فيما سعى الفلاسفةُ اليونانيون الأوائلُ أمثال طاليس (Thales) وأنكسيمندر (Anaximander) وأنكسمينيس (Anaximenes) وهراقليطس (Heraclitus) وأمبدوقليس (Empedocles) إلى استكشافِ أصلِ الكونِ وتوصيفه ماءً أو هواءً أو ناراً أو عناصرَ ماديّة أربعة، وقفَ الفيلسوفُ الإيلي بارمينيدس (Parmenides - Παρμενίδης) في القرن الخامس قبل الميلاد يتأمَّل الكونَ، ويتفكَّر في خَلقِه، ويتلمَّس عِلّةَ وجُودِه، فرأى عالَماً مُتقلِّباً مُتغيِّراً، مُتحوِّلاً ومُتكثِّراً وفَانياً، فأخذَ يسْتَشْرِف ما وراء هذه الظواهر الحِسيّة والمتغيِّرات حقيقةً وجوديةً دائمةً وسرمديةً وثابتة، لا تعرف تغيُّراً ولا تبدُّلاً ولا فَناءً، هي بالنسبة إليه «الوجود»، أصلُ الموجودات والكائنات ما فوق الصفات والتحوُّلات، والصيرورات والزمن، والحركة والتغيُّر، والتجزُّؤ والتكثُّر، بل هو «وجودٌ واحد»، مسترشداً في ذلك مبادئ مُعلِّمه الفيثاغوري كزينوفان (Xenophanes)...
This content is locked
Login To Unlock The Content!