الجمعة, آذار 29, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

الجمعة, آذار 29, 2024

اشترك معنا للاطلاع والحصول على أحدث المقالات والأعداد

بحث ..

  • الكاتب

  • الموضوع

  • العدد

خلايا جذعيّة «مُعدّلة» تُصلح قرنية العين

عالج علماء يابانيون للمرة الأولى قرنيّة مُتضرّرة عبر استعمال خلايا جذعية مستحثّة ومتعددة القدرات. يقول الجرّاح إنّ نظر المريضة تحسّن منذ إجراء الجراحة! توصّل الباحثون إلى ابتكارهم عبر إعادة برمجة خلايا راشدة. تجعل هذه العملية الخلايا شبيهة بالنسخ الجنينية، ما يعني أنّها تستطيع التحوّل إلى أي نوع آخر من الخلايا البشرية، بما في ذلك خلايا الأعصاب والبنكرياس والكبد والقرنية.

صحيح أنّ الخلايا الجذعيّة المستحثّة ومتعددة القدرات تتمتع بقدرة عالية على معالجة مجموعة من الحالات، لكنّ انتقالها من المختبر إلى العيادات بقي بطيئاً. من خلال إجراء جراحة ثورية جديدة، اتّخذ طبيب العيون كوهجي نيشيدا من جامعة «أوساكا» في اليابان الخطوة اللّاحقة..

تشير القرنيّة إلى الجزء الأمامي الشفّاف من العين وتغطّي القزحيّة والبؤبؤ. تضمن الخلايا الجذعية فيها انتعاشها وإصلاحها عند الحاجة، فتبقيها نظيفة كي تسمح بدخول الضوء. لكن إذا تضرّرت تلك الخلايا بسبب مرض أو إصابة، لا يعود إصلاح القرنية ممكناً، ما قد يؤدي إلى العمى القرني، فيُضطر المصابون بضرر في القرنية لانتظار نسيج من أحد الواهبين، وقد تطول هذه العملية، كما يحصل عند زراعة أي أعضاء أخرى. كانت المريضة التي خضعت للجراحة الجديدة مصابة بمشكلة وراثية تؤثّر على الخلايا الجذعية في القرنية، نتيجةً لذلك، أصبح نظرها مشوّشاً ثم فقدت البصر بالكامل. زرع الباحثون طبقات رقيقة من الخلايا الجديدة داخل القرنية، على أمل أن تترسّخ وتسدّ الثغرات التي خلّفتها الخلايا الجذعيّة المفقودة.

إنّ اليابان رائدة في تكنولوجيا الخلايا الجذعية المستحثة ومتعددة القدرات. في العام 2006، طرح شينيا ياماناكا بحثه حول هذه الخلايا التجريبية. صحيح أنّ الخلايا الجذعية أثارت حماسة الأوساط الطبية، لكن

تبدو الخلايا الجديدة واعدة بدرجة إضافية. لم يستطع العلماء فصل الخلايا الجذعية عن المخاوف الأخلاقية المرتبطة باستعمال أنسجة جنينية، لكنهم يستخلصون الخلايا الجديدة من خلايا جلدية راشدة، ما يعني تجنب هذا النوع من المشاكل. وبما أنّ العلماء يأخذون الخلايا من أنسجة المرضى، يُفترض ألّا ترفض أجسامهم الزرع. لطالما طَرح تجنب رفض الخلايا الجذعية الجنينيّة تحدّياً صعباً.في العام 2012، تقاسم ياماناكا جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب غداة اكتشافه الخلايا الجذعية المستحثة ومتعددة القدرات وتطويرها.

في اليابان، سبق واختبر الباحثون تلك الخلايا على عدد من الاضطرابات في تجارب عيادية، منها إصابات في الحبل الشوكي ومرض الباركنسون. وفي تشرين الأوّل 2018، زرع جرّاح أعصاب 2.4 مليون خلية داخل دماغ مصاب بالباركنسون. غداة بحث ناجح على نموذج من الحيوانات، أعطت وزارة الصحة اليابانية نيشيدا الإذن بإجراء جراحة إصلاح القرنية لدى أربعة أشخاص. حتى الآن، يبدو العلاج الأوّل ناجحاً. يقول طبيب العيون إنّ قرنية المريضة لا تزال نظيفة وقد تحسّن نظرها منذ العملية. يخطّط نيشيدا الآن لإجراء العملية الثانية في وقتٍ لاحق من هذه السنة، ويأمل في أن تصبح الجراحة مُتاحة لعدد إضافي من الناس خلال خمس سنوات. وفق المشرفين على استطلاع عالمي جديد حول زراعة القرنية، ثمّة قرنية واحدة لكل 70 مريضاً! على أمل أن تسهم التقنية الثورية الجديدة يوماً في سد هذه الفجوة…

أهميّة الفطر

أفادت دراسة يابانية جديدة، أنَّ تناول الفطر 3 مرات في الأسبوع يقلِّل من احتمال إصابة الرجال بسرطان البروستات. وفي حين أنّها لم تقدم آلية واضحة، إلّا أنَّ إحدى النظريات تقول إنَّ الفطر يحتوي على مركبات تكبت هرمون الذكورة، الذي يعزّز نموَّ سرطان البروستات. واثبت الباحثون قوّة الفطر في مكافحة السّرطان، من خلال دراسة حالة أكثر من 36 ألف رجل، تراوحت أعمارهم بين 40 و79 عاماً على مدار 13 عاماً. وقالوا إنَّ تناول الفطر مرّة أو مرّتين في الأسبوع قلّل من خطر الإصابة بالمرض بنسبة 8 في المئة، ولكن الذين تناولوه 3 مرات في الأسبوع، شهدوا انخفاضا بنسبة 17 في المئة. وكان التأثير واضحاً بشكل خاص لدى الرجال البالغين 50 عاماً أو أكثر. وأفادت المُعِدَّة الرئيسة للدراسة وطالبة الدكتوراه في كُلّية الصحّة العامة في جامعة توهوكو في اليابان. شو تشانغ، أنَّ «المشاركين الذين تناولوا الفطر يميلون إلى أن يكونوا أكبر سنًّا، ويقضون وقتاً أكبر في المشي، ويستهلكون كمية أكبر من اللحوم والخضار والفاكهة ومنتجات الألبان، كما كانوا أقل عرضة للتدخين» وأضافت إنَّ آلية التأثيرات المفيدة للفطر على سرطان البروستات، لا تزال غير واضحة.

الجلطة

الجلطة عبارة عن تخثُّر الدّم السائل «تجمُّده» بحيث يسدّ مجرى الوريد أو الشريان.

الجلطات نوعان، نوع يصيب الأوردة وهي التي تنقل الدّم من الأطراف إلى الرّئة والقلب. ونوع آخر يصيب الشَّرايين التي تنقل الدّم من القلب إلى جميع أعضاء الجسم.

أعراض كلّ نوع تختلف عن الآخر. الجلطة في الوريد وخاصّة الأطراف السّفلى، من أهم أعراضها التورُّم في الساق مع إحساس بالثِّقل، واحمرار الجلد وأحياناً ألم في الساق وأحياناً. تغيّر لون الجلد. أمّا أعراض جلطة الشّرايين فأهمّها ناتجة عن عدم وصول الدم إلى الأعضاء. وألم في الساق والعضلات على الأخص. برودة الساق والجلد. الخدر والتّنميل في المراحل الأولى. وتغيُّر لون الجلد في المرحلة الأولى إلى الأبيض بعدها إلى اللون الأزرق الغامق. وعدم القدرة على الحركة والمشي.

جلطة الأوردة العميقة «Deep Vein Thrombosis»، عبارة عن تخثّر الدم داخل وريد، عادة ما يتواجد بمكان عميق في أوردة الساق.

أعراض جلطة الأوردة العميقة

تورّم القدم أسفل منطقة الرّكبة، يترافق مع تشنّج وألم في الساق المُصابة، وعادة ما يبدأ الألم في بطّة الرّجل، والشّعور بألم شديد وغير مُبرّر في القدم والكاحل. والشعور بأنّ جزءاً من الجلد يبدو أكثر دفئا من المنطقة المحيطة به، بالإضافة إلى تغيّر لون الجلد في المنطقة المُصابة، بحيث يصبح شاحباً مع احمرار وقد يتحوّل إلى اللون الأزرق، وانتفاخ وزيادة سمك الأوردة الدمويّة في المنطقة المصابة.

كما تصيب الفخذين، وحوض الجسم، وقد تصيب الذراعين، والكبد، والدماغ، والأمعاء، والكُلى. كما في المقابل، من الممكن ألّا تظهر أي من الأعراض على المصاب بتاتا، إلّا أنّ جلطة الساق، أو القدم تكمن في احتماليّة تطوّر المُضاعفات مسبِّبةً انتقالها إلى أماكن أخرى منها الخطر الناتج عن انتقال التخثّر من القدم إلى الرئة والإصابة بالإنصمام الرّئوي، ليقوم بمنع تدفُّق الدّورة الدموية إليها. ممّا يسبّب صعوبة في التنفس وانخفاض ضغط الدم والإغماء وتسارع نبضات القلب وألم في الصدر، إضافة إلى السّعال الممزوج بالدم. وقد يسبّب الوفاة للبعض في حال عدم تلقّي العلاج المطلوب في الوقت المناسب.

أسباب الإصابة بجلطة الأوردة العميقة
جلطة الأوردة العميقة.

عادة ما تنتج جلطة الرِّجل عن أسباب صحيّة تؤدّي إلى الإصابة بجلطة الأوردة العميقة التي تمنع تدفّق الدّم ممّا يؤدّي إلى إصابة دوالي «الفاريز» في الساقين وقد ينتج ذلك عن عملية جراحية، أو إصابة ما، أو خلل مُعيّن في الجهاز المناعي. كذلك إذا كان تدفُّق الدَّم بطيئاً والدم سميك، فيكون الشخص أكثر عرضةً للإصابة بتخثّرات الدّم.

والأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض هم: المصابون بالسرطان حيث من الممكن أن تنتج جلطة الساق في هذه الحالة عن السرطان نفسه أو عن الأدوية التي يتناولها الذين خضعوا لجراحة ما، المجبرون على الراحة بالسرير حيث إنّ عدم تحريك الساقين والعضلات لفترات طويلة يؤدّي إلى عدم قدرة التدفّق بالشكل الطبيعي وبالتالي التجلّط كما هو الحال عند بقاء المُصاب بالمستشفى لفترات طويلة أو عند الإصابة بالشّلل. الكبار بالسن يُعَدّون من أكثر الأشخاص المعرّضين للإصابة بجلطة الدّم لعدم قيامهم بالحركة الكافية لتدفّق الدم. المدخنون، الذين يعانون من الوزن الزائد أو السمنة التي قد تزيد الضغط على الساقين والحوض، الذين يجلسون لساعات طويلة عند قيادة السيارة، أو عند ركوب الطائرة مثلاً. الحوامل بسبب ارتفاع مستويات الأستروجين لديهنّ، كما أنّ الحمل يزيد من الضغط الواقع على الأوردة في منطقة الحوض والساقين، الذين يخضعون للعلاج بالهرمونات البديلة، والذين يخضعون لعمليات جراحة على العظم والمفاصل.

علاج جلطة الأوردة العميقة

الأدوية المُميّعة للدّم
تُعَدُّ هذه الأدوية الأكثر شيوعاً لعلاج الإصابة بخثار الأوردة العميقة. حيث تعمل هذه الأدوية على جعل الدم أقل لزوجة حتى تقلّل من خطر تشكّل خثرات دموية، إلّا أنّها لا تستطيع تحليل الخثرات المتشكّلة أصلا.
الأشخاص الذين يتناولون هذه الأدوية تظهر على أجسامهم بعض الكدمات، ويكونون أكثر عرضة للنّزيف. لذا من الضروري التقيُّد بنظام غذائي خاصّ بهم، وفحص الدَّم بانتظام في المُختبر.

فلتر Vena Cava
جهاز تصفية يتمُّ وضعه في الوريد الأكبر في الجسم. هذا الفلتر يعمل على التقاط الخثرات الدموية التي تنتقل عبر مجرى الدم. وبالتالي يمنع وصولها إلى الرّئتين والقلب. هذا الجهاز لا يعمل على منع تكوّن الخثرات الدموية، إنّما يساهم في التقليل من أضرارها.

الأدوية المُحَلِّلة للخثرة
هذا النوع من الأدوية يعمل على تحليل الخثرة الدموية، إلّا أنه يسبّب نزيفاً حادًّا ومفاجئاً. لذا لا يستخدمه الأطباء إلّا في الحالات الطارئة من أجل تفكيك خثرة دمويّة تهدّد حياة المصاب داخل المستشفى.

ارتداء الجوارب الضاغطة
في حال أوصى الطبيب بذلك تُلبَس هذه الجوارب في الساقين من القدمين وحتى الرّكبتين يوميًّا ولمدة سنتين على الأقل يساعد ارتداؤها على منع تراكم الدم وتخثره بالإضافة إلى منع الأعراض المُصاحبة لجلطة الرّجل كانتفاخ الساق.

ممارسة التمارين الرياضية والحركة
عادة ما يُنصح المُصاب بممارسة التمارين كالمشي، لمنع تطوّر المضاعفات والوقاية من الإصابة بالتّخثر الوريدي العميق.

رفع الساق
يُنصح المصاب عادة برفع الساق المصابة عند الراحة أو وضع وسادة أسفلها وذلك لتجنّب الضّغط وتراكم الدم في بطّة الرجل ولتعزيز تدفّق الدم.

مراجعة الطبيب بانتظام
تجدر الإشارة إلى ضرورة مراجعة الطبيب بشكل دوري إضافة إلى الانتباه تحسّباً لحدوث النّزيف الشديد عند الإصابة بكدمة أو جرح.

جلطة الشرايين

تحدث جلطات الشرايين بآلية مختلفة، بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أمراض تصلُّب الشرايين، بحيث تحدث الترسّبات على جدار الشرايين وتأخذ في التراكم ممّا ينجم عنها الضّيق في هذا الوعاء الدموي. ونجد من مضاعفات هذا المرض الإصابة بالأزمات القلبيّة والسكتة الدماغيّة. ومن الممكن أن تتكوّن الجلطات في القلب أيضاً، عندما يكون الإنسان مصاباً بالرّجفان أو التقلص الأُذيني الليفي، فان الأذين أو الغرفة العلويّة في عضلة القلب لا تخفق بشكل طبيعي، وبدلاً من ذلك تخفق في شكل هزهزة ويصبح الدم حينها ساكنا على الجدار الداخلي للأذين. بمرور الوقت قد يؤدي ذلك إلى تكوّن الجلطات الدمويّة الصغيرة. ومن الممكن أن تتكوّن الجلطات في البُطين، الغرفة السفليّة في القلب، بعد الإصابة بالأزمة القلبيّة حيث يكون هناك جزء من عضلة القلب مصاب وغير قادر على الانقباض بشكل طبيعي، وبما أنّ المنطقة المُصابة لا تنقبض مع باقي عضلة القلب فإنّ الدم يظلّ فيها بلا حراك، وحالة السّكون هذه تؤدي إلى تكوّن الجلطة.

مخاطر الإصابة بجلطات الشرايين شائعة الحدوث مع كافة الأمراض التي تسبّب ضيقاً في الأوعية الدمويّة، ومنها ضغط الدم المرتفع، ومعدّلات الكوليسترول المرتفعة، ومرض السكّر، والتدخين، والتاريخ العائلي من الإصابة بالجلطات الدمويّة.

إنَّ الجلطة الشريانيّة هي جلطة مُزمنة. الأنسجة في اجتياح دائم ومستمر للأوكسجين وعلى نحو فوري، وافتقارها إلى الإمداد الدموي يحفز الأعراض على الظهور بشكل فوري أيضاً. كما أنَّ الفحص الجسدي يساعد الطبيب إذا كان هناك شكٌّ في الإصابة بالجلطة الدمويّة. يجب مراجعة الطبيب فوراً عند الشكّ بحدوث الجلطة من أي نوع كانت لأنَّ الوقت عامل رئيسي في نتيجة الشفاء وعدم حدوث مضاعفات. أسوأ مضاعفات جلطة الوريد صعودها إلى الرِّئة حيث تسبّب قصوراً في التنفّس. وجلطة الشريان تسبّب الغرغرين، أو الذبحة الصدريّة والقلبية، وجلطة شرايين الرّقبة والرأس تسبّب الشلل.

العلاج هو بأنواع مُسيلات الدّم من حبوب وحقن (إبر). وقد يكون جراحيًّا أو بالبالون والرّسور حسب نوع الجلطة ومكانها والشّريان أو الوريد المسدود.

لذلك يُنصح عند حدوث أيٍّ من هذه الأعراض الإسراع إلى الطبيب الذي قد يوصي بفحص لسيلان الدم أو التصوير الصوتي أو السكانر الملوّن أو التمييل. وعلى أساس النتائج يبدأ العلاج الفوري. لأنّ الوقت كما ذكرنا عامل حاسم في نتيجة الشفاء وكلّ تأخير يسبّب مضاعفات للمريض ويؤخّر الشفاء.

 

د. مصطفى أمين أبو عز الدين

مصطفى امين ابو عز الدين، 1878- 14 سبتمبر 1949، طبيب عسكري لبناني. من العبادية في قضاء بعبدا، ينتمي الى عائلة درزية، تخرج من الجامعة اليسوعية دكتورا في الطب سنة 1902. التحق بالجيش المصري الخديوي في العام 1903، ثم جيش السودان الانجليزي المصري.

اهتم بمكافحة الامراض والوقاية منها في السودان حتى التقاعد في 1926. له البحوث العلمية والادبية نشرت في الصحف اللبنانية والمصرية والترجمة في مجال الطب.

سيرته وعمله:

ولد مصطفى بن امين ابن براهيم بن منصور في العبادية سنة 1878. تلقى علومه الثانوية في مدرسة غزير ثم التحق بالجامعة اليسوعية وتخرج فيها دكتورا في الطب سنة 1902.

فسافر الى مصر وعين طبيبا في الجيش المصري 1903. ثم ذهب الى السودان وكان طبيبا للحرس الخديوي. وقبل الحرب العالمية الاولى استقر في السودان، وعمل في معظم المناطق السودانية، واسهم في مكافحة البلهارسيا، وكان من اول من استعمل مادة الانتيمون لمعالجة هذا الداء. وعمل في بلدة مكوار على مكافحة الملاريا في اثناء بناء السد في النيل الازرق في شرق السودان في اوائل العشرينات.

كان اول عربي تكلف رئاسة مستشفى الخرطوم أكبر مستشفيات السودان، وكان هذا المنصب قبلا وفقا على الاطباء البريطانيين. وفي 1926 تقاعد عن العمل برتبة عقيد وسافر الى فرنسا وتخصص في امراض العين، وعاد بعدها نهائيا الى لبنان سنة 1930، ومارس الطب في عيادته الخاصة. وفي اواسط الاربعينات عين عضوا في المجلس الصحي الاعلى للدولة اللبنانية. توفي في العبادية في 14 ايلول 1949.

حياته الشخصية:

أسهم في تأسيس جمعية المعارف الدرزية سنة 1911، وتولى امانة صندوقها، وكان من اركان جمعية اصدقاء الشجرة التي انشئت في بيروت سنة 1935، واشترك في تأسيس جمعية تنشيط السياحة والاصطياف سنة 1936.

له من اخوان محمد وسليمان. وابنته هي نجلاء من مواليد 1907.

مؤلفاته:

له عدد كبير من البحوث العلمية والادبية والعمرانية نشرت في الصحف اللبنانية والمصرية. وترجم الى العربية سنة 1946 كتاب الطب العربي: مقدمة لدرس مساهمة العرب في الطب والعلوم المتصلة به عن الانجليزية لأمين اسعد خير الله.

د. سليمان أبو لطيف

حصل طبيب العيون اللبناني سليمان أبو لطيف، خرّيج كليّة الطبّ في الجامعة اللبنانيّة. عام 2003، على «زمالة الكليّة الملكيّة البريطانية لجرّاحي العين»، وهو أعلى لقب في مهنة طبّ العيون في العالم، بعد اجتيازه عدداً من الاختبارات الشفهيّة والخطيّة، ليأتي هذا الانجاز بعد تحقيقه درجة «زميل بالجراحة الشبكيّة»، من مستشفى Moorfields Eye Hospital وهو أكبر مستشفى تخصّصي للعيون والأكثر تطوّراً في العالم.

نال أبو لطيف الذي تخصّص بأمراض الشبكيّة وجراحتها، عام 2011، عضويّة وديبلوم الكُليّة الملكية البريطانية لجراحي العين، وقدّم سلسلة محاضرات في مؤتمر اختصاصيّي الشبكية الأوروبييّن Euretina في ميلان ونيس وكوبنهاغن وفيينا، وله مقالات عدّة في مجلّات طبيّة عالميّة.

ويفكّر أبو لطيف بـ «عودة جزئية» إلى لبنان عبر «عيادة موسميّة» يقدّم من خلالها خدمة طبيّة إلى مُحتاجيها بما تفرضه أخلاق المهنة والوفاء لأبناء بلده (استشارات ومعاينات وعمليّات…).

يُشار إلى أن شهادة «زمالة الكليّة الملكية البريطانية «لجراحي العين ستُمنح إلى الدكتور أبو لطيف في احتفالية خاصة ستُقام في العاصمة البريطانية لندن في أيلول المقبل.

Dr. Suleiman Abu Latif

The Lebanese ophthalmologist, Suleiman Abu Latif, a graduate of the Faculty of Medicine at the Lebanese University was awarded in 2003 the fellowship of the Royal College of Ophthalmologists in Britain, the highest title in the ophthalmology profession worldwide, after passing a number of oral and written examinations. This accomplishment was obtained after achieving the degree of “Retinal Network Fellow” of Moorfields Eye Hospital, the largest eye specialist hospital and the most advanced globally.

In 2011, Abu Latif, who specialized in retinal diseases and surgery, received a membership and diploma from the Royal College of Ophthalmologists in Britain. He presented a series of lectures at the conference of Euretina, the European Society of Retina Specialists, in Milan, Nice, Copenhagen, and Vienna. In addition, he has several articles in various international medical journals.

Abu Latif is thinking of a “partial return” to Lebanon through a “seasonal clinic” in which he provides medical services to those in need, as dictated by the professional ethics and the loyalty to his fellow countrymen (consultations, medical examinations, operations, etc.).

The British Royal College Fellowship of Ophthalmologists will be awarded to Dr. Abu Latif at a special ceremony in London the coming September.

التلوّث، مناعة الجسم والأمراض

الحقيقة العلميّة الأولى: هي أنّ تركيبة جسم الإنسان البيولوجيّة تأتي من المكوّنات التي تدخل الجسم من الطبيعة المحيطة به، من هواء، ماء، وغذاء.
ومناعة جسم الإنسان في صراع مستمر مع العوامل الضارة التي تدخل إليه، من فيروسات، أو جراثيم وجزئيات مختلفة مثلاً. في ثمانينيّات القرن الماضي كانت جميع المختبرات والأطباء يعتبرون أن عدد الكريات البيضاء فوق عشرة آلاف تدل على أّنها علامة التهاب في مكان ما من الجسم. بينما اليوم هذا الرّقم هو طبيعي وعادي. هذا يدل على أن جهاز المناعة قد استنفر وزاد من أعداد جيشه للدفاع عن الجسم من المخاطر التي ازدادت بدورها.
أحد المخاطر هي التلوث. تلوّث الهواء. الدراسات العلمية الحديثة ومنها الدراسة التي تم تقديمها في الجامعة اللبنانية المؤتمر العلمي الأوّل تشير إلى أنّ تلوّث الهواء يساهم في زيادة نسبة الرّبو لدى الأطفال والكبار، أمراض الحساسيّة والالتهابات المختلفة في القصبة الهوائية والرئتين وزيادة حالات سرطان الرّئة بمعدل 10%.

خلية سرطان الرئة في طور الانقسام

 

فسرطان الرئة مثلا حسب منظمة الصحة العالمية يكون مرتبطاً بنسبة 50% بأسباب وراثيّة، و50% بالملوّثات التي تدخل الجسم، مثل المواد التي يستنشقها الإنسان من التدخين الإيجابي والسلبي، والمواد التي تدخل من عوادم السيارات والمولّدات وغيرها.
تسجّل منظمة الصحة العالمية 44 حالة إضافية إصابة بسرطان الرئة لكلّ 100 ألف شخص. وتنخفض هذه النسبة في الأرياف حيث تكثر الأشجار والطبيعة النظيفة.

تلوث المياه يكون كيميائيّاً أو جرثوميّاً. التلوث الكيميائي بالمعادن الثقيلة مثل الزرنيخ والرصاص والزنك ويؤدي إلى أمراض مُزمنة وخطيرة في الجهاز الهضمي والكُلى على الخصوص.
وزيادة مستوى الكلور لتعقيم المياه يسبب أنواعاً من الحساسية والتلف في وظائف الكبد. أمّا التلوث الجرثومي للمياه فيؤدّي إلى شتّى أنواع الالتهابات في الجهاز الهضمي وبعض حالات تسمّم الجسم، ونشوء أعراض مرضيّة مثل الاستفراغ والإسهال وآلام المغص الحادّة وغيرها.
وبناء على الدراسات التي تمّ عرضها في المؤتمر العلمي للجامعة اللبنانيّة لمركز الجَوْدَة تَبَيّن أنّه حتّى مياه الشرب في بعض المدارس مصابة بشتّى أنواع الجراثيم.
وما نسمعه اليوم عن تلوّث مياه اللّيطاني كيميائياً وجرثومياً وما تسببه من أمراض لمستهلكي المزروعات المرويّة بمياههِ الملوثة غير دليل على خطر المياه الملوثة على الصحّة.
وهذا ما دفع بوزارة الصحة العامة منذ أيام قليلة إلى إصدار قرار إلزامي بوجوب فحص جميع المياه المعبأة والمُباعة للشرب على جميع الأراضي اللبنانيّة في المختبرات المعتمدة، ودفع كتلة اللقاء الديمقراطي لتقديم مشروع قانون حماية المياه الجوفية والآبار الارتوازية من التلوث، بمشاركة خبراء من المركز الوطني للجودة في الجامعة اللبنانية.

لا يمكن في مقالة قصيرة الإحاطة بشكل كامل بمشاكل تلوّث المياه وتأثيرها على الصحّة. لكن يكفي للمرء أن يرى كثرة أنواع ومصادر المياه المباعة للمستهلك. وهي الدليل على وجود مشكلة لدى المواطن في تأمين مياه نظيفة صالحة للشرب والاستعمال.
تسبب الأغذية الملوثة، التي تحتوي على بكتيريا أو فيروسات أو طفيليات أو مواد كيميائية، في الإصابة بأكثر من 200 نوع من الأمراض، التي يتراوح مداها ما بين الإسهال وصولاً إلى الإصابة بالأمراض السرطانية، مروراً بأمراض أعضاء شتّى في الجسم كالكبد والكلى وغير ذلك.
ووفقا لما تشير إليه إحصاءات منظمة الصحة العالمية WHO، فإنّ الأطفال هم أكثر المتضررين من الأمراض المنقولة بالغذاء الملوّث، إذ تبلغ نسبتهم 40 في المائة من بين أولئك الذين تصيبهم تلك النوعيّة من الأمراض، التي يُمكن بتدابير بسيطة الوقاية منها.

الأطعمة الملوثة  أنواع من الميكروبات تتسبب بأمراض.

الأغذية الملوثة على نوعين، نوع هو بالأصل عُرضة للتلوّث الطبيعي بالميكروبات، مثل الأغذية الحيوانية المصدر غير المطهوّة جيدا. أو الفواكه والخضراوات الملوثة بالفضلات، أو أنواع المأكولات من الحيوانات البحرية النيئة. وهذه النوعية تتطلّب التّنظيف الجيّد والطّهو الجيّد، أو البسترة للحليب ومشتقات الألبان. وذلك قبل تناولها. والنوع الآخر من الأطعمة الملوثة يشمل أنواعا مختلفة من المنتجات الغذائية أو الأطعمة المطهوّة، التي لا يتم حفظها بطريقة سليمة، ما يُعطي فرصة لتلوثها بالميكروبات بعد أن كانت خالية منها.
وعادة ما تكون الأمراض المنقولة من الغذاء الملوث ذات طابَعٍ مُعدٍ أو سُمّي. والعدوى تتسبب فيها مجموعة من البكتيريا أو الفيروسات أو الطفيليات التي إمّا تضرّ الجسم بذاتها عبر الأمراض التي تنقلها، أو عبر إفرازها لموادَّ كيميائيةٍ ضارّة تدخل جسم الإنسان وتسبب له إمّا التسمّم الغذائي الحادّ وإمّا الأمراض طويلة الأمد كالسرطان.
ومن بين أنواع البكتيريا، ثمّة بكتيريا السالمونيلّا Salmonella، وبكتيريا العطفية Campylobacter، وبكتيريا الأشريكية القولونية المعوية النّزفية Enterohaemorrhagic Escherichia coli، وهذه المجموعة تُعتبر من أعلى مسبّبات الأمراض المنقولة بالغذاء الملوث والتي تصيب ملايين البشر سنويّاً، وأعراضها قد تشمل حمّى ارتفاع حرارة الجسم والصّداع والغثيان والقيء والآم البطن والإسهال.
ومن أمثلة الأغذية ذات العلاقة بمرض السالمونيلّات Salmonellosis، البيض والدواجن وسائر المنتجات الحيوانية المصدر حين لا يتم طهوها بطريقة كافية، أو لا يتم حفظها بطريقة سليمة قبل أو بعد الطهي.
ومن أمثلة الفيروسات، العدوى بالنوروفيروس Norovirus، التي تتسبب بالغثيان ونوبات القيء الشديد والإسهال المائي والآم البطن. ويُعتبر الغذاء الملوث هو السبيل لإصابة الإنسان بأنواع مختلفة من أمراض الطفيليات مثل الديدان المشوكة أو الدودة الشريطية Tapeworms، وديدان الأسكارس Ascaris، أو الكريبتوسبوريديوم Cryptosporidium، أو الديدان المتحوّلة إلى حالة النّسج Entamoeba histolytica، أو ديدان الجيارديا Giardia، وهناك أيضاً البريونات Prions، التي هي عوامل مُعدية تتألّف من البروتين، وتتسبب بأمراض مثل مرض جنون البقر Bovine Spongiform Encephalopathy.

خطوات لحفظ الأطعمة في الثلّاجة

الخطوة الأهم في ضمان حفظ الأطعمة بطريقة صحية في الثلّاجة هو إبقاء درجة حرارة الطعام أقل من 4 درجة مئوية. ووجود مقياس لدرجة حرارة الثلّاجة مفيد في التأكّد من ذلك. كما يجدر ملاحظة ضرورة أن تكون درجة الحرارة في جميع أجزاء الثلّاجة أقل من 4 درجات مئوية بحيث يكون أي مكان في داخل الثلّاجة ملائماً لحفظ الطّعام. في حال انقطاع التيار الكهربائي، يجدر تقليل فتح باب الثلّاجة للإبقاء على البرودة فيها، وحين تبقى الأطعمة لمدّة تتجاوز الساعتين في درجة حرارة أعلى من 4 درجة مئويّة فإنّ ذلك يُعرّض تلك الأطعمة للتّلف.
وتشير إدارة الغذاء والدّواء الأميركية إلى أنّ وجود البكتيريا في بيئة مناسبة للنّمو وفي درجة حرارة أعلى من 4 درجات مئوية يُوفّر لها فرصة للتكاثر بمقدار الضعف خلال 20 دقيقة فقط، ومن هنا يتّضح لنا أن حفظ الطعام في الثلّاجة تحت درجة 4 درجات مئوية هو الخطوة الأولى لضمان حفظ الطعام بطريقة تمنع تكاثر البكتيريا التي قد تكون موجودة فيه، وأنّ دوام حفظ الأطعمة بأنواعها طوال الوقت في تلك الدرجات المنخفضة نسبياً من الحرارة، يهيّئ الفرصة لحفظ سلامة الغذاء.

المناعة وسوء استعمال المضادّات الحيوية

حذّر باحثون من منظّمة الصحة العالمية من أنواع البكتيريا التي تنتشر في مستشفيات العالم وتتسبب بأمراض يستعصي علاجها. وتمّ رصد مئات من العيّنات للبكتيريا في 78 مستشفى من أنحاء مختلفة من العالم، حيث خلص العلماء إلى أنّ هذه البكتيريا تغيّر الحمض النّووي مما يتيح لها مقاومة المضادات الحيوية الأكثر شيوعاً في المستشفيات.
وأفاد الباحثون أنّ هذه البكتيريا سريعة الانتشار من جرّاء الاستخدام المكثف للمضادات الحيوية. وقد حذّرت مجلّة “نيتشر بيولوجي” من أنّ مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية هي من أكبر المخاطر المُحدقة بالرعاية الصحية في العالم أجمع.
هناك سباق بين اكتساب الجراثيم المناعة على المضادات الحيويّة الموجودة واختراع مضادّات حيوية جديدة أكثر سمّيّة، لا يتاح للجراثيم الوقت لاكتساب المناعة ضدّها. من هنا أصدر وزير الصحة العامة في 10 آب 2018 قراراً يقضي بمنع صرف أي مضاد حيوي دون وصفة طبية وذلك للحد من كثرة وسوء استعمال المضادات الحيوية.

تمكنت البكتيريا في المستشفيات في تغيير حمضها النووي لتقاوم معظم المضادات الحيوية

 

 

المؤتمر العلمي الأول للمركز الوطني لجودة الدواء والغذاء والماء والمواد الكيماوية

برِعايةِ مَعالي وزير التّربية الوطنيّة والتّعليم العالي الأُستاذ مروان حمادة، وبدعوة من المركز الوطني لجَوْدَة الدّواء والغذاء والماء والموادّ الكيمياويّة انعقد في الجامعة اللّبنانية في 16 آذار 2018، في مُجَمّع رفيق الحريريّ، في الحَدَث، المؤتمرُ العلميُّ الأوّلُ للمركز بعنوان “الأمن الدّوائي والغذائيّ والمائي، ما يدخل الجسم يصبح جزءاً منه”.
جرى عرض الدّراسات الإحصائيّة العلميّة حول المشاكل التي يسبّبها تلوّث الغذاء والماء والهواء على الصِّحَّة ومشاكل سوء استعمال الأدوية والتّسمّم الغذائيّ والمائيّ والهوائيّ والدوائيّ في لبنان. وقد شارك في المؤتمر الوزارات المعنيّة: وزارة الصحّة العامة ووزارة الاقتصاد ووزارة الطّاقة والمياه ووزارة الزّراعة ووزارة التّربية، بالإضافة إلى الجامعات التالية: الأميركيّة AUB، اللُّبنانيّة الأميركيّة LAU، واليسوعيّة، والعربيّة، والحِكمة. ومركز الأبحاث الزّراعيّة ومركز الأبحاث العلميّة.
احتوى برنامج المؤتمر على 12 محاضرةً ضمن جلستين: الجلسة الأولى تناولت الإحصائيّة لوضع السّلامة والتّلوّث للماء والهواء، والجلسة الثانية حول معايير الجَوْدة والدّراسات لسلامة الغذاء وسوء استعمال الأدوية وتأثيره على مناعة وصحّة الإنسان، وتأثير تلوّث الهواء على الصحّة والأمراض الناتجة عنه، والتّسمّم، ومعايير مُراقبة الجَوْدة في وزارة الصحّة العامّة، وزارة الاقتصاد، ووزارة الطاقة والمياه.
دراسة مركز الجَوْدَة الجامعة اللبنانية: نتائج الفحوصات الفيزيو كيميائيّة لعيّنات المسابح ما مجموعه 130 عينة (مسابح داخليّة 113 مسبحاً) و17 عَيِّنةً من مسابح على طول الشاطئ اللّبنانيّ.
نتيجة التّحاليل بيّنت عدم تطابُق المعايير بنسبة 56% زيادة كبيرة في مستويات الكلور، و54% غير مطابق للمعادن المُذابة في الماء، و20،5% ارتفاع معدّل الحموضة والأسيد.
والمعروف أنّ الكلور يمتصّه جلد الإنسان بكميّة كبيرة ويؤثّر على عمل الكبد بشكل سلبيّ، ويسبّب حساسيّة جلديّة وفي العيون أيضاً.
في مياه الشّرب ونتيجة دراسة مُشتركة بين مركز الجَوْدَة الجامعة اللبنانية والجامعة الأميركيّة والجامعة اللبنانيّة الأميركيّة على مدى عشر سنوات (2005- 2015) على كامل الأراضي اللّبنانية بيّنت أنَّ هناك تحدّيات كبيرة في نوعيّة وجَوْدة مياه الشّرب من مصدر المياه (آبار ارتوازيّة أو ينابيع أو غيره) مروراً بالأنابيب والقساطل النّاقلة للمياه والخزَّانات وشبكات توزيع المياه إلى المنازل حتى وصولها إلى الحنفيّات. إذ تبيّن بأنّه هناك عدم مطابقة للمُواصفات المُعْتَمدة في أكثر المناطق من ناحية خلوّ المياه من التلوّث الفزيائيّ الجرثوميّ والكيميائيّ وأحياناً امتزاج مياه الصّرف الصحيّ بمصدر المياه من الآبار الارتوازيّة والينابيع.
وعلى الرّغم من الفحوصات الدوريّة التي تُجريها مصالح المياه في المحطّات الرئيسيّة فقد تبيّن أنَّ تلوّث المياه إنّما يكون بسبب رئيسي عن طريق شبكات التّوزيع والخزّانات.

وبناء على تحليل مياه الشّرب في العديد من المدارس الرسميّة بناء على توصية وزير التّربية الاستاذ مروان حمادة أتت النتائج في أكثر الأحيان مُقلقة بسبب وجود عدّة أنواع من الجراثيم في مياه الشرب في المدارس منها: جُرثومة البُراز والأمعاء وجُرثومة المُستشفى باسم psendomonal
تلوّث مياه الشّرب يسبب العديد من الأمراض في الجهاز الهضمي. وأهمّ مصادر التلوّث هو اختلاط المياه الجوفيّة ومصادر المياه، بمياه صرف صحّي أو صناعيّ.
في دراسة أخرى حول تلوّث المزروعات بمياه الصّرف الصّحيّ وانتقال المكوّنات العضويّة والكيميائيّة من مياه الريّ إلى المزروعات حيث تبيّن وجود نِسَب عالية جدّاً في بضع مناطق (حوض اللّيطاني) خاصّة؛ لموادَّ كيمائيّةٍ تُسَبّب الأمراض للجهاز الهضميّ والكبد والكُلى وارتفاع نسبة النّترات في عشرات تحاليل البول للأشخاص ممّا يؤثّر بشكل مُزمن على عمل الدّماغ والكُلى وغيرها من الأعضاء الحيويّة كما أنَّه تمَّ اكتشاف آثار مادّة كيميائيّة سامّة من المُبيدات الزراعيّة في يعض المزروعات والتي تسبّب الفشل الكلويّ والكبدي مع مرور الزّمن.
بنتيجة فحص عيِّنات من اللَّحم تبيَّن وجود نِسَب عالية من الهرمونات (استيرويد) والمضادّات الحيويّة التي تُعطى للحيوانات وهي على قيد الحياة، وفي دراسة أخرى للجامعة اللّبنانيّة على طريقة شَوْي اللّحم (المشاوي – على الفحم أو الغاز أو غيره) تبيّن بأنّه نتيجة مستوى الشّوي والحرارة ونوع الحرارة المُستعملة تؤثّر على البروتينات في اللّحوم، وتنتج أنواعاً من الموادّ السامّة في اللّحم الأبيض (الطاووق والأحمر) polycyclic aromatic hydrocarbons (PAHs)
وبنتيجة دراسة تلوّث الهواء المُقَدَّمة من الجامعة الأميركيّة هناك أكثر من 100 مادّة من (PAHs) ومنها موادُّ مُسَرطنة نتيجة تلوّث الهواء من مولّدات الكهرباء على المازوت، وحرق النّفايات والغازات من عوادم السيَّارات، والمقاهي حيث الأراكيل (النّرجيلة)، والتلوّث الأكبر للهواء كان في المدن وفي الأحياء المُكْتظة بالسيّارات ومولّدات الكهرباء.
دراسات مكمّلة لهذه من الجامعة اللُّبنانيّة حول مستوى تلوّث الهواء والأمراض الصدريّة تبيّن أنَّ مُعَدّل زيادات أمراض الرَّبو والحساسيّة عند الأطفال في آخر عشرين سنة (1995 – 2015) بلغ أربعة أضعاف عمّا كانت عليه وذلك في المدن وعند العائلات التي تدخل (الأركيلة على الخصوص في المنازل) والأحياء حيث تكثر مولّدات الكهرباء التي تعمل على المازوت. وارتفعت نسبة الأمراض الصّدريّة على أنواعها coop عند كبار السّن في آخر عشر سنوات بثلاثة أضعاف وازدادت نسبة سرطان الرِّئة عمّا كانت عليه في المُدن أكثر من الأرياف.
وقد بيّنت إحدى الدّراسات أنّ نسبة الأمراض الصدريّة “أمراض الضّغط العالي، الجَلطات وسرطان الرِّئة وأمراض حساسيّة الجلد” عن الفئة العمرية نفسها هي في المُدن الكبرى ثلاث مرّات ونصف أعلى من الفئة العمرية ذاتها في القرى والأرياف.
في دراسة لمركز الجَوْدَة الجامعة اللُّبنانيّة حول استعمال المضادّات الحيويّة ومناعة الجراثيم على الأدوية والتي أُجْرِيت على المَرضى في 19 مُستشفىً على مدى سبع سنوات (2009 – 2015) واستهلاك أدوية المضادّات الحيويّة من الصيدليّات (2012 – 2015) تبيَّن وجود ازدياد ومناعة الجراثيم على الأدوية (المضادّات الحيويّة). وهناك سوء استعمال الأدوية وعشوائيّة الاستعمال تؤدِّي إلى عدم فعالية هذه الأدوية ويلجأ الأطبّاء إلى أدوية أكثر سُمِّيَّة للجراثيم وبالتّالي أكثر سُمِّيَّة لجسم الإنسان. ومن المُفارقة أنّ المناطق التي يتمّ استعمال المضادّات الحيويّة على الحيوانات والتي تُسْتَهلَك لحومُها لاحقاً وفي الزِّراعة المحاصيل التي يتمُّ استعمال الأدوية الزراعيّة فيها تسجّل أعلى نسبة من المناعة للجراثيم على الأدوية وعند السكّان المرضى في تلك المناطق.
وفي دراسة من الجامعة اليسوعيّة لمركز مكافحة التّسَمُّم على إحصاءات (2012 – 2014) بيّنت أنّ هناك 1283 حالة تسمّم أكثرها عند الأولاد تحت سن 18 سنة 79,3 %, كما تبيّن أنَّ سبب تسمُّم 53,8%، من الأدوية على أنواعها هو 12،2% من المبيدات الزّراعيّة، و6،9% من موادّ منزليّة سامّة (مساحيق تنظيف وغيرها).
وهذه الأنواع من التّسمُّم تتطلّب عناية طبيّة طارئة. هذه الدّراسة لم تشمل حالات التَّسَمُّم الغذائي.

معهد البحوث الزراعية قدّم دراسة عن تأثير تسمُّم المحصولات الزراعيّة بالمبيدات الزراعيّة والرَّيِّ بالمياه المُبْتَذَلة. حيث تبيَّن انتقال العناصر الكيميائيّة والعضويَّة من المياه إلى المحصول الزراعيّ ومن المحصول الزراعيّ للمُستهلك. ولاقت هذه النتائج دراسة للجامعة اللّبنانيّة على 167 مريضاً تمّ فحص البَوْل عندهم على مستوى النّترات (الذي يدخل من مياه الرّيِّ والمُبيدات مع مُستوى المعادن السامّة (زرنيك ورصاص وغيره) حيث تبيّن ارتفاع مستوى هذه الموادّ بشكل يؤثّر على عمل الكُلى بشكل يؤذي عمل الكُلى ويرفع انزيمات الكبد).
الدِّراسة الأشمل كانت لمركز الجَوْدَة على الموادّ الغذائيّة من ضمن حملة سلامة الغذاء الذي نفّذها المركز لصالح وزارة الصحّة في عهد الوزير وائل أبو فاعور (الحملة المشهورة مُطابق وغير مُطابق) وبناء على اتفاقيّة التّعاون بين وزارة الصحّة العامّة والجامعة اللبنانيّة والتي بموجبها تمِّ إنشاء المركز الوطني لجَوْدَة الدّواء والغذاء والماء والمواد الكيميائيّة.
هذه الدّراسة والتي شملت خلال سنة واحدة 1033 عَيِّنة غذائيّة وأجْرِيَت عليها 5406 فحوصات جُرثوميّة من أصل نحو 7000 فحص مُختلف لهذه العيِّنات.
وتمّت دراسة على 12 نوعاً من الجراثيم في المأكولات وأكثر هذه الفحوصات احتوت على أكثر من نوع من الجراثيم بدءاً من جرثومة البُراز والمُصران مروراً بجُرثومة المستشفيات، وتمّت إعادة فحص عدد كبير من العَيّنات التي كانت تحتوي كميّات وأنواعاً كثيرةً من الميكروبات.
إنّ عدم تطابق العيّنات حسب المحافظات أتت على الشّكل التّالي: محافظة الشِّمال 48،5%، البقاع 80%، جبل لبنان 55،9%، بيروت 33%، الجنوب 47،2%، وذلك حسب المعايير للمنظّمة الدوليّة لتوحيد المقاييس (ISO) وأتت في طليعة المُنتَجات غير المطابقة الصّلصات 75% غير مطابق، المُعَجّنات 64،6%، لحم الدّجاج 55،2%، ثمار البحر 53،3%، اللّحم الأحمر 52،5%، حبوب 42،9%، مُشتقات الحليب 38،2%، الحلويات 36% غير مطابق والأطباق الجاهزة في المطار وغيره من مراكز سياحيّة مطابقة مئة بالمئة.
يجدر الذّكر أنّ العيّنات تُعتَبر غير مطابقة إذا وجد فيها أحد أنواع الجراثيم، ومنها ما وُجِدَ فيه أكثر من نوع. مصدر هذه العيّنات كان يُرْسَل بعد أسبوع إلى أسبوعين على الأكثر عيّنات جديدة للفحص وهذه المرّة على نفقة صاحب العلاقة. وكانت النتائج تُوَقَّع من قِبَل مسؤول المُخْتَبَر البروفسور المسؤول عن المُختبر وهو أخصّائي في علم الجراثيم، مسؤول لجنة الغذاء ومدير المركز. وتُرْسَل النتائج إلى وزارة الصحّة العامّة ونسخة إلى صاحب العلاقة ونسخة يتمُّ حِفظها في المركز.
ولم يتمَّ إرسال أيّة نتائج إلى أيّة وسيلة إعلاميّة لعدم التّشهير. بل كانت وزارة الصحّة العامّة تُصْدر لوائح أسبوعيّة بأسماء المؤسّسات غير المُطابقة.
محاضرة عن معايير الجَوْدة التي يتبعها المركز وعن شهادة الجَوْدَة التي قارب المركز على نيلها وهي الأحدث والتي تخوّله الاعتراف الأوروبي والعالمي بشهادة وختم المركز للمواد والمنتوجات المُراد تصديرُها إلى الخارج، بحيث يصبح ختم وشهادة الجَوْدَة من المركز مُعتَمَداً في الدّول العربيّة والاوروبيّة لجميع المنتوجات المفحوصة في المركز والمراد تصديرها الى الخارج.
ثمَّ كانت محاضرة من مسؤولة الوقاية الصِّحيّة والمنسّقة العامّة لسلامة الغذاء في وزارة الصحّة عن المعايير والإجراءات التي اتّخذتها وزارة الصحّة بالتّعاون مع المركز في الجامعة اللّبنانيّة وممّا أدّى إلى انخفاض الحالات المَرَضيّة الناتجة عن التّسمُّم الغذائيّ في تلك الفترة. وكانت محاضرة لمسؤولة مصلحة الاستيراد والتّصدير والحَجْر الصحِّيّ في وزارة الزّراعة عن التدابير التي تتّخذها وزارة الزّراعة لاعتماد المعايير لجَوْدَة الغذاء والمزروعات ومراقبة جَوْدَة المُبيدات الزِّراعيّة حسب المعايير العالميّة.
وكان سبق ذلك مُداخلة لمدير عام وزارة الاقتصاد السيّدة عليا عبّاس ومدير عام الاستثمار في وزارة الطاقة والمياه الدكتور غسّان بيضون؛ حول سياسة وزارة الاقتصاد ووزارة الطاقة والمياه في مراقبة وتحسين جَوْدة المنتوجات وأبدى الوزراء (الاقتصاد والطاقة والمياه) الرّغبَة في إبرام اتفاقية تعاون مع المركز لجَوْدة الدّواء والغذاء والماء والموادّ الكيميائيّة على غرار الاتفاقيّة المعقودة مع وزارة الصحّة وهذا ما نعمل عليه في القريب العاجل.
كما أبدت مديرية الجمارك الرّغبة في توقيع اتّفاقية تعاون مع المركز في الجامعة اللّبنانيّة وتمّ الطلب من المركز تشكيل لجنة مشتركة مع الجمارك لتحضير مسودة الاتفاقية وهذا ما نعمل عليه بحيث سوف يتمُّ فحص المنتوجات المستورَدَة التي تدخل لبنان في المركز بناء على طلب الجمارك اللبنانية.
كذلك تمّ عرض دراسة من جامعة بيروت العربيّة حول جَوْدة المياه في الآبار الارتوازيّة في البقاع الشّماليّ ودراسة من جامعة الحكمة حول استهلاك أدوية الأعصاب في جبل لبنان في الصيدليّات مع أو بدون وصفات طبيّة مع أعمار المستهلكين لهذه الأدوية.
وكانت دراسة حول المركز الوطنيّ لليقظة الدوائيّة والمفاعيل الجانبيّة للدّواء التابع لمركز الجَودَة والتّعريف عن أهميَّة إحصاء المفاعيل الجانبيَّة للأدوية عند استعمالها من قِبَل المَرْضى، ومُراقبة جَوْدة الأدوية الجينيريك.

وفي نهاية المؤتمر تمّ تقديم التّوصيات والتي أتت على الشَّكل التّالي:
توصيات لمياه الشرب
1- تعزيزُ قُدرة مؤسّسات المياه لإجراء المراقبة الشّاملة والمُستدامة لنوعيّتها وذلك لتأمين جَوْدتها وسلامة المياه الموزّعة بواسطة الشّبكات العامّة.
2- اعتماد مؤشّر لنوعيّة مياه الشّرب كوسيلة لتقييم حقيقيّ وملائم للأخطار، وبالتّالي إدارتها بالشّكل المناسب، ونشرها بين المواطنين والجهات المسؤولة لاتّقائها.
3- مُعالجة النّوعيَّة المُتدهورة للمياه المُوزّعة عبر الشّبكات، والتي لا يتمّ رصدها أو مراقبتها بشكل صحيح، وذلك لِلْحَدِّ من مخاطر التعرّض للأمراض التي تسبّبها أو تنقلها.
4- مُراقبة نسبة الكلور في شبكات التّوزيع، في المناطق التي تحتاج إليها، وذلك لضمان نوعيّة المياه وعدم تلوثها ميكروبيولوجيّاً وتجنّب المستويات العالية للكلور المتبقِّي لدى مستخدمي المياه، حيث يرفض مُعظمهم الرّائحة القويّة لنسبة الكلور الزّائدة في المنازل.
5- إدارة معالجة المياه بطريقة مُتكاملة بناء على معايير لجَوْدَتِها لا تقتصر فقط على تعقيم المياه لمعالجة تلوّثها الميكروبيولوجيّ، إنّما معالجة التلوّث الكيمائيّ التي تتعرض له مصادر المياه بشكل مُتسارع.
6- وقف جميع تراخيص حَفْرِ الآبار فوراً ودون أيّ تردُّد لمدّة 10 سنوات، على أن يُصار بعدها إلى إعادة تقييم المياه الجوفيّة لجهة نوعيتها وكميّتها وحينها يمكن إعادة النّظر باستكمال التراخيص فقط عند الضّرورة وبعد دراسة وافية.
7- العمل على التشدُّد بِمُتطلبات تراخيص الحفر من قبل وزارة الطاقة والمياه، بحيث يُدرَس تأثير أي حفر على سلامة المياه الجوفيّة كمَّاً ونوعاً.
8- حماية مصادر المياه الجوفيّة من التلوّث الصّناعيّ وتعزيز أنشطة وزارة البيئة في هذا الصدد لا سيّما مشروع LEPAP.
9- الإسراع قدر الإمكان في بدء مراقبة النّفايات الصّناعية السائلة والسّيطرة عليها على أساس التّشريعات الحالية.
10- بناء ثقة المواطنين بجَوْدَة مياه الشّبكات العامّة وذلك من خلال تأمين إدارة سليمة لها ومراقبة مُستدامة من المصدر إلى المستهلك وفقاً لمعايير مؤسّسة المواصفات والمقاييس اللُّبنانية لا سيّما خصائص نوعية مياه الشّرب الصادرة مؤخّراً.

توصيات لجودة الغذاء والدواء والهواء
من الضّروري تطبيق معايير الجَوْدَة على جميع أنواع القياسات المُختَبريّة، وبخاصّة ISO 9001: 2015 إنشاء نظام إدارة الجَوْدَة سيضمن مُمارسات مخبريّة جيدة ونتائج أكثر دقّة.
1- يجب التحكُّم في استخدام المضادّات الحيويّة في المجتمع المحلّي وفي القطاعات الاستشفائيّة الأخرى. إنّ تطبيق خطّة العمل الوطنيّة لمكافحة مقاومة مضادّات الميكروبات أمرٌ لا بُدَّ منه على جميع المُستَويات: التعليم والمُمارسة والإشراف. من الضَّروري أيضاً استخدام مُقاربة One Health وتعزيز القوانين.
2- من الضّروري مُراقبة المفاعيل الجانبيّة (Pharmacovigilance and Toxicovigilance) لإدارة المخاطر المُتَعَلّقة بالأدوية والمواد السّامَّة الأُخرى. تُعْتبر أنظمة مراقبة الأخطار التّلقائي للأحداث السلبيّة والتّسمُّم خطوة ضرورية لتقييم حجم المشكلة واتّخاذ التدابير التّصحيحيّة اللّازمة. وعلاوة على ذلك، سيكون من المرغوب فيه تحسين توافُر بعض التّرياق في مراكز الطوارئ في البلاد.
3- أظهرت المُستحضرات الغذائيّة التي تمَّ اختبارها مستويات مختلفة من التوافق مع المعايير الميكروبيولوجيّة لوزارة الصِّحّة. وأظهرت الأطباق المطبوخة أعلى درجة من التّوافق، ولكنّ الصّلصات أظهرت أدنى درجة من التّوافق. مطلوب إعلام المصادر لتحسين مُمارسات التّصنيع وتقليل خطر الإصابة بالمرض.
4- تعريف المُستهلك بأفضل طريقة للتخلّص من المُبيدات المُسْتخدمة في الفواكه والخضراوات أمر مهمّ لتجنب التسمُّم الحادّ المُزمن.
5- يرتبط تلوّث الهواء في لبنان بالعديد من الأمراض المُزْمنة بين الأطفال والبالغين، هناك حاجة لتدابير عاجلة لخفض مستوى التلوّث، مثل استخدام الطاقة المُتَجدّدة لتوليد الكهرباء، وإنشاء شبكة مواصلات كافية وإعادة تدوير النّفايات لِتجنُّب حرقها في مُخْتلف المناطق اللّبنانيّة.

فيزياء الكوانتوم

فيزياء الكوانتوم

فيزياء الكوانتوم تجـــــــد الله!

كيف قوّضت الفيزياء الحديثة
النظرية الماديّة الساذجة للكون

رشيد حسن

فيزياء نيوتن وفّرت الأسس لانتشار المادية وفلسفات ا لإلحاد لاعتبارها الكون نظاماً ذاتي الحركة لا يحتاج إلى محرك من خارجه

قرر عباقرة فيزياء القرن العشرين استكشاف عالم ما تحت الذرة
فوجدوا عالماً عجيباَ يحكمه الوعي ولا يخضع لحتمية أو لقياس

“لابدّ أن يكون هناك كائن خارج الكون يراقبه لكي تنهار الحالة الموجّية للكون لتصبح الواقع الذي نشاهده، إذ إنه من دون هذا المراقب الخارجي سيتبخر هذا الكون إلى مجرد حالة احتمال”
(عالم الفيزياء والفلكي البريطاني العالمي ستيفن هوكنز)

كانت الفترة ما بين إصدار اسحق نيوتن لكتابه حول “الأسس الرياضية للفلسفة الطبيعية” سنة 1687 ونهاية القرن التاسع عشر العصر الذهبي للعلوم ولتطبيقاتها في كافة أوجه الحياة اليومية للإنسان، ولهذا السبب ربما فإن هذه الفترة المهمة من تاريخ الحضارة الإنسانية كانت العصر الذهبي للنظريات المادية التي أشاحت عن المسلمات الدينية وأهملت الفلسفة والميتافيزيقيا لتحتفل بالإنجازات المتوالية للعقل البشري. شعر الإنسان أكثر من أي وقت مضى بثقة كبيرة بالعقل الإنساني وأدى التقدم العلمي والمادي إلى تعزيز الفكرة القائلة بأن الإنسان هو الذي يصنع زمنه وظروف عيشه، وبينما أدى نمط الحياة الزراعية المعتمد بشدة على الظروف الطبيعية وصعوبة التنبؤ بها إلى الحفاظ على تقاليد الإيمان والعبادات برعاية مباشرة من الكنيسة والبنى السياسية لإقطاعية، فإن انحسار العمل في الزراعة والتركز المتزايد في المدن أدى على العكس إلى نشوء أجيال شديدة الالتصاق بظروف التمدن والصناعة وأكثر ميلاً الى تبني النظرة الواثقة للفلسفة المادية والتي باتت تعتبر الإنسان هو سيد نفسه وترى (كما رأى لوثر في ألمانيا الكاثوليكية) في الدين بصيغته الرعوية الخانعة عقبة أمام التقدم الاقتصادي والعلمي والاجتماعي.
هذا التقدم الاقتصادي والعلمي وهذا التنوير الثقافي الذي أعلى كثيراً من قدر الإنسان وطاقته العظيمة جاء بدوره على أثر ثورة علمية خطيرة تمثلت خصوصاً في انهيار بعض أهم المعتقدات البالية للكنيسة والتي رفضت القبول بالعديد من المكتشفات أو الحقائق العلمية مثل القول بكروية الأرض أو موقع الشمس في مركز المجموعة الشمسية وغير ذلك من نتائج العبقرية العلمية الإنسانية، وكاد العالم الفلكي الشهير غاليليو يخسر حياته على محرقة كنسية لولا أن قبل على مضض التراجع عن النتائج العلمية التي توصل إليها، لكن العقل البشري كان، بفعل التطور العلمي والاقتصادي قد شبّ على الطوق وبات مستعداً أكثر فأكثر، عبر مفكري وفلاسفة عصر الأنوار، لتحدي الأفكار الجامدة للمؤسسة الكنسية، وأدى الاستقطاب بين العلم من جهة وبين الجمود الديني إلى تصوير الفكر الديني باعتباره مناقضاً للعلم وعامل تأخير للنهضة العلمية وحركة التطور بصورة عامة، كما ساهم في صرف فئات من الرأي العام عن الدين دافعاً بها إلى أحضان الأفكار المادية التي لم تكن الماركسية في أواسط القرن التاسع عشر سوى ذروتها الطبيعية.

نيوتن والنظرية المادية للكون
وقبل الثورة الصناعية وظهور المدنية الغربية بقرنين تقريباً كان العالم شهد حدثاً علمياً كبيراً هو قيام الفيزيائي والعالم البريطاني اسحق نيوتن في تموز/يوليو من العام 1687 بوضع المبادئ الأساسية لعلم الميكانيكا الحديث ولقوانين الحركة والجاذبية الكونية، وأبرز ما جاء به نيوتن هو إثباته أن الأشياء على الأرض كما الأجرام والكواكب تحكمها نفس مبادئ الحركة والجاذبية بدقّة ومنذ الأزل البعيد، وأدى هذا الكشف إلى تعزيز الفكرة القائلة بأن الكون “نظام قائم بذاته” ثم وبالاستناد إلى مبادئ نيوتن طور العالم الفرنسي دي لابلاس نظريته عن “الحتمية العلمية” والتي تقول “إننا لو عرفنا مواقع وسرعات كل جسيمات الكون في أحد الأوقات فإن قوانين الفيزياء ستتيح لنا أن نتنبَّأ بما ستكون عليه حالة الكون في أي وقت آخر في الماضي والمستقبل”، فكل شيء قد تحدد مسبقاً في الزمن، والكون عبارة عن آلة ميكانيكية ضخمة تسير وفق قوانين حتمية وسببية.
بذلك، تحولت قوانين نيوتن مع الوقت إلى المرتكز الأهم للنظريات المادية التي تقول بأزلية الكون وقدمه وأنه مسيّر بقوانين طبيعية دقيقة وقديمة وإنه بالتالي لا حاجة لهذا العالم إلى قوة من خارجه تنظم حركته أو تحكم عالم الأشياء والأفلاك.
لا بدّ من التوضيح مع ذلك أن نيوتن على الرغم من أن وضعه لقوانين الحركة والجاذبية الكونية كان بريئاً من النظريات المادية التي وضعت بالاستناد إلى قوانينه، بل إنه حذر من استخدام تلك القوانين بهدف تصوير الكون كآلة، فقال: “إن الجاذبية تفسِّر حركة الكواكب، ولكنها لا تفسر من الذي يجعلها تتحرك. فالله يحكم كل شيء ويعرف كل شيء كان وما يمكن أن يكون.”

اكتشاف الإلكترون يفتح أبواب المجهول
لم يؤدّ اكتشاف الذرة كجزيء متناه في الصغر إلى إضعاف النظرة المادية بل على العكس كرّسها لأن الماديين استعاروا فوراً من ديموقريطس تعريفه للذرة كأصغر جزيء للمادة باعتبارها اللبنة التي يتكون منها الكون، وقد اعتبر ديموقريطس أن كل شيء في العالم مكون من ذرّات ومن فراغ، وقد يظهر الشيء بلون معين أو بطعم معين لكن كل الاختلافات تعود إلى اختلاف في تراكب الذرّات.
لكن في العام 1897 حقق العالم البريطاني جوزيف جون طومسون كشفاً علمياً ثورياً باكتشافه للإلكترون، وبهذا الاكتشاف تأكّد أن الذرة ليست أصغر جزيء يتكون منه العالم الظاهر إذ إن محيط الإلكترون يقدر بنحو واحد من مليار مليار من الذرة (مليار مليار يجب أن يكتب على الشكل التالي:
1/1,000,000,000,000,000,000
أي واحد يتبعه 18 صفراً، مما يظهر الحجم اللانهائي في الصغر للإلكترون عند مقارنته بالذرة. وحرك اكتشاف الإلكترون طموحات فيزيائيي مطلع القرن العشرين لاستكشاف هذا العالم الجديد ومحاولة اختراق حجب المادة الكونية، لكن حتى في ذلك الحين، ورغم اكتشاف الإلكترون باعتباره جزيئاً للشعاع الكاثودي في اختبار العالم طومسون، فقد بقي الافتراض السائد في أوساط علم الفيزياء هو أن ما ينطبق على عالم الأجرام من مبادئ وقوانين نيوتن لا بدّ وأن ينطبق على عالم الجزيئات المتناهية الصغر الذي أصبح من الممكن استكشافه مع التطور الكبير في تقنيات المراقبة والاختبار والقياس.

عجائب العالم الخفي للجزيئات
بهذا الاعتقاد، بدأ هؤلاء العلماء إجراء أبحاثهم على عالم الجزيئات، لكنهم ما إن خطوا خطواتهم الأولى في هذا العالم حتى أصابهم الذهول مما شاهدوا وبدأوا يعتبرونه من الأسرار والأعاجيب.
اكتشفوا أنهم دخلوا عالماً لا يخضع إطلاقاً لقانون الحتمية أو السببية

 

مكتشف-الإلكترون-العالم-البريطاني-ج.ج.-طومسون-في-مختبره-في-جامعة-كامبردج
مكتشف-الإلكترون-العالم-البريطاني-ج.ج.-طومسون-في-مختبره-في-جامعة-كامبردج
نيلز--بوهر-قدم-مساهمة-مهمة-في-تطوير-فيزياء-الكوانتوم
نيلز–بوهر-قدم-مساهمة-مهمة-في-تطوير-فيزياء-الكوانتوم

 

“إن العِلم لا يمكنه أن يفكّ اللغز الكبير للطبيعة، لأننا وفي التحليل الأخير جزء من اللغز الذي نحاول أن نفكّ طلاسمه”

(ماكس بلانك مكتشف الكوانتوم)

وأن الانتظام البديع الذي أثبت نيوتن وجوده في سلوك الأجرام والأجسام الكبيرة غير موجود في عالم الجزيئات الغامض، وعند كل تقدم في البحث كان العلماء يفاجأون وتزيد حيرتهم، إذ يجدون أنفسهم في عالم لا يمكن التنبؤ بسلوكه، فهو عالم من موجات طاقة يمكن أن تنقلب إلى جزيئات أو جزيئات يمكن أن تنقلب إلى موجات طاقة، وهو عالم لا يمكن فيه تحديد موقع الجزيء أو سرعته في آن معاً وإنما وضع احتمالات فقط لمكان وجوده، وهو عالم يمكن للجزيء أن يكون موجوداً في أكثر من مكان في وقت واحد، كما إنه عالم ينتقل من الاحتمالية إلى الوجود الحقيقي بمجرد رصده من الإنسان، فالموجة تبقى موجة احتمالية حتى يبدأ العالِم رصدها وعندها فإنها تصبح جزيئاً يمكن التعرّف عليه، لكن ما إن يتوقف الرصد حتى يرجع الجزيء إلى حالته السابقة كموجة، كما لو أن قوة خفية هي قوة الوعي المطلق تلاعب العلماء وتخاطبهم أن ارجعوا عن أفكاركم المادية وثقتكم المطلقة بعلمكم وتقنياتكم لأن هذا الكون له أسراره وقد جاء في القرآن الكريم في هذا الموضوع قوله – جلّ من قائل:
}وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا{
(الإسراء:85)
وقد أدرك العلماء أنهم بتطفلهم على عالم الجزيئات المتناهية الصغر إنما دخلوا في ملكوت الخلق المبهر للخالق المطلق القدرة، مثلما حدث عندما اكتشفوا تمدد الكون وبالتالي كونه غير قديم بل محدثٌ ومخلوق.
وكان استكشاف العلماء لعالم الأجزاء المتناهية الصغر هو الطريق الذي سيقودهم إلى التأكّد علمياً من أن الوجود المادي ليس بالصلابة التي يظنّونها، وأن كل حركة في الكون وكل جزء وكل موجود إنما هو وجود لطيف في حقيقته وأنه يسير ويظهر كوجود صلب أو ظاهر بطاقة كامنة وواعية تظهره من عالم الاحتمال إلى عالم الوجود وإنه لا يمكن من دون هذا الوعي (أو “الراصد” كما أسماه علماء فيزياء الكوانتوم) لأي شيء أن ينتقل من عالم الاحتمال إلى الوجود العياني، أي أنه من دون عامل الوعي الذي يمكن اعتباره العقل الأرفع فإن الوجود سيتلاشى في لحظة ليعود إلى عالم الاحتمال. وقد أكّد ستيفن هوكنز أكبر فيزيائيي وفلكيي العصر الحاضر هذه الحقيقة عندما قال: “لا بدّ أن يكون هناك كائن خارج الكون يراقبه لكي تنهار الدالة الموجية للكون لتصبح الواقع الذي نشاهده، فبدون هذا المراقب الخارجي سيتبخر هذا الكون إلى مجرد دالة احتمال”.
المدهش أن الله تعالى خالق هذا الكون أنبأنا بهذه الحقيقة العلمية بوصف بات في إمكاننا أن نعي مغزاه الحقيقي اليوم عندما يقول – جل من قائل:
}إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ{
(فاطر:41)
ومن هذه الزاوية، فإن فيزياء الكوانتوم واكتشافاتها المدهشة جعلت عدداً من العلماء الصادقين يشعرون بالتواضع ومدى عجز الحواس والفكر البشري عن إدراك حقيقة الوجود وقد توصل أكثرهم وإن بطريقة غير مباشرة الى الاعتراف بوجود قدرة مطلقة تحرك الكون كما عثر بعض العلماء الذين كانوا من المؤمنين بوجود الخالق أدلة قاطعة تعطي للإيمان ولأول مرة براهين علمية لا يمكن الجدال فيها.

محاضرة-عن-فيزياء-الكوانتوم-في-إحدى-الجامعات-الأميركية
محاضرة-عن-فيزياء-الكوانتوم-في-إحدى-الجامعات-الأميركية

صَدَق الحكماء وأهل العرفان
بذلك، فإن فيزياء الكوانتوم في نظر الكثيرين أثبتت أن الحكماء والأنبياء عرفوا منذ ألوف السنين، وبالعلم اللدني والكشف العرفاني، الحقائق التي توصل إليها العلم الحديث بأسلوب الاختبار والبحث العلمي، وهؤلاء الحكماء الذين سبقونا بألوف السنين كانوا ومن دون حاجة لعلم الرياضيات أو تقنيات البصريات والفيزياء الحديثة، على اطلاع تامّ على العالم اللطيف الذي لا يختبر بالحواس وهم قاموا بوصف ذلك العالم وتحدثوا عنه.. لقد دار العلم دورة كاملة ليصل في نهاية المطاف إلى ما اختبره أهل الأسرار من حكماء العرفان، وتم بذلك وبفضل فيزياء الكوانتوم حل التناقص بين الاختبار العرفاني أو الروحي المباشر وبين العلم ، وبين الحدسي أو العرفاني وبين العقلاني.
لكن فيزياء الكوانتوم تسببت بصدمة كبيرة للفلسفة المادية التي وبالاستناد إلى فيزياء نيوتن ودي لابلاس أنشأت نظرة متكاملة عن عالم قديم غير مخلوق ويتحرك وفق حتمية مادية وقوانين ظهرت منذ الأزل، وقد تهاوت هذه المسلمات مثل بناء من ورق أمام الاكتشافات القاطعة علمياً لعالم فيزياء الكوانتوم (أو ميكانيكا الكوانتوم حسب تسمية أخرى) وكلما كان هؤلاء العلماء يتقدمون أكثر في استكشاف أغوار الجزيئات كلما كانوا يرون أمامهم عالماً لا يخضع للسببية أو للحتمية العلمية التي اعتادوا على التعامل معها في الفيزياء التقليدية. لقد اكتشفوا أن الجزيئات تتصرف بـنوع من “الحرية” وأنها لا تخضع لقانون السببية بقدر ما تعمل وفق مبدأ الاحتمالية، كما اكتشفوا – وهذا هو الذي أذهلهم- أن الجزيء يتصرف بأسلوب عندما لا يكون مراقباً لكنه يتصرف بأسلوب آخر إذا تمت مراقبته، وبدا لهؤلاء العلماء أن هذا العالم الذي يبدو صلباً وكثيفاً للحواس هو في حقيقته مؤلف من موجات طاقة لا كتلة مادية لها لكنها يمكن أن تتحول إلى جزيئات يمكن قياسها تحت ظروف معينة. وباختصار فلا شيء في عالم الجزئيات مقرّراً سلفاً مما يعني أن الحتمية العلمية التي استخلصها العلماء الماديون من قوانين نيوتن هي في عالم الجزيئات مجرد وهم، وأن عناصر الكون تتصرف وفق حكمة لا أحد يمكنه التنبّؤ بها، وهي حكمة خارجة عن أي نظام ميكانيكي مفترض يمكن قياسه أو توقع مساره المستقبلي. هنا بالتحديد طرح السؤال ما هي القوة التي تمسك بفعالية تامة وبصورة محكمة بالكون وبحركة الجزئيات والموجات وتنظّمها بصورة تعطي للأشياء والأجسام التي تبدو لنا صلبة هيئاتها وخصائصها ووظائفها؟ وهذه القدرة الذكية التي ظهرت في حركة الجزيئات وسلوكها ولاسيما صعوبة التنبؤ بما تقوم به أو بمكانها أو سرعتها أو غير ذلك من الخصائص، لا يمكن أن تكون قوة عشوائية أو عامل صدفة بل لا بدّ أن تكون قوة كلية القدرة تتخلل كل شيء وتتحكم بحركة كل شيء بدءاً باللبنات الأساسية للوجود وحتى أعظم الأجرام والأفلاك.

فيزياء الكوانتوم تجد الله
بذلك، وكما كانت قوانين نيوتن منطلقاً لازدهار التفكير اللاديني في الغرب، فإن مكتشفات علم فيزياء الكوانتوم فتحت عيون العلماء على حقيقة الغيب وأسرار الوجود وأطلقت تيارات فكرية بين العلماء أنفسهم تعتبر أن فيزياء الكوانتوم حققت التصالح بين العلم وبين الفلسفات الروحية حتى السحيقة القدم منها، ومن أجل إعطاء صورة عن حجم الصدمة التي وجهتها نظرية فيزياء الكوانتوم للنظريات المادية، يكفي استعراض القناعات التي عبّر عنها عدد من رواد ذلك العلم والذين ساهموا بصورة أساسية في تطوير فرضياته ومبادئه وقوانينه.
العالم الألماني ماكس بلانك الذي يعتبره البعض مكتشف عالم الكوانتوم في فجر القرن العشرين وبالتحديد في العام 1900 انتهى من تجاربه إلى هذا القول العميق : “إن العِلم لا يمكنه أن يفك اللغز الكبير للطبيعة، لأننا وفي التحليل الأخير جزء من اللغز الذي نحاول أن نفك طلاسمه”. ويقول بلانك أيضاً بما يدحض تماماً نظرية الحتمية العلمية “ليس من حقنا أبداً أن نفترض في عالم الفيزياء أي وجود لقانون محدد، أو أن وجود مثل هذا القانون في وقت معين يعني أنه سيستمر قائماً على نفس المنوال في المستقبل”.
فرنر شرودنغر العالم النمساوي الذي يعود له الفضل في تطوير نظرية المادة كموجات طاقة، انتهى في سنواته الأخيرة من نشر كتاب سماه “ما هي الحياة؟” وفيه توصل إلى استنتاج يتوافق مع التعليم التوحيدي الفيدانتي الذي يعتبر الروح الفردية جزءاً من “روح أوحد” هو في حقيقته أساس الحياة كلها.
أما نيلز بوهر الذي يعتبر من أبرز الذين ساهموا في تطوير فيزياء الكوانتوم فإنه تأثر بأفكار المفكر المسيحي الصوفي كيركغارد واختار لنفسه شعاراً مميزاً يمثل التفكير الفلسفي الصيني القديم للينغ واليانغ مع صورة فيل (مستوحاة من الإرث الهندوسي) وشعاراً يقول “المتضادات متكاملة في ما بينها”.
ماكس بورن العالم الألماني الذي ساهم في تطوير نظرية “عدم اليقين” في فيزياء الكوانتوم خاطب مستمعيه في حفل منحه جائزة نوبل في العام 1952 بهذه الكلمات:
“إنني أؤمن بأن أفكاراً مثل اليقين المطلق أو الصحة المطلقة أو الحقيقة النهائية الخ.. هي محض خيالات يجب عدم السماح بها في حقل العلوم، من ناحية أخرى فإن أي استنتاج حول احتمال معين يحتمل أن يكون صواباً أو خطأ من منظور النظرية التي يستند إليها. وهذا “التساهل” أو “الرخاوة الفكرية” هي في نظري أكبر نعمة منحتها العلوم الحديثة لنا، لأن الإيمان في حقل العلم بحقيقة وحيدة مطلقة وبامتلاك جهة واحدة لها، هو أصل كل الشرور في عالم اليوم”..
ويقول الفيزيائي الأمريكي فريد آلان وولف: “إن الوعي هو العنصر الخلاق في هذا العالم لكن ما هو هذا الوعي؟…إنه ذلك العنصر الذي يقع خارج العالم المادي والذي يقلص موجة الاحتمال مستخرجاً النتيجة المرصودة”.
ويقول الفيزيائي الأمريكي يوجين فيجنر: “عندما تم توسيع نطاق النظرية الفيزيائية لتشمل الظواهر الذرية من خلال استحداث ميكانيكا الكوانتوم عاد مفهوم الوعي إلى المقدمة، إذ لم يعد ممكناً صياغة قوانين ميكانيكا الكوانتوم بشكل متسق كلياً دون الرجوع إلى الوعي”.

لكن بينما أمكن تدريس قوانين نيوتن في المعاهد والجامعات وكذلك النظرية النسبية لأينشتاين فإن نظرية فيزياء الكوانتوم لن تكون في متناول الأفراد العاديين لأنها ليست نظرية بالمعنى المتعارف عليه في النظريات العلمية، بل هي “إطار” لمجموعة من النظريات والمكتشفات التي توالت وتكاملت في ما بينها بحيث كانت كل نظرية تبني على ما سبقها وتضيف إليها اكتشافات جديدة، وبهذا المعنى فإن فيزياء الكوانتوم لم تكن ثمرة عبقرية شخص واحد (كما كانت نظرية النسبية)، بل ساهم فيها العديد من العلماء خلال مدة ربع قرن على الأقل، وقد اجتمع على تطوير نظرية فيزياء الكوانتوم أعظم العقول الرياضية والفيزيائية في تاريخ البشرية وعمل هؤلاء خصوصاً منذ مطلع القرن العشرين على تطوير النظرية وعقدوا المؤتمرات العلمية لاستعراض نتائج عمل كل منهم إلى أن تمّ في مدينة كوبنهاغن العام 1925 ثم في مدينة سلوفاي في بلجيكا في العام 1927 التوصل إلى تفاهم عريض بين العشرات من علماء ذلك العصر على تعريف أهم مبادئ فيزياء الكوانتوم وقوانينها.
وبهذا المعنى، فإن علم فيزياء الكوانتوم الذي بدأ مع ماكس بلانك في العام 1900 لم تكمل ما سبقها أو تبني عليه بالطريقة التي تطور فيها تاريخ العلوم بل جاءت بفرضيات جديدة تنسف كل ما قبلها وتنسف بصورة خاصة أهم قواعد الفيزياء الكونية كما وضعها نيوتن والذين جاءوا بعده، ولهذا السبب فقد شكلت اكتشافات فيزياء الكوانتوم صدمة هائلة للعقل وحتى للتفكير العلمي، حتى إن عالماً فذاً مثل أينشتاين وجد في البدء صعوبة في القبول ببعض كشوفاتها التي بدت منافية للمنطق أو قانون السببية، وإن كان قد

التصرف الغريب لجزيئين متشابكين يظهر أنهما يتواصلان عن بعد وأن الكون كلٌّ مترابط وأن الرابط الخفي بين مختلف أجزائه هو نوع من الوعي الكوني الصــرف

أذعن لاحقاً بعد أن تم إثبات تلك النتائج التي قد لا يقبلها العقل بصورة علمية لا تقبل أي شك.
أدت ولادة فيزياء الكوانتوم إلى صدمة كبيرة للنموذج القديم للفيزياء الكلاسيكية وهي أجبرت العلماء على إجراء إعادة نظر جذرية بكل ما كانوا قد تعلموه عن الواقع من الألف إلى الياء، حتى أكبر علماء البشرية اعترفوا بأنهم لم يفهموا فيزياء الكوانتوم، ليس فقط لأن كل ما فيها لا يطابق البداهة الفكرية بل لأنها تخالف بعض أهم مرتكزات “المنطق الإنساني”. لقد أظهرت فيزياء الكوانتوم أن ما ينطبق على عالم الأشياء المنظورة أو الكبيرة لا ينطبق على عالم ما دون الذرة الذي تحكمه في الواقع قوانين مختلفة تماماً وهي قوانين تبدل فهمنا للعلاقة بين السبب والنتيجة ما هو هنا وما هو هناك مفهوم الحاضر والمستقبل. إن فيزياء الكوانتوم تدعونا لأن ندرك ليس فقط بأن حقيقة الأشياء تختلف عمّا تظهره للحواس بل إنها قد تكون أي شيء ومما لا يخطر على بال.
نأتي الآن إلى شرح فيزياء الكوانتوم محاولين جعل هذا الموضوع المعقد في متناول الناس قدر الإمكان، وسنبدأ بتعريف أساسي هو أن فيزياء نيوتن التي تلقيناها في المعاهد تهتم بالقوانين التي تحكم الأشياء الكبيرة الظاهرة للحواس مثل المجرات والأجسام والميكانيكا.. أما فيزياء الكوانتوم فإنها تهتمّ بدرس عالم الأشياء المتناهية الصغر مثل الإلكترونات والفوتونات، وعلى سبيل التبسيط وكمدخل للموضوع فإننا نعرض هنا لأهم المبادئ التي تحكم كلاً من هاتين المدرستين وتفرق بالتالي جذرياً بينهما:

أولاً: المبادئ الأساسية للفيزياء الكلاسيكية
1. العالم كله مصنوع من المادة
2. العالم يسير وفق قوانين لها طابع الحتمية
3. العالم مجموع لا نهاية له من أشياء منفصلة عن بعضها ولا يربط بينها سوى قوانين الجذب والحركة
4. العالم موجود ومستمر من تلقاء ذاته وباستقلال تام عن الوعي البشري

ثانيا: المكتشفات الأساسية لفيزياء الكوانتوم
1. العالم ليس مكوّناً من مادة صلبة بل هو عبارة عن طاقة وموجات من الوجود الاحتمالي
2. العالم ليس عبارة عن ساعة كونية دقيقة بل وجوداً تحكمه العفوية ودرجة كبيرة من الحرية في حركة عناصر هذا الوجود.
3. العالم ليس مكوناً من أشياء مستقلة تتفاعل في ما بينها في إطار الزمان والمكان بل من مكونات متشابكة من كلٍّ لا يتجزأ ويجمعها وعي واحد.
4. العالم لا يوجد بذاته كماهية مستقلة عن المراقب بل يبدل شكله وفقاً للطريقة التي يراقب بها من الوعي البشري، فالوعي إذاً ليس مجرد شاهد بل عامل فعل في الوجود.

العالم كله موجات طاقة
كان ماكس بلانك أول من لاحظ الخاصية المزدوجة للموجة- المادة وذلك عندما وجد في اختبار أجراه في العام 1900 أن توزيع الألوان المنبعثة من لهيب مضيء مثل المصباح الكهربائي يتبع نظاماً معيناً يشير إلى أن الضوء لا يأتي كموجة متواصلة كما يقول نيوتن وإنما في “كميات” Packs وبالتالي فإن الضوء يمكن أن “يتخذ صفة كمية” أي يصبح Quantized، ومن أجل إعطاء تعريف للوحدة من تلك “الدفعات” المتوالية من “كم” الضوء أطلق بلانك عليها اسم Quanta واشتّقَّ اسم فيزياء (أو ميكانيكا) الكوانتوم في ما بعد من تلك التسمية.
من دون أن يدري كان بلانك يكشف النقاب عن أحد أغرب الحقائق في تكوين الوجود والتي ستأخذ محاولة فهمها عقوداً من الزمن وهي مسألة الطبيعة المزودة للوجود كمادة وكطاقة في الوقت نفسه مع إمكان تحول المادة إلى طاقة والطاقة إلى مادة، وبما أن مادة الكون ليست في النهاية بالصلابة التي نظن وإنما هي موجة أو طاقة في الوقت نفسه فإن الاستنتاج الذي بني على هذا الكشف هو أن الوجود الظاهر بكامله ليس المادة التي نراها بحواسنا فلا الجبال جبالاً ولا البحار بحاراً بل الكلّ هو محيط لا نهاية له من تلك اللبنة الصغرى للكون وهي مجرد طاقة أو نور، لكنها طاقة لطيفة يمكن أن “تتكثف” وطاقة كثيفة يمكن أن “تتلطف” وقد فضل بعض العلماء القول إن اللبنة الأساسية للوجود لا هي طاقة ولا هي مادة بل هي شيء فريد يسمونه الكوانتوم Quantum للدلالة على تكوينه الهيولاني الذي تصعب الإحاطة به وبحقيقته.

إنهيار الحتمية المادية
لكن هدم الفرضية المادية لحقيقة العالم لم يكن سوى أولى وأهم النتائج التي توصلت إليها فيزياء الكوانتوم، ذلك أن اعتبار الوجود المادي مجرد محيط لا نهائي من الموجات الاحتمالية هدم أيضاً الحتمية المادية للفيزياء النيوتنية، فهذا التكوين المعقد الذي يمثل

أرفنغ-شرودنغر-قدم-العديد-من-أسس-ميكانيكا-الكوانتوم-وكتب-في-علم-الأكوان-والألكتروديناميكس-والألوان-واهتم-كثيرا-بالفلسفات-
أرفنغ-شرودنغر-قدم-العديد-من-أسس-ميكانيكا-الكوانتوم-وكتب-في-علم-الأكوان-والألكتروديناميكس-والألوان-واهتم-كثيرا-بالفلسفات-

بنية الوجود الظاهر لا يمكن التنبؤ بأي من سماته بيقينية علمية، وبدل النظر إلى المادة كبنية أو كنظام تحكمه قوانين دقيقة اكتشفت فيزياء الكوانتوم أن الآلة الكونية تتصرف، عند مستوى الجزيئات المتناهية الصغر بقدر كبير من العفوية وضمن حيز من الحرية يجعل من المستحيل التعامل معها وفق المعايير اليقينية للفيزياء النيوتنية التي بدت قابلة للتطبيق على الأنظمة الكونية الكبيرة.مبدأ عدم اليقين بحسب هذه الخاصية في طبيعة الجزيئات والتي اكتشفها هايزنبرغ في العام 1926 فإن هناك عدم يقين أساسي في جميع الكميات المتناهية الصغر التي نرغب في قياسها، فنحن لا يمكننا أن نحدد بدقة موقع جزيئات الكوانتوم بسبب طبيعتها الموجية الضبابية وغير المستقرة على حال، وحسب مبدأ عدم اليقين فإن من المستحيل على المراقب أن يكون متأكداً من مكان الجزيء particle ومن سرعة حركته في آن واحد، وبهذا المعنى كلما تمكّنا من إزالة عدم اليقين بالنسبة الى مكان الجزيء فإننا نزيد إلى الحد الأقصى درجة عدم اليقين بالنسبة الى سرعته والعكس بالعكس، وعندها فإن الدارس يمكنه فقط أن يحدد نسب احتمال معينة لكافة الأمكنة التي يمكن أن يوجد فيها الجزيء وللسرعة التي سيكون عليها، وقد تمكن العالم الألماني شرودنغر من وضع حل لهذه المسألة عبر ما سمّي بمعادلة الموجة Wave function.
هذه الخاصية في الجزيئات أمر محيّر فعلاً لأنه يناقض ما اعتدنا عليه في عالم الأشياء التي نتعامل معها، فنحن نعلم أن كل شيء يجب أن يكون في مكان معين يمكن أن نعلمه وأن يكون له وزن أو قيمة معينة يمكن قياسها ووضعية حركة معينة يمكن التثبت منها ووقت معين للحدوث. أما في مراقبة الجزيئات فإن هذه الأمور غير متوافرة بسبب مبدأ عدم اليقين، وقد توصل العالم الألماني ديفيد هيلبرت في العام 1904 إلى وضع معادلات رياضية احتمالية معقدة للتعامل مع هذه الخاصية في فيزياء الكوانتوم.

ظاهرة التشابك Entanglement
أحد أغرب مبادئ فيزياء الكوانتوم هو المسمى مبدأ “التشابك” وبموجبه فإنه عندما يقترب جزيئان من بعضهما فإنهما يتشابكان، بمعنى أن خصائصهما تصبح مترابطة، وعندها فإنهما سيبقيان على ترابطهما حتى ولو أرسلنا كلاً منهما في اتجاه مختلف أو لو باعدنا بينهما بمسافات ضوئية!..بذلك وعند قياس زوج من الجزيئات تم تشابكهما فإن كل خاصية تظهر في أحدهما يظهر عكسها في الجزيء الآخر، وهذه الخاصية جعلت العلماء يعتقدون أن الجزيئين الذين قد تفصل بينهما مسافات خيالية لديهما وسيلة للتواصل عن بعد عبر الفضاء ويظهر من سلوكهما أنهما يعلمان كونهما يخضعان لعملية قياس، والأغرب أن كلاً منهما يقوم بتعديل موقفه بناء على “معرفته” بما يحصل للجزيء “التوأم” على الطرف الآخر وإن كان بعيداً جداً.
إن أي نقل معلومات مفترض من جزيء إلى آخر مترابط لا يفترض أن يتم بسرعة تفوق سرعة الضوء، فكيف يحدث أن يتمكن الجزيئان المتشابكان من التواصل الفوري رغم أن ما قد يفصل بينهما قد يكون مسافات فلكية؟ ألا يدلّ ذلك على أن هذا الترابط أو التناغم الفوري بين الجزيئين يدلّ على أن الوجود كله وبكل أجزائه متصل اتصالاً تاماً وأن هناك وعياً واحداً يدير جميع ذرّات وجزئيات الكون كما لو كانت كلاً واحداً؟
تعني ظاهرة “التشابك” أيضاً أننا بمحاولة قياس أحد الجزيئين المتشابكين إنما نُبدِّل حالة الآخر كما لو أن المسافة غير موجودة بينهما. ونظراً الى أن موقع الجزيئات لا يبدو قابلاً للتحديد أو التنبؤ به وبالتالي بسبب خضوع ذلك لمبدأ “عدم اليقين” فقد ذهب بعض علماء فيزياء الكوانتوم إلى حدّ القول إن الجزيئات لا تكون موجودة في مكان أو في حالة محددة قبل قياسها. بناء على ذلك، فإننا بمحاولة قياس الجزيء إنما “نجبره” على أن يتخلى عن كافة الأماكن (أو الحالات) التي يحتمل وجوده فيها وأن يختار مكاناً واحداً محدداً أو حالة معينة يمكننا أن نجده عليها. مثلاً قبل مراقبتهما فإن الجزيئين قد يبدوان وهما يدوران

 

الشعار-الرسمي-للعالم-نيلز-بوهر-ويظهر-فيه-كلمة-{المتضادات-متكاملة}-وعلامة-الين-واليانغ-الصينية-ثم-الفيل-المستوحى-من-الفسلفة
الشعار-الرسمي-للعالم-نيلز-بوهر-ويظهر-فيه-كلمة-{المتضادات-متكاملة}-وعلامة-الين-واليانغ-الصينية-ثم-الفيل-المستوحى-من-الفسلفة

معاً في اتجاه عقارب الساعة وفي عكسه في آن واحد وهو ما يسمى بحالة “التراكب” Superimposition لكننا ما إن نبدأ تجربة الرصد فإننا سنجد أن كلاً من الجزيئين سيختار مداراً معيناً فإذا بدأ أحدهما يدور في اتجاه عقارب الساعة فإن الآخر سيبدأ في الدوران في عكس اتجاهها.
هذه المفارقة المدهشة تكاد تقدم البرهان على أن هذا الكون الذي لا تبدو له بداية أو نهاية إنما هو كل مترابط وأن الرابط الخفي بين مختلف أجزائه هو نوع من الوعي الكوني الصرف.

دور المراقب
أحد أهم الاختبارات التي أجريت في نطاق استكشاف ثنائية الموجة-الجزيء هو المعروف باختبار الثقب المزدوج ‘double split experiment’. تم في هذا الاختبار إطلاق دفعات متتابعة من موجات الضوء (الفوتون) من خلال لوح معدني أحدث فيه ثقبان، وقد تبين خلال التجربة أنه وعند إطلاق فوتونات واحداً بعد الآخر فإن الفوتون كان ينقسم على نفسه ويمر من خلال الثقبين في وقت واحد مما يعني أنه كان في وقت واحد يتخذ شكل الموجة وشكل الجزيء.
المفاجأة الأهم في تلك التجربة كان ما اكتشفه العلماء من الدور المهم للمراقب في الاختبار إذ إن وضع جهاز مراقبة للفوتونات عند مرورها في الثقب يجعلها “تقرر” التحول إلى جزيئات وهو ما سمي بانهيار “موجة الاحتمال”.. وحتى ذلك الوقت فإن التجربة بالنسبة الى عالم الفيزياء هي مجرد ملاحظة للواقع وهو لا يفعل إلا متابعة التجربة وتسجيل النتائج وليس لوجوده بالتالي أي تأثير على نتيجتها، أما في فيزياء الكوانتوم فإن مجرد النظر إلى الفوتون أثناء درس سلوكه ليس فقط يبدل الطريقة التي نفهم بها التجربة بل يبدل سلوك الفوتون وبالتالي نتيجة التجربة ذاتها.
الفيزيائي البريطاني برايان غرين حاول أن يشرح مفارقة دور المراقب في كتابه “الحقيقة الخفية” بالقول :”إن التفسير المتفق عليه من قبل نيلز بوهر ورفاقه والذي سمي في ما بعد “تفسير كوبنهاغن” هو أنه في كل مرة يحاول المرء تتبع إحدى الموجات الاحتمالية للمادة من أجل درسها، فإن فعل التتبع في حدّ ذاته يحبط التجربة”، كأن هذه اللبنة الأساسية للوجود تعلم بأن بشراً يحاول كشف سرّها فتقوم بإحباط مسعاه، أو كأنما الوعي الكامن خلف هذا الكون يترك للإنسان أمر الدخول في ظاهر الوجود لكنه يبيّن له في الوقت المناسب أنه سيكون عاجزاً عن كشف حقيقة الوجود ولو باستخدام أحدث التقنيات والمعارف البشرية لان ذلك الجانب هو ما يصفه الله تعالى بـ :” عالم الغيب” كما يصف نفسه وحده بـ “عالِم الغيب” بكسر اللام كما في قوله – جلّ من قائل:
}وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{ (الأنعام: 59)

العالم-الألماني-ماكس-بلانك-مؤسس-علم-فيزياء-الكوانتوم--اكتشف-في-العام-1900-أن-الضوء-لا-يتصرف-كموجة-متواصلة-بل-كدفعات-لها-كم-مع
العالم-الألماني-ماكس-بلانك-مؤسس-علم-فيزياء-الكوانتوم–اكتشف-في-العام-1900-أن-الضوء-لا-يتصرف-كموجة-متواصلة-بل-كدفعات-لها-كم-مع

العالم الظاهر قد يبدو صلبا وخاضعا لقوانين الجذب والحركة حسب فيزياء نيوتن لكنه حسب فيزياء الكوانتوم مجرد موج احتمالات وطاق

صعوبة التنبؤ بالنتيجة
إحدى النتائج الأخرى التي نجمت عن تلك التجربة هي أن العلماء وجدوا أنفسهم عاجزين عن التنبؤ أين يحتمل للفوتونات أن تستقر على الشاشة، وهذا مناقض تماماً لـ “الحتمية” التي تبنتها الفيزياء الكلاسيكية والتي تقول بأننا إذا عرفنا عدداً من المتغيرات في حركة الشيء مثل نقطة انطلاقه وسرعته عند الانطلاق واتجاهه وعوامل أخرى يمكن قياسها فإنه سيكون في إمكاننا أن نتنبأ بدقة بمساره وبالنقطة التي سيصل إليها وفي أي وقت. لقد تبين أن الجزيئات لا تخضع لتلك الحتمية وأنها تتصرف بقدر كبير من الحرية لأن الجزيء لا يتميز بخاصية يمكن تحديدها، فلا هو موجة بالمعنى المحدد ولا هو جزيء بل هو “موجة احتمال” تحتوي في داخلها على إمكان أن تكون في هذا المكان أو في مكان آخر، وبحسب فيزياء الكوانتوم فإن السؤال يكون عادة ليس “أين يوجد الجزيء الآن؟” بل ما هو احتمال أن نعثر عليه في الحقل المكاني الذي نبحث فيه؟ وبهذا المعنى فإن فيزياء الكوانتوم هي علم احتمالات وليس علماً تقريرياً كما هي الحال في الفيزياء الكلاسيكية.

بين نيلز بوهر وأينشتاين
إن تغيير الجزيء لحاله من موجة إلى جزيء عند النظر إليه يسمى “لغز الكوانتوم” وهو لغز لم يجد العلم له تفسيراً حتى الآن وقد استفز ذلك عالماً كبيراً ساهم في تطور الفيزياء الحديثة هو ألبرت أينشتاين الذي اعتبر “اللغز” دليلاً على أن فيزياء الكوانتوم علم غير مكتمل، وهو عبّر عن ذلك بالقول:”إنني أحب أن أفكر بأن القمر موجود حتى عندما لا أكون أراقبه، كما اشتهر بقوله أيضاً “إن الله لا يدير الكون بلعب النرد” وذلك إشارة إلى أن فيزياء الكوانتوم تقوم على علم احتمالات وليس على مسار مقرر سلفاً، وقد ردّ الرائد الأول لفيزياء الكوانتوم نيلز بوهر على أينشتاين بالقول:”صحيح يا ألبرت، لكن لا تقل لله ما الذي ينبغي عليه أن يفعله”..
وبسبب ذلك الإشكال أصدر ألبرت أينشتاين مع عالمين آخرين في العام 1935 ورقة بحثية اعتبر فيها أن ظاهرة التشابك تدل على أن نظرية فيزياء الكوانتوم ليست كاملة ويشوبها النقص، لكن مجموعة متتالية من الأبحاث والاختبارات أكدت مع الوقت أن ظاهرة التشابك صحيحة لأنها تتكرر في كافة الاختبارات، وكان آخر اختبار عملي أثبت الظاهرة بصورة تامة جرى في العام 2015.

الكوانتوم وخاصية اختراق الأشياء الصلبة
إحدى الخصائص الأخرى لسلوك الكوانتوم يدعى “سلوك الأنفاق” quantum tunneling والمقصود هنا هو قدرة الكوانتوم (أي الجزيء المتناهي الصغر) على إحداث “نفق” في حاجز واختراقه، وهي خاصية مناقضة لمبادئ الفيزياء الكلاسيكية. مثال على ذلك، لو تم إطلاق إلكترون باتجاه جدار سميك فإنه قد يتوصل إلى المرور عبر الجدار مع أن المنطق هو أنه لا يتمكن من ذلك، وأحد التفسيرات التي قدمها فيزيائيو الكوانتوم لذلك هو قدرة الإلكترون على “استعارة” طاقة من محيطه الفوري في الجدار مستخدماً تلك الطاقة كجسر يسمح له بعبور الحاجز ثم يقوم الإلكترون بـ “تسديد” الطاقة التي استعارها عند بلوغه الجانب الآخر. ومهما يكن التعليل العلمي لهذه الظاهرة فإنها قائمة وتمّ إثباتها علمياً وهي ظاهرة تناقض تماماً فيزياء نيوتن والأشياء الظاهرة أو الكبيرة وقد لا يكون للعلم حتى الآن تفسير مرض لها.
إن الموجات التي تكوِّن بنية المادة التي يتألف منها الكون ليست موجات عادية ، فمثلاً موجات الماء أو الصوت تتكون من ذبذبات لوسيط ذي حقيقة فيزيائية، لكن موجات الكوانتوم ليست ذبذبات لوجود فيزيائي أو مادي بالمعنى المتعارف عليه، كل ما هنالك أن المادة “ذابت” في موج غير مادي من الوجود الاحتمالي، فالكوانتوم لا يقدّم وصفاً للخصائص الفيزيائية للجزيء لكنه يصف فقط خصائصه الاحتمالية وبالتالي فإن المدار الذي يتخذه الجزيء ليس المدار الحقيقي بل فقط موجاً لاحتمال وجود الجزيء في عدد من الأمكنة، وبدلاً من وصف حركة تلك الجزيئات كما يحصل عند تطبيق قوانين نيوتن فإن قوانين الكوانتوم يمكنها فقط أن تصف موجات الاحتمالات التي يمكن لتلك الجزيئات أن تتبعها، فالجزيء الفعلي غير موجود. فقط إمكان وجوده في هذا المكان أو المدار أو ذاك هو ما يمكن أن نحصل عليه من المراقبة، وبهذا المعنى فإن الجوهر الصلب الذي بني عليه اليقين العلمي للفلسفة المادية تبخر تماماً في موج من معادلات موجية تصف فقط الاحتمالات القائمة لظهور الجزيء.

خلاصة: هل العالم متعدد أم وجود واحد؟
حسب التصور المادي الميكانيكي للكون فإن العالم مكوّن من عدد لا نهائي من الجزيئات المنفصلة عن بعضها والمستقلة لكن المرتبطة فقط بقوانين الحركة والجذب وغيرها من المبادئ التي بلورها اسحق نيوتن والذين جاءوا من بعده، لكن فيزياء الكوانتوم أظهرت من خلال ولوج “العالم التحتي” للجزيئات المتناهية الصغر وبالبرهان العلمي وجود وعي كوني خفي لا يخضع في سلوكه لقوانين سببية أو لحتمية بل يتصرف بحرية خلاقة ويرسل لنا الرسالة تلو الرسالة بأن هذا العالم الذي يبدو للحواس متعدداً ومجزّأً ليس في الحقيقة إلا وجود واحد لكنه وجود مهندس بأسلوب يجعلنا نطمئن على هذا الكوكب الصغير الذي لا يمثل حتى قترة غبار بالنسبة إلى الكون الشاسع، فنشعر بالثقة والأمان لأن أشياء العالم الخارجي التي نعتمد عليها يجب أن تظهر مستقرة وثابتة كما إن تمكين الإنسان في الأرض يتمثل في وجود قوانين دقيقة يمكنه بواسطتها أن يسخِّر الموارد لعيشه وحركته، لكن الوعي الذي يشكل مادة الكون الشاملة خبأ لهذا الإنسان آيات ومفاجآت مُعجِزة عندما أراد الانتقال من درس عالمه المباشر إلى تفحص كنه الوجود عبر درس الجزيئات المتناهية الصغر ، لأن الإنسان اقترب بذلك من ملكوت القدرة وسر الخلق فجاءته العبرة وأدرك أنه يقترب بذلك من الكنز المخفيّ الذي وصف الله تعالى به نفسه عندما قال حسب حديث قدسيّ
“ كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن اعرف فخلقت خلقاً فبيَ عرفوني ”
ولقد اقتربت فيزياء الكوانتوم من حمى الكنز المخفي فجاءها من الآيات المعجزات ما ردّ العلم إلى حدود قدرته الإنسانية وذكّر الإنسان باستحالة الدخول في غياهب الخلق بما يتعدى عتبة الدار. “فالإنسان، كما قال بلانك، لا يمكنه حلّ لغز هو نفسه جزء منه” مثلما أن من المستحيل للكمبيوتر أو أي آلة صنعها الإنسان أن تدرك حقيقتها هي أو سر الإنسان الذي صنعها ..
أخيراً، فإن فيزياء الكوانتوم، عدا عن هدمها للنظرية الساذجة حول مادية الكون وأزليته، أعادت فضيلة التواضع إلى ساحة العلوم وأعطت العلماء أول درس إيضاحي –وبالبراهين- عن حقيقة القوة الواعية التي تحرك الكون، مقدمة البراهين العلمية التي تؤكد ما جاءت به فلسفات التوحيد الفيدانتي أو الفيثاغورسي أو الهرمسي منذ ألوف السنين وهي أن الكون موجود واحد ووعي واحد وأن كل ما نراه من تعدد ما هو إلا أمثلة لتجليات الخلّاق العظيم في بحر القدرة اللانهائي والذي هو المصدر الواحد لجميع الموجودات في هذا الكون.

} مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ{(لقمان:28)
صدق الله العظيم

خلاصة: هل العالم متعدد أم وجود واحد؟
حسب التصور المادي الميكانيكي للكون فإن العالم مكوّن من عدد لا نهائي من الجزيئات المنفصلة عن بعضها والمستقلة لكن المرتبطة فقط بقوانين الحركة والجذب وغيرها من المبادئ التي بلورها اسحق نيوتن والذين جاءوا من بعده، لكن فيزياء الكوانتوم أظهرت من خلال ولوج “العالم التحتي” للجزيئات المتناهية الصغر وبالبرهان العلمي وجود وعي كوني خفي لا يخضع في سلوكه لقوانين سببية أو لحتمية بل يتصرف بحرية خلاقة ويرسل لنا الرسالة تلو الرسالة بأن هذا العالم الذي يبدو للحواس متعدداً ومجزّأً ليس في الحقيقة إلا وجود واحد لكنه وجود مهندس بأسلوب يجعلنا نطمئن على هذا الكوكب الصغير الذي لا يمثل حتى قترة غبار بالنسبة إلى الكون الشاسع، فنشعر بالثقة والأمان لأن أشياء العالم الخارجي التي نعتمد عليها يجب أن تظهر مستقرة وثابتة كما إن تمكين الإنسان في الأرض يتمثل في وجود قوانين دقيقة يمكنه بواسطتها أن يسخِّر الموارد لعيشه وحركته، لكن الوعي الذي يشكل مادة الكون الشاملة خبأ لهذا الإنسان آيات ومفاجآت مُعجِزة عندما أراد الانتقال من درس عالمه المباشر إلى تفحص كنه الوجود عبر درس الجزيئات المتناهية الصغر ، لأن الإنسان اقترب بذلك من ملكوت القدرة وسر الخلق فجاءته العبرة وأدرك أنه يقترب بذلك من الكنز المخفيّ الذي وصف الله تعالى به نفسه عندما قال حسب حديث قدسيّ
“ كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن اعرف فخلقت خلقاً فبيَ عرفوني ”
ولقد اقتربت فيزياء الكوانتوم من حمى الكنز المخفي فجاءها من الآيات المعجزات ما ردّ العلم إلى حدود قدرته الإنسانية وذكّر الإنسان باستحالة الدخول في غياهب الخلق بما يتعدى عتبة الدار. “فالإنسان، كما قال بلانك، لا يمكنه حلّ لغز هو نفسه جزء منه” مثلما أن من المستحيل للكمبيوتر أو أي آلة صنعها الإنسان أن تدرك حقيقتها هي أو سر الإنسان الذي صنعها ..
أخيراً، فإن فيزياء الكوانتوم، عدا عن هدمها للنظرية الساذجة حول مادية الكون وأزليته، أعادت فضيلة التواضع إلى ساحة العلوم وأعطت العلماء أول درس إيضاحي –وبالبراهين- عن حقيقة القوة الواعية التي تحرك الكون، مقدمة البراهين العلمية التي تؤكد ما جاءت به فلسفات التوحيد الفيدانتي أو الفيثاغورسي أو الهرمسي منذ ألوف السنين وهي أن الكون موجود واحد ووعي واحد وأن كل ما نراه من تعدد ما هو إلا أمثلة لتجليات الخلّاق العظيم في بحر القدرة اللانهائي والذي هو المصدر الواحد لجميع الموجودات في هذا الكون.

} مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ{(لقمان:28)
صدق الله العظيم

خلاصة: هل العالم متعدد أم وجود واحد؟
حسب التصور المادي الميكانيكي للكون فإن العالم مكوّن من عدد لا نهائي من الجزيئات المنفصلة عن بعضها والمستقلة لكن المرتبطة فقط بقوانين الحركة والجذب وغيرها من المبادئ التي بلورها اسحق نيوتن والذين جاءوا من بعده، لكن فيزياء الكوانتوم أظهرت من خلال ولوج “العالم التحتي” للجزيئات المتناهية الصغر وبالبرهان العلمي وجود وعي كوني خفي لا يخضع في سلوكه لقوانين سببية أو لحتمية بل يتصرف بحرية خلاقة ويرسل لنا الرسالة تلو الرسالة بأن هذا العالم الذي يبدو للحواس متعدداً ومجزّأً ليس في الحقيقة إلا وجود واحد لكنه وجود مهندس بأسلوب يجعلنا نطمئن على هذا الكوكب الصغير الذي لا يمثل حتى قترة غبار بالنسبة إلى الكون الشاسع، فنشعر بالثقة والأمان لأن أشياء العالم الخارجي التي نعتمد عليها يجب أن تظهر مستقرة وثابتة كما إن تمكين الإنسان في الأرض يتمثل في وجود قوانين دقيقة يمكنه بواسطتها أن يسخِّر الموارد لعيشه وحركته، لكن الوعي الذي يشكل مادة الكون الشاملة خبأ لهذا الإنسان آيات ومفاجآت مُعجِزة عندما أراد الانتقال من درس عالمه المباشر إلى تفحص كنه الوجود عبر درس الجزيئات المتناهية الصغر ، لأن الإنسان اقترب بذلك من ملكوت القدرة وسر الخلق فجاءته العبرة وأدرك أنه يقترب بذلك من الكنز المخفيّ الذي وصف الله تعالى به نفسه عندما قال حسب حديث قدسيّ
“ كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن اعرف فخلقت خلقاً فبيَ عرفوني ”
ولقد اقتربت فيزياء الكوانتوم من حمى الكنز المخفي فجاءها من الآيات المعجزات ما ردّ العلم إلى حدود قدرته الإنسانية وذكّر الإنسان باستحالة الدخول في غياهب الخلق بما يتعدى عتبة الدار. “فالإنسان، كما قال بلانك، لا يمكنه حلّ لغز هو نفسه جزء منه” مثلما أن من المستحيل للكمبيوتر أو أي آلة صنعها الإنسان أن تدرك حقيقتها هي أو سر الإنسان الذي صنعها ..
أخيراً، فإن فيزياء الكوانتوم، عدا عن هدمها للنظرية الساذجة حول مادية الكون وأزليته، أعادت فضيلة التواضع إلى ساحة العلوم وأعطت العلماء أول درس إيضاحي –وبالبراهين- عن حقيقة القوة الواعية التي تحرك الكون، مقدمة البراهين العلمية التي تؤكد ما جاءت به فلسفات التوحيد الفيدانتي أو الفيثاغورسي أو الهرمسي منذ ألوف السنين وهي أن الكون موجود واحد ووعي واحد وأن كل ما نراه من تعدد ما هو إلا أمثلة لتجليات الخلّاق العظيم في بحر القدرة اللانهائي والذي هو المصدر الواحد لجميع الموجودات في هذا الكون.

} مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ{(لقمان:28)
صدق الله العظيم

المؤتمر-الذي-كرس-فيزياء-الكوانتوم---سلوفاي 1927
المؤتمر-الذي-كرس-فيزياء-الكوانتوم—سلوفاي 1927

المؤتمر الذي أطلق فيزياء الكوانتوم

بلغ من أهمية الجهود التي تجمعت من كل أنحاء العالم المتقدم لتطوير أسس فيزياء الكوانتوم أن استقطبت إلى النقاشات العلمية بشأنها أبرز عباقرة العالم في ذلك التاريخ وعلمائه الأفذاذ وكان هؤلاء يعقدون اجتماعات سنوية بهدف استعراض التقدم الحاصل في الأبحاث التي يجريها كل منهم ومقارنة النتائج والإتفاق على المبادئ التي يتمّ التوصل إليها. وعقد أول لقاء بين عدد من هؤلاء العلماء في العام 2011 في معهد سلوفاي الدولي للفيزياء والكيمياء الذي كان قيد التأسيس في بروكسل بلجيكا وتناول الاجتماع موضوع الأشعة والكوانتوم. وعقدت اجتماعات لاحقة قطعتها الحرب العالمية الأولى، إلا أن الاجتماع الخامس الذي كان الأهم تاريخياً عقد في سلوفاي أيضاً في العام 1927 حول موضوع الفوتون والإلكترون. يومها كان علم فيزياء الكوانتوم قد حقق تقدماً كبيراً ونشر الكثير من مبادئه العلمية الثورية. والملفت أن 17 من أصل 29 عالماً حضروا لقاء سلوفاي الخامس كانوا حاملين لجائزة نوبل أو من الذين سيحصلون عليها في وقت لاحق. وقد قرر المجتمعون في تلك السنة أخذ صورة جماعية تذكارية في حديقة المؤسسة في بروكسل وهم خلّفوا لنا بذلك مستندا بالغ الأهمية عن العلماء الذين ساهموا في ولادة وتنمية علم فيزياء الكوانتوم. وهنا أسماؤهم وفق الترتيب الظاهر في الصورة وهو ترتيب يبدأ من اليسار إلى اليمين وابتداء من الصف الأخير ثم الثاني ثم الأول:
الصف الأخير (وقوفاً من اليسار): أوغست بيكار (سويسرا) أميل هنريو (فرنسا) بول أهرنفست (النمسا) إدوار هرزن (بلجيكا) تيوفيل دي دوندي (بلجيكا) أرفين شرودنغر (النمسا) جول أميل فرشافلت (بلجيكا) ولفغانغ بولي (النمسا-سويسرا) فرنر هايزنبرغ (ألمانيا) رالف هاورد فاولر (بريطانيا) ليون بريّوان (فرنسا)
الصف الثاني (وقوفا من اليسار) بيتر دبيبه (هولندة) مارتن كنادسدن (دانمارك) وليم لورنس براغ (بريطانيا) هانس كريمر (هولندا) بول ديراك (بريطانيا) آرثر كومبتون (الولايات المتحدة الأميركية) لويس دي بروغلي (فرنسا) ماكس بورن (ألمانيا) نيلز بوهر (دانمارك)
الصف الأمامي (جلوسا من اليسار): أرفنغ لانغموير (الولايات المتحدة الأميركية) ماكس بلانك (ألمانيا) ماري كوري (فرنسا) هندريك لورنتز (هولندا) ألبرت أينشتاين (ألمانيا) بول لانجفان (فرنسا) شارل أوجين غيي (سويسرا) شارلز تومسون ريز ويلسون (بريطانيا) أوين ويلانز ريتشاردسون (بريطانيا).

الخبيزة صيدلية الحديقة

الخبيــزة صيدليـة الحديقــة
مفيــدة من أزهارهــا إلــى جذورهـا

كانت العشبــة المفضّلــة لفيثاغــوراس
والإمبراطــور شارلمــان زيــن بهــا قصــوره

علاج فعّال للسعال والتهاب اللوزتين والقصبات الهوائية
ودراسات أثبتت نفعها في خفض الدم وحمايتها للقلب

أهل الجبل يصنعون من أوراقها الغضة طبقاً لذيذاً
ويحتفظون بأزهارها وأوراقها في صيدلية الشتاء

قيمتها الغذائية أقرب إلى السبانخ وهي غنية جداً
بالمعادن والفيتامينات والأحماض المضادة للتأكسد

لنبات الخبيزة في بلادنا ولاسيما في الجبل ذكرعلى كل شفة ولسان. وهذه النبتة التي تجمع بين المكانة العالية تظهر أيضاً تواضعاً وبساطة فهي تنبت الى جانب الطرقات وفي الزوايا المهملة للأرض، وقد يعتبرها البعض إزعاجاً أو عشبة تعترض زراعات الخضرة فيقتلعونها وفي هذا هم يرتكبون خطأ كبيراً لأنهم يرمون جانباً نبتة عظيمة الشأن يمكنهم تناولها كطعام شهي، كما يمكنهم التداوي بها وبكل أجزائها مما لا يحصى عدده من الأمراض والأعراض.
أهم ما في نبتة الخبيزة أنها نبتة برية أي أنها تنبت بأمر الله دون أن يحتاج أحدنا الى زرعها أو الاهتمام بها أو ريها وهي لذلك تتمتع بكل خصائص النباتات البرية من حيث كونها عضوية لم تخالطها الأسمدة أو المبيدات كما إنها لهذا السبب تتمتع بخواص مركّزة وفوائد كبيرة إذا تمّ تناولها كطعام أو كعلاج.
أعرف أشخاصاً بحثوا عنها في أرضهم فلم يجدوها فجاءوا في موسم الصيف ببذورها الجافة وهي التي تنبت على رؤوس الفروع في نهاية موسم الإزهار ووزعوا تلك البذور في زوايا الأرض والأماكن التي لن يطالها الحرث أو أعمال التثليم والزرع في الربيع. وبعد سنتين نمت نبتات الخبيزة وأصبحت مستوطنة في كل الأمكنة وفرحوا بها لأنها مصدر غذاء عظيم الشأن محبوبة من كثير من ربات البيوت اللواتي يطبخنها مع البصل والحمص ويصنعن منها طبقاً شهياً ومفيداً.
الجميل في الأمر أن الخبيزة تدبر أمرها بعد ذلك وتتكاثر بنشر بذورها في مجاري الريح فتنتشر وستراها بعد ذلك تنبت في كل الأمكنة، لكن إذا خشيت من توسعها في مناطق الزرع فما عليك إلا أن تقتلع الزائد منها قبل أن تنمو كثيراً لأن للخبيزة جذراً طويلاً وعنيداً يضرب عميقاً في الأرض بحيث يحتاج اقتلاعها إلى جهد أحياناً، لكن انتبه إلى أن لهذا الجذر فوائد صحية كثيرة.
وإذا كان لديك أي شك في أهمية هذه النبتة البرية فاعلم أن فيثاغوراس الحكيم واظب عليها وكان يعتبرها نباتاً مقدساً يهدئ الأعصاب، ويزيل التوتر والشهوة. أما الإمبراطور شارلمان فقد أمر بزرعها في حدائق الإمبراطورية لتزيينها، وكان الرومان يعتبرونها علاجاً لكل الأمراض، وكثير من العرب عرفوا ما فيها من فوائد عظيمة وسعوا إلى جمعها وطبخها بسبب طعمها المتميز.

تصنيفها العلمي
تعتبر الخبيزة من الفصيلة الخبازية، وهي نبات عشبي يجنى (ويزرع أحياناً) بهدف جمع ورقه الغض وتناوله مطبوخاً، وطبق الخبيزة مع الحمص أو بدونه يعتبر من ركائز المطبخ الجبلي، لكن الخبيزة نبات طبي بمعنى أنه يستعمل في مداواة الأدواء والكثير من الأعراض، وبسبب ميزاته العلاجية العديدة فقد اهتم العلم به وتحول إلى موضوع دائم للدرس في البلدان الآسيوية وفي الهند وفي الدول الغربية أيضاً.
يتراوح ارتفاع النبتة ما بين 30 و50 سنتمتراً وقد يصل في مرحلة الإزهار إلى ما يقارب المتر. أوراق الخبيزة مستديرة أو كلوية الشكل، غائرة التفصيص ذات حواف مسننة ولها عنق طويل. أما الأزهار فصغيرة ذات لون بنفسجي إلى زهري وهي تظهرمتجمعة في آباط الأوراق:
تعرف الخبيزة بأسماء أخرى حسب المناطق أو البلدان ومن هذه الأسماء الرقمية والخبيز والخبازة والخبازي والخباز، وقد عرفت الفوائد الصحية للخبيزة من أقدم الأزمان فحرص أجدادنا على جمعها من البراري وطبخها أو غلي أوراقها لمعالجة السعال والالتهابات، أما الأجزاء المستخدمة طبياً من النبتة فهي الجذر والأوراق والأزهار التي لم تتفتح. بسبب فعاليتها الموضعية في معالجة الأورام والتهيجات وكان الكثيرون يستخدمونها لعمل لبخات بعد عجنها توضع على الصدر أو الظهر أو على المكان المصاب.

الخبيرزة-يمكن-أن-تشكل-موردا-اقتصاديا.-هنا-أرض-في-شمال-لبنان-زرعت-بالنبتة-وبدأ-استغلالها
الخبيرزة-يمكن-أن-تشكل-موردا-اقتصاديا.-هنا-أرض-في-شمال-لبنان-زرعت-بالنبتة-وبدأ-استغلالها

موطنها الأصلي
تنمو الخبيزة بكثرة في المروج والغابات وعلى جوانب الطرق، وتنتشر في الوديان والمزارع وحول المنازل وسفوح الجبال، ويقل وجودها في أعالي الجبال، ويعتقد أن موطنها أوروبا والمناطق المتاخمة لها في آسيا مثل بلاد فارس وتركيا وبلاد الشام واليونان وقبرص، وتنبت الخبيزة في البراري لكنها تزرع لأجل أوراقها التي تطهى كالسبانخ أو كالهندباء وتستعمل أوراقها الغضّة طازجة في السلطة في جنوب فرنسا.
تنمو الخبيزة وتصلح زراعتها في مختلف أنواع التربة لكنها تحب التربة الطينية ويبدأ محصولها في كانون الأول وقد يمتد حتى أواخر فصل الربيع لكن مع ارتفاع حرارة الجو وجفاف الارض تبدأ أوراق الخبيزة بالجفاف وقد تتلون بصفرة تدل على أن النبتة لم تعد صالحة للإستهلاك، إلا بالطبع كعلف لدجاجات البيت. وعادة تبدأ النبتة بالإزهار في مطلع الربيع ويتكاثر زهرها مع ارتفاع درجات الحرارة وتتحول الزهرات إلى عبوات بزرية جافة في أول الصيف. لذلك فإن نبتة الخبيزة يناسبها أكثر الجو البارد المعتدل، ويتراوح المجال الحراري الأمثل لازدهار نبتة الخبيزة ما بين 15 و20 درجة مئوية.
الخبيزة من الخضراوات الغنية بالفيتامينات والمعادن ويمكن تشبيه محتواها الغذائي إلى حد كبير بمحتوى السبانخ، فهي غنية جداً بالمعادن مثل الماغنيزيوم والكالسيوم والنحاس والمانغانيز والحديد والصوديوم والزنك كما إنها غنية أيضاً بالفيتامين K الذي بدأت تظهر أهميته وبالفيتامين C وبفيتامينات B المختلفة . وتحتوي النبتة على حوامض أمينية مثل الستياريك أسيد Stearic acid واللينوليك LInolic acid واللينولينيك Linolenic acid والأولييك Oleic acid والبالميتيك Palmitic acid والأراشيديك Arachidic acid وعدد آخر من الأحماض الأمينية المضادة للتأكسد.
ويقول التركماني: إن الخبيزة إذا طبخت بدهن وضمدت بها الأورام الحادثة في المثانة والكلى نفعت، كما إن ورق الخبيزة مع زيت الزيتون ينفع من حرق النار، كما يمضغ الورق لتليين الصدر وإفراز اللبن ودر الحليب لدى المرأة المرضع كما إن النبتة تعالج كسل الكبد وضعف إنتاج المرارة، ويستخدم منقوع الزهر لمعالجة أمراض الكلى والمثانة.
قال داود الأنطاكي عن الخبيزة إنها تلين وتطفئ اللهب والصفراء وتنفع من الحكة والجرب وقروح الأمعاء وخشونة القصبة، وحرقة البول والسدد وأوجاع الطحال، واليرقان.
ويقول بوليس: إن الجذور تمضغ أو تدعك بها اللثة لعلاج تقرحاتها، ومستحلب الأزهار والأفرع المثمرة يستعمل كغرغرة لخواصها المضادة للالتهاب وكمليِّن للجهاز الهضمي مما يخفف آلام القولون.
ويقول قدامة: إن الامبراطور الروماني نيرون كان يشرب منقوعها يومياً، ويفخر بجمال بشرته، والخبيزة مع النشاء تفيد في علاج قروح الشرج، كما إن الغسل بمغلي الأوراق يلطف احتقانات الرحم، لذلك كثير من النساء استخدمن ماءها كغسول.

علاج للأمراض الصدرية
للخبيزة فوائد كثيرة منها أنها تساعد في علاج النزلات المعوية والإصابات الصدرية، والتهاب الحلق واللوزتين وعلاج آلام الأسنان، ويعرف نبات الخبيزة بتطهيره للبلعوم والحنجرة والقصبة وطرد البلغم من الغشاء المخاطي في الرئتين، وتفيد الخبيزة كمدر للبول وكمطهر للمثانة، كما إنها تقلّل من نشاط ديدان الإسكارس لإنها تشل حركتها لكن يحتاج الأمر إلى تناول شربة مسهلة بعدها لاستكمال طرد الدودة من الأمعاء.

الأزهار المجففة
تخزّن أزهار الخبيزة بعد تجفيفها، ويصنع من مسحوقها منقوع حار مسكن لآلام الحلق، ويستعمل كغرغرة للبلعوم وأوراقها مفيدة للجلد، وتستعمل في صنع الكريمات التي تغذي البشرة وتزيل التجاعيد، كما إنها تستعمل في صناعة الصابون والشامبو، وتعالج التوتر النفسي واعتلال المزاج ومهدئة للأعصاب، وتساعد في تخفيف البدانة الناتجة عن كثرة الطعام التي يسببها التوتر النفسي عند بعض المرضى.

الجذور
تعتبر جذور الخبيزة نافعة في بعض الأعراض المزعجة كالتبول المؤلم وآلام المسالك البولية، وتستهلك الجذور كنقيع حيث تغلى مع الماء ثم تشرب، وقد تؤكل طازجة كما إنها تلين البطن وتدر البول وبخاصة القضبان دون الأوراق، لكن يجب الحذر من الخبيزة التي تنبت في أماكن تحتوي على النفايات.

الخبيزة في الدراسات العلمية
أثبتت دراسة طبية حديثة نشرتها مجلة “الطب العشبي” أن أزهار نبات الخبيزة تقلل ضغط الدم الشرياني، لذلك ينصح باستخدامها لمرضى الضغط، وبيّنت البحوث أيضاً أن الخبيزة تحتوي على عناصر علاجية أهمها مضادات الأكسدة التي تضيف فوائد وقائية لجهاز القلب الوعائي، وتحمي عضلة القلب والأوعية الدموية من التلف التأكسدي، وثبت أن عناصر الخبيزة تمنع أكسدة الكوليسترول الشحمي المنخفض الكثافة LDL الذي يسبّب الاصابة بمرض القلب وانسداد الشرايين. والأكسدة هي تأثير كيميائي تسبّبه مجموعات غير مستقرة من ذرات الاوكسيجين “الأساسية الحرة” Free Radicals ما يؤدي إلى تدمير الخلايا.
كما إن سلامة استخدامها وعدم تسببها في تأثيرات جانبية سلبية جعلاها علاجاً ممكناً لحالات ارتفاع الضغط المعتدلة والتي لا تتطلب علاجات مستمرة ومتابعة طبية دائمة.

صحن الخبيزة اللذيذ بالبصل وزيت الزيتون 2
صحن الخبيزة اللذيذ بالبصل وزيت الزيتون 2

أهم الميزات الغذائية للخبيزة

مدرّة للبول
مضادة للتأكسد
مضاد للإلتهابات
نافعة لمعالجة التهاب المجاري البولية
تعطي بشرة ناعمة
مفيدة في معالجة قرحات المعدة والأمعاء والمغص
تساعد في خفض ضغط الدم
تنشط الكبد
تطرد البلغم من الجسم
تساعد في علاج السعال والتهاب الشعب الهوائية

شراب الخبيزة وضغط الدم
أجريت دراسة من قبل مؤسسة أبحاث علمية في مدينة بوسطن الاميركية أظهرت أن شرب شاي الأعشاب الذي يحتوي على نبات الخبيزة يمكن أن يساعد على خفض الضغط الشرياني لدى شاربه، ولاحظ الباحثون أن ضغط الدم الانبساطي Diastolic انخفض بحوالي عشر نقاط على الأقل عند 79% من الأشخاص الذين تناولوا شاي الخبيزة، مقابل 84 % عند من تعاطوا العقاقير الطبية، ما يؤكد أن الشاي المصنوع من خلاصة زهور الخبيزة فعّال في تقليل ضغط الدم الشرياني عند الأشخاص المصابين بحالة بسيطة إلى متوسطة من ارتفاع الضغط.
والجدير بالذكر أن ضغط الدم يعتبرعالياً إذا تجاوزت قراءاته العليا والسفلى أكثر من 140/ 85 وأن ارتفاع ضغط الدم هو حالة شائعة في البلدان المتقدمة، ويؤثر على 20% من البالغين فيها. وتقول الدكتورة دايان ماكي من جامعة تافتس ببوسطن والمشرفة على الدراسة، إن معظم أنواع شاي الأعشاب المستخدم في الولايات المتحدة الأميركية تحتوي على نبات الخبيزة في تركيبتها وشربها اليومي من قبل أشخاص كان لديهم قياس الضغط الشرياني في معدّله الأعلى (الطبيعي) فجعلهم يستفيدون ويشهدون انخفاضه بعد مرور ستة أسابيع من استخدام شاي النبتة. وقد عرضت الدكتورة ماكي لنتائج أبحاثها خلال اجتماع جمعية القلب الأميركية شارحة النتائج التي حصلت عليها عبر متابعة عن قرب لـ 605 أشخاص شملتهم الدراسة. وأكدت ماكي أن شرب هذا النوع من الشاي أنقص من مستوى الضغط الشرياني الانقباضي Systolic وهو الرقم الأعلى في القياس وذلك بنسبة وصلت إلى سبع نقاط، بالمقارنة مع أشخاص أعطوا نوعاً عادياً من الشاي فلم يتجاوز هذا التغيير نقطة واحدة. وقد يعتبر البعض أن النقاط السبع هذه ليست تغيراً كبيراً إلا أن استمرار هذه الفائدة على المدى الطويل يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على الوقاية من أمراض القلب والجلطات، كما يشار إلى أن نسبة الانخفاض هذه قد تماثل في بعض الأحيان تلك النسبة التي تنتج عن استخدام بعض أدوية الضغط التقليدية، مع فارق أن هذه العقاقير قد تكون لها آثار جانبية تؤثر على باقي أعضاء الجسم.

الخبيرة في صناعة الأدوية
يهتم الطب الحديث بالخبيزة لمحاولة الاستفادة من هذا النبات كشاي مثلاً أو الاستفادة منه فى إنتاج بعض أصناف الأدوية، ومن أهم الأبحاث التي وضعت عن الخبيزة وفوائدها تلك التي قام بها معهد الكيمياء الحيوية في تايوان على خلاصة أزهار الخبيزة، والتي أثبتت أنها تقلل من مستويات الكوليسترول في الدم وتحمي القلب والشرايين من الأمراض، كما اكتشف تقرير أعدّه علماء صينيون أن نبات الخبيزة يساعد في أي نظام متكامل لمعالجة وهن القلب.
وأكّد بحث جديد نشر في صحيفة علم الأغذية والزراعة أن مستخلص الخبيزة لها منافع في معالجة ضغط الدم العالي ومشاكل الكبد.
جذور الخبيزة
جذور الخبيزة غنية بالصمغ المفيد، والذي يصنع منه شراب مغلي يفيد في إدرار البول وتهدئة المسالك البولية. تحتوي جذور الخبيزة على مادة سائلة بيضاء تسيل كلما قطع الجذر، وذلك لطبيعة الفلافونويدات الموجودة فيها وهذه المادة هي عادة شديدة المرورة إلا أنها نافعة في معالجة مرض السكري وأعراض ضعف القلب وآلام الظهر، أي أن المركبات المرة الموجودة في النبات تتمتع بخصائص علاجية.

تغذية الطفل
الخبيزة يمكن أن تدخل في تغذية الطفل الذي يزيد عمره على السنة ويبدأ بتناول بعض الأطعمة العادية وذلك على شكل حساء أو بمزجها مع طعام خفيف مثل الأرز أو البطاطا المسلوقة وهي تساعد على تقوية جهاز المناعة كما تحمي الجهاز الهضمي للطفل ويمكن لمنقوعها أن يعطى بالرضاعة كعلاج لحالات المغص المعوي لكن يشترط اتباع نظام غذائي سليم للطفل بحيث لا يتم تشجيعه على تناول السكاكر أو رقائق البطاطا وغيرها من الأطعمة المصنعة المخربة لصحة الكبار فكيف بصحة صغار السن.

استعمال الأوراق
تستعمل أوراق الخبيزة كمطهرة وقاتلة لبعض البكتيريا والفطريات، وللاستعمال تؤخذ الأوراق وتفرم أو تقطع أو يمكن عجنها وتطبخ على النار لفترة مناسبة، ويتم تناولها بعد ذلك للتخلص من الالتهابات أو الآلام. البعض يقوم أيضاً بمضغ أوراق الخبيزة لأنها تساعد على الهضم وتريح القولون، وتستعمل استعمالاً خارجياً لالتهاب الجفن والرمد, والدمامل, ولسعات الحشرات, والبواسير.
لكن أحد أكثر الإستخدامات الشائعة لأوراق الخبيزة هو استخدام مستخلص الأوراق كغسول للجروح والقروح, أو عمل مرهم كريم أو كمادة لتهدئة التهابات الجلد. فالخبيزة أفضل مطهر للبشرة حيث مفعولها القوي المطهر، وتستخدم الخبيزة في عمل بعض صبغات الشعر.

نبتة-خبيزة-يابسة-وتبدو-انتفاخات-البذور-على-طول-امتداد-الأغصان
نبتة-خبيزة-يابسة-وتبدو-انتفاخات-البذور-على-طول-امتداد-الأغصان

 

طب وعلوم