السبت, نيسان 20, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

السبت, نيسان 20, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

هذا العدد

التوحيد مسيرة لم تنقطع

في هذا العدد السابع تتابع “الضحى“ المسيرة التي وضعتها لنفسها منذ العدد الأول، وهي مسيرة لخصتها تحت شعار للأرض للتراث للمعرفة. هذا الثالوث هو الذي يأتي بالحياة السعيدة والكريمة لأي شعب وليس الاستهلاك التبذيري ولا الحياة الماجنة أو الجاه الفارغ أو التقاتل الجاهل.
مما يؤسف له أننا إذا بحثنا عن أي من الأهداف التي اختطتها الضحى لنفسها نجده فعلاً مهدداً بشتى المخاطر. فإن تحدثنا عن الأرض وجدنا الإهمال وهجر النشاط الزراعي المنتج وحياة الاكتفاء، وإذا نظرنا إلى التراث وجدنا أيضاً مظاهر الفساد والتقليد الأعمى للغرب تعمل فيه هدماً وتخريباً، وإذا نظرنا أخيراً إلى المعرفة نجدها في أيامنا هذه في آخر اهتمامات الناس الذين لم يعد يهمهم إلا اللهو وتمضية الوقت على شاشات التلفزيون أو في التخاطب النصي عبر الهواتف الحديثة أو أي نشاط عقيم ومفسد، بينما لا تهتم إلا قلة نادرة بتربية النفوس واكتساب المعارف والتقرب من الله تعالى بالعبادة والذكر.
هذا الواقع المؤسف لا ندّعي أن في إمكاننا تبديله لأن لله في هذا الكون حكمته، لكننا منذ أن بدأنا العمل تمكنّا من أن نوفر للفئة المهتمة بعض ما تحتاجه من غذاء للفكر والروح، وهذا الغذاء الذي توفره “ الضحى “ لا يمكن العثور عليه في وسائل الإعلام التي تكاثرت، كما يتكاثر الفطر لكنها لا تحمل للناس فائدة أو مغنماً فكرياً.
نلفت في هذا العدد إلى الحلقة الثانية التي ننشرها حول حياة الاسكندر الأكبر والأثر الكبير الذي تركه على مسار البشرية. وهذا الموضوع في حد ذاته مثال على تفرّد المجلة في الإضاءة على جوانب في تاريخ الثقافة والحضارة يغلفها النسيان أو الكثير من الالتباس. والاسكندر الأكبر رجل عظيم ومدرسة في البطولة والشجاعة، كما هو في الوقت نفسه عارف دلت حياته كلها على أنه نهل من منابع الحكمة والعلوم على يد الفيلسوف أرسطو قبل أن يكون لنفسه فلسفة عظيمة في الوحدة الإنسانية والعدل والمدنية.
لماذا يغرق الإرث المضيء للاسكندر أو فيثاغوراس أو سقراط في عتمة التجاهل أو النسيان؟ لأن العقائد التي سادت بعد العصر الهيليني ركزت كل اهتمامها على الشرائع الجديدة التوحيدية التي اعتبرتها الناموس الأمثل والشرعة التي يمكنها أن تنظم حياة الناس في كل زمان على أسس العبادة الحق والعدل والفضيلة. وفي خضم ذلك الاهتمام، تولّد انطباع خاطئ هو أن كل ما ظهر من افكار وفلسفات خارج الرسالات السماوية يمكن تصنيفه كله تحت عنوان الوثنية أو العقائد الشركية. وهذا التبسيط مفيد من الناحية التاريخية لكنه أدى إلى ضعف الاهتمام بالتراث الكبير للحكمة القديمة ولعقائد التوحيد التي كانت حيّة وموجودة في أوساط النخب وبعض المدارس الفكرية على الدوام، وإن كانت لم تأخذ شكل العقيدة بسبب اقتصارها على سلوك التأمل والبحث الفلسفي الذي لا يلبي حاجة العامة لمعتقد مبسط يلائم ظروفها ومستوى فهمها. رغم ذلك لا ننسى التأثير الكبير لهذه الفلسفات في المسيحية والمدارس الفكرية الإسلامية في العصور الوسطى.
إن اهتمام “الضحى“منذ البدء بالتراث العظيم لمنابع الحكمة القديمة يعكس نظرتنا الإنسانية الشاملة للتوحيد باعتباره حلقة في سلسلة طويلة من الكشوفات الحكمية والمسلك الزهدي، وقد كان لهذا التراث على الدوام ممثلون وأنبياء وحكماء يعلِّمونه لمن هم أهل له ويحافظون على شعلته المضيئة في جميع الأدوار والأزمان.
وهذا الانفتاح الإنساني لا يتعارض أبداً مع الرسالات السماوية بل يكملها ويساهم في إعلاء شأنها وفهم مغازيها. وقد جاء في الحديث النبوي الشريف:”اطلب العلم ولو في الصين”، وهذا الطلب هو من قبيل الوصية أو التوجيه من قبل سيد الرسل إلى أمته وهو يعني أن الرسول (ص) يعلي من شأن العلم، ومن شأن طالب العلم الذي لا يعبأ بالصعوبات والمسافات في سعيه لأن يزداد علماً.
إن قِدَم التوحيد والحكمة الإنسانية أمر ذكره الله تعالى في كتابه العزيز عندما قال مخاطباً الرسول (ص) }وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} (غافر:78) أي أن المولى جل وعلا يخبر عن وجود أنبياء ورسل كثيرين بعثهم مبشرين بالحكمة وبالتوحيد وبعض هؤلاء الأنبياء لم يذكرهم بالاسم أو يأتي على قصتهم مع شعوبهم، كما أتى على قصص خمسة وعشرين نبياً في القرآن الكريم، وهو ذكر لم يرد على سبيل الحصر.
تلك هي رسالة “الضحى“. رسالة الاستزادة من العلم والانفتاح على الحقيقة أينما كانت. إنها رسالة التنوع وطلب المعرفة من مختلف مصادرها وهي مصادر لا نهاية لها ولا حصر. والله تعالى هو القائل:
قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (الكهف: 109) وما هي كلمات ربي؟ إنها كلمات الحق والنبوة والعرفان والحكمة التي جرت وتجري على لسان الأنبياء والأولياء منذ مطلع الزمان مثل نهر عظيم لا يتوقف لأن الله لم يترك عبّاده في أي وقت دون مبشر أو نذير.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading