الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

جمال باشا

بمناسبة ذكرى شهداء 6 أيار

جمال باشا في سوريا ولبنان

.هزائم عسكرية وتهجير منظم ونهاية بائسة

كان أحمد جمال باشا (1873-1922) نموذجاً على العصبة التي استولت على السلطة في الدولة العثمانية بأساليب التآمر ثم الانقلاب العسكري على الخليفة السلطان عبد الحميد الثاني. وقد كتب الكثيرون عن علاقة الماسونية الدولية بالإنقلاب وولع الإنقلابيين بنمط الحياة في الغرب وهم الذين حاولوا ردّ أزمة الدولة وإن بصورة غير علنية إلى وجود الخلافة وقوة الدين، وهذه النزعة الغربية المعادية في الجوهر للإسلام هي التي ستقود في ظل حكم كمال أتاتورك إلى إنهاء الخلافة وعلمنة تركيا وسلخها عن عالم الإسلام ثم عن اللغة العربية عبر تبني الحرف اللاتيني.
لقد أثبتت الأحداث أن الانقلاب على الخلافة أضعف موقف الدولة العثمانية كثيراً خلال الحرب العالمية الاولى لأنه وجّه ضربة قاصمة إلى شرعيتها ومعنويات الدولة وإلى علاقاتها بالعالم الإسلامي وأفقدها أهم عامل كان يعزز قوتها في الحروب وهو عامل الحمية الدينية والجهاد، أضف إلى ذلك أن قادة الانقلاب أظهروا أن موهبتهم في الاستيلاء على السلطة كانت أكبر من كفاءتهم في حكم ولايات الدولة أو شنّ الحروب ، كما يدل على ذلك الطريقة التي أدار بها أحمد جمال باشا حاكم سوريا ولبنان وفلسطين وقائد الجيش الرابع الحملة الفاشلة على مصر وقناة السويس. ارتأت «الضحى» ونحن على شفا الاحتفال بعيد الشهداء الذين أعدمهم جمال باشا أن تعرض لصورة موجزة لفترة حكمه التي تميّزت بالتخبط والبطش والكراهية كما تميّزت بهزائم عسكرية أظهرت ضحالته كقائد ومخطط عسكري وفرضت على الحكومة التركية إقالته من مناصبه ومحاكمته. وقد رُوي عن طلعت بك زميل جمال باشا أنه خاطبه يوماً بقوله: «لو أنفقنا كل القروض التي أخذناها لستر شرورك وآثامك لما كفتنا».

بتاريـخ 6/12/1914، أوفـدت الـدولة العثمانيـة أحمد جمال باشـا وزير البحـرية، على رأس الجيـش الرابع إلى بـلادنا في مهـمّة عسكريـة.كان هدفها مهاجمة القـوات الإنكليزية المـرابطة على قنـاة السويس تمهيداً لطـرد الإنكليـز مـن مصـر وإعـادة مصر ولايـة عثمانيـة. كان الهدف عظيماً لكن الشخص الذي أوكل إليه الأمر كان أسوأ اختيار ممكن لتلك المهمة الخطيرة.
بدل التمهيد للحملة باستمالة الرأي العام في بلاد الشام والعراق، وباستثناء خطاب فارغ من المعاني ألقاه في دمشق عند وصوله، فقد أرسل جمال باشا، الكاره للعرب، فور وصوله إلى دمشق فـرقاً من الجيش العثماني، إجتاحت بيـروت وجـبـل لبنان، وتمركزت قيادتها في مدينة عاليه وألغى نـظام المتصرّفية، ووضع المتصرّف وموظفيه وعسكرييه بتصرف الجيش التركي، وأنشأ محكمة الديوان العـرفي، وكانت قـوات عثمانية قـد داهمت القنصليات الأوروبية في بيـروت،وأخرجت مـن القنصليـة الفرنسيـة لوائح بأسماء أشخاص من المـوظّفين الكبـار والوجهاء والأعيان والسياسيين، من اللبنانيين والسوريين الأكثـر نفـوذاً في بيـروت ودمشـق، كانـوا يترددون إلى هـذه القنصليات وخصوصاً قنصلية فـرنسـا، وسـلّمتها إلى جمال باشا. فبـدأ جمال باستدعائهم والتحقيق معهم ومحاكمتهم، وقـام بشـنق عـدد منهـم في بيـروت ودمشـق، ونـفي عـدد كبير إلى داخـل سوريا والقـدس وبلاد الأناضول، بسبب علاقاتهم المزعومة بتلك القنصليات، وفرض التجنيد الإجباري، ومنع نقل الحبوب إلى الجبل بهدف توفيرها للجيش التركي. وزاد المأساة، إقـدام الأتراك على استبدال العملة الذهبية بالعملة الورقية، فهبطت قيمة النقـد العثماني وارتفعت الأسعار، والتهم الغلاء مداخيل الناس، وانتشرت المجاعـة.

حملـة السويس الأولى
بـدأ جمـال باشا بالتحضير لتعبئة حملة عسكرية للهجـوم على قناة السويس، وأمـر بأن يجمـع من لبنان كل مـا يحتاجـه الجيـش في تنقّـلاته، مـن الخيـل والبغـال والحميـر وأكياس الجنفيص وصفائـح التنـك واستئجار كل مـن يـريـد العمـل مع الجيش مـن العمّـال في مختلـف المهـن بأجـور سخية، وتبيـن في ما بعـد، أن مـن عـاد منهم سالماً لـم ينـل أي أجـر. 2 وكان بكـر سامي بـك والي بيـروت، قـد طلـب مـن البطريـرك المـاروني، مبلـغ عشـرين ألـف قـرش صـاغ، ثمـن سـتة آلاف وخمسمائة /6,500/ ورقــة يانصيـب لمساعـدة الجيـش العثماني، وزعـت الأوراق على الأديـار والكهنـة والمـدارس،3 ثـمّ انتقـل جمـال باشا إلى مـدينة معـان في الأردن، مكان تجمـع كتائب الجيش العثماني، القـادمة مـن تـركيا والحجاز وسوريـا ولبـنان وفلسطين، وفـرق المتطوعيـن مـن أتـراك وعـرب وجـركس وصـرب وأرناؤوط وغيرهـم. وكان مجموع هـذه الحملة يـقـدّر بـ 12.642 رجـل، و986 حصاناً، و 12,000 جمـل، و 328 ثـوراً بالإضافة إلى العتاد والأسلحة الثقيلة والخفيفـة. وانطلـق جمـال باشا على رأس تلك القـوات الى صحراء سـيناء، لمهاجمـة القوات البريطانية المرابطة على قناة السويس. فتقـدّمت كتيبـة من البـدو المتطوعين استولت على العـريش، وكتيبـة أخـرى اسـتولت على قلعـة النخل في سـيناء.
وبتـاريخ 2 شباط 1915، شـنّ الجيش العثماني هجـوماً على القـوات الانكليزية المـرابطة على قنـاة السويس بمساعـدة ضبّاط ألمان، واجـتاز سـتمائـة (600) جنـدي القناة إلى الضفّـة الغـربية، بـعـد أن وضعـوا جسـوراً عـائمـة، فشـعـر بهم الجنود الانكليز، وهجموا على الموقـع وأخـذوا الجنود العثمانييـن أسـرى. وبـدأت المعركـة بيـن الجيشـين بالتراشق بالمدفعيّة، وقصفت الطائرات الانكليزية مـركـز قيادة الجيش العثماني، الذي يبعـد مسافة ثلاثـة كيلومترات عـن ضفّـة القناة ، كمـا أمطرته البوارج الانكليزية بالقنابـل، فانهـزم الجيش العثماني وتراجعت قـواتـه الى سيناء، ومنها الى بئـر السبع في فلسطين. أمّـا الجنـود العثمانيون الأسـرى، فقـد قـام الجيش الإنكليزي بعـرضهم في شوارع القاهـرة، وخرجت الصحف الإنكليزية تشيدوا بالنصر وتكيل القـدح والشتائم للجيش العثمـاني.
وحسب المصادر التاريخية فقد بلغت خسائر الجيش العثماني ( 178) قتيـلاً، و( 381)جـريحاً، و( 727) مفقـوداً، بالاضافة الى عـدد الأسـرى.4
وكي لا تتـرك هـذه الهزيمة أثـراً سيـّئاً في نفـوس الجنود الأتراك، أصـدر جمال باشا بياناً عسكرياً قال فيـه إن الجـنود أدّوا واجبهم بوطنية، إنّمـا هـذا الهجوم كان استطلاعاً هجومياً «اختبار بالنيران» لمعرفة القوى التي يمتلكها العـدو، ومـا يحتاجه الجيش العثماني لعبـور القناة.5 في الهجوم الفعلي.
بـعـد هـذه الهـزيمة، وسقـوط هـذا العـدد مـن الضباط والجنـود، قتلى وجرحى ومفقـودين وأسـرى، تبيـن أنّـه لا قيمـة لحيـاة هـؤلاء، لـدى القـادة الأتراك جمال وطلعت وأنـور، وإن مـا ذكره جمال باشا عـن هـذا الإستطلاع لمعـرفة قـوى العـدو، مـا هـو إلاّ تبـرير لفشلـه في قيادة العمليات الحـربية.

جنود أتراك في ساحة إعدام شهداء 6 أيار 1916 على يد المحاكم العرفية لجمال باشا
جنود أتراك في ساحة إعدام شهداء 6 أيار 1916 على يد المحاكم العرفية لجمال باشا

تهجيــر منظم للنخبة السورية واللبنانية
بـعـد فشـل الهجـوم على قنـاة السويس وهـزيمة الجيـش العثماني، شـعر جمـال باشـا بنقمـة المنطقة عـلى الاتـراك، فبـدأ يحـاول التقـرّب مـن العـرب، ويلـحّ على النـاحية الـدينية الإسلامية لإسـتثارة العـرب في الحـرب. لكنّـه بعـد أن سمح للمنفيين بالعـودة الى أوطانهم، عـاد وألقى القبض على معظمهم مجـدّداً، وعلى آخرين من لبنان وسوريا وفلسطين، وبـدأ بنفيهـم مع عائلاتهم الى الأناضول. وعمل على تأليف لجنة في دمشـق دعيت «قومسيون التهجير»، كانت مهمّتها سـوق المنفييـن مع عائلاتهم الى الأناضول، وتسجيل أملاكهم لإعطائهم بـدلاً عنها في أمكنـة نفيهم. وقـد تـمّ نفي حوالي ألفي شخص الى مـدن : أزميـر، مغنيسيا، أردمير، بورصة، أسكي شهر، قـره شهر، يني شهر، طوقات، سيوس، أدرنة، قونير على ان يستمر النفي ليبلغ عـدد المنفيين عشرات الآلاف، وقـد أراد جمال باشا ورجال الاتحاد و«الترقّي» من هذا الاجراء، اقتلاع العائلات ذات الوجاهة من جـذورها، واحضار عائلات أتراك وأرمن وعرب مكانهم، مـن أجـل تتـريك بلاد الشام وانتـزاع الفكرة العربية منها.
كان جمـال باشا قـد وجّـه بـلاغاً إلى اللبنانييـن، بإعـلان الأحكام العـرفية. وكل شـخص يظهر أياً مـن مظاهـر العطـف، أو المحبّـة نحـو الفرنسيين أو الإنكليـز أو الـروس، يحاكـم فـوراً أمـام ديـوان الحـرب ليلقى جـزاءه مـن العقـاب، وقـد بلـغ عـدد الذين نفّـذت بحقّهـم أحـكام الاعدام بتعليقهم على المشانـق 52 شخصاً، وعـدد الذين صدر بحقهم أحكام اعـدام غيابية 80 شخصاً، ولـم ينفـع وجـود فيصل في دمشق، والتماسـه العـفـو عن المحكومين مـن جمـال باشـا، وتـدخّل الشريف حسين بالذات لمنـع تنفيـذ الإعـدام في 6 أيّـار 1916، بأشخاص وطنيين في دمشق وبيروت، بتهمـة العمـل على فصل سـوريا وفلسطين والعـراق عـن الـدولة العثمانيّة6. وكان الشريف حسين «شـريف مكّـة»، يسعى لإقامـة حكم عربي بـرعايـة بـريطانية.
عمّـت المجاعـة في لبنان خلال العامين 1915 و 1916، بسبب الغلاء وفقـدان المـواد الغذائية، وانتشار الجراد الذي قضى على كل مـا هـو أخضر مـن الأشجار والنبات، وقـد حوكم العشرات أمام محكمة الديوان العرفي في عاليه، وعلّـق العـديد على المشانق في بيروت ودمشق، كمـا نفـي المئات إلى فلسطين وبلاد الأناضول، وقضي على نظام المتصرّفية وأصبح لبنان يـدار كأيّـة ولاية عثمانيّة.

القصف المدمّر للبوارج البريطانية أحبط هجوم الجيش العثماني على قناة السويس وأوقع به خسائر جسيمة
القصف المدمّر للبوارج البريطانية أحبط هجوم الجيش العثماني على قناة السويس وأوقع به خسائر جسيمة

حـمـلة السويس الـثانية
عمـل جمال باشا على تجهيـز حملة عسكرية ثانية للهجوم على قنـاة السويس، ونقـل مقـرّه العـام إلى القـدس، ليكون قـريباً مـن الجبهة وعلى إتصال بالعمليات الحـربية. قامت الحملة بهجومها على القنـاة في شهر تمّـوز سنة 1916، بمساعـدة فـرقة طيران ألمانية، وصلت مـن برلين إلى بئـر السبع في فلسطين، وبطاريات مـدافع ميدان ألمانية ونمساوية، وقطعـت صحـراء سـيناء، وبوصولها الى محلّتي قاطية والروماني في سيناء، على بعـد أربعين كيلومتراً مـن القنـاة للجهـة الشرقيّة، كانت القوات الإنكليزية بانتظارهـم، وبـدأت بقصف القوات العثمانية بـرّاً وبحـراً وجـوّاً، وحصلت معركة بين الجيشين، انهـزم بنتيجتها الجيش العثماني، وانسحبت قواتـه الى العريش، ومنها الى خـان يونس وغـزّة في فلسطين.
كانت خسائر الجيش الانكليزي في هذه المعركة 1200 قتيل، أمّـا خسائر الجيش العثماني كانت 9400 قتيل مـن أصل قـوة عـددها 18000 جنـدي ومتطـوّع، والفرقـة التي تلقّت النيران الانكليزية، كانت مـن خيـرة الضباط والجنود العـرب.7
في أواخـر شهر كانون الأول 1916، إحتـلت القـوات البريطانية العـريش وتقـدّمت إلى فلسطين. لكن في شهر حزيران 1917، تمكّـن الجيش العثماني مـن صـدّ هجـوم للقـوات البريطانية في غـزّة، وأنـزل بهـا خسائـر فادحـة، فتابعت القوات البريطانية تجهيزاتها بقيادة الجنرال اللنبي، وأعادت هجومها على القوات العثمانية في شهر تشرين الثاني، اضطرتها للجلاء عـن غـّزة وبئـر السبـع ويـافا، ودخـل الجنرال اللنبي القـدس في 10 كانون الأول 1917. أمّـا الجيش العربي المؤلّـف من المتطوعين ومـن التحق بهم من أسرى الجيش العثماني، فقـد قام بأعمال حربية بقيادة أحـد أنجال الشريف حسين، ومساعدة البريطانيين، أجبـرت الجيش التركي على الإنسحاب من فلسطين والبلاد العربية.8
بـعـد تقهـقـر الجيش العثماني وهـزيمته في مصـر وفلسـطين، عـاد المنفيـون إلى بـلادهـم، وتـزعزعت مكانة جمال باشا في تركيا، فأقيل من منصبه واستدعي الى اسطنبول للمثول أمام اللجنة العسكرية العليا، بسبب فشله في حملـتي القـناة الأولى والثانية، وفشله أيضاً في قيادة القوات أمام الشريف حسين، وبسبب علاقته السيئة مع الضباط الألمان ومعـارضته لهـم، وإعـاقـة مخططاطهم، وانكشافه كجاهل في التخطيط العسكري، فجـرى كـفّ يـده ليتحوّل الى دور آخـر.

العدد الجيش العثماني الرابع حاول اختراق قناة السويس بمساعدة الألمان

نـهايـة جـمال بـاشا
بعـد هـزيمة الدولة العثمانية، هـرب معظم أركانها الذين كانوا متحكمين بمقـدّرات الدولة، ومنهم جمال باشا الذي غـادر الى افغانستان بـدعوة من ملكها لتنظيم الجيش الأفغاني. فأوفـده الملك الى فرنسا لشراء معـدّات للجيش الأفغاني، واستقبله الفرنسيون بحفاوة. وعنـدما علمت الصحف اللبنانية الصادرة في باريس، قامت بشـنّ حملة إعلامية ضـد جمال باشا، وذُكـر أن محكمة في بيروت، أصـدرت حكماً بـوجـوب اعتقالـه وتسليمه إلى القضاء اللبناني لمحاكمتـه9. لكـن جمال باشا عـاد الى كابول، فمـرّ في مدينة تبيليسّي، أو تفليس القديمة عاصمة جمهورية جورجيا، وفيما هو يخرج من المقهى في شارع نقولاوسكي، أطلق شاب أرمني النار عليه من مسدسه وصرعه في الحال. أمّا أنور باشا فقد قتله مرافقه في طريق تركستان، وكان المرافق يزعم أنه تركي مسلم، وتبين أنه أرمني، وطلعت باشا وعزمي بك قتلا في برلين، وعزمي بك هذا كان وزيراً، وهو غير عزمي بك والي بيروت.10
في سنة 1916، أوفـدت الـدولة العثمانية وفـداً من الأستانة إلى سوريا ولبنان، ضم بضعة عشر شخصاً من أعيان الأتراك وأعضاء مجلس الأمـة، لتطييب خاطر العـرب بسبب ما فعله جمال باشا من أعمال القتـل والنفي والسجـن، وذلك لتحسين العلاقة بين العرب والأتراك، وتـرميم مـا خـرّبته سياسة جمال باشا.11

الأمير شكيب ونداء الجهاد

كان الأمير شكيب أرسلان من أشد المؤمنين بأهمية الخلافة العثمانية والسلطنة في الحفاظ على عالم الإسلام والجزء الأثمن منه وهو العالم العربي. لذلك ابتأس الأمير كثيراً بسبب انقلاب حزب تركيا الفتاة على السلطان عبد الحميد ، لكنه بسبب اقتناعه بفكرة وحدة العالم الإسلامي حافظ على ولائه للدولة العثمانية خصوصاً وأنه كان يرى تكالب الدول الأوروبية على ممتلكاتها وأراضيها. لذلك عندما قررت الدولة إرسال جمال باشا على رأس الجيش العثماني الرابع في حملة لتحرير قناة السويس من البريطانيين ومن ثم استعادة مصر لم يتردد الأمير شكيب في اعتبار نفسه معنياً كما كان شأنه عندما سافر مع ثلة من المقاتلين للجهاد في ليبيا ضد الإيطاليين.
هذه المرّة قـرّر الأمير شكيب أرسلان أن يذهب بمجموعة مـن المتطوعين، لمساعـدة الجيش العثماني والإشتراك في القتال. فبعـث بـرسائل إلى بعـض الوجهاء والأعيان في قرى وبلدات جبل لبنان، لحـث الـرجال على التطـوّع وجمـع مئـة وعشرين شـاباً متطوعـاً، من مناطق الشوف والجـرد والمتن والعرقـوب والمناصف، وسار بهم إلى دمشق، فـقـرّر ضباط الجيش العثماني تـدريبهم لمـدة شهـر في ميدان المـزّة، كي يحـسنوا الرمي بالسلاح، لكن من أوّل يوم في التدريب تبين أن رماياتهم جيّـدة. فقال ضباط العسكـر، إنّ هؤلاء رمـاة بالفطرة ولا يلزمهم تدريب. في اليوم التالي إنتقلوا بالسكة الحديد إلى معان في الأردن، مكان تجمّع الجيش العثماني والمتطوعين، مكثـوا في معان مـدة خمسة عشر يوماً وانتقلوا بعـدها إلى قلعة النخل في صحراء سيناء، على بعـد ثلاث مراحل من قنـاة السويس وكانت المسافة بين بلـدة معان في الأردن، وقلعة النخل في صحراء سيناء، إحدى عشرة مرحلـة 12.
مكـث الأمير شكيب مع المتطوعين في قلعة النخل في صحـراء سيناء، وطابورين من الجنـد العثماني، مـدّة خمسة عشر يـوماً. وبسبب هزيمة الجيش العثماني (في الحملة الأولى) لـم يشترك الأمير ورجاله المتطوعون بالقتال، علماً بأن الجنود الانكليز لـم يعبـروا قناة السويس حينذاك الى الضّفة الشرقية. ولمّـا أصبحت الأرزاق قليلة لمـؤونة الرجال، عـاد الأمير شكيب مع المتطوعين إلى معان في الأردن، فأقاموا مـدّة شهر انتقلـوا بعدها إلى القـدس بناء على تعليمات جمال باشا، أقاموا فيها عشرين يوماً، وفي القدس وجـد الأمير شكيب نحـو عشرين رجلاً من الأعيان اللبنانيين الذين نفاهم جمال باشا، منهـم: جرجس صفا، ابراهيم عقل، خليل عقل شديد، جرجس تامر، نمـر شمعون، مصطفى العماد، رشيد نخله، خليل الخوري، سليم المعوشي وغيرهم. وذكـر الأمير شكيب أنّـه توسط لهم مـع جمال باشا ليعودوا الى وطنهم.
وبـعـد مضي عشرين يوماً في القـدس، عـاد الأميـر شكيب ومتطوعيه إلى دمشق، ثـم إلى بيروت، حيث تجمّعـوا في حـرش الصنوبر، واستعرض جمال باشا جميع فـرق الجيش العثماني والمتطوعين، في حضور عـدد غـفيـر من أهالي بيروت والمناطق، وألقى خطبة.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading