– بين الإصرار على التنفيذ وبين المُعترضين عليه وتحويله إلى محميّة طبيعية،
– تمسُّك فريق السلطة بالمشروع، موضع تساؤل رغم المخاطر يدعو للرّيبة، ورائحة الصفقات تزكم الأنوف،
– خبراء بيئيون يحذرون عبر الضّحى: مشروع السَّد يقع على فالق زلزالي خطير قد يؤدي إلى كارثة
– يمكن الاستعاضة عن إقامة السد بـ الآبار، ومحيط العاصمة غني بالمياه الجوفية والتذرّع بتأمين المياه لها كذبة كبيرة.
– لبنان من أغنى دول العالم بالمياه الجوفية، لو أُحسن استعمالها تنتفي الحاجة للسدود التي ثبت فشلها.
– جنبلاط وكتلة اللقاء الديمقراطي، ونواب المنطقة والبلديات، وفعاليات المجتمع المدني وجهاً لوجه أمام السلطة الجائرة لمنع التنفيذ.
– عبد الله: هناك رفض مُطلق للمشروع، وندعو لتحويل مرج بسري إلى محمية طبيعية.
– أبي راشد: لن يقام سدّ في بسري والحديث عنه تجاوز الحديث عن سد النهضة.
– نمر: السد يقع على فالق خطير أدّى إلى زلزال 1956.
الدخول إلى مرج بسري للتعرّف إلى المكان الذي يتمسّك البعض بإقامة سد فيه لتجميع المياه وتحويلها إلى بيروت لإطفاء ظمأ أهلها التوّاقين اليوم إلى الحرية وإلى الحياة الهانئة التي حُرمت منها لعقود من الزمن كالداخل إلى التاريخ من بوابته الواسعة. فالمكان المُشار إليه يتحدث عن نفسه، وليس بحاجة لمن يفك رموزه. في مرج بسري مشى السيد المسيح على درب الجلجلة، ومن قلعة نيحا أطل الأمير فخر الدين الثاني الكبير، مؤسس الكيان اللبناني ليقول لمن سيأتي بعده، إمّا أن تبنوا لبنان كما بنيته بعيداً عن الطائفية والمذهبية، وإمّا وداعاً لبنان وعلى لبنانكم السلام. ومع ذلك يريدون شطب هذا التاريخ بتوقيع عقد لبناء سد من الإسمنت المسلح، يقع على فالق زلزالي مدمِّر، ويحاولون إقناع اللبنانيين أنّهم يفعلون كل هذا لأجل لبيروت وأهلها. لكن بيروت التي يتنافس الغيارى على مساعدتها، تعيش اليوم ظلم ذوي القربى، لأنّ بيروت جريحة، فهي ما زالت تلملم أشلاء انفجار مرفئها، وقد أتى على كل معالمها التاريخية والأثرية، بعد أن كانت تحاكي التاريخ بكل أفراحه وأتراحه، لقد كانت لقرون طويلة عروس المتوسط، وبوابة العروبة الصافية والنقية، المتجسّدة في قلب كل مخلص فيها. فمن يكابر لتأمين المياه لها من مسافة تطول لأكثر من أربعين كلم هو نفسه الذي أطفأ أنوارها وجعلها تعيش بالظلمة بعد أن حرمها من نور الكهرباء، وتركها تشيخ لتموت، لمآرب ليست بخافية على أحد، فهو يعمل اليوم على حرمانها من شريانها المائي الذي جرى استجراره إليها من مغارة جعيتا منذ عقود من الزمن. والسبب أنهم يريدون تحويل المياه إلى سدودهم الفاشلة، من سد جنّة إلى المسيلحة وما بينهما، لتغطية عيوبهم وصفقاتهم وسمسراتهم، والاستعاضة عنها بإقامة سد في بسري لتجميع المياه، وجرّها إلى بيروت بعد ضم مياه القرعون الملوِّثة لها والمخزّنة في بركة أنان.
فبعد إسقاط صفة العجلة عن المشروع في الجلسة التشريعية التي انعقدت استثنائيا في قصر الأونيسكو، في حزيران الماضي، وإلزام الشركة المنفذة التوقف قسراً عن العمل بضغط من الحراك الشعبي، ونواب اللقاء الديمقراطي والأهالي، والبلديات المحيطة، التي سارعت لسحب موافقتها على إنشائه، ومنح البنك الدولي الحكومة فرصة تنتهي في أيلول لتقرر الحكومة ما إذا كانت قادرة على التنفيذ أم لا.
أكّدت غالبية الأهالي والقوى السياسية في المنطقة رفضهم للمشروع، وأمِلوا تحويل مرج بسري بالكامل إلى محميّة طبيعية، وإلغاء فكرة مشروع سد بسري نهائياً. هذا السد الذي يتولّى تنفيذه مجلس الإنماء والإعمار منذ العام 2016 بهدف تجميع المياه وجرها إلى بيروت، بمعدل 500 ألف متر مكعب يومياً. وذلك ضمن أنفاق تحوي أنابيب يصل قطرها إلى ثلاثة أمتار. كانت الشركة المشغِّلة قد أنجزتها في السنوات الثلاث الماضية على عدة مراحل:
الأولى: بطول 20 كلم، وتمتد من ملتقى النهرين إلى بلدة الوردانية القريبة من دير المخلص، ومنه إلى مكان السد
الثانية: وهي بطول 10 كلم، وتمتد من دوحة المشرف، فالدامور، والناعمة، وخلدة والشويفات والحدث، وصولاً إلى الحازمية ليتم تجميعها في خزانات ضخمة ثم يُصار إلى توزيعها في بيروت الكبرى وضواحيها وانتهاء بساحل المتن الشمالي حتى نهر الموت.
الثالثة: وهي المرحلة الأخيرة المخصّصة لبناء السد وما يتفرع عنه، وقد يستغرق العمل فيه نحو سنة. وهو بعرض1 كلم وارتفاع يتراوح بين 70 إلى 100 م بطول 5 كلم.
لمحة تاريخية
يكتسب مرج بسري أهمية خاصة بالنظر إلى وجوده في أهم وأجمل بقعة جغرافية من بقاع لبنان، الكائنة على تخوم منطقتي الشوف وجزّين، على منبسط أرضي قد لا يوجد نظيره ليس في لبنان فحسب، بل في منطقة الشرق الأوسط كلّها. واللّافت أنَّ مجرى نبع الباروك الذي يتغذّى من فائض الينابيع المجاورة له في المنطقة يخترقه إلى نصفين بدءاً من تخوم الشوف إلى قرية بسري القريبة من فالق روم. أمّا الينابيع التي يتغذى منها فكثيرة ومتعدّدة أبرزها: نبع مرشد، ونبع سلمان ونبع جِبْلَيه، ونبع باتر، ونبع عزيبه، ونبع جزين، بالإضافة إلى الأنهر والسواقي الشتوية التي تصب في واديه وتُعتبر من الروافد الأساسية لنهر الأوّلي إلى الشمال من مدينة صيدا.
وأهمية مرج بسري أنه كان الممر الآمن لكلّ الجيوش التي غزت لبنان عبر التاريخ، منذ أيام الفينيقيين، مروراً بالإسكندر المقدوني والرومان، والآشوريين والبابليين والكلدانيين، والفتح العربي الإسلامي، والصليبيين والفاطميين. وصولاً إلى زمن التنوخيين، والمعنيين، والشهابيين. وقد دلّت الآثار التي اكتُشفت فيه والتي يعود تاريخها إلى تلك العصور على ذلك.
كلمة المرج، تعني المنبسط الشديد الخضرة. ومرج بسري مشهور بخصوبة أرضه وبساتينه الغنّاء، وبآثاره الرومانية، وكنيسته الصليبية القديمة. أمّا مُلكيته فتعود لمجموعة من أهالي القرى المجاورة، أبرزها عمّاطور، ومزرعة الشوف والكحلونية، وباتر وبسابا ومزرعة الظهر. بالإضافة إلى مجموعة من المستثمرين، من نيحا وصيدا، ومن أماكن أُخرى. عبره كانت تمر ما كان يسمى «طريق البلاد»، التي تربط إمارة الجبل، بولايتي صيدا وعكا. ومنه كانت تعبر قوافل المكارين والتجار المتجهة من بلاد الشام، والبقاع والشوف، إلى صيدا وبالعكس. واستمرّ اعتماد هذه الطريق حتى مطلع القرن العشرين واستقلال لبنان وبداية مرحلة شق الطرقات المعبّدة. أهميته أنّه يشكل عقدة وصل لكل سكان المناطق المجاورة، فهو يربط منطقة جزين بإقليم الخروب عبر بلدتي بسابا ومزرعة الظهر. ويربط قرى وبلدات الشوف الأعلى والأوسط، عبر بوابة باتر، والمزرعة وعمّاطور، ومن بحنين وعَرَيه. فكل هذه الدروب كانت قديماً تخضع لنقطة مراقبة من شقيف تيرون أو ما يعرف بقلعة نيحا.
كيف ولدت فكرة سَد بسري؟
المهندس إيلي موصللي الذي يتولى الإشراف على مشروع السد، من قبل مجلس الإنماء والإعمار. كشف في حديث لـ الضّحى أن فكرة إنشاء سد بسري ليست جديدة، بل قديمة، يعود تاريخها إلى العام 1952. وذلك عندما اقترحت شركة يو أس بي آر إنشاء السَّد، وأثبتت الجدوى من إنشائه في هذه المنطقة بالتحديد. بعد ذلك جرى إدخال مشروع السد في منظومة مشاريع عبد العال، التي نَفَّذت ما يُعرف بمشروع الليطاني ونهر الأوّلي، وهي الشركة التي أشرفت على بناء بركة أنان وسد القرعون. فالدراسات وُضِعت من قبل مصلحة الليطاني في الثمانينيّات، بعدها تم تحويل المشروع إلى مجلس الإنماء والإعمار في العامين 1998 و1999 وكانت الدراسات عبارة عن استقصاءات جيو تقنية. بوشر بعدها بإعداد الدراسات التقنية. وكانت هناك استحالة لتنفيذ المشروع، نظراً لوجوده على الحدود بين الشوف وجزين، التي كانت تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي. لقد كان هناك صعوبة لوصول المهندسين والخبراء إلى المنطقة، فتأخّر التنفيذ الى هذا الوقت. أمّا السبب الآخر للتأخير فكان الحاجة إلى التمويل. وفي العام 2012 ومع بداية تنفيذ مشروع الأولي بتمويل من البنك الدولي. أعطى البنك الدولي الحكومة اللبنانية وعداً بتمويل سَد بسري. وبالمقابل قامت الحكومة بتأمين الدراسات التفصيلية للمشروع وأُقرَّ التمويل في العام 2014 على أن تستغرق عملية التنفيذ مدَّة خمس سنوات.
موصللي تحدث عن رزمة من الإصلاحات التي قرر مجلس الإنماء والإعمار تنفيذها بالتزامن مع إنشاء السد، ومنها دفع التعويضات لمالكي الأراضي في مرج بسري حيث سيقام السد، التي تصل إلى حدود 570 هكتاراً مع الاستملاكات، أي بما يوازي 50 كلم مربع. وأكد على عكس ما يشاع اليوم، فالدراسات التي قاموا بها تؤكّد أن هذا هو المكان المناسب لإقامة السد من الناحية الجيولوجية، نظراً لوجود كمية من الطمي في مجرى النهر، وهي بمعظمها طبقة دلغانيّة تصلح لتجميع المياه. كما أن تصميم السد يلحظ إنشاء حائط من الباطون المسلح بسماكة وافية لمنع تسرب المياه. وهذا الحائط يجب أن يكون بسماكة تزيد عن سماكة الطمي، لمنع تسريب المياه لخارج السد، لأنّ الموقع مسطح، والطمي متراكم منذ سنوات. لكنه أقرَّ بوجود فالق كبير بقلب النهر. وأن ارتفاع الحائط الذي يصل إلى مئة متر، كفيل بمنع تسرب المياه إلى خارجه. وحول إمكانية حصول زلازل في المنطقة كما يتوقع البعض بسبب قربها من فالق روم؟ أوضح أنّ هذ الأمر تمت دراسته بعناية كبيرة، وخاصة فالق روم بشكل خاص. وإن مجلس الإنماء والإعمار كلّف استشاريّاً محليّاً وآخر أجنبياً. كما أُجريت سلسلة دراسات قام بها خبراء من الجامعة الأميركية في بيروت، تم من خلالها تحديد فالق روم. وقال: لدينا خبير تركي أيضاً يعمل ضمن لجنة خبراء مستقلين، ولقد حُدِّدت العوامل ذاتها التي اعتُمدت في الدراسات السابقة من قِبل مكاتب مختصة في فرنسا. ولذلك فإن حجم السد ونوعيته باعتباره سدَّاً رُكامياً يتكون من ردميات للحدّ من مخاطر الزلازل، لأن سدود الباطون معرّضة لمخاطر الزلازل، بينما سدود الردميات تبقى ثابتة مهما بلغت قوة الزلازل.
موصللي كان قد وعد بإعادة النظر بكل محطات التكرير القريبة من مجرى النهر، لإعادة تأهيلها، بما يكفل منع المياه المبتذلة ومياه الصرف الصحي من التسرب إلى النهر.
المجتمع المدني والخبراء البيئيّون يعارضون بشدّة إنشاء السَّد
انطلاقاً من معارضتهم لمكبّات النفايات العشوائية في العام 2015 ومنذ اليوم الأول لإعلان البدء بمشروع السد، أعلنت مجموعات شبابية تنتمي إلى المجتمع المدني معارضتها لإنشاء سد لتجميع المياه في مرج بسري، يؤازرهم في حملتهم مجموعة من الناشطين والخبراء البيئيين. لكن معارضتهم تلك لم تلقَ في حينه الدعم المطلوب من القوى السياسية في المنطقة المؤيدة لإقامة هذا السد في بادئ الأمر. وعلى الرغم من ذلك نفذ المعترضون العديد من الاعتصامات في مرج بسري انطلاقاً من قناعاتهم بالمخاطر التي قد تنجم عنه، من دون أن تصل هذه الاعتصامات إلى هدفها المطلوب. ومع توالي الأزمات التي شهدتها السنوات الماضية وخاصة بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، وما أفرزته من تجميع طوائفي ومناطقي تعطلت بموجبه دورة الحياة السياسية، حيث استغرق تشكيل حكومة العهد الأولى إلى ما يقارب السنة، وما رافق ذلك من أحداث أليمة، وقعت في أكثر من مكان من لبنان. فكان لمنطقة الجبل النصيب الأكبر منها. ومع ذلك لم تتوانَ بعض الجهات المدعومة من قوى فاعلة في السلطة، في إبرام الصفقات وعقد السمسرات التي تفوح منها رائحة الفساد، وبالأخص بموضوع السدود التي أُنشئت في مناطق المتن الشمالي وكسروان وجبيل والبترون التي قام بتنفيذها بعض المتعهدين المحسوبين على القوى المشار إليها والتي أظهرت أنها غير صالحة لتجميع المياه، وأُدرجت في لوائح السدود الفاشلة وتملّصهم من رفع المسؤولية عنهم، وتوجيه الاتهامات بالتقصير إلى مجهولين. وهو ما استدعى من اللقاء الديمقراطي بعد انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول إلى اشهار معارضتهم مشروع السد في بسري، واقتراح تحويله إلى محمية طبيعية، وتحويل المبالغ المقررة للتنفيذ لدعم الأسر الأكثر فقراً. هذا الموقف لقي قبولاً من العديد من القوى السياسية الأخرى ومنها القوات اللبنانية والكتائب، والنواب المستقلون، وعدد من نواب المستقبل وكتلة التنمية والتحرير.
مقابل ذلك، كان هناك إصرار من فريق آخر على تنفيذ المشروع بالقوة، بغض النظر عن الأزمات الخانقة التي يعيشها لبنان منذ أكثر من سنة. فيكون بالتالي موضوع سد بسري قد دخل حلبة الصراع السياسي من الباب العريض. وذلك بالتزامن مع إعطاء البنك الدولي مهلة للحكومة تنتهي في الرابع من أيلول، لتقرر ما إذا كانت قادرة على تنفيذ المشروع. ومع دخول تكتل لبنان القوي تمسكه بالمشروع مدّعياً أنه سيؤمن مياه الشفة لأكثر من مليوني نسمة في بيروت وضواحيها وبيع الفائض منه إلى الأردن، ما استدعى إلى الرد عليه بتهكم وتعييره ببيع مياه السدود الفاشلة التي كان وراء تنفيذها، وبيع فائض الكهرباء التي هي في عهدة تياره السياسي منذ العام 2010 وهي التي أغرقت البلد في العتمة طوال السنوات العشر الماضية، كما أغرقت الخزينة بعجز مالي وصل إلى 50 مليار دولار.
وفي هذا السياق يؤكّد خبراء المياه الجوفية أنَّ لبنان يملك أكبر احتياطي مائي في الشرق الأوسط، تقدر بنحو عشرة مليار متر مكعب، ما يفوق حاجته بكثير. وفي العام 2010 كانت خطة وزارة الطاقة تقوم على حفر الآبار، ولو أنها استُكملت لكانت أفضل بكثير من إقامة السدود. لكن إنشاء السدود مربح أكثر، وبالأخص عندما يتدخل المسؤول مع المتعهد ويتقاسم معه الأرباح، ففي بسري أثبتت عمليات الحفر وجود تراكمات صخرية وضخمة والآبار أثبتت وجود كميات من المياه كبيرة جداً، والعملية لا تتطلب استملاكات كثيرة. وبالإمكان حفر الآبار في وادي شحرور، أو في الحازمية أو في جعيتا فكميات المياه كبيرة ومتوفرة، والمهم أن تصدق النوايا.
عبد الله: كُنَّا من مؤيدي مشروع السد لكننا عارضناه عندما أدركنا خطورته
عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبد الله الذي كانت له صولات وجولات في معارضته لمشروع السد مع نواب اللقاء الديمقراطي، وشارك لهذه الغاية بعدة ندوات لشرح مخاطر إنشائه في مرج بسري بتكليف كشف لـ الضّحى أنّ اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط كنا من المؤيدين لمشروع السد لتامين المياه لأهلنا في بيروت والضواحي، رغم معارضة شريحة واسعة من أهلنا في الشوف الأعلى والإقليم له، لما يشكله من خطر عليهم ويحرم قسماً كبيراً من أرزاقهم في مرج بسري، التي تعود ملكيتها لهم من مئات السنين، مقابل مبالغ مالية زهيدة قياساً إلى حجم الاستملاكات وخاصة المستصلحة منها. ولكن فيما بعد تبين لنا أنّ السد سيتم بناؤه من دون دراسة الأثر البيئي الحقيقي له، وبعد استماعنا لشرح مُقنع من خبراء بيئيين مشهود لهم بالكفاءة والمعرفة بعد أن قدموا لنا دراسات وافية عن مخاطر بناء السد الذي يقع على فالقين زلزاليين خطيرين، منهما فالق روم الشهير الذي تسبب بزلزال 1956 أعدنا النظر بموقفنا. وكان اقتراح رئيس الحزب وقف العمل بالسد وتحويله إلى محمية طبيعية، وتحويل المبلغ المخصّص له إلى العائلات الأكثر فقراً في لبنان. وهم إلى تزايد مستمر بسبب الأزمة المعيشية والاقتصادية وأزمة كورونا. وعن إدخال السد في البازار السياسي. قال: للأسف هذا هو واقع الحال في لبنان. لكن هناك من يصرّ على التنفيذ لضمِّه إلى مجموع السدود الفاشلة التي نفذوها، وتفوح منها رائحة الصفقات والسمسرات. وعن رأيه بموقف الرئيس الحريري المؤيد لمشروع السد، وصف عبدالله موقف الحريري بغير الواضح وقال: ربما أرادوا ابتزازه بالادّعاء أن بيروت عطشى. وعمّا سيكون الوضع عليه بعد الرابع من أيلول، أشار إلى الرفض المطلق للمشروع من قبل المجتمع المدني ومن أهالي المنطقة، والقرى والبلدات المحيطة بالسد. وهؤلاء لن يتراجعوا عن رفضهم للمشروع تحت أي ضغط.
أبي راشد: على البنك الدولي أن يفهم أن المشروع مخالف للقوانين
الناشط البيئي بول أبي راشد أشار في حديث لـ الضّحى أن الحملة على السدود انطلقت منذ العام 2014 وفي شهر آذار بالتحديد، بعد سماعنا بأعمال يتم تنفيذها لإقامة سد جنّة في وادي نهر إبراهيم، تبيّن أنها تتم من دون دراسة أثر بيئي. وكان هناك دراسات ترفض الموقع، وتؤثر على المياه الجوفية في جبل لبنان بعد ما تبين أن سد جنّة موجود على ثلاثة فوالق. فكانت قضية جنة الخطوة الأولى. لكن مع الأسف جرى تسييس الموضوع من قِبل البعض لاعتقادهم أن جماعة المستقبل وأهل السنة هم وراءها. فبعد أن تقدمنا بشكوى لوقف العمل تنحّى أربعة قضاة عن متابعة الدعوى. بعدها طلب رئيس الحكومة تمام سلام في حينه، أخذ رأي مجلس البحوث العلمية، المجلس رفض المشروع لأنه يتطلّب عشر سنوات لتنفيذه. ومع ذلك استمرينا بمعارضته، ليتبين لاحقاً أنّ مشكلة سد جنّة تشبه مشكلة باقي السدود، وهي سد بلعة، وبقعاتة كنعان، وسد المسيلحة وسد بسري. وتبين الخرائط لهذه الأمكنة الخمسة أنّ ما يجمع بينها الأرض الكلسية المشققة، ما قد يؤدي إلى الفشل في التنفيذ، كما فشل سد بريصا، الذي جرى تسليمه للدولة دون مياه. وهنا بدأت معركة سد بسري الذي لم يكن أولوية سنة 2014، لكن مجلس النواب الذي كان يومها فاقد الشرعية عقد جلسة تشريع الضرورة لتمويل سد بسري. حتى التمويل جاء من دون غطاء شرعي، وعلى الأثر تقدمت بلدية الميدان بطلب الطعن بهذا المرسوم لدى مجلس شورى الدولة، ومنذ العام 2015 أبقى مجلس الشورى الطعن في الدرج، ليتبين أن الجهة التي تهدر المال العام هي التي ضغطت على مجلس الشورى ليسكت عما يجري، واستغرب أبي راشد المباشرة في العمل بوجود الطعن. وفي العام 2017 بدأنا بزيارات ميدانية إلى مرج بسري للتعرف على المكان. وفي العام 2018 اطلعت على خارطة عمرها أكثر من 120 سنة من الأب اليسوعي «الفرد ذوران»، تبين الطريق التي سلكها السيد المسيح في طريق عودته إلى كفرناحوم. من هنا بدأنا العمل لإنقاذ المرج الذي تقع عليه طريق الحرير، وطريق الفينيقيين إلى أوروبا، واستكملنا الشكاوى. وفي تموز وجهنا كتاباً إلى وزير البيئة فادي جريصاتي حذرناه فيه من العمل، فقام جريصاتي بتحويل الكتاب إلى مجلس الإنماء والإعمار. بعد ذلك طلب منّا البنك الدولي أن نقدم له دراسة عن التعويض الإيكولوجي. وفي شهر أيلول من السنة الماضية 2019 فوجئنا بأنهم استأنفوا العمل وقاموا بقطع أكثر من عشرة آلاف شجرة.
وبعد شهرين انطلقت ثورة 17 تشرين، ذهبنا إلى المرج وقمنا بتكسير البوابات، وأخرجنا الآليات من المكان، وفتحنا الطرقات، واعتبرنا الأعمال التي نُفِّذت غير قانونية، والمشروع غير مُجدٍ بل ومخالف للقوانين، ما دفع برئيس لجنة الأشغال النيابية النائب نزيه نجم ليقول: إذا كان هناك واحد في المئة خطر لن نقبل بالمشروع. وفي اجتماع حضره الخبير الجيولوجي طوني نمر أكد أن المكان الذي سيقام السد، عليه هو من أسوأ المواقع الذي يبنى عليه سد في العالم، لوقوعه على فالقين وإذا ما تحركا سيؤدي ذلك إلى تحرك فالق روم فتقع الكارثة. وبناء عليه وجّهنا كتاباً إلى البنك الدولي نسأله إذا كان يستطيع أن يتحمل كارثة أو زلزال قد يصل مداه إلى بيروت. فالبنك الدولي سيسأل الحكومة في الرابع من أيلول إذا ما كانت قد نفذت ما هو مطلوب منها، لأن ذلك بحسب رأيه يساعد على وقف التنفيذ، وفي مُطلق الأحوال فإننا تقدمنا بكتاب إلى البنك الدولي الذي عليه أن يفهم أن هذا المشروع مرفوض، لأنّه مخالف للقوانين، وقال: لا خوف من إصرار البعض على التنفيذ بعد أن تحول مرج بسري إلى محجة لجميع اللبنانيين من عكار إلى صور والنبطية ومرجعيون وبعلبك وطرابلس وبيروت. وأصبح الحديث عن سد بسري أكثر من الحديث عن سد النهضة. والدولة لا تستطيع أن ترسل لواء من الجيش لمواجهة الأهالي الرافضين للمشروع.
أبي راشد لفت إلى وجود بدائل عن المشروع، مقترحاً أن يستخدم قسماً منها لتمويل تأمين المياه إلى بيروت، والقسم الآخر لمساعدة المتضررين من أهل بيروت بعد كارثة الزلزال.
أبي راشد رأى أيضاً أن الخطة التي أعدها الوزير باسيل حين كان وزيراً للطاقة، عن وضع المياه في لبنان، ارتكزت على معلومات مغلوطة، وهناك دراسة من إعداد منظمة أن دي بي تقول أن لدى لبنان فائضاً من المياه الجوفية يفوق حاجاته. وبالتالي لسنا بحاجة لإقامة السدود. إنّ خطة السدود مشروع فاشل مبني على معلومات خاطئة، بعد ما ثبت أن الأراضي اللبنانية غير صالحة لإقامة السدود، فلنوقف التدمير العشوائي لطبيعتنا. ختم أبي راشد
نمر لـ الضّحى مرج بسري هو أسوأ المناطق لإنشاء سد لتجميع المياه
أكّد الخبير الجيولوجي طوني نمر لـ ، أنّ مرج بسري هو أحد أسوأ المناطق لإنشاء سد لتجميع المياه، والسبب وجود فالقين أدّيا إلى زلزال 1956، وأنّ تحذيرنا ينطلق نتيجة دراسة علمية، كاشفاَ عن اجتماع عقده مع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط والنائب وائل أبو فاعور لوضعهما في صورة الأمر، واستحالة إقامة السد في بسري، كما أطلع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على الدراسة التي أعدّها بهذا الخصوص، فكان مقتنعاً بها. نمر عزا إصرار فريق السلطة على تنفيذ المشروع بالقول: يبدو أنهم يريدون دخول التاريخ من الباب الخطأ، مُحاذراً الدخول في السياسة، لكن هناك من يصرّ على المشاريع الكبيرة، والدليل خلط مياه بسري بمياه بحيرة القرعون التي يستحيل تكريرها لشدة تلوثها، وقال حتى ولو أنّ البنك الدولي قام بسحب التمويل، فإنَّ هؤلاء يصرُّون على تنفيذ هذا المشروع، حتى ولو أدى ذلك إلى الاعتصام والتظاهر شارعاً مقابل شارع، لا فرق بالنسبة لهم. نمر رأى أنّ خطورة المشروع أكبر بكثير عن منفعته. وقال: لا يجوز على الإطلاق تنفيذ هكذا مشروع في مرج بسري، وكلّ الدراسات تشير إلى مخاطر تنفيذه الذي سيكون أشبه بقنبلة موقوتة ستصيب شظاياها كلّ المنطقة لتصل إلى بيروت والضاحية. وقال: مشكلتنا في هذا البلد أنّ فريق السلطة يريد تنفيذ مشاريع غِبّ الطلب، كاشفاً أنّ أحد أعضاء ما يُسمّى باللجنة المستقلّة، وهو خبير تركي ولديه خبرة بالزلازل، لكنه مع الأسف داخل بصفقة فساد مع مجلس الإنماء والإعمار وقدم دراسة، ولكونه عضواً في اللجنة المستقلة، لا يحق له تقديم الدراسات وكتابة التقارير. ما يوحي أنّ هناك رائحة فساد كبيرة جدّاً، داعياً المعترضين على المشروع التمسك بمواقفهم ومطالبهم المُحقّة حماية لمستقبلهم ومستقبل أولادهم. لأن السّد هو بمثابة قنبلة موقوتة، والمطلوب رفض المشروع ورفض حوار الطرشان. فالحوار على ما يبدو جاء متأخّراً، ونحن أصبحنا نعرف كيف يتصرفون. لكن الموضوع برأيه أكبر من هذا التفكير بكثير، فالدمار الذي قد يخلفه انفجار السد سيكون أكبر من دمار إسرائيل للبنان في عدوانها عليه من العام 1978 حتى حرب تموز في العام 2006. فالزلزال الذي قد يحصل بلحظات سينتج عنه دمار هائل، داعياً إلى التنبّه لهذا الأمر.
نصّور: البنك الدولي يعرف الحقائق
منسّق حملة الحفاظ على مرج بسري المهندس رولاند نصّور، وصف لـ الضّحى الاعتصام الذي دعت إليه حملة الحفاظ على مرج بسري أمام البنك الدولي بالجيدة جدّاً، إنْ لجهة الحشود المشاركة، أو لجهة المواقف التي أعلنت من أمام مقر البنك الدولي. لقد أكد المعتصمون رفضهم المطلق إعطاء المهل للحكومة، وطالبوا البنك الدولي بعدم الوقوف مع السلطة ضد الأهالي، وتحميله مسؤولية ما يجري، والتأكيد على أنه ملزم بأن يخضع لإرادة الشعب اللبناني والمجتمع المحلي وضرورة إلغاء القرض المُعَد لبناء السد فوراً، وتحويله إلى أمور إنسانية تتعلق بمساعدة المواطنين المحتاجين في هذه الظروف الصعبة، كاشفاً عن انحياز واضح من قِبل البنك إلى جانب السلطة، مستغرباً كيف أنّ البنك الدولي يعرف الحقائق تماماً ويجافيها. وقال: إنّ حملة الحفاظ على مرج بسري بصدد تقديم شكوى ضد تشريع سياسات الفساد التي تضر بلبنان وتدمر البيئة بشكل عام.
أبو كروم: تقدمنا باسم اتحاد البلديات وبلديات المنطقة ومخاتيرها والمجتمع الأهلي بكتاب إلى البنك الدولي تضمَّن كل الأسباب التي دفعتنا للاعتراض على مشروع السد
رئيس اتحاد بلديات الشوف السويجاني المهندس يحيى أبو كروم كشف لـ الضّحى عن تقديم كتاب مُسهب إلى البنك الدولي يقع في 17 صفحة باسم أتحادَي بلديات الشوف السويجاني والشوف الأعلى، وكل البلديات المحيطة بمرج بسري والمخاتير والمجتمع الأهلي ويحمل تواقيع أكثر من 200 شخص، شرحوا فيه كل الأسباب التي دفعتهم للاعتراض على مشروع السد من زاوية علمية بحتة، بعيداً عن التسييس والمزايدة بعد أن تأكد لهم بالملموس خطورة إنشاء السد في مرج بسري، مستندين في تعليل الأسباب على دراسات علمية وآراء مجموعة من الخبراء الجيولوجيين المشهود لهم بالخبرة والمعرفة، وما يتميزون به من استقامة في العمل. وهذا بعض ما جاء في مقدَّمة الكتاب:
حضرة السادة البنك الدولي المحترمين
نخاطبكم اتّحاد بلديات وبلديات ومخاتير تمثل السلطة المحلّية المنتخبة، لنعرض عليكم اعتراض مئات آلاف من المواطنين القاطنين ضمن نطاق سلطتنا المحلية المنتخبة ديمقراطياً، لإنشاء سد بسري، والذي أدى بسبب مكابرة السلطة السياسية المشكوك في أدائها، لتحويل هذا الاعتراض إلى موجة عارمة ضد إنشاء هذا السد، الذي طلبت الحكومة اللبنانية من البنك الدولي وسواه من المموِّلين قروضاً بكلفة ستقارب المليار ومئتي مليون دولار أميركي.
شكل مشروع إنشاء سد بسري منذ إقرار قانون إنشائه بالمجلس النيابي، وتوقيع الحكومة اللبنانية اتفاقية القرض مع البنك الدولي وغيره من الممولين، مادة تجاذب وخلاف حاد بين اللبنانيين. وقد كان لجمعيات المجتمع المدني والناشطين والاختصاصيين دور هام لتوضيح مخاطر إنشاء هذا السد، من خلال الآراء والدراسات التي تم نشرها، فتغيرت مواقف كتل نيابية وازنة في البرلمان التي تبيّن لها أن موقفها السابق بُني على معلومات مغلوطة قُدِّمت من مؤسسات وأجهزة حكومية ورسمية. ومع ما ترافق ذلك من غموض في الإجابة على الأسئلة التي طرحتها السلطات المحليّة من بلديات على وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار، الأمر الذي أدّى إلى إعلان رفض البلديات للمشروع وسحب موافقتهم الأولية عليه والتي كانت مشروطة أصلاً بتقديم أجوبة واضحة وصريحة على مخاطر إنشاء هذا السد ومبرّرات السير به. نضيف إلى ذلك أن التطورات الأخيرة في لبنان والضائقة الاقتصادية، وخطر انهيار لبنان مالياً واجتماعياً، من جرّاء سياسة الإنفاق غير المجدي وسياسة هدر المال العام التي عبر المواطنون عن رفضها وإدانتها، من خلال اعتراضهم السلمي في تظاهرات واعتصامات حاشدة تمثّلت بحراك الشعب اللبناني منذ 17 تشرين الأول من العام المنصرم، تحت عنوان محاربة الفساد وهدر المال العام بمشاريع غير مجدية، وفقدان الشفافية في المناقصات لمصلحة نافذين في الدولة، ومن خلفهم بعض المتعهدين. فاعتُبِر مشروع سد بسري في طليعة هذه المشاريع.
العشّي: الملف في عهدة أبو كروم وأتابع الموضوع مع بلديَّتَي عمّاطور وباتر
رئيس اتحاد بلديات الشوف الأعلى روجيه العشي كشف لـ الضّحى، أنّ ملف سد بسري هو في عهدة زميله المهندس يحيى أبو كروم، وهو على تنسيق مستمر معه، ومع رئيسَي بلديتي عماطور وليد أبوشقرا، وباتر رائف صافي، نظراً لحجم الأملاك والعقارات العائدة لبلدتيهما في مرج بسري.
أبو شقرا: عمّاطور تملك 33 بالمئة من مساحة الأرض التي كان سيقام عليها السَّد
رئيس بلدية عمّاطور وليد أبو شقرا تحدث لـ الضّحى، عن العديد من الذكريات الحلوة لأهالي عماطور في مرج بسري، تعود لمئات السنين وتُعتبر جزءاً مهمّاً من تاريخها، كاشفاً أن خراج عماطور يصل إلى بْحَنِّين في قضاء جزّين. وأنّ 33 بالمئة من مساحة الأرض التي سينشأ عليها السد تعود ملكيتها لأهالي عمّاطور. وقال: نحن في الجبل جزء من هذا المُكوَّن ومعارضتُنا لإنشاء السَّد تنطلق من دراسات علميّة.
ايضاح:
هذا التحقيق أنجز قبل اعلان البنك الدولي تخليه عن تمويل مشروع السد.