الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

شيخ النخوة والتواضع

إذا أردت شــــريـــــــــــــــــــف النــــــاس كلهـــــــــــــــــــم فانظر إلى عظيم في زي مسكين
ذاك الذي عظمت فـــــــــــــــــي الله نعمته وذاك يصــــلــــــــــــح للدنيـــــــــــــــــــــا وللـــديـــــــــــــــــــن
الشيخ حسين قيس، ذاك القاضي الشريف الذي امتدت ولايته القضائية المذهبية من عام 1911 إلى العام 1933 على المسلمين الموحدين من بلاد الجليل والكرمل جنوباً، إلى وادي التيم والجولان وغوطة الشام وإقليم البلان وحتى جبل السماق قرب حلب شمالاً .
كان الشيخ حسين قدوة في التواضع والمحبة والشفقة والرحمة وخصوصاً تجاه الفلاحين قاطني بلدته الماري، رغم علّو مكانته، والأدلة والأمثلة على ذلك عديدة. وإحدى الروايات عنه التي تبين سماحته وغيرته وتواضعه هي ما حصل عندما قرر أهل قريته الماري القيام بزيارة إلى مقام «السلطان إبراهيم» في الجولان، وكان قيام أهل القرية بهذا النوع من الزيارات الدينية مألوفاً في أواخر الصيف، بعد جني الغلال والمواسم، وكانت تتم عادة تلبية لدعوة من أحد أبناء القرية وذلك وفاءً لنذر، سواء كان عن مولود جديد، أم شفاء مريضٍ، أم وفرة محصول، وما أكثر المناسبات والأسباب التي كان الناس يتخذونها سبيلاً لشكر الله على نعمه التي لا تحصى. وكانت القرية تهب بكامل أبنائها إلى واجب الزيارة ولا يبقى فيها إلا من لا تسمح لهم ظروفهم بمجاراة الركب مثل الشيوخ العجز والمرضى والأطفال الصغار.
كان موكب الزيارة يمرّ في محلة «السبّان» يتقدمه الشباب والصبايا بالزغاريد والحداء والأغاني الحماسية، في تلك اللحظة تحمس بعض رعاة الماشية (وكانوا يسمون: «رعيان العجّال») للمشهد وكانوا مجتمعين في الحظائر المطلة على الموكب، وخطر في بالهم أن ينضموا إلى الموكب الاحتفالي، لذلك عمدوا عند غروب الشمس إلى إدخال الطروش (الماشية) إلى الزريبة، وإغلاق منافذها، ثم لحقوا بهم على وجه السرعة كي لا يفوتهم شيءٌ من بهجة الزيارة وروعتها (كالطرب والغناء، والدبكة، والطعام الشهي، وسوى ذلك).

كان من عادة الشيخ حسين قيس تفقّد قريته ليلاً، وقد بلغه من أحدهم أنّ «رعيان العجّال» قد تركوا الزريبة دون حراسة، ولحقوا بالزائرين.
إستهجن الشيخ تصرف الرعيان غير المسؤول لأن الماشية التي يهتمون بها كثيرة وتساوي مبالغ طائلة، والزرائب تقع في منطقة بعيدة ومعرضة للإعتداءات وعمليات السرقة، لذلك قرر أن يذهب بنفسه إلى موقع الزرائب وأن يتولى الحراسة الليلية بنفسه متأبطاً سلاحه، وقد خشي أن يؤدي ترك الماشية دون حراسة إلى تسلل اللصوص وأخذها كلها غنيمة سهلة.
بالطبع كان وقع المفاجأة صادماً على الرعيان عندما عادوا مع ساعات الفجر ليجدوا الشيح حسين ساهراً على سلاحه حماية للزرائب التي أهملوا حمايتها سعياً وراء بعض التسلية، وأدرك هؤلاء سوء تصرفهم وخجلوا كثيراً، إذ وجدوا أنهم حرموا الشيخ من الموكب ومن نوم الليل بسبب قرارهم الطائش وكان خجلهم لدرجة أنهم حاولوا أن يتواروا عن نظر الشيخ وهم في حيرة كيف سيشرحون له ويعتذرون منه. لكن الشيخ ناداهم وطيّب خاطرهم بكل حبور وسرور بالقول: «هل انبسطتم وسررتم يا أبنائي في سهرتكم، سامحكم الله، والشباب لا تُلام، وإن كان من واجبكم، على الأقل، إعلامنا بذلك».
عندما توفي الشيخ حسين قيس عام 1933، أقيم له أسبوع الأربعين في بلدته حاصبيا، وفي الباحة المعروفة بإسم آل قيس قرب منزله.
وقد حضرت الوفود الغفيرة من شتى المناطق، وخصوصاً من الشوف وجبل العرب والجولان والجليل ووادي التيم بأكمله. وكان في مقدم الحضور وزير الدفاع السوري آنذاك عبد الغفار باشا الأطرش، والمستشار الفرنسي في الجنوب يرافقه قائمقام مرجعيون وضباط الدرك.
أثناء الإحتفال قُلّد نجله الشيخ نجيب قيس عباءة القضاء المذهبي، إذ كانت العادة آنذاك توارث المناصب في العائلة .
وبناءً على طلب الشيخ توفيق غبار، رثاه الأديب والشاعر سلام الراسي بقصيدة عصماء أشاد بها بالمتوفي وبنضال بني معروف في الدفاع عن الحرية والكرامة ضد المستعمر، مما أغضب المستشار الفرنسي فأوعز إلى ضابط الدرك باعتقال الخطيب. ويبدو أن أحد المشايخ تناهى إلى سمعه كلام المستشار فسارع إلى مغادرة المكان مصطحباً سلام الراسي إلى منزله وأخفاه عن عيون السلطة.

ومما قاله الشاعر في قصيدته يومذاك:
أحاصبيــا والخطــب الأليـــــم مصــــــــــــــــــــــــــدعٌ أصـــــــــــــاب التقــى عمــداً فـــــــــــــــــــهـــو عمـــــوده
إذا جرحـــت بــــــــــــــــالحزن صـدرك طعنـــةُ فقـد مزّقـــــت في المرج حـــــــــــــــــــزنــاً كبــــــــــــــــــــــده
بكـيتم بنــي معـــــــــــــــــــروف رشــدكمُ كمـــــــــــــــــــــا بكــى التّيــــم بـــــــــــــــــــالدّمــع السّخـــي عمــــيده
بكيـتم وأحــرى أن تصونــوا دموعكــم فمـــــا مـــــــــــــــــــــات فـي ذلّ يســرُّ حســــــــــــــــــــــــــوده
فـــــــــــــــــــللســيف فـي كــــــــــــــــــــفّ الحســين تعهــــــد علـى الفتــك حاشـــا أن يخـــون عـهوده
وللــوطــــــــــــــــــــن المفـــــــــــــــــــــــدّى حــــــبّ بـــــــــــــــــــقلبـــــــــــــــه تمـــــــــــــــــــلّــكــه حــتــــــــــــــــــــــــــــــــــى استــــــفـــــــــــــــــــزّ قــــــــــــــــــــعــــــــــــوده
خــذيــــــــــــــــــه رثـــــــــــــــــــــاءً من فــــــــــــــــــــــؤادٍ مســــــــــعَّـــــــــــــــــــرٍ بنـــار الأســـى تُذكـــي الـــــــــــــــــــدمـوع وقـــوده

بئس الجد ونِعـمَ الأب

نعم الأب بئس الجد
نعم الأب بئس الجد

وأول مــــــــــــــــا ســــاق المودة بيننــــــــــــــــــــــا بــــــــــــــــــــــــــــــــوادي بغيـض يــــــــــــــــــا بثينـــة ســـبـــــــــــــــــــــــــــــــــــاب
وقالـت لـنا قولاً أجبنا بمثلـــــــــــــــــــــــــه لكـــــــــــــــــل مقــــــــــــــــــال يــــــــــــــــا بثينـــة جـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواب

كان من عادة الخليفة أبو جعفر المنصور ووزيره البرمكي تفقد أحوال عاصمته بغداد من وقت إلى آخر. وأثناء إحدى تلك الجولات دخلا مطحنة في المدينة، فوجدا صاحبها البراك منهمكاً بعمله. رحّب بهما وأجلّ قدومهما عليه وكأنها نعمة سماوية قد حلّت به.
حان وقت الصلاة أثناء وجودهم هنالك فنهضوا جميعاً لتأديتها، وبعد الفراغ منها سأل الخليفة البرّاك :
هل أنت حافظٌ للقرآن الكريم؟
أجابه : لا يا سيدي ..!
حتى ولا قسماً منه؟
أيضاً لا، فأنا أميّ ولا أحسن القراءة..
غضب الخليفة لما اعتبره تقصيراً لا يغتفر فأمر باعتقال البرّاك وإيداعه السجن.
تابع جولته مع وزيره نحو المدينة، فمرّا بمدرسة صغيرة فوجدا أحد تلامذتها منزوياً إلى جانب الملعب وهو يقرأ القرآن بصوتٍ عالٍ وغير مبالٍ بلهو أترابه.
ناداه الخليفة وسأله: في أي سورة تقرأ يا بني؟
أجاب الولد بعد أن علم أن سائله هو الخليفة بذاته: أقرأً في سورة مولاي الأصغر.
قال الملك: لكن هذه السورة غير موجودة!
قال الولد: صحيح لكن النظر إلى صورتك الكريمة يا مولاي الأصغر يساعدنا على قراءة وفهم آية مولانا الأكبر ( الله تعالى). سُرّ الخليفة أيّما سرور لهذه الإجابة الذكية فأمر أن يُعطيه قسماً من المال الذي بحوزته وخاطب الصبي قائلاً: أعطِ هذا المال لوالديك..
تفحّص الولد المال فوجده قليلاً، رفع نظره نحو الخليفة وقال: مولاي، إن والدتي ستقول: هذا ليس عطاء الخلفاء فشكراً لك.
إندهش الخليفة لجسارة الولد فأمر الوزير بإعطائه كل ما يحمل من دراهم. آنذاك تبسّم الصبي لهذا العطاء وقال: حقاً هكذا تكون عطاءات الخلفاء، أدام الله عزكم وأطال عمركم..
إغتاظ الوزير مما اعتبره تساهلاً من الخليفة وإكراماً لا مبرر له للصبي، وضمر في ذاته استرجاع كل المال الذي انتهى إليه بسبب كرم الخليفة المنصور وإعجابه بكلامه. ثم أسرّ في أذن سيده الخليفة قائلاً : مولاي هذا الولد محتالٌ ويأخذ أموالنا وعمره لا يتجاوز الخمس عشرة سنة فهذا لا يجوز مطلقاً..
أجاب الخليفة : إنه ولد خارق الذكاء ويستحق هذا الإكرام.
قال الوزير: لا تغضب مولاي، سأحاول إسترجاعها كما احتال علينا. ثم نظر نحو الصبي وقال: هل صدّقت أن الخليفة قد أعطاك كل هذا المال؟
أجاب الولد: نعم قد صدّقت، ومتى كان الخلفاء يستردّون نعمة أنعموا بها؟؟ ثم ألا تعلم أن الصدقة لا يجوز لمن تلقاها أن يردّها أو يرفضها؟ ورغم ذلك إذا وجدتها كثيرة علينا فنحن على استعداد لإعادتها شرط أن تستجيب لطلب واحد منا لا غير.
هلّل الوزير في ذاته وقال : أطلب ما تريد أيها الولد.
قال الولد: أريد منك فقط أن تقلّد صوت الحمار ثلاث مرات حتى يسمعك رفاقي في الملعب، وكان في ظن الولد أن طلبه سيحرج الوزير فيرفض تنفيذه، لكن الوزير كان قد أحس بقدر كبير من الحسد للولد بحيث لم يمانع في تنفيذ طلبه طمعاً في استرداد المال الذي أنعم به الخليفة المنصور عليه. لذلك استجمع الوزير قواه ونفخ صدره ثم انطلق بصوت منكر يقلّد الحمار وكرر ذلك ثلاث مرات على مسمع من الخليفة ومن الجمهور الذي كان قد اجتمع لمتابعة المشهد.
ضحك الصبي ضحكاً حمل الكثير من الهزء بالوزير الأحمق ثم ناوله المال بعد أن حوّل بنظره نحو الخليفة وقال: نعم الخليفة من كان وزيره يتقن صوت الحمير!!
إستشاط الخليفة غضباً من تصرف وزيره ثم أمره بردّ المال قائلاً: تستحق هذه الإهانة من ولد بهذا العمر بسبب حسدك وطيشك.
أخذ الولد المال من جديد إلى بيته ثم ناوله لأمه، ولكنها رفضت أن تأخذ المال قائلة: عُد إلى الخليفة وقل له: نحن لسنا في حاجة إلى دراهمك بل في حاجة لإخراج والدنا من السجن وهو الذي يعيلنا ويجني لنا قوتنا وأنت سجنته من دون ذنب اقترفه..
ولما عاد الولد بالمال إلى الخليفة إستغرب الأخير، لكن الولد أخبره بقصة والده السجين في زنزانات المنصور دون ذنب اقترفه. سأل المنصور الولد: هل برّاك المطحنة حقاً والدك؟ أجاب الصبي: نعم إنه والدي وليس لنا من معيل سواه.
قال الخليفة : نعم الإبن وبئس الأب..
أجاب الصبي: نعم الأب وبئس الجد..
قال الخليفة : كيف هذا؟
قال الصبي : لأن جدّي لم يعلّم أبي، أما أبي فقد علّمني.
فرح الخليفة لهذه الإجابة الذكيّة مجدداً من قبل الصبي وأمر جنده بإخراج الوالد من السجن في الحال ثم عاد الولد مع والده ومع الدراهم إلى البيت.

آمن بالحجر تبرأ

كان الأقدمون يعظون دوماً بأن على المرء أن يسلّم أمره لله وحده. فهو الباري من كل زلّة، والشافي من كل علّة. وكانوا في الوقت نفسه يجيزون التقرب من المولى بشفاعات الأنبياء والأولياء ثم انتشرت عادة النذور يقطع المرء على نفسه القيام بعمل لوجه الله تعالى في ما لو أنعم عليه بمال أو رزق أو شفاء مريض أو إنجاب ولد بعد طول انقطاع الخ.. وأخيراً دخل في اعتقاد اناس أنه من الممكن الحصول على شيء أو دفع بلاء معين من خلال تعليق «حجاب» يكتبه أحد الشيوخ أو الروحانيون. وكلمة حجاب مستقاة من «حجب» أي «أخفى» فهي تحجب حامله عن الشر الذي ربما ألحق به من دون تلك التعويذة. وعادة كانت الحجابات تكتب في المزارات تبركاً بالمقيم في الحجرة، لكن توسّع العمل بها إلى أناس يعتبرون أن للكلمات المعينة التي قد تستقى من الآيات القرآنية أو الأدعية أحياناً قوة الشفاء والله أعلم. وفي الكثير من الحالات يبرأ الإنسان من المرض بفضل الله تعالى فيردّ الشفاء إلى حجاب من هنا أو هناك لكن في الكثير من الحالات يكون إيمان طالب الشفاعة وصدق نيته سبباً في الشفاء لأن الله يريد أن يقدم العبرة لعباده بأنه لا يخيب رجاء سائليه وأنه هو المبتلي بالمرض وهو من ينعم بالشفاء وكل ما على الإنسان هو أن يؤمن حقاً بذلك وأن يلجأ إلى الله بصفاء النية والقصد.
المعّاز علي حسين من بلدة قليا، إحدى قرى البقاع الغربي، أصاب قطيعه مرض الحمى القلاعية، فلم يبق إلا على القليل من ماعزه. وقد احتار هذا الرجل البسيط في الأمر لكنه قرر أن ينذر لبعض المقامات الدينية القريبة من بلدته، بالإضافة إلى مداواة القطيع أو ما تبقى منه بالأدوية النافعة لذلك. لكن رغم كل تلك الجهود بقيَ هذا المرض يفتك بقطيعه رأساً خلف رأس.
وفي يوم ناداه راعٍ آخر من القاطع المقابل له قائلاً : « يا أخي أبو حسين إذا لم يزل المرض يهاجم قطيعك، فما لك إلا أن تقصد الشيخ سلمان في بلدة السريرة كي يكتب لك حجاباً تعلّقه في رقبة الكرّاز، وقد شفى العديد من الحالات المشابهة لمرض عنزاتك».
حقيقة الأمر أن مقصد الراعي لم يكن بريئاً بل كان على سبيل الهزء والغش للراعي لأن «الشيخ» المقصود لم يكن شيخاً ولا كاتب حجابات بل رجلاً من العامة يدعى السيد سلمان الذي قضى القسم الأكبر من حياته في المهجر ولم يكن لتاريخه قد التزم بفروض الدين، لكنه كان في الحقيقة يتميز بالصفات الحميدة، أخلاقاً وكرماً، وقدوة في المعاملة بين أبناء قريته. وفوق هذا، حباه الله بروح النكتة، ودماثة الخلق. لذا طاب معشره، وكثر أصحابه.
لم يكن في علم المعّاز علي حسين أن «الشيخ سلمان» يكتب الحجابات لكنه قال في نفسه: ما الضرر في اللجوء إليه لعل الله يأتي بالشفاء على يده. بالفعل جاء إليه طالباً منه أن يكتب له حجاباً كي يعلّقه في رأس الكراز لعل ذلك يحمل الشفاء بإذن الله إلى القطيع.
تفرّس السيد سلمان بزائره، ثم سأله عن مرسله، وبعد أن تيقّن من هوية الرجل نهض إلى غرفة جانبية وكتب حجاباً، ثم طوى الورقة بشكل مثلث بعد أن صمّغ أطرافها بالشمع كي لا تفتح ثم ناولها للمعّاز قائلاً : « هذا طلبك، والله تعالى الشافي والمعافي من كل علّة».
تتعاقب الفصول حتى قدوم عيد الصليب، أواخر الصيف. فهذا الموعد هو الثابت والدائم عند القرويين لسداد الديون، ووفاء النذور، ونحر المعاليف وإلى ما هنالك من الأمور التي تتمم دورة الحياة الإجتماعية. وإذا بالمعّاز علي حسين يطرق باب «الشيخ سلمان» وهو يجرّ كرّاز ماعز كبيراً يقدمه له على سبيل الهدية موضحاً أنه وبفضل الحجاب الذي كتبه له قد شفي قطيعه بأكمله، وعوّض الله علينا بالعديد من تعداده».
ذُهل «الشيخ سلمان» من كلام المعّاز، وأفتر ثغره عن ابتسامة ماكرة. ولكن، وهو المشهود له بالصراحة والصدق، تجرأ وقال: «يا صاحبي، سأصارحك القول»:
هل تعلم ماذا كتبت في الحجاب الذي أعطيتك إياه؟
أجابه المعاز : لا، ولكن لي نيتي واتكالي على الله ولي أيضاً نيتك وليس أكثر.
قال السيد سلمان : لقد غلبتني وغلبت الذي أرسلك. والله تعالى استجاب لنيتك وإخلاصك في الطلب منه وليس لطهارتنا أو بركاتنا، كما قد تظن، لقد كتبت في الحجاب «ما زال باقي من عنزات علي في السيري فعزرائيل يقضي على الكبيري والزغيري».
ولكن كما قلت يا صاحبي، نيّتك الصافية وصدقك مع خالقك هو الذي جعل الله تعالى يمنّ بالشفاء على عنزاتك لأن الله أراد أن يجعل من المستهزئ بك ومني عبرة وأن يؤكد صحة القول الكريم: « إنما الأعمال بالنيّات».
أجاب المعّاز بالبساطة التي تميّز شخصيته: ما أعلمه أن الله من عليّ بشفاء ماعزي وكانت نيتي أن أوفيك نذري إذا حصل الشفاء وها أنذا أقدم لك هذا الكرّاز فهو حلال لك ولعائلتك.
«الشيخ سلمان» الذي راق له هذا اللقب في ذاته، وقف محتاراً شارد الفكر بعبرة المعاز علي حسين الذي «غلبه» بصفاء نيته لأن «الشيخ سلمان» غير مقتنع بالحجابات ولم يتخذها صنعة بل هو يهزأ ممنّ يعتقد بها وأراد لذلك أن يثبت اعتقاده بمزحة لم تكن لبقة بقدر ما كان فيها سماجة وقلة احترام. لكن الله تعالى سخر من هزء «الشيخ سلمان» وتقبـَّل نية المعاز الصادقة وأثابه عليها. وهذا مغزى القول المعروف: «آمن بالحجر تبرأ».

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading