في خطبةٍ ألقاها الأب الفـرد دوران، مُـدرّس شرح الأسفار المقـدّسة في المكتب الشرقي، نشرتها مجلّة المشرق في العـدد الثاني لشهر شباط سنة 1908، تحت عنوان: «رحلة السيد المسيح إلى فينيقية والمدن العـشر». بحضور القاصد الرسولي، ومطران بيروت للروم الكاثوليك، ورئيس أساقفة صيدا، ورئيس أساقفة قبـرص، وأسقف طرابلس للروم الكاثوليك (1).
يخبرنا الإنجيل الشريف، إنَّ السيد المسيح في أيام بشارته، «ذهـب إلى تخـوم صور وصيدا» (مرقس 7: 24). ولم تكن تلك الرحلة فقـط إلى جهات الجليل المجاورة لفينيقية، بـل دخـل فينيقية وتجـوّل فيها. كما يظهر من كلام القـديس متّى، حيث يقول: «إنه دخـل إلى جهات صور وصيدا»، (متّى 15: 21). فإنّ النص اليوناني يـدلّ على توغّله في أصقاع فينيقية وتجوّله في أنحائها. وقـد صدّر الإنجيل هـذه الآية، بلفظة تـدل على أنه لـم يـزر فقـط تلك الجهات، بـل تـردد في جنباتها مـدّة مـن الزمان معـتـزلاً فيها، لينجو مـن دسائس أعـدائه، ويبتعـد عـن البلاد الخاضعة لحكم هيرودس انتيباس، الذي كان ينتظر الفـرصة الملائمة ليلقي عليه الأيـدي، وهـذا ما حمله على أن يتجاوز حـدود الجليل، ويطلب لـه ملجأ في فينيقية، لا بسبب خـوفه من أولئك الأعـداء، بـل لكونه أراد انتظار الساعـة المحـدودة من أبيه السماوي لإنجـاز سـرّ الفـدى. وهـذا مـا دفعـه أيضاً إلى أن يجيب الهيرودسيين الذين أتـَوا بعـد ذلك ليجسّوا أعماله وينقلوها لسيّـدهم. (لوقا13: 32). «اذهبوا قولوا لهذا الثعلب: هـا أنا أُخرج الشياطين وأجـري الشفاء اليوم وغـداً، وفي اليـوم الثالث أكمّـل». كأنه يقـول لهم: ليس لأحـد من البشر أن يمـدّ لي يـداً قبـل الساعة المعيّنة في حكم أبي الذي في السـموات...
Login To Unlock The Content!This content is locked