الخميس, آذار 28, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, آذار 28, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

تحقيق عرمون

عرمـون مدينـــة التنوخييـــن
وحاضـــرة الغـــرب الزاهـــرة

اختــارها الأمــــراء عاصمــــة بسبــب موقعهــا الحصيــن
وسيطرتها على عقدة الطرق التي تربط الساحل بالجبل

الاقتصــــاد الزراعــي تقهقــــر أمام تقــدم العقــــار
وهجــرة الشبــاب وسيطــرة الاقتصــاد الريعــي

عهد الرئيس شهاب خطط دوحة عرمون كمنطقة فيللات
لكن الحرب أطلقت فوضى العمران وأسلوب الأبنية العالية

في عرمون 25 ألفاً 35% منهم من السكان الأصليين
والباقي في معظمهم مالكون جدد من كافة المناطق اللبنانية

تقع بلدة عرمون في الجهة الجنوبية الغربية من قضاء عاليه، وكانت في زمن متصرفية جبل لبنان إحدى بلدات قضاء الشوف التابعة لمديرية الغرب الأقصى، حيث كانت تُعرف بإسم عرمون الغرب، وقد يكون هذا الإسم تمييزاً لها عن بلدة تقع في شمال كسروان تدعى عرمون.
أما الاسم فقد يكون، وفقاً لما أورده المؤرخ الشيخ كمال أبو مصلح1، مصغّر “العرم” وهو الأكمة أو التل، ولا تزال “القبّة” وهي إحدى تلال عرمون شاهدة على ذلك، ويرى آخرون2 أن عرمون كلمة سريانية (ARAMONA) وهي تصغير “ARMA” وتعني الأرض الوعرة، إلا ان احتمال كون الإسم مرادفاً لكلمة “التل” هو التفسير المرجّح.

الموقع الجغرافي
تعتبر بلدة عرمون من البلدات شبه الساحلية نظراً إلى قرب خراجها من شاطئ البحر، وهي ترتفع تدريجياً من الخط الساحلي حتى 400 متر عن سطح البحر، وتعدّ عرمون من أكبر بلدات قضاء عاليه بعد مدينتي عاليه والشويفات، وهي ذات مساحة واسعة تصل إلى 11 الف هكتار، وتحدّها خلدة والشويفات من الغرب، وبشامون وسرحمول من الشمال، أما من الشرق فتحدها البساتين وعين كسور، ومن الجنوب بلدات الناعمة وعين درافيل وعبيه. ويتداخل خراج عرمون مع خراج بلدة الشويفات في الضاحية المسماة “الدوحة” التي نشأت بعد الخمسينات من القرن الماضي، وهي تعمر بعدد كبير من السكان الذين قدموا إليها من العاصمة بيروت وسائر المناطق البعيدة من لبنان بغية السكن قرب أماكن عملهم وأشغالهم. وتعتبر عرمون بلدة متوسطة الموقع، إذ لا تبعد عن وسط بيروت أكثر من 17 كلم، وعن مركز القضاء في عاليه 11 كلم، وعن مركز المحافظة 10 كلم.

السكان والعائلات
يبلغ عدد سكان عرمون ما يقارب 15 الف نسمة حالياً، وقد يصل العدد إلى 20 الف نسمة إذا أضيف إليها عدد القاطنين في ضواحيها الجديدة. أما سكان عرمون الأصليون فهم من الدروز والمسيحيين3 ويتوزعون على العائلات الرئيسية التالية:
§جوهري، مهتار، يحيى، أبو غنام، حلبي، دقدوق، حلواني، قبلان (دروز)
§عبدالكريم، ناصيف، طبنجي، عرموني، خوري، عبدالله، واكيم، خيرالله، يوسف، أبو سمرا (أورثوذكس)، وهناك عائلات من الطوائف الإنجيلية والكاثوليكية والمارونية.

أحياء البلدة القديمة
تتألف بلدة عرمون من عدد من الحارات أو الأحياء التي يسكن كلاً منها عائلة معينة أو عدد من أبناء العائلات المذكورة آنفاً، أما الضواحي الجديدة التي نشأت مؤخراً في عرمون بسبب التوسّع العمراني فهي: عريض العين الذي يمتد من عين البلدة حتى العقبة، والبويدرات، وهو سهل واسع في جوار العقبة، والرابية والزقاق (في جوار البويدرات) ودوحة هيلز ودوحة عرمون ودوحة الحصّ ومنطقة قبرص (في جوار محطة الكهرباء) والجوار وحرج الصنوبر وشارع جاد الله الجوهري وشاحميا.
كانت عرمون القديمة عبارة عن منازل موزعة بين البيدر (وهو وسط البلدة حالياً) والعين في وادي البلدة، ولم يكن ارتفاع المنزل اكثر من طابق واحد ودور داخلي ولا تتعدى مساحته الثلاث غرف اي ما يقارب مئة متر مربع .. واذا تميز احد المباني عن الآخر فكان عبر قبو داخلي للمواشي او علية صغيرة على سطح المنزل . وبقي العمران في البلدة متواضعاً إلى أن اعتمدها التنوخيون مقراً لهم، وهو ما حرّك فيها العمران على نطاق واسع إذ شيّدت فيها القصور والقلاع، وأشهرها القلعة التي بنيت في منطقة القبة وكان لها ممر سري الى عين عرمون، وبعدها نشطت الحركة العمرانية والاقتصادية فتحولت القرية الى بلدة كبيرة ثم إلى مقصد فعاصمة إمارة.

من الاقتصاد الزراعي إلى الريعي
في أقل من خمسة عقود انتقلت عرمون من الاقتصاد الزراعي إلى ما يمكن تسميته الاقتصاد العقاري أو الريعي وذلك في تطور يذكّر بما حدث ويحدث في مختلف أرياف لبنان، لقد تراجعت الزراعة كمصدر يمكن الاعتماد عليه وحلّت محلها مصادر عيش بديلة مجزية أهمها “تسييل” العقارات التي كانت زراعية في الماضي وأصبحت غالية الثمن حالياً، وكذلك الهجرة ولاسيما إلى منطقة الخليج وبات اقتصاد الهجرة مهماً و يتمثل بتحويلات المغتربين واستثمارهم لمدخراتهم في بناء المنازل أو إنشاء أعمال جديدة في الصناعة أو الخدمات أو المقاولات أو غيرها. وبالطبع هناك مصادر جديدة للدخل عوّضت عن تراجع الاهتمام بالزراعة ومن أهمها العمل الوظيفي في القطاعين العام والخاص. إن قرب عرمون من بيروت وعاليه وكونها نقطة وسط يسهلان على أبنائها البحث عن فرص عمل في الدولة أو في القطاع الخاص في العاصمة أو الضواحي.
يمكن القول إن تسارع تحول عرمون عن الاقتصاد الزراعي إلى العقاري نجم بصورة خاصة عن “قدرها” الجغرافي ولاسيما قربها من بيروت، إذ جعلها ذلك تتحول إلى ضاحية للعاصمة وإلى منطقة يمكن للكثيرين أن يتملكوا فيها الشقق السكنية بأسعار مقبولة بينما لم يعد ممكناً إلا للأثرياء شراء شقة في بيروت، بذلك زاد الطلب الخارجي للمستثمرين على عقاراتها وتحوّلت عرمون مع الوقت إلى ورشة بناء كبرى مستمرة وجزء من “حزام الضواحي” المحيطة بالعاصمة وإلى مكان إقامة بديل لبيروت. وقامت في المنطقة المدارس الراقية والمستشفيات ومراكز التسوق والأسواق التجارية وبنية الخدمات الأمر الذي زاد في جاذبيتها للوافدين.

“قرب عرمون الجغرافي من بيروت، جعل منها ضاحية للعاصمة يمكن للكثيرين أن يتملكوا فيها الشقق السكنية بأســعار مقبولة مما أطلق فورة عقارية مستـــــمرة فيها”

تاريخ بلغة الحجر
تاريخ بلغة الحجر

دوحتا عرمون والحصّ
كانت حدود عرمون تصل إلى البحر، وشاطئ خلدة كله تقريباً لملاكي عرمون وتتواصل البلدة مع الشويفات وبشامون عبر الساحل , وكانت هناك منطقة تتميز بأنها قاحلة ومكسوّة بالأشواك والأشجار الحرجية وهذه المنطقة تُعرف اليوم بإسم “دوحة عرمون” وقد أصبحت تضم اكبر تجمع عمراني.
والمنطقة الأخرى التي أصبحت من أهم المناطق السكنية في الشحار الغربي هي منطقة دوحة الحص وهذه المنطقة هي بوابة عرمون الجنوبية، وكانت من السهول الخصبة التي تزرع بالقمح وكان أهالي البلدة يحصدونه سنوياً ويذكر بعض المعمرين أن هذه المنطقة كانت ولزمن غير بعيد مغطاة كلياً بالمحاصيل حتى أنه لم يكن في إمكان المكاري أن يجد فيها مربطاً لدابة أو شجرة يتفيّأ ظلها، أما الآن فقد أصبحت منطقة “البيادر” حيث كانت تتم دراسة القمح والحبوب تجمعاً سكنياً لا يستهان به يضم ما يقارب الـ500 شقة سكنية.
وعرمون أيضاً كان لها امتداد على الجبال المجاورة للعين كجبل القبة الذي يميّزها وعليه أقيمت أهم القلاع كما أقيمت عليه حارة المسيحيين في العصور الحديثة. والجبل الأهم والأعلى، والموقع الذي يرتفع فوق عرمون ويطل على العاصمة وترى من خلاله جبال صنين وشاطئ صيدا هو تلة المونسة والتي كانت مجلس ذكر وعبادة للموحدين المسلمين الدروز منذ عهود قديمة، وقد أصبحت المونسة نتيجة لموقعها وإطلالتها على الجبال وعلى البحر من أهم المناطق السكنية وفيها العديد من القصور الفخمة وتقطنها شخصيات عرمونية بارزة .

بلدة عرمون وتبدو تلال المونسة في أعلى الصورة إلى اليسار
بلدة عرمون وتبدو تلال المونسة في أعلى الصورة إلى اليسار

عرمون القديمة
أما عرمون الضيعة أو عرمون القديمة، فإنها تقوم حول الساحة الرئيسية أو ساحة العين التي أصبحت الآن مركز البلدة وفيها اكتظاظ عمراني حيث تطالعك منذ أن تدخل البلدة من الجهة الشمالية صفوف متراصة من البيوت في تراكب جميل وفريد من نوعه في القرى الجبلية، وكان العمار المتلاصق نهجاً متبعاً في جميع قرى الجبل لأسباب تتعلق بروابط القربى وتضامن الجماعة وكذلك لأسباب عسكرية، إذ كان يسهل كثيراً الدفاع عن تجمعات سكنية مترابطة ضد أي هجوم بالمقارنة مع البيوت المشتتة والتي لم يبدأ ظهورها إلا في عصور متقدمة بعد تطور المواصلات والخدمات وانتقال مسؤولية الأمن إلى الدولة المركزية. ومن المؤكد أن عرمون لم يتم اختيارها من قبل التنوخيين كأول عاصمة عن طريق الصدفة، بل بسبب موقعها الحصين وتلالها المترابطة وسيطرتها على مختلف الطرق التي تقود من الساحل إلى منطقة الشحّار وعاليه والمناطق العالية الأخرى.

تاريخ العمارة في البلدة
هناك مبان وآثار في عرمون يعود تاريخها لأكثر من الفي سنة والكثير من الباحثين عن الآثار وجدوا فيها مغاور وأواني فخارية وآثاراً قديمة جداً حتى قيل إن فرنسا يوم انتدبت لبنان اخذت الكثير من الآثار وايضاً يقال إن الجنود الإسرائيليين أقاموا وقت الاحتلال طوقاً محكماً على مغارة قريبة من سواحل خلدة وتعرف اليوم بمغارة اليهود وأخرجوا منها الكثير من الذهب والآثار والأحجار الكريمة مما يؤكد وجود دلائل ووثائق بين أيدي الغربيين حصلوا عليها عبر الحروب او ما شابه على أهمية عرمون وتاريخها القديم ولا علم لنا بالكثير مما تتضمنه من معلومات تاريخية.
دخلت عرمون القرن العشرين الماضي مرحلة عمران جديدة، إذ وصل عدد البيوت فيها بعد قدوم آل الحلبي وآل الجوهري وانضمامهم الى عائلات البلدة مثل يحيى وأبو غنام وغيرهما، وتقول مصادر تاريخية إن عدد البيوت المتلاصقة بلغ نحو ثلاثمائة بيت وأكثر من مئة بيت في الأحياء التي ظهرت حديثاً كحي آل الجوهري وحي آل المهتار وحارة المسيحية .
ومع دخول الإنتداب الفرنسي والاختراعات الجديدة مثل السيارة إلى لبنان بعد الحرب العالمية الثانية حصل تحول جديد وحاسم في عرمون إذ بدأ التوجه لأول مرة لاستيطان مناطق جديدة خارج الاطار المعروف وبدأ التوسّع الى الجوار الذي ما زال يعرف الى يومنا هذا بحي “الجوار” جنوباً وشمالاً باتجاه الشكارة حالياً. في تلك الفترة ارتفع عدد سكان عرمون إلى ألفي نسمة تقريباً كما ارتفع عدد الوحدات السكنية في القرية القديمة وبدأ التفكير الجدي في إقامة المباني السكنية في دوحة عرمون والهضاب المطلّة على العاصمة بيروت.
بسبب تلك التطورات التاريخية بدأت أهمية عرمون القديمة بالتراجع تدريجياً كما تراجعت البيوت المبنية من الصخور والخشب والمدود وبدأ الإتجاه إلى عمارة المباني الإسمنتية خصوصاً في مطلع الستينات من القرن الماضي وما بعدها وبدأت العمارات بالارتفاع من طبقتين وثلاث وأكثر ولكن حتى عام 1980 لم يتجاوز أي مبنى في عرمون اكثر من خمسة طوابق.

مشروع إيكوشار
أدت الحرب الأهلية وانهيار سلطة الدولة إلى انفجار موجات من البناء العشوائي وبشكل سريع وكثيف، وفي أقل من عشر سنوات وصل عدد المباني في دوحة عرمون إلى ما يقارب الثمانمئة مبنى تضم نحو 4800 وحدة سكنية. يذكر أن عرمون كانت مشمولة بمشروع إيكوشار للتخطيط العمراني، وكان المشروع ينص على اعتبار مداخل البلدة من جهة البحر (أي المنطقة التي باتت تسمى دوحة عرمون) منطقة فيللات فخمة كان يمنع فيها أن يرتفع البناء أكثر من طابقين وقد تم تخطيط المنطقة في عهد الرئيس فؤاد شهاب كجزء من خطة لتطوير ضواحي بيروت بما يخفف الإزدحام في العاصمة ويسهم في تنمية المناطق المحيطة لكن وفق أسس عصرية وعمرانية متقدمة. وبالفعل بدأ تطوير فيللات في منطقة دوحة عرمون وفق المقاييس المعتمدة من مخطط إيكوشار التوجيهي، وأنشئت الطرقات الواسعة والأرصفة وزرعت الأشجار على جوانب الطرق، لكن الحرب الأهلية أودت بهذا المخطط ليحلّ محله انفلات العمران وقيام الأبنية الشاهقة بارتفاع يزيد على عشر طبقات أحياناً.
أصبحت عرمون اليوم نتيجة للتطور العمراني المتسارع حاضرة كبيرة تمتد أطرافها في كل اتجاه وهي تتألف اليوم من المناطق الرئيسية التالية:
الجوار الذي يتكون من الشارع الرئيسي ومدخل عرمون , شارع جدالله الجوهري , مشاريع البركة والحلبي وتجمع المباني والمشاريع مع حي العقبة وشحميا ومدينة العرائس: ما يقارب الألف مبنى .
حي آل الجوهري , الحي المغلق بشارع رئيسي يشكل نصف البلدة تقريباً مع امتداده الى المونسة وصولاً الى مدخل عرمون من جهة البساتين، وهو يضم ما يقارب خمسمائة مبنى.
الضيعة , الشارع الرئيسي مع حي العين والساحة وبيوت البستان وحي الخلة والتمدد الى المناطق الزراعية ومن ثم الشكارة والأحياء الممتدة باتجاه القلع ، وهو يضم ما يقارب الألف وثلاثمئة مبنى سكني .
حي القلع الجديد المتجدد بلغ عدد سكانه من عرمون ما يقارب المئة وفيه حوالي المئة وخمسين مبنى .
دوحة عرمون الجديدة بعد فصل نصفها لتنضم إلى بلدية الشويفات، وهي تضم وفق الإحصاءات الأخيرة نحو ثلاثة آلاف شقة سكنية ويجب إضافة نحو 300 مبنى جديد أقيمت وتقام ما بين الدوحة ومنطقة البيادر ورأس الزيتون.
دوحة الحص، وقد سميت على إسم رئيس الوزراء السابق الدكتور سليم الخص الذي كان بين أوائل من بنوا لأنفسهم فيها منزلاً وقد تبعه كثيرون فأصبحت في الدوحة منازل وفيللات لأكثر من خمسين شخصية لبنانية وعربية وهي تضم الآن ما يقارب المائتي فيللا وأكثر من ثلاث مئة وحدة سكنية سوبر دولكس وهي منطقة راقية بالمقياسين العمراني والسكاني.
الدوحة هيلز والأبراج , من جهة الدامور تدخل الى عرمون عبر دوحة الحص وتمر عبر طريق ترتفع عليها عشرة ابراج بمنطقة الخروبات وهي من أهم واضخم المشاريع السكنية في قضاء عاليه ، وفيها نموذج لمدينة مصغرة تسمى الدوحة هيلز وتمتد هذه الظاهرة الى منطقة الرابية التي فيها مشاريع الرابية والقرية الكندية ومشاريع متفرقة يصل عددها إلى ما يقارب الثمانمئة شقة سكنية وصولاً الى مدرسة عرمون الرسمية والملعب الذي بدأ تنفيذه كنادي الصفاء الدولي.
المونسة , وهي المنطقة الأعلى في عرمون والمطلة على العاصمة وفيها أقدم الخلوات التوحيدية كما تضم منازل وفيللات أنيقة لأبناء عرمون، لكن المشاريع الجديدة فيها معدودة ولا تتجاوز الخمسة عشر مشروعاً أو ما يقارب الخمسين منزلاً، وفيها تقطن شخصيات بارزة من البلدة أو من الجوار.
على سبيل الإجمال فإن عرمون تتألف من ثماني مناطق جغرافية تتميز كلها بالإكتظاظ السكني وبات يسكن البلدة ضمن رقعة لا تعتبر شاسعة نحو خمسة وعشرين ألف نسمة لا يمثل السكان الأصليون منهم سوى ثمانية آلاف نسمة أو نحو 32 % من المجموع، أما البقية فهم في قسم كبير منهم مالكون جدد ومن كافة المناطق اللبنانية ومنهم من استوطنوا عرمون وركّزوا أعمالهم وتجارتهم فيها، علماً أن أهل عرمون يحبون الوافدين والضيوف ويتعاملون معهم اقتصادياً أكثر من تعاملهم في ما بينهم وهذا ما يشجع الكثيرين على القدوم إليها.

حي آل الجوهري كما يبدو من غوغل
حي آل الجوهري كما يبدو من غوغل

“المونسة، مركز العبادة الشهير أصبحت نتيجة لموقعها وإطلالتها على الجبال وعلى البحر منطقة سكنية راقية تضم العـديد من القصور الفخمة لشخصـــيات عرمونية”

قلب المدينة كما يبدو من غوغل
قلب المدينة كما يبدو من غوغل

الدور الفاعل لبلدية عرمون
أنشئ أول مجلس بلدي في عرمون في 28 آب 1955 وكان على رأسه المرحوم الشيخ سعيد سلمان المهتار وتلاه المجلس البلدي الثاني المنتخب في 30 حزيران 1963، وكان برئاسة المرحوم جاد الله الجوهري الذي كانت ولايته من أطول ولايات رؤساء البلديات في لبنان، إذ استمر في منصبه حتى تاريخ وفاته في 29 أيلول 1994 فتولى الرئاسة مكانه نائب الرئيس المرحوم الشيخ توفيق مصطفى المهتار (توفي في 19 كانون الثاني 1998) وفي شهر أيار من العام 1998 جرى إنتخاب المجلس البلدي الثالث وكان برئاسة الأستاذ سليم المهتار، أما المجلس البلدي الرابع فتم إنتخابه في عام 2004 وكان برئاسة السيد فضيل الجوهري. ثمّ في العام 2010 جرى إنتخاب المجلس البلدي الحالي وأعيد انتخاب السيد فضيل الجوهري رئيساً له. وفي حوار مع “الضحى” قال السيد الجوهري إن البلدية، رغم مواردها المحدودة بالقياس إلى الحاجات، استطاعت أن تؤمن الخدمات والبنى التحتية التي يحتاجها التطور العمراني، وعلى الأخص في ما يتعلق بمشاريع مياه الشرب والكهرباء والطرقات والصرف الصحي، والسهر على أمن المواطنين. ومن الخطوات التي أنجزتها البلدية تعزيز عناصر الحرس الليلي وعناصر الشرطة لمنع السرقات والأعمال المخلة بالأمن والسعي لإسترجاع مساحات شاسعة من المشاعات العامة من المؤسسة العامة للإسكان، هذا بالإضافة إلى تشجيع الإستثمارات وخاصة من قبل مغتربي البلدة، وتشجيع عمل هيئات المجتمع المدني وتأمين الدعم اللازم لها، وقد منحت الجمعية الثقافية في عرمون، وجمعية سيدات عرمون مراكز لها ضمن مبنى البلدية، مع الإشارة إلى تشجيع مهجري البلدة من إخواننا المسيحيين على العودة بعد أن تمت المصالحات كافة، كما تمّ استحداث طرق جديدة وتأهيل شبكة مياه الشرب وصيانتها، وكذلك تأهيل شبكة الصرف الصحي وإقامة الحدائق العامة على مداخل البلدة ووسطها.
وأضاف الجوهري أنه سبق للبلدية أن أسهمت في إنشاء مبنى ثانوية عرمون عن طريق تقديم مساهمة لا تقل عن 10آلاف متر مربع، كما قامت باستكمال مبنى القاعة العامة للبلدة التي أسهم في بنائها على نفقته الخاصة المحسن الشيخ المرحوم أبو غازي فرحان دقدوق، بحيث أصبحت هذه القاعة صالحة للاستعمال في المناسبات العامة بعد أن ضاقت القاعات الخاصة بالعائلات وباتت لا تستوعب العدد الكبير من سيارات الضيوف بسبب عدم توافر المواقف المناسبة لها .
ومن المشاريع التي تعمل البلدية عليها حالياً استكمال مشروع بناء القاعة العامة وتأمين مياه الشفة وخدمة الـDSL من أوجيرو وإنشاء سنترال لهذه الغاية في عرمون وهناك جهود مبذولة لاسترجاع حرج الصنوبر إلى ملكية بلدية عرمون، وهناك أيضاً مشروع قيد التحضير لإنشاء مدافن حديثة قرب القاعة العامة وبناء سور حول المدافن القديمة، ولكن هذا المشروع بحاجة إلى موافقة أهالي البلدة.

عرمون البلدة عام 1945
عرمون البلدة عام 1945

المكتبة العامة
أبصرت مكتبة عرمون العامة النور بعد أن وقّع رئيس البلدية فضيل الجوهري على بروتوكول التعاون الخاص بإنشائها مع وزارة الثقافة والجمعية الثقافية الاجتماعية في البلدة. وتبنّت البلدية المشروع على نفقتها، وجهزت المكتبة وانطلقت في الطبقة السفلى من متوسطة عرمون الرسمية المختلطة. وقامت المكتبة بأنشطة عدة، أهمها إفساح المجال أمام طلاب العلم والقراء والباحثين لإستعارة الكتب وقراءتها وتصفّح الإنترنت وطباعة وتصوير ما يشاءون من الصفحات من دون مقابل، إلى جانب إحيائها، بالتعاون مع الجمعية الثقافية والبلدية، أسبوع المطالعة كل سنة. لكن يلاحظ أن تجاوب المواطنين لا يزال ضعيفاً ويدل على ذلك ضآلة عدد الذين يزورون المكتبة ويستفيدون من تسهيلاتها. ويعتبر البعض فتور الإقبال على المكتبات العامة جزءاً من ظاهرة سيطرة الإعلام المرئي والإلكتروني (الإنترنت) وأنظمة الاتصال وخدماتها المتعددة، لذلك فإن تحدي المكتبة العامة هو اليوم الابتكار وإيجاد وسائل لاجتذاب الزوار خصوصاً من صغار السن بما في ذلك إدخال وسائل الإنترنت ووسائل القراءة الرقمية على شبكة الإنترنت وتطوير مهارات البحث والتفاعل مع البيئة المعلوماتية.

ثانوية عرمون مؤسسة حديثة تخدم المنطقة
ثانوية عرمون مؤسسة حديثة تخدم المنطقة

ثانوية عرمون الرسمية
أبصرت ثانوية عرمون الرسمية النور عام 1986 بدعم من النائب وليد بك جنبلاط، ويروي الأستاذ ناظم الحلبي مدير الثانوية مسيرة التطور الصعبة التي اجتازتها الثانوية من إيجاد المبنى المؤقت إلى استقطاب الطلبة والأساتذة وتأمين انتظام سير العمل وذلك بالتعاون مع الهيئة التعليمية، وينوّه بصورة خاصة بالدور الذي لعبه الأستاذ أنور ضو الذي تسلّم رئاسة مكتب التربية والتعليم في الجبل وكان له دور أساسي في تحقيق استقلال ثانوية عرمون الرسمية في العام، 1998 وبموجبه لم تعد فرعاً لثانوية الشويفات. ونظراً إلى النجاح الذي لاقته الثانوية فقد تزايد الطلب عليها بصورة فاقت الطاقة الاستيعابية للمبنى المؤقت الأمر الذي تطلب العمل على استحداث مبنى عصري للثانوية تتوافر فيه المساحات والتجهيزات وإمكان استيعاب النمو في المستقبل. وتمت إقامة المبنى الجديد على عقار مستملك من وزارة التربية بمساحة عشرة آلاف متر مربع بدعم من فعاليات البلدة ورئيس البلدية والعميد أنور يحيى ومعالي وليد بك جنبلاط ووزير السياحة آنذاك عطوفة الأمير طلال أرسلان. ونتيجة لتضافر تلك الجهود الخيّرة صدر قرار عن مجلس الوزراء يحيل موضوع إنشاء مبنى جديد للثانوية إلى مرحلة الإقرار والتنفيذ وذلك في عام 2005 وقد تمّ استلام المبنى الجديد بتاريخ 8 آب 2009 من قبل مدير ثانوية عرمون الرسمية الأستاذ نظام الحلبي. وخلال إنطلاقة الثانوية الجديدة تجاوبت بلدية عرمون ورئيسها السيد فضيل الجوهري مع طلبات إدارة الثانوية لتأمين احتياجاتها كما أن الثانوية شاركت في الكثير من نشاطات البلدية التي نظمتها على الصعيدين الإنمائي والتربوي..

مدير ثانوية عرمون نظام الحلبي ..حلم تحقق
مدير ثانوية عرمون نظام الحلبي ..حلم تحقق

متوسطة عرمون
تعتبر متوسطة عرمون المختلطة التي تديرها السيدة آمال الجوهري مثالاً للمؤسسة التربوية الناجحة إذ إنها تستقطب التلامذة من مختلف المناطق المحيطة وتمثل نموذجاً للتعايش والانصهار الوطني. ولهذه المدرسة تاريخ عريق إذ إنها أنشئت في العام 1943 أي في عام الاستقلال وما زالت تقوم بدورها التربوي المميز على مدى عقود وقد تقلب عليها عدد من المديرين الأكفاء وكان لها الفضل على الكثير من أبناء المنطقة.

مؤسسات المجتمع المدني
تزخر عرمون بجمعيات ومبادرات مدنية متعددة من أبرزها: «الجمعية الثقافية الاجتماعية»، «المشروع الخيري الاجتماعي – آل المهتار»، رابطة سيدات عرمون، الدفاع المدني – جهاز المتطوعين، الجمعية التعاونية للنحالين، رابطة عرمون، جمعية سواعد، جمعية اليد الخضراء.
ملف المهجرين
نتيجة لجهود مستمرة منذ حلول السلام في الجبل والشروع في معالجة ملف المهجرين تمّ على مراحل ختم الملف في عرمون عبر إخلاء منازل المسيحيين من شاغليها، وقد كان قسم كبير منها قديماً وقد أصابه التصدّع وبات بالتالي غير صالح للسكن، لذلك تمّ هدم تلك البيوت بهدف إعادة إعمارها من أصحاب الحقوق فيها الذين حصلوا على التعويضات لغرض إعادة بنائها.
وفي 6 تشرين الثاني 2004 وضع الحجر الأساس لكنيسة مار الياس الأورثوذكسية برئاسة متروبوليت جبل لبنان للروم الأورثوذكس المطران جورج خضر. وتّم إجراء المصالحة بين أبناء البلدة وبات الطريق بالتالي مفتوحاً لإعادة اللحمة وعودة المواطنين المسيحيين ليشكلوا كما كانوا دائماً جزءاً أساسياً من النسيج الاجتماعي لعرمون وحياتها المشتركة القائمة على التسامح والإنفتاح. لكن برغم تلك الخطوات فإن أكثرية المسيحيين لم يعودوا بعد إلى البلدة ويعود ذلك لأسباب مختلفة أهمها الهجرة أو تأسيس أعمال في مناطق خارج البلدة أو إحتياجات التعليم، لكن أحد الأسباب المهمة هو وجود جيل كامل من الشباب الذين ترعرعوا خارج البلدة ولم يألفوا أجواءها وهم يجدون أنفسهم بالتالي مشدودين إلى البيئات التي تربّوا فيها، وهذا يعني أن مشكلة عودة المهجرين معقدة وتحتاج إلى أكثر من العمل السياسي المباشر على المصالحات وهناك مصلحة مشتركة للموحدين الدروز والمسيحيين في إعادة بناء المجتمع العرموني ومجتمع الجبل عموماً على أسس الشراكة التاريخية التي ربطت بين الجماعتين الروحيتين على مدى الأزمان.

,واجهة بيت مع نحت قديم
,واجهة بيت مع نحت قديم

“أكثرية المسيحيين لم يعودوا بعد وهناك مصلحة مشتركة للموحدين الدروز والمسيحيين في إعادة بناء المجتمع العرموني ومجتمع الجبل عموماً على أسس الشراكة التاريخية”

شارك في إعداد هذا الملف الشامل مشكورين كل من المهندس الأستاذ زياد أبي غنام والأستاذ حسن أبو غنام والأستاذ نظام الحلبي مدير ثانوية عرمون

الحركة الشعرية في عرمون

برز في بلدة عرمون عبر السنين أعلام ومفكرون وأدباء وشعراء مجلّون كتبوا في الصحف والمجلات، ولكن على قلّة من الدواوين. نكتفي هنا بذكر أبرز شعراء الفصحى من أبناء عرمون مع نماذج مما توافر لدينا من أشعارهم.

المربي المرحوم الأستاذ شفيق محمد الجوهري ( 1985-1918)

عمل في سلك التعليم حيث أسس فرعاً للمدرسة الداودية في أغميد لعدة سنوات، ثم هاجر إلى بلدان الإغتراب وعاد ليستقر في بلدته عرمون يرصد الأحداث وينظم الشعر وقد ترك قصائد مميزة لم تنشر حتى تاريخه.
يقول في قصيدة نظمها في بداية الحرب الأهلية، وذلك بعد أن وصلت الأوضاع إلى الحدّ الذي لم يكن في الحسبان. يقول مخاطباً شريكه في الوطن:
تعــــــــال إلــيّ لا خوف عليكــا وأن تبطئ ذهبت أنا اليكـــــــا
تعـــــال إلى الحوار بلا تواني لنطرح ما لديّ وما لديكــــــــــا
بلادي كي نصون المجد فيها علي النصف والباقي عليكــــا
ومن شعره من وحي القضية الفلسطينية يقول:
بسنان الرمح لا سن البراعة يصرع البغي على أيدي الجماعة
لا يــردّ القدس مـن مغتصب منـــــــبـر يـرقـى ولا صـوت إذاعــة
إنـمـا النــصـر الـذي نــنشده لــو عـلمـتم هو فـي إيـمـان سـاعـة

المربي المرحوم الشيخ سليم قاسم يحيى (2005-1910)

دَرَس المربي الأستاذ سليم يحيى في الجامعة الوطنية في عاليه على يد الأديب الكبير مارون عبود، ثم عمل في سلك التعليم فكان مربياً ومديراً لمدرسة عرمون الرسمية حتى تقاعده في العام 1974.
نشر بواكير شعره في جريدة الصفاء لصاحبها إمام اللغة العربية العلامة الشاعر الكبير أمين آل ناصر الدين، وبعد التقاعد انصرف إلى المطالعة والتأليف الشعري والتزم التوجه الديني وكتب كتاباً صوفياً فيه بعنوان (قف معي في النور كي تقرأني). وقد أصدر أبناؤه بعد وفاته ديوانه الشعري بعنوان “ تلهّف الشعر والنثر”.
يقول في إحدى قصائده:
جنيت من المدارس رَجفَ كفّي وإلصاق الزجاج على عــيونـي
ونـلـت من الوزارة ما تــجــنـّــــى على عمري وأكثر من شجوني
ومن قصيدة له في عيد المعلم يقول:
كاد المعلم أن يسلم به الســـــأمْ ويــذوب بـيـن معذبيـه من الألمْ
أعطوا المعــــلم حقه فالعــــــلم لا يرضى تداس حقوقه او تُهتَضمْ

العميد القيم الدكتور طلال عامر المهتار

بالإضافة إلى تاريخه العسكري المشرّف تميّز الدكتور طلال المهتار بغزارة إنتاجه الشعري وجزالة ألفاظه ونفسه الشعري الطويل وحواراته الشعرية التي نال عليها الجوائز القيّمة. وفي قصيدة له موجّهة إلى المرحوم عارف النكدي يقول:
إن غاب “عارف” فالآثار باقية تـظـــــــل للـنـاس تأكـيـدا وبـرهـانــا
أعـمـالـه الـغرّ للأجـيال شاهـدة من غيره، مثلها، من قبل اسرانـا
ومن قصيدة له حول تصنيف المواطنين في لبنان يقول ساخرا:
يا من يصففنا من حـيث قلّتنا في ذيـل قـائـمة أو نـص إعلان
حتى الوزارات في توزيعها شطط لم يختلف حول هذا الأمر إثنان
بـأي مـقيـاس، او كــيلٍ تــكـيل به؟ وأي مـعيـارٍ بـل فـي أي ميزان

المرحوم الأستاذ محمد عباس يحيى (1983-1908)

ولد في عرمون وتلقى علومه في مدرسة الكبوشيين في عبيه ثم في الداودية ثم في الجامعة الوطنية. ظهر عنده ميل إلى الأدب واللغة والشعر فنماه فيه أستاذه مارون عبود.
عمل في مجال التعليم الرسمي معلماً في وزارة التربية وعُين مديراً لمدرسة كيفون الرسمية حتى تقاعده عام 1972.
من قصيدة له وردت في كتاب “ شعراء من جبل لبنان” للأستاذ نجيب البعيني قالها في عيد المعلم منها:
ما العيد عندك غير يوم تحفزّ للبـذل فيه تضاعف المجهودا
مــن كـالمعـلم بـاذل من نفسه ومجـــــددا آمــالـنـا تـجــديــدا
ومن شعره الوطني يقول:
الطـائـفـيـة فـي السـياسـة عـلة من دونها الطاعون والسرطان
انا لست من لبنان تحت سمائه يـتــنـازع الإنــجـيـل والـقــرآن

الأستاذ حسيب محمد الجوهري. توفاه الله في المهجر مؤخراً

شاعر مطبوع له ديوان شعري بعنوان “أشواك” وضع فيه خلاصة تجاربه في الحياة ومعاناة الهجرة يقول في قصيدة عن وطنه لبنان ألقاها في إحدى الأمسيات:
أمــدد يــديــك إلى السمــــاء وامــــــــلأ جــيـوبـــــــك انـجـمـا
لـبنــــــــان مــعـجزة الــزمــان تـــــــــــــأخــرا وتــقــــــــــــدمــــــــا
لــــــــبنـــان أهــــــــــــــــــــــــــــــواه ولــــســـــكـــنـــي أذوب تـــألمــــــا

ينابيع غزيرة وطاقة مهدورة

من المعالم التاريخية والأثرية التي لا تزال شاهداً بارزاً على تراث عرمون الطبيعي هي عين البلدة التي تقع في وادي نهر البستان، والتي سبق أن سكن حولها وجوارها العديد من الأمراء التنوخيين الذين تمتعوا بمياهها العذبة وإطلالتها الجملية على منطقة البستان الفسيحة التي كانت تغص بالمزارعين ليلاً نهاراً لإرواء مزروعاتهم التي كانت تنتشر في هذه المنطقة كأنها بساط سندسي عابق بالاخضرار والجمال.

كانت هذه العين، كما يروي الآباء والجدود، عبارة عن نبع غزير المياه تتدفق مياهه من باطن الأرض بشكل رائع، وتتجمع مياهه في بركة واسعة يستقي منها المواطنون وتروي بعض الأراضي المنتشرة حولها. وفي وقت لاحق، تلاشت جهود أهالي البلدة وقاموا بإنشاء قبو حسن البناء لجمع المياه فيه حيث تتدفق المياه بغزارة من ثلاثة مزاريب، وأمامه فسحة مصونة ببلاط من الحجر تحيط بها “درابزينات” ولها مدخلان من جهتي الشرق والشمال على هيئة جميلة، كان يمتد خارج “الدرابزين” لجهة الغرب حوض طويل عال نسبياً تصبّ فيه حنفية ماء خاصة لسقاية الحيوانات وينبسط أمام هذا الحوض دار واسعة بالإضافة إلى دار أخرى لجهة الشرق. وكان أبناء البلدة بالإضافة إلى استخدام مياه هذه العين للشرب فإن المزارعين كانوا يستخدمون مياهها الفائضة لري مزروعاتهم وأراضيهم.

وحيث إن هذه العين كانت رفيقة المزارعين الدائمة، فقد تمّ إستخدام نظام متطور للريّ، بحيث يتمّ إرواء كل الأراضي الزراعية الواقعة في منطقة البستان بشكل متواز، وذلك عن طريق توزيع حصص المياه وفقاً لمساحة كل قطعة أرض، وكانت “القصبة” وحدة المساحة المعتمدة آنذاك. وكان صاحب الأرض يحصل على ساعات الري اللازمة والكافية له، وكان “الدور” المعتمد للري سواء في الليل أو النهار، بحيث جعل المواطنين يعملون وفق هذا النظام لفترة طويلة. وتجدر الإشارة إلى أن نظام الريّ هذا بقي معمولاً به حتى بداية التسعينات من القرن الماضي حيث توقف العمل به بشكل نهائي بسبب إهمال العمل في الزراعة وإنصراف الجيل الجديد إلى الإنخراط في الوظيفة أو في الأعمال والمهن الحرة، تاركين أراضيهم العامرة بالإخضرار منطقة مهملة معدومة الإنتاج يغزوها الشوك والنباتات البرية الضارة.

وعلى الرغم من قيام بلدية عرمون في الماضي القريب بإعادة ترميم هذه العين وتجميلها، بقيت مياهها الغزيرة تنساح في وادي نهر البستان هدراً من دون أية إستفادة تذكر.

وبالإضافة إلى مياه “عين البلدة” التي أشرنا إليها هناك مياه أخرى تذهب هدراً. ففي عرمون منطقة زراعية هامة تدعى “الدوير” يروى أراضيها “نبع الدوير” الغزير المياه، ولكن ما أصاب “عين البلدة” أصاب “عين الدوير” التي تذهب مياهها في النهر المجاور لهذه المنطقة.

ويقول أحد مواطني البلدة إنه في الوقت الذي توقفت فيه الأعمال الزراعية، فبالإمكان قيام مشاريع مائية عن طريق جرّ هذه المياه إلى خزانات في أعالي البلدة، الأمر الذي قد يحل مشكلة شح المياه المتوقعة مستقبلاً.

وأخيراً نقول إن “عين البلدة” التي هي جزء من الطاقة المائية المهدورة، لن تبقى قيد الإهمال، فهذه العين باركتها الست سارة، وستعود إلى سابق عطائها بأي شكل من الأشكال وسيعود المواطنون إليها عاجلاً أم آجلاً.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading