مَسيرَةُ تطوّرٍ
بعد سنواتٍ خمسٍ من عَوْدَتها للصّدور بصيغتها الجديدة تمكّنت “الضُّحى” من ترسيخ مكانتها كإحدى أغنى وأشمل المجلّات الثّقافيّة وأكثرها انفتاحاً على قضايا التّطوّر الإنسانيّ والمجتمعيّ. وقد أعطت هذه المجلّة المثال في الفكر الجامع وكلَّ ما هو إيجابيّ ومفيدٌ لتكوين ثقافة شاملة وأصبح القارئ النّموذجيّ للمجلّة هو الإنسان العقلانيّ الطّالب للمعرفة سواء كان من بيئة الموحّدين الدّروز المسلمين أم من قرّاء المجتمع الأوسع، والسّبب في ذلك هو أنّ المجلّة ركّزت على الشّأن التّنويريّ الذي يهمّ كلّ إنسان تائق إلى المعرفة وإلى توسيع آفاقه وأهملت الخَوْضَ في تجارة الخلافات والتّمايزات الرّائجة في هذه الفترة من زماننا. لذلك فإنّنا نجد قرّاء كثيرين من خارج البيئة المعروفيّة يُقبلون على المجلّة ويقدّرون فيها مضمونها الفكريّ ونهجها التّقدّميّ المنفتح لأنّهم لا يشعرون عند مطالعتهم لها بعقدة الفئويّة وضيق الأفق التي يتوقّعون أنْ يجدوها في الإعلام الصّادر عن مؤسّسات دينيّة مُتعدّدة.
إلى ذلك فإنَّ أكثرَ ما يفرحنا هو هذا الانتشار المتزايد للمجلَّة بين إخواننا في جبل العرب ونحن نتلقَّى أسبوعيّاً مكالمات من فعاليّات دينية واجتماعيّة ومن مثقّفي الجبل يثنون فيها على إسهام الضّحى في تغطية تاريخ الجبل وسِيَرِ رجالاته مؤكِّدين أنَّها باتت المصدر الأول لمطالعاتهم الثّقافية الجادّة، وقد أثار مقال المجلَّة عن حروب التَّقسيم والنِّفط ترحيباً واسعاً وطلب البعض تزويدهم بنصّ المقال Pdf وهذا ما حصل والمقال الآن يُتدَاول في الجبل على الإنترنت على نطاق واسع.
كذلك هناك اهتمامٌ من مثقَّفي الجبل بالكتابة للمجلَّة، وكلّ يوم نكتشف كم يحوي جبل العرب من طاقات ومن رجالات لم تُتَح لكثيرٍ منهم في السّابق فرصة المساهمة الحقيقيّة في الشّؤون التي تهمّ الطائفة المعروفيّة والوطن الأوسع. وسيُتاح لنا في الأعداد المقبلة التعرُّف على ممثِّلين للنُّخبة المثقَّفة في الجبل سواء من خلال إسهاماتهم بمقالات للمجلّة أم من خلال مقابلات وحوارات مباشرة.
هذه المستجدات في خِطَّة التَّحرير تستجيب في الواقع لمسار التّطوّر والتعلُّم بالتّجربة، وقد تمَّ منذ البدء وضع رؤية الضُّحى بالاستناد إلى فَهمٍ عميقٍ للدّوْر الذي يؤمل لمجلّة طليعيّة أن تؤدّيَه في بيئتها، ومن حُسن التّوفيق أنَّ الصِّيغة التي صدرت بها المجلَّة أثبتت صلاحيتها على الأقلِّ في المُنطلق وفي المراحل الأولى من الصّدور. لكنَّ هذه الصّيغة كان يجري تكييفها بصورة تدريجيّة مع تطوّر تجربتنا ومع ما كان يُقدَّم لنا من ملاحظات واقتراحات، وكذلك مع تنامي نادي الكُتَّاب والمساهمين لأنَّ التّطوُّر يحتاج إلى أفكار جديدة لكنَّه يحتاج إلى من يقوم بعبء تنفيذ تلك الأفكار على الوجه المطلوب.
إنَّ زيادة حِصّة جبل العرب في المجلّة كان أحد جوانب التّطوّر التي يفرضها الوزن الكبير للجبل ونضالاته التّاريخيّة وكذلك الرَّوابط الأسريّة والعاطفيّة التي تربطنا بأهلنا هناك. وقد بدأنا في هذا العدد أيضاً الإطلالة على قِصص نجاح غنيّة بالدّروس لروّاد نجحوا في تحقيق إنجازات كبيرة في حياتهم، وهي إنجازاتٌ يمكن لأجيالنا الشّابّة الجديدة أن تتعلّمَ منها الكثير. وهناك لائحة طويلة برجال أفذاذ شرّفوا الطّائفة المعروفيّة بجهادهم ومواهبهم وما تركوه من صروح وإنجازات رائدة.
أدخلنا أيضاً في هذا العدد قسماً مهمّاً يتعلّق بعلوم الطّبيعة والكَوْنِ والإنسان، وهو قسم يستهدف التّركيزَ على الأسرار والآيات العجيبة للخلق سواء في الكَوْنِ أو في الإنسان أو في المخلوقات، والهدف تعليميٌّ بالطّبع وهو أن يتمَّ بناء الإيمان والسّلوك القويم على إدراك إعجاز الخلق والقدرة العظيمة لربِّ الكَون، لاسيّما وأنّ الكثير من أنظمة التّعليم التي جرى تصميمُها في الغرب ونعتمدُها في مدارسنا وجامعاتنا مُصَمّمة لنزع الإيمان من قلوب الأجيال الجديدة وتخريج شباب مُتَشَكِّكٍ لا يؤمن بشيء.
كما أنَّنا سنُدخل ابتداءً من العدد المُقبل سلسلة من المقابلات مع معمرين من أهلنا كانت لهم تجارب وصولات وجولات في الذّود عن الحمى والكرامة ودفع العدوان، وهؤلاء كما بالنّسبة لبعض مُجاهدي الـ 58 أشخاصٌ يجب أن نشكرهم ونذكرهم ونعطيهم حقَّهم في حياتهم إذا أمكن ونتعلَّم من شجاعتهم ورجولتهم وتضحياتهم وإخلاصهم.
الضُّحى في تطوّرٍ مستمرٍّ وفي سعيٍ دائمٍ إلى توسيع نطاق خدمتها لأنَّنا نريد أنْ يكونَ لكلِّ فردٍ ولكلِّ جماعةٍ ولكلّ صِقع من أصقاعنا نصيبٌ من اهتمام المجلّة وقِسط ٌمن إسهاماتها. واللهُ وليُّ التَّوفيق.