السبت, نيسان 20, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, نيسان 20, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

حكايات الامثال

حكايــــــــات الأمثــــــــــال

الحلقة الرابعة

في هذه الحلقة الرابعة نعرض لبعض حكايات الأمثال الطريفة عن النساء القديرات وتحكمهن برجالهن وما ينجم عن ذلك من مواقف محرجة.

من قِلة الرجال سمينا الديك بو قاسم

مثل يضرب في الرجل الضعيف يحتل مكاناً مرموقاً، لا لعلو همته ومقدرته، وإنما لعدم وجود من يحتل هذا المكان غيره لسبب ما . وحكاية المثل وردت عند سلام الراسي وأنقلها بتصرف:
فما روي أنه بعد خلق الخليقة كان لا بدّ من تنظيم مملكة الطيور فوجه الملاك «جبريل» عليه السلام نداء إلى ذوات الأجنحة للمثول بين يديه، لإنتخاب أركان دولتهم .
وبلغ الخبر مسامع الديك، فجمع حاشيته من الدجاج، ومشى أمامهن مختالاً، وأخذ يحادث نفسه:
« النسر هو أعظم الطيور، ولا يجوز أن أنافسه، حتى لا يحدث انشقاق في المملكة، فهو الملك. أما الباز فله الإمارة . وتبقى لي مشيخة الدجاج لأنه لا يوجد ديك غيري . وهنأ نفسه سلفاً وقال: قبل أن تغيب الشمس سيصير إسمي « أبو قاسم الديك».
وصار يتبرع بالألقاب فيوزّعها على الدجاجات : هذه شيخة وهذه شويخة، وهذه فرخة وهذه فريخة . فدب الحماس في نفوس الدجاجات، وانتظمن في صف واحد يغنين:
« يا شيخ بو قاسم يدوملك هالعز القمح المصوَّل فضلتك والرز»
وحدث أن هوجم الخم، فهربت الدجاجات وبقي الديك وحيداً في المعركة، فأخذ يصيح: « يا شيخة يا شويخة . يا فرخة، يا فريخة فسمعته البومة، فجاءت إليه تقول:
« يا شيخ بو قاسم الديك! شيخة وشويخة، وفرخة وفريخة، لشو هالدويخة، من عازة الرجال سموك بو قاسم، وعند الضيق لا رفيق ولا صديق» .
فأصبح كلام البومة قولاً مأثوراً1 .
غير أن سلام الراسي نفسه وفي كتابه « حيص بيص» يورد للمثل حكاية، ربما تكون ملفقة هي الأخرى، لكنها أكثر وجاهة من حكايته السابقة . وهو يرويها عن لسان أبي يوسف، فيقول:
يحكى أن امرأة كانت قد تزوجت رجلاً من أصحاب الغنى والوجاهة، وعاشت معه سنوات قليلة بالعز والكرامة، ثم انقلب دولاب الزمان، وانسدت أبواب الرزق في وجه زوجها، وما لبث أن مات وانقطع الناس عنها، حتى أخوتها وأقاربها فانطوت على نفسها وعاشت وحيدة .
وحدث أن اختل الأمن في البلاد، وكثر اللصوص وطارقو الأبواب. فتزايد قلق المرأة على كرامتها، وعلى ما تبقى من أسباب عيشها ، فلجأت إلى حيلة تردّ عنها كيد الأشرار الذين قد يخطر على بال أحدهم التعرّض لها أو إيذاءها. .
وكان عند المرأة ديك في مزرب داخل البيت، يصيح في الليالي، ويؤنسها في وحشتها، فسمته «أبو قاسم» وصارت إذا سمعت ليلاً وقع أقدام قريبة من منزلها، أو أوجست خيفة من أبناء السوء، راحت تحادث الديك أبو قاسم بإسمه، بصوت مرتفع، بحيث يظن قاصد السوء من خارج البيت أن رجلاً اسمه أبو قاسم موجود في الداخل، ويقول في نفسه: «لعل أبو قاسم هذا من صناديد الرجال، ولا يؤمن جانبه في النزال» فيمضي في سبيله.
وحدث أن جاءت إحدى جاراتها ليلاً تستعير منها بعض الحاجات، فسمعت المرأة في الداخل وقع أقدام جارتها في الخارج، فظنتها رجلاً يريد بها سوءاً، وأخذت تنادي أبو قاسم: « يا بو قاسم طبخت لك مهلبية، أتريد يا بو قاسم أن تتعشى الآن؟ البارودة في الخزانة، إذا فتحت الخزانة انتبه للبارودة يا بو قاسم».
التقطت الجارة وهي في الخارج اسم «أبو قاسم» ورجعت وأخبرت أختها . والأخت أخبرت أمها، والأم أخبرت جارتها . وما لبث خبر أبو قاسم أن بلغ مسامع الأخوة فقالوا: «هذا عار لا يغسله إلا دم أبو قاسم» وصبروا حتى أرخى الليل ستاره وجاؤوا بكامل أسلحتهم . وقبل أن يطرقوا باب أختهم سمعت هي من الداخل وقع أقدامهم، فقالت: « لعل هؤلاء من أبناء السوء أيضاً» وراحت تنادي أبو قاسم مراراً وتكراراً حتى تيقن أخوتها من وجود أبو قاسم في الداخل، عند ذلك اقتحموا الباب، ودخلوا، وصرخوا بأختهم : اخرجي أبو قاسم هذا الذي تخبئينه عندك!!
قالت المرأة:
-مهلاً سأدلكم عليه كي تفعلوا به ما تشاؤون، ولكن انتم أشقائي، والشقيق وقت الضيق، وأنتم تعلمون أن زوجي قد مات منذ سبع سنوات، وقد ساءت ظروفي، وما زالت تسوء يوماً بعد يوم . بينما كثر عدد المتلصصين في الليالي، بالإضافة إلى فارضي الضرائب والخوات، وهادري الأعراض والكرامات، فلم يتحرك وجدانكم، ولم تدبّ النخوة في رؤوسكم إلا عندما بلغتكم أخبار أبو قاسم؟! .
ونهضت المرأة وفتحت المزرب، وأطلقت أبو قاسم الديك في وجوه أخوتها وقالت:
-هذا هو أبو قاسم، إن كنتم رجالاً فاذبحوه. فذهل القوم، وعندما هدأ روعهم سألوها
ـ ولمِ سميتِ الديك أبو قاسم ؟! . فقالت:
ـ «من قِلّة الرجال.
ومنذ ذلك الزمان صرنا نقول : «من قلة الرجال سمينا الديك بو قاسم 2 »
ويقولون في هذا المعنى : «من قلة الخيل شدوا عالكلاب سروج» والمثل الأخير ورد في معجم تيمور بالرواية نفسها .

إلي بيطاوع مرتو بيضمن آخرتو

يضرب هذا المثل في معرض التندر من الحالات التي تقوى فيها سلطة المرأة على سلطة الرجل، والمثل يفترض أن المفروض، وفق قواعد الطبيعة وأحكام الشرع والأعراف أن تكون الكلمة العليا في البيت للرجل، فإذا اختل هذا الميزان أصبح الرجل وضعف شأنه في البيت مثار تندر في المجتمع.  وغالباً ما يتهم الرجل المستسلم لأمر زوجته بالبساطة أو بالغفلة لأنه لو كان «قد حاله» لما سمح للأمور أن تفلت من زمامه.  وحكاية المثل التي سأرويها تتضمن هذا المعنى، إذ يبدو الرجل الضعيف في بيته غشيماً للغاية. وقد سمعت هذه الرواية من الكبار عندما كانوا يتسلون بذكر حالات مماثلة ويعلقون عليها. وفيها أن فلاحاً بسيطاً أراد أن يشتري حماراً ليركبه ويضع على ظهره عدة العمل حين يذهب إلى كرمه، أو حينما يقصد صديقاً بعيداً أو يطلب أغراضاً أخرى، وقال في نفسه إن هذا الحمار سيخفف عني عناء السير وحمل العدة وسيكون لي عوناً على قضاء أموري.
لكن الفلاح المسكين لم يكن «يمون» على المصروف لأن زوجته كانت هي المتصرفة في شؤون البيت، وتقوم بدور وزير الداخلية والخارجية والمالية  فتضع مصروف البيت في زنارها، ولما كان خائفاً من أن «تكسفه» فلا تنقده المال اللازم لشراء الحمار فقد احتال وغافل يوماً امرأته أثناء نومها  واقتنص ثمن الحمار من الزنار، ومضى إلى السوق يطلب حاجته . وبالفعل سرعان ما وقع على حمار معتبر، فدفع الثمن وأخذ يقتاد الحيوان وعاد به مسروراً إلى البيت .
وكان أن ترصّده لصان محترفان فتبعاه حتى خرج من السوق، وغدا وحيداً في الزقاق المؤدي إلى بيته . فتقدم أحد اللصين وانتزع الرسن من رأس الحمار، ووضعه في رأس زميله، ثم مضى بالحمار بعيداً، بينما تابع اللص الآخر السير وراء الفلاح مقوداً بالرسن على أنه الحمار المزعوم .
وحينما وصل الرجل إلى البيت، وأراد أن يفاجئ زوجته بالحمار الذي اشتراه، أسقط في يده، فقد غدا حماره رجلاً فالتفت إليه قائلاً:
-على حد علمي أنني اشتريت حماراً، فمن أنت؟ . فاجاب اللص
-أنا ذلك الحمار الذي اشتريته يا سيدي . فذهل الفلاح وقال له :
-وما الذي جعلك الآن رجلاً . فقال اللص :
-اعلم يا سيدي أنني رجل، لا حمار، لكنني أغضبت زوجتي يوماً حينما طلبت مني حاجة، فلم ألبها لها ولأن غضب النسوان من غضب الرحمن كما يقولون، فقد غضبت مني زوجتي، ودعت علي أن أصير حماراً،  فاستجيب دعاؤها فصرت في هيئة حمار.  لكن يبدو أنها الآن قد ندمت على فعلها، ورضيت عني، فأعدت بقدرة قادر إلى صورتي السابقة.  فأرجوك يا سيدي أن تتركني حتى أعود إلى زوجتي وأولادي الذين ينتظرونني .
رقّ قلب الفلاح الساذج للرجل، وأطلقه، بعد أن أوصاه ألا يغضب زوجته مرة أخرى . وعاد في اليوم التالي إلى السوق، يبتغي شراء حمار جديد، ففوجئ بحماره الذي كان قد اشتراه البارحة، وقد اقتاده اللص الآخر يريد بيعه . فأمسك بالحمار من أذنه، وقال له:
-كأنك عدت إلى إغضاب زوجتك فمسخت حماراً من جديد. ألم تتعلم من المرة الأولى؟! وتابع الفلاح البسيط نصحه للحمار الذي كان يظنه السارق بالقول:  يا بني ! سأعطيك هذه النصيحة لوجه الله فاحفظ دوماً هذا المثال واعمل به: «إللي بيطاوع مرتو، بيضمن آخرتو»

فجرت عبارة الفلاح مجرى الأمثال.

بدك تستريح، شو ما قالت مرتك قول مليح

يضرب المثل في حال التندر بسلطة المرأة على الزوج، وذلك بوجوب عدم مشاكسة المرأة لأن المرأة لا تُعانَد وإن عاندتها فلن يأتيك من ذلك إلا وجع الرأس وفي النهاية ستقبل بالأمر الواقع!!
تقول الحكاية إن أحد الملوك كان يعيش في قلق دائم وتفكير عميق، يكادان يجعلانه ينصرف عن شؤون الرعية وسبب ذلك أن زوجة الملك المحبوبة كان لها رأيها في إدارة شؤون المملكة، تتدخل بالصغيرة والكبيرة وكانت تصدر الأوامر والتعليمات لأهل البلاط والحاشية ولقواد الجيش: أنت اعمل كذا، وأنت لا تعمل كذا، والملك يتفرج حائراً لا يدري كيف ينتهي من هذا الواقع الذي بدأ يسترعي انتباه أهل القصر وتتسرب أخباره إلى الناس. فهو يحب زوجته ويقدرها ولا يريد أن يغضبها لأنها تحبه أيضاً وتخلص له لكنها لا تقبل أن تكون زوجة فحسب بل تريد نفسها «ملكة» مثل الملك بل تظن أنها ربما أقدر منه على إدارة شؤون الحكم والرعية وإن لم تكن تقول ذلك له صراحة على سبيل الاحترام واتقاء المشاكل.
المشكلة أن جميع المحيطين بالملك كانوا بدأوا يخشون الملكة ويسايرونها فلم يجرأ أحد منهم أن يعطيه النصيحة أو يقدم له رأياً في كيفية مواجهة الوضع. أخيراً بلغ الضيق بالملك حداً جعله يوماً يقرر أن يتنكر في ثياب الدراويش ويخرج من القصر فيزور بسطاء الناس لعله يجد بينهم من يعينه بنصيحة أو فكرة تساعده على معالجة الوضع الذي يؤرقه. وقد ساقته قدماه إلى بيت أحد الفلاحين خارج المدينة فرآه سعيداً يتنقل بين ماشيته وبيته وقبو الغلال بنشاط وهو يغني المواويل.تعجب الملك من منظر هذا الفلاح فقرر أن يسأله عن سبب سعادته فأجابه هذا على الفور دون أن يعرف انه الملك:
-سبب سعادتي أنني لا أخالف لزوجتي أمراً، ثم نصح له قائلاً:«بدك تستريح؟ شو ما قالت مرتك قول مليح»!
فجرى كلام الفلاح مثلاً إلى يومنا هذا .

طبخة بهلول

تقال في طعام المضيف إذا تأخر نضوجه، أو تأخر إعداده، وقد يحدث ذلك لأن اللحم المطهو لحم دجاج عتقي «أي كبير العمر» أو لحم شاة كبيرة وربما كان تأخر النضوج سوء تدبير من المشرف على الطبخ، وأياً كان الشأن، فيضرب هذا المثل عند تأخر تقديم الطعام .
بطل الحكاية شخص يدعى بهلول وهو أحد مجانين الكوفة وقد جعلته الأسطورة مثالاً على المجنون العاقل3 الذي يكون مظهره وربما طريقة عيشه الجنون لكنه يخفي في داخله حكمة وهو غالباً من الصعاليك الزاهدين بالدنيا والذين لا يعيرون أي اهتمام لقواعد سلوك المجتمع فهم «أحرار» في ما يفعلون. .ومن هذه القصة ومثيلاتها قيل «خذوا الحكمة من أفواه المجانين» كما قيل أيضاً إن الجنة نصفها بهاليل».
وقد حاكت شخصية بهلول شخصية جحا من حيث طبيعة الرجلين الساخرة لكن التي تحمل دوماً حكمة عميقة من حكم الحياة. وقد ذكر الجاحظ بهلول فقال عنه:
« هو من مجانين الكوفة، وأنه كان يغني بقيراط، ويسكت بدانق4 ».
والحكاية التي نحن في صددها هي أن رجلين تباريا في أيهما أصبر على البرد، فاشترط أحدهما على الآخر أن يبيت الليلة في رأس الجبل، عارياً، شريطة ألا يشعل ناراً ـ وكانت ليلة باردة من ليالي الشتاء ـ وبعد ذلك ينال مكافأة اتفقا عليها .
وفي صباح اليوم التالي للرهان جاء الرجل إلى صاحبه في أعلى الجبل، فوجده كما اشترطا، لم يشعل ناراً . فأقسمه على أنه لم ير النار تلك الليلة، فقال له :
ـ بلى ! لقد رأيت ضوءاً في ذلك الجبل البعيد، لا أدري ما هو، لعله كان ناراً أو ربما ضوء سراج أو قنديل بيت. فسارع رفيقه عندها إلى القول:
-لقد بطلت مكافأتك، لأنك أخللت بالشرط وأنت تعترف أنك البارحة تدفأت على نار .
وبعد جدال، اتفقا على التقاضي، فقصدا بهلولاً وقصّا عليه حكايتهما واشتكى الرجل الذي قضى الليلة الباردة في الجبل من سعي رفيقه لحرمانه من مكافأة يستحقها وقد تعب من أجل الحصول عليها. لكن الرجل الآخر أصرّ على أن رفيقه أخلّ بالشرط.
استمهلهما بهلول وقال لهما اعذراني فقد حلّ وقت الغداء فلم لا تبقيان هنا وتتناولان الغداء معي وسأقضي إنشاء الله بينكما بعد ذلك. وأفهمهما بهلول أنه وضع قدر الطعام على النار .
لكن مرّ الوقت، وحان الظهر، ثم اتجهت الشمس إلى المغيب، لكن الطعام لم يحضر. أخيراً جاع الرجال فعلاً فسألاه متى سيأتي الطعام؟ قال لهما:
ـ إنه على النار لكنه لم ينضج بعد
ولما نفد صبرهما قالا له :
ـ ما هذا الطعام الذي يطبخ يوماً كاملاً لكنه ما زال حتى الآن لم ينضج ؟!
عندها اصطحبهما بهلول إلى حيث القدر، ففوجئا به وقد وضع قدراً مرفوعاً على قائمتين بعلو شجرة عالية والنار تشتعل على الأرض، تحت القدر . فقال الرجل الذي عليه أن يدفع الشرط
ـ سبحان الله! كيف تظن أن هذا الطعام سينضج والنار بعيدة عنه ؟!
فأجابه عندها بهلول:
ـ كيف تزعم إذاً أن صاحبك تدفأ على نار توقد في الجبل المقابل؟ إن حكمي هو أنه عليك أن تدفع له الشرط. وقد فوجئ الرجل بمكر بهلول وحنكته. لكنه بعد تلك الحادثة أصبح يقول في من يؤجل دفع الحقوق أو يتباطأ في عمل: «مثل طبخة بهلول»
فذهب قوله مثلاً.

حلّة حبل

عبارة تقال حين تهبط المصائب فجأة على قوم وهم لا يعرفون من أين أتت لأنها غالباً تبدأ من حادث صغير سرعان ما يتطور إلى فتنة كبيرة. وعندها يحصل مثل هذا الأمر فإنهم يصفون تنامي المصائب بالعودة إلى المأثور الشعبي بقولهم على سبيل التعجب «حلِّة حبل» وربما قالوا في هذا المجال : «الله يجيرنا من حلة الحبل» . فما هي حكاية حلة الحبل؟ .
يقول سلام الراسي نقلاً عن الخوري يوحنا سكّاب في إحدى عظاته :
كانت هناك قرية تعيش في سلام ووئام، وكان عند الشيطان ولد بلغ سن الرشد، فأراد الشيطان أن يمتحن شيطنة ابنه هذا، فطلب منه أن يستعمل شيطنته بأيسر السبل لإثارة فتنة في القرية الآمنة .
وما هي إلا ساعات حتى نشب خلاف في القرية، تطور إلى شجار، فعراك وانقسم أهل القرية بموجبه إلى فريقين متقاتلين . فاستدعى الشيطان ابنه، وسأله: ماذا فعلت لإثارة هذه الفتنة في القرية ؟ فقال الشيطان الصغير :
-حللت الحبل فقط، وتركت الباقي على أهل القرية .
فسأله أبوه:
-أي حبل حللت ؟ . فقال :
رأيت إحدى نساء القرية تحلب البقرة بعدما منّعت 5 عجلها وربطته جانباً . فتسللت وحللت الحبل الذي ربطت به العجل، فأفلت العجل، وركض يرضع ضرع أمه، فقلب سطل الحليب، فانسكب الحليب على الأرض، فغضب الزوج واتهم زوجته بالإهمال، وأنها لم تحكم ربط الحبل جيداً حتى أفلت العجل . وأضاف الشيطان الصغير: بقية القصة تعرفها الآن.
وبالفعل نتيجة لحلّ الحبل وهدر الحليب على الأرض وقعت الزوجة المسكينة في مأزق كبير مع زوجها. وقد حاولت عبثاً التأكيد لزوجها أنها ربطت العجل جيداً كما تفعل كل يوم، لكن الرجل لم يكن لديه تفسير كيف أن الحبل حلّ «من دون سبب» ولم يكن بالطبع يعرف انه بفعل الشيطان الصغير فأصرّ على اتهام زوجته البريئة وبلغ به الإنفعال والغضب حد ضربها، فصاحت المرأة خوفاً من أن يصعد الزوج تأديبه، فوصل صوتها إلى أخوتها الذين يقيمون في الجوار فهرعوا لنصرة شقيقتهم، وأطبقوا على الرجل.
وبسبب الهرج والمرج الذي ارتفعت أصواته في الحي بلغ الخبر أهل الرجل، فجاء أخوته ينتصرون له، واشتبك هؤلاء مع أولئك وما لبثت المعركة أن تطورت، حتى شملت جميع أبناء القرية .
منذ ذلك الوقت، صرنا نقول كلما وقع حادث وحاولنا تطويقه خشية أن يؤدي إلى أزمة أكبر «حلّة حبل» أي أن السبب لا يستأهل أن يسارع الناس للتقاتل من أجله لأنهم لو عرفوا أصل المشكل لهدأت مشاعرهم، أما إذا خشينا أن تفلت الأمور ولا تفلح كل محاولات الصلح وثارات الإنفعالات فإننا عندها نقول: « الله يجيرنا من حلة الحبل6».

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading