الجمعة, آذار 29, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, آذار 29, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

كلمة سواء

من فخر الدين إلى كمال جنبلاط

نحن والطب

يساهم المؤرخ الواسع الإطلاع الدكتور حسن أمين البعيني في هذا العدد في كشف الكثير من المغالطات التي أحاطت على الدوام بأحد أعظم الشخصيات التي انطبع بها تاريخ لبنان، وهو الأمير فخر الدين الثاني المعني، هذا الأمير الدرزي المسلم الذي تمكّن من توسيع ملكه ليشمل كافة ما يُعرف اليوم بلبنان ثم تجاوزه ليجعل من ملكه دولة تمتد من انطاكيا شمالاً إلى غزة- فلسطين جنوباً وحتى تدمر وبصرى شرقاً، وبسبب ما بلغه ملك فخر الدين فقد قال عنه أحد المؤرخين إنه «لم يعد ينقصه سوى دعوى السلطنة» فكان هذا الأمير الدرزي بذلك وبفضل سياسات التسامح التي طبّقها وبسبب دهائه السياسي وإدراكه لأهمية الاقتصاد مشروع مملكة تفرض واقعها الاستقلالي على السلطنة العثمانية لولا أن كل المعطيات التي كان يقوم عليها مشروعه غيرالمسبوق تشير دوماً إلى أنه كان طموحاً مستحيلاً ومشروعاً يحمل عناصر انهياره في داخله لأنه كان يناقض في جوهره نظام الإلتزام ومركزية الحكم العثماني الذي كان يصنع الأمراء ويزيلهم وفقاً لمتغيرات سياسة الباب العالي وتشخيصه لمصلحة الدولة في كل ظرف من الظروف التي كانت تمرّ بها الدولة العلية.
لقد نجح الأمير فخر الدين في اقتناص فرص ثمينة لتوسيع ملكه وتعزيز تحالفاته، ونجح في شراء الرضا الضمني أو المتوجس للدولة العثمانية بفضل كفاءته المشهودة في إدارة الاقتصاد ومدّ خزائن الباب العالي بالضرائب في وقت كانت الدولة تحتاج المال لتمويل حروبها على أكثر من جبهة. لكن حتى في عزّ قوته، فإن سلطان الأمير كان مستمراً بفضل سكوت الدولة العثمانية أو انشغالها وليس بسبب قوته الذاتية، وقد تبيّن خلال الأزمتين الكبيرتين اللتين تعرّض لهما حكمه (حملة حافظ باشا ثم حملة الكجك) أنه ما إن كانت الدولة تجرد الجيش على إمارته حتى كانت التحالفات التي بناها تتفكك بسرعة ليجد الأمير نفسه معزولاً في وجه القوة الساحقة للعثمانيين، وكانت تلك أدلة واضحة على أن الأمير فخر الدين رغم نجاحه الكبير كباني ملك إنما كان يركب مخاطرة كبيرة في توسيع نطاق حكمه في منطقة بالغة الحساسية للدولة العثمانية لأنها البوابة البحرية لبلاد الشام المطلّة على الأوروبيين ومصالحهم ومكائدهم المستمرة لإضعاف الدولة ولتجديد مطامح الحملات الصليبية على دار الإسلام.
لقد فوجئ السلطان مراد خان بالقوة التي بلغها فخر الدين واعتبر ذلك بمثابة وضع شاذ على قاعدة تعيين الملتزمين وتبديلهم وعدم السماح ببروز حاكم قوي. وقد تبيّن للسلطان العثماني كيف قضى فخر الدين على جميع منافسيه وكاد يمتلك من القوة العسكرية ما لو أراد توجيهها ضد الدولة بالتحالف مع الدول الأوروبية لكان قادراً على أن يهدّد موقعها في لبنان وسواحل سورية، لذك كان القرار سريعاً وحاسماً بإزالته أو على الأقل تفكيك ملكه وإعادته إلى حجم ملتزم إقطاعي لا يتجاوز ملكه حدود المناطق الصغيرة التي كان يعهد بأمر حكمها والجباية فيها لعدد من الملتزمين، وهي مناطق لم يكن ممكناً أن تجعل من أي منهم تهديداً لسلطة الدولة وهيبتها.
إن صعود فخر الدين المدهش ثم محنته يمكن النظر إليهما كدليل على شخصيته الفذة، لكن يجب في الوقت نفسه النظر إليهما كمثال على الحدود التي أحاطت على الدوام بمشروع كيان لبناني مستقل عن الداخل الإسلامي والعربي. ولقد أتاح الفراغ الذي نشأ عن انهيار الخلافة العثمانية فرصة لإنشاءعدد من الدول على أنقاض ممتلكات السلطنة، وكان من بين تلك الدول الكيان اللبناني الذي تكون بسلخ مناطق من سورية وضمها إلى جبل لبنان أو لبنان الصغير. لكننا اليوم نجد أنفسنا مجدداً في مواجهة عواصف الجغرافية السياسية لنستيقن مجدداً من الصعوبة المتجدّدة في حماية مشروع فخر الدين المعني أي مشروع إقامة كيان يمكنه الصمود مستقلاً وقوياً في مواجهة العواصف التي تضطرم بإستمرار في العمق العربي والإسلامي الذي يحيط به إحاطة السوار بالمعصم.
قدّم الدكتورالبعيني أمثلة على مشاريع مشابهة لمشروع فخر الدين تمثّلت في رأيه بالرئيس فؤاد شهاب والرئيس الشهيد رفيق الحريري ونحن نضيف إلى هؤلاء رمز مشروع بناء لبنان وطني منفتح وقوي وديمقراطي وهو المعلم الشهيد كمال جنبلاط، وقد سقط كمال جنبلاط كما سقط رفيق الحريري شهيدين للمشروع نفسه وأظهر استشهادهما مجدداً كما أظهرت محنة فخر الدين مدى ضيق الفسحة المتاحة للبنانيين لبناء كيان سياسي له حيثياته الخاصة واستقلاليته عن محيطه الجغرافي والسياسي، وهذا الوضع لم ينج منه فخر الدين ولم ننج منه نحن وقد لا يستطيع لبنان الفكاك منه إلى أن يقضي الله أمراً كان مقدوراً.

خصصنا في العدد الماضي حيزاً مهماً لموضوع السرطان لسبب أساسي هو أنه تحوّل إلى مأساة إنسانية تحصد الآلاف سنوياً وأن انتشار المرض بلغ مستوى مخيفاً وقد بات يشمل بآثاره المدمرة الصحية والاقتصادية والنفسية كافة الأعمار والفئات الاجتماعية.
إنطلقنا من دافع الرحمة بالمريض (وكثير من المرضى من أقرب الناس إلينا ونحن نعيش آلامهم وآلام أهلهم) والحرص الحقيقي على المساهمة بما قد يبعث الأمل لدى المصابين وأسرهم وينقذهم من حالة اليأس ويجعلهم طرفاً في الحل عبر ما يمكنهم فعله بأنفسهم على سبيل الوقاية أو القيام بما يدعم العلاج ويعزّز حظوظه.
«الضحى» مجلة للناس وللخدمة مثلما هي مجلة للثقافة والتنوير، وفي العدد السابق اخترنا هدف الخدمة بعد أن رأينا عدد الناس الذين باتوا يعيشون وطأة المرض في غياب أي ثقافة صحية تتعلق بأسباب المرض البيئية والغذائية والنفسية وغيرها. وقد بات مؤكداً حسب كل الأبحاث العلمية الحديثة بما في ذلك تلك الصادرة عن مؤسسات طبية محترمة في العالم أن السرطان يمكن الوقاية منه أولاً عبر اجتناب العوامل التي قد تشجّع على ظهوره أو تفاقمه بعد ظهوره، كما إن الأبحاث نفسها أثبتت أن المؤسسة الطبية في العالم وكذلك الصناعات الدوائية أصبحت تقرّ بالأثر المحدود جداً للعلاجات التقليدية مثل الكيمو والعلاج الإشعاعي وبخطورة آثارهما الجانبية وأنها باتت تطرح مقاربات جديدة تختلف بصورة خاصة في أنها تستهدف خلايا السرطان وحدها Molecularly targeted دون استهداف الخلايا السليمة، وهو ما يحصل عكسه في العلاج الكيميائي الذي يدمّر نظام المناعة ولا يصيب إلا جزئياً الخلايا السرطانية، لقد أبرزنا في المقابل أهمية السلوك الوقائي لأن المهم أن لا نخلق بيئة مشجّعة على المرض أولاً وهناك اليوم في منازلنا آلاف المواد والعناصر الكيماوية المختبئة في كل ما نستخدمه من منظفات ومعطرات ومحاليل ومنتجات استهلاكية وما نضخه من مبيدات وهرمونات في أغذيتنا اليومية وغيرها مما يحتوي على مواد مسرطنة بدرجات متفاوتة، ويكفي هنا ما كشفت عنه حملة الوزير وائل أبو فاعور لتعطينا فكرة عن حجم الخطر الذي يحيط بنا وبأسرنا يومياً.
لقد قرأ بعض الأطباء الذين نحترم في المقال موقفاً سلبياً من الأطباء وهذا أبعد ما يكون عن الواقع لأن المقال شارك فيه طبيب معروف بأبحاثه وكتاباته، كما إنه استند إلى عشرات المراجع العلمية والطبية وهناك بعض الأطباء الذين استشهدنا بهم ممن يعارضون بشدة الكيمو وقد عبّروا عن آرائهم كأطباء، و«الضحى» لم تفعل سوى إيراد المواقف العلمية ولم تدلِ كمجلة بأي رأي علمي، أضف إلى ذلك أن بعض المواقف الطبية من الكيمو أو العلاج الإشعاعي ليست موقفاً من الأطباء بل من قصور الخيارات العلاجية المتاحة أماهم، وبهذا المعنى، فإن الذنب ليس ذنب الطبيب بل هو نقص الوسائل وكذلك تدريبه العلمي الذي يجعله معتمداً بصورة شبه وحيدة على خيارات قاصرة لم تتبدّل كثيراً منذ عقود طويلة رغم مليارات الدولارات التي تنفق على أبحاث السرطان حول العالم سنوياً.
وإحدى النقاط اللافتة التي وردت في الدراسة هي أن أطباء السرطان أكّدوا بأكثريتهم أنهم لن يقبلوا الخضوع للكيمو في ما لو أصيبوا هم بالسرطان لأنهم يشكّون في فعاليته، وكان هذا المثال دليلاً كافياً على أن هناك تناقضاً وأن هناك مشكلة في المقاربة للمرض.
نحن كمجلة ليس لنا موقف من استراتيجيات العلاج لأن الأمر يعود إلى المريض وإلى الطبيب في نهاية الأمر، لكن الذي يمكننا أن ندعو إليه هو الوقاية كما عرضنا لبعض مبادئها في العدد السابق، ونحن نعتقد أن الوقاية من السرطان هي من الأهمية بحيث تستحق من وزارة الصحة الزاهرة تخصيص أسبوع وطني سنوي للتوعية بالعوامل الغذائية والبيئية التي تزيد مخاطر الإصابة وسبل الوقاية منها. وفي الختام فإننا نشدّ على أيدي أطبائنا خصوصاً في المؤسسة الصحية التي نعتبرها صرحاً صحياً للمنطقة وإنجازاً اجتماعياً ووطنياً نحرص على تقدّمه وتطوره بإستمرار.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading