيون»، هل حقّق تقدمكم التقني – ولا أقول العلمي – خلاص البشر؟ هل انتهت الحروب؟ ألا ترون أن معظم الإرهابيين الأكثر خطراً كانوا من -التقنيين-؟ هل أفدتم البشر، في شيء، حتى عملياً، من شطبكم الإنسان والأخلاق والقيم والتراث، والله في أسمائه المختلفة؟ لقد زاد الشر أضعافاً مضاعفة، وبات لا يردعه إلا وجود شرطي وكاميرة مراقبة عند كل زاوية وباب!
وأخيراً، إذا كان من معنى لغزوة الكورون الآن فهي تذكيرنا أن العلم للإنسان وليس الإنسان للعلم، وأن الإنسان ليس جسداً فحسب، والمجتمع ليس أرقاماً فحسب، بل هما التوازن في كل شيء…وهو ما غفل عنه عامداً العقل «التقاني» المعاصر فبات أقرب إلى الشر منه للخير، على ما نرى يومياً، في غير باب ومجال. لقد آن أوان التفكير من زاوية مختلفة، فهل يجرؤ العلماء؟