الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 26, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

ام الرمان

أم الرمان ملجأ الأحرار

تناوب عليها الهجر والخراب عبر العصور
وأعمرها الموحدون الدروز وحموا حياضها

60 من فرسان القرية الأشداء كانوا يرابطون دوماً تحسّباً لرد أي غزو مفاجئ من أطراف البـــــــاديـة

أولم فارس بن جبر لزعيم غزاة وِلد علي وذبح له النعاج
فأغمدت السيوف وفرشت الموائد وحقنت الدماء

تقع قرية أم الرمان في القسم الجنوب الغربي من محافظة السويداء، وتبعد جنوباً عن مدينة السويداء مركز المحافظة نحو 37 كيلومتراً، على ارتفاع 1160م فوق سطح البحر عند وسط القرية تقريباً، على سفح هضبة ذات تربة زراعية خصبة متحلّلة من البازلت تغلب عليها الوعورة، وتنحدر أراضيها انحداراً تدرّجياً لطيفاً باتجاه الغرب نحو أراضي بلدة ذيبين التي تعتبر أراضيها السهلية امتداداً لسهل حوران ضمن محافظة السويداء. أما باتجاه الجنوب، فيكون الإنحدار أشدّ ميلاً باتجاه الحدود الأردنية التي تبعد عنها نحو عشرة كيلو مترات، تلك الحدود التي أقرّتها معاهدة «سايكس بيكو» عام 1916 وقد اقتطع بموجب تلك المعاهدة من أراضي أم الرمان الزراعية نحو 5500 دونم ضُمّت إلى أراضي شرق الأردن.
تتبع أم الرمان إدارياً لناحية ذيبين التي تقع إلى الغرب منها على مسافة نحو سبعة كيلو مترات أما مساحة القرية العامة فتبلغ نحو 63000 دونم،(أي نحو63 كلم مربع).
أم الرمان في التاريخ
لم تحظَ قرية أم الرمان بدراسة آثارية من قبل دائرة الآثار في محافظة السويداء، إذ لم يُشر إليها صاحب كتاب الآثار في محافظة السويداء ومدير آثارها في حينه عام 1997 الدكتور علي أبو عساف، على الرغم من وجود عدة معالم ظاهرة للعيان فيها، وكان قد أشار إلى تلك المعالم رحالة عابرون سبق لهم أن زاروا القرية بعشرات السنين، واكتفى المؤلف يومها بذكر مغارة بركانية ( مغارة الهوّة) تقع في مجالها الزراعي إلى الشمال من القرية بنحو كيلومترين، كما تحدث عن آثار القرى الخربة التي تقع في خراجها.

مضافة آل الهادي قديمة أعيد عمرانها
مضافة آل الهادي قديمة أعيد عمرانها

وفي تقرير مترجم عن الإنكليزية نحو عام 1900 ورد ما يفيد بأن أم الرمان قرية كبيرة يسكنها الدروز، وأنه فيها منزلان أو ثلاثة مغرقة في القدم، ثم جرى عليها تعديلات، وذكر التقرير أنه ينتصب أمام مضافة الشيخ عامودان يعودان إلى العصر المسيحي( أي البيزنطي ــ الغساني)، وإلى جانبهما ركيزة حجرية ملقاة على الأرض تشبه النمط السائد في بصرى، وهذا يدلّ أن القرية كانت عامرة آنذاك، أي قبل نحو ألف وسبعمائة عام، وفي حقيقة الأمر، فإن التحضّر الجدّي في جبل حوران، كان قد سبق الحكم الروماني لسوريا عام 63 ق.م، والعصر المسيحي والغساني في زمن البيزنطيين، إذ يعود إلى عصور الأنباط، وهم قوم من قدامى العرب كانوا قد اتخذوا من صلخد وبصرى قاعدتين حضريتين لهم قبل ميلاد المسيح.
وفي الوسط القديم للقرية لا تزال الآثار التي تعود إلى العهد البيزنطي ماثلة من خلال بقايا كنيسة يدعونها بـ « القيسارية»، ومن المؤكد أن العديد من الآثار في القرية تعرضت للسطو من قبل لصوص الآثار، ويذكر المعمرون أنه توجد لوحة فسيفساء مطمورة في قيسارية قديمة هي اليوم ملك للشيخ نصر معروف.
وفي المساحة العقارية من الأراضي الزراعية التابعة للقرية، تتواجد آثار لخمس قرى خربة، أهمّها: الخرائب، ( الخريّب)، وهي آثار لبلدة كانت عامرة منذ عصر الأنباط وما تلاهم حتى ظهور الإسلام، وقد تعرّضت آثارها للتخريب والنهب ولم تزل!!
لكن الخراب طاول أم الرمان في ما بعد، ويبدو أن انشغال العرب المسلمين في الفتوحات التي امتدت من كاشغر على حدود الصين شرقاً، وإلى ما وراء جبال البيرينيه بين إسبانيا وفرنسا غرباً في العهد الأموي ساهم في التخفيف من التوطن في سائر جبل حوران في ذلك العصر، على الرغم من اهتمام بعض أمراء بني أمية بـ« جبل الريان». فالسويداء مثلاً كانت إقطاعة لعبد العزيز بن مروان، وقد ورثها عنه ابنه الخليفة عمر بن عبد العزيز غير أن البلاد عادت لتشهد توسّعاً للتوطن من جديد برزت سماته أكثر وضوحاً في العهد الأيوبي والمملوكي… ولكنها رجعت إلى الخراب إبان العهد العثماني في بلاد الشام ومصر في القرن السابع عشر، واشتد هذا الخراب في ما بعد ليصل إلى حالة من الخراب الشامل عام 1810م، كما يذكر المستشرق بيركهاردت المكلّف باستطلاع المنطقة العربية من قبل بريطانيا.

“برك المياه التاريخية غُطيت جدرانها البازلتية بالإسمنت! وأكثر آثار العصــــور الغـــابرة جرى نهبها عبر السـنين”

أهمّ الزراعات في أمّ الرمّان

1. القمح: ويشغل ما مساحته 7,000 دونم، وتتراوح إنتاجية الدونم ما بين: 120 و30 كلغ بحسب تساقطات الأمطار.
2. الشعير: مساحته 5,000 دونم، وكما القمح تتذبذب إنتاجيته بحسب الأمطار.
3. الحمّص: مساحته نحو 6,000 دونم، وإنتاجيته ما بين 20 إلى 50 كلغ بالدونم سنويا .
4. الزيتون: مساحته نحو 1,000 دونم، بالإضافة لما يزرع في حدائق المنازل وعدد أشجاره نحو 11,000شجرة،
5. اللوز: مساحته نحو 800 دونم، وأشجاره نحو4,000 شجرة.

أم الرمّان أصلاً: ريمونا
يذكر المستشرق الأميركي بتلر الذي زار المنطقة في منتصف القرن التاسع عشر بأن إسم «ريمونا»، كان يطلق على أم الرمان في أيام الرومان، ولعلّ إسم «أم الرمان» جاء من كثرة أشجار الرمان في العصور الغابرة في القرية، لكننا لا نرى أثراً لثمرة رمان واحدة منحوتة في آثار القرية، بل هناك أثر لعنقود عنب منحوت بفنية متقنة من العصر البيزنطي ــ الغساني، لا يزال ماثلاً في سقف البناء الأثري المعروف بـ « قاعة الشيخ في أم الرمان»، في دار آل الأطرش، وهذا يرجّح أن إسم أم الرمان قد يكون محوّراً من الإسم القديم للقرية« ريمونا».
وفي العصر القديم كان في القرية ست برك لجمع مياه الشتاء لأيام الجفاف في الصيف والخريف، ولم تزل أربع من تلك البرك بحالة جيدة، لكن حصل تسرّع في عملية ترميمها، إذ تمّ استخدام الإسمنت لتغطية الجدران، الأمر الذي أخفى الحجر البازلتي الأثري المميز والمقصوب بعناية، وبالتالي جمالية الجدران وأضاع بالتالي الكثير من قيمتها الأثرية.
وفي القرية عدد من الآبار التي كانت مخصصة لجمع المياه التي كانت وإلى عهد قريب تُستجر من أعالي قمم جبل العرب على مسافة نحو خمسة وعشرين كيلو متراً لملء مناهل القرية، ومن الثابت أن ثلاثاً من تلك الآبار تعود لعصور الأنباط، أي لما قبل نحو ألفي عام، ذلك أن سقوفها سابقة للزمن الذي صار فيه الإنسان يستعمل الأقواس الحجرية في السقوف ، ولم تزل تلك الآبار بحالة جيدة.

إعمار أم الرمان
ظل الخراب يرين على أم الرمان قروناً، وذلك يعود لأسباب أبرزها إنعدام الأمن بسبب غياب سلطة الدولة العثمانية آنذاك على المناطق البعيدة عن دمشق عاصمة الولاية، وشيوع تقاليد الغزو البدوية التي كانت تهدّد الحواضر حتى القريبة منها من مركز الولاية، وسنوات الجفاف التي تتكرر عامين كل عشر سنوات استناداً إلى الدراسات المناخية، تضاف إلى ذلك موجات الجراد التي كانت تجتاح المنطقة بين فترة وأخرى.
آل النبواني
كان آل النبواني الذين يعودون بأصولهم إلى آل البتديني الذين نزحوا من موطنهم في بيت الدين وسكنوا في أواخر القرن الثامن عشر قرية كفرنبرخ القريبة منها، وفي ما بعد ارتحل بعضهم إلى قرية «نبيا» القريبة من قطنا، كما يشير يحيى عمار في كتابه «الأصول والأنساب» (ص 32 و 33)، ومنها لحقت بهم كنية «النبواني»، ومن ثمّ ارتحلت العائلة إلى جبل حوران، وهم أول عائلة معروفية حاولت التوطن في أم الرمان نحو عام 1845م، لكنهم لم يلبثوا أن تعرّضوا لمحاولة غزو من ابن سمير شيخ قبيلة ولد علي، وكانت قبيلته من القبائل الأقوى في البادية وسائر جنوب دمشق.

.

قاعة الشيخ الأثرية منذ نحو 1600 عام
قاعة الشيخ الأثرية منذ نحو 1600 عام
منظر عام للقرية من جهة الجنوب
منظر عام للقرية من جهة الجنوب

 

 

 

 

 

 

 

 

نذر مواجهة فمسالمة
سكن القاطنون الجدد في دار الشيخ الحالية، تلك الدار القديمة التي تعود بعض غرفها الأقدم والبئر القريبة منها لعصر الأنباط، أما القاعة البرجية المؤلّفة من طابقين فوق الأرض وآخر تحتهما فمن الأرجح أنها تعود إلى العصر الروماني البيزنطي ــ الغساني، ولم تزل معظم معالمها ماثلة إلى يومنا هذا.
كان عدد الغزاة أربعة عشر خيالاً بسلاحهم، أما آل النبواني فكانوا ثلاثة أخوة ومعهم خالهم سلمان الهادي. أصعدوا نساءهم وأطفالهم إلى سطح مبنى القاعة الذي يرتفع نحو عشرة أمتارعن سطح الأرض، وأوصوهم أن يرموا بأنفسهم إلى الأرض إن هم هزموا أمام الغزاة، وكلفوا أحد الفتية اليافعين أن يرمي الأنثى التي لا ترمي بنفسها إلى الأرض لكي لا تؤخذ سبية.
كانت المواجهة جنوب خرائب القرية، على بعد قليل من الدار التي احتمت بها النسوة والأطفال ومواشي العائلة من ماعز وأغنام ودواب نقل.
من جانب آخر، وضع كبيرهم، فارس بن جبر، خطة أولى بديلة للمواجهة القتالية مع المهاجمين، إذ تقدّم من عقيد الغزو، ابن سمير، وقال له:
ــ «أيش تبغى منّا؟، أنا عازمك ضيف أنت وربعك، واللي انت عليه انت عليه»، كان فارس يريد تجنّب مواجهة انتحارية.
قبل زعيم الغزو دعوة فارس على طعامه، وكان في ذلك بادرة طيّبة وحقن لدماء كانت ستهدر لو رُفضت دعوته.
نكس الرجال طبنجاتهم، وأغمدوا سيوفهم وتقدّموا إلى بيت مضيفهم الذي انعطف إلى زريبة مواشيه يذبح لهم المزيد من الذبائح لإطعامهم. قال ابن سمير مستغرباً ومُكْبِراً لما يفعله فارس:«الله، الدرزي عثا بحلاله».

كانت النسوة اللواتي احتمين بالسطح العالي قد نزلن بعد أن رأين أمناً، وأخذن يصنعن الطعام للذين كانوا قبل قليل غزاة وأصبحوا ضيوفاً لا بدّ من إطعامهم…
بعد أن أكل الضيوف طعام فارس الطيب، قال ابن سمير:«يا فارس من هذا فعله لن يؤخذ (أي لن يُعتدى عليه)، أنا أضع حدّاً بيني وبينك، مسيل الماء جنوب القرية وغربها، وكل ما يتعدّاه هافٍ(أي منهوب ولا يحق لك أن تسأل عنه).
لم يتردد فارس بقبول الحل الذي وضعه الرجل الأقوى، وتهادى الرجلان، وكانت هدية ابن سمير لفارس سيفاً، وخرزة حيّة (فقرة من عظم الأفعى يحكّونها مع الحليب في طاس ويقال إنّ الحليب عندها قد يشفي من عضة الأفعى).
رغم هذا السلم الهش فإن إقامة آل النبواني في أم الرمان بقيت محفوفة بالأخطار، لأن البادية إلى الجنوب من البلدة مرتع للقبائل، والسيطرة للأقوى، والغزو البدوي والنهب حالة تكاد تكون يومية في ذلك الزمن حيث لا دولة إلاّ في دمشق والحواضر الكبرى من الولاية، فاضطر النباونة للرحيل إلى قرية عنز شرق أم الرمان بنحو سبعة كيلو مترات، وعنز لها سور يحتمى به، وهناك تجمع من أبناء عمومتهم يقوون بهم، وعادت أم الرمان خربة لا يجرؤ الناس على سكانها.

العودة للعمران
بعد فترة من ارتحال النباونة من أم الرمان، نحو عام 1849 عند منتصف القرن التاسع عشر، جرت المصالحة المعروفة في القريا بين اسماعيل الأطرش ومن معه من بني معروف من جهة، وابن سمير وقبيلته (وِلْدْ علي) من جهة أُخرى، وعلى أثرها توسع التوطن في المقرن القبلي من الجبل، بعد أن أصبح الموحّدون أكثر عدداً وأوفر قوة، وخفّ أثر الغزوات البدوية، وكُلّف الشيخ حمد (إبن شقيق اسماعيل الأطرش الشيخ الأقوى آنذاك في الجبل وصهره) ليكون شيخاً في أم الرمان، وهكذا عُمّرت أم الرمان بقدوم عدد من العائلات المعروفية، ومن ثمّ عاد بعض آل النبواني إلى البلدة.

جانب من دار الشيخ سلمان الأطرش. استقدم لبنائها بنائين شويريين من لبنان. وللأيام دولات.._
جانب من دار الشيخ سلمان الأطرش. استقدم لبنائها بنائين شويريين من لبنان. وللأيام دولات.._

أبرز عائلات أم الرمّان
من العائلات التي سكنت أم الرمان في ذلك الزمن إلى جانب آل الأطرش، والعنتير (أصلاً من آل شجاع)، وآل البربور والنبواني والهادي وآل ملاّك الذين كانوا حملة بيرق أم الرمان ( منهم أجود ملاّك)، قبل أن يعودوا إلى قريتهم الأولى(عين قني بين المختارة وعماطور) في لبنان، وأبو فخر، والمِنْوِر(أصلاً عزام)، وفليحان وأبوطافش وجابر وأبو خير( وهؤلاء ينتمون لآل أبوشقرا) ومعروف (أصلاً آل سيف وأبوعلوان) وجريرة والعقباني والعاقل وآل أبوعاصي (حملوا بيرق أم الرمان بعد آل ملاّك)، ويقظان والحرفوش ( أصلاً من بعقلين) وعزّام وطربيه والشاهين والمغربي (من كفرسلوان في جبل لبنان) والحسنية ( من عين وزين في جبل لبنان) وأبوشقرا، وكحل
( أصلاً : حاطوم) وآل شنيف وقد رجعوا إلى لبنان، وآل أبو طريّة وقد نزحوا إلى الأردن، وآل سيف وقد نزحوا إلى المجيمر ومصاد.
وإلى جانب العائلات المعروفية، وبعد أن أصبحت المنطقة أكثر أمناً، قدمت إلى أم الرمان عائلات مسيحية غسانية الأصل منها آل العودي، والندفة وعصفور والياس واللابد والجابر، بالإضافة إلى آل الحْمود السنّة.( والمسيحيون والسنة هم أصلاً من أهل سهل حوران القدامى) ومن العائلات السنية التي سكنت أم الرمان بعد توطن الموحّدين بها آل الصبيحي وصنيج وقد ارتحلوا منها إلى جهات حوران ودمشق منذ نحو مائة عام.

دور كبير في الثورات الوطنية
منذ أعيد إعمارها على يد بني معروف الموحّدين، كان لأهل أم الرمّان دور فاعل في تثبيت التوطن الحضري في القسم الجنوب الغربي من الجبل الذي طاله الخراب قروناً، وقد أقام أهل أم الرمّان علاقات تحالف مع بدو الجبل والبادية القريبة كقبائل الشنابلة والمساعيد والعظامات والسردية والعيسى وبني صخر ضد الغزوات التي كانت تمارسها قبائل الصحراء أو بعض النهابين منها، وكانت هذه الخطة الجادة قد تم إرساؤها في الجبل منذ توطن بني معروف في ربوعه على يد الشيوخ الحمدانيين، والشيخ اسماعيل الأطرش وذويه من بعده. وعلى قمة تل الشيح جنوب أم الرمّان بنحو 7 كلم، والمشرف على البادية الأردنية كانت ترابط مجموعة من فرسان القرية يصل عددهم إلى الستين فارساً أحياناً تحسّباً لرد أي غزو مفاجئ قد تسوقه إليهم البوادي المحيطة.
وفي الثورات المتعاقبة على الاستبداد العثماني، حيث يشير الدكتور حسن أمين البعيني في ص220 من كتابه «جبل العرب، صفحات من تاريخ الموحّدين الدروز» إلى تجلّي ذلك الاستبداد في» تصرفات القادة العثمانيين وفسق بعضهم وتكاثر طلباتهم غير المعقولة». لهذه الأسباب وما شابهها حدثت مواجهات في المقرن القبلي من الجبل بين بني معروف والعثمانيين عشية القرن التاسع عشر، وفيها تمكّن مجاهدو أم الرمّان من أسر 31 جندياً عثمانياً في معركة خراب عرمان عام 1896م، وقد جيء بهم إلى مضافة شيخ القرية أبو قاسم حمد الأطرش، وأطلق سراحهم في ما بعد.

” رغم مصادقة ابن سمير بقيت إقامة آل النبواني في أم الرمان محفوفة بالأخطار، لأن البادية إلى الجنوب من البلدة بقيت مرتعاً للقبـــائل والســــيطرة للأقوى  “

ملجأ الثوار
إلى أم الرمان في مطلع القرن العشرين، كان يلجأ رجال الجمعيات العربية الذين يئسوا من إمكانية إصلاح الدولة العثمانية المتهاوية مثل أعضاء الجمعيات العربية والثوار الهاربين من ملاحقات السلطات، ومن أحكام جمال باشا السفاح التي استندت إلى سياسة التتريك واضطهاد العرب وغيرهم من شعوب الامبراطورية العثمانية. ومن أبرز هؤلاء طلال حريذين ومطلق المذيب من زعماء سهل حوران، ونسيب البكري وعبد الرحمن الشهبندر من زعماء دمشق.
وفي مضافة حمد البربور ومضافة قاسم النبواني وجد هؤلاء الأحرار حمى لهم بعيداً عن يد الظلم العثماني، كما وصل متخفياً ضمن قافلة من الجمال ومعه زوجته وابنته؛ برفقة ابراهيم علي العاقل قادماً من دمشق الصحافي الغزاوي حمدي الحسيني؛الذي أصبح بعدها صديقاً حميماً لبني معروف، وقد ارتبط بعلاقة مودة بالصحافي والمجاهد المعروفي اللبناني عجاج نويهض الذي يصفه في ص 95 من مذكّراته «ستون عاماً مع القافلة العربية» بأنه «قلعة وطنية» وكان له في ما بعد دور بارز في فلسطين في مناهضة الإنكليز واليهود. كان الحسيني هارباً من سيف جمال باشا، وقد شُنق من أقربائه الشيخ أحمد عارف الحسيني مفتي غزة، وذلك على مرأى من ولده الضابط مصطفى الحسيني، ثم أعدموا الابن بعده رمياً بالرصاص.(ص 176 من المذكرات)، وقد نزل الحسيني في مضافة آل العاقل في أم الرمان، وأفرد له بيت (لم يزل قائماً إلى يومنا هذا)، أقام فيه مع أسرته إلى أن خرج الحكم العثماني من بلاد الشام ودخلت جحافل الاستعمار الفرنسي والبريطاني.
تمت عمليات لجوء أولئك النخبة من الثوار إلى أم الرمّان وحيث لكل عائلة مضافة أو أكثر كانت بمثابة فنادق مجانية للقادمين إليها، وكان استقبال المعارضين والأحرار يتم بالتنسيق مع سلطان باشا الذي كان يدرك أن الأتراك الطورانيين الذين قضوا على السلطنة العثمانية وتخلوا عن رابطة الإسلام كانوا يؤججون مشاعر التعصب التركي الطوراني ولم يكونوا يكنون للعرب إلا مشاعر الغطرسة والإستعلاء القومي.
شهداء الثورة
يذكر الشاعر صالح عمار أبو الحسن، وهو المعروف بالشاعر الشعبي للثورة السورية الكبرى أسماء شهداء قرية أم الرمّان، وكذلك أشار إليهم سعيد الصغير في ص 536 من كتابه «بنو معروف في التاريخ»، وهم حمد وأجود ونصار وأحمد ومحمود ونهاد البربور، وهاني وابراهيم وسليم وسلمان أبوخير، وسليمان وسعيد وداود وفارس أبوطافش وحسن جابر وحمد النبواني، وهلال وهاني الهادي وفارس ونسيب وأسعد معروف، وحسين ونواف ويوسف ومحمد العقباني، وسليمان جريرة، وعلي الحمّود، وسليمان أبو شهدة، ووحيد ونسيب المغربي وابراهيم العاقل وعلي الشعراني، وسليمان أبوعاصي، ومحمد النجم عمّار، وحسن وحمود الشاهين، وعقيل الجودي وعطالله العودي وحنّا الرحال (وهؤلاء الثلاثة شهداء مسيحيون)، ويوسف عامر ومحمد منذر وسليمان مزهر وعوض الحْمود (من آل الحمود السنّة)، ذكره توفيق الصفدي ص 342 من كتابه «جنوب الشام، صدى الإنسان والسنديان».
وفي معركة أم الرمّان عام 1926 استشهد بنتيجة القصف المدفعي، وانهيار المنزل على الأسرة زوجة سليم جودية وأولاده الأربعة، ولا تزال آثار الدمار ماثلة في بعض الدور القديمة من القرية إلى يومنا هذا… وفي ما بعد وعلى أثر عدوان الشيشكلي على الجبل عام 1954 استشهد أحد أبرز أبطال الثورة السورية الكبرى الملقّب بدبابة الدروز، وهو أبو حمد سلمان الأطرش شيخ قرية أم الرمّان المشهور بكرمه وجوده إلى جانب شجاعته الفائقة في معارك بني معروف.
ويشيد الشاعر صالح عمار بجهاد أهالي قرية أم الرمّان في تلك الثورة وتسابقهم إلى ساحة الحرب (الكون)، فيقول:
بأم الرمّان سباع رابي بوسط غاب شجعان من حرب الأعادي ما تهاب
ان ثارت الهـــــيجا وعلاّ غْبـــــــــــــارها يتســـابقوا عَ الكــون شبّــان وشباب

الوضع البلدي
يبلغ عدد سكان أمّ الرمّان نحو 3780 نسمة، ثلاثة أرباعهم من الموحّدين ونحو ثلثهم من المسيحيين الأورثوذكس. ويبلغ عدد المساكن في القرية نحو500 مسكن، وتبلغ مساحة المخطط التنظيمي 280 هكتاراً، من أصل 6300 هكتار هي المساحة الإجمالية للقرية، وأطوال شوارعها على المخطط نحو 50 كلم، المنفذ منها نحو 25 كلم، وتقوم البلدية بإدارة أعمال النظافة في القرية ونقل النفايات على مدار أربعة أيام أسبوعياً بواسطة جرار خاص بالبلدية إلى مكبّ يبعد جنوباً عن القرية نحو 6 كلم باتجاه الحدود الأردنية، وذلك بهدف الحفاظ على النظافة العامة وسلامة البيئة في أم الرمان، إلى جانب الخدمات البيئية والعمرانية الأُخرى، ويرأس بلدية القرية حالياً الأستاذ مروان أبو طافش، وهو يقول إن النظافة من معايير حضارة الشعوب ونحن نرتقي بالخدمة الممتازة التي يقوم بها عمال النظافة في قريتنا».

الوضع التربوي
في القرية مدرسة ابتدائية واحدة، وتحمل إسم الشهيد يوسف العودي، من مسيحيي أم الرمان، وقد استشهد في حرب حزيران عام 1967، ويبلغ عدد تلاميذها 168 تلميذاً وتلميذة، وعدد العاملين التربويين فيها 21 منهم 6 في الإدارة والباقون معلمات، أما المدرسة الإعدادية فتحمل إسم الشهيد نسيم الهادي، ويبلغ عدد تلاميذها 186 تلميذاً وتلميذة، والموظفون التربويون فيها 26 موظفاً وموظفة، منهم 10 إداريون، و16 مدرّساً ومدرّسة، كما توجد في القرية روضة للأطفال من سن الثالثة حتى الخامسة.
وفي القرية متخرّجون من تخصصات متنوعة علمية وأدبية 100 مجاز جامعي، و200 خرّيج معهد فوق ثانوي (ذكور وإناث)، و500 موظف وموظفة يعملون في وظائف في الدولة، و1000 شخص يعملون في الزراعة والأعمال الحرة.

المركز الصحي
أُنشئ في القرية مركز صحي حكومي، يقدّم الخدمات الصحية المجانية لروّاده، ويعمل فيه نحو 20 موظفاً وموظفة من أبناء القرية، منهم 16 من الإناث يعملن في اختصاصات مختلفة، كالصيدلة والتمريض لتقديم الخدمات الطبية والإسعافات الأولية وتضميد الجروح وتقديم أدوية السكري والأمراض الالتهابية والمسكنات وقياس الضغط، والقبالة حيث تتم زيارات دورية للإشراف على صحة الحوامل، كما يعمل في المركز ثلاثة أطباء أسنان.

الوضع الزراعي
تبلغ المساحة العامة لعقار القرية نحو 63500 دونم، منها 600 غابة محمية مزروعة بالصنوبر المثمر والكينا واللوز والسرو، على ارتفاع نحو1250م فوق سطح البحر على الطريق باتجاه الرافقة ــ صلخد، وتشرف مديرية الزراعة على حمايتها من التعدي بواسطة 8 حرّاس يتناوبون على حمايتها وسقيها.
وتبلغ مساحة المستثمر من عقار القرية في الزراعات البعلية المختلفة 34000 دونم، مساحة المشجّر منها نحو 2000 دونم، وقد تراجعت زراعة العنب في العقود الأخيرة بسبب تعاقب سنوات الجفاف، أما ما تبقّى فيتم استزراعه حسب الدورة الثلاثية: ثلث للقمح والشعير، ومثله للحمص والبقوليات، وآخر سبات للراحة.

الوضع المائي
تتذبذب كميات الأمطار بشكل ملحوظ من عام إلى آخر على أطراف جبل العرب حيث تقع قرية أم الرمّان على الهامش الجنوب الغربي منه، واستناداً إلى مقياس التهطال السنوي على مدى 16 عاماً فإن المتوسط السنوي بلغ 219.3 ملم ولكن التفاوت الكبير بين المتساقطات المطرية بين عام وآخر يؤثر سلباً على انتظام ونوعية المحاصيل الزراعية في البلدة. ففي عام 1999 كانت كمية الأمطار السنوية الهاطلة 70 ملم فقط وهذه كمية لا تفي بالحاجة، فالشعير يلزمه كحد أدنى مثلاً 125 ملم من المطر، يضاف إلى ذلك عدم توزّع المتساقط المطري على أشهر الشتاء والربيع، الأمر الذي يضرّ بالمحصول السنوي. وبهذا فإن الزراعة في أم الرمّان وسائر القرى الواقعة على محيط جبل العرب تعاني من عدم ثبات كميات الأمطار السنوية وتفاوت الكميات في الشهور الماطرة. هذا بالإضافة إلى قلّتها في سنين عديدة عن المعدل العام المناسب لزراعة القمح وهو 250 ملم بالسنة. يضاف إلى كل ذلك عدم وجود زراعة تعتمد على الري لعدم وجود مياه جارية أو آبار أرتوازية ذات غزارة تفي بحاجات زراعة مروية وقد عمدت الدولة في العقد المنصرم إلى حفر آبار إرتوازية على أعماق تتجاوز 600 م وتأمين مياه الري لأعداد من المزارعين بحيث تكون حصة كل مزارع ما يكفي لري ثلاثة دونمات.
هذا، ونجد في الحدائق المنزلية والكروم نحو1,000 شجرة تين، 400 شجرة فستق حلبي، و300 شجرة تفاح، 50 شجرة توت شامي.

عمود أثري منقول من مكانه القديم أمام القاعة الأثرية.._
عمود أثري منقول من مكانه القديم أمام القاعة الأثرية.._

لثروة الحيوانية
إن موقع أم الرمّان المتصل بالبادية الأردنية من جهة الجنوب، وبالمرتفعات الجبلية من الشمال والشمال الشرقي حتّم توجه مزارعيها إلى تربية الماعز والأغنام على هامش الزراعة، وذلك لتوفّر الأراضي الواسعة والمراعي، هذا، وتبلغ أعداد الأغنام المرباة في القرية نحو 3,000 رأس، والماعز نحو 1,200، والأبقار من الأنواع المحسّنة 60 بقرة حلوب متوسط إنتاج الواحدة منها سنوياً نحو 3,500 كلغ.
الدواجن: من دجاج وحبش عددها 2.000 طير.
ويتم العمل بالأرض اعتماداً على الآلات الزراعية الحديثة، إذ يبلغ عدد الجرارات في القرية 40 جراراً تتراوح قوة كل منها ما بين 28 و70 حصاناً، بالإضافة إلى 70 محراثاً آلياً يدوياً يدار باليد (فرّامة) و80 مرشّة يدوية ومرشة آلية، لرش أشجار الحدائق والكروم، وتقوم الدولة برش المحاصيل الحقلية عند اللزوم بالطائرات الزراعية.
وفي القرية درّاستان آليتان، وحصادة آلية واحدة.
الوحدة الإرشادية الزراعية: يعمل بها 19 موظفاً وموظفة، منهم مهندسون زراعيون: 3، ومراقبون زراعيون :2، كتبة:2، سائق جرار:3، مستخدمون: 3، حارس ليلي:1، طبيب بيطري: 1، مراقب بيطري: 3، وفيها دراجتان ناريتان لتنقل الموظفين المختصين في الحيز الزراعي للقرية.
الأماكن الدينية: في القرية مجلس للموحّدين الدروز، ومدرّج عام لإحياء المآتم مشترك لكل أهالي البلدة، وفيها كنيسة للمسيحيين من طائفة الروم الأورثوذكس.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading