الخميس, آذار 28, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الخميس, آذار 28, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

سهل عيحا

سهل الخيرات في عيحا

مهدّد بضعف الموارد وزحف الإسمنت

سهل عيحا التاريخي يفيض بالخيرات ويوفّر مصادر العيش لمئات العائلات من المزارعين، لكنه يكافح الآن للبقاء في مواجهة أكثر من خطر وأكثر من تحدٍ. هناك بالطبع تحدي الطبيعة التي تغرق السهل من حين إلى آخر فتأتي على المحاصيل وعلى جهد المزارعين، لكن ما يقلق السهل وأهله اليوم هو ضعف الموارد وتأجير الأرض بأسعار زهيدة، وأخيراً زحف الإسمنت على الرقعة الزراعية. فما الذي يجري في سهل عيحا وما هي آفاق تطوره كمنطقة زراعية رائدة ومن أخصب الأراضي في لبنان؟

الموقع
ينبسط سهل عيحا عند تخوم السفوح الغربية لجبل الشيخ، بين بلدتيّ عيحا وكفرقوق، حيث تبلغ مساحته الكلية 11 ألف دونم، تستغل منها مساحة تصل إلى 8 آلاف دونم في زراعة الحبوب خلال فصل الشتاء، كما يتم استغلال أراضيه صيفاً في زراعة الخضار والفواكهه. وتشكل إنتاجية السهل من المواسم الزراعية، مردوداً يعيل حوالي مئتي عائلة من أبناء قرى عيحا وراشيا وكفرقوق، إلى جانب عشرات العائلات التي تعمل في القطاع الزراعي، فضلاً عن أصحاب المشاريع الزراعية الذين يتولون ضمان الأراضي من مالكيها.

«المغراق» ظاهرة فريدة
يتسم سهل عيحا بظاهرة قلّ نظيرها في أي منبسط زراعي في مكان آخر وتتمثل بالفياضانات التي يتعرض لها خلال فصل الشتاء، إذ تغمر المياه هذا السهل فيتحول من منبسط زراعي الى بحيرة موسمية، وهذه الظاهرة تصيب السهل في معظم السنوات ولكن عمق مياه الفيضان واتساع رقعته يتوقفان على كمية المتساقطات ولاسيما الثلوج التي تغطي الجبال المجاورة به، وهذه الثلوج تعتبر مصدراً مباشراً لتفجرعشرات الينابيع المحيطة بالسهل والتي تصبّ فيه كما إنها مصدر أساسي للسيول الشتوية التي تنجم عن ذوبان الثلوج أو عن الأمطار التي تتدفق من المرتفعات المحيطة لتشكل بحيرة موسمية تغرق السهل لعدة أشهر ولاسيما شهري آذار ونيسان فتصيب المحاصيل الزراعية الشتوية بالهلاك حيث تتلف أطناناً من القمح والشعير، كما يمتد تأثير «المغراق» حتى فصل الصيف فتتأخر زراعة المواسم الصيفية أيضاً.
ويروي بعض المعمرين في البلدة أن المغراق كان يستمر من عام الى آخر وأن السمك ظهر في السهل عند جفاف البحيرة ربما بعد أن تسرب من بعض الأنهر المجاورة التي فاضت وأرسلت أسماكها في فترة الذروة، وقد شكّل استمرار المنسوب المرتفع للمياه في السهل لأكثر من سنة متوالية تأمين الظروف الملائمة لتكاثر تلك الأسماك إلى أن ظهرت بأعدادها عند انحسار المياه.
تجدر الإشارة إلى كميات المياه الهائلة التي تتجمع في السهل وتغرقه لأشهر تعود فتتسرب أو «تغور» في الأرض عندما يشارف فصل الربيع على نهايته في هوة عند طرفه الغربي حيث يروي الأهالي ان هذه المياه تصل الى نهر الحاصباني وربما تغذي الخزانات الجوفية الطبيعية التي تعود بدورها ينابيع المنخفضات الواقعة خارج نطاق القرى المحيطة بالسهل.

خصائص سهل عيحا
تشير الإحصاءات المتداولة في بلديات المنطقة الى أن ما يقارب المئتي عائلة تعتمد في عيشها على هذا السهل بشكل مباشر أو غير مباشر وهي تتوزع في معظمها على القرى والبلدات المتاخمة للسهل مثل قرى عيحا وكفرقوق وراشيا اضافة الى مزارعين من المنطقة يدخلون في عقود ضمان أو «استثمار» بعض هذه الاراضي من أصحابها. وتتوزّع ملكيات السهل بشكل متفاوت بين مزارعين صغار تتراوح حيازتهم بين دونمين أو ثلاثة للمزارع الواحد وبين مزارعين كبار قد تصل حيازة الواحد منهم إلى مئتي دونم (أي ما يعادل 200,000م2). ويحتوي السهل على ما يزيد على 15 بئراً ارتوازية، لكن عدداً من تلك الآبار قد يتعرض للجفاف خلال فصل الصيف بينما يستمر الباقي منها في ري المزروعات خلال فصل الجفاف ، لكن السهل رغم ذلك وبسبب موقعه يتميز بوفرة المياه، إذ ينتشر على تخومه وفي محيطه الجغرافي نحو 300 نبع للمياه منها ما هو موسمي (يجف في الصيف) ومنها ما يستمر على مدار العام، وهذه الينابيع تساهم بدورها في ري المزروعات مؤمنة بالتالي مورداً هاماً لاستمرار الدورة الزراعية في أشهر الصيف وبالتالي تعويض ما قد يكون وقع من أضرار بسبب فيضانات الشتاء.
وأبرز ما يميّز المزروعات في هذا السهل انها تروى بمياه نقية لا تقل شأناً عن مياه الشرب وهذا يعود الى غياب الصرف الصحي العشوائي في الجوار.

أنواع المزروعات في السهل
سهل عيحا شأنه شأن معظم السهول اللبنانية حيث يحاول المزارعون الإستفادة منه على مدار السنة من خلال اعتماد الروزنامة الزراعية حيث تتم زراعة السهل مرات عدة خلال العام الواحد ومن هذه المزروعات :
زراعة الحبوب المختلفة كالقمح والشعير والحمص والعدس والعديد من المزروعات الأخرى.
وكذلك هناك المزروعات الصيفية المتمثلة بالخضار على انواعها وبعض الفواكه التي يتم انتاجها بكميات محدودة لكنها تساهم الى حد ٍما في تلبية حاجات السوق المحلية، واللافت ان هذا الإنتاج يتفوق على غيره من خلال الجودة التي يتمتع بها حيث تعتبر المزروعات نصف بعلية والمياه التي يتم ريها هي مياه نقية وغير ملوثة.

هجوم الإسمنت
نتيجة غياب التخطيط المُدني الذي ينظم البناء ويمنع العشوائية من العبث في البيئة الطبيعية والأراضي الزراعية فقد كان لسهل عيحا نصيبه من هذه الظاهرة، إذ زحفت العديد من الأبنية على الرقعة المزروعة وبدأ ذلك يؤثر بصورة سلبية على اقتصاد السهل بسبب التشويه البيئي وتقطيع الملكيات الزراعية وتفتيتها، الأمر الذي يضعف إمكانية قيام زراعات اقتصادية وحديثة أو استثمارات تابعة في عمليات المعالجة وغيرها. على العكس من ذلك، فإن زحف الإسمنت سيؤدي إلى تقلص المساحات الزراعية وتزايد الكثافة السكانية وبالتالي إلى تلوث قد يذهب بسمعة السهل وطبيعته. المفارقة مع ذلك أن المنازل التي بنيت عشوائياً مهددة خلال الأشهر التي تغمر المياه السهل لأن غرق أسفلها أو أساساتها بالمياه لأشهر طويلة قد يؤثر على سلامة البنيان وقد ينتهي إلى زعزعته في نهاية المطاف، علماً أن العديد من الأشخاص قضوا غرقاً في السهل بسبب صعوبة التحرك في مواجهة الوحل من الإنزلاقات والسيول المختلطة بالأتربة والتي تشكل «بحيرات من الوحول» تغرق من يقع فيها.

من أجل المزيد من المعلومات عن تاريخ السهل وما يتعرّض له في زمننا الحاضر إلتقت «الضحى» الشيخ الثمانيني سليم ابو لطيف الذي عاصر اقتصاد السهل وشهد نعمه ونقمه منذ شبابه فكان هذا الحوار:

ما هي أبرز المحطات التي في ذاكرتكم حول سهل عيحا ؟
كان ارتباط الناس بالسهل قديماً ارتباطاً عضوياً، إذ كنا نمضي معظم ايام السنة في ربوعه بدءاً بموسم الحرث ثم الزرع وكان يمتد اشهراً وانتهاء بمتابعة المزروعات خلال فصل الشتاء إلى أن يحين موعد الحصاد. وكانت الأجواء الدائمة في السهل أشبه بأجواء عرس حتى شهر ايلول، عندما يتم حصاد المزروعات من دون مساعدة آلية أو تقنية، إذ كنا نقوم بذلك بأيدينا مستخدمين منجل الحصاد والشاعوب وكانت النخوة ركيزة العمل حيث كان جميع ابناء البلدة يجتمعون في السهل لمساعدة بعضهم بعضاً وكان الجميع يعملون مثل عائلة واحدة في جمع القمح و«رجيدته » والرجيدة هي تحميل القمح على ظهر الحيوانات بواسطة الشبك الخاص بنقل الغلال ليتم نقلها وتكديسها في مكان ٍ واحد يعرف بالبيدر ليصار الى درسها.

أبنية-الاسمنت-تزحف-على-السهل
أبنية-الاسمنت-تزحف-على-السهل

كيف كانت تتم عملية درس الحبوب في القديم ؟

بإبتسامة بسيطة يتابع الشيخ حديثه، عملية دراسة الحبوب كانت متقنة ومسلية في ذات الوقت حيث كان تتم بوضع «المورج « على جانب عرمة القمح ويتم ربط المورج بعنق احد الحيوانات الذي يبدأ بالدوران حول العرمة ويقف عليه أحد الرجال الذي يقود الحيوان ويوجهه وكان الأولاد يركبون على المورج بهدف التسلية ، كما كان هناك شخص يقف على عرمة القمح ويضع السبل تحت المورج بواسطة الشاعوب .
ويضيف: «كان الناس يمضون جل وقتهم في السهل حيث يتم الإحتفاظ بالمياه في «الكرزونة» ويتم سلق القمح وأكله أو طهي مشتقاته بأشكال مختلفة يقتات بها العمال في السهل .

كيف كانت الأراضي مقسمة قبل حصول المساحة ؟
كانت الأراضي مقسمة بطريقة عشائرية والملكيات موزّعة على الأفراد لكن الحصص الكبيرة يحظى بها النافذون في البلد والأراضي كانت توزع على الأرباع وكل ربع مقسم الى ست عشرة (16) مجرة والمجرة تساوي تقريباً الخمسة دونومات، اما الأماكن القصيرة والضيقة فكانت تقاس بالخرزة والتي تساوي ما يقارب الـ 1000 متر (أي دونم واحد) أو بالتراويس والتي تعتبر إحدى وحدات القياس القديمة للأراضي الزراعية أيضاً .

ما هي أبرز الذكريات التي ما زالت حية في وجدانكم؟
عندما تنحبس الأمطار فترة طويلة كان الناس يخشون على الموسم وعلى نتيجة تعبهم، وبالتالي عيشهم، في تلك الظروف كان الناس يجتمعون ويجوبون أرجاء البلدة والمناطق القريبة من السهل مرددين الإبتهالات متضرعين إلى الله ان يمنّ عليهم بالمياه ومن هذه العبارات التي كانوا يرددونها :
يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا أم الــــــــــــــــــــــــــــــــغيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــث غــــــــــــــــــــــــــــــــيثيـنــــــــــــــــــــــــــــــــــــا تــــــــــــــــــــــــــــــــلــــــــــــــــــــــــــــــــِّــــي الســـــــــــــــــــــــــهــــــــــــــــــــــــــــــــل وروينــــــــــــــــــــــــــــــــا
واسقــــــــــــــــــــــــــــــــي زرعنــــــــــــــــــــــــــــــــا العــــــــــــطشــــــــــــــــــــــــــــــــان ومــــــــــــــــــــــــــــــــن فيــــــــــــــــــــــض نعمـــــــــــــــــــــــــــــــــه تحيينــــــــــــــــــــــــــــــــا
المهندس الزراعي عماد محمود أمضى زمناً طويلاً في إرشاد المزارعين وتوجيههم وهو يختزن بالتالي خبرة واسعة في شؤون سهل عيحا وشؤون الزراعة في منطقة راشيا والبقاع، يقول:
دخول الأسمدة والأدوية الزراعية كان لها التأثير السلبي من خلال تفكيك المواد العضوية والحدّ من خصوبة التربة، والجدير بالذكر هنا أن سهل عيحا بسبب خصوبته وما يترسب به سنوياً من الطمي الغني بالعناصر الغذائية يتميز بالزراعة «المحيّرة» وبالمحاصيل الجيدة والتي كانت تفيض بالخيرات بعيداً عن استعمال الأدوية الزراعية .

ما هي الزراعة «المحيرة»؟
هي الزراعة التي كانت تزرع ما بين المرحلة المبكرة لزراعة الحبوب وتدعى «العفير» وهي قبل أن تروى الأرض جيداً بالمياه والزراعة المتأخرة والتي تدعى «اللقيس» وهذه الزراعة كانت تعطي مواسم جيدة وكانت تشكل عامل جذب لكبار المزارعين نظراً إلى المردود الوفير الذي تعطيه، لكن دخول المزارعين عالم التجارة والركض وراء محاولة زيادة الإنتاج بوسائل كيميائية وبصورة غير مدروسة غالباً قضى على هذه الزراعة .

كيف تتم عملية استثمار السهل حالياً ؟
تقلص الموارد المالية المتاحة للمزارعين في السهل حال دون استثمار الأرض مما حدا بهم الى تضمين أملاكهم لمزارعين من خارج المنطقة، لكن المفارقة هي أن الأرض يتم تضمينها بأسعار زهيدة حيث لا تتجاوز الـ 25 دولاراً للدونم بينما في سهل البقاع يصل تضمين الدونم الواحد الى ما يقارب الـ 180 دولاراً والغلال في سهل عيحا تفوق الغلال في سهل البقاع في الدونم الواحد كماً ونوعاً.
ومن الأسباب التي دفعت بالمزارعين الى تضمين الأرض، ارتفاع فاتورة الري في الفترة الأخيرة، حيث إن الآبار الإرتوازية هي مشاريع خاصة يملكها أشخاص أخذوا يتحكمون بأسعار المياه والمزارع غير قادر أحياناً على تأمين البديل.

سهل-عيحا-يمتد-حتى-أقدام-جبل-الشيخ-ويحمل-الخيرات-لمزارعي-المنطقة
سهل-عيحا-يمتد-حتى-أقدام-جبل-الشيخ-ويحمل-الخيرات-لمزارعي-المنطقة

ما هي الأماكن الأكثر خصوبة في السهل ؟
التربة في السهل متقاربة بالإجمال ولا توجد منطقة تفوق الأخرى لكن الأماكن التي تكون أكثر تأثراً بالمغراق تتجدّد التربة فيها بإستمرار بسبب ما يترسب فيها من طمي وتعتبر لذلك من المناطق الأكثر خصوبة، لذلك يتسابق المستثمرون في السهل للحصول عليها .

ما هو مستقبل الزراعة في السهل ؟
في الفترة الأخيرة أخذ الناس بالإبتعاد عن الزراعات التقليدية في السهل وعدم الإعتماد على الروزنامة الزراعية أو ما شابه ذلك وتحولوا الى زراعة الكرمة وهذا ما بدأ يظهر على اطراف السهل حيث اخذت بساتين التفاح بالإتساع، أضف الى ذلك أن بعض المزارعين بدأ يزرع مساحات واسعة بأشجار الحور التي تنمو بسرعة ويتم الإستفادة منها في الحطب حيث تحضى ولهذه التجارة سوق مربحة والحور سريع النموّ ويمكن ان يستفاد منه على فترات طويلة .

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading