الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

حكايات الامثال

حكايـات الأمثال

حكايا الناس والملوك

تعتبر حكايا الملوك من أكثر الأقاصيص التي كانت تحبها العامة وتتناقلها لما كان يرمز إليه الملك من ثروة عظيمة وسطوة وجبروت، فهو الآمر المطاع في كل أمور مملكته وهو المنعم أو المنتقم وهو العادل والكريم أحياناً والظالم والسفيه في أحيان أخرى وقد يكون أيضاً ظالماً وأحمق وفي كل هذه الحالات فإن الناس كانت تنظر إلى الملوك نظرة الرهبة. لذلك ليس صدفة أن القصص الشعبية وحكايا الجدات والرواة كانت غالباً عن الملوك وما يحصل لهم أو ما يحصل للناس معهم، وكانت أكثر الحكايات تشويقاً هي التي كان يتواجه فيها إنسان بسيط من فقراء الناس أو من عامتهم مع الملك وينجح في كسب ودّه بأعمال أو أقوال ذكية أو شجاعة. وقد لعبت تلك القصص أحياناً دوراً تربوياً عند روايتها للأبناء والبنات لأن في معظمها عبرة تنبّه الشخص البسيط إلى أن يكون فطناً وأن لا يخشى الملوك والأقوياء إذا كان لديه ما يسرهم أو يثير إعجابهم.
في هذه الحلقة من قصص الأمثال عدد من قصص الملوك فيها الكثير من العبر تجمع بين الملك وسلطانه وبين أشخاص ضعاف من الرعية لكن حباهم الله بالفطنة فكانت عوناً لهم على الملك وعلى مزاجه المتقلب.

(التحرير)

أصل هذا المثل في ثقافة الإحتجاج الصامت على الضرائب التي غالباً ما كانت ترهق الناس، لكنهم كانوا لا يجرأون على إظهار نقمتهم إلا في حالات الثورات والقلاقل التي كانت تنفجر عندما يبلغ الظلم درجة تفوق احتمال الناس. في بعض الحالات كانت القصة تضيف إلى الدراما شخصية الوزير الحكيم الذي يوفق في نصح الملك، كما يحصل في هذه الحكاية دون أن نعرف إذ كان قد نجح في نصحه أم لا.

يحكى أن ملكاً كان يزيد الضرائب سنة بعد سنة، وينفقها على بناء القصور والضياع وينفق منها أيضاً على البطانة والندماء والمحاسيب حتى عمّ الفقر، وانتشر الخراب، وراح الناس يهجرون قراهم وأملاكهم إلى حيث يذهبون ولا يرجعون.
وفي أحد الأيام نصحه وزيره أن يعتدل في التحصيل، ويقتصد في الإنفاق لافتاً إياه إلى أن الناس تترك الضياع ولن يبقى من يدفع الضرائب إذا افتقر الناس واستمرت هجرة الرعية.. لكن الملك بدل التمعن في النصيحة غضب على وزيره لجرأته وأمر بشنقه ليكون عبرة لمن يفكر بالإعتراض على أوامر الملك. وأتى بوزير سواه، وسأله رأيه في سياسة التحصيل والإنفاق، فأيد الوزير الجديد رأي الوزير القديم فلاقى المصير نفسه . وهكذا أخذ يشنق كل وزير يشير عليه بتقليص الضرائب وخفض الإنفاق، حتى أصبح جميع من له عقل راجح أو رأي سديد من أهل بلاطه يعتذر عن قبول منصب الوزير ويختلق شتى الأسباب حتى لا يلحقه ما لحق بالسابقين من الوزراء.. لكن في أحد الأيام قبل أحد الذين عرض عليهم منصب الوزير بحمل المسؤولية، ومن أول يوم تسلم فيه مهامه هرع إلى الملك وبدأ ينصحه بزيادة الضرائب. قال له:« يا طويل العمر، البلاد بألف خير والضرائب قليلة أمام مستلزمات الحكم، لذلك لا بدّ من زيادة الضرائب المعمول بها أو استحداث ضرائب جديدة»، وأضاف الوزير أنه لا بد من تحصيل مداخيل أكبر لكي يستطيع الملك القيام بواجباته تجاه الرعية ويعظم شأن مملكته . انبسط الملك من الوزير الجديد وقال في نفسه: هذا وزير عاقل ينفعني ويؤكد أن الوزراء الذين تخلصت منهم كانوا غير مخلصين ولا عارفين بشؤون الخزينة.
لكن ذات ليلة استيقظ الملك من نومه على جلبة خفيفة، وكم كانت دهشته كبيرة عندما رأى وزيره المخلص يقف على شرفته الواسعة أمام النافذة التي تطل على غرفة نومه، راعه الأمر وهبّ من فراشه وتوجه نحو وزيره وسأله عن سبب وقوفه في هذه الساعة من الليل قرب النافذة . فقال له الوزير :
ـ أطال الله عمرك يا مولاي ! رأيت في ما يرى النائم بومتين تتحادثان، فراعني ذلك، وخشيت أن يكون خلف مناجاتهما مصيبة . فقال الملك :
ـ وبمَ كانتا تتحدثان ؟
قال الوزير :
ـ قالت البومة الأولى للثانية هل توافقين على أن يكون ابني عريساً لابنتك ؟ . فأجابتها الثانية :
ـ بكل سرور . ولكن مهر ابنتي غال. فقالت الأولى :
ـ وكم تريدين مهراً لابنتك ؟ . قالت الثانية :
ـ ثلاث خرائب لتسرح فيها ابنتي وتمرح . فقالت الأولى :
ـ لك مني مئة خربة « إن طال عمر الملك ستصبح كل البلاد خراباً نرتع فيه كما نشاء لأن الضرايب خرايب». فصار كلام البومة مثلاً يقال في حالة التنديد بالسلطان الذي يجور على الشعب بضرائب لا يستطيع احتمالها.

الملك والوزير والحائك

وحكاية هذا المثل تقلب الموازين فتجعل الملك ووزيره وجهاً لوجه مع حائك عنده من الفطنة والحيلة ما يتمكن بهما من دخول أبواب القصور ونيل المآرب، بل إن هذا الرجل البسيط ينتهي في مقام رفيع بسبب ذكائه. بالطبع هذه القصة وغيرها نسجها العامة كنوع من الأحلام التي يتخيلون فيها أموراً غير واقعية لكنها تفرج عنهم وتعطيهم أملاً وربما تسلّيهم وهذا هو الهدف.
في الرواية أن أحد الملوك خطر على باله في أحد الأيام أن يصدر أمراً غريباً. وقد أرسل المنادين ذات يوم ليعلنوا على الناس أنه وبأمر من الملك بات ممنوعاً العمل في الليل، لأن الملك يريد راحة رعيته ولهذا فقد منع ايضاً النار والنور في البيوت بعد حلول العشاء.
ثم أراد الملك أن يعلم أثر ذلك الأمر على الرعية ومدى التزامهم به فطلب من وزيره أن يصطحبه في جولة ليلية ليرى بنفسه كيف تقبّل الناس ذلك الفرمان.
أثناء الجولة الليلية للملك ووزيره لاحظ الرجلان بصيص نور خلف نافذة أحد البيوت على أطراف المدينة. إقتربا، ونظرا من النافذة فإذا بحائك يجلس وراء نوله يعمل على ضوء الشمعة.
قال الملك للوزير عدّ أنت في سبيلك لأنني أريد أن أدخل على هذا الحائك لوحدي.
انصرف الوزير، فدخل الملك على الحائك. وقف الأخير للترحيب بالملك وقد تعرف عليه على الفور معرباً عن تقديره لبادرة الملك الكريمة بتشريفه في تلك الساعة.
قال له الملك: لم آتِ لزيارتك، بل لأسألك ألم يبلغك أمرنا بمنع النور والنار؟
قال الحائك: بلى وصلني أمركم يا ملك الزمان لكن الضرورة لها أحكام .
قال الملك: ما هي ضرورتك؟
قال له: إن علي أن أجني كل يوم على الأقل أربعة دنانير، وعمل النهار لا يكفيني لذلك فإن عليّ أن أعمل ليلاً لكي أتمكن من تحصيل الدنانير الأربعة.
قال الملك :ماذا تفعل بهذه الدنانير ؟
قال الحائك: دينار أنفقه على حاجتي ودينار أسدّد به ديناً عليّ ودينار أقرضه، ودينار أرمي به في البحر.
قال الملك: دينار تنفقه على حاجتك فهمنا، لكن الدنانير الباقية لم نفهم ماذا تفعل بها بالتحديد.
قال الحائك: يا مولاي ! عندي أب رباني وتعب عليّ، وهو اليوم عاجز وملازم للبيت، وعليّ أن أنفق عليه وأعتبر ذلك بمثابة تسديد لدين، وهذا هو الدينار الثاني. أما الدينار الثالث فإن لي ولداً أقوم بتربيته وتعليمه لعله يكون مرضياً وينفعني في آخرتي، وهذا هو الدينار الثالث أنا أعتبره بمثابة قرض لولدي لعله عندما أكبر يسددني كما أسدد والدي دينه، أما الدينار الرابع يا مولاي: فإن لي بنتاً أتولى تربيتها أيضاً وأنفق عليها في انتظار أن تكبر وعندها سيأتي رجل من الغيب يتزوجها فيأخذها مني ويمشي، وفي هذا فإن إنفاقي على ابنتي كمثل من يرمي ديناره في البحر لأنه على الأرجح لن يأتي من ابنتي نفع بعد أن تصبح جزءاً من عشيرة زوجها.
تعجّب الملك من عقل الحائك وإجاباته، وسر كثيراً منه فناوله كيساً من الدنانير وقال له ـ لكن لي عندك شرط .
قال الحائك:ما هو شرطك يا مولانا ؟
قال الملك: لا تبعِ رخيصاً!
قال له الحائك: لا توصِ حريصاً.
وأضاف الملك: ولا تفعل ذلك إلا بحضور شخصي.
عاد الملك إلى القصر ونادى الوزير وقال له :
هذا الحائك يبدو لي محتالاً، فاذهب وتحرّ لي ما هي قصته؟ فهو يزعم أنه ينتج أربعة دنانير في اليوم، ينفق أحدها ويسدّد ديناً بدينار ويقرض ديناراً ويرمي ديناراً في البحر فما هي حكايته الغريبة يجب أن تأتي لي بها في ثلاثة أيام وإلا فإنني سأقطع رأسك!! .
إكتأب الوزير لهذه المصيبة وهذا الطلب غير المعقول وتحيّر في الطريقة التي يمكن أن يأتي للملك بالجواب على هذه الألغاز، ثم قال بنفسه. ليس لي إلا الحائك فهو من سيرشدني إلى الإجابات.
توجّه إليه في صباح اليوم التالي ودخل حانوته فرحّب به الحائك وسأله عن مراده.
قال الوزير: لا أهلاً، ولا سهلاً، بل أريدك أن تجيبني أولاً الدينار الذي تقرضه لمن ؟ والذي تسدّد فيه ديناً لمن؟ والذي ترميه في البحر لماذا؟
قال الحائك: لا يمكنني أن أجيبك على هذه الأسئلة.
حاول الوزير الضغط عليه دون فائدة، أخيراً رفع سيفه مهدداً الحائك بالقول: إما أن تجيبني وإلا فإنني سأقطع رأسك.
قال الحائك من دون أي وجل: اقطع عنقي إذا شئت لكنني لن أتكلم! مهما فعلت بي فإنني لن أتكلم!!
فكر الوزير بنفسه: إذا قتلت هذا الرجل لن أستفيد شيئاً على العكس الجواب عنده وأنا في حاجة إلى الجواب قبل ثلاثة أيام وإلا فإنني سأخسر رأسي. لا بدّ إذاً من أن أجد طريقة أخرى وهي إغراؤه بالمال.. ثم أخرح كيساً من الدنانير وألقى به في حضن الحائك، وقال له: هل ستتكلم الآن؟ فتح الحائك الكيس فوجده محشواً بالدنانير الذهبية والتي كان مضروباً عليها صورة الملك فبدّل عندها رأيه وقال للوزير: الآن أصبح في إمكاني أن أتكلم.. بالفعل شرح الحائك للوزير سرّ الدنانير الأربعة، وانطلق الأخير عائداً للقصر وقد شعر أنه أنقذ رأسه فعلاً من سيف الملك. دخل عليه وألقى السلام والاحترام ثم قدّم له الحل الذي يطلبه وشرح له قصة الدنانيرالأربعة.
سأل الملك وزيره: من أين أتيت بالحل؟
قال الوزير لقد جئت به بالطبع من الحائك نفسه فهو صاحب القصة.
غضب الملك وبعث في طلب الحائك، الذي جاء على وجه السرعة ليرى أمامه كبار أهل الديوان والقواد والحاشية مجتمعين. أحسّ أن في الأمر خطباً ما لكنه لم يخف ووقف أمام الملك في انتظار أن يعرف ما الحكاية.
قال الملك : لا بدّ أنك تعلم لماذا بعثت في طلبك.
قال له الحائك: أبداً يا مولاي، لكنني رهن إشارتك.
قال الملك: لقد بعثت في طلبك لأنني قررت أن اقطع رأسك .
قال الحائك: خير إن شاء الله يا مولاي. ماذا فعلت لكي أستحق هذا العقاب؟
قال الملك: انت تعلم ما هو الشرط الذي وقع بيننا؟
قال الحائك: نعم يا مولاي لكن حاشا أن أكشف عنه لأحد أو أن أخلّ به
قال الملك: كيف ؟! .
هنا توجه الحائك في كلامه للوزير وقال له: أيها الوزير لقد جئتني لتسألني عن جواب لحكاية الأربعة دنانير، أليس كذلك؟
قال الوزير: نعم .
قال الحائك : وقد رفضت رفضاً باتاً أن أحدثك بالحل فهددتني بالقتل أليس كذلك ؟
قال الوزير : صدقت.
قال الحائك: ورفعت سيفك تريد ضرب عنقي؟
قال الوزير: حقاً
قال الحائك: أتذكر ما كان جوابي؟
قال الوزير: أذكر أنك رفضت رفضاً باتاً أن تكشف لي عن الجواب.
قال الحائك: ماذا فعلت أخيراً وجعلتني أقبل بأن أبوح لك بالجواب؟
قال الوزير: أعطيتك كيساً من الدنانير الذهبية.
قال الحائك: وما هو الرسم المنقوش على هذه الدنانير؟
قال الوزير: منقوش عليها صورة مولانا الملك.
فقال الحائك موجهاً كلامه هذه المرة إلى الملك: يا مولاي ؟! أنا لم أخلّ بالشرط . فأنت قلت لي لا تبع برخيص وأنا لم أبع برخيص، واشترطت علي أن لا أبيع إلا في حضور شخصك، وأنا لم أقبل أن أجيب الوزير إلا بعد أن قدم لي الدنانير ورأيت عليها صورتك فكان هذا بالنسبة لي بمثابة حضور لشخص جلالتكم فقمت عندها بإعطاء الوزير الجواب.
تعجّب الملك من قدرة الحائك، وأخذ بدوره كيساً من الدنانير ودفع به إليه.
بدأ الوزير عندها يشعر بالحسد تجاه هذا الحائك الذي اقتحم القصر عليه وباتت له حظوة عند الملك. فأراد أن يوقع بالحائك فقال للملك:
ـ يا ملك الزمان ! هذا الرجل محتال، ولا يستحق كل هذه الدنانير إلا إذا تمكّن من أن يجيبني على ثلاثة أسئلة فلنر ما هو قدر فطنته وذكائه.
قال الملك: أنا موافق .
بدأ الوزير بسؤال الحائك : أجبني، كم هو عدد نجوم السماء؟
قال الحائك الأمر بسيط، وتوجّه إلى الملك قائلاً:
ـ يا مولاي يلزمني جلد ماعز.
أحضر جلد الماعز فقال الحائك للوزير: عدد نجوم السماء بقدر عدد شعر هذا الجلد، وإن كان عندك أي شك فما عليك إلا أن تعدّ بنفسك..
أسقط بيد الوزير فطرح على الحائك السؤال الثاني:
قال: أين يقع وسط الدنيا؟ .
قال الحائك: وسط الدنيا مكان عرش مولانا الملك . وإن كان لديك شك خذ القياس بنفسك..
سأل الوزير أخيراً: ماذا تعرف عن قدرة الله تعالى؟
قال الحائك:الأمر بسيط أعطني ثيابك وخذ ثيابي.
تردّد الوزير فأمره الملك بأن يفعل.
تبادل الرجلان الثياب، فإذا بالحائك يتوجه صوب كرسي الوزير ويجلس عليه ثم يقول له: الآن يمكنني أن أجيبك: إن الله يعزّ من يشاء ويذل من يشاء ولا مردّ لحكمه.
قال الملك وقد دهش من براعة الحائك: أمرنا أيها الحائك بتعيينك وزيراً لدينا، وأنت أيها الوزير أمرنا لك بجعالة محترمة وسنبعث بك إلى معلم ماهر في السوق لكي يعلمك الحياكة.

وهذه القصة تدور حول مثل معروف هو: يا بيموت الحمار يا بيموت الملك يا بموت أنا . أما الحكاية فهي أن ملكاً كان لديه جحش أبيض يحبه فكان يحتفظ به في قصره، ويشتري له أفخر الزينة والخلاخيل وعقود الياقوت وقد أطلق له الحبل على الغارب، فأخذ يجول في القصر كما يشتهي، ويدخل على الملك بين جلسائه ولم يكن أحد ليستطيع أن يتذمر أو يشكو، فالجحش جحش الملك، وكرامة الجحش من كرامة المملكة .
ولأن قصور الملوك تزدحم بالمتملقين، فقد أخذ ندماء الملك يطرون هذا الجحش، ويشيدون بجماله وذكائه، وقربه من القلوب . وكانوا يبادرون إلى القول حال دخوله إليهم :
ـ خزاة العين عن هالجحش، جحش ولا كل الجحاش .
يا عمي ! مش كل الجحاش جحاش .
ـ مش ناقصو إلا يحكي .
ـ حرام ما يتعلم القراءة . لازم مولانا يخصص له معلم. يعلمه لغة البشر بحيث يقدر أن يخاطبنا أو يفهم علينا عندما نخاطبه. فهذا الجحش يبدو عليه الذكاء وقد لا يكون ذلك عليه صعباً.
وقعت النصيحة الأخيرة موقعاً حسناً عند الملك . فاستدعى معلمي اللغة ووعد بجزيل العطاء لمن يعلم الجحش القراءة والكلام بلغة بني آدم.. إلا أن هؤلاء أنكروا أن يكون ذلك ممكناً، فالجحش جحش، هكذا خلقه الله . ومن ذا الذي يستطيع أن يغير في خلق الله؟
غضب الملك، وأمر بحبسهم جميعاً . ونادى في المملكة مناد: من يستطيع أن يعلم جحش الملك القراءة فإن له جائزة كبيرة . ولم يأت الملك جواب لعدة أيام ثم حضر بعد ذلك إلى قصر الملك شيخ عركته السنون لكنه كان نبيهاً وواثقاً. وقف بين يدي الملك وقال له يا مولاي : إنه لم يحدث منذ قديم الزمان أن وجد حمار يعرف القراءة كما لم يوجد من حاول أن يعلم الحمير القراءة لأن في الأمر صعوبة كبيرة لكنني بعد أن درست طبائع الحمير واستفتيت في أمرهم وجدت أن هناك طريقة لتعليمهم القراءة والنطق بلغة بني آدم، لذلك أقول لجلالتكم أنني مستعد لهذه المهمة.
فسُرّ الملك غاية السرور غير أن الشيخ المسن أكمل قائلاً:
كما شرحت لجلالتكم الأمر صعب للغاية ويتطلب تدريباً كما يتطلب أن يكون الجحش مسروراً على الدوام ومدللاً. لهذا فإنني أحتاج يا مولاي إلى وقت كما أحتاج إلى بعض المصاريف . فقال الملك :
ـ اطلب ما تشاء، ومعك الوقت الذي تريد . فقال الرجل:أحتاج إلى خمس سنوات كي أتمكن من تعليم الجحش، وأحتاج إلى بعض الأغذية والأشربة التي تشحذ ذهن الحمار وتساعده على التركيز والإستظهار ؛ كالجوز واللوز والصنوبر والزنجبيل وشراب البيلسان والعسل والحليب وذلك كل يوم، ولي أمل كبير أن أستطيع إنجاز مهمتي خلال تلك المدة، فأعود إليك وشهادة التخرج في رقبته .
أمر الملك بفتح اعتماد خاص بتعليم الجحش، ووضعه تحت تصرف الرجل . ولما لامه أصدقاؤه ومعارفه لدى خروجه من القصر، على القبول بالمهمة المستحيلة كان جوابه لهم :
« بعد خمس سنوات يا بيموت الملك , يا بيموت الحمار، يا بموت أنا »
وقد روى سلام الراسي الحكاية لكننا أوردناها بصيغة مختلفة..

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading