الخميس, نيسان 25, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, نيسان 25, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

تقرير عن تطور دور مشيخة العقل

تطور دور مشيخة عقل الطائفة
خصوصاً بعد قانون العام 2006

صورة جامعة للمجلس
المذهبي الجديد بعد انتخابه

قانون 2006 أعاد توجيه مسؤوليات مشيخة العقل نحو الأوضاع الداخلية للطائفة في جوانبها الدينية والحياتية والتي أهملت لوقت طويل

مشيخة العقل ليست «زعامة» أو تمثيلاً لحزبية في الطائفة على حساب حزبية بل هي مرجعية للوحدة والحكمة والتعقل والإرشاد في شؤون السلوك والدين

الموحدون الدروز مسلمون وهم وإن اجتهدوا كغيرهم أو أخذوا بالطريق الأصعب للسلوك فإنهم متمسكون بانتمائهم الإسلامي دون لبس

ما هو دور مشيخة العقل في طائفة الموحدين الدروز؟ سؤال مهم لم تكن الإجابة الواضحة عليه أمراً سهلاً حتى سنوات قليلة في غياب الإطار المؤسسي الذي ينظم شؤون الطائفة. وعلى الرغم من صدور بعض النصوص القانونية بهذا الخصوص (خصوصاً قانون العام 1963 والذي تمّ استبداله بالقانون الرقم 208/ 2000) فقد بقيت صلاحيات شيخ العقل ودوره وطبيعة علاقته بالمرجعية السياسية وببعض مؤسسات الطائفة وهيئاتها موضوعاً ملتبساً يتأثر بالأجواء العامة أو بموقف الأطراف المختلفة كما يتأثر بشخصية شاغل المنصب والتفسير الذي يعطيه هو لدوره، أي أن هذا الموضوع المهم بقي قابلاً للاجتهاد والتأويل وغالبا ما يؤدي الاجتهاد – مع غياب النص الواضح- إلى التوسّع في تعريف الدور أو التضييق عليه، وهو ما قد يدخل شيخ العقل –سواء أراد ذلك أم لم يُرِده- في أخذ ورد لا يمكن أن يكون مفيداً للموقع ولما يجب أن يحيط به من إجماع واحترام، كما أنه لا يمكن أن يسهل لشيخ العقل القيام بالدور الروحي والعمومي الجامع الذي هو في صلب رسالته ومسؤولياته. «الضحى» أعدّت هذه الدراسة التي توضح أهم التحولات التي طرأت على موقع مشيخة العقل ودورها الوطني خصوصاً بعد قانون تنظيم شؤون طائفة الموحدين الدروز الصادر في العام 2006.

نشير أولاً إلى أن قانون العام 1963 لم يتضمن تطوراً أساسياً في المنصب بل كل ما فعله ربما هو وضع العرف في إطار من التنظيم التشريعي، ولهذا السبب بقي ذلك القانون مجتزأً وملتبساً إلى أن تمت معالجة ثغراته بالقانون الرقم 208/ 2000. لكن التعريف الذي تمت صياغته في أحكام القانون الصادر بتاريخ 2006/6/9 كان هو الأقرب إلى توحيد الرؤية القانونية لما سمِّي «ترتيب شؤون البيت الداخلي» فوُضعت أسُس الانتخاب العام لأعضاء المجلس المذهبي، والاتفاق على موقع مشيخة العقل وتحديد أطر العمل المؤسساتي كما توزيع المهام والواجبات بدءاً من شيخ العقل وصولاً إلى اللجان المتخصِّصة داخل المجلس المذهبي للطائفة، وكل ذلك استناداً إلى قواعد التنسيق والإشراف التي يتولاها موقع مشيخة العقل بالتشاور مع القيادات وممثلي كافة قطاعات المجتمع.
في هذا السياق، يمكن القول إن دور مشيخة العقل أصبح أكثر وضوحا ًوتحديدا وعلى الأخص باعتبار شيخ العقل رئيساً للمجلس المذهبي للطائفة ورأس الهرم المكوّن من قاعدة أعضاء المجلس المذهبي ومجلس إدارة المجلس واللجان المتفرّعة عن مجلس الإدارة، لكن شيخ العقل هو من ناحية التمثيل الرسمي المرجع الأول في تسيير الشؤون الدينية للطائفة وهو بهذه الصفة، يتحمل مسؤولية خاصة في تدبير شؤون مجتمع الموحدين، والعناية بقضاياهم، والسهر على ترتيب أوضاع المجالس والمزارات بما من شأنه تحقيق الغاية من وجودها.كما لحظ التنظيم الأخير مهمّة القيام بالإرشاد المباشر للمجالس وللموحدين عبر مراسلات كتابيّة تتناول مواضيع راهنة ومهمة بهدف خلق الوعي المشترك بين عموم الموحدين بشأن أوضاع الطائفة وما يجري حولها. وقد لاقت هذه التوجيهات صدى إيجابياً كما كشفت أن هذا الدور التوجيهي مهم ومطلوب من جمهور الموحدين الذين باتوا يطمئنون إلى مشيخة العقل وإلى ما يمكن أن تساهم به في الإجابة على التساؤلات ومعالجة المسائل المتعددة اليومية والتوفيق بين المواقف أو الأشخاص.

تعزيز الدور التوجيهي والروحي
إن قيام مشيخة العقل في متابعة الشؤون اليومية والدينية يندرج أيضاً في سياق تعزيز دور المشيخة كمرجعية معنوية وروحية للطائفة وليس فقط كمرجعية مذهبية-مدنية (من خلال دورها في رئاسة المجلس المذهبي)، علماً أن هذا الدور لا يستند فقط إلى العلم الواسع لشيخ العقل بالمسائل الدينية والقانونية، بل يستند في الوقت نفسه إلى كفاءة الرئيس الروحي للطائفة في التعامل الفاعل مع فريق العمل الذي تكوّن حول مشيخة العقل بهدف مساندتها في هذا المجال. وهذا ما يجعل الاجتهاد في موضوع المسلك والتوجيه الإسلامي الروحي للموحدين الدروز مسألة تدارس وشورى وتكامل في الجهود، فالإحاطة بمختلف أوجه مسلك التوحيد وإنتاج مواد التوجيه وبلورة المواقف من بعض المسائل العامة أو السياسات المتعلقة بمواضيع النشر ومضمونها وأسلوب عرضها وغير ذلك من المسائل، كل ذلك يتطلب عمل فريق كما يتطلب التعاون واستقطاب الكفاءات المطلوبة والتي تجعل من مقام مشيخة العقل بدوره مؤسسة ذات موارد فكرية وعملية تمكّنها من القيام بالدور المطلوب والمرتجى منها. وعلى سبيل المثال، فقد لحظ قانون تنظيم شؤون الطائفة إنشاء هيئة استشارية تساند شيخ العقل وتبدي رأيها في العديد من المسائل بما في ذلك مسائل إنفاق الموارد المتاحة والمساعدات وغيرها.
لقد وضعت التطورات السابقة الأسس لواقع مؤسسي بات يخالف الصورة الخاطئة التي كانت ترى في مقام المشيخة «زعامة» أو تمثيلاً ذا نزعةٍ عصبيّة أو عائليَّة، بل على العكس من ذلك، إذ ان انتخابات المجلس المذهبي الأخير رفعت العديد من الالتباسات وأعادت لمنصب شيخ العقل ما توحي به التسمية أصلاً من مؤهلات التقوى والحكمة والتعقل والتفقه في شؤون الدين، وأعاد هذا التحوّل للموقع احترامه ومكانته الخاصة كما أعاد توجيه مسؤوليات مشيخة العقل كمؤسسة نحو الأوضاع الداخلية للطائفة في جوانبها الدينية والحياتية والتي أُهملت لوقت طويل.
الى ذلك، فإن تركيز عمل مشيخة العقل ومسؤولياتها على الوضع الداخلي يسير جنباً إلى جنب مع قيام شيخ العقل بدوره كممثل لطائفة الموحدين الدروز في علاقتها بالطوائف الأخرى ولاسيما الطوائف الإسلامية الشقيقة. ومن أول شروط ارتفاع مكانة الموحدين الدروز على الصعيد العام هو نجاحهم في ترتيب البيت والإعتناء بشؤونهم وتوحيد صفوفهم بحيث يتعاملون مع الآخرين كجماعة وليس كجماعات شتّى.
نهج الاعتدال والانتماء الإسلامي
وفي هذا المجال، فإن مقام مشيخة العقل يُثبت يوماً بعد يوم مكانته الخاصة بالنظر للتعامل الواعي والمتزّن مع مختلف الشؤون العامة يما يشدّد على نهج الإعتدال والإنتماء الوطني الجامع ثم الإنتماء الإسلامي الذي يحدّد الهوية الدينية والروحية للموحدين الدروز. ومن هذا المنطلق فقد ركّزت مشيخة العقل دوماً على كون الموحدين الدروز جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الإسلامي من حيث الالتزام بأسس الإسلام وشعائره دون لبس أو إبهام وذلك مع الاعتناء في الوقت نفسه بالقيم التوحيدية وبأوجه الخصوصية التي يتميز بها اجتهاد الموحدين في عدد من الشؤون الحياتية والسلوكية، علماً أن هذه الاجتهادات تأثرت بصورة واضحة بالتعبير التقشفي أو الزهدي للإسلام كما عمل به الرسول (ص) والخلفاء الراشدين وعدد كبير من الصحابة الكرام والأولياء الصالحين والشيوخ في ما بعد. وقد عملت مشيخة العقل على الإضاءة الإعلاميَّة على العديد من المناسبات مثل إقامة صلاة العيد بمناسبة عيدي الفطر والأضحى، وإحياء رأس السنة الهجرية، وتنظيم الإفطارات في شهر رمضان المبارك عملاً بمضمون الآية الكريمة
}ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ{ (الحج:32)
لقد أثبتت تجربة المجلس المذهبي أن منصب مشيخة العقل يتطلب كفاءات ومؤهلات عالية ولاسيما على مستوى النزاهة الشخصية والحكمة والقدرة على العمل الدؤوب والمتابعة والأسلوب الحكيم في التعامل مع الصعوبات والمشكلات التي تهب يومياً في وجه العمل العام، والتركيز على تحقيق الغايات المرجوّة من وجود المشيخة ومسؤولياتها وقيامها بالدور الحكيم في وجه الخلافات والمنازعات والمواقف الحادة، حيث أنَّ شيخ العقل ينأى بنفسه عن الجدل والخلافات ليكون الرمز الأبرز لوحدة الموقف، ولعلوّ القيم التوحيدية، ورفعة السلوك والحرص على الإخوان والابتعاد عن كل ما يفرق صفوفهم أو يبث بينهم خلافات عقيمة تستنزف جهودهم، فضلاً عن التأكيد دوماً على البُعد الوطني وعلى مصلحة البلاد العليا في المواقف العامة.
لكن ما هي الإنجازات و الإضافة المهمة التي تندرج في سجل إعادة تحديد وتفعيل الأدوار المطلوبة من مشيخة العقل؟ هذا ما سيتم تفصيله في الفصول التالية.

مشيخة العقل والمسؤولية الإدارية

جعل قانون تنظيم أحوال طائفة الموحدين الدروز من شيخ عقل الطائفة قانونياً وعملياً المرجعية الرئيسية لإدارة الشأن المجتمعي الدرزي وذلك من خلال الإشراف المباشر على عمل المجلس المذهبي ولجانه وانتداب الممثلين عنه في المغتربات وإرسال البعثات والإشراف على المزارات والمقامات والأوقاف وشؤون التعليم الديني والنشر وانتداب المشاركين والممثلين عنه في المناسبات أو الندوات وتمثيل الطائفة في علاقاتها اليومية مع الدولة اللبنانية ومع الطوائف الأخرى وإعلان المواقف بإسمها. لكن القانون الذي حدّد مهام ومسؤوليات شيخ العقل تضمن في الوقت نفسه تعيين الآليات التي تنظّم اتخاذ القرارات المهمة بما يحقق المشاركة في الرأي والتشاور والدرس وذلك من خلال الدور المناط باللجان المتخصصة ورؤسائها وأجهزتها. وبهذا المعنى فإن دور شيخ العقل، هو مثل دور أي رئيس تنفيذي في مؤسسة يتعامل مع خيارات واقتراحات يتم درسها وبلورتها من خلال الإدارات واللجان، لكن هذه القرارات والخيارات المتعددة تحتاج في نهاية المطاف إلى شخص يتحمّل مسؤولية الاختيار بينها وترجيحها. وبهذا المعنى فإن شيخ العقل يتحمّل مسؤولية كبيرة هي على قدر التفويض الممنوح له من القانون.

دور مشيخة العقل في المجلس المذهبي للطائفة
بموجب القانون، فإن شيخ العقل يتولى تسيير شؤون الطائفة عبر اضطلاعه بالمهمات التالية:
يترأس جلسات المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز ويعتني لذلك بالإدارة الفعّالة للإجتماعات واتخاذ القرارات المناسبة والتوفيق بين الجوانب المختلفة لعمل اللجان، وبصورة عامة فإن أحد أهم الأدوار التي يقوم بها في هذا الموقع هو الحفاظ على جو الجدية والتعاون والعمل المثمر داخل المجلس.
يترأس الاجتماعات المشتركة للجان عندما يتطلب الأمر عقد اجتماعات للتنسيق بينها، وغالباً ما يتطلب الأمر هذا النوع من التنسيق بسبب تقاطع أعمال اللجان أحياناً والحاجة إلى حسم بعض المسائل المشتركة. وفي هذا المجال فإن دور شيخ العقل مهم أيضاً على صعيد الحفاظ على مناخ التعاون وحلّ الأمور العالقة في وقتها.
يشرف على مالية المجلس المذهبي وعلى مختلف نواحي الإنفاق ويتابع أوضاع الأوقاف ويهتم بكل ما من شأنه زيادة الموارد المالية للمجلس المذهبي ولجانه وذلك بما يساعد المجلس واللجان على القيام بمهماتها ومسؤولياتها.
يشرف على إدارة المقامات والمزارات والمجالس الدينية والخلوات ذات الطابع الديني العام.
يتخذ القرارات المتعلقة بإعادة تسجيل أبناء طائفة الموحدين الدروز وفقاً للقوانين المرعية الإجراء، ويحدد الأشخاص الذين يمارسون الشعائر الدينية التوحيدية من أجل إعفائهم من خدمة العلم.
يفـــوض لمـــدة معينة معتمـــدين مـــن أبناء طائفة الموحدين الدروز اللبنانييـــن للقيـــام في المهجر ببعض الأعمال المتعلقة بممارسة الشعـــائر التوحيدية وله إنهاء التفويض أو تعديله في أي وقت يشـــاء.

1. استقلالية وحصانة مقام مشيخة العقل
أعطى قانون تنظيم شؤون الموحدين الدروز شيخ العقل في هذا الإطار صلاحيات واسعة روحية وإدارية ومالية تعزز استقلاليته وتصون موقعه الذي لا يمثل شخصه بحسب بل يمثل الطائفة ويجب أن يرمز إلى قوتها وهيبتها ومكانتها داخل الوطن وفي ما يتعداه.
وفي سياق تحصين هذا الموقع وإبعاده عن الاعتبارات السياسية أو التدخل من أي نوع، فقد جعل القانون لشيخ العقل بمجرد انتخابه من الهيئة العامة للمجلس المذهبي حصانة تامة تنبع من المنصب نفسه وأهميته المعنوية للموحدين الدروز. وبهذا المعنى فإن القانون يحظّر عليه الجمع بين منصب مشيخة العقل وبين أي عمل آخر من أي نوع كان رسمياً كان أو خاصاً. فشيخ العقل مكرّس بكليته للطائفة وشؤونها.
وكما أعطى القانون لشيخ العقل حصانة قانونية فإنه أعطاه وفي نطاق إدارته لمؤسسة مشيخة العقل استقلالاً واسعاً إدارياً ومالياً. فمشيخة العقل تتمتع بميزانية مستقلة عن ميزانية المجلس المذهبي. وبهذا المعنى فإن شيخ العقل يمسك الحسابات بالواردات والنفقات ويعين مدققاً داخلياً لضبطها وله منفرداً فتح الحسابات المصرفية بإسم المشيخة والسحب منها والإيداع فيها. وبسبب استقلالية ميزانية مشيخة العقل عن ميزانية المجلس المذهبي فقد ترك القانون لشيخ العقل الحرية في تزويد المجلس المذهبي بنسخة عن ميزانية مشيخة العقل “على سبيل العلم”.
ويضع شيخ العقل موازنة المشيخة من موارد ثابتة تأتي من نسبة معينة من حصيلة التبرعات المقدمة للمزارات الدينية (25 %) التي تقع تحت إشراف المشيخة ومن إيرادات الأوقاف والأملاك الموضوعة بإشراف مشيخة العقل (أملاك الشيخ احمد أمين الدين) والتي تتم جبايتها بمساعدة لجنة الأوقاف فضلاً عن الهبات والتبرعات والوصايا الواردة لحساب مشيخة العقل. إن إنفاق التبرعات المقدمة من المزارات الدينية يتم بموجب قرارات من الهيئة الاستشارية لمشيخة العقل.
إن الاستقلالية الممنوحة لشيخ العقل في إدارة هذا المقام المهمة جداً في إدارة الشأن الديني لم تفهم دوماً على حقيقتها كما لم يقدر البعض المغزى المعنوي المهم من وراء النصوص القانونية التي كرستها. وسبب ذلك هو على الأرجح الاختلاط الذي قد يحصل أحياناً في النظر إلى مقام مشيخة العقل إذ يغفل البعض التمييز بين دور شيخ العقل في مهامه الروحية وبين دوره كرئيس للمجلس المذهبي للطائفة. ومن الواضح أن موجبات وحقوق كل من المنصبين ليست ذاتها. فبصفته رئيساً للمجلس المذهبي يتمتع شيخ العقل بصلاحيات واسعة لكنها صلاحيات “وظيفية” تتعلق بتسيير عمل المجلس وإدارة فريقه والإشراف على لجانه المختلفة. لكن في مهامه الروحية فإن شيخ العقل يتمتع بصلاحيات هي أقرب إلى الحقوق أو الامتيازات المتصلة بالمقام وبأهمية صونه وإعطائه درجة كبيرة من الاستقلالية، لأن أساس انتخاب شيخ العقل هو الثقة بدينه ومناقبه ورجاحة عقله وهي الصفات التي يستند إليها التفويض المعطى له والذي يجعله سيد مقام المشيخة والمتحمل لمسؤولياتها واستخدام مواردها والسهر على مجتمع الموحدين والمجالس والاهتمام بالتوجيه الديني، وإيفاد البعثات أو تنظيم أو رعاية المناسبات الدينية وغير ذلك الكثير.

باعتبارها مرجعية روحية للموحدين الدروز فإن لمشيخة العقل حصانتها واستقلاليتها وهي تتمتع بتفويض واسع في إدارة الشأن الإيماني وإدارة شؤونها المالية والإدارية

2. تعيين الهيئة الاستشارية لشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
تجتمع الهيئة مرة كل شهر في مقام الأمير السيد عبد الله (ق) برئاسة شيخ العقل ويمكن له دعوتها عند الحاجة لعرض مختلف الشؤون الروحية.

3. إدارة وضبط الشأن الديني بالتشاور مع الهيئة الاستشارية
يعتبر الشأن الديني من أكثر الأمور أهمية ودقة بالنسبة للموحدين الدروز. وتقوم أهمية هذا الشأن على خصوصية مسلك التوحيد باعتباره تطبيقاً لجوهر التوحيد الإسلامي وعملاً برسالته الروحية التي نص عليها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الشريفة وكذلك اقتداء بالصحابة الكرام وبالألوف من الأولياء الصالحين والزهاد العارفين الذين يظهر لهم الموحدون احتراماً شديداً ويتناقلون سيرهم ومواعظهم وما خلفوه من تراث التنبيه والإرشاد في مجالسهم.
لكن بالنظر للطبيعة الخاصة لمسلك التوحيد والينابيع المتعددة التي ينهل منها فقد اقتضى على الدوام وجود مرجعية دينية واسعة العلم ومشهود لها بالاختبار والإحاطة لتبيان أصول الإتباع والتفريق في الوقت نفسه بين ما هو أصيل وما هو دخيل على مسلك التوحيد. وفي غياب التوجّه الصحيح والتمييز المدرك فقد برزت أحياناً اجتهادات في غير محلها وراجت أفكار وأقاويل تسيء إلى حقيقة التوحيد وتشوه معانيه، بل الكثير مما يروج أحياناً هو فهم خاطئ وقد يكون هدف بعض مروجيه إيقاع الفتنة بين الموحدين أنفسهم أو بينهم وبين العقائد والأديان وهو ما يجب أن نحذر منه أشدّ الحذر.
لهذه الأسباب فإن من أولى مسؤوليات مشيخة العقل الدفاع عن مذهب التوحيد وصونه من كل دخيل أو خارج عنه نصا أو معنى. وفي هذا السياق قامت مشيخة العقل بدور كبير ومسؤول في هذا المجال من خلال المبادرات التالية:

1. إصدار كتاب السبيل إلى التوحيد
يتضمن هذا الكتاب، والذي صدر حتى الآن باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، لأول مرة عرضاً مبسطاً لثوابت ومرتكزات المسلك التوحيدي. وهو يأتي في سياق سلسلة من المبادرات التي تستهدف توضيح أسس المسلك لمختلف فئات الطائفة في الوطن أو المهجر، كما استهدف توفير مدخل يُمكّن جميع أبناء الطائفة من امتلاك بعض أهم الأسس الروحية التي توضح هويتهم الدينية والروحية والثقافية وتحفزهم بالتالي لمزيد من الإطلاع من خلال الوسائل والقنوات التي توفرها مشيخة العقل وتشرف على موادها ونوع التعليم الذي تقدمه للمهتمين، وسيتبع بعونه تعالى أجزاء أخرى.

2. توجيه مجالس الذكر
البدء في إرسال رسائل وعظية وإرشادية تقرأ في مجالس الذكر وتستهدف مدّ جمهور الطائفة بالتوجيهات الأولية، إيضاح بعض النقاط المهمة الخاصة بالمسلك بما يوجب فهمها والعمل بها على أوسع نطاق ممكن.

3. ضبط الشأن الإيماني
ويتم ذلك بصورة خاصة عن طريق تفعيل الجهود الرامية لضبط المواقف التي قد تصدر عن بعض الناشطين في الطائفة سواء في المناسبات العامة أم الإعلامية أو وسائل النشر وقد حصلت في المدة الأخيرة عدة أمور أثبتت أهمية الانضباط وعدم التسرع والتشاور مع مقام المشيخة قبل أخذ مبادرة المشاركة في المناقشات والمناظرات التي قد تتطرق لشؤون العقيدة والمسلك. ومن المفيد أن نشير في هذا المجال إلى أن قانون تنظيم شؤون الموحدين الدروز ينص بكل وضوح على مسؤولية مشيخة العقل في هذا المجال إذ جاء فيه أن شيخ العقل: “يعطي الإذن المسبق لكل ما يصدر من كتب ومنشورات مرئية ومسموعة ومسجلة ذات الطابع الديني العقائدي لطائفة الموحدين الدروز”. وتمتد صلاحية شيخ العقل هنا إلى المجال التعليمي، إذ يعود إليه “إعطاء الموافقة المسبقة بالتنسيق مع اللجنة الدينية في المجلس على برامج التعليم الديني لدى طائفة الموحدين الدروز والإشراف على هذه البرامج”.

4. تأكيد الانتماء الإسلامي
الموحدون الدروز مسلمون وهم اجتهدوا كغيرهم من الفرق الإسلامية في التطبيق والأحكام وإن أخذوا ربما بالمنحى الأصعب للسلوك فإنهم يؤكدون على انتمائهم الإسلامي دون لبس. وإن من أبرز ما قامت به مشيخة العقل هو اتخاذ جملة من المبادرات والخطوات التي استهدفت تأكيد الانتماء الإسلامي للموحدين الدروز والتشديد على ضرورة التزام الموحدين الدروز بما هو مأمور به وإهمال كل ما راج بفعل الجهل والتهاون في أمر الدين من اجتهادات وأفكار أفرغت الإيمان التوحيدي من أي موجبات أو التزام بتهذيب النفس والعبادة الحقة.
وكيف يمكن للموحدين التقدّم في معارج الإيمان مع إهمال التقرب من المولى واحترام شرعته ووصاياه وما كانت تلك الوصايا إلا عن علم بضعف الإنسان { وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (النساء:28) وانكشافه الدائم لإغراءات النفس الضدية خصوصاً في هذا الزمن الذي انهارت فيه القيم واشتدت فيه قوى الجهل الظلمة. {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب: 72) {. إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} (الزخرف: 15).
إن إهمال القيام بواجب العبادة للمولى والتجرؤ على حدود الله يورث الخسران ويعرّض الموحدين الدروز لمخاطر الامتحان وساعات الشدة وما انتصر الموحدون في كل الأزمان على العدوان والظلم إلا بسبب طاعتهم لله وخوفهم الدائم من الوقوع في أشكال الإنكار والحرام.

5. احتضان المغتربين
يواجه الموحدون الدروز في المغتربات أوضاعاً صعبة لجهة الحفاظ على إيمانهم وما يرتبط به من محافظة على القيم وتربية صالحة للأبناء، وذلك بسبب الضغوط الشديدة التي يتعرضون لها من الثقافة السائدة ووسائل الإعلام وبرامج التعليم والاختلاط الواسع ومظاهر الانحراف السلوكي التي عمّت خصوصاً أكثر بلاد الغرب. وفي مثل تلك الأجواء فإن الهم الأول للكثير من الأسر والعائلات يتركّز في كيفية الحفاظ على هويتهم وهوية أبنائهم الذين يولدون في تلك البقاع ويوشكون في وقت قصير أن يندمجوا بأطفال وأولاد تلك البلدان لا يفرقهم عن غيرهم الكثير لجهة الجهل بالدين والاكتساب التدريجي للعادات والانحرافات الرائجة.
وفي تلك المناخات حاول بعض المخلصين من أبناء الطائفة تنظيم ورش عمل أو ندوات أو لقاءات اجتماعية وثقافية، كل ذلك على أمل أن يساعد ذلك على صون الهوية وحس الانتماء. لكن وفي غياب أي نصوص مرجعية مأذون بها فقد كانت تلك المبادرات قائمة على الجهد الشخصي وأحياناً التأويل الشخصي لشؤون دقيقة وحساسة. وقد لمست مشيخة العقل مدى افتقاد المغتربين لوسائل التوجيه والتثقيف الديني خلال انعقاد المؤتمر الاغترابي الأول والذي شهد مشاركة واسعة من المغتربين في مختلف أصقاع الأرض. وكان احتضان تلك الجهود ومد يد العون إلى جميع المخلصين من أبناء الطائفة في الخارج أحد الدوافع وراء العمل على إصدار كتاب «السبيل إلى التوحيد» ليكون بمثابة النص المرجعي المعتمد في عمليات التنشئة وحلقات التعليم التي تنظم في الخارج حول مسلك التوحيد وبحيث يحال دون اضطرار البعض لإصدار نصوص أو مراجع قد لا تكون مستوفية لشروط الوضوح أو الدقة. وتعدّ مشيخة العقل لترجمة النص إلى اللغات الأجنبية الرئيسية وفق أفضل مقاييس الدقة والأمانة، كما تعد لإصدارات جديدة في المستقبل في هذا الشأن.

ما انتصر الموحدون في كل الأزمان على العدوان والظلم إلا بسبب طاعتهم لله تعالى وخوفهم الدائم من إنكار حقوقه والوقوع في مزالق الإنكار والحرام

6. تأكيد الحضور في الشأن العام
أخيراً، فإن من أبرز الخطوات التي حققتها مشيخة العقل تأكيد طائفة الموحدين الدروز لحضورها الخاص والمميز في الشأن العام وذلك من خلال الدعوة و المشاركة في القمم الإسلامية، والإسلامية – المسيحية، وفي مختلف مناسبات الحوار واللقاءات الدينية الجامعة أو الإسلامية والتواصل الدائم مع أركان الطوائف الإسلامية والمسيحية والإعلان عن مواقف محددة بشأن القضايا المحلية أو العربية كلما دعت الحاجة. وقد أصدرت مشيخة العقل سواء عبر المجلس المذهبي أم بصورة مستقلة عشرات المواقف المهمة التي ركزت عليها وسائل الإعلام وذلك بما يؤكد بأن الموحدين الدروز كانوا ولا يزالون وسيبقون من أولى الفصائل المجاهدة في سبيل العرب والمسلمين وأنهم على استعداد دائم للذود عن حياضهم وعروبتهم كلما دعت الحاجة.

7. واجب مراقبة الأوقاف العامة ومقاضاة المتعدين عليها
بموجب القانون الصادر بتاريخ 2006/2/12 اكتسب المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز حق الولاية والإشراف على الأوقاف الدرزية، واتخاذ القرارات اللازمة التي تكفل حسن إدارتها، وطريقة استغلالها ووجهة صرف ريعها، وكل ما من شأنه تحقيق غايتها (باستثناء خلوات البياضة).
وأعطت أنظمة المجلس المذهبي لشيخ العقل بصفته رئيساً للمجلس ممارسة الصلاحيات والمهام التي أولاه إياها القانون، ويمثل المجلسين (الهيئة العامة ومجلس الإدارة) ويرأسهما وينطق باسمهما، وبهذه المهمة يتولى شيخ العقل مع اللجنة القانونية في المجلس المذهبي وبالتعاون مع لجنة الأوقاف اختيار وتوكيل المحامين للدفاع عن حقوق المجلس المذهبي والأوقاف.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading