الثلاثاء, نيسان 23, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الثلاثاء, نيسان 23, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

قرية الكفير

افتقاد الغجر للغة مكتوبة حرمهم أهم وسيلة للتعبير وكتابة تاريخهم الخاص وجعلهم بلا أي رواية يمكن نقلــــها إلى أجيالــــهم عبر الســـنيـن

وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (فاطر: 32)

قــرية الكفـــير

موئل التآخي ومنبت النجباء

لبلدة الكفير مكانة خاصة في قلوب أهلها وفي قلوب اللبنانيين، فهي قرية التآخي الدرزي المسيحي وقرية التضامن وحنين الإغتراب وهي منبت التميّز والإبداع وهي فوق ذلك مسقط رأس أحد أبرز رجالات الإستقلال في سوريا رئيس وزرائها في ثلاث حكومات متتالية فارس بك الخوري. هذه القرية الوادعة على سفوح حرمون غنية أيضاً بالتاريخ والإرث الثقافي، غنية بالأدباء والمفكرين المبدعين والأهم أنها لا تعيش على ماضيها بل تنعم بحاضر زاهر يجعلها حالة لافتة بين البلدات الجبلية في لبنان.

منها انطلق فارس بك الخوري إلى رئاسة حكومة سورية
وفي ربوعها تفتح خيال أملي نصر الله وإبداعها الأدبي

سليم بك كيوان خدم الباب العالي وصادق جمال باشا
وتمكّن بذلك من فك شباب كثيرين من حبل المشنقة

مغتربو الكفير لم يطيقوا الحنين إلى الوطن
فأنشأوا جمعية وأتوا بالبريد والتلفون إلى القرية

تعود تسمية الكفير الى اللغة الآرامية وتعني ضيعة أو منطقة ومن المحتمل أن تكون تسمية الكفير تصغيراً عربياً للفظ «كفرا» وتعني القرية الصغيرة، أما التسمية التي شاعت هي «كفير الزيت» حيث كانت السلطات العثمانية ومن بعدها سلطات الإنتداب الفرنسي تطلب من المساحين وضع إسم كفير الزيت على الخرائط للإشارة الى بلدة الكفير والسبب في ذلك يعود الى غنى هذه البلدة بأشجار الزيتون ولشهرتها في معاصر الزيتون التي ما زالت آثارها ماثلة حتى يومنا هذا.

الموقع الجغرافي
ترقد قرية الكفير في أحضان جبل حرمون على ارتفاع يتراوح ما بين 800 و1050 متراً فوق سطح البحر وهي تقع في الجهة الشمالية لقضاء حاصبيا وتتبع إدارياً لقضاء حاصبيا ولمحافظة النبطية. وبسبب موقعها الوسيط تشكّل الكفير صلة الوصل الطبيعية بين البقاع والجنوب وتحيط بها وتجاورها عدة قرى منها بلدة عين عطا من الشرق ومن الشمال الشرقي وقرى لبايا وميمس من الغرب ومن الجنوب قرية الخلوات، ومن الشمال مزرعة السفينة وقرية مرج الزهور. تبعد الكفير عن حاصبيا مركز القضاء نحو 10 كلم، وعن النبطية مركز المحافظة نحو 55 كلم ، وعن العاصمة بيروت نحو 100 كلم.
تتميز القرية بوفرة موارد المياه والمتمثلة بعدد كبير من الينابيع الدائمة وبعض الأنهر والسواقي الموسمية، ومن الينابيع عين الطاسة وعين الزمروني وعين الزقاني في الجهة الجنوبية، أما في الجهة الغربية فهنالك نهر الفاتر وهو عبارة عن نهر موسمي يتلاشى خلال فصل الصيف ونبع السفينة في الشمال الشرقي وعين الخسف بالإضافة الى عين الضيعة وفوار الساحة في وسط البلدة .
السكان والعائلات
يبلغ عدد سكان قرية الكفير 3420 نسمة، لكن المقيمين منهم لا يزيد عددهم على 1570 نسمة بسبب إنتقال قسم كبير من أهل القرية للسكن والعمل في ضواحي العاصمة أو في المهاجر القريبة والبعيدة.
سكان البلدة، المقيمين والمغتربين، هم من الدروز والمسيحيين ويتوزعون على العائلات التالية :
موحدون دروز: نوفل، نجاد، غرز الدين، عواد، العيسمي، أبو العز، صقر، الحلبي، الدمشقي.
مسيحيون: أبو جمرا، أبو رحال، مخايل، كساب، أبو شلش، أبو رزق، أبو نصر، لاون، إندراوس، فاخوري، غنطوس، جليان، الخوري، البسيط ، أبو راشد، ثابت، حوراني، الخرباوي.

أحياء البلدة
تتألف بلدة الكفير من عدد من الأحياء والحارات التي يسكن كلا ً منها عدد من العائلات المذكورة سابقاً واللافت أن هذه الأحياء تتوزّع مناصفة تقريباً بين الدروز والمسيحيين .
وعلى الرغم من التمدّد العمراني الذي حصل في القرية واتساع مساحة الأبنية الحديثة، إلا انها ما زالت تحافظ على العمارة التقليدية القديمة في بعض احيائها، ولعلّ أبرز ما تكتنزه هو ذكرى باقة من الأعلام والنابغين الذين خلدوا إسم لبنان عالياً وفي طليعتهم فارس بك الخوري أول رئيس حكومة مسيحي في سوريا بعد الإستقلال، والكاتبة أملي نصر الله، وجيمس أبو رزق ونيك رحال وسليم بك نوفل .
كانت منازل الكفير القديمة تقام بالقرب من مناهل المياه في وسط البلدة والتي تتمثل بعين الضيعة وفوار الساحة، وكانت تلك الدور تتألف من طبقة واحدة مبنية من الطين وتحتوي على عدد من الغرف إضافة الى بيكة «أرضية» إلى جانب المنزل تأوي المواشي والحيوانات خلال فصل الشتاء وكان أصحاب اليسر يمتلكون منزلاً تعلو سطحه علّية وبجوارها مصطبة لقضاء فصل الصيف وأمامها مساحة فسيحة تعرف بالمشرقة، ومع مرور الزمن وتبدّل العادات تبدّلت أساليب العمارة واتخذت بدءاً من الأربعينات أو الخمسينات من القرن الماضي طابع البيت اللبناني التقليدي المشاد من الحجر مع الأسقف العالية والبلكونات الواسعة لكن تبدلت طبيعة البناء في ما بعد لتتخذ طابع الأبنية الحديثة المبنية من الإسمنت والمغطاة جدرانها الخارجية بالحجر الصخري والكثير من تلك الأبنية اتخذ شكل البناء المتعدد الطبقات.

الإغتراب وجمعية الإخاء الكفيري
لا تختلف الكفير عن غيرها من البلدات الجنوبية واللبنانية في توجه أبنائها نحو المغتربات البعيدة منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وقد ارتبطت تلك الهجرات أولاً بتردي أوضاع الاقتصاد في معظم ولايات الدولة العثمانية في نهايات القرن التاسع عشر ثم انتشار الفقر وأخيراً قيام الحرب العالمية الأولى مع ما جرّته من مصائب ومجاعات على اللبنانيين. وقد توجّهت الهجرات الأولى من الكفير نحو الأرجنتين وبعض دول اميركا الجنوبية ثم أميركا الشمالية، وفي النصف الثاني من القرن الماضي توجه بعض الرواد نحو استراليا وفتحوا بذلك بابا لهجرة أبناء القرية إليها، وفي وقت متأخر وخصوصاً ابتداءً من الستينات ثم السبعينات تزايدت حركة الهجرة نحو منطقة الخليج العربي لتصبح عملياً نمط الهجرة الأكثر هيمنة في يومنا الحاضر.
يجب القول هنا إن بلدة الكفير تميّزت بين البلدات الأخرى في قوة شعور التضامن بين أبنائها وعمق الرابطة العاطفية التي حافظ عليها المغتربون الكفيريون في المهاجر. وكان أبرز ثمار ثقافة التضامن تلك تأسيس جمعية الإخاء الكفيري في الولايات المتحدة الأميركية في العقد الثاني من القرن العشرين، وقد أعلنت الجمعية آنذاك أن هدفها هو تحسين الوضع المعيشي لذوي المغتربين وكذلك ردّ الجميل للبلدة عبر جمع الأموال من الناجحين في الخارج لتقديم خدمات حيوية للكفير لم يكن سهلاً توفيرها في تلك الفترة من تاريخ لبنان في ظل الإنتداب الفرنسي. ومن أجل التواصل مع الوطن ومعرفة الحاجات التي يمكنها العناية بها أسست الجمعية فرعاً لها في البلدة للمتابعة وبدأت ثمار عمل الجمعية بالتوالي لتشمل بخيرها جميع ابناء القرية دروزاً ومسيحيين. ففي مطلع العام 1930 موّلت الجمعية جرّ مياه الشفة من ساحة القرية الى مختلف أحيائها، ثم قامت بإنشاء مبنى البلدية وبناء طابق في المدرسة القديمة ومن ثم وفي العام 1950 تأسيس مركز للبريد أتبعته بتدشين مقر خاص لتوزيع البريد في المنطقة، ومن المرجح أن موضوع البريد كانت له أهميته بالنسبة إلى المغتربين وذويهم فكان لمأثرة الجمعية صدى ترحيب واسع لأنها تمكنت بذلك من ربط القرى ببلدان الإغتراب وجعلت التواصل بالرسائل متاحاً وسريعاً نسبياً خصوصاً بعد إدخال البريد الجوي. . ولنفس الغرض أيضاً ساعدت الجمعية على تأمين مركز للإتصال الهاتفي في العام 1951 بجهود المغترب رامز الخواجا، فسهلت بذلك الإتصال الفوري عبر الهاتف الدولي بالمغتربات.

جانب-من-مبنى-تراثي-في-الكفير
جانب-من-مبنى-تراثي-في-الكفير

 

أحراج الزيتون
أحراج الزيتون

 

 

 

 

 

 

 

الحراك الشبابي والإجتماعي
أدى نجاح تجربة جمعية الإخاء الكفيري إلى تفعيل الحراك الاجتماعي والثقافي في الكفير فتأسست الرابطة الثقافية في منتصف الستينات من القرن الماضي على يدّ مجموعة من الطلاب الذين حددوا هدف الرابطة بتطوير المجالات الثقافية والتربوية والرياضية والصحية مما جعل المجتمع في تلك الحقبة متميزاً عن سواه من المجتمعات المجاورة، كما تأسس في القرية نادي الحرية الرياضي الذي لعب دوراً مهماً خلال الحرب الأهلية في جمع المجتمع المحلي تحت راية الرياضة كما قام عدد من الجمعيات التي تعنى بالشأن المحلي مثل «جمعية تمكين المرأة» و«الإتحاد النسائي» وفرع «لجمعية نور».

كنيسة البلدة
كنيسة البلدة

إقتصاد القرية وإغراءات النزوح
على الرغم من أهمية الموارد الزراعية للكفير ولاسيما الزيتون ومشتقاته، فإن الاقتصاد المحلي تميّز بإنتقال تدريجي من الزراعة إلى القطاعات الخدمية مثل التجارة والعقار والوظائف وأموال الاغتراب، وزادت خلال العقود الثلاثة الاخيرة بشكل خاص نسبة الموظفين في

القطاع العام ولاسيما القطاع العسكري والقطاع التربوي، ويعود تراجع أهمية الزراعة إلى تنامي عدد السكان وتزايد حاجات الأسر وعدم كفاية الاقتصاد المحلي للقيام بتلك الحاجات. ولحسن الحظ فإن لبنان بلد اغتراب وله في هذا المجال خبرات وتاريخ طويل والاغتراب يمثل أحياناً صمام الأمان والخيار الأخير أمام الأجيال الشابة، وكذلك يمثّل النزوح إلى العاصمة بيروت أو إلى أي من المراكز الحضرية حيث يمكن الحصول على عمل والقيام بعبء معيشة الأسرة وتعليم الأولاد.

زراعة الزيتون
يعود ازدهار زراعة الزيتون في بلدة الكفير الى النصف الأول من القرن الثامن عشر وقد استمر تنامي هذه الزراعة حتى باتت تغطي ما يقارب الـ 20 % من الأراضي الزراعية في القرية، وتلقت زراعة الزيتون ابتداءً من خمسينات القرن الماضي دفعة قوية جديدة بسبب ازدياد الطلب على الزيتون وارتفاع سعر الزيت فتم خلال العقود الخمسة الأخيرة زرع المزيد من أراضي البلدة بتلك الشجرة وبات الزيتون بالتالي يغطي نحو ثلثي الأراضي الزراعية في الكفير، وبسبب أهمية الزيتون فقد تطورت في الكفير أيضاً صناعة عصر الزيتون وإنتاج زيت الطعام وكذلك صناعة الصابون الذي تستخدم فيه الزيوت الناجمة عن جمع الزيتون المتساقط قبل القطاف ويسمى «زيتون الجوال».

الصنوبر والنحل
يشكّل انتاج الصنوبر مصدر دخل متنامياً لعدد من العائلات في الكفير ولاسيما بعد الارتفاع المتواصل في اسعار الصنوبر عاماً بعد عام حتى وصل سعر كيلوغرام الحب الابيض منه إلى 90,000 ل.ل. واللافت أن بلدة الكفير تحيط بها مساحات كبيرة من الصنوبر الحكومي الذي يقع تحت تصرف البلدية والتي تعمد الى تضمينه لمن يرغب من الأهالي.
كما تنامت تربية النحل في بلدة الكفير لتتحول إلى مصدر دخل ذي شأن للعديد من نحالة البلدة والعائلات التي تهتم بهذا النشاط المجزي.

التعليم في القرية
يعود التعليم في الكفير الى النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدأ مع تأسيس مدرسة بروتستانتية عرفت بـ «مدرسة الإنكليز» ثم ومع نهاية القرن التاسع عشر أسس الروس مدرستين تابعتين للروم الأرثوذكس واحدة للصبيان والثانية للبنات لكن المدرستين كانتا مفتوحتين لجميع أبناء القرية مسيحيين ودروزاً، وبعد انتهاء الطلاب من دراستهم في المدرستين كان يتم ارسال المتفوقين منهم الى مدينة الناصرة في فلسطين لمتابعة تحصيلهم العلمي وقد ساهم بعض الخريجين لاحقاً في نشر التعليم في المنطقة من خلال ممارسة التدريس، لكن مع اندلاع الحرب العالمية الأولى توقف التعليم في هاتين المدرستين.
يذكر الأستاذ فيصل نوفل أن بعض المتفوقين في المدرستين كان لهم الأثر البارز في إحياء التعليم في القرية والقرى المجاورة بينما اشتهر من الساسة الذين تخرجوا من القرية فارس بك الخوري الذي شغل منصب رئيس الوزراء السوري في العام 1946 كما لمع إسم الاعلامية عبلة الخوري اضافة الى عدد من الذين برزوا في المجال التربوي .
اللافت أن «التعليم الرسمي» بدأ في ظل الإنتداب الفرنسي وذلك عندما قامت سلطات الانتداب عام 1920 بإنشاء مدرسة الكفير تحت اشراف نظارة المعارف العمومية، وبدأت المدرسة إعطاء الدروس للطلاب في مبنى وقف الروم الأرثوذكس ثم تمّ توسيع المبنى بدعم من قبل المغتربين بحيث أصبحت المدرسة قادرة على استيعاب عدد أكبر من الطلاب الوافدين اليها من قرى قضاءي راشيا وحاصبيا.
ويشير الأستاذ فيصل نوفل إلى أن مدرسة الكفير شهدت تطوراً لافتاً بعد الإستقلال مستفيدة من المساعدات التي يقدمها المغتربون ولاسيما جمعية الإخاء الكفيري التي ساهمت في توسيع المدرسة وتقديم كافة المستلزمات التربوية من مختبرات ومكتبة وقاعات جيدة للتدريس وتأمين مدرسين من ذوي الخبرة والكفاءة، وقد اشتهرت المدرسة بمستوى التعليم الذي كانت تقدمه وبالعديد من الخريجين الذين لمعوا في عدة ميادين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأديبة أملي نصرالله والقاضي منيف حمدان والصحافي راجح الخوري والوزير عصام أبو جمرة وعدد كبير من الأطباء والمهندسين وأصحاب المهن، لكن مما يؤسف له أن مدرسة بهذه العراقة تراجع دورها مع الأيام لصالح المدارس الخاصة إلى أن أدى الأمر إلى إقفالها من قبل الدولة لعدم توافر الحد الأدنى من التلامذة المسجلين، وانتقل من بقي من الطلاب إلى مدارس أخرى وتمّ إلحاق المدرسين من أبناء البلدة بالمدارس الرسمية في البلدات المجاورة . فهل الذنب هنا ذنب الأهالي الذين يعتقدون أن المدارس الخاصة تؤمن تعليماً أفضل أم هو تراجع التعليم الحكومي بصورة عامة أمام الزحف المستمر للتعليم الخاص؟
المفارقة هي أنه بينما لم تستطع بلدة الكفير الحفاظ على مدرستها العريقة فإنها اليوم تضم ثانوية رسمية زاهرة تقدّم التعليم للمراحل التكميلية والثانوية لطلاب البلدة والبلدات المجاورة، وحققت الثانوية نجاحاً جعلها تستقطب الطلاب من البلدات المحيطة وذلك بسبب مستوى التعليم المميز والفريق التربوي الكفوء الذي يتولى التعليم فيها.
حلّت ثانوية الكفير لفترة كمركز للتعليم الثانوي للمنطقة محل ثانوية حاصبيا الرسمية خصوصاً بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، إذ بات من الصعوبة بمكان الانتقال الى حاصبيا بعد إقفال معبر زمارية فتم انشاء فرع لثانوية حاصبيا في القرية في العام 1984 وشغل فرع الثانوية جزءاً من مبنى الكنيسة قبل انتقال الثانوية إلى مبناها الحديث الحالي وإعطائها إسم «ثانوية الكفير الرسمية التي برز من خريجيها الوزير وائل أبو فاعور.
والجدير بالذكر أنه وبسبب عدم وجود جامعة أو فرع لجامعة رئيسية في المنطقة فإن خريجي الثانوية وخريجي الثانويات الأخرى يجدون أنفسهم مضطرين للانتقال إلى صيدا أو الى مدينة زحلة حيث توجد أقرب الجامعات الرسمية او الى كلية العلوم الإقتصادية في ضهر الأحمر والكثير من الطلاب ينتقلون الى الجامعة اللبنانية في الحدث أو لفروع أخرى في العاصمة لمتابعة تحصيلهم العلمي.

منزل-فارس-الخوري
منزل-فارس-الخوري

شخصيات وأعلام من الكفير
أملي نصر الله: ولدت عام 1931 وعاشت طفولتها الأولى في بلدة الكفير كانت تختلس السمع الى الأساتذة في المدرسة المجاورة لمنزلها قبل أن تدخلها بقدر كبير من الشغف بالمعرفة ثم لتنتقل الى الكلية الإنجيلية لتبدأ مسيرتها المهنية في التعليم ثم الصحافة لتغطي تكاليف الدراسة .
عاشت طفولتها كسواها من أطفال القرى، فعملت في جوال وقطاف الزيتون وفي حصاد القمح حيث أغنت هذه الحياة ذاكرتها، فاكتسبت الحرف الاول في مدرسة الضيعة وبعد سنوات قبل أن يكتشف خالها الكاتب ايوب نصر وهو أحد أصدقاء جبران في الرابطة القلمية الموهبة الأدبية لديها فأخذ يغذيها من خلال الطلب اليها كتابة مواضيع أدبية.
روايتها الأولى «طيور ايلول» باكورة تبعتها سلسلة من الأعمال الأدبية مثل : شجرة الدفلى، الإقلاع عكس الزمن، الجمر الغافي، خبزنا اليومي، يوميات هرّ وغيرها من الروايات التي وصلت بها الى العالمية، ومازال منزلها في القرية حتى اليوم يغمره الحنين والشوق الى سنوات خلت.
فارس بك الخوري : ولد فارس بك الخوري في الكفير في 20 تشرين الثاني 1873 وتابع دراسته الأولى في مدرسة البلدة قبل ان ينتقل الى المدرسة الاميركية في صيدا ونظراً إلى تفوقه تمّ تعينه مدرساً في احدى مدارس زحلة قبل ان يعود الى متابعة تحصيله الجامعي في الكلية الإنجيلية السورية التي عرفت في ما بعد بالجامعة الأميركية في بيروت. انتقل إلى سوريا حيث عين ترجماناً للقنصلية البريطانية (1902، 1908 ) درس الحقوق ومارس المحاماة ودخل العمل السياسي ليتم انتخابه نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان العثماني عام 1914، لكنه اتهم بعد سنتين بالتآمر على السلطنة العثمانية التي نفته الى اسطنبول. عاد إلى سوريا بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب ثم عمل مع حكومة الملك فيصل الأول، أيضاً انتخب نقيباً للمحامين ونائباً لرئيس الكتلة الوطنية، تولّى رئاسة المجلس النيابي السوري عامي 1936 و1943 وتمّ تكليفه برئاسة الحكومة السورية وقد شكّل ثلاث حكومات متوالية في عهد الرئيس شكري القوتلي .
سليم بك نوفل : ولد سليم حمد نوفل في الكفير سنة 1865 في أسرة مؤلفة من ستة أشقاء وشقيقتين، منذ نعومة أظافره كان ثاقب البصيرة ينظر الى ما حوله نظرة تختلف عن أقرانه حيث كانت تربيته على حب العمل وتحمل المسؤولية تصنع منه رجلاً، إمتاز بحبه

فيصل نوفل
فيصل نوفل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للآخرين ومساعدتهم حيث كان نصير المستضعفين في مجتمعه .
كان أبيّ النفس طاهر اليدين، محباً، قليل الكلام، حاد البصر والبصيرة معاً، عُرف بهيبته ووقاره وقامته الفارعة بين الناس، شعاره خدمة الأخيار من الناس ورفع الحيف عن المظلومين، عمل في الزراعة ثم عين وكيلاً عن دروز وادي التيم وفلسطين لدى الوالي التركي في دمشق حيث مكث فترة طويلة في الشام، وكان هدفه المحافظة على استقرار منطقته، كما إنه لعب دوراً بارزاً في إبعاد حبل المشنقة عن الكثير من أبناء منطقته مستفيداً من علاقته الجيدة بجمال باشا.
بسبب خدماته الطويلة والمكانة التي حققها منحته الحكومة العثمانية لقب بك والعديد من الأوسمة الرفيعة واهداه السلطان العثماني سيفاً قيماً ما زال محفوظاً في دارة الأمير مجيد ارسلان في خلدة.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عاد الى قريته وهو لا يزال محافظاً على الهيبة والوقار اللذين كان يتمتع بهما وكان محط احترام ابناء الكفير من دروز ومسحيين، يستمعون الى حكمته ورأيه السديد، وأبرز ما قام به خلال تلك الفترة تعاونه مع وجهاء البلدة من دروز ومسيحيين لتجنيب القرية تداعيات الثورة السورية الكبرى عام 1925.

تاريخ من التآخي
تتميز بلدة الكفير بتاريخ طويل من التآخي بين الدروز والمسيحيين يتمثل بوجود حياة اجتماعية وثقافية مشتركة بين جميع أهل القرية وعدم وجود توترات من أي نوع وهذا ما نراه في مشاركة أبناء القرية بعضهم بعضاً في الأفراح والأتراح وتعاونهم في شؤون التنمية واحتواء المشكلات والحفاظ على السلم الأهلي، وهذا ما حصل في ثورة 1925 عندما قام سليم بك نوفل يرافقه اسبر مخايل بجولات في الليل طوال تلك المرحلة استهدفت تحييد القرية والحفاظ على الاستقرار وطمأنينة النفوس. وخلال ثورة 1958 أظهر ابناء القرية حرصهم الشديد على وحدة البلدة وقد حصل الأمر نفسه خلال الحرب الأهلية، إذ بقي المجتمع الكفيري موحداً متماسكاً وقد جعل هدفه الأول إبعاد شبح الفتنة والإقتتال عن البلدة والحفاظ على علاقات الود التاريخية بين الموحدين الدروز وأهل بلدتهم المسيحيين.

المقامات الدينية
يوجد في البلدة مقامان دينيان يأمهم الموحدون الدروز على مدار العام وهما مقام النبي شعيب في منطقة السفينة ومقام النبي شيت في منطقة شعيث. ويوجد الى جانب المقام ناووس حجري يعود الى العهد الروماني وعليه مجموعة من النقوش إضافة الى عدد من الآثار القديمة المحيطة والتي تعود الى حقبات تاريخية قديمة.
وتوجد في البلدة كنيستان: كنيسة القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس وكنيسة أخرى للروم الكاثوليك.

الشيخ سعيد الدمشقي يتذكر
الشيخ سعيد الدمشقي رجل ثمانيني يعدّ من حكماء القرية بسبب سنه وذهنه المتوقد وذاكرته الغنية بالأحداث. «الضحى» إلتقته في حوار سألت فيه الشيخ سعيد عن كفير أيام زمان وما الذي يراه قد تغير الآن، هنا ملخص الحوار.

> هل من شيء خسرته الكفير وتتمنى لو يعود الآن؟
هذه القرية على الرغم من صغر مساحتها لكنها اكتنزت الكثير. عندما كنت طفلاً اكثر ما كان يدهشني النول الذي كان يحيك الأقمشة وكانت الكفير تضم أربعين نولاً تصنع الأقمشة على أنواعها وألوانها وكانت هذه تباع في المنطقة وفي خارجها لإستخدامها في خياطة الألبسة، لكن هذه الصناعة انهارت وكان آخر هذه الأنوال في العام 1936.
> ما هي أبرز محطات الذاكرة لديكم ؟
النخوة التي كانت تعتبر الصفة العامة لأبناء القرية والتي كانت تظهر في مختلف جوانب الحياة ولاسيما بناء المنازل والتي كانت تشاد من الطين وكان سقف المنزل يحتاج الى عدد من الجسور الخشبية والتي يزيد وزن كل جسر على 1000 كلغ يجتمع ما يقارب الاربعين شاباً وينتقلون الى الحرش المجاور للقرية ويتم وضع عدد من الأخشاب تحت الجسر الخشبي لرفعه وكان ذلك يحتاج إلى 16 شاباً يقومون برفع الجسر ويبدأ الشباب بالمناوبة على حمله وكل ذلك كان يتم على وقع الأهازيج والغناء، لكن أطرف شيء كان جلوس عازف المجوز على الجسر الذي يحمله الشبان بهدف العزف وإذارة حماس الشباب وشد أزرهم، أما نحن فكنا كأولاد نركض بجانبهم ونحن نصفق.

فقدنا العافية والطمأنينة
ويقول الشيخ سعيد ان ما فقدناه اليوم في الكفير هي الصحة ويتابع: كان الجميع تقريباً أصحاء وكانت الناس لا تحتاج الى أي دواء في حياتها ولم يكن هناك أطباء، بينما نجد اليوم أن الأمراض انتشرت والأطباء كثروا ونعمة الصحة زالت ربما لأن الناس لم تعد تعمل في الأرض وتتبع نظام حياة سليمة مثل الإستيقاظ الباكر والغذاء الطبيعي من الأرض وعدم استخدام الكيماويات وغيرها مما هو شائع في يومنا.

زمان المونة
ويضيف الشيخ سعيد: جميع منازل القرية كانت تعمد الى جمع مستلزمات المونة خلال فصل الصيف فيمتلئ البيت بالبرغل والقورما والكشك واللبنة «المكعزلة» والزيتون والطحين اضافة الى الحبوب المختلفة مثل القمح والحمص والعدس والفول وأيضاً الزبيب والدبس والتين والقضامة .
كل بيت كان يضع في المنزل خروفاً يعرف بـ «المقطوع» حيث يتم علفه والإهتمام به ليصار الى ذبحه على عيد الصليب ومن ثم تحويل لحمه ودهنه الى قورما والتي تعتبر من اساسيات المونة، وتكون الأسر قد جمعت القمح من البيادر وحوّلت بعضاً منه الى برغل من خلال سلقه لينضج ومن ثم تجفيفه ونقله الى المطحنة ليصار الى جرشه برغلاً.
أما تحويل القمح الى طحين فكان يتم من خلال عدد من المطاحن في وادي القرية التي كانت تعمل خلال فصلي الشتاء والربيع عندما تكون مياه النهر الموسمي جارية، فكانت تدير حجر المطحنة، أما خلال الأشهر المتبقية من السنة فكان السكان ينقلون قمحهم الى حاصبيا او الى بلدة شبعا المجاورة .

العرس أيام زمان
كان العرس، حسب الشيخ سعيد، من أبرز العادات التي اندثرت حيث كان يستمر اياماً عدة مع ما يرافقه من لهو وفرح على وقع المنجيرة والمجوز . كان الشبان يجتمعون في ساحة القرية، وعند حلول الظلام ينتقلون الى منزل العريس بالحدى والأهازيج . وخلال تلك السهرات كانت تجري تمثيليات تهدف الى تسلية الحضور وإضحاكهم وكان اختيار العروس يتم بواسطة الأم «فهي أخبر بالنسوان» وبمصلحة إبنها.

زمن الحشمة
يتابع الشيخ دمشقي حديثه، ويستذكر طريقة ارتداء الملابس التي كانت تلتزم الحشمة عند النساء من خلال الثياب الطويلة المحتشمة. حتى الشباب كانوا شديدي الحرص على ملابس تظهر رجولتهم وكانوا يتمتعون بالحياء والأدب والشجاعة، أما اليوم فلم تعد هناك قواعد واضحة للسلوك وأصبح كل واحد يقول إنه حر في نفسه، وعندما يتصرف كل شخص على كيفه لا يبقى هناك مجتمع ولا حتى أسرة..

الكفير والتكنولوجيا
كان الفونوغراف اول الآلات الداخلة الى القرية وقد دخل في أعقاب الثورة السورية في العام 1925، وقد أتى به أيوب الالتهخوري بعد زيارة لأخيه فارس في دمشق، وكان من يمتلك الجريدة مصدراً مهماً للمعلومات بين أبناء القرية، فجريدة القلم الصريح دخلت الى القرية مع الأستاذ شوقي الحاج وكان أبناء القرية يقصدونه لمعرفة أخبار العالم، وكذلك جريدة نيويورك تايمز الأميركية وجريدة «السمير» كانتا تصلان الى أيوب نصر وكان مغترباً في الولايات المتحدة ولو متأخرتين ومما قالته الأديبة أملي نصرالله «السمير مكتبتي حيث كنت اتفرج على الصور وعلى العالم من خلالها» كما دخلت جريدة «النهار» القرية منذ عددها الأول من خلال الأستاذ سمعان الحاج ومن ثم دخل الراديو وقد استقدمه أحد أبناء القرية بعد زيارة الى الولايات المتحدة وبعد ذلك دخل التلفاز، أما الهاتف فدخل القرية في أربعينات القرن الماضي وكذلك مركز البريد.

المصادر
• سامي الخوري: أمل لا يغيب .
• الأستاذة منى عواد مدرّسة مادة التاريخ في ثانوية الكفير .
• المؤرخ عارف الخوري الكتاب الذهبي .
• بعض الشخصيات التي وردت في التحقيق.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading