الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, نيسان 19, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

وصيّة سلطان باشا الأطرش

 تتميّزُ وَصِيّةُ سلطان باشا الأطرش عمّا عداها من الوصايا التي يأذن بكتابتها الأشخاص المُتَوَفَّوْن. فهي لا تتعلّق بتوزيع ميراث بين الأبناء وذوي المتوفّى بل هي وصيّة رجل عظيم لأمّته التي يخاف عليها عوادي الزّمن، والنّص يفصح عن ذاته، أمّا سيرة سلطان باشا فهي سيرة وطنيّة نضاليّة عروبيّة ضد الاستعمار، وضدّ التّجزئة وتشتيت الأمّة وتمزيق الأوطان، فقد رفض تجزئة سوريّة، تلك السياسة التقسيميّة التي عمل عليها الفرنسيّون منذ احتلالهم البلاد عام 1920 إذ رفض مقولةَ الدُّولِ الطائفيّة ومنها الدَّولة الدرزيّة.
 كان سلطان عميقاً وأصيلا في وعيه الوطني والعروبي. سأله مرّة أحد الصحفيين: ما رأيك بالقضية الفلسطينية يا باشا؟، فانتفض في جلسته، وأخذ شارباه يتراقصان غضباً، وقال لمحدّثه: لا تقل القضية الفلسطينية يا بُنَيّ، بل قل الحقّ الفلسطيني، لأنّكم بتسميتها قضيّة تُضَيّعون وَجْهَ الحقِّ الثّابت لأهل فلسطين…

 يقول الدكتور حسن أمين البعيني مؤرّخ سيرة «سلطان باشا والثورة السوريّة الكبرى»، أنّ سلطان باشا تطرّق في وصيّته إلى الإرث المعنوي والسياسي الضخم الذي كان يملكه، وأهمّه قيادته الثورة السوريّة الكبرى الذي أوْلَتْهُ الأُمَّةُ إيّاها فأدّى الأمانة، فَوَصِيَّتُه هي توجيهاتٌ مُخلصة وواجباتٌ تُؤَدَّى فهو يطلب من أبناء العروبة كافّةً المحافظةَ على أمانة الاستقلال والجهاد مع النّفس وضدّ العدوّ والصّبر على الشدائد والإيمان بالحقوق، وتحقيق الوحدة العربيّة واستعادة فلسطين وسائر الأراضي المُغْتَصَبة. هي وصيّةُ خُطوط سياسيّة مبدئيّة ونضاليّة تمشّى عليها في حياته وأرادها نَهجاً لأبنائِه وإخوانه بعد مماته بهدف تحقيق العدل والنّهوض بالبلاد والانتصار على الأعداء، قُرِئَتْ يومَ مأتمهِ الحاشد الذي جمع مئات الآلاف من المشيّعين وهذا نَصُّها:

بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني وأبنائي العرب:

 عَزَمْتُ وأنا في أيّامي الأخيرة أنتظرُ الموتَ الحقّ أن أُخاطبَكم مُوَدّعا وَمُوصِياً. لقد أولَتني هذه الأمّة قيادة الثّورة السوريّة الكُبرى ضدّ الاحتلال الفرنسيّ الغادر. فقمتُ بأمانةِ القيادة، وطلبتُ الشهادةَ، وأديتُ الأمانة. انطلقت الثّورة من الجبل الأشم ،جبل العرب، لتشملَ وتعمَّ، وكان شعارها “الدّينُ لله والوطنُ للجميع”. وأعتقد أنّها حقّقت لكم عزّة وفخراً، وللاستعمار ذلّاً وانكساراً.

وصيّتي لكم إخوتي وأبنائي العرب هي أنّ أمامكم طريقاً طويلة،ومشقّة شديدة تحتاج إلى جُهدٍ وجهاد. جهاد مع النّفس وجهاد مع العدو. فاصبروا صبرَ الأحرار. ولتكن وحدتكم الوطنيّة، وقوة إيمانكم، وتراصّ صفوفكم، هي سبيلكم لردّ كيد الأعداء، وطرد الغاصبين وتحرير الأرض. واعلموا أنّ الحفاظ على الاستقلال أمانة في أعناقكم بعد أن مات من أجله العديد من الشهداء، وسالت للوصول إليه الكثير من الدّماء، واعلموا أنّ وحدة العرب هي المنعة والقوة، وأنّها حُلُم الأجيال وطريق الخلاص. واعلموا بأنّ ما أُخذَ بالسّيف بالسّيف يؤخذ، وأنّ الإيمانَ أقوى من كلّ سلاح، وأنّ كأس الحنظل بالعز أشهى من ماء الحياة مع الذلّ، وأنّ الإيمان يُشْحَن بالصبر ويُحْصَدُ بالعدل ويُعَزَّز باليقين ويُقَوّى بالجهاد..

 عودوا إلى تاريخكم الحافل بالبطولات الزاخر بالأمجاد، لأنّي لم أرَ أقوى تأثيراً في النفوس من قراءة التاريخ لتنبيه الشعور وإيقاظ الهمم، ولاستنهاض الشعوب لتظفَرَ بِحُرِّيَّتها وتحقيق وحدتها وترفع أعلام النّصر. واعلموا أنّ التقوى لله والحُبّ للأرض، وأنّ الحقّ منتصر، وأنّ الشّرف بالحفاظ على الخلق، وأنّ الاعتزاز بالحُرِّيَّة، والفخرَ بالكرامة، وأنّ النّهوض بالعِلم والعمل، وأنّ الأمن بالعدل، وأنّ التّعاون قوّة.

 الحمد لله، ثم الحمد لله. لقد أعطاني عُمْراً فقضيتُه جِهاداً، وأَمضيتُه زُهداً. ثبّتني وهداني، وأعادني لإخواني. أسألُه المغفرةَ وبه المستعان، وهو حسبي ونِعْمَ الوكيل. أمّا ما خلّفتُه من رزق ومال، فهو زهد فلّاح متواضع تحكمه قواعد الشريعة السمحاء.

سلطان الأطرش

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

اكتشاف المزيد من Dhoha Magazine

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading