السبت, نيسان 20, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, نيسان 20, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

التوحيد مسلك تطهُّر

رسالة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز
الشيخ نعيم حسن

التوحيد مسلك تطهُّر

قال أرسطو في كتاب “النفس”: “يبدو أن جميعَ أحوال الـنَّـفس توجد مع الجسم: كالغضب والوداعة والخوف والشفقة والإقدام، وأيضًاً الفرح والحبّ والبغض؛ لأنه عندما تحدث هذه الأحوال يتغيَّر الجسم”. وجسمُ الإنسان بات معرَّضًاً في الزّمن الحديث لشتّى أنواع الضغوط بشكل متصاعد، بل وخطير أيضًاً، حيث أنّ الصّورةَ تستبيحُ داخله، وتدعوه بقوَّة الجذب والإغواء إلى إشباع الحاجات من دون أيّ تحفُّظٍ أو التزام بأيّ قاعدة حكيمة. فما من جارحة جسمانيَّة إلاّ ولها في السُّوق نصيبها الوافر من هذه البضاعة المحرِّضة التي تُشغِل الأبصار والأسماع، وتُلهِبُ المشاعر والأذواق، ممّا ولَّد طابعاً صاخباً للحياة الحديثة مرتبطاً بالهوَس اللامحدود بجَمع المال، فضلاً عن الميل المُستـثار إلى أنواع الرغبات خارج أيّ حدّ معقول.

الإنسانُ موصوفٌ بالضّعفِ والاستعجال والنّكران والميل إلى الجدلِ العقيم، ذلك كلّه في حال ابتعادِهِ عن المسالِك الحميدة، وارتهان نفسه الأمّارة بهواها ونوازعها وميولِها التوّاقةِ إلى الرّغبات المفرطة، والعلائق الدّنيويَّة الباذخة. فإذا ما راوحَ في الغفلةِ والتّقصير والمعاندة، انطمستْ قواه الرّوحانيَّة، وتكاثفت لطائفُ مواهبه الرّبّانيَّة، وبات لا يأنسُ إلاَّ بنداء الغريزةِ، وما أدمنَت عليه حواسّه خارج ميزان العقل وبرهان الحقّ. ومخيف ما نشهده اليوم على كافة الصعد.

إنَّ غايةَ التَّوحيد مرتبطةٌ بتحقيق الكمال الإنسانيّ، ولا يمكن الوصول الى ذلك الاّ بفهم قواعد الأمر والنَّهي في الدِّين الصَّحيح من حيث أنـَّها نصائح نورانيَّة اقتبسها العقلُ من نور الله. وهي في حقيقتها في موضِع الحاجة الضّروريَّة للإنسانِ العاقِل ليأنسَ بها، ويتنبَّه إلى مخاطر الطّريق، ويتعلَّم العِلمَ الَّذي يُعينُه على معرفة نفسِه وصُولاً إلى معرفةِ الرِّسالة الإلهيَّة الموصِلة بدورها إلى معرفةِ الله عزَّ وجلّ ، بموازاة العلوم التي يحتاجها المرء لإكتساب مهنة توفر له الرزق الحلال.

ويرتبطُ العِلمُ التّوحيديّ بواجباتِ ومفترضاتِ العمل بما يوجبُه حتماً. وما من عِلمٍ مثمِر من دون العمَل به. المسلكُ الرّوحيّ هو ارتباطٌ جوهريّ بين المعرفة والسّلوك. ويُبنى على قاعدةِ الإقرار بالحقِّ، الّذي يستتبعُ بالضّرورة التزاماً مسلكيًّا بكثير من الخلال الحميدة التي يعبِّر بها الموحِّدُ عن صدقِه وإخلاصِه ومنزلتِه في مدارج الكرامة الإنسانيَّة. ويُحسِنُ الموحِّدُ ظنَّه بالعاقبة المترتّبة عن اتّباع الخير والعدل وصالح الأعمال. فإذا ما غلبته النّفسُ مرَّة، رأى حالَه في مرآةِ إخوانه المخلِصين، فيستدركُ أمرَه بالتّوبةِ والإنابةِ والإصلاح.

يُعلِّمُ التّوحيدُ ما لمزايا الصّبر والثّبات من فوائد حيويَّة للنّفس حين ينبِّه إلى أنَّ الفضلَ والشَّرف هما ثمرتان لهما، والموحِّدُ حين يصبرُ، فإنّهُ يُحيي سجيّة الحِلم الجامعة لمزايا الصّبر والأناة والسّكون مع القدرة والقوّة، فيتجنَّب جموح الانفعال، ومخاطر الاستعجال والنّزق. لذلك، فإنّ السّكينةَ تثبِّت قلبَ الموحِّد في حبِّه لله ولرسُلِه العظام، فيتمسَّكُ بـ”العروة الوثقى” – لأنّها سببُ النّجاة وحبلُ الخلاص – أي الإيمان واستبصار الحكمة العظيمة من قواعد الأمر والنَّهي وما تتضمن من سلامة السريرة بحيث تكون اقوال الموحد مطابقة لافعاله، أي التبرؤ من الكذب والغيبة، والنميمة، وتحريف الكلام واللغو، فإن تكلم، فيكون كلامه مستنيراً بنور العقل وتكون أفعال الموحد مقرونة بالوفاء والإخلاص، فاذا وعد التزم بوعده في سريرة القلب واخلص لما قاله بلسانه، فلا يخلف، ولا يماطل، ولا يُؤَوّل كلامه في غير قصد النية الواضحة عبر منطوق الفم.

وتُعتبر مسألة الوفاء بالوعود والعهود على الوجه الأكمل فعلاً من افعال التقوى. فإذا قويت هذه الفضائل، تمكّنت نفسُه من المحافظة على اتّزانها الّذي هو آية جـمال إنسانيٍّ فريد، وتطهَّرت من عِلل المناظرة والمكائد والرياسة والجهل. هذا الأمر يولِّدُ في الذّات القدرة على صوابيّة الخِيارات واتّخاذ جادة الصّواب عند اتّخاذ القرارات، بل ينوِّر بصيرتها، ويسدِّدُ خطاها إلى ما فيه مكامن سعادتها الحقيقيَّة، ولطائف حياتها الرّوحيَّة.

نؤكد للجميع ان التّوحيد دعوة إلى الحقيقةِ من حيث هي مرآة النّور الّتي يعرفُ الإنسانُ فيها نفسَه من غير التباسٍ وانخداع. ولا يصحُّ نظرٌ في هذا الانعكاسِ الرّوحيّ اللطيف إلاّ بقوَّةِ ما يكتنزُهُ الكائنُ العاقلُ في باطنه من طبائع خير، وسجايا فاضلة، آنذاك، تصير المواجهةُ مع النّفس، بنور الحقّ، قوّةَ تطهُّر لا تضاهى.

كثيرون كثيرون الذين بحاجة الى التطهُّر!

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading